الإنصاف الترابي والعدالة الإجتماعية في التربية والتكوين في ظل جائحة كورونا
محمد أهيري
تقديم
معروف أن كل الدول تدبر شؤونها العامة حسب استطاعتها وقدرتها المادية والمعنوية، فالمغرب من بين الدول التي تحاول تطبيق وتفعيل العدالة او الإنصاف على مستوى ترابها الشاسع، وبين مختلف الشرائح الإجتماعية، وبمختلف الوسائل المتاحة. وحق التربية والتعليم والتكوين مكفول للجميع، وقبل التنصيص عليه من قِبل القوانين والمواثيق الوضعية، حث عليه الله في كتابه المبين، فضلا عن ما جاء في السنة النبوية[1]
والمغرب يستمد هذا المبدأ من دينه الحنيف، ثم الوثيقة الدستورية الجديدة لسنة 2011 والتي اعتبرها العديد من الباحثين "دستور الحقوق"، هذه الوثيقة تتضمن في ثناياها مجموعة من الحقوق التي تؤسس للإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع أبناء الوطن من الشمال الى الجنوب في مختلف المجالات وعن طريق مختلف المؤسسات المعنية وخاصة في مجال التربية والتكوين[2] .
بالإضافة إلى الوثيقة الدستورية، هناك مجموعة من الضوابط والقوانين التي تؤسس لضرورة تحقيق العدالة الترابية والإجتماعية، وخاصة القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية التي خصتها بمجموعة من الإختصاصات. فالمشرع أناط الجماعات الترابية باختصاصات ذاتية ومشتركة مع الدولة وأخرى منقولة اليها، هذه الإختصاصات تصب كلها في مجال التنمية الإقتصادية والرقي بتنمية المجالات الترابية المختلفة، إضافة إلى مختلف الآليات التدبيرية التي منحت للجماعات الترابية كصندوق التضامن الجهوي، ومختلف الشركات والوكالات، إضافة آلية الديمقراطية التشاركية، وباقي الهيئات التشاركية.
كما أكدت مختلف الشرائع والمواثيق الدولية والإقليمية على هذا الحق، حيث يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية، وقد وردت هذه الأهمية في عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[[3 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[[4، واتفاقية حقوق الطفل[[5 ، ثم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[[6 ، وغيرها من مصادر القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.
فضلا عن الدور الذي تقوم به المؤسسة الملكية باعتبارها فاعلا اساسيا في منظومة التدبير العمومي المغربي، والإهتمام الملكي بالتربية والتكوين واضح من خلال التعليمات والدعوات التي يوجهها الملك الى القائمين على هذا القطاع، والدعوة الملكية الى الإرتقاء بمستوى الفرد من خلال التربية والتكوين خلال إفتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 10 أكتوبر 2014 من أجل وضع خارطة طريق لإصلاح المدرسة خير دليل على هذا الإهتمام.
والعدالة أو الإنصاف الترابية والإجتماعية في التربية والتكوين له اهمية كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة، وذلك عن طريق التوزيع العادل للمرافق العمومية التربوية وتغطيتها لجل الجماعات والمجالات الترابية كما جاء في الدستور. اضافة الى تمكين جميع التلاميذ بشكل متساو من التحصيل الدراسي، وقدرتهم على الولوج الى الخدمات التربوية. ويتوخى من الإنصاف الترابي في التربية والتكوين البحث عن الموازنة بين التنمية الإجتماعية القائمة على التربية والتكوين الجيد وضرورات التنمية الإقتصادية والمستدامة.
أولا: في الإنصاف والعدالة الترابية والإجتماعية
العدالة كإنصاف كما قال جون براون صيغ لمجتمع ديمقراطي يَعتبر جميع اعضاءه مواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، هذا التكافؤ والإنصاف بين المواطنين تقوم به المؤسسات الرسمية للمجتمع الديمقراطي[[7. وبالتالي فالعدالة كإنصاف هي "عقد اجتماعي في اطار اتفاق مشترك على مفهوم سياسي للعدالة لحالة خاصة للبنية الأساسية لمجتمع ديمقراطي حديث"[8] .
والعدالة الإجتماعية هي مبدأ سياسي وأخلاقي يهدف إلى المساواة في الحقوق والتضامن المجتمعي الذي يسمح بالتوزيع العادل والمنصف للثروة، سواء كانت مادية أو رمزية، بين مختلف أفراد المجتمع. وتتطلب العدالة الإجتماعية من الدولة إرادة للتعويض عن بعض أوجه عدم المساواة التي تظهر في عمل المجتمع وضمان حق جميع مكوناتها في التطور الإقتصادي والثقافي[9] .
تشير العدالة الترابية الى البعد المكاني للعدالة الإجتماعية. وتعني ايضا المجال الجغرافي الذي من شأنه ان يوفر لكل المناطق او المجالات الترابية وسكانها نفس الشروط في الولوج الى الخدمات العامة والخاصة[[10 (التعليم، الصحة، التشغيل، وكل متطلبات الحياة الإجتماعية)، وهي نفس الحقوق التي نصت عليها الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
ومفهوم الإنصاف الترابي مستوحى من عمل الأستاذ الأمريكي جون راولز (نظرية العدل 1971) حيث يستند مبدأ الإنصاف على مبدأين[11] :
بالإضافة إلى الوثيقة الدستورية، هناك مجموعة من الضوابط والقوانين التي تؤسس لضرورة تحقيق العدالة الترابية والإجتماعية، وخاصة القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية التي خصتها بمجموعة من الإختصاصات. فالمشرع أناط الجماعات الترابية باختصاصات ذاتية ومشتركة مع الدولة وأخرى منقولة اليها، هذه الإختصاصات تصب كلها في مجال التنمية الإقتصادية والرقي بتنمية المجالات الترابية المختلفة، إضافة إلى مختلف الآليات التدبيرية التي منحت للجماعات الترابية كصندوق التضامن الجهوي، ومختلف الشركات والوكالات، إضافة آلية الديمقراطية التشاركية، وباقي الهيئات التشاركية.
كما أكدت مختلف الشرائع والمواثيق الدولية والإقليمية على هذا الحق، حيث يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية، وقد وردت هذه الأهمية في عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[[3 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[[4، واتفاقية حقوق الطفل[[5 ، ثم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[[6 ، وغيرها من مصادر القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.
فضلا عن الدور الذي تقوم به المؤسسة الملكية باعتبارها فاعلا اساسيا في منظومة التدبير العمومي المغربي، والإهتمام الملكي بالتربية والتكوين واضح من خلال التعليمات والدعوات التي يوجهها الملك الى القائمين على هذا القطاع، والدعوة الملكية الى الإرتقاء بمستوى الفرد من خلال التربية والتكوين خلال إفتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 10 أكتوبر 2014 من أجل وضع خارطة طريق لإصلاح المدرسة خير دليل على هذا الإهتمام.
والعدالة أو الإنصاف الترابية والإجتماعية في التربية والتكوين له اهمية كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة، وذلك عن طريق التوزيع العادل للمرافق العمومية التربوية وتغطيتها لجل الجماعات والمجالات الترابية كما جاء في الدستور. اضافة الى تمكين جميع التلاميذ بشكل متساو من التحصيل الدراسي، وقدرتهم على الولوج الى الخدمات التربوية. ويتوخى من الإنصاف الترابي في التربية والتكوين البحث عن الموازنة بين التنمية الإجتماعية القائمة على التربية والتكوين الجيد وضرورات التنمية الإقتصادية والمستدامة.
أولا: في الإنصاف والعدالة الترابية والإجتماعية
العدالة كإنصاف كما قال جون براون صيغ لمجتمع ديمقراطي يَعتبر جميع اعضاءه مواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، هذا التكافؤ والإنصاف بين المواطنين تقوم به المؤسسات الرسمية للمجتمع الديمقراطي[[7. وبالتالي فالعدالة كإنصاف هي "عقد اجتماعي في اطار اتفاق مشترك على مفهوم سياسي للعدالة لحالة خاصة للبنية الأساسية لمجتمع ديمقراطي حديث"[8] .
والعدالة الإجتماعية هي مبدأ سياسي وأخلاقي يهدف إلى المساواة في الحقوق والتضامن المجتمعي الذي يسمح بالتوزيع العادل والمنصف للثروة، سواء كانت مادية أو رمزية، بين مختلف أفراد المجتمع. وتتطلب العدالة الإجتماعية من الدولة إرادة للتعويض عن بعض أوجه عدم المساواة التي تظهر في عمل المجتمع وضمان حق جميع مكوناتها في التطور الإقتصادي والثقافي[9] .
تشير العدالة الترابية الى البعد المكاني للعدالة الإجتماعية. وتعني ايضا المجال الجغرافي الذي من شأنه ان يوفر لكل المناطق او المجالات الترابية وسكانها نفس الشروط في الولوج الى الخدمات العامة والخاصة[[10 (التعليم، الصحة، التشغيل، وكل متطلبات الحياة الإجتماعية)، وهي نفس الحقوق التي نصت عليها الوثيقة الدستورية لسنة 2011.
ومفهوم الإنصاف الترابي مستوحى من عمل الأستاذ الأمريكي جون راولز (نظرية العدل 1971) حيث يستند مبدأ الإنصاف على مبدأين[11] :
- مبدأ الإختلاف: عدم المساواة الملاحظة في المجتمع مقبولة فقط إذا كانت تساهم في زيادة الرفاه الجماعي العام؛
- مبدأ الجبر: يجب على المجتمع العادل أن يولي اهتماما للفقراء والمناطق الأكثر تضررا أكثر من اهتمامه بالسكان أو المنطقة كلها[12] ؛
ومن هنا يمكن القول ان العدالة والإنصاف الترابي هو هدف كل سياسة عمومية اقتصادية كانت او اجتماعية تهدف الى الحد من التفاوتات المكانية والجغرافية للتنمية، وتُركّز مواردها على المناطق الأقل حظا والأكثر تأخرا من الإستفادة من ثمار التنمية بسبب البعد عن التجهيزات والبنيات الأساسية، والأكثر تأثرا بالفقر والهشاشة والعزلة. والإنصاف يوحي على مبدأ إعادة التوزيع.
إن العدالة والإنصاف الترابي والإجتماعية قضية سياسية واقتصادية وتدبيرية واجتماعية لا يمكن ممارستها إلا بشروط[13] :
إن العدالة والإنصاف الترابي والإجتماعية قضية سياسية واقتصادية وتدبيرية واجتماعية لا يمكن ممارستها إلا بشروط[13] :
- الحصول على وسائل التحويل، التي تزداد صعوبة في سياق أزمة المالية المحلية ومديونية الدولة؛
- الموافقة على دعم الأقاليم التي تواجه صعوبات من خلال تحويل الإيرادات أو الإنفاق بين المناطق الغنية والفقيرة، وهو ما يعني تفعيل آليات التضامن وهو ما جاء في القانون التنظيمي للجهات بإنشاء صندوق خاص لهذا الغرض؛
- منح وسائل مالية محددة للمجالات الترابية الأقل ثراءً لتمكينها من تقديم مستوى من الخدمات يضاهي تلك الموجودة في المناطق او الجهات الغنية المعنية؛
- دعم هذه المناطق من خلال تدابير التمويل والتدبير التي تهدف إلى تحسين جاذبيتها في مواجهة المجتمع أو فاعلين آخرين؛
- اعتبار السكان المقيمن في جميع أرجاء التراب الوطني سواسية اما القانون وأمام توزيع الثروات والخدمات.
والإنصاف أو العدالة الترابية والإجتماعية في معناه العام يتوخى تحقيق تنمية شاملة من خلال التقسيم العادل للثروة والخدمات والتجهيزات، وتوزيع ثمار التنمية بشكل منصف بين مناطق المغرب، ويتم ذلك بواسطة توزيع آليات خلق الثروة بين جهات المملكة ومدنها جهات غنية وفقيرة على السواء، ثم العمل على استدامة آليات التوزيع. ولنا في السياسة الماليزية خير دليل، إذ أن توجهها ليس في اتجاه استمرار تحقيق معدلات النمو المرتفعة دون اعتبار للمشاكل الإجتماعية، بل إتجهت الى الأخذ بعين الإعتبار التوزيع العادل للثروة، لتكريس مفهوم النمو المتوازن على أرض الواقع، وجعل المواطن الماليزي محور عملية التنمية من خلال تمكينه من جميع الوسائل التي تساهم في خلق الثروة.
ثانيا: الإنصاف والعدالة الترابية والإجتماعية في التربية والتكوين
تعتبر التربية والتكوين من صميم المشروع المجتمعي لكل الدول، اعتبارا للأدوار التي تقوم بها في النهوص بتكوين وتنشئة المواطنات والمواطنين، ولبنة أساسية في تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة. وضمان الحق في التعليم للجميع من ضمن أركان تطور الدول وتحديثها.
ثانيا: الإنصاف والعدالة الترابية والإجتماعية في التربية والتكوين
تعتبر التربية والتكوين من صميم المشروع المجتمعي لكل الدول، اعتبارا للأدوار التي تقوم بها في النهوص بتكوين وتنشئة المواطنات والمواطنين، ولبنة أساسية في تحقيق أهداف التنمية البشرية والمستدامة. وضمان الحق في التعليم للجميع من ضمن أركان تطور الدول وتحديثها.
- الإنصاف والعدالة الإجتماعية في التربية والتكوين
والإنصاف الترابي في التربية والتكوين ينصرف الى تساوي الفرص بين جميع ابناء الوطن بدون استثناء في مجال التعليم وتلقي الدروس، وما عشناه في ظل جائحة كورونا لا يوحي بشيء على هذه العدالة والإنصاف، بل هناك فوارق وتفاوتات كبيرة خاصة فيما يخص التعلم عن بعد والإستفادة من الدروس الإلكترونية. إذ أن الإنصاف يفرض ان يتمكن جل التلاميذ من الولوج الى الدروس عن بعد وخاصة اولئك الذين يعيشون ظروفا صعبة.
والإنصاف في منظومة التربية والتكوين هو الإرتقاء بالتعليم والبحث العلمي وتجاوز الإختلالات القائمة التي تعترض التلاميذ في جميع المناطق في مجال الدراسة، وتأهيل البنيات والآليات المعتمدة في التحصيل العلمي، وإدراج المستجدات وفق منظور إستشرافي في إطار تفاعل وتكامل مع باقي القطاعات المجتمعية الأخرى كالإقتصاد، والإدارة، والقضاء، والإعلام والثقافة، والسياسية على مستوى التراب الوطني.
وعموما يعني الإنصاف والعدالة في المجال التربوي:
والإنصاف في منظومة التربية والتكوين هو الإرتقاء بالتعليم والبحث العلمي وتجاوز الإختلالات القائمة التي تعترض التلاميذ في جميع المناطق في مجال الدراسة، وتأهيل البنيات والآليات المعتمدة في التحصيل العلمي، وإدراج المستجدات وفق منظور إستشرافي في إطار تفاعل وتكامل مع باقي القطاعات المجتمعية الأخرى كالإقتصاد، والإدارة، والقضاء، والإعلام والثقافة، والسياسية على مستوى التراب الوطني.
وعموما يعني الإنصاف والعدالة في المجال التربوي:
- الولوج المعمم للتربية، عبر توفير مقاعد بيداغوجية للجميع بنفس مواصفات الجودة والنجاعة، دون تمييز قائم على الإنتماء الجغرافي أو الإجتماعي، أو النوع أو الإعاقة أو اللون أو اللغة أو المعتقد[[14 ؛
- توفير كافة البنيات والفضاءات وشروط التأطير التربوي، اللازمة لحاجات التعميم، وحق الجميع في التربية والتكوين، توفير الشروط الكفيلة بإحراز النجاح على أساس الإستحقاق، والإحتفاظ لأطول مدى بالمتعلم داخل المدرسة، واستكمال مسارات التعليم والتعلم بحسب القدرات والمؤهلات؛
- تأمين جميع أنواع الدعم، المادي والتربوي والنفسي والإجتماعي، لفائدة المتعلمين والمتعلمات المحتاجين لذلك، ضمانا للإستفادة المتكافئة من خدمات التربية والتكوين؛
- ضمان الحق في التعلم مدى الحياة للجميع؛
- التتويج بإشهاد في مختلف مكونات المنظومة ومستويات التكوين والتأهيل[[15 .
يمكن الحديث عن التنمية عندما يتم الإستجابة لمطالب وحاجيات السكان، ومن خلال واقع بعض المجالات الترابية بالمغرب والتي تعيش أوضاعا مختلفة نجد أن العدالة في التربية تختلف بين هذه المناطق بين الجيدة والسيئة او المنعدمة. والعدالة كعقد اجتماعي تعني ان بإمكان جميع الأفراد الولوج الى الخدمات الإجتماعية[[16 كالتربية والتكوين التي نصت عليها جميع الشرائع الوطنية والدولية.
وإذا ما استحضرنا هذه الشروط لتحقيق العدالة في التربية والتكوين، فإن المغرب لم يعرف هذه العدالة خلال جائحة كورونا لأن هناك تلاميذ لا يستطيعون متابعة الدروس عن بعد نظرا لظروفهم المادية، وكذا العزلة التي تعيش فيها بعض المناطق بسبب غياب التجهيزات الأساسية التي تسمح للتلاميذ بمتابعة الدراسة عن بعد.
وإذا ما استحضرنا هذه الشروط لتحقيق العدالة في التربية والتكوين، فإن المغرب لم يعرف هذه العدالة خلال جائحة كورونا لأن هناك تلاميذ لا يستطيعون متابعة الدروس عن بعد نظرا لظروفهم المادية، وكذا العزلة التي تعيش فيها بعض المناطق بسبب غياب التجهيزات الأساسية التي تسمح للتلاميذ بمتابعة الدراسة عن بعد.
- الإنصاف والعدالة الترابية في التربية والتكوين
تتحقق العدالة والإنصاف الترابي في التربية انطلاقا من الفصل 154 من الوثيقة الدستورية الذي يؤسس للمساواة وتكافؤ الفرص بين ابناء الوطن، وبين جميع المناطق دون استثناء من خلال التغطية الشاملة لكل التراب الوطني بجميع المرافق ومنها تلك المتعلقة بقطاع التعليم والتربية أو بمرافق أخرى كدور الطالب والإقامات الخاصة بالتلاميذ والطلبة، وعلى هذه المرافق التربوية المتمثلة خاصة في المدارس والمعاهد ودور الطالب أن تقدم خدماتها باستمرار وبشكل منصف ومتساو بين المرتفقين (التلاميذ والتلميذات).
والإنصاف التربوي من خلال هذا الفصل هو ما تدعو اليه ايضا مبادئ الحكامة الجيدة، ودولة الحق والقانون التي يقوم عليها النظام السياسي بالمغرب كما جاء في تصدير الوثيقة الدستورية "...وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الإجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة"، وهو جعل التلميذ في صلب الإهتمام الرسمي وفي كل البرامج والمشاريع التنموية.
والإنصاف لن يستقيم إلا بتفعيل وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة والمعايير التدبيرية من قبيل الجودة في تقديم الخدمات لكل المواطنين، والشفافية والمحاسبة والمسؤولية عن النتائج وعن كل اختلال في هذا المجال، وإخضاعها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور كالمشاركة في تدبير المرافق العمومية من خلال آليات العرائض والإلتماسات التي تساهم في تجويد مرفق التربية والتكوين الذي يعتبر مرفقا مهما في الحياة الإقتصادية والإجتماعية لتحقيق تنمية مستدامة.
ويتضح انعدام العدالة الترابية او المجالية في التربية والتكوين من خلال تباين الدعم الموجه للمؤسسات التعليمية، بحيث نجد ان ما يتم تقديمه وتوجيهه من موارد لتلك التي توجد في المناطق المعزولة والقروية وضواحي المدن أقل مما تتلقاه المؤسسات الموجودة في المناطق الحضرية او بعض المناطق التي تتلقى اهتماما من طرف المسؤولين هناك. وهذا الدعم سيساعد على توفير وسائل متابعة الدراسة عن بعد، وسيمكن التلاميذ من الإستعداد أكثر.
ثالثا: الإنصاف في التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا
من أسباب الفوارق في التربية والتكوين هي أوجه العجز الإجتماعي التي تتجلى في الفقر، وهشاشة الأسر، وأمية الآباء والأمهات والصعوبات التي يجدونها في تتبع دراسة أبنائهم، وهي تؤثر بشكل سلبي في عملية التعلم داخل المدرسة. والفقر والهشاشة مرتبطين بشكل كبير بالمدرسة، بل يؤثران بشكل مباشر في إمكانيات التلاميذ وفي وتمكينهم واستمرارهم الدراسي.
ومن هنا نثير مسألة تكافؤ الفرص التعلم عن بعد حيث التفاوت بين المناطق التي تتوفر على إمكانيات وتجهيزات أساسية لتمكين المواطن او التلميذ من التمدرس، وتلك التي لا تتوفر على امكانيات كما هو الحال للعالم القروي وبعض الأقاليم التي تفتقر الى أبسط التجهيزات. كما يتمثل انعدام تكافؤ الفرص بين الأسر نفسها وفي نفس المنطقة او المجال الترابي، والسبب يعود الى السياسات المتبعة منذ سنوات حينما يتم التركيز على مناطق معينة دون غيرها.
والإقصاء والحرمان من هذا الحق، يرتبط بشكل كبير بالأصل الإجتماعي للتلميذ بين الأسر الفقيرة والأسر الغنية، بحيث يتضح أن هناك تقويض لمبدأ تكافؤ الفرص، الذي يفترض أن جميع التلاميذ يتلقون نفس التربية كيفما كانت خصائصهم الفردية والأسرية، ويضرب في كل المواثيق والقوانين التي تؤمن هذا الحق وخاصة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح، وقانون الإطار[17] .
إن هذه التفاوتات يمكن التمييز خلالها بين التفاوت الذي يظهر بين ابناء المدن اولا: بين الفئات الغنية والفئات الفقيرة التي لا تمتلك الوسائل اللازمة لمواكبة الدروس المبرمجة عن بعد، وهنا نثير مسؤولية الوزارة المكلفة بالقطاع على تلبية كل الطلبات وتوفيرها، بل على العكس نلاحظ ان هناك عشوائية تدبيرية بحيث لم تعمل بخطط تدبيرية واضحة حتى تتأكد من وضعية كل الأسر وبالتالي تعميم هذه الآلية وتحقيق العدالة التربوية. ومن جانب آخر هناك تفاوت واضح بين تلاميذ المدن وتلاميذ القرى والمناطق النائية التي لا تتوفر على الوسائل الضرورية لمواكبة برامج التعليم عن بعد، وهنا نطرح مسألة العدالة الترابية والإنصاف في توزيع الثروات بين جميع المناطق والإستفادة منها.
والسؤال المطروح هل كل التلاميذ والطلبة يملكون نفس الفرص والإمكانيات للإستعداد والمشاركة في الإمتحانات؟
لكي يوصف أي مجتمع بالديمقراطية او بالمجتمع العادل، فعليه أن يولي اهتماما بالمناطق الأكثر عزلة لتمكينها من البنيات والتجهيزات الأساسية المتعلقة بالتربية والتكوين، والإعتناء بالأسر الفقيرة وعلى وجه الخصوص التلاميذ الأكثر خصاصا وفقرا، وعلى المسؤولين أن يضمنوا تكافؤ الفرص التي نص عليها الدستور، ثم تأمين الدراسة لهؤلاء التلاميذ حتى نكون امام سياسة وبرامج تعمل على الحد من الفوارق في التحصيل العلمي، والنتائج الدراسية، ومن ثم في الإندماج الإجتماعي والمهني وهو ما ينقص ابناء المناطق المهمشة[[18 باستثناء قلة قليلة منهم.
ومعنى هذا أنه يتعين على الدولة وعلى المؤسسات العمومية والجماعات الترابية كفاعلين أساسيين في تدبير الشأن العام ان توفر كل الإمكانيات التي تسهل عملية التعلم على التلاميذ، إما عن طريق توفير كل الموارد التكنلوجية والتقنية اللازمة للتحصيل العلمي داخل بيوتهم، أو من خلال توفير المؤسسات المجهزة سواء الإقامات الدائمة في ظل هذه الجائحة او المؤسسات التعليمية والتربوية التي يمكن ان تحتضن هؤلاء التلاميذ لإستكمال مسارهم الدراسي في احترام تام لتعليمات السلطات المختصة بمتابعة كوفيد 19، وبالتالي الإستعداد للإمتحانات في أجواء وظروف مناسبة.
وهنا يتبادر الى الذهن مدى حضور السياسات العمومية التربوية الخاصة بالمجالات الترابية وبالفئات المهمشة في الفضاء العمومي، خاصة اذا كان المحدد المؤسساتي لا يكفي لوحده لتفسير قصور او ضعف مردودية التربية والتكوين، بل لابد من مواكبة التلميذ عن قرب بوسائل بيداغوجية ومادية ومعنوية.
والأصل ان تكون المدرسة هي من تعمل على حل هذه الفوارق وفك الإرتباط بينها وبين الفوارق الإجتماعية من خلال سياسة الدولة العادلة والديمقراطية التي توجهها نحو كل الفئات الإجتماعية بشكل منصف. والإستثمار في الرأسمال البشري وخاصة في التربية يعد من أهم الركائز التي يقوم عليها التقدم الإقتصادي او انهياره[[19 . وجائحة كورونا هي خير دليل على أهمية التعليم، وتمكين جميع التلاميذ من الإستفادة منه حتى يواكب الظرفية الصعبة التي يعيشها المغرب. وقد نادى الملك الى اعطاء الأهمية اللازمة للرأسمال البشري الذي هو ثروة كل بلد، وهو "أحدث المعايير المعتمدة على الصعيد الدولي لقياس القيمة الإجمالية للدول" كما جاء في الخطاب[20] .
إن الخسارة المسجلة في التنمية البشرية والناتجة عن الفوارق في التربية مهمة وكبيرة، فوفق آخر تقرير حول التنمية البشرية لسنة 2016 لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) تقدر الخسائر في التنمية بسبب الفوارق في التربية سنة 2015 بـ%8,45 وهي نسبة تفوق بكثير نسب الخسائر التي تتسبب فيها المكونات الأخرى للتنمية البشرية: (أي الصحة %16، والدخل %23)[21] .
وهنا يجب إعادة النظر في مسألة النجاح الدراسي القائم على المعدل بناء على مبدأ الإستحقاق كما هو مطروح من طرف وزارة التعليم، والتفكير من جديد في مسألة العدالة الإجتماعية في مجال التربية، لماذا؟
في المغرب هناك نوعين من التعليم: التعليم العمومي الذي تتكلف به المؤسسات التربوية العمومية؛ والتعليم الخصوصي الذي تتكلف به المؤسسات التعليمية الخصوصية أي القطاع الخاص. وفي المعاش المغربي تعتبر المدرسة الخصوصية هي الوسيلة التي تضمن لأبنائها تربية ذات جودة أفضل مما يقدمه التعليم العمومي. ومن هنا يأتي اشكال النسبة التي يتوجب اعتماد عتبة النجاح، خاصة اذا تعمقنا في طريقة ومنهجية كل جهة او اكاديمية في تنقيط التلاميذ، والحل هو ترك الحرية للأكاديميات الجهوية في اختيار طريقة تناسب كل التلاميذ، وتناسب مستواهم الدراسي في الفصل الأول من الموسم الدراسي.
خلاصة
لا يحظى قطاع التربية والتكوين بالمغرب بنسبة هامة من الميزانية العامة كما هو الحال لباقي القطاعات، وهذا الإهمال ساهم في أنتاج فوارق صارخة في التعليم وبالتالي فإن المغرب يدفع تكلفة غالية لهذا التهاون. والفوارق الإجتماعية والترابية تساهم بشكل مباشر في الفشل الدراسي لبعض التلاميذ إما بالتكرار او بالتخلي عن الدراسة بشكل نهائي.
والتعليم كما هو معروف هو الآلية الرئيسية لتطور الأمم وازدهارها، ولنا في تجارب النمور الخمسة في آسيا خير دليل على أن الإهتمام بالرأسمال البشري يعد من الإستثمارات المهمة التي تعتمد عليها الدول المتقدمة لإستمرارها ومقاومتها للمنافسة العالمية.
والفوارق في التعليم والتربية يؤديان الى عدم التمدرس والإنقطاع وهؤلاء لا يسببان تكاليف مالية فحسب، وإنما يخلفان تكلفة اجتماعية كالأمية التي تجعل المغرب من بين الأمم المتخلفة ويتم تصنيفه في مراتب ادنى. وللفوارق في التعليم أيضا تكلفة أخرى تتمثل في الخسائر المالية، وقد قدرت الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2016 ثمن الهدر المدرسي الناتج عن الفوارق الاجتماعية والترابية بـ 1,2 مليار درهم في أسلاك التعليم الثالثة والإبتدائي، والثانوي الإعدادي، والثانوي التأهيلي[22] .
وإذا كانت الدولة تراعي وتأخذ بعين الإعتبار كل القوانين والنصوص التي تضمن كرامة الإنسان وتكافؤ الفرص، فإن عليها أن تساعد التلاميذ المعنيين بالإمتحانات في الشهور المقبلة عن طريق مجموعة من الآليات:
والإنصاف التربوي من خلال هذا الفصل هو ما تدعو اليه ايضا مبادئ الحكامة الجيدة، ودولة الحق والقانون التي يقوم عليها النظام السياسي بالمغرب كما جاء في تصدير الوثيقة الدستورية "...وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الإجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة"، وهو جعل التلميذ في صلب الإهتمام الرسمي وفي كل البرامج والمشاريع التنموية.
والإنصاف لن يستقيم إلا بتفعيل وتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة والمعايير التدبيرية من قبيل الجودة في تقديم الخدمات لكل المواطنين، والشفافية والمحاسبة والمسؤولية عن النتائج وعن كل اختلال في هذا المجال، وإخضاعها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور كالمشاركة في تدبير المرافق العمومية من خلال آليات العرائض والإلتماسات التي تساهم في تجويد مرفق التربية والتكوين الذي يعتبر مرفقا مهما في الحياة الإقتصادية والإجتماعية لتحقيق تنمية مستدامة.
ويتضح انعدام العدالة الترابية او المجالية في التربية والتكوين من خلال تباين الدعم الموجه للمؤسسات التعليمية، بحيث نجد ان ما يتم تقديمه وتوجيهه من موارد لتلك التي توجد في المناطق المعزولة والقروية وضواحي المدن أقل مما تتلقاه المؤسسات الموجودة في المناطق الحضرية او بعض المناطق التي تتلقى اهتماما من طرف المسؤولين هناك. وهذا الدعم سيساعد على توفير وسائل متابعة الدراسة عن بعد، وسيمكن التلاميذ من الإستعداد أكثر.
ثالثا: الإنصاف في التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا
من أسباب الفوارق في التربية والتكوين هي أوجه العجز الإجتماعي التي تتجلى في الفقر، وهشاشة الأسر، وأمية الآباء والأمهات والصعوبات التي يجدونها في تتبع دراسة أبنائهم، وهي تؤثر بشكل سلبي في عملية التعلم داخل المدرسة. والفقر والهشاشة مرتبطين بشكل كبير بالمدرسة، بل يؤثران بشكل مباشر في إمكانيات التلاميذ وفي وتمكينهم واستمرارهم الدراسي.
ومن هنا نثير مسألة تكافؤ الفرص التعلم عن بعد حيث التفاوت بين المناطق التي تتوفر على إمكانيات وتجهيزات أساسية لتمكين المواطن او التلميذ من التمدرس، وتلك التي لا تتوفر على امكانيات كما هو الحال للعالم القروي وبعض الأقاليم التي تفتقر الى أبسط التجهيزات. كما يتمثل انعدام تكافؤ الفرص بين الأسر نفسها وفي نفس المنطقة او المجال الترابي، والسبب يعود الى السياسات المتبعة منذ سنوات حينما يتم التركيز على مناطق معينة دون غيرها.
والإقصاء والحرمان من هذا الحق، يرتبط بشكل كبير بالأصل الإجتماعي للتلميذ بين الأسر الفقيرة والأسر الغنية، بحيث يتضح أن هناك تقويض لمبدأ تكافؤ الفرص، الذي يفترض أن جميع التلاميذ يتلقون نفس التربية كيفما كانت خصائصهم الفردية والأسرية، ويضرب في كل المواثيق والقوانين التي تؤمن هذا الحق وخاصة الرؤية الإستراتيجية للإصلاح، وقانون الإطار[17] .
إن هذه التفاوتات يمكن التمييز خلالها بين التفاوت الذي يظهر بين ابناء المدن اولا: بين الفئات الغنية والفئات الفقيرة التي لا تمتلك الوسائل اللازمة لمواكبة الدروس المبرمجة عن بعد، وهنا نثير مسؤولية الوزارة المكلفة بالقطاع على تلبية كل الطلبات وتوفيرها، بل على العكس نلاحظ ان هناك عشوائية تدبيرية بحيث لم تعمل بخطط تدبيرية واضحة حتى تتأكد من وضعية كل الأسر وبالتالي تعميم هذه الآلية وتحقيق العدالة التربوية. ومن جانب آخر هناك تفاوت واضح بين تلاميذ المدن وتلاميذ القرى والمناطق النائية التي لا تتوفر على الوسائل الضرورية لمواكبة برامج التعليم عن بعد، وهنا نطرح مسألة العدالة الترابية والإنصاف في توزيع الثروات بين جميع المناطق والإستفادة منها.
والسؤال المطروح هل كل التلاميذ والطلبة يملكون نفس الفرص والإمكانيات للإستعداد والمشاركة في الإمتحانات؟
لكي يوصف أي مجتمع بالديمقراطية او بالمجتمع العادل، فعليه أن يولي اهتماما بالمناطق الأكثر عزلة لتمكينها من البنيات والتجهيزات الأساسية المتعلقة بالتربية والتكوين، والإعتناء بالأسر الفقيرة وعلى وجه الخصوص التلاميذ الأكثر خصاصا وفقرا، وعلى المسؤولين أن يضمنوا تكافؤ الفرص التي نص عليها الدستور، ثم تأمين الدراسة لهؤلاء التلاميذ حتى نكون امام سياسة وبرامج تعمل على الحد من الفوارق في التحصيل العلمي، والنتائج الدراسية، ومن ثم في الإندماج الإجتماعي والمهني وهو ما ينقص ابناء المناطق المهمشة[[18 باستثناء قلة قليلة منهم.
ومعنى هذا أنه يتعين على الدولة وعلى المؤسسات العمومية والجماعات الترابية كفاعلين أساسيين في تدبير الشأن العام ان توفر كل الإمكانيات التي تسهل عملية التعلم على التلاميذ، إما عن طريق توفير كل الموارد التكنلوجية والتقنية اللازمة للتحصيل العلمي داخل بيوتهم، أو من خلال توفير المؤسسات المجهزة سواء الإقامات الدائمة في ظل هذه الجائحة او المؤسسات التعليمية والتربوية التي يمكن ان تحتضن هؤلاء التلاميذ لإستكمال مسارهم الدراسي في احترام تام لتعليمات السلطات المختصة بمتابعة كوفيد 19، وبالتالي الإستعداد للإمتحانات في أجواء وظروف مناسبة.
وهنا يتبادر الى الذهن مدى حضور السياسات العمومية التربوية الخاصة بالمجالات الترابية وبالفئات المهمشة في الفضاء العمومي، خاصة اذا كان المحدد المؤسساتي لا يكفي لوحده لتفسير قصور او ضعف مردودية التربية والتكوين، بل لابد من مواكبة التلميذ عن قرب بوسائل بيداغوجية ومادية ومعنوية.
والأصل ان تكون المدرسة هي من تعمل على حل هذه الفوارق وفك الإرتباط بينها وبين الفوارق الإجتماعية من خلال سياسة الدولة العادلة والديمقراطية التي توجهها نحو كل الفئات الإجتماعية بشكل منصف. والإستثمار في الرأسمال البشري وخاصة في التربية يعد من أهم الركائز التي يقوم عليها التقدم الإقتصادي او انهياره[[19 . وجائحة كورونا هي خير دليل على أهمية التعليم، وتمكين جميع التلاميذ من الإستفادة منه حتى يواكب الظرفية الصعبة التي يعيشها المغرب. وقد نادى الملك الى اعطاء الأهمية اللازمة للرأسمال البشري الذي هو ثروة كل بلد، وهو "أحدث المعايير المعتمدة على الصعيد الدولي لقياس القيمة الإجمالية للدول" كما جاء في الخطاب[20] .
إن الخسارة المسجلة في التنمية البشرية والناتجة عن الفوارق في التربية مهمة وكبيرة، فوفق آخر تقرير حول التنمية البشرية لسنة 2016 لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) تقدر الخسائر في التنمية بسبب الفوارق في التربية سنة 2015 بـ%8,45 وهي نسبة تفوق بكثير نسب الخسائر التي تتسبب فيها المكونات الأخرى للتنمية البشرية: (أي الصحة %16، والدخل %23)[21] .
وهنا يجب إعادة النظر في مسألة النجاح الدراسي القائم على المعدل بناء على مبدأ الإستحقاق كما هو مطروح من طرف وزارة التعليم، والتفكير من جديد في مسألة العدالة الإجتماعية في مجال التربية، لماذا؟
في المغرب هناك نوعين من التعليم: التعليم العمومي الذي تتكلف به المؤسسات التربوية العمومية؛ والتعليم الخصوصي الذي تتكلف به المؤسسات التعليمية الخصوصية أي القطاع الخاص. وفي المعاش المغربي تعتبر المدرسة الخصوصية هي الوسيلة التي تضمن لأبنائها تربية ذات جودة أفضل مما يقدمه التعليم العمومي. ومن هنا يأتي اشكال النسبة التي يتوجب اعتماد عتبة النجاح، خاصة اذا تعمقنا في طريقة ومنهجية كل جهة او اكاديمية في تنقيط التلاميذ، والحل هو ترك الحرية للأكاديميات الجهوية في اختيار طريقة تناسب كل التلاميذ، وتناسب مستواهم الدراسي في الفصل الأول من الموسم الدراسي.
خلاصة
لا يحظى قطاع التربية والتكوين بالمغرب بنسبة هامة من الميزانية العامة كما هو الحال لباقي القطاعات، وهذا الإهمال ساهم في أنتاج فوارق صارخة في التعليم وبالتالي فإن المغرب يدفع تكلفة غالية لهذا التهاون. والفوارق الإجتماعية والترابية تساهم بشكل مباشر في الفشل الدراسي لبعض التلاميذ إما بالتكرار او بالتخلي عن الدراسة بشكل نهائي.
والتعليم كما هو معروف هو الآلية الرئيسية لتطور الأمم وازدهارها، ولنا في تجارب النمور الخمسة في آسيا خير دليل على أن الإهتمام بالرأسمال البشري يعد من الإستثمارات المهمة التي تعتمد عليها الدول المتقدمة لإستمرارها ومقاومتها للمنافسة العالمية.
والفوارق في التعليم والتربية يؤديان الى عدم التمدرس والإنقطاع وهؤلاء لا يسببان تكاليف مالية فحسب، وإنما يخلفان تكلفة اجتماعية كالأمية التي تجعل المغرب من بين الأمم المتخلفة ويتم تصنيفه في مراتب ادنى. وللفوارق في التعليم أيضا تكلفة أخرى تتمثل في الخسائر المالية، وقد قدرت الهيئة الوطنية للتقييم سنة 2016 ثمن الهدر المدرسي الناتج عن الفوارق الاجتماعية والترابية بـ 1,2 مليار درهم في أسلاك التعليم الثالثة والإبتدائي، والثانوي الإعدادي، والثانوي التأهيلي[22] .
وإذا كانت الدولة تراعي وتأخذ بعين الإعتبار كل القوانين والنصوص التي تضمن كرامة الإنسان وتكافؤ الفرص، فإن عليها أن تساعد التلاميذ المعنيين بالإمتحانات في الشهور المقبلة عن طريق مجموعة من الآليات:
- توفير وسائل التواصل والإتصال التي تتيح متابعة الدراسة عن بعد من قبيل الهاتف او الحاسوب؛
- الإهتمام بالتلاميذ الذين يقطنون في مناطق لا تتوفر على الشبكة اللازمة للتواصل من خلال توفير المكان المناسب لمتابعة دروس الدعم؛
- توفير إقامات خاصة أو إعادة فتح دور الطالب أمام التلاميذ بكل مستلزماتها؛
- مراعاة ظروف الفتاة القروية والتي تقطن في مناطق مهمشة ونائية البعيدة عن اماكن التمكين الدراسي؛
- مساعدة التلاميذ المنحدرين من الأسر الفقيرة بمنح مالية لمواكبة هذه الجائحة؛
- ضرورة انخراط الجماعات الترابية للتلاميذ من أجل الإستعداد للإمتحانات المقبلة؛
- تحفيز المجتمع المدني للإنخراط في دعم تمدرس التلاميذ عن طريق تقديم هذه الجمعيات للدروس عن قرب.
[[1]] هناك ايات قرآنية كثيرة، وهناك ايضا احاديث نبوية شريفة ومنها على الخصوص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وغيره من الاحاديث.
[[2]] انظر الوثيقة الدستورية: الفصول 19 - 25 - 26 - 31 - 32 - 33 – 34- 35 - 71-154 - 159- 160- 168، وغيرها من الفصول.
[[3]] انظر المواد التالية: 26- 27 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان
[[4]] انظر المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
[[5]] انظر المواد التالية: 19- 23- 24 - 28 - 29 … من اتفاقية حقوق الطفل
[[6]] انظر المواد التالية: 10- 14 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
[[7]] جون راولز: ترجمة حيدر حاج اسماعيل: العدالة كانصاف "اعادة الصياغة"، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الاولى، بيروت، دجنبر 2009، ص 144.
[[8]] جون راولز: ترجمة حيدر حاج اسماعيل: العدالة كانصاف "اعادة الصياغة"، نفس المرجع السابق، ص 12.
[[9]] La justice sociale, http://www.toupie.org /Dictionnaire/Justice_sociale.htm.
[[10]] Equité territoriale : de quoi s’agit-il ?, https://pddtm.hypotheses.org.
[[11]] Equité territoriale, http://geoconfluences.ens-lyon.fr
[[12]] جون راولز: نفس المرجع السابق، ص 160.
[[13]] Equité territoriale : de quoi s’agit-il ?, OP CIT.
[[14]] المادة الثانية من قانون - إطار رقم 17.51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
[[15]] من اجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء "رؤيـة استـراتيـجـيـــة للإصـالح 2015-2030"، منشورات المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث والعلمي، ص 80.
[[16]] Philippe Adair : La Théorie de la justice de John Rawls. Contrat social versus utilitarisme, https://www.persee.fr, Fichier pdf généré le 25/04/2018, consulté le 20/05/2020.
المادة الثانية من قانون - إطار رقم 17.51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.[17]
[[18]] المادة الثالثة من قانون - إطار رقم 17.51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
[[19]] المادة الرابعة من قانون - إطار رقم 17.51 يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.
[[20]] الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 15 لتولي الملك محمد السادس العرش.
[[21]] مدرسة العدالة الإجتماعية مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي، منشورات المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ص 4.
[[22]] مدرسة العدالة الإجتماعية مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي، منشورات المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، ص 19.