انتهج المغرب في العشرين سنة الأخيرة سياسة إرادية في التعاون مع البلدان الإفريقية أساسها المسؤولية المشتركة والتضامن. وفي هذا الصدد، تم اتخاذ العديد من المبادرات، من أهمها إلغاء ديون بعض البلدان الإفريقية الأقل نمواً، وإعفاء بعض المنتجات المستوردة من بعض البلدان الإفريقية من الرسوم الجمركية، وتقديم منح دراسية لفائدة الطلبة الأفارقة، واعتماد سياسة ملائمة في مجال الهجرة مكَّنت من تسوية وضعية أزيد من 50.000 مهاجر من بلدان القارة الإفريقية منذ سنة 2014 وغيرها.
فمنذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، ظل هذا التوجه والالتزام يتعزز سنة بعد سنة، باعتباره توجها أساسيا في السياسة الخارجية للمملكة من خلال الرؤية الاستراتيجية الملكية للتعاون الإفريقي التي عملت دوما على إيجاد سبل للتفكير وللمبادرات المبتكرة، من خلال جعل المغرب نموذجا في مجال تعزيز التعاون جنوب – جنوب.
ومن اجل صياغة رؤية مشتركة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية لإفريقيا، وجعل الفضاء الأطلسي، كهوية جيواستراتيجية قائمة، ومجالا للتعاون المتعدد الأطراف تحقيقا للمصالح العليا للدول الإفريقية الأطلسية. بادر المغرب في 2022، إلى احتضان الاجتماع الوزاري الأول لدول إفريقيا الأطلسية الذي شاركت فيه 21 دولة تطل على المحيط الأطلسي.
كما أعلن الملك محمد السادس في الخطاب السامي بمناسبة الذكرى الـ 48 للمسيرة الخضراء عن الاستراتيجية الملكية الأطلسية باعتبارها منصة جديدة لتحقيق الاقلاع الاقتصادي للمملكة عبر الواجهة الأطلسية إذ توفر هذه المبادرة الملكية إمكانات غير مسبوقة، من شأنها تقديم حلول مناسبة لتعزيز الاندماج والتعاون الإقليميين، والتحول الهيكلي لاقتصادات هذه الدول الشقيقة وتحسين الظروف المعيشية لساكنة دول الساحل والصحراء في إطار مقاربة مبتكرة ومندمجة لتعزيز استقرار وأمن المنطقة.
وتحرص هذه المبادرة الملكية على تأهيل المجال الساحلي وطنيا، بما فيه الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية، وكذا هيكلة هذا الفضاء الجيو – سياسي على المستوى الإفريقي بهدف تحويل الواجهة الأطلسية ، إلى فضاء للتواصل الإنساني ، والتكامل الاقتصادي ، والإشعاع القاري والدولي. وكذا تسهيل الربط ، بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي ، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك بما فيها تكوين أسطول بحري تجاري وطني، قوي وتنافسي. وإقامة اقتصاد بحري ، يساهم في تنمية المنطقة، ويكون في خدمة ساكنتها، اقتصاد متكامل قوامه، تطوير التنقيب عن الموارد الطبيعية في عرض البحر؛ ومواصلة الاستثمار في مجالات الصيد البحري ؛ وتحلية مياه البحر، لتشجيع الأنشطة الفلاحية، والنهوض بالاقتصاد الأزرق ، ودعم الطاقات المتجددة.
وفي هذا الإطار، تفتح المبادرة الملكية المجال أمام بلدان الساحل ، التي ليس لها منفد على المحيط الاطلسي، للولوج إلى البنيات التحتية الطرقية والمينائية للمملكة سواء التي حضرت في الاجتماع الوزاري بمراكش مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد او البلدان التي لها منفذ على المحيط الأطلسي كموريتانيا و السينغال باعتبارهما شريكيين تقليديين للمملكة حيث يعتبران بلدين معنيين أيضا بهذه المبادرة الاستراتيجية الملكية لانها ستجعل منهما منخرطتان في الدينامية الجديدة التي ستعرفها المنطقة ككل.
فالاقلاع الاقتصادي بدأت أولى بوادره عبر إطلاق مشاريع مهيكلة كالطريق السريع تيزنيت الداخلة الذي يمتد لأزيد من 1055 كلم، إذ أصبح المغرب، بفضل الخط السككي فائق السرعة، أول بلد إفريقي لديه قطار بسرعة 320 كيلومترا في الساعة، وميناء الداخلة الذي يعد جوهرة حقيقية لنموذج التنمية الجديد للأقاليم الجنوبية،الذي تتقدم أشغاله بوتيرة كبيرة والذي سيكون له نشاط أكبر مع ميناء نواديبو بموريتانيا مما يحقق دفعة جديدة للاقتصاد الوطني والموريتاني ومستقبلا السينغالي وتحقيق نهضة تنموية تعود بالنفع العميم على مواطني البلدين الشقيقين .
لذا، فإن هذه المبادرة الاستراتيجية الملكية من شأنها دعم شركاء الساحل قصد تحرير القدرات الهائلة التي تزخر بها، وبالتالي تسريع النمو والتنمية المستدامة والشاملة لاقتصادات المنطقة. وبالتالي المساهمة في اقلاع افريقيا جديدة، إفريقيا قوية وجريئة تتولى الدفاع عن مصالحها، ومؤثرة في الساحة الدولية على اعتبار ان منطقة الساحل ظلت دائما في صلب السياسة الخارجية للمملكة المغربية.
وإذا كانت الواجهة المتوسطية ، تعد صلة وصل بين المغرب وأوروبا ، فإن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو افريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأمريكي من خلال استثمار مجموعة من المشاريع الأطلسية –الافريقية الأخرى وخاصة المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا باعتباره
مشروع للاندماج الجهوي، والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي.
لذلك، تعد هذه المبادرة الاستراتيجية الملكية فرصة للاعتراف بحقوق وقيم البلدان غير المطلة على الساحل في الاقتصاد العالمي وتحفيز إمكانياتها الهائلة بالاعتماد على سياسة هيكلية للاندماج فيه إذ تهدف إتاحة فرص كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن ازدهار مشترك في منطقة الساحل.