تقديم
يعتبر التحديث الإداري أحد الوسائل الأساسية لجعل الإدارة العمومية تساير التطورات التي يعرفها المجتمع من جهة ومن جهة ثانية هو أداة لتنفيذ السياسة العامة للدولة في المجال الإداري.
وينصب عمل التحديث الإداري على الإدارة العمومية وذلك بتقويم الاختلالات التي قد تعتري سيرها وتدعيم الآليات العميقة لجعلها أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية لأي بلد.
وإذا كانت أغلب الدول عمدت إلى منهج أساليب مختلفة لتطوير وتحسين علاقة الإدارة كأداة لتطوير الإدارة العمومية، فإن المغرب لم يشذ عن هذه القاعدة. ذلك أنه منذ الاستقلال وحتى وقتنا الحاضر، عرفت عدة برامج إصلاحية واستهدفت هيكلتها البشرية والقانونية والمؤسساتية. وبالرغم من ذلك فإن السياق الحالي لهذه الإدارة، يفرض إعادة النظر فيها[1] كجهاز وكنظام، فهي كجهاز ينبغي تقويم جوانب الخلل في سيره وتنظيمه ومراقبته وتوجيهه، أما كنظام فيتعين مراجعة المبادئ التي يقوم عليها ويستمد منها شرعيته ومنطق سيره ونمط العلاقات داخله. كونه سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
إن الإدارة المغربية تواجه الآن تحديات كبرى كالترشيد والفعالية والعولمة وتغير حجم ودور الدولة وضغط الثورة المعلوماتية وتضخم الهياكل، وهي ملزمة بمجابهتها عبر القيام بإجراءات إصلاحية شمولية.
وللإنصاف، فالإدارة في خدماتها الإدارية سواء بالنسبة للمرتفق أو المستثمر لم تكن حصيلة عملها كلها قاتمة وسلبية على امتداد أكثر من أربعين سنة، بل نجد بعض الجوانب المضيئة على مستوى الدور التنموي الذي لعبته عقب الاستقلال كما أنها ضمنت استمرار الخدمة الإدارية بغض النظر عن مستواها وجودتها.
لكن الجهاز الإداري الراهن يوجد في وضعية غير مريحة بفعل تنوع وتشعب التحديات الملزم الآن برفعها: تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية وتكنولوجية[2].
وإذا كانت الإدارة في ظل حقب زمنية وأنظمة سياسية، حبيسة أنشطة قليلة العدد، بفعل الإديولوجيات الليبرالية المسيطرة آنذاك، وتتمثل في وظائف الدولة الدركية، كمهام السيادة المتمثلة في الدفاع والمالية والعدل[3]. فإنها اليوم وبفعل الأفكار الاشتراكية وضغط الأزمات الاقتصادية الدولية وجدت الدولة نفسها، مضطرة للسهر على توجيه اقتصادها أو بهدف توجيه التطور الاقتصادي والاجتماعي الشيء الذي أسهم بشكل كبير في تغيير محتوى الوظائف الإدارية.
وموازاة لذلك، أصبح يطلب من الإدارة أن تؤدي وظائف كثيرة لكونها إحدى المنظمات النشيطة داخل النسيج الاجتماعي، فهي إذن بمثابة أداة الدولة. مما يطرح فكرة استقلالية الإدارة عن الأجهزة السياسية واحترام القوانين في التسلسل الإداري، كما تعتبر آلية للديمقراطية والمشاركة وللتنمية وأيضا أداة للتسيير والتدبير العقلاني.
واعتبارا للدور الذي أصبحت تضطلع به الإدارة، فإنها لم تعد تقتصر على وظيفة التنفيذ، وأن تقوم السلطة التشريعية برسم السياسة العامة، بل أصبحت الأجهزة الإدارية في مختلف الدول، هي المكلفة برسم السياسة العامة بناء على المعلومات المتوفرة لديها وكذا الوسائل الفنية الأخرى[4]، حيث أن الإدارة العمومية باتت أداة أساسية لتنفيذ قرارات السلطة السياسية. فهي بمفهومها الواسع كما يعرفها "B.Gourny" "مجموعة الأشخاص والأفراد والمجموعات المكلفين بإعداد وتنفيذ، أو الإشراف على تنفيذ قرارات السلطة السياسية[5].
إن التطورات النوعية المدركة على أصعدة مختلفة في السنوات الأخيرة: ثقافية، اجتماعية واقتصادية، كان لها تأثيرا مباشرا على الإدارة وعلاقتها بالمجتمع، حيث أصبحت مطالبة أن تكون وسيلة فعالة وإستراتيجية للتغيير الاجتماعي، لعدة عوامل أهمها[6]:
فالإدارة لم تعد أداة للتسيير في خدمة الحكومة فقط، بل أصبحت تشترك في دواليب "النظام –العالم" (systéme-monde) والتعاون الدولي، وتلعب دورا رئيسيا في مسلسل العولمة[8].
فالعولمة تؤثر على مهام الإدارة في المجتمع – باعتبارها فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية- وتساهم في إحداث تغييرات اقتصادية على المستوى الدولي (تحرير التجارة الخارجية والأسواق المالية، تدويل الإنتاج إستراتيجية توزيع الشركات...) هذه التحولات كان لها انعكاسات كبيرة على دور الدولة من جهة وعلى المنظمات وتسيير الإدارات العمومية من جهة أخرى[9].
هذا ما جعل تحسين علاقة الإدارة مع محيطها عملية حتمية ومصيرية لا تقل أهمية عن ضرورة التوجه إلى إصلاح النظام التعليمي أو الاقتصادي أو الدستوري.
وإيمانا من السلطات العمومية بالمغرب، بحتمية تطوير الإدارة لجعلها منصة ومنفتحة وخدومة العمومية، عملت الدولة على نهج سياسة إصلاحية منذ الاستقلال للرفع من أداء الجهاز الإداري، حيث تم رسم استراتيجيات وإعداد برامج متعددة، لهذا الغرض.
وهذا ما اكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى المشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا، الذي تنظمه يوم الثلاثاء 27فبراير 2018 بالصخيرات، وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك.
حيث دعى الى انخراط جميع الفعاليات والمسؤؤولين في تفعيل توجيهاتهه الرامية إلى إصلاح الإدارة العمومية وتثمين مواردها البشرية، عبر الانخراط الحازم في عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي، ومواكبة السياسات العمومية والأوراش التنموية كما دعا لبلورة وإرساء نموذج تنموي جديد، لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وايضا لوضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب هذا النموذج، من خلال إصلاح شامل وعميق للإدارة العمومية. وذلك من خلال العمل على ضرورة إصلاح الإدارة، وتأهيل مواردها البشرية، باعتباره خيارا استراتيجيا لبلادنا، سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي الذي نطمح إليه، وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
اما الواقع المغربي فهو يستنكر بشدة أزمة الإدارة المغربية ومختلف أشكال السلوكيات المشينة التي طبعت علاقتها مع المواطنين والمستثمرين، فالمواطن لا يزال يعاني البطء والتماطل واللامبالاة في أداء الإدارة المكبلة بالتعقيدات والرتابة الفاسدة والرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ.
والمستثمر يضيق ويختنق من جهاز إداري يضيع على الاقتصاد الوطني وعلى سوق التشغيل الكثير من فرص التنمية التي يراهن عليها الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي.
ومن الناحية العملية ترتبط الإدارة دوما بنوعية النظام السياسي الذي يوجد في كل بلد، لأن مصلحة الدولة تقتضي التوفر على جهاز إداري بقصد تنفيذ قراراتها واستراتيجياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لهذا فإن أي أسلوب إداري حقق نتائج إيجابية في أي بلد معين في ظل ظروف ملائمة ساعدت على نجاحه، لا يعتبر بالضرورة مفيدا ومجديا لمجتمع آخر. فبالإضافة إلى مسألة ارتباط وظائف الإدارة بفلسفة السلطة العليا في كيفية ضبط أمور الدولة، هناك اختلافات جوهرية في نوعية الأنظمة السياسية، والإيديولوجيات العقائدية، والقيم الاجتماعية، والعقليات المجتمعية، والهيئات الحكومية التي تنفرد باتخاذ القرارات النهائية، ومصادر القوة الشرعية التي تكون الدعامة الأساسية للحكم القائم في كل بلد[10].
وترتكز عملية تأهيل وتحديث الإدارة على إعادة النظر في تدبير المنظومة البشرية وتحيين النصوص القانونية وتبسيط المساطر الادارية وتدعيم الاخلاقيات المهنية، وذلك بغية جعلها في مستوى تطلعات المواطنين والمرتفقين، ولكي تضطلع بالدور المنوط بها في عملية تحسين الأداء الإداري.
من هذا المنطلق سعت السلطات العمومية على إدخال العديد من الإصلاحات مست مختلف الجوانب التي تتعلق بتسيير الإدارة العمومية، وهي إصلاحات تروم بالاساس تطوير الاداء الاداري لخدمة المواطن وتحسين مناخ الاستثمار وخلق فرص الشغل.
غير أن عملية الإصلاح هاته لايمكن أن يكتب لها النجاح إذا لم يتم العمل على تخليق الحياة الإدارية وجعلها أكتر شفافية سواء فيما يتعلق بأطراف العلاقة الإدارية الداخلية، وفيما يتعلق بعلاقة الإدارة بمرتفقيها، وذلك انه في ظل جو المقاومة الذي تلقاه أية مبادرة إصلاحية، فإن من الضروري تخليق الإدارة لخلق الإطار الملائم لعملية الإصلاح هذه.
ولعل من مداخل الجوهرية لتحسين علاقة الادارة مع المرتفق تحسين الاخلاقيات المهنية وتدعيم الشفافية الإدارية عبر الية تدعيم تكنولوجية الحديثة في الممارسة الادارية .
وتسهيلا للبحث في هذه الورقة البحثية سوف نقارب دور كل من التخليق والشفافية الاداريين ؟ من خلال مطلبين على النحو التالي : كونه سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
المطلب الأول: تخليق الحياة الإدارية كرافعة لارساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي
ترتكز عملية الإصلاح الإداري على عدة آليات أساسية تتداخل فيما بينها لتجعل منها عملية شمولية.و من جهة أخرى فإن تطور العمل الإداري وتشعب مجالاته حتم على السلطات العمومية الاهتمام بمختلف جوانب العملية الإصلاحية حتى تستجيب للتطورات المجتمعية من جهة وكذا تطور الإدارة العمومية من جهة ثانية. حيث سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
وهكذا فإن تخليق الحياة الإدارية يعتبر أحد ركائز الإصلاح الإداري باعتباره البوابة الحقيقية لتحقيق التنمية الإدارية ونقطة رئيسية لكل المشاريع الإصلاحية والإرادات التحديثية لكون معظم تجليات الاختلالات التي تميز الإدارة تعزى في غالبيتها إلى انحطاط الأخلاق أو غيابها وقد ساعد على هذا الوضع غياب الشفافية الإدارية وسيادة ظاهرة التعتيم الإداري والانغماس في بيروقراطية إدارية جعلت الإدارة بعيدة عن جمهورها، لذا بات من الضروري العمل على تحقيق الشفافية الإدارية داخل الإدارة بغية جعلها أكثر استجابة للمتطلبات المجتمعية المتجددة وكذلك جعلها في مستوى التحولات الدولية التي تفرض على الإدارة أن تكون إدارة خدمات وليست إدارة للسلطة.
الفقرة الأولى: دور التخليق في تأهيل الإدارة وتحسين علاقتها مع المرتفق
التخليق مفهوم فلسفي يحمل معاني عدة في الاستقامة والنزاهة والسلوك القويم وحسن التدبير للشأن العام والمال العام. [11].
وقد أصبح متداولا مفهوم الشأن الأخلاقي والتخليقي الذي يرمز إلى ظاهرة مجتمعية عامة، أكثر من مجرد سلوك فردي- أو جماعة مصالح ومجموعة ضغط- تتمثل في توفير وتأمين أجواء وفضاءات تخليق الحياة العامة وتهذيبها.
والواقع أن تخليق الحياة العامة يظل مبتغى ومطمحا في المجتمعات التي تتشبع بمنظومة القيم الدينية والعقائدية والفكرية السائدة فيها عبر تاريخها وفي صيرورتها وإفرازاتها، كحقيقة وليست شعارا أو طلاسم ومساحيق يراد التلويح بها.
وإذا كان تخليق الحياة العامة قيمة غير مطلقة بقدر ما هي نسبية تتفاوت من مجتمع إلى آخر حسب خصوصيته وتنشئته الفكرية والاجتماعية، فالملاحظ أن أي مجتمع يتوق إلى التخليق ويتطلع إليه سيما عندما تشيع وتتفشى فيه الأمراض والانحرافات من قبيل آفة الرشوة والمحسوبية والزبونية واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة وما إليها من أوجه الفساد وإفساد الحياة العامة في كل جوانبها وتجلياتها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية والسلوكية.
لذا يكتسي موضوع التخليق أهميته البالغة ومقاصده النبيلة في سياق التحولات الجارية في بلادنا في ظل العهد الجديد وتجربة التداول على السلطة والانتقال الديمقراطي.
ويندرج تخليق الحياة العامة– في الإدارة العامة والقطاع العام وكل امتداداتهما والجماعات العمومية، وفي القطاع الخاص وعموما في كل مكونات المجتمع كإحدى اهتمامات وانشغالات كل الفئات الواعية والقوى الحية للرأي العام الوطني.
و تخليق السلوك الإداري رهين ببناء علم إداري أخلاقي، ولن نصل إلى ذلك إلا باعتماد علم الأخلاق كأساس للتأثير في السلوك البشري، وذلك عن طريق تغيير للعقليات وتوجيه للنفوس وخلق جو أخلاقي مؤطر للسلوك. إلا أنه من الموضوعي أن ننتبه إلى أن هناك كثيرا من العوامل والضغوط التي تحول دون توجه السلوك الإداري نحو وجهة سليمة، أي أن تخليق السلوك الإداري مرتبط أساسا بتفحص مواطن السلبيات، فلا نفع لعملية التخليق داخل جو غير أخلاقي. [12].
إن تجاوز الوضعية الراهنة في الإدارة، واستشراف مستقبل إداري مشرق، سيقتضي ضرورة تحسين العلاقة بين القيادة والقاعدة، وذلك عبر تخليق تعامل القيادة مع المرؤوسين من جهة، وتخليق تعامل المرؤوسين من جهة أخرى.
1 - مهارات القيادة في توجيه العاملين نحو السلوك الأمثل وتخليق الأجواء الإدارية:
لا شك أن القيادة هي روح الإدارة العمومية، ومن خلالها يتجلى نجاح أو فشل المنظمة ككل إلا أن القيادة لا بد لها أن ترتبط بهدف مشترك مع القاعدة أي مع المرؤوسين، هدف يؤمنون به ويبذلون جهودا في سبيل تحقيقه، وإلا فإن جل المعوقات الإدارية تصدر عن الهوة بين القيادة والقاعدة. فالمدرسة السلوكية في علم الإدارة تعتبر أن القيادة تستهدف سلطتها الفعلية من القدرة على التأثير في سلوك الآخرين لجعلهم يقبلون النفوذ والسلطة عن رضى واختيار وليس عن قهر.
فالقيادة هي النشاط الإيجابي الذي يباشره الرئيس في مجال الإشراف الإداري على المرؤوسين، وذلك لتحقيق هدف معين بوسيلة التأثير والاستمالة، أو باستعمال السلطة الرسمية بالقدر المناسب وعند الاقتضاء والضرورة[13].
ولأجل تجاوز التوجه السلطوي في القيادة، فيجب أن ينصب الاهتمام على تقريب وجهات النظر وتفهم سلوك العاملين، ويظل ذلك رهينا بفعالية التوجيه القيادي.
هذا الطرح صحيح إلى حد بعيد، سيما عندما ندرك أن سلبيات العمل داخل الوحدات الإنتاجية إنما هي ناتجة عن التصور الخاطئ الذي يتصوره القائد عن مرؤوسه، فهو قد يعتقد أنهم غير معنيين بالمشاركة النشيطة، ولا يحركهم سوى حصولهم على أجور وحوافز عليا، ومن تم فإن تخصيص نصيب من الأرباح لتوزيعه عليهم يصبح هو العامل الوحيد للحصول على إنتاجية عليا، وهو خطأ يجعل الرؤساء يغفلون عن حقيقة أن الدعوة للمشاركة النشيطة أجدى من كل ذلك، فالتجارب قد أثبتت أنه إذا أمكن جعل المرؤوسين مشاركين نشيطين ومسؤولين واعين بدورهم في العملية الإنتاجية، فإن هؤلاء العناصر السلبية يمكن أن تصبح على درجة عالية من الحيوية والقدرة على الابتكار، في حين يكون من الصعب التزام درجة معينة من الوعي الأخلاقي الإداري في جو تسود فيه الرتابة واللامبالاة[14].
وهكذا فإن قاعدة المرؤوسين تكون أكثر سعادة ورضى في ظل أساليب معينة من التأطير والإشراف، خاصة تلك التي تتميز بالتقدير من جانب الرؤساء والتشجيع على المشاركة في القرارات.
إن مهارات القيادة في توجيه العاملين نحو السلوك الأمثل وتخليق الأجواء الإدارية تتجلى في مجموعة من المعطيات التي يكون الالتزام بها أحسن من تفعيل السلطة وإصدار الأوامر، ذلك أن السلطوية المطلقة لا يمكن أن يكون لها وقع إيجابي مع واقع عدم الرضى ورتابة أجواء العمل. فالقائد المحنك يراعي سلوك مرؤوسيه ويدفعهم إلى الأمام بتحفيزهم وإقناعهم. وقد يتمكن الرئيس في ذلك عن طريق التزامه بمجموعة من السبل كمحاولة فهم سلوك العاملين وتشجيع إيجابيتهم، فضلا عن ضرورة إعطاء القدوة الحسنة من طرفه شخصيا.
2 - تعامل المرؤوسين مع الرئيس:
من بين أسباب نجاح القيادة في تعاملها مع القاعدة، كون المرؤوسين يعملون على دعم القيادة في تحقيق أهداف القاعدة، ولن يكون ذلك، ممكنا إلا بتفعيل الأنماط السلوكية المناسبة خلال التعامل مع المرؤوسين والرئيس. ذلك أن القيادة نفسها تحتاج لمن يتفهمها ويجيد التعامل معها بحسب نوعية الطبع الذي يناسبها.
وهذا أمر طبيعي بالنسبة لكل منظمة إنتاجية أيا كان نوعها وحجمها وطبيعة تحملها، إذ أن نجاحها في تحقيق مقاصدها رهين بمدى فاعلية وكفاءة عمليات التفاعل والتواصل التي تتم ما بين الرئيس والمرؤوس.
ولأجل ذلك يتعين على المرؤوسين حسن استيعاب النمط السلوكي لرئيسيهم، والتعامل معه حسب محدداته ومواصفاته، وهذا ما يطلق عليه في علم الأخلاق بالمجاراة، وهي تكييف الفرد لأسلوبه التعاملي تماشيا مع نمط السلوك المقابل.
وإذا كان من المنتظم دائما أن يؤثر القائد في سلوك مرؤوسيه ويقدم لهم القدوة الحسنة، فإن المرؤوسين عليهم مقابل ذلك أن يتوفروا على روح المبادرة والاستعداد للتطوع والإبداع، كما أنهم ملزمون بتقييم ذاتي لنجاحهم ومدى تموقعهم داخل المنظمة، إذ أن النظريات الحديثة في الإدارة تذهب إلى أن كل مستخدم أو موظف، هو في نفس الوقت رئيس ومروؤس، الشيء الذي يتطلب أساسا تحقيق الإيجابية بين كل المستخدمين والموظفين.
أ- أخلاقيات التعامل مع الرئيس[15]:
قد تختلف الأنواع السلوكية للرؤساء، مع اختلاف العوامل والمحددات التي صاغت شخصيتهم، وجل الدراسات في علم الإدارة تركز على تلك العوامل والمحددات التي تخص المرؤوسين دون الرؤساء، مع أن أساليب التواصل والتعامل مع الطرفين مازالت تفتقر إلى الوضوح، سيما وأن المرؤوسين لا تتاح لهم فرصة التعرف على قادتهم لأجل التعامل معهم، ولو أتيحت لهم الفرصة لكانت لهم الإمكانية الملائمة لاعتماد السلوك الأخلاقي اللازم الذي يمكنهم من التعامل الجيد والفعال مع رؤسائهم.
فهناك سلوكات معينة قد يكون المرؤوس مجبرا على مباشرتها مع الرئيس المستبد (القسوة- التسلط- السيطرة الاستحواذ على المبادرة) وذلك عن طريق تفعيل الصبر والتحمل، عدم الانفعال، والمهارة في طرح الأسئلة والانتقاد.
وعلى المرؤوس كذلك أن يحسن التعامل مع الرئيس المتعالى والرئيس غير المبالي والمسوف والعنيف إلى غير ذلك من أنماط الرؤساء.
ب- إيجابيات المرؤوسين:
قد يحتاج المرؤوس لنجاح تواصله مع الرئيس، إلى الإيجابية أو القدوة على أخذ المبادرة، وذلك عن طريق تحديد تموقعه داخل المنظمة، ومعرفة دوره الحقيقي في مسلسل الإنتاج، وكذا تحديد الهدف من العمل الذي يقوم به والطريقة الأنجع التي تمكنه من أداء عمله، وهذا أمر يتطلب من المرؤوس الكشف عن الكيفية التي توفق بين التوجيهات الشخصية وأهداف المنظمة.
للوصول إلى ذلك يستقصى المرؤوس عن الهدف من وظيفته ويكيف قدراته ومهاراته مع ذلك الهدف، وربما بعض الأسئلة على نفسه، كيف تؤثر وظيفته على مهمة المؤسسة، وكيف تستفيد الفئات المستهدفة من وظيفته، وكيف تتصل وظيفته بالوظائف الأخرى داخل المؤسسة.
وبمجرد التعرف على دوره داخل المؤسسة، يصبح الموظف أو المرؤوس قادرا على أخذ المبادرة بكل ما يمكن أن يضيف شيئا إلى العمل بشكل أفضل وأسلوب أنسب.
الفقرة الثانية: اثر عملية التخليق على الحياة الادارية
إذا كانت عملية التخليق عملية شاملة تهم مختلف ميادين المجتمع فإن تخليق الإدارة يشكل إحدى الأولويات التي يؤدي تحقيقها إلى بعث روح الطمأنينة والإستقرار داخل المجتمع، وذلك لما تخلقه من روح الثقة بين المواطن والإدارة وكذلك من آجل العمل على تقريبهما.
اهتمت جل الحكومات المتعاقبة، على الاهتمام بتخليق المرفق العام بهدف إصلاح الإدارة وجعلها في مستوى التحديات التي تفرضها التحولات الجديدة على الصعيدين الوطني والدولي.
وقد أذكت هذه التوجهات السامية إرادة الحكومة بمقاربة هذا الورش من جوانبه الأساسية: التخليقية والترشيدية والتواصلية من خلال إطار مرجعي لهذه الإصلاحات يتمثل في ميثاق حسن التدبير الذي يجسد الإرادة الثابتة للحكومة في ترجمة سياسة التغيير من خلال مبادرات قطاعية عملية ومتواصلة. و في الآونة الأخيرة عمل المشرع المغربي على إصدار العديد من المراسيم والقوانين تهدف إلى ترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية، ودعم الشفافية والمسؤولية في التدبير العمومي، ومن أهم هذه المنجزات نذكر ما يلي :
1- دعم الشفافية والمسؤولية في التدبير العمومي:
أ- تحديد مسؤوليات الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين
ب- تعليل القرارات الإدارية:
- مهام الهيئة :
فبعد أن استعرضنا أهم المبادرات والمنجزات الحكومية في مجال تخليق الحياة الإدارية، فما هي يا ترى أهم الإجراءات المتخذة للحد من الفساد الإداري؟
فللإجابة عن هذا السؤال يجب التطرق إلى الإجراءات المتخذة في هذا الإطار:
2- الإجراءات المتخذة للتخليق:
أ- الإجراء التحسيسي:[21]
إن للجانب التحسيسي دورا فعالا في تقويض الكثير من مظاهر الانحراف والسلوكات المشينة، ذلك أن من شأن إشاعة الثقافة الأخلاقية على أوسع نطاق أن تساهم في تدعيم وترسيخ قيم ومبادئ السلوك الأخلاقي في المجتمع.
وفي هذا الإطار، أضحى من الضروري دعم وتثبيت الأخلاقيات في الحياة العامة اعتمادا على الآليات التالية:
-توجيه النظام التربوي العام للمجتمع لتعزيز شعور الناشئة بالمسؤولية المدنية وبحقوق المواطنة لتدعيم الوعي لديهم بما لهم وما عليهم.
-إدراج التربية على تخليق الحياة العامة ضمن المناهج التعليمية وتنظيم حملات تحسيسية في هذا المجال على المستوى المركزي والجهوي.
-الانفتاح على الفعاليات المجتمعية الناشطة في مجال تخليق الحياة العامة وإشراكهم في بلورة البرامج التي يمكن إنجازها في هذا الشأن من خلال تخصيص مجال عمل محدد لها يساير الأهداف المقترحة لمكافحة مختلف السلوكات المشينة.
-إعداد مواثيق أخلاقية قطاعية في الإدارات العمومية تحدد القيم الأخلاقية والقواعد السلوكية التي توضح مسؤوليات وواجبات الإدارة والموظف إزاء العموم[22] .
-إرساء ميثاق أخلاقي بين المواطن وإدارة الدولة يحدد بالأساس طبيعة الخدمات والحقوق التي للمواطن الحق في الولوج إليها.
-تمكين المشهد الإعلامي من ضمانات قانونية توفر إمكانيات الإخبار والتنديد بملفات الفساد الموثقة بإثباتات موضوعية، لكسب انخراط الفعاليات الإعلامية في الكشف عن بؤر الفساد، وتيسير مسطرة المتابعة.
ب- الإجراء الوقائي:
يحتل المستوى الوقائي في تخليق المرفق العام جانبا هاما في استئصال ومحاصرة مظاهر الفساد الإداري والحد من السلوكات المشينة في الوظيفة العمومية.
ويجب أن يرتكز العمل في هذا الصدد على بلورة رؤية قانونية تتوخى ترسيخ الشفافية ودمقرطة الإدارة من خلال :
1- إعادة بناء العلاقات بين الإدارة والمتعاملين معها على أسس متوازنة تضمن حقوق كل طرف وتتجاوز مظاهر غلو السلطة التقديرية للإدارة والمتجلية على الخصوص في تفشي مفهوم السر المهني، وغياب التعليل والتوظيف السلبي لمفهوم السكوت الضمني للإدارة وغيرها.
وفي هذا المجال، يعتبر قانون تعليل القرارات الإدارية خطوة مهمة في ترسيخ هذه العلاقات المتوازنة بين الإدارة والمتعاملين معها.
2-ترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير المال العام
3-ترسيخ مبدأ إقرار المساءلة وتقييم الأداء على جميع أعمال وأنشطة المرافق العمومية والأشخاص العاملين بها، وتوطين هذه المهام ضمن اختصاصات أجهزة الرقابة الموجودة.
4- تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات من خلال تأهيلها للقيام بالمراقبة الميدانية الفعالة، والاضطلاع بمهام التدقيق والتقييم والاستشارة والتنسيق والتأطير، فضلا عن المراقبة المعتادة[23].
5- إحداث جهاز لتنسيق التفتيش العام بهدف ضمان تقييم البرامج والسياسات القطاعية وتمكين الحكومة من تتبع نتائج عمل الوزارات والهيئات العمومية، والتفكير في ربح رهانات 2010 بالشروع في خلق الآلية القانونية لإحداث مفتشية عامة للدولة لدى الوزير الأول، تسند إليها اختصاصات هامة تتمثل في تقييم ومراقبة سير المصالح العمومية والتنسيق بين مختلف المفتشيات العامة للوزارات والمفتشية العامة للتراب الوطني والمفتشية العامة للمالية بغية توحيد عمل الإدارات العمومية في هذا المجال، كما يعهد إليها بالقيام بمهام التفتيش العام بالنسبة للوزارات التي لا تتوفر على مفتشية عامة خاصة بها بالإضافة إلى إعداد تقارير تركيبية دورية حول التفتيش العام للإدارات العمومية[24].
ومن جهة أخرى ومن أجل وضع مبدأ تخليق الحياة العامة على المستوى المالي موضع التنفيذ تم إصدار قانون يتعلق بالتصريح الإجباري للممتلكات يخص جميع الأطر التي تتحمل مسؤولية مالية، وكذا جميع الأشخاص المعينين بظهير ظبقا للفصل 30 من الدستور[25]
ج- الإجراء الزجري:
يعتبر الزجر آلية فعالة لإدانة السلوك المشين وتقويم الانحرافات التي يسببها، والنهوض به يمر بالضرورة عبر تثمين وصيانة القاعدة القانونية باعتبارها المرجع الأساسي لتطويق جيوب الفساد.
ومن هذا المنطلق، يبدو ضروريا التنصيص قانونيا على ما يلي:
ومراعاة للحجم المتواضع للجمعيات غير السياسية، لابد من مراجعة قانون الحريات العامة لتمكين المجتمع من إبراز إمكانياته عن طريق الجمعيات التي تشكل الوسيلة المباشرة لمساهمته في تطوير مسيرته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي انتظار تحقيق ذلك، توجه الورشة نداء إلى الجمعيات لتضاعف من جهودها في ترسيخ القيم والمثل العليا في سلوك المجتمع من خلال تكوين وتوجيه الأعضاء المنتسبين إليها.
وفي نفس السياق لابد من اشراك النقابات والأحزاب السياسية لدورهما الاساسي في تأطير المجتمع وتوجيه سلوك أفراده لما تملكه من وسائل دستورية وقانونية في توجيه مسيرة المجتمع وتطوره، عن طريق البرامج التي تنشرها بين أعضائها، وعن طريق المرشحين الذين تزكيهم لممارسة الشأن العام المحلي والوطني، إضافة إلى ما تملكه من صحف ووسائل إعلام من أجل ذلك تطالب الورشة، وبإلحاح كبير النقابات والأحزاب السياسية، بالالتزام علنيا بالمساهمة في تخليق الحياة العامة عن طريق إخضاع الترشيح للانتخابات المحلية والوطنية لمقاييس الشفافية في الأداء، ومساءلة مرشحيها وتتبعهم في أداء مهامهم.
ونظرا للأهمية القصوى التي تكتسيها وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام وتخليقه، لابد من تخصيص حيز ملائم لنشر ثقافة التخليق والتصدي للانحرافات عن طريق التشهير بها ونشرها، شريطة أن تكون موثقة.
المطلب الثاني : الشفافية الإدارية كخيار استراتيجي لترسيخ ركائز النموذج التنموي
لم تعد الإدارة الحديثة تستمد مشروعيتها من مؤسستها فحسب وإنما أيضا من مدى قدرتها على تحسين علاقتها بجمهورها، وهو ما يقتضي بالدرجة الأولى بذل مجهودات دائمة لتلميع صورتها لديه وإعطاء القيمة لنشاطها عن طريق القيام بحملات إعلامية تهدف منها إقناع الفئات العريضة من هذا الجمهور بملاءمة وجودة أعمالها، ومحاولة تحسيسه بأهمية ما تقوم به من أنشطة في كافة الميادين بغية تحفيزه على التعاون معها في تدبيرها وذلك عن طريق إستراتيجية موجهة لخلق التواصل بين المواطن ومؤسساته الإدارية وكذلك العمل على خلق ظروف استقبال ملائمة تجعل المرتفق الذي يلج إلى الإدارة في موقع المشارك وبالتالي تحفيزه على المشاركة في القراراتالإدارية لتحقيق دمقرطة العمل الإداري و إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
الفقرة الاولى - دور التواصل في تحقيق الشفافية الإدارية:
يعتبر التواصل كعملية إرسال المعلومات واستقبالها من العناصر الأساسية، ليس فقط للحياة الاجتماعية والاندماج في الجسم الاجتماعي، وإنما أيضا لممارسة الإدارة كعملية بدونها لا يمكن تصور وجود أية منظمة أو حياة جماعية مشتركة.
من جهة أخرى فإن الإدارة في غياب التواصل لن تستطع بأية حال أن تحقق ديناميكية الجماعة وممارسة وظائف الإشراف والقيادة.
فالإدارة تتعامل مع الأفراد المنتمين إليها ليس فقط على مستوى فردي ولكن بشكل أساسي على مستوى جماعي وبالتالي فإن توجيه وتحريك المجموعات والتأثير فيها أصبح موضوعا له أهيمته في الإدارة والعملية الإدارية[26].
والاتصال هو وظيفة نقل واستقبال المعلومات وبدونه لا يمكن أن تسير الأمور في الأجهزة الإدارية على أحسن ما يرام، فللاتصال دور هام في تنسيق الجهود، ولكي يتم هذا التنسيق بين أعضاء الفريق بجدية يجب أن تتاح للمرء معلومات كافية، فالاتصالات إذن بين الرئيس والمرؤوسين تعد تلك الوسيلة التي يوجه بواسطتها جهودهم.
وعملية الاتصالات ما هي إلا عملية تدفق المعلومات من أحد أطراف العلاقة إلى الأطراف الأخرى، فالرئيس يستطيع باستعمال سبل الاتصالات المتاحة له أن يحدد للموظفين أهداف التنظيم بصفة عامة. ويساعد على تحديد أهداف الجماعات المختلفة داخل الإدارة، فالرئيس يشرح للعامل الواجبات والأعمال التي تتوقع الإدارة منه أن يؤديها، مع الإمكانيات الموضوعة رهن إشارته لتعاونه على تحقيق هذه الأهداف[27].
فالاتصالات من الإدارة إلى العاملين هي الطريق أمام الموظف ليعين لنفسه ميادين العمل المتاحة أمامه، وبواسطتها أيضا يمكن للرئيس أن يستخدم نظم المكافآت والعقوبات بتبيان أنواع السلوك التي ينبغي على الموظف اتباعها.
فبدون سيل المعلومات لا يمكن لهذا الأخير أن يحدد اتجاه العمل الذي ينبغي عليه أن ينهجه، ولا يمكنه معرفة رأي الإدارة في مستوى أدائه وإنتاجيته، وهكذا فالعامل أو الموظف يصبح في وضعية غير مريحة بدون تلك المعلومات المهمة.
من جهة أخرى فإن تدفق المعلومات من الموظفين إلى الرؤساء ضرورة لا غنى عنها للمدير الناجح، فبواسطة هذه المعلومات يعرف الرئيس مساعديه ويفهم احتياجاتهم، كما أنه بواسطة الاتصالات هذه يمكن للرئيس أن يصحح الأفكار الخاطئة لدى الموظفين عن أهداف وسياسات الإدارة، فتدفق المعلومات من أسفل إلى أعلى يضمن اكتشاف المشاكل والمتاعب قبل حدوثها، سواء بالنسبة للمرء أو المجموعة، وتتاح الفرصة للإدارة للعمل على تفادي تلك المشاكل وتجنب آثارها الضارة في الإنتاجية.
إن من أهم فوائد تدفق المعلومات من فئة العاملين إلى الإدارة، أن تعي هذه الأخيرة رد فعل مخططاتها وسياستها والأوامر التي تصدرها للموظفين ووجهة نظر الموظف في سياسة المشرف وأسلوبه في العمل.
غير أن الإشكال الرئيسي في عملية الاتصالات هي ضمان الفهم المشترك للمعلومات بين طرفي الاتصال، فإذا كان المرسل يتبين أنه قد بلغ المعلومات بمجرد توصيلها للمرسل إليه، فإنه يتطلب من مرسل المعلومات أن يهتم بتوضيح معلوماته والتأكد من أن الطرف الآخر قد فهم تماما ذلك المعنى.
وتتبين لنا أن المشكلة في موضوع الاتصالات شأنها شأن جميع الجوانب المرتبطة بالعلاقات الإنسانية، هو كون الإنسان له احتياجات وتطلعات تؤثر كلها في نوعية تصوره للأمور وأسلوب فهمه للحقائق واستجابته للاتصالات، فالمرء في محاولته لفهم البيئة المحيطة به يكون لنفسه مجموعة من المعتقدات لا يحاول تغييرها مهما تغيرت العوامل، وأن المرء في مواجهة تدفقات المعلومات الآتية إليه من أفراد آخرين يحاول دائما تحقيق التوافق بين هذه المعلومات وبين الأفكار والمفاهيم التي كونها لنفسه[28].
وهذا التوافق يتحقق بفعل أربع طرق يلجأ إليها المرء:
أ- الإنتقاء الاختياري
ب- التصور الاختياري للمعلومات
ج- التذكر الاختياري للمعلومات
د- القرار الاختياري:
فلابد من الإحاطة علما أن للإتصال معوقات وعقبات عدة، وهي تعد أكبر المشاكل أهمية في الإدارات العمومية، هذه المعوقات يمكنها أن تظهر وتتضح في كل عمليات الاتصال والمتمثلة في بداية الاتصال، الإرسال والاستقبال.بيد أن الاستقبال تقف في وجهه عدة معوقات.
إذا من الضروري أن تقوم الإدارة بين الفينة والأخرى بدراسة الإجراءات التي تستعمل من أجل تسهيل عملية الاتصال. والتأكد من أن القرارات التي توصل إليها التنظيم هي قرارات متصلة بالمعلومات المستقاة، ولقد زاد الاهتمام بهذا الموضوع في الوقت الحالي، ويتوقع الكثير من التطور في ميدان الاتصال في السنوات القادمة.
بالمقابل ينبغي إشراك الموظف في الاتصال وفي اتخاذ القرارات قصد تشجيعه وإحساسه بقيمته داخل التنظيم، إن الاتصالات مهمة للرئيس لذا ينبغي عليه أن يعمل على توجيه مرؤوسيه إلى تحقيق أهداف المرفق[29].
كما ينبغي تطوير نظام الاتصالات بالمرافق العمومية لتطوير سلوك العاملين بها بما يتوافق وسياسات المنظمات، وبالتالي السيطرة على تصرفات هؤلاء الناس وتوجيهها حسب مخططات المدير أو المرفق.
ولهذا الغرض، فإن أغلب الإدارات بدأت حديثا تنشأ بعض الوحدات تتخصص في أعمال تتعلق بالاتصال وتقوم هذه الوحدات بتقديم المساعدات وبتسجيل المعلومات وتجميعها من المصادر الداخلية والخارجية، ولعل مثل هذه الإجراءات ستحقق الوصول إلى إيجاد نظام اتصال فعال يضمن تنقل المعلومات بكل يسر وحرية والتأثير في سلوك الموظف بما يتوافق والمصلحة العامة والوصول في الأخير إلى أفول ظاهرتي مقاومة التغيير وحركية الجماعة السلبية التي تؤثر سلبا على العمل الإداري.
وأي إستراتيجية للشفافية الإدارية يجب أن تهدف بالدرجة الأولى إلى تأسيس انفتاح حقيقي للإدارة العمومية على محيطها الاجتماعي، ويقتضي إعمال هذا الانفتاح إعادة النظر في مبادئ التباعد / السلطة التي تشكل ركائز النموذج التقليدي للتواصل بين الطرفين، وتترجم إعادة النظر هاته عبر حركتين مختلفتين، فمن جهة تتوجه الإدارة نحو الجمهور بتوضيحها لمغزى أنشطتها حتى تصبح مفهومة أكثر وتتقرب منه أحسن، من جهة أخرى فإنها تنفتح على الجمهور آخذة بعين الاعتبار طموحاته ومتطلباته لتصبح سهلة الإطلاع وأكثر قابلية للتأثر بالمحيط.
وتعتبر هاتان الحركتان بمثابة مرحلتين ضروريتين لسيرورة الانفتاح، إذ انطلاقا من اللحظة التي تشعر فيها الإدارة بأهمية ردود فعل الجمهور لنجاح نشاطها فإنها تكون مضطرة إلى إدماجهم مسبقا في حساباتها بإشراك المرتفقين ضمن أشكال متعددة ومختلفة لاتخاذ القرار [30].
وبإدراك السكان لأهمية عمل الإدارة سيتم ضمان الاتصال بين الطرفين بحيث تعتبر الإدارة العمومية أكثر الأطر التنظيمية حاجة إلى نظام للاتصال فعال وشامل للربط والتنسيق بين عناصرها الداخلية وبينها وبين بيئتها الوطنية والدولية[31].
من جهة أخرى يلعب التواصل دورا أساسيا في بلورة المفاهيم حول التنمية وأبرز عناصرها الأساسية وأدوات إنجازها، واكتشاف علاقة الإنسان بالتنمية، وهذا يعتبر منعطفا هاما في الدور التنموي للتواصل، فالإنسان لا يعد هدفا فقط للتنمية وإنما الأداة الرئيسية لها[32]، كما أن إنجاز المطالب المجتمعية بمفهومها الواسع تفترض بناء مؤسسات تضمن تمرير المطالب عبر بنيات تضمن التعبير الحر عن إرادة المجتمع وتوجهاته السياسية والاقتصادية وبعبارة أخرى، تعتبر درجة التواصل بين البنى المكونة للكل الاجتماعي مؤشرا جيدا على دمقرطة النظام وعقلانيته، ولعل الانحرافات الوظيفية للبنى الاجتماعية ترجع بالضرورة إلى انغلاق المجتمع على نفسه وانكماش القوى الفاعلة على نفسها، مما يفقد المجتمع القدرة على التعرف على مطالبه الحقيقية[33]. لهذا الغرض أوجدت الحكومات الحديثة في عدة دول، مؤسسات وتنظيمات بنت عليها توقعات وقيم عالية، على افتراض أن هذه المؤسسات والتنظيمات تشكل وسائل فعالة وناجعة لتحقيق الأهداف الهامة، فالمؤسسات والتنظيمات هي بمثابة وسائل لتحقيق حياة أفضل للمواطنين والمرتفقين، أي أن هذه الأجهزة والوحدات الإدارية تكون أكثر قربا من الجمهور وأكثر تجاوبا مع متطلباته وحاجته.
وهذه المؤسسات شملت جميع الميادين الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، ففيما يخص هذا الأخير فإن التواصل يلعب دورا مهما باعتبار أنه يشكل وسيلة لمعرفة حاجيات ومتطلبات المجتمع اقتصاديا ويحاول تكييفها مع رغبة المستثمر وإدارتها من جهة والمستثمر من جهة أخرى، وهذا يعني أن الإدارة لابد أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين ويتطلب احتكاكا مباشرا وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة كما أوصى بذلك جلالة الملك في خطاب المفهوم الجديد للسلطة[34] بتاريخ 12 أكتوبر 1999.
وهكذا تكون ضرورة تنويع أنماط التواصل بين الإدارة والمواطنين من بين السبل الحقيقية لأنسنة السلطة والجهاز الإداري وجعلها أقرب للمواطنين نظرا لأهمية التواصل بهدف خدمة المصلحة العامة وتلبية حاجات المواطنين، ونجد أن ميثاق حسن التدبير يجعل من التزام الإدارة بالتواصل مع محيطها والتشاور مع المتعاملين معها وانفتاحها عليهم[35] أحد منطلقاته الأساسية وربما أهمها على الإطلاق وذلك بإقراره مبدأ التشارك والانفتاح على مشاكل وتطلعات الفرقاء الاقتصاديين والحرص على التجاوب مع الحاجيات المتجددة للمقاولة في مجال التواصل.
فالتواصل في هذا الإطار يعد أحد الأدوات الأكثر تأثيرا في تدبير مختلف جوانب العملية التنموية والأكثر فعالية في ضبط ميكانيزماتها وذلك بمواكبة إدخال النظم الجديدة لتلبية الحاجات والعلاقات الاجتماعية الجديدة والبنيات الاقتصادية والسياسية التي تتطلبها، كما يقوم بخلق مناخ ملائم يمكن مختلف مكونات المجتمع المدني من إدماج واقعها داخل واقع عام[36].
2- الاستقبال :
ويشكل الاستقبال أول اتصال بين الإدارة والمرتفق بموجبه يكون هذا الأخير أحكامه الأولية عن الإدارة، و فكرته عنها التي تبقى مسجلة في ذاكرته طيلة فترة تعامله معها.
فالاستقبال كما أكدت على ذلك (كاترين روبرت) لا يمكن أن يقتصر على تلك الابتسامة النمطية (sourire stéréotype) على الطريقة الأمريكية، بل يعد الاستقبال وعدا بالاتصال الحسن، وبقابلية التفاهم. إنه الاستقبال البسيط والإنساني والذي يتحتم فيه على المسؤول الإداري أن يأخذ وقته الكافي للاستماع ولفهم الطرف الآخر، وأن لا يقاطعه وأن لا يدعي أنه يعلم كل شيء وأن من أمامه لا يفقه شيئا[37].
وهكذا فإن دور الاستقبال لا يقتصر فقط في مساعدة المرتفق على قضاء مآربه الإدارية في جو من الثقة وبعيدا عن جو الخوف والفزع الذي كانا يميز الإدارة المغربية حتى وقت قريب، بل يتعداه إلى خلق جو الثقة المتبادلة بين الإدارة والمرتفق والتي تسمح للمرتفق من اعتبار الإدارة مجرد هياكل وبنيات تم إنشائها لخدمته، في حين الإدارة تنأى بنفسها عن موقع المتعالي وتغير النظرة السائدة باعتبار الإدارة المغربية إدارة منغلقة وبيروقراطية، وتجعلها إدارة في خدمة التنمية على أن هذا يتطلب من الإدارة تطوير بنيات الاستقبال وكيفيته وذلك بالعمل على إسناد مكاتب للاستقبال والإرشادات الإدارية.
إن أهمية الاستقبال تكمن في كونه المرحلة الأساسية التي يكون فيها المواطن الانطباع الأول حول الجهاز الإداري، إنه انطلاقا من هذا الاتصال الأول سيحكم على الإدارة بانفتاحها أو انكماشها، بتنظيمها المحكم أو فوضويتها العارمة، بإنسانيتها أو جهالتها، وكما عبر عن ذلك (شنيدر كريستيان) يعتبر الاستقبال بطاقة تعريف للإدارة، أي أنه انطلاقا من الاتصال المباشر الأول، سيعمل المواطن على ترويج انطباعاته الإيجابية منها والسلبية حول سلوكات الإدارة، وذلك بين أقاربه وزملائه، مما يكرس صورة معينة للإدارة لدى الرأي العام[38].
من جهة أخرى فإن الاستقبال يمكن المرفق العمومي من الإطلاع عن قرب على تطور وضعيات ورغبات المرتفقين بهدف إيجاد إجابات منسجمة مع كل حالة، وهو بهذا يمثل عاملا للاندماج الاجتماعي ولنجاح السياسات العامة، لذا يجب أن تتكون لدى كل الإدارات هذه الرغبة في تخصيص استقبال إنساني وحار لمرتفقيها وذلك من خلال حوار جاد وشفاف بواسطة خلايا مكلفة بإرشاد ومساعدة المواطنين تتوفر في عناصرها شروط الكفاءة والديناميكية المهنية وسعة الصدر، وذلك لجعلها أكثر فعالية واستجابة للرغبات الاجتماعية وهي شروط من شأنها المساهمة في التأسيس لبنيات سياسية انفتاحية في علاقة الإدارة بمحيطها .
وترتبط عملية الاستقبال في أساسها بأربعة عناصر مهمة وهي:
فعملية الاستقبال تعد عاملا حاسما في تقريب أو إبعاد العالم الإداري من الجمهور ومن ثم وجب تنظيم هذه العملية في الزمان والمكان عبر تقريب المرافق العامة من المستفيدين من خدماتها لتفادي أي ضياع لوقتهم من جراء قيامهم بتنقلات مكلفة وما يستتبع ذلك من انتظار طويل بالنظر إلى انعدام الانضباط والدقة فيما يخص تحديد ساعات افتتاح المكاتب الإدارية والأيام المخصصة لاستقبال الجمهور مما يجعلها لا تصل إلى درجة إرضاء تطلعات ومتطلبات المرتفقين لذا يجب مراجعتها وتنظيمها انطلاقا من ضرورتين:
إن إلقاء نظرة على واقع الاستقبال بالإدارة المغربية يبين اهتماما متزايدا بعمليتي الاستقبال والتواصل سواء من خلال الخطابات الرسمية[41]، أو من خلال الواقع العملي إلا أن هذا الاهتمام لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب بسبب غياب إستراتيجية واضحة في هذا الميدان، طالما أن الأمر يقتصر على قطاعات دون الأخرى حسب طبيعة المهام الموكولة إليها وخصوصية المرتفقين الذين تتعامل معهم[42] مما يحد من فعالية هذه الوظيفة ويفتح المجال لخلق أزمة تواصل بين الحالتين سينجم عنها تفشي بعض الأمراض الاجتماعية كالرشوة، المحسوبية .. وبالتالي الإخلال بأحد المبادئ التي يقوم عليها المرفق العمومي وهي مبدأ مساواة المرتفقين، فكيفما كان نوع الإدارة وطبيعة الخدمات المقدمة فما يطلبه المرتفق هو أن يحظى باحترام وتقدير من طرف الإدارة عند تعامله معها وهذا لن يتأتى إلا بخلق بنيات تحتية للاستقبال مجهزة بوسائل الراحة الضرورية، وتكوين أشخاص متخصصين في عمليات الاستقبال والإرشاد، مع توظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة، خصوصا وأن النتائج التي حققها استعمال هذه الوسائل الحديثة لتحسين علاقة الإدارة بالمرفق وتوفير نوع من الارتياح النفسي وخلق جو من الثقة المتبادلة كانت مهمة للغاية في الدول المتقدمة.
إن الإدارة المغربية من جهتها مطالبة في الوقت الحالي بالتأقلم مع ما تفرضه ضرورات تحسين جودة المرفق العمومي وتيسير ظروف اندماجه في محيطه الاجتماعي وذلك من خلال إعادة هيكلة مصالحها حتى تتلاءم ووظيفة الاستقبال بحيث أن إنشاء مكاتب للعلاقات العامة داخل كل إدارة عمومية يجب ألا يقتصر دوره على مجرد توجيه المرتفق بكل دقة وعناية نحو المصلحة المختصة بتقديم الخدمة المطلوبة ولكن عليها أيضا أن تجتهد لكي تحول نشاطها الى تحقيق الهدف الخاص بإعلام ومعاونة الجمهور بواسطة المعالجة الواعية لمطالبه واحتياجاته، وكذا إخبار الإدارة بردود أفعاله، لأن الاستقبال من خلال أثر التغذية الاسترجاعية الذي يحققه يجب أن يكون حافزا لتحسيس الإدارة لكافة المشاكل التي يعاني منها المرتفقون والى المجالات التي لا تزال في حاجة إلى إشباع[43].
إن إنشاء مثل هذه المكاتب سيسمح إذن بحسن إرشاد الجمهور وتفهم عميق لمشاكله، ومساعدته على القيام بإجراءاته الإدارية في ظروف ملاءمة .
وبالتالي فتحسين وظيفة الاستقبال[44] من خلال تحديث البنيات اعتمادا على التكنولوجيا الحديثة كالمعلوميات، وأشخاص متخصصين في هذا الميدان سيساهم بشكل كبير في الرفع من جودة الخدمات ويخلق جوا من الثقة والتواصل والشفافية بين الإدراة ومرتفقيها[45].
لذا يجب إبداء اهتمام أكبر لوظيفة الاستقبال عبر مختلف شبابيك الادارات العمومية بشكل يسهل عملية التواصل بين المسؤولين الإداريين والمرتفقين، لأن تنظيم هذه الوسيلة في الاتصال بين الطرفين يعتبر مسألة حيوية لتجنيب المرتفقين ضياع الوقت وتمكينهم من تجاوز الحاجز النفسي الذي يمثله بالنسبة إليهم الشباك الإداري، وذلك بالاكثار من الشبابيك والاعتناء بعملية توزيعها داخل الإدرات وكذا تضمينها البيانات اللازمة على نحو يجنب المرتفقين كل التباس أو فوضى ممكنة لأن جهلهم لهوية المسؤولين الإداريين وطبيعة المهام الموكولة إليهم نتيجة عدم تحديدها بدقة في الواجهة الأمامية لأغلب الشبابيك الإدارية، يضاعف من مشاكل الجمهور في معرفة الموظف والشباك المرغوب فيه للحصول على خدمة ما خصوصا عند أول اتصال لهم بالإدارة .
لذلك فإن الاعتراف بأهمية وجدوى الاستقبال على صعيد مختلف المرافق العمومية، يقتضي إلى جانب إشراك مختلف مستويات المصالح الإدارية في هذه العملية، إعطاء اهتمام خاص لتكوين الموظفين القائمين بوظائف الاستقبال باعتبارها وظائف صعبة تتطلب كفاءات ومؤهلات خاصة، وتحسيسا لموظفي الإدارة إلى القيم الجديدة للتواصل المبنية على الاحترام والتسامح والمساعدة والتواضع في معاملة الجمهور، ومن ثم فإن تكوين الأعوان العموميين في ميدان العلاقات العامة أصبح يشكل حاليا أحد الشروط الضرورية لقيام حوار إنساني مع المرتفقين[46] كفيل بتسهيل وتحسين الاتصال المباشر والشخصي بينهم وبين المسؤولين الإداريين بغية تعديل انطباعاتهم السلبية عن الإدارة، لأن الموظفين يساهمون بشكل مباشر في تكوين الانطباع الايجابي أو السلبي الذي يترسخ في أذهان المرتفقين حول الإدارة العمومية.
على أن تطوير مهمة الاستقبال لا تتوقف فقط على الإدارة بل تلقى كذلك على عاتق المرتفقين حيث يجب خلق جمعيات للمرتفقين لتعديل وتغيير العلاقات التقليدية مع الإدارة ومن جهة أخرى للعب دور الضاغط على الإدارة رغم ما تطرحه هذه الإمكانية من مشكلة التواصل ما بين المرتفقين من جهة، وبينهم وبين الإدارة من جهة أخرى خاصة وأن الإدارة المغربية لا ترغب في تغيير سلوكاتها تحت واقع الضغط المباشر من المرتفقين[47].
إذا كان مفهوم المشاركة قد قدم في أول الأمر على أنه خطاب تقني يهدف باسم الفعالية إلى إحداث قطيعة مع مبادئ مثل المركزية الإدارية والتراتبية الوظيفية، فإن هذا المفهوم أصبحت له أبعاد عامة جديدة تتمثل في الانفتاح، اللامركزية، التواصل وكل هذه المعاني تساعد الإدارة على التكيف الجيد مع محيطها، كما تساعد على تلطيف الجو الداخلي للإدارة وتمكن من تفعيل العلاقات بين العناصر المكونة للعملية الإدارية .
وبالإضافة إلى ذلك يعتبر إشراك الموظفين في المجهود الإداري على هذا النحو في حد ذاته مؤشرا على دمقرطة السير الداخلي للإدارة، باعتباره يرتبط بالتوجه الديمقراطي الواسع الذي مافتئت معالمه تتضح منذ عدة سنوات على مستوى مجموع المؤسسات الاجتماعية، ولذلك يعتقد M.CROZIER بأن "هناك رغبة في إشراك المرؤوسين، لأن المشاركة هي مؤشر حقيقي على الديمقراطية داخل المقاولة أو داخل الإدارة، ولأنه من غير اللائق أن ترفض الإدارة لفرد معين الحق في الاهتمام بشؤون الجماعة التي ينتمي إليها[48].
وهكذا وبالنظر إلى التغييرات التي سوف تحدثها على عقلية الموظفين، فإن المشاركة تعتبر محاولة لتقريب الإدارة من المرتفقين، وحيث أنها تسمح بتعويض الأساليب القانونية والممارسات الروتينية للتواصل السلطوي بميكانيزمات أخرى أكثر انفتاحا، بسيطة وإنسانية، فإنها سوف تؤثر بالتبعية وبطريقة غير مباشرة على وضعية العلاقات بين الادارة ومرتفقيها[49]، لتجاوز الإطار التقليدي لهذه العلاقات المبني على الانغلاق والتسلط.
ولعل هذه الأهمية المزدوجة للمشاركة تبعث على التفكير في ضرورة توسيع مجالاتها إلى مختلف القطاعات خصوصا تلك التي تهم المواطنين بشكل مباشر، بحيث تشمل القطاع الاقتصادي والاجتماعي بأكمله، قبل أن تسري بعد ذلك تدريجيا إلى مجال الإدارة الشاملة باعتباره المجال التقليدي للروابط بين الإدارة والمرتفقين، حيث تتجلى امتيازات السيادة بالنسبة لجهاز الدولة.
وإذا كان من الضروري تنويع مجالات المشاركة من أجل توسيع نطاقها، فإنه لابد أن يوازي هذا المجهود تنويع لفئات المرتفقين المعنيين بأمر هذه المشاركة بغية تمكين الفئات العريضة من الجمهور من المساهمة الفعالة في جهود التطوير الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
بما أن الإدارة العمومية المغربية باعتبارها الجهاز المسؤول عن إدارة التنمية بجميع أشكالها، وباعتبارها أيضا العامل الحاسم في نجاح أو تعثر خطط ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح من اللازم تحديثها وعصرنتها عن طريق تطوير متكامل ومتوازن لجميع مكوناتها، وقد رعى المسؤولون هذا المعطى الهام وأنجزوا مشاريع (وإن كانت في أحيان عديدة خجولة) تصب كلها في اتجاه تحديث وتطوير البنية الإدارية بما ينسجم مع متطلبات التنمية الشاملة للمجتمع، وما اقتناء تكنولوجيا المعلوميات واستعمالها بكثافة في الحقل الإداري وفي مجالات عديدة إلا مظهرا من مظاهر الاهتمام بالتحديث الإداري
الفقرة الثانية : تدعيم استعمال تكنولوجية المعلومات الية لتدعيم الشفافية
تحت ضغط وزخم المطبوعات الإدارية وتراكم المعلومات، وبطء الإجراءات وإلحاح المرتفق على تلبية حاجياته بسرعة، كان لابد على المسؤولين الإداريين بأن يفكروا في إيجاد وسيلة فعالة لتجاوز مثل هذه المشاكل.
ولعل المعلوميات الحديثة التقنية الوحيدة التي تسمح باختزال الكثير من المراحل، وجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات، وهي أيضا الطريقة الوحيدة التي تجعل عملية الرجوع إلى هذه المعلومات سهلة وسريعة، وهذا كله سيخفف على المسير الإداري كثرة الوثائق الإدارية، كما سيساعد على ربح الوقت للتفرغ الى مهام أخرى أهم.
كما أن المعلوميات تطرح نفسها كوسيلة أساسية لتبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين العلاقات مع المرتفق، نظرا لما تقدمه لهذا الأخير من معلومات دقيقة وخدمات سريعة.
وتسعى الإدارة المغربية سعيا متواصلا للحاق بركب التقدم التكنولوجي في جميع نواحيه للنهوض بالمجتمع المغربي في جميع المجالات ولاشك أن ما حققته حتى الآن في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال يعد انجازا لا بأس به بفضل خبرائها في تدبير بعض القطاعات الحكومية كالجمارك والمالية .
وللانصاف قطعت الإدارة أشواطا مهمة في اقتناءها لتكنولوجيا المعلومات أما من حيث امتلاك الأدوات والمعدات التكنولوجية ،نجد الإدارة قطعت أشواطا مهمة في اقتناءها لهذه لتكنولوجيا، إذ أصبحت تتوفر على حظيرة مهمة تختلف من إدارة لأخرى من حيث الكم والكيف، فالإدارات التي تقوم بمهام تقنية وحساسة في تسيير دواليب الدولة، كالداخلية والخارجية والدفاع والبريد والمالية والتجهيز... تتوفر على معدات متنوعة وكثيرة تضاهي إدارات أغلب الدول المتقدمة، أما الإدارات التي لها ميزانية متوسطة فهي تتوفر كذلك على حظيرة مهمة من الحواسب لكنها ليست في نفس مستوى الإدارات السابقة، كما أن التوزيع الجغرافي لهذه التكنولوجيا يرتكز بشكل أساسي في محور الرباط الدار البيضاء[50]. إذ بلغت هذه النسبة سنة 1985 حوالي 85 من مجموع الحواسيب الموجودة بالبلاد، وهذا التركيز تمخض عنه إتباع أسلوب المعالجة المركزية للمعلومات، مما يقلص من فرص التواصل مع المرتفقين وبالتالي تحجيم اللامركزية المعلوماتية، وهو ما يؤكد كون الاندفاع نحو استخدام تكنولوجيا المعلومات في الإدارة لم يتم غالبا على ضوء الأهداف التنموية والاحتياجات الفعلية وإنما كان بدافع طموح ورغبة الإدارة في استخدام آخر منجزات التقدم التكنولوجي[51] وليس ارتباطا باحتياجات الإدارة والمجتمع فالتكنولوجيا التي تطورت استجابة لحاجات مجتمع معين لا تصلح في أغلب الأحيان لمجتمع آخر له ظروف مغايرة.
غير أن هذا يقود إلى استنتاج مهم وهو أن المطلوب ليس انتظار تلاءم التكنولوجية مع المجتمع وإنما لابد من التدخل الواعي والهادف لانضاجها وإيجاد البيئة المناسبة لتحقيق الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات وتطبيقها بفعالية في تطوير الإدارة العمومية.
إن ما يفسر عدم تلاءم التكنولوجيا الحديثة في المغرب مع واقع الإدارة المغربية بصفة مثالية هو أنه بالرغم من المجهودات المتوخاة في عمليات المكننة، فإن غالبية المساطر الإدارية لازالت تعتمد على الورق، ويظهر ذلك غريبا إذا ما لاحظنا أن جل الإدارات تتوفر الآن على شبكة معلوماتية ذاتية وعملية.
فالبرنامج المتبع حتى الآن في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإدارة المغربية يتميز بالأساس بعدم التنسيق بين الإدارات في شتى مكونات المعلوميات من معدات وبرمجيات ودراسات الخ .... واتباع كل وزارة أو إدارة منهجية وخطة عمل حرة غير مرتبطة بالأهداف والتوجهات العامة للحكومة، حيث أنه آن الأوان لوضع أسس متينة لنهج سياسة موحدة وواضحة في هذا المجال تقوم أساسا على علاقات شراكة تعاقدية والتي يجب أن تطورها الإدارة فيما بينها وبين الجماعات المحلية وكذا المؤسسات المهنية مع عدم إغفال الآثار الايجابية والسلبية المترتبة عن استعمال هذه التقنيات[52].
أما بالنسبة للمواقع الإلكترونية للوزارات فقد تحقق عمل لا بأس به، حيث أحدثت غالبية الوزارات الكبرى موقعا على الانترنيت، ونشرت بعض الإدارات بنوك معطيات قانونية أو معلومات تهم مساطر إدارية، غير أن غالبية هذه المواقع لا توفر إلا معلومات عامة عن المؤسسة وهياكلها وبعض أنشطتها، الشيء الذي لا يرقى حتى الآن إلى متطلبات المواطن والمقاولة من معلومات تساعد على تلبية خدمات إدارية.
إن تكنولوجيا المعلومات والاتصال غذت صناعة المستقبل الاقتصادي والاستثماري في دول أوروبا وأمريكا واليابان (خاصة وأن العالم يعرف حاليا تكتلات اقتصادية للاستفادة من مزايا اقتصاد السوق والليبرالية والتكنولوجيا المتطورة) وللاسراع بخطى المغرب لكي يتقدم في هذا المجال الحيوي يجب أولا البعد عن كثرة الدراسات النظرية والخروج من الندوات والمؤتمرات بخطة عمل واقعية وواضحة تعمل على تحديد المجالات الواعدة في تكنولوجيا المعلوميات والاتصال وتطبيقاتها والتي تناسب إمكانيات المغرب المادية والبشرية، كما يجب أن نركز في الوقت الحالي على الاستعانة بخبرات شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصال المتميزة وفتح قنوات اتصال معها على أعلى مستوى بالدولة كما يحدث ذلك مع صناعات أخرى.
بما أن الإدارة العمومية المغربية باعتبارها الجهاز المسؤول عن إدارة التنمية بجميع أشكالها، وباعتبارها أيضا العامل الحاسم في نجاح أو تعثر خطط ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح من اللازم تحديثها وعصرنتها عن طريق تطوير متكامل ومتوازن لجميع مكوناتها، وقد رعى المسؤولون هذا المعطى الهام وأنجزوا مشاريع (وإن كانت في أحيان عديدة خجولة) تصب كلها في اتجاه تحديث وتطوير البنية الإدارية بما ينسجم مع متطلبات التنمية الشاملة للمجتمع، وما اقتناء تكنولوجيا المعلوميات واستعمالها بكثافة في الحقل الإداري وفي مجالات عديدة إلا مظهرا من مظاهر الاهتمام بالتحديث الإداري[53].
إلا أن الهدف الأسمى لاستخدام المعلوميات بالإدارة العمومية لا ينبغي أن يقتصر على مكننة الأعمال المكتبية وزيادة إنتاجية العمل في مجال المعالجة المالية والاحصائية المختلفة، وإنما تزويد مراكز اتخاذ القرار في الإدارات بالمعلومات اللازمة لها لتوظيفها في مختلف المجالات والمناحي التي من شأنها الرفع من المردودية والإنتاجية، وتحسين العلاقة بين الإدارة والمرتفق من جهة، وتحقيق الإقلاع الإداري عبر تحديث وعصرنة آليات اشتغال الإدارة من جهة أخرى.
وتقوم السلطات الحكومية بتبني وتطوير مناهج التدبير الإلكتروني لتسهيل ولوج المرتفقين للخدمات العمومية بأقل كلفة ممكنة وأسرع وقت ممكن[54].
كما تعرف الإدارة الإلكترونية استخدام الإدارات العمومية لتكنولوجيا الإعلام والاتصال (TIC) بهدف تسهيل الولوج إلى خدماتها من لدن المرتفقين وتحسين مستوى أدائها الداخلي، فهي تروم إعادة تنظيم العلاقات وتحسين التواصل بين الإدارة والمدارين، أو بين الإدارات نفسها[55].
ويتحدث الأستاذ محمد حركات عن الحكامة الإلكترونية (e.gouvernance) باعتبارها تستخدم الوسائل الإلكترونية وتكنولوجيا الإعلام والاتصال في العمل الإداري لخلق إدارة تفاعلية أكثر شفافية، وتطوير مظاهر الحكامة الجيدة [56].
فاستخدام الإدارة الإلكترونية في المنظمات الإدارية يسـتهدف تحقيق الأهداف الآتية[57]:
-اختصار وقت تنفيذ المعاملات الإدارية المختلفة؛
-تسهيل إجراء الاتصال بين الإدارات والأجهزة الحكومية؛
-تقليل استخدام الأوراق لتجاوز إكراهات الحفظ والتخزين، وفي هذا السياق أطلقت بعض الوزارات مشاريع لإنشاء أرشيف إلكتروني؛
-تجميع المعلومات والبيانات من مصادرها الأصلية؛
-توظيف تكنولوجيا الإعلام والاتصال في دعم الثقافة التنظيمية لدى العاملين في الإدارة ودعم التنسيق بين الإدارات العليا والإدارات التابعة لها؛
-توفير المعلومات والبيانات للمرتفقين بسهولة؛
-دعم الشفافية؛
-تقليل معوقات اتخاذ القرار. .
وعموما لكسب رهان تحسين علاقة الادارة مع المرتفق لابد من :
- إرساء علاقات شفافة للإدارة بالمرتفقين من خلال تحسين استقبال المواطنين بمختلف الإدارات العمومية والجماعات المحلية، والتعريف بهويات الموظفين، وبالمساطر الإدارية وشروط الاستفادة منها، وتسريع وتيرة تنفيذ البرنامج الوطني المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، وتسريع وتيرة تنفيذ البرنامج الوطني للإدارة الإلكترونية، وتدعيم وتطوير مركز الاتصال والتوجيه الإداري، وتعميم إحداث رقم هاتفي أزرق بمختلف الإدارات، وتعميم إحداث وحدات بكل الإدارات العمومية تختص بتلقي الشكايات، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وإحداث آلية للاستشعار بحالات الارتشاء التي يتعرض لها المرتفقون، وإقرار آلية لحث الإدارات على الإسراع بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها
- تدعيم قيم النزاهة والاستحقاق بالإدارة من خلال اعتماد ضابطة لسلوك الموظفين على مستوى إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، وتعميم المباراة في التوظيف، وترسيخ قيم الاستحقاق والشفافية في تولي مناصب المسؤولية، وتشجيع الحركية والتناوب على المناصب العمومية، وترسيخ مبادئ الاستحقاق والشفافية في الترقية بالإدارات العمومية، وتدقيق المقتضيات التشريعية المتعلقة بمنع الجمع بين الوظائف والأجـور، وتدعيم قاعدة منع تضارب المصالح الشخصية مع المهام المزاولة بالإدارة العمومية، وتسهيل عملية التصريح بالممتلكات، وإدماج محور الوقاية من الرشوة ومحاربتها ضمن برامج التكوين والتكوين المستمر، بالإضافة إلى إحداث جائزة وطنية لتشجيع المبادرات المتميزة في مجال الوقاية من الرشوة ومحاربتها.
ختاما :
إن الورقة البحثية المتواضعة بشان "التخليق والشفافية ضرورة ملحة لإصلاح الإدارة، و خيارا استراتيجيا في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي" أدت بنا إلى استخلاص الخلاصات التالية.
- تحسين علاقة الادارة مع المرتفق على توجهات وأولويات تنموية، إذ لا يمكن الفصل بين رهانات التنمية الشاملة والمستديمة ومتطلبات الإصلاح الإداري الذي هو بحق مربط الفرس وصمام الأمان في إنجاز الرؤية الإستراتيجية الكفيلة بتحقيق التنمية وإرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي.
- إشاعة منظومة جديدة للتعامل مع المرتفق قوامها الاستقبال والارشاد والتوجيه الملائم والتسيير العقلاني والبرغماتي للموارد البشرية والمالية واللوجستيكية بمقاييس ربح الوقت وترشيد كلفة الأداء.
- تحسين علاقة الادارة مع المواطن رهين بتثمين الموارد البشرية الكفأة والمؤهلة للعمل الإداري والتواصل مع المواطنين، زبناء الإدارة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمستثمرين مع تأمين شروط وظروف الأداء الإداري الجيد والمسؤول والشفاف على قاعدة المهنية بما يخدم مقاصد وأهداف إدارة التنمية الشاملة وإرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي.
- تحسين علاقة الادارة مع المواطن رهين بتدعيم الاخلاقيات المهنية والعلاقات الانسانية بالمحيط الاداري .
- إن مشكلة الإدارة المغربية ليس هي إشكالية التشريعات والقوانين واللوائح فلا يمكن منطقيا اختزال التعبير داخل الإدارة العمومية في مجرد إعداد مشاريع نصوص قانونية أو إجراء تعديلات عليها، بل أن المشكلة تكمن في الممارسة الإدارية والسلوكات البيروقراطية الهجينة والمعاكسة للتطور والتنمية الإدارية لذا فإن ما يتطلبه التغيير وتخليق الحياة العامة في الإدارة المغربية يتمثل في اعتماد إجراءات وتدابير أولية كمؤشرات قوية ووازنة من شأنها إشعار المواطنين بأن أفعالا ومنجزات إيجابية وجديدة تتحقق وأن نموذج التدبير الإداري يتغير ويتحسن ويأخذ مساره الصحيح.
- إنه من أجل إنجاح عملية تحسين الإدارة مع محيطها لابد من عملية الإشراك والتوافق إذ لابد من انخراط جميع الفاعلين في عملية الإصلاح هذه من مرتفقين وموظفين وهيئات مدنية ومهنية، وعلى رجال السياسة وفق إرادة سياسية واضحة بأن يقوموا بتوضيح وتحديد طبيعة الإدارة التي يراد بناؤها، مع ضرورة خلق الشروط المناسبة والمضمون الملائم من أجل إعداد العقليات وضمان استجابتها لما يراد القيام به.
– اعتماد معايير موحدة لتقنين عملية التبادل المعلوماتي بين الإدارات وتوحيد وترتيب المسميات والمحتويات والنماذج وكذا مساطر التواصل الإداري ،
– إحداث منتديات الحوار والاقتراحات على الشبكة خاصة بعملية عصرنة الإدارة والتحسين من خدماتها لجمع الأفكار والاقتراحات من طرف المواطنين والمهتمين بهذا الميدان عموما،
– إعداد مشاريع قوانين حول التأشيرة الإلكترونية ،
– وضع نظام قانوني وتقني كفيل بحماية الحياة الخاصة للمواطنين في استعمال أبناك المعطيات التي تتوفر عليها الإدارات ،
– إعداد نص قانوني حول احترام استعمال اللغة الرسمية للبلاد في التواصل عبر الانترنيت مع مراعاة التمكن من اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ،
– تحسيس المواطن وحثه على أهمية استعمال الانترنيت كوسيلة سهلة وسريعة للمعاملات الإدارية بتقديم تسهيلات وإغراءات في أثمان التجهيزات والخدمات الإلكترونية ،
– إشراك المواطنين والمقاولات في تطوير البوابة الالكترونية ،
– تشجيع الإدارات لإحداث نقط للاتصال بالشبكة كمراكز الانترنيت أو غيرها ،
– تشجيع تعميم النظم المعلوماتية المحلية : شبكة الانترنيت والأنترانيت تهتم بشؤون الجماعات المحلية والأقاليم والعمالات والمصالح الخارجية ،
– إعداد دراسة متعلقة بهذا المجال ينتج عنها إصدار وثيقة رسمية ملزمة للإدارات تحدد الإطار المرجعي والمنهجي العام الهادف إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإدارة بمشاركة جميع القطاعات الحكومية ،
– إنشاء صندوق أو ميزانية خاصة باسم "إدارتي" تمول من طرف الدولة والقطاع الخاص وتتميز بمرونة التسيير،
– إعداد مخطط إعلامي للتعريف بدور وأهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصال في تأهيل الإدارة ،
– وضع برنامج طموح لتأهيل موظفي الإدارات العمومية في تكنولوجيا المعلومات والاتصال بتشارك مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والدفع بمساهمة الكفاءات والأدمغة الوطنية المتواجدة بالخارج لدعم المجهود الوطني في هذا الميدان ،
– أرقمة الإرث المعلوماتي الإداري وإحداث بنوك معطيات ومعاجم المصطلحات وبيانات أفقية وعامة ،
– الانتقال بالإدارة من المساطر على الورق إلى المساطر على الخط (Dématerialisation-Téléprocèdures) ،
– إنشاء الشبكات الداخلية ومد الربط الالكتروني بين الإدارات العمومية ،
ترشيد وعقلنة طرق اقتناء وتدبير المعدات والمستهلكات المعلوماتية في إطار تصور وحلول تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الحقيقية للمرافق الإدارية ،
- إحداث مرصد وطني مكلف بتتبع جودة الخدمات الإدارية الإلكترونية المقدمة للمواطن والمقاولة يشــــارك فيه إلى جانب الإدارة المواطن ممثلا في المجتمع المدني وكذا الشركات المهتمة ،
- استثمار التجارب الرائدة لبعض الإدارات والتعريف بها وجعلها أرضية للاستئناس ،
- فرض قواعد عامة على منتجي الخدمات المعلوماتية بهدف تحسين جودتها ،
- حجز وتحفيظ حقول مواقع ويب من طرف الإدارات لتفادي اقتنائها فيما بعد بأثمان خيالية ،
- إحداث أجهزة لمتابعة التطور التكنولوجي في مجال المعلوميات ،
يعتبر التحديث الإداري أحد الوسائل الأساسية لجعل الإدارة العمومية تساير التطورات التي يعرفها المجتمع من جهة ومن جهة ثانية هو أداة لتنفيذ السياسة العامة للدولة في المجال الإداري.
وينصب عمل التحديث الإداري على الإدارة العمومية وذلك بتقويم الاختلالات التي قد تعتري سيرها وتدعيم الآليات العميقة لجعلها أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية لأي بلد.
وإذا كانت أغلب الدول عمدت إلى منهج أساليب مختلفة لتطوير وتحسين علاقة الإدارة كأداة لتطوير الإدارة العمومية، فإن المغرب لم يشذ عن هذه القاعدة. ذلك أنه منذ الاستقلال وحتى وقتنا الحاضر، عرفت عدة برامج إصلاحية واستهدفت هيكلتها البشرية والقانونية والمؤسساتية. وبالرغم من ذلك فإن السياق الحالي لهذه الإدارة، يفرض إعادة النظر فيها[1] كجهاز وكنظام، فهي كجهاز ينبغي تقويم جوانب الخلل في سيره وتنظيمه ومراقبته وتوجيهه، أما كنظام فيتعين مراجعة المبادئ التي يقوم عليها ويستمد منها شرعيته ومنطق سيره ونمط العلاقات داخله. كونه سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
إن الإدارة المغربية تواجه الآن تحديات كبرى كالترشيد والفعالية والعولمة وتغير حجم ودور الدولة وضغط الثورة المعلوماتية وتضخم الهياكل، وهي ملزمة بمجابهتها عبر القيام بإجراءات إصلاحية شمولية.
وللإنصاف، فالإدارة في خدماتها الإدارية سواء بالنسبة للمرتفق أو المستثمر لم تكن حصيلة عملها كلها قاتمة وسلبية على امتداد أكثر من أربعين سنة، بل نجد بعض الجوانب المضيئة على مستوى الدور التنموي الذي لعبته عقب الاستقلال كما أنها ضمنت استمرار الخدمة الإدارية بغض النظر عن مستواها وجودتها.
لكن الجهاز الإداري الراهن يوجد في وضعية غير مريحة بفعل تنوع وتشعب التحديات الملزم الآن برفعها: تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية وتكنولوجية[2].
وإذا كانت الإدارة في ظل حقب زمنية وأنظمة سياسية، حبيسة أنشطة قليلة العدد، بفعل الإديولوجيات الليبرالية المسيطرة آنذاك، وتتمثل في وظائف الدولة الدركية، كمهام السيادة المتمثلة في الدفاع والمالية والعدل[3]. فإنها اليوم وبفعل الأفكار الاشتراكية وضغط الأزمات الاقتصادية الدولية وجدت الدولة نفسها، مضطرة للسهر على توجيه اقتصادها أو بهدف توجيه التطور الاقتصادي والاجتماعي الشيء الذي أسهم بشكل كبير في تغيير محتوى الوظائف الإدارية.
وموازاة لذلك، أصبح يطلب من الإدارة أن تؤدي وظائف كثيرة لكونها إحدى المنظمات النشيطة داخل النسيج الاجتماعي، فهي إذن بمثابة أداة الدولة. مما يطرح فكرة استقلالية الإدارة عن الأجهزة السياسية واحترام القوانين في التسلسل الإداري، كما تعتبر آلية للديمقراطية والمشاركة وللتنمية وأيضا أداة للتسيير والتدبير العقلاني.
واعتبارا للدور الذي أصبحت تضطلع به الإدارة، فإنها لم تعد تقتصر على وظيفة التنفيذ، وأن تقوم السلطة التشريعية برسم السياسة العامة، بل أصبحت الأجهزة الإدارية في مختلف الدول، هي المكلفة برسم السياسة العامة بناء على المعلومات المتوفرة لديها وكذا الوسائل الفنية الأخرى[4]، حيث أن الإدارة العمومية باتت أداة أساسية لتنفيذ قرارات السلطة السياسية. فهي بمفهومها الواسع كما يعرفها "B.Gourny" "مجموعة الأشخاص والأفراد والمجموعات المكلفين بإعداد وتنفيذ، أو الإشراف على تنفيذ قرارات السلطة السياسية[5].
إن التطورات النوعية المدركة على أصعدة مختلفة في السنوات الأخيرة: ثقافية، اجتماعية واقتصادية، كان لها تأثيرا مباشرا على الإدارة وعلاقتها بالمجتمع، حيث أصبحت مطالبة أن تكون وسيلة فعالة وإستراتيجية للتغيير الاجتماعي، لعدة عوامل أهمها[6]:
- ظهور بيئة سياسية في تحول مستمر وضعت قيما ونظريات جديدة[7]،
- ظهور ضغط ديمقراطي لا يهم النظام السياسي فحسب ولكن الجهاز الإداري الذي يشكل أداته الفعالة،
- بروز تقنيات جديدة في التسيير، ساهمت في بلورة فكر تدبيري جديد يهدف إلى تعميم الآليات التقنية في مختلف المنظمات والأجهزة.
فالإدارة لم تعد أداة للتسيير في خدمة الحكومة فقط، بل أصبحت تشترك في دواليب "النظام –العالم" (systéme-monde) والتعاون الدولي، وتلعب دورا رئيسيا في مسلسل العولمة[8].
فالعولمة تؤثر على مهام الإدارة في المجتمع – باعتبارها فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية- وتساهم في إحداث تغييرات اقتصادية على المستوى الدولي (تحرير التجارة الخارجية والأسواق المالية، تدويل الإنتاج إستراتيجية توزيع الشركات...) هذه التحولات كان لها انعكاسات كبيرة على دور الدولة من جهة وعلى المنظمات وتسيير الإدارات العمومية من جهة أخرى[9].
هذا ما جعل تحسين علاقة الإدارة مع محيطها عملية حتمية ومصيرية لا تقل أهمية عن ضرورة التوجه إلى إصلاح النظام التعليمي أو الاقتصادي أو الدستوري.
وإيمانا من السلطات العمومية بالمغرب، بحتمية تطوير الإدارة لجعلها منصة ومنفتحة وخدومة العمومية، عملت الدولة على نهج سياسة إصلاحية منذ الاستقلال للرفع من أداء الجهاز الإداري، حيث تم رسم استراتيجيات وإعداد برامج متعددة، لهذا الغرض.
وهذا ما اكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى المشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا، الذي تنظمه يوم الثلاثاء 27فبراير 2018 بالصخيرات، وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك.
حيث دعى الى انخراط جميع الفعاليات والمسؤؤولين في تفعيل توجيهاتهه الرامية إلى إصلاح الإدارة العمومية وتثمين مواردها البشرية، عبر الانخراط الحازم في عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي، ومواكبة السياسات العمومية والأوراش التنموية كما دعا لبلورة وإرساء نموذج تنموي جديد، لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وايضا لوضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب هذا النموذج، من خلال إصلاح شامل وعميق للإدارة العمومية. وذلك من خلال العمل على ضرورة إصلاح الإدارة، وتأهيل مواردها البشرية، باعتباره خيارا استراتيجيا لبلادنا، سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي الذي نطمح إليه، وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
اما الواقع المغربي فهو يستنكر بشدة أزمة الإدارة المغربية ومختلف أشكال السلوكيات المشينة التي طبعت علاقتها مع المواطنين والمستثمرين، فالمواطن لا يزال يعاني البطء والتماطل واللامبالاة في أداء الإدارة المكبلة بالتعقيدات والرتابة الفاسدة والرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ.
والمستثمر يضيق ويختنق من جهاز إداري يضيع على الاقتصاد الوطني وعلى سوق التشغيل الكثير من فرص التنمية التي يراهن عليها الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي.
ومن الناحية العملية ترتبط الإدارة دوما بنوعية النظام السياسي الذي يوجد في كل بلد، لأن مصلحة الدولة تقتضي التوفر على جهاز إداري بقصد تنفيذ قراراتها واستراتيجياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لهذا فإن أي أسلوب إداري حقق نتائج إيجابية في أي بلد معين في ظل ظروف ملائمة ساعدت على نجاحه، لا يعتبر بالضرورة مفيدا ومجديا لمجتمع آخر. فبالإضافة إلى مسألة ارتباط وظائف الإدارة بفلسفة السلطة العليا في كيفية ضبط أمور الدولة، هناك اختلافات جوهرية في نوعية الأنظمة السياسية، والإيديولوجيات العقائدية، والقيم الاجتماعية، والعقليات المجتمعية، والهيئات الحكومية التي تنفرد باتخاذ القرارات النهائية، ومصادر القوة الشرعية التي تكون الدعامة الأساسية للحكم القائم في كل بلد[10].
وترتكز عملية تأهيل وتحديث الإدارة على إعادة النظر في تدبير المنظومة البشرية وتحيين النصوص القانونية وتبسيط المساطر الادارية وتدعيم الاخلاقيات المهنية، وذلك بغية جعلها في مستوى تطلعات المواطنين والمرتفقين، ولكي تضطلع بالدور المنوط بها في عملية تحسين الأداء الإداري.
من هذا المنطلق سعت السلطات العمومية على إدخال العديد من الإصلاحات مست مختلف الجوانب التي تتعلق بتسيير الإدارة العمومية، وهي إصلاحات تروم بالاساس تطوير الاداء الاداري لخدمة المواطن وتحسين مناخ الاستثمار وخلق فرص الشغل.
غير أن عملية الإصلاح هاته لايمكن أن يكتب لها النجاح إذا لم يتم العمل على تخليق الحياة الإدارية وجعلها أكتر شفافية سواء فيما يتعلق بأطراف العلاقة الإدارية الداخلية، وفيما يتعلق بعلاقة الإدارة بمرتفقيها، وذلك انه في ظل جو المقاومة الذي تلقاه أية مبادرة إصلاحية، فإن من الضروري تخليق الإدارة لخلق الإطار الملائم لعملية الإصلاح هذه.
ولعل من مداخل الجوهرية لتحسين علاقة الادارة مع المرتفق تحسين الاخلاقيات المهنية وتدعيم الشفافية الإدارية عبر الية تدعيم تكنولوجية الحديثة في الممارسة الادارية .
وتسهيلا للبحث في هذه الورقة البحثية سوف نقارب دور كل من التخليق والشفافية الاداريين ؟ من خلال مطلبين على النحو التالي : كونه سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
المطلب الأول: تخليق الحياة الإدارية كرافعة لارساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي
ترتكز عملية الإصلاح الإداري على عدة آليات أساسية تتداخل فيما بينها لتجعل منها عملية شمولية.و من جهة أخرى فإن تطور العمل الإداري وتشعب مجالاته حتم على السلطات العمومية الاهتمام بمختلف جوانب العملية الإصلاحية حتى تستجيب للتطورات المجتمعية من جهة وكذا تطور الإدارة العمومية من جهة ثانية. حيث سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
وهكذا فإن تخليق الحياة الإدارية يعتبر أحد ركائز الإصلاح الإداري باعتباره البوابة الحقيقية لتحقيق التنمية الإدارية ونقطة رئيسية لكل المشاريع الإصلاحية والإرادات التحديثية لكون معظم تجليات الاختلالات التي تميز الإدارة تعزى في غالبيتها إلى انحطاط الأخلاق أو غيابها وقد ساعد على هذا الوضع غياب الشفافية الإدارية وسيادة ظاهرة التعتيم الإداري والانغماس في بيروقراطية إدارية جعلت الإدارة بعيدة عن جمهورها، لذا بات من الضروري العمل على تحقيق الشفافية الإدارية داخل الإدارة بغية جعلها أكثر استجابة للمتطلبات المجتمعية المتجددة وكذلك جعلها في مستوى التحولات الدولية التي تفرض على الإدارة أن تكون إدارة خدمات وليست إدارة للسلطة.
الفقرة الأولى: دور التخليق في تأهيل الإدارة وتحسين علاقتها مع المرتفق
التخليق مفهوم فلسفي يحمل معاني عدة في الاستقامة والنزاهة والسلوك القويم وحسن التدبير للشأن العام والمال العام. [11].
وقد أصبح متداولا مفهوم الشأن الأخلاقي والتخليقي الذي يرمز إلى ظاهرة مجتمعية عامة، أكثر من مجرد سلوك فردي- أو جماعة مصالح ومجموعة ضغط- تتمثل في توفير وتأمين أجواء وفضاءات تخليق الحياة العامة وتهذيبها.
والواقع أن تخليق الحياة العامة يظل مبتغى ومطمحا في المجتمعات التي تتشبع بمنظومة القيم الدينية والعقائدية والفكرية السائدة فيها عبر تاريخها وفي صيرورتها وإفرازاتها، كحقيقة وليست شعارا أو طلاسم ومساحيق يراد التلويح بها.
وإذا كان تخليق الحياة العامة قيمة غير مطلقة بقدر ما هي نسبية تتفاوت من مجتمع إلى آخر حسب خصوصيته وتنشئته الفكرية والاجتماعية، فالملاحظ أن أي مجتمع يتوق إلى التخليق ويتطلع إليه سيما عندما تشيع وتتفشى فيه الأمراض والانحرافات من قبيل آفة الرشوة والمحسوبية والزبونية واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة وما إليها من أوجه الفساد وإفساد الحياة العامة في كل جوانبها وتجلياتها السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية والسلوكية.
لذا يكتسي موضوع التخليق أهميته البالغة ومقاصده النبيلة في سياق التحولات الجارية في بلادنا في ظل العهد الجديد وتجربة التداول على السلطة والانتقال الديمقراطي.
ويندرج تخليق الحياة العامة– في الإدارة العامة والقطاع العام وكل امتداداتهما والجماعات العمومية، وفي القطاع الخاص وعموما في كل مكونات المجتمع كإحدى اهتمامات وانشغالات كل الفئات الواعية والقوى الحية للرأي العام الوطني.
و تخليق السلوك الإداري رهين ببناء علم إداري أخلاقي، ولن نصل إلى ذلك إلا باعتماد علم الأخلاق كأساس للتأثير في السلوك البشري، وذلك عن طريق تغيير للعقليات وتوجيه للنفوس وخلق جو أخلاقي مؤطر للسلوك. إلا أنه من الموضوعي أن ننتبه إلى أن هناك كثيرا من العوامل والضغوط التي تحول دون توجه السلوك الإداري نحو وجهة سليمة، أي أن تخليق السلوك الإداري مرتبط أساسا بتفحص مواطن السلبيات، فلا نفع لعملية التخليق داخل جو غير أخلاقي. [12].
إن تجاوز الوضعية الراهنة في الإدارة، واستشراف مستقبل إداري مشرق، سيقتضي ضرورة تحسين العلاقة بين القيادة والقاعدة، وذلك عبر تخليق تعامل القيادة مع المرؤوسين من جهة، وتخليق تعامل المرؤوسين من جهة أخرى.
1 - مهارات القيادة في توجيه العاملين نحو السلوك الأمثل وتخليق الأجواء الإدارية:
لا شك أن القيادة هي روح الإدارة العمومية، ومن خلالها يتجلى نجاح أو فشل المنظمة ككل إلا أن القيادة لا بد لها أن ترتبط بهدف مشترك مع القاعدة أي مع المرؤوسين، هدف يؤمنون به ويبذلون جهودا في سبيل تحقيقه، وإلا فإن جل المعوقات الإدارية تصدر عن الهوة بين القيادة والقاعدة. فالمدرسة السلوكية في علم الإدارة تعتبر أن القيادة تستهدف سلطتها الفعلية من القدرة على التأثير في سلوك الآخرين لجعلهم يقبلون النفوذ والسلطة عن رضى واختيار وليس عن قهر.
فالقيادة هي النشاط الإيجابي الذي يباشره الرئيس في مجال الإشراف الإداري على المرؤوسين، وذلك لتحقيق هدف معين بوسيلة التأثير والاستمالة، أو باستعمال السلطة الرسمية بالقدر المناسب وعند الاقتضاء والضرورة[13].
ولأجل تجاوز التوجه السلطوي في القيادة، فيجب أن ينصب الاهتمام على تقريب وجهات النظر وتفهم سلوك العاملين، ويظل ذلك رهينا بفعالية التوجيه القيادي.
هذا الطرح صحيح إلى حد بعيد، سيما عندما ندرك أن سلبيات العمل داخل الوحدات الإنتاجية إنما هي ناتجة عن التصور الخاطئ الذي يتصوره القائد عن مرؤوسه، فهو قد يعتقد أنهم غير معنيين بالمشاركة النشيطة، ولا يحركهم سوى حصولهم على أجور وحوافز عليا، ومن تم فإن تخصيص نصيب من الأرباح لتوزيعه عليهم يصبح هو العامل الوحيد للحصول على إنتاجية عليا، وهو خطأ يجعل الرؤساء يغفلون عن حقيقة أن الدعوة للمشاركة النشيطة أجدى من كل ذلك، فالتجارب قد أثبتت أنه إذا أمكن جعل المرؤوسين مشاركين نشيطين ومسؤولين واعين بدورهم في العملية الإنتاجية، فإن هؤلاء العناصر السلبية يمكن أن تصبح على درجة عالية من الحيوية والقدرة على الابتكار، في حين يكون من الصعب التزام درجة معينة من الوعي الأخلاقي الإداري في جو تسود فيه الرتابة واللامبالاة[14].
وهكذا فإن قاعدة المرؤوسين تكون أكثر سعادة ورضى في ظل أساليب معينة من التأطير والإشراف، خاصة تلك التي تتميز بالتقدير من جانب الرؤساء والتشجيع على المشاركة في القرارات.
إن مهارات القيادة في توجيه العاملين نحو السلوك الأمثل وتخليق الأجواء الإدارية تتجلى في مجموعة من المعطيات التي يكون الالتزام بها أحسن من تفعيل السلطة وإصدار الأوامر، ذلك أن السلطوية المطلقة لا يمكن أن يكون لها وقع إيجابي مع واقع عدم الرضى ورتابة أجواء العمل. فالقائد المحنك يراعي سلوك مرؤوسيه ويدفعهم إلى الأمام بتحفيزهم وإقناعهم. وقد يتمكن الرئيس في ذلك عن طريق التزامه بمجموعة من السبل كمحاولة فهم سلوك العاملين وتشجيع إيجابيتهم، فضلا عن ضرورة إعطاء القدوة الحسنة من طرفه شخصيا.
2 - تعامل المرؤوسين مع الرئيس:
من بين أسباب نجاح القيادة في تعاملها مع القاعدة، كون المرؤوسين يعملون على دعم القيادة في تحقيق أهداف القاعدة، ولن يكون ذلك، ممكنا إلا بتفعيل الأنماط السلوكية المناسبة خلال التعامل مع المرؤوسين والرئيس. ذلك أن القيادة نفسها تحتاج لمن يتفهمها ويجيد التعامل معها بحسب نوعية الطبع الذي يناسبها.
وهذا أمر طبيعي بالنسبة لكل منظمة إنتاجية أيا كان نوعها وحجمها وطبيعة تحملها، إذ أن نجاحها في تحقيق مقاصدها رهين بمدى فاعلية وكفاءة عمليات التفاعل والتواصل التي تتم ما بين الرئيس والمرؤوس.
ولأجل ذلك يتعين على المرؤوسين حسن استيعاب النمط السلوكي لرئيسيهم، والتعامل معه حسب محدداته ومواصفاته، وهذا ما يطلق عليه في علم الأخلاق بالمجاراة، وهي تكييف الفرد لأسلوبه التعاملي تماشيا مع نمط السلوك المقابل.
وإذا كان من المنتظم دائما أن يؤثر القائد في سلوك مرؤوسيه ويقدم لهم القدوة الحسنة، فإن المرؤوسين عليهم مقابل ذلك أن يتوفروا على روح المبادرة والاستعداد للتطوع والإبداع، كما أنهم ملزمون بتقييم ذاتي لنجاحهم ومدى تموقعهم داخل المنظمة، إذ أن النظريات الحديثة في الإدارة تذهب إلى أن كل مستخدم أو موظف، هو في نفس الوقت رئيس ومروؤس، الشيء الذي يتطلب أساسا تحقيق الإيجابية بين كل المستخدمين والموظفين.
أ- أخلاقيات التعامل مع الرئيس[15]:
قد تختلف الأنواع السلوكية للرؤساء، مع اختلاف العوامل والمحددات التي صاغت شخصيتهم، وجل الدراسات في علم الإدارة تركز على تلك العوامل والمحددات التي تخص المرؤوسين دون الرؤساء، مع أن أساليب التواصل والتعامل مع الطرفين مازالت تفتقر إلى الوضوح، سيما وأن المرؤوسين لا تتاح لهم فرصة التعرف على قادتهم لأجل التعامل معهم، ولو أتيحت لهم الفرصة لكانت لهم الإمكانية الملائمة لاعتماد السلوك الأخلاقي اللازم الذي يمكنهم من التعامل الجيد والفعال مع رؤسائهم.
فهناك سلوكات معينة قد يكون المرؤوس مجبرا على مباشرتها مع الرئيس المستبد (القسوة- التسلط- السيطرة الاستحواذ على المبادرة) وذلك عن طريق تفعيل الصبر والتحمل، عدم الانفعال، والمهارة في طرح الأسئلة والانتقاد.
وعلى المرؤوس كذلك أن يحسن التعامل مع الرئيس المتعالى والرئيس غير المبالي والمسوف والعنيف إلى غير ذلك من أنماط الرؤساء.
ب- إيجابيات المرؤوسين:
قد يحتاج المرؤوس لنجاح تواصله مع الرئيس، إلى الإيجابية أو القدوة على أخذ المبادرة، وذلك عن طريق تحديد تموقعه داخل المنظمة، ومعرفة دوره الحقيقي في مسلسل الإنتاج، وكذا تحديد الهدف من العمل الذي يقوم به والطريقة الأنجع التي تمكنه من أداء عمله، وهذا أمر يتطلب من المرؤوس الكشف عن الكيفية التي توفق بين التوجيهات الشخصية وأهداف المنظمة.
للوصول إلى ذلك يستقصى المرؤوس عن الهدف من وظيفته ويكيف قدراته ومهاراته مع ذلك الهدف، وربما بعض الأسئلة على نفسه، كيف تؤثر وظيفته على مهمة المؤسسة، وكيف تستفيد الفئات المستهدفة من وظيفته، وكيف تتصل وظيفته بالوظائف الأخرى داخل المؤسسة.
وبمجرد التعرف على دوره داخل المؤسسة، يصبح الموظف أو المرؤوس قادرا على أخذ المبادرة بكل ما يمكن أن يضيف شيئا إلى العمل بشكل أفضل وأسلوب أنسب.
الفقرة الثانية: اثر عملية التخليق على الحياة الادارية
إذا كانت عملية التخليق عملية شاملة تهم مختلف ميادين المجتمع فإن تخليق الإدارة يشكل إحدى الأولويات التي يؤدي تحقيقها إلى بعث روح الطمأنينة والإستقرار داخل المجتمع، وذلك لما تخلقه من روح الثقة بين المواطن والإدارة وكذلك من آجل العمل على تقريبهما.
اهتمت جل الحكومات المتعاقبة، على الاهتمام بتخليق المرفق العام بهدف إصلاح الإدارة وجعلها في مستوى التحديات التي تفرضها التحولات الجديدة على الصعيدين الوطني والدولي.
وقد أذكت هذه التوجهات السامية إرادة الحكومة بمقاربة هذا الورش من جوانبه الأساسية: التخليقية والترشيدية والتواصلية من خلال إطار مرجعي لهذه الإصلاحات يتمثل في ميثاق حسن التدبير الذي يجسد الإرادة الثابتة للحكومة في ترجمة سياسة التغيير من خلال مبادرات قطاعية عملية ومتواصلة. و في الآونة الأخيرة عمل المشرع المغربي على إصدار العديد من المراسيم والقوانين تهدف إلى ترسيخ المبادئ والقيم الأخلاقية، ودعم الشفافية والمسؤولية في التدبير العمومي، ومن أهم هذه المنجزات نذكر ما يلي :
1- دعم الشفافية والمسؤولية في التدبير العمومي:
أ- تحديد مسؤوليات الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين
ب- تعليل القرارات الإدارية:
- مراقبة عمل الإدارة من طرف المتعاملين معها .
- تأسيس علاقة جديدة بين الإدارة والمتعاملين معها قوامها التوازن والشفافية وضمان الحقوق وتعزيز الثقة.
- تكريس المفهوم الجديد للسلطة القائم على المواطنة وصيانة الحقوق وحفظ المصالح واحترام الحريات والقوانين .
- الحفاظ على حقوق المواطن بضمان حقه في الإخبار فيما يتعلق بتدبير حقوقه والطعن أمام الجهاز القضائي.
- دعم حرية المنافسة والشفافية في تدبير الخدمات العمومية،
- تحسين جودة الخدمات وتقليص كلفتها ثم تقديمها في أحسن شروط السلامة والبيئة،
- تقنين مجال عقود التدبير المفوض للمرافق والمنشآت العمومية،
- نهج مقاربة تشاركية بين القطاعين العام والخاص تقوم على أساس توازن العلاقة بين المفوض والمفوض إليه.
- مهام الهيئة :
- تنسيق الجهود على المستوى الوطني والمحلي في مجال الوقاية من الرشوة،
- تعزيز الشراكة بين الإدارات والفعاليات الأخرى حول الوقاية من الرشوة،
- جمع ونشر المعلومات المتعلقة بالفساد وتدبير قاعدة معطيات تتعلق بالمعلومات ذات الصلة بالظاهرة،
- اقتراح التدابير الرامية إلى إقامة تعاون بين الإدارات والقطاع الخاص وتحسيس الرأي العام،
- تقديم مساعدات إلى السلطات القضائية المرفوع إليها أمر أفعال الرشوة ورفع الأمر إليها عندما تكون الأفعال المبلغة لديها يعاقب عليها القانون.
- تجريم فعل غسل الأموال وكذا تقديم المساعدة أو إعطاء الاستشارة في هذا الباب،
- إدراج أفعال الفساد والرشوة ضمن عمليات غسل الأموال،
- تحديد الأشخاص الخاضعين الذين يجب عليهم التزام اليقظة وتقديم التصريح بالاشتباه،
- إحداث وحدة مركزية مكلفة بمراقبة ومعالجة المعلومات،
- حماية الأشخاص الخاضعين وعدم متابعتهم حتى في حالة التصريح بالاشتباه الخاطئ.
- دعم الشفافية والمنافسة في الولوج إلى الصفقات العمومية،
- تعزيز المساعدة في تفويت الصفقات العمومية: عقود نموذجية، وثائق إدارية،، بنك المعطيات حول المزودين...،
- تبسيط مسطرة تقديم طلبات العروض،
- توضيح في صلب المحاضر أسباب الرفض أو الإقصاء من بعض العروض،
- إقرار الإعلان عن طلبات العروض ونتائجها عبر الانترنيت،
- إحداث البوابة المغربية للصفقات العمومية www.marchespublics.gov.ma
- إعفاء المواطنين من الإدلاء بشواهد الازدياد، السكنى، الحياة والجنسية، وقيام البطاقة الوطنية الجديدة مقامها:
- القانون المحدث للبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية[20]:
- المرسوم التطبيقي للقانون المحدث للبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية: الجريدة الرسمية عدد 5591 مكرر بتاريخ 31دجنبر2007 .
- تقليص الإحتكاك المادي للمواطنين بالإدارة المتعلق بالتبادل الإلكتروني وللمعطيات القانونية: الجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6دجنبر 2007،
- الوضع الإلكتروني على الخط لما يناهز 190 خدمة إدارية
فبعد أن استعرضنا أهم المبادرات والمنجزات الحكومية في مجال تخليق الحياة الإدارية، فما هي يا ترى أهم الإجراءات المتخذة للحد من الفساد الإداري؟
فللإجابة عن هذا السؤال يجب التطرق إلى الإجراءات المتخذة في هذا الإطار:
2- الإجراءات المتخذة للتخليق:
أ- الإجراء التحسيسي:[21]
إن للجانب التحسيسي دورا فعالا في تقويض الكثير من مظاهر الانحراف والسلوكات المشينة، ذلك أن من شأن إشاعة الثقافة الأخلاقية على أوسع نطاق أن تساهم في تدعيم وترسيخ قيم ومبادئ السلوك الأخلاقي في المجتمع.
وفي هذا الإطار، أضحى من الضروري دعم وتثبيت الأخلاقيات في الحياة العامة اعتمادا على الآليات التالية:
-توجيه النظام التربوي العام للمجتمع لتعزيز شعور الناشئة بالمسؤولية المدنية وبحقوق المواطنة لتدعيم الوعي لديهم بما لهم وما عليهم.
-إدراج التربية على تخليق الحياة العامة ضمن المناهج التعليمية وتنظيم حملات تحسيسية في هذا المجال على المستوى المركزي والجهوي.
-الانفتاح على الفعاليات المجتمعية الناشطة في مجال تخليق الحياة العامة وإشراكهم في بلورة البرامج التي يمكن إنجازها في هذا الشأن من خلال تخصيص مجال عمل محدد لها يساير الأهداف المقترحة لمكافحة مختلف السلوكات المشينة.
-إعداد مواثيق أخلاقية قطاعية في الإدارات العمومية تحدد القيم الأخلاقية والقواعد السلوكية التي توضح مسؤوليات وواجبات الإدارة والموظف إزاء العموم[22] .
-إرساء ميثاق أخلاقي بين المواطن وإدارة الدولة يحدد بالأساس طبيعة الخدمات والحقوق التي للمواطن الحق في الولوج إليها.
-تمكين المشهد الإعلامي من ضمانات قانونية توفر إمكانيات الإخبار والتنديد بملفات الفساد الموثقة بإثباتات موضوعية، لكسب انخراط الفعاليات الإعلامية في الكشف عن بؤر الفساد، وتيسير مسطرة المتابعة.
ب- الإجراء الوقائي:
يحتل المستوى الوقائي في تخليق المرفق العام جانبا هاما في استئصال ومحاصرة مظاهر الفساد الإداري والحد من السلوكات المشينة في الوظيفة العمومية.
ويجب أن يرتكز العمل في هذا الصدد على بلورة رؤية قانونية تتوخى ترسيخ الشفافية ودمقرطة الإدارة من خلال :
1- إعادة بناء العلاقات بين الإدارة والمتعاملين معها على أسس متوازنة تضمن حقوق كل طرف وتتجاوز مظاهر غلو السلطة التقديرية للإدارة والمتجلية على الخصوص في تفشي مفهوم السر المهني، وغياب التعليل والتوظيف السلبي لمفهوم السكوت الضمني للإدارة وغيرها.
وفي هذا المجال، يعتبر قانون تعليل القرارات الإدارية خطوة مهمة في ترسيخ هذه العلاقات المتوازنة بين الإدارة والمتعاملين معها.
2-ترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير المال العام
3-ترسيخ مبدأ إقرار المساءلة وتقييم الأداء على جميع أعمال وأنشطة المرافق العمومية والأشخاص العاملين بها، وتوطين هذه المهام ضمن اختصاصات أجهزة الرقابة الموجودة.
4- تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات من خلال تأهيلها للقيام بالمراقبة الميدانية الفعالة، والاضطلاع بمهام التدقيق والتقييم والاستشارة والتنسيق والتأطير، فضلا عن المراقبة المعتادة[23].
5- إحداث جهاز لتنسيق التفتيش العام بهدف ضمان تقييم البرامج والسياسات القطاعية وتمكين الحكومة من تتبع نتائج عمل الوزارات والهيئات العمومية، والتفكير في ربح رهانات 2010 بالشروع في خلق الآلية القانونية لإحداث مفتشية عامة للدولة لدى الوزير الأول، تسند إليها اختصاصات هامة تتمثل في تقييم ومراقبة سير المصالح العمومية والتنسيق بين مختلف المفتشيات العامة للوزارات والمفتشية العامة للتراب الوطني والمفتشية العامة للمالية بغية توحيد عمل الإدارات العمومية في هذا المجال، كما يعهد إليها بالقيام بمهام التفتيش العام بالنسبة للوزارات التي لا تتوفر على مفتشية عامة خاصة بها بالإضافة إلى إعداد تقارير تركيبية دورية حول التفتيش العام للإدارات العمومية[24].
ومن جهة أخرى ومن أجل وضع مبدأ تخليق الحياة العامة على المستوى المالي موضع التنفيذ تم إصدار قانون يتعلق بالتصريح الإجباري للممتلكات يخص جميع الأطر التي تتحمل مسؤولية مالية، وكذا جميع الأشخاص المعينين بظهير ظبقا للفصل 30 من الدستور[25]
ج- الإجراء الزجري:
يعتبر الزجر آلية فعالة لإدانة السلوك المشين وتقويم الانحرافات التي يسببها، والنهوض به يمر بالضرورة عبر تثمين وصيانة القاعدة القانونية باعتبارها المرجع الأساسي لتطويق جيوب الفساد.
ومن هذا المنطلق، يبدو ضروريا التنصيص قانونيا على ما يلي:
- إرساء أسس قانونية للحث على نشر نتائج التحقيقات والتدقيقات التي تقوم بها الهيئات المختصة وتوسيع دائرة الإعلام بها، لأجل تقوية الحواجز المانعة من جهة، والتعريف بممارسات التدبير الجيد من جهة ثانية، ثم من أجل إفساح المجال لإدانة السلوك المشين وتوفير إمكانيات عملية لاشتغال النصوص وتفعيلها.
- بحث إمكانية التنصيص القانوني على مبدأ فتح مسطرة التحقيق القضائي والمتابعة عندما يتعلق الأمر بوقائع قد توصف بسلوكات مشينة يعاقب عليها، كلما يتم الإعلان عنها بإثبات موضوعي في تصريحات عمومية أو مقالات في الصحف.
- بحث إمكانية تثمين مبدأ العقوبة في جانبها المتعلق بالغرامة من خلال التنصيص على مبدأ الضعف، أي الحكم بالغرامة بضعف المنافع المحصلة بدل تحديد المبلغ الذي يظل هزيلا جدا مقارنة مع الأموال والمنافع المحصلة عن ممارسات الفساد.
- بحث إمكانية التنصيص القانوني على مبدأ التشهير (بعد الإدانة بطبيعة الحال) واستشراف إمكانيات ترجمته عمليا باستثمار مختلف القنوات التواصلية، خاصة بعد أن بات مؤكدا كل عقاب لا يراه الناس هو عقاب ضائع لا فائدة منه.
- ضرورة تفعيل وإعادة النظر في المقتضيات المتعلقة بمنع وجود مصالح للموظفين في المعاملات المالية لإدارتهم بوضع مقتضيات تطبيق الفصل 16 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، حيث يتعين التنصيص كتابيا في المقتضيات التطبيقية لهذا الفصل على مختلف السلوكات المقصودة مع إقرار مبدأ الحق في إجراء التحقيق والتحري على إثر شكاية أو تظلم بوجود مصالح غير مشروعة، وكذا الحق في تحريك مسطرة المتابعة سواء جنائيا أو بمقتضى العقوبات المنصوص عليها في قانون المنافسة، أو إداريا عبر تحريك مسطرة التأديب .
ومراعاة للحجم المتواضع للجمعيات غير السياسية، لابد من مراجعة قانون الحريات العامة لتمكين المجتمع من إبراز إمكانياته عن طريق الجمعيات التي تشكل الوسيلة المباشرة لمساهمته في تطوير مسيرته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي انتظار تحقيق ذلك، توجه الورشة نداء إلى الجمعيات لتضاعف من جهودها في ترسيخ القيم والمثل العليا في سلوك المجتمع من خلال تكوين وتوجيه الأعضاء المنتسبين إليها.
وفي نفس السياق لابد من اشراك النقابات والأحزاب السياسية لدورهما الاساسي في تأطير المجتمع وتوجيه سلوك أفراده لما تملكه من وسائل دستورية وقانونية في توجيه مسيرة المجتمع وتطوره، عن طريق البرامج التي تنشرها بين أعضائها، وعن طريق المرشحين الذين تزكيهم لممارسة الشأن العام المحلي والوطني، إضافة إلى ما تملكه من صحف ووسائل إعلام من أجل ذلك تطالب الورشة، وبإلحاح كبير النقابات والأحزاب السياسية، بالالتزام علنيا بالمساهمة في تخليق الحياة العامة عن طريق إخضاع الترشيح للانتخابات المحلية والوطنية لمقاييس الشفافية في الأداء، ومساءلة مرشحيها وتتبعهم في أداء مهامهم.
ونظرا للأهمية القصوى التي تكتسيها وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام وتخليقه، لابد من تخصيص حيز ملائم لنشر ثقافة التخليق والتصدي للانحرافات عن طريق التشهير بها ونشرها، شريطة أن تكون موثقة.
المطلب الثاني : الشفافية الإدارية كخيار استراتيجي لترسيخ ركائز النموذج التنموي
لم تعد الإدارة الحديثة تستمد مشروعيتها من مؤسستها فحسب وإنما أيضا من مدى قدرتها على تحسين علاقتها بجمهورها، وهو ما يقتضي بالدرجة الأولى بذل مجهودات دائمة لتلميع صورتها لديه وإعطاء القيمة لنشاطها عن طريق القيام بحملات إعلامية تهدف منها إقناع الفئات العريضة من هذا الجمهور بملاءمة وجودة أعمالها، ومحاولة تحسيسه بأهمية ما تقوم به من أنشطة في كافة الميادين بغية تحفيزه على التعاون معها في تدبيرها وذلك عن طريق إستراتيجية موجهة لخلق التواصل بين المواطن ومؤسساته الإدارية وكذلك العمل على خلق ظروف استقبال ملائمة تجعل المرتفق الذي يلج إلى الإدارة في موقع المشارك وبالتالي تحفيزه على المشاركة في القراراتالإدارية لتحقيق دمقرطة العمل الإداري و إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
الفقرة الاولى - دور التواصل في تحقيق الشفافية الإدارية:
يعتبر التواصل كعملية إرسال المعلومات واستقبالها من العناصر الأساسية، ليس فقط للحياة الاجتماعية والاندماج في الجسم الاجتماعي، وإنما أيضا لممارسة الإدارة كعملية بدونها لا يمكن تصور وجود أية منظمة أو حياة جماعية مشتركة.
من جهة أخرى فإن الإدارة في غياب التواصل لن تستطع بأية حال أن تحقق ديناميكية الجماعة وممارسة وظائف الإشراف والقيادة.
فالإدارة تتعامل مع الأفراد المنتمين إليها ليس فقط على مستوى فردي ولكن بشكل أساسي على مستوى جماعي وبالتالي فإن توجيه وتحريك المجموعات والتأثير فيها أصبح موضوعا له أهيمته في الإدارة والعملية الإدارية[26].
- التواصل:
والاتصال هو وظيفة نقل واستقبال المعلومات وبدونه لا يمكن أن تسير الأمور في الأجهزة الإدارية على أحسن ما يرام، فللاتصال دور هام في تنسيق الجهود، ولكي يتم هذا التنسيق بين أعضاء الفريق بجدية يجب أن تتاح للمرء معلومات كافية، فالاتصالات إذن بين الرئيس والمرؤوسين تعد تلك الوسيلة التي يوجه بواسطتها جهودهم.
وعملية الاتصالات ما هي إلا عملية تدفق المعلومات من أحد أطراف العلاقة إلى الأطراف الأخرى، فالرئيس يستطيع باستعمال سبل الاتصالات المتاحة له أن يحدد للموظفين أهداف التنظيم بصفة عامة. ويساعد على تحديد أهداف الجماعات المختلفة داخل الإدارة، فالرئيس يشرح للعامل الواجبات والأعمال التي تتوقع الإدارة منه أن يؤديها، مع الإمكانيات الموضوعة رهن إشارته لتعاونه على تحقيق هذه الأهداف[27].
فالاتصالات من الإدارة إلى العاملين هي الطريق أمام الموظف ليعين لنفسه ميادين العمل المتاحة أمامه، وبواسطتها أيضا يمكن للرئيس أن يستخدم نظم المكافآت والعقوبات بتبيان أنواع السلوك التي ينبغي على الموظف اتباعها.
فبدون سيل المعلومات لا يمكن لهذا الأخير أن يحدد اتجاه العمل الذي ينبغي عليه أن ينهجه، ولا يمكنه معرفة رأي الإدارة في مستوى أدائه وإنتاجيته، وهكذا فالعامل أو الموظف يصبح في وضعية غير مريحة بدون تلك المعلومات المهمة.
من جهة أخرى فإن تدفق المعلومات من الموظفين إلى الرؤساء ضرورة لا غنى عنها للمدير الناجح، فبواسطة هذه المعلومات يعرف الرئيس مساعديه ويفهم احتياجاتهم، كما أنه بواسطة الاتصالات هذه يمكن للرئيس أن يصحح الأفكار الخاطئة لدى الموظفين عن أهداف وسياسات الإدارة، فتدفق المعلومات من أسفل إلى أعلى يضمن اكتشاف المشاكل والمتاعب قبل حدوثها، سواء بالنسبة للمرء أو المجموعة، وتتاح الفرصة للإدارة للعمل على تفادي تلك المشاكل وتجنب آثارها الضارة في الإنتاجية.
إن من أهم فوائد تدفق المعلومات من فئة العاملين إلى الإدارة، أن تعي هذه الأخيرة رد فعل مخططاتها وسياستها والأوامر التي تصدرها للموظفين ووجهة نظر الموظف في سياسة المشرف وأسلوبه في العمل.
غير أن الإشكال الرئيسي في عملية الاتصالات هي ضمان الفهم المشترك للمعلومات بين طرفي الاتصال، فإذا كان المرسل يتبين أنه قد بلغ المعلومات بمجرد توصيلها للمرسل إليه، فإنه يتطلب من مرسل المعلومات أن يهتم بتوضيح معلوماته والتأكد من أن الطرف الآخر قد فهم تماما ذلك المعنى.
وتتبين لنا أن المشكلة في موضوع الاتصالات شأنها شأن جميع الجوانب المرتبطة بالعلاقات الإنسانية، هو كون الإنسان له احتياجات وتطلعات تؤثر كلها في نوعية تصوره للأمور وأسلوب فهمه للحقائق واستجابته للاتصالات، فالمرء في محاولته لفهم البيئة المحيطة به يكون لنفسه مجموعة من المعتقدات لا يحاول تغييرها مهما تغيرت العوامل، وأن المرء في مواجهة تدفقات المعلومات الآتية إليه من أفراد آخرين يحاول دائما تحقيق التوافق بين هذه المعلومات وبين الأفكار والمفاهيم التي كونها لنفسه[28].
وهذا التوافق يتحقق بفعل أربع طرق يلجأ إليها المرء:
أ- الإنتقاء الاختياري
ب- التصور الاختياري للمعلومات
ج- التذكر الاختياري للمعلومات
د- القرار الاختياري:
فلابد من الإحاطة علما أن للإتصال معوقات وعقبات عدة، وهي تعد أكبر المشاكل أهمية في الإدارات العمومية، هذه المعوقات يمكنها أن تظهر وتتضح في كل عمليات الاتصال والمتمثلة في بداية الاتصال، الإرسال والاستقبال.بيد أن الاستقبال تقف في وجهه عدة معوقات.
إذا من الضروري أن تقوم الإدارة بين الفينة والأخرى بدراسة الإجراءات التي تستعمل من أجل تسهيل عملية الاتصال. والتأكد من أن القرارات التي توصل إليها التنظيم هي قرارات متصلة بالمعلومات المستقاة، ولقد زاد الاهتمام بهذا الموضوع في الوقت الحالي، ويتوقع الكثير من التطور في ميدان الاتصال في السنوات القادمة.
بالمقابل ينبغي إشراك الموظف في الاتصال وفي اتخاذ القرارات قصد تشجيعه وإحساسه بقيمته داخل التنظيم، إن الاتصالات مهمة للرئيس لذا ينبغي عليه أن يعمل على توجيه مرؤوسيه إلى تحقيق أهداف المرفق[29].
كما ينبغي تطوير نظام الاتصالات بالمرافق العمومية لتطوير سلوك العاملين بها بما يتوافق وسياسات المنظمات، وبالتالي السيطرة على تصرفات هؤلاء الناس وتوجيهها حسب مخططات المدير أو المرفق.
ولهذا الغرض، فإن أغلب الإدارات بدأت حديثا تنشأ بعض الوحدات تتخصص في أعمال تتعلق بالاتصال وتقوم هذه الوحدات بتقديم المساعدات وبتسجيل المعلومات وتجميعها من المصادر الداخلية والخارجية، ولعل مثل هذه الإجراءات ستحقق الوصول إلى إيجاد نظام اتصال فعال يضمن تنقل المعلومات بكل يسر وحرية والتأثير في سلوك الموظف بما يتوافق والمصلحة العامة والوصول في الأخير إلى أفول ظاهرتي مقاومة التغيير وحركية الجماعة السلبية التي تؤثر سلبا على العمل الإداري.
وأي إستراتيجية للشفافية الإدارية يجب أن تهدف بالدرجة الأولى إلى تأسيس انفتاح حقيقي للإدارة العمومية على محيطها الاجتماعي، ويقتضي إعمال هذا الانفتاح إعادة النظر في مبادئ التباعد / السلطة التي تشكل ركائز النموذج التقليدي للتواصل بين الطرفين، وتترجم إعادة النظر هاته عبر حركتين مختلفتين، فمن جهة تتوجه الإدارة نحو الجمهور بتوضيحها لمغزى أنشطتها حتى تصبح مفهومة أكثر وتتقرب منه أحسن، من جهة أخرى فإنها تنفتح على الجمهور آخذة بعين الاعتبار طموحاته ومتطلباته لتصبح سهلة الإطلاع وأكثر قابلية للتأثر بالمحيط.
وتعتبر هاتان الحركتان بمثابة مرحلتين ضروريتين لسيرورة الانفتاح، إذ انطلاقا من اللحظة التي تشعر فيها الإدارة بأهمية ردود فعل الجمهور لنجاح نشاطها فإنها تكون مضطرة إلى إدماجهم مسبقا في حساباتها بإشراك المرتفقين ضمن أشكال متعددة ومختلفة لاتخاذ القرار [30].
وبإدراك السكان لأهمية عمل الإدارة سيتم ضمان الاتصال بين الطرفين بحيث تعتبر الإدارة العمومية أكثر الأطر التنظيمية حاجة إلى نظام للاتصال فعال وشامل للربط والتنسيق بين عناصرها الداخلية وبينها وبين بيئتها الوطنية والدولية[31].
من جهة أخرى يلعب التواصل دورا أساسيا في بلورة المفاهيم حول التنمية وأبرز عناصرها الأساسية وأدوات إنجازها، واكتشاف علاقة الإنسان بالتنمية، وهذا يعتبر منعطفا هاما في الدور التنموي للتواصل، فالإنسان لا يعد هدفا فقط للتنمية وإنما الأداة الرئيسية لها[32]، كما أن إنجاز المطالب المجتمعية بمفهومها الواسع تفترض بناء مؤسسات تضمن تمرير المطالب عبر بنيات تضمن التعبير الحر عن إرادة المجتمع وتوجهاته السياسية والاقتصادية وبعبارة أخرى، تعتبر درجة التواصل بين البنى المكونة للكل الاجتماعي مؤشرا جيدا على دمقرطة النظام وعقلانيته، ولعل الانحرافات الوظيفية للبنى الاجتماعية ترجع بالضرورة إلى انغلاق المجتمع على نفسه وانكماش القوى الفاعلة على نفسها، مما يفقد المجتمع القدرة على التعرف على مطالبه الحقيقية[33]. لهذا الغرض أوجدت الحكومات الحديثة في عدة دول، مؤسسات وتنظيمات بنت عليها توقعات وقيم عالية، على افتراض أن هذه المؤسسات والتنظيمات تشكل وسائل فعالة وناجعة لتحقيق الأهداف الهامة، فالمؤسسات والتنظيمات هي بمثابة وسائل لتحقيق حياة أفضل للمواطنين والمرتفقين، أي أن هذه الأجهزة والوحدات الإدارية تكون أكثر قربا من الجمهور وأكثر تجاوبا مع متطلباته وحاجته.
وهذه المؤسسات شملت جميع الميادين الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، ففيما يخص هذا الأخير فإن التواصل يلعب دورا مهما باعتبار أنه يشكل وسيلة لمعرفة حاجيات ومتطلبات المجتمع اقتصاديا ويحاول تكييفها مع رغبة المستثمر وإدارتها من جهة والمستثمر من جهة أخرى، وهذا يعني أن الإدارة لابد أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين ويتطلب احتكاكا مباشرا وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة كما أوصى بذلك جلالة الملك في خطاب المفهوم الجديد للسلطة[34] بتاريخ 12 أكتوبر 1999.
وهكذا تكون ضرورة تنويع أنماط التواصل بين الإدارة والمواطنين من بين السبل الحقيقية لأنسنة السلطة والجهاز الإداري وجعلها أقرب للمواطنين نظرا لأهمية التواصل بهدف خدمة المصلحة العامة وتلبية حاجات المواطنين، ونجد أن ميثاق حسن التدبير يجعل من التزام الإدارة بالتواصل مع محيطها والتشاور مع المتعاملين معها وانفتاحها عليهم[35] أحد منطلقاته الأساسية وربما أهمها على الإطلاق وذلك بإقراره مبدأ التشارك والانفتاح على مشاكل وتطلعات الفرقاء الاقتصاديين والحرص على التجاوب مع الحاجيات المتجددة للمقاولة في مجال التواصل.
فالتواصل في هذا الإطار يعد أحد الأدوات الأكثر تأثيرا في تدبير مختلف جوانب العملية التنموية والأكثر فعالية في ضبط ميكانيزماتها وذلك بمواكبة إدخال النظم الجديدة لتلبية الحاجات والعلاقات الاجتماعية الجديدة والبنيات الاقتصادية والسياسية التي تتطلبها، كما يقوم بخلق مناخ ملائم يمكن مختلف مكونات المجتمع المدني من إدماج واقعها داخل واقع عام[36].
2- الاستقبال :
ويشكل الاستقبال أول اتصال بين الإدارة والمرتفق بموجبه يكون هذا الأخير أحكامه الأولية عن الإدارة، و فكرته عنها التي تبقى مسجلة في ذاكرته طيلة فترة تعامله معها.
فالاستقبال كما أكدت على ذلك (كاترين روبرت) لا يمكن أن يقتصر على تلك الابتسامة النمطية (sourire stéréotype) على الطريقة الأمريكية، بل يعد الاستقبال وعدا بالاتصال الحسن، وبقابلية التفاهم. إنه الاستقبال البسيط والإنساني والذي يتحتم فيه على المسؤول الإداري أن يأخذ وقته الكافي للاستماع ولفهم الطرف الآخر، وأن لا يقاطعه وأن لا يدعي أنه يعلم كل شيء وأن من أمامه لا يفقه شيئا[37].
وهكذا فإن دور الاستقبال لا يقتصر فقط في مساعدة المرتفق على قضاء مآربه الإدارية في جو من الثقة وبعيدا عن جو الخوف والفزع الذي كانا يميز الإدارة المغربية حتى وقت قريب، بل يتعداه إلى خلق جو الثقة المتبادلة بين الإدارة والمرتفق والتي تسمح للمرتفق من اعتبار الإدارة مجرد هياكل وبنيات تم إنشائها لخدمته، في حين الإدارة تنأى بنفسها عن موقع المتعالي وتغير النظرة السائدة باعتبار الإدارة المغربية إدارة منغلقة وبيروقراطية، وتجعلها إدارة في خدمة التنمية على أن هذا يتطلب من الإدارة تطوير بنيات الاستقبال وكيفيته وذلك بالعمل على إسناد مكاتب للاستقبال والإرشادات الإدارية.
إن أهمية الاستقبال تكمن في كونه المرحلة الأساسية التي يكون فيها المواطن الانطباع الأول حول الجهاز الإداري، إنه انطلاقا من هذا الاتصال الأول سيحكم على الإدارة بانفتاحها أو انكماشها، بتنظيمها المحكم أو فوضويتها العارمة، بإنسانيتها أو جهالتها، وكما عبر عن ذلك (شنيدر كريستيان) يعتبر الاستقبال بطاقة تعريف للإدارة، أي أنه انطلاقا من الاتصال المباشر الأول، سيعمل المواطن على ترويج انطباعاته الإيجابية منها والسلبية حول سلوكات الإدارة، وذلك بين أقاربه وزملائه، مما يكرس صورة معينة للإدارة لدى الرأي العام[38].
من جهة أخرى فإن الاستقبال يمكن المرفق العمومي من الإطلاع عن قرب على تطور وضعيات ورغبات المرتفقين بهدف إيجاد إجابات منسجمة مع كل حالة، وهو بهذا يمثل عاملا للاندماج الاجتماعي ولنجاح السياسات العامة، لذا يجب أن تتكون لدى كل الإدارات هذه الرغبة في تخصيص استقبال إنساني وحار لمرتفقيها وذلك من خلال حوار جاد وشفاف بواسطة خلايا مكلفة بإرشاد ومساعدة المواطنين تتوفر في عناصرها شروط الكفاءة والديناميكية المهنية وسعة الصدر، وذلك لجعلها أكثر فعالية واستجابة للرغبات الاجتماعية وهي شروط من شأنها المساهمة في التأسيس لبنيات سياسية انفتاحية في علاقة الإدارة بمحيطها .
وترتبط عملية الاستقبال في أساسها بأربعة عناصر مهمة وهي:
- توجيه الجمهور عبر مختلف المصالح التابعة لنفس الهيئة.
- نقل معلومات بسيطة إلى المرتفقين وكذا المطبوعات والوثائق الواجب ملئها.
- إعداد معلومات شخصية، أي تكييف المعلومات العامة مع الحالات الخاصة.
- المعالجة السريعة لكل طلب شخصي وتقديم النصح والمساعدة للمرتفق.
فعملية الاستقبال تعد عاملا حاسما في تقريب أو إبعاد العالم الإداري من الجمهور ومن ثم وجب تنظيم هذه العملية في الزمان والمكان عبر تقريب المرافق العامة من المستفيدين من خدماتها لتفادي أي ضياع لوقتهم من جراء قيامهم بتنقلات مكلفة وما يستتبع ذلك من انتظار طويل بالنظر إلى انعدام الانضباط والدقة فيما يخص تحديد ساعات افتتاح المكاتب الإدارية والأيام المخصصة لاستقبال الجمهور مما يجعلها لا تصل إلى درجة إرضاء تطلعات ومتطلبات المرتفقين لذا يجب مراجعتها وتنظيمها انطلاقا من ضرورتين:
- يجب أن لا تتم عملية الاستقبال على حساب حسن سير الإدارة وفعاليتها.
- يجب ألا يترك المرتفقون ينتظرون لفترات طويلة قد تؤدي إلى ضياع وقتهم ومصالحهم[40].
إن إلقاء نظرة على واقع الاستقبال بالإدارة المغربية يبين اهتماما متزايدا بعمليتي الاستقبال والتواصل سواء من خلال الخطابات الرسمية[41]، أو من خلال الواقع العملي إلا أن هذا الاهتمام لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب بسبب غياب إستراتيجية واضحة في هذا الميدان، طالما أن الأمر يقتصر على قطاعات دون الأخرى حسب طبيعة المهام الموكولة إليها وخصوصية المرتفقين الذين تتعامل معهم[42] مما يحد من فعالية هذه الوظيفة ويفتح المجال لخلق أزمة تواصل بين الحالتين سينجم عنها تفشي بعض الأمراض الاجتماعية كالرشوة، المحسوبية .. وبالتالي الإخلال بأحد المبادئ التي يقوم عليها المرفق العمومي وهي مبدأ مساواة المرتفقين، فكيفما كان نوع الإدارة وطبيعة الخدمات المقدمة فما يطلبه المرتفق هو أن يحظى باحترام وتقدير من طرف الإدارة عند تعامله معها وهذا لن يتأتى إلا بخلق بنيات تحتية للاستقبال مجهزة بوسائل الراحة الضرورية، وتكوين أشخاص متخصصين في عمليات الاستقبال والإرشاد، مع توظيف التقنيات التكنولوجية الحديثة، خصوصا وأن النتائج التي حققها استعمال هذه الوسائل الحديثة لتحسين علاقة الإدارة بالمرفق وتوفير نوع من الارتياح النفسي وخلق جو من الثقة المتبادلة كانت مهمة للغاية في الدول المتقدمة.
إن الإدارة المغربية من جهتها مطالبة في الوقت الحالي بالتأقلم مع ما تفرضه ضرورات تحسين جودة المرفق العمومي وتيسير ظروف اندماجه في محيطه الاجتماعي وذلك من خلال إعادة هيكلة مصالحها حتى تتلاءم ووظيفة الاستقبال بحيث أن إنشاء مكاتب للعلاقات العامة داخل كل إدارة عمومية يجب ألا يقتصر دوره على مجرد توجيه المرتفق بكل دقة وعناية نحو المصلحة المختصة بتقديم الخدمة المطلوبة ولكن عليها أيضا أن تجتهد لكي تحول نشاطها الى تحقيق الهدف الخاص بإعلام ومعاونة الجمهور بواسطة المعالجة الواعية لمطالبه واحتياجاته، وكذا إخبار الإدارة بردود أفعاله، لأن الاستقبال من خلال أثر التغذية الاسترجاعية الذي يحققه يجب أن يكون حافزا لتحسيس الإدارة لكافة المشاكل التي يعاني منها المرتفقون والى المجالات التي لا تزال في حاجة إلى إشباع[43].
إن إنشاء مثل هذه المكاتب سيسمح إذن بحسن إرشاد الجمهور وتفهم عميق لمشاكله، ومساعدته على القيام بإجراءاته الإدارية في ظروف ملاءمة .
وبالتالي فتحسين وظيفة الاستقبال[44] من خلال تحديث البنيات اعتمادا على التكنولوجيا الحديثة كالمعلوميات، وأشخاص متخصصين في هذا الميدان سيساهم بشكل كبير في الرفع من جودة الخدمات ويخلق جوا من الثقة والتواصل والشفافية بين الإدراة ومرتفقيها[45].
لذا يجب إبداء اهتمام أكبر لوظيفة الاستقبال عبر مختلف شبابيك الادارات العمومية بشكل يسهل عملية التواصل بين المسؤولين الإداريين والمرتفقين، لأن تنظيم هذه الوسيلة في الاتصال بين الطرفين يعتبر مسألة حيوية لتجنيب المرتفقين ضياع الوقت وتمكينهم من تجاوز الحاجز النفسي الذي يمثله بالنسبة إليهم الشباك الإداري، وذلك بالاكثار من الشبابيك والاعتناء بعملية توزيعها داخل الإدرات وكذا تضمينها البيانات اللازمة على نحو يجنب المرتفقين كل التباس أو فوضى ممكنة لأن جهلهم لهوية المسؤولين الإداريين وطبيعة المهام الموكولة إليهم نتيجة عدم تحديدها بدقة في الواجهة الأمامية لأغلب الشبابيك الإدارية، يضاعف من مشاكل الجمهور في معرفة الموظف والشباك المرغوب فيه للحصول على خدمة ما خصوصا عند أول اتصال لهم بالإدارة .
لذلك فإن الاعتراف بأهمية وجدوى الاستقبال على صعيد مختلف المرافق العمومية، يقتضي إلى جانب إشراك مختلف مستويات المصالح الإدارية في هذه العملية، إعطاء اهتمام خاص لتكوين الموظفين القائمين بوظائف الاستقبال باعتبارها وظائف صعبة تتطلب كفاءات ومؤهلات خاصة، وتحسيسا لموظفي الإدارة إلى القيم الجديدة للتواصل المبنية على الاحترام والتسامح والمساعدة والتواضع في معاملة الجمهور، ومن ثم فإن تكوين الأعوان العموميين في ميدان العلاقات العامة أصبح يشكل حاليا أحد الشروط الضرورية لقيام حوار إنساني مع المرتفقين[46] كفيل بتسهيل وتحسين الاتصال المباشر والشخصي بينهم وبين المسؤولين الإداريين بغية تعديل انطباعاتهم السلبية عن الإدارة، لأن الموظفين يساهمون بشكل مباشر في تكوين الانطباع الايجابي أو السلبي الذي يترسخ في أذهان المرتفقين حول الإدارة العمومية.
على أن تطوير مهمة الاستقبال لا تتوقف فقط على الإدارة بل تلقى كذلك على عاتق المرتفقين حيث يجب خلق جمعيات للمرتفقين لتعديل وتغيير العلاقات التقليدية مع الإدارة ومن جهة أخرى للعب دور الضاغط على الإدارة رغم ما تطرحه هذه الإمكانية من مشكلة التواصل ما بين المرتفقين من جهة، وبينهم وبين الإدارة من جهة أخرى خاصة وأن الإدارة المغربية لا ترغب في تغيير سلوكاتها تحت واقع الضغط المباشر من المرتفقين[47].
إذا كان مفهوم المشاركة قد قدم في أول الأمر على أنه خطاب تقني يهدف باسم الفعالية إلى إحداث قطيعة مع مبادئ مثل المركزية الإدارية والتراتبية الوظيفية، فإن هذا المفهوم أصبحت له أبعاد عامة جديدة تتمثل في الانفتاح، اللامركزية، التواصل وكل هذه المعاني تساعد الإدارة على التكيف الجيد مع محيطها، كما تساعد على تلطيف الجو الداخلي للإدارة وتمكن من تفعيل العلاقات بين العناصر المكونة للعملية الإدارية .
وبالإضافة إلى ذلك يعتبر إشراك الموظفين في المجهود الإداري على هذا النحو في حد ذاته مؤشرا على دمقرطة السير الداخلي للإدارة، باعتباره يرتبط بالتوجه الديمقراطي الواسع الذي مافتئت معالمه تتضح منذ عدة سنوات على مستوى مجموع المؤسسات الاجتماعية، ولذلك يعتقد M.CROZIER بأن "هناك رغبة في إشراك المرؤوسين، لأن المشاركة هي مؤشر حقيقي على الديمقراطية داخل المقاولة أو داخل الإدارة، ولأنه من غير اللائق أن ترفض الإدارة لفرد معين الحق في الاهتمام بشؤون الجماعة التي ينتمي إليها[48].
وهكذا وبالنظر إلى التغييرات التي سوف تحدثها على عقلية الموظفين، فإن المشاركة تعتبر محاولة لتقريب الإدارة من المرتفقين، وحيث أنها تسمح بتعويض الأساليب القانونية والممارسات الروتينية للتواصل السلطوي بميكانيزمات أخرى أكثر انفتاحا، بسيطة وإنسانية، فإنها سوف تؤثر بالتبعية وبطريقة غير مباشرة على وضعية العلاقات بين الادارة ومرتفقيها[49]، لتجاوز الإطار التقليدي لهذه العلاقات المبني على الانغلاق والتسلط.
ولعل هذه الأهمية المزدوجة للمشاركة تبعث على التفكير في ضرورة توسيع مجالاتها إلى مختلف القطاعات خصوصا تلك التي تهم المواطنين بشكل مباشر، بحيث تشمل القطاع الاقتصادي والاجتماعي بأكمله، قبل أن تسري بعد ذلك تدريجيا إلى مجال الإدارة الشاملة باعتباره المجال التقليدي للروابط بين الإدارة والمرتفقين، حيث تتجلى امتيازات السيادة بالنسبة لجهاز الدولة.
وإذا كان من الضروري تنويع مجالات المشاركة من أجل توسيع نطاقها، فإنه لابد أن يوازي هذا المجهود تنويع لفئات المرتفقين المعنيين بأمر هذه المشاركة بغية تمكين الفئات العريضة من الجمهور من المساهمة الفعالة في جهود التطوير الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
بما أن الإدارة العمومية المغربية باعتبارها الجهاز المسؤول عن إدارة التنمية بجميع أشكالها، وباعتبارها أيضا العامل الحاسم في نجاح أو تعثر خطط ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح من اللازم تحديثها وعصرنتها عن طريق تطوير متكامل ومتوازن لجميع مكوناتها، وقد رعى المسؤولون هذا المعطى الهام وأنجزوا مشاريع (وإن كانت في أحيان عديدة خجولة) تصب كلها في اتجاه تحديث وتطوير البنية الإدارية بما ينسجم مع متطلبات التنمية الشاملة للمجتمع، وما اقتناء تكنولوجيا المعلوميات واستعمالها بكثافة في الحقل الإداري وفي مجالات عديدة إلا مظهرا من مظاهر الاهتمام بالتحديث الإداري
الفقرة الثانية : تدعيم استعمال تكنولوجية المعلومات الية لتدعيم الشفافية
تحت ضغط وزخم المطبوعات الإدارية وتراكم المعلومات، وبطء الإجراءات وإلحاح المرتفق على تلبية حاجياته بسرعة، كان لابد على المسؤولين الإداريين بأن يفكروا في إيجاد وسيلة فعالة لتجاوز مثل هذه المشاكل.
ولعل المعلوميات الحديثة التقنية الوحيدة التي تسمح باختزال الكثير من المراحل، وجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات، وهي أيضا الطريقة الوحيدة التي تجعل عملية الرجوع إلى هذه المعلومات سهلة وسريعة، وهذا كله سيخفف على المسير الإداري كثرة الوثائق الإدارية، كما سيساعد على ربح الوقت للتفرغ الى مهام أخرى أهم.
كما أن المعلوميات تطرح نفسها كوسيلة أساسية لتبسيط الإجراءات الإدارية وتحسين العلاقات مع المرتفق، نظرا لما تقدمه لهذا الأخير من معلومات دقيقة وخدمات سريعة.
وتسعى الإدارة المغربية سعيا متواصلا للحاق بركب التقدم التكنولوجي في جميع نواحيه للنهوض بالمجتمع المغربي في جميع المجالات ولاشك أن ما حققته حتى الآن في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال يعد انجازا لا بأس به بفضل خبرائها في تدبير بعض القطاعات الحكومية كالجمارك والمالية .
وللانصاف قطعت الإدارة أشواطا مهمة في اقتناءها لتكنولوجيا المعلومات أما من حيث امتلاك الأدوات والمعدات التكنولوجية ،نجد الإدارة قطعت أشواطا مهمة في اقتناءها لهذه لتكنولوجيا، إذ أصبحت تتوفر على حظيرة مهمة تختلف من إدارة لأخرى من حيث الكم والكيف، فالإدارات التي تقوم بمهام تقنية وحساسة في تسيير دواليب الدولة، كالداخلية والخارجية والدفاع والبريد والمالية والتجهيز... تتوفر على معدات متنوعة وكثيرة تضاهي إدارات أغلب الدول المتقدمة، أما الإدارات التي لها ميزانية متوسطة فهي تتوفر كذلك على حظيرة مهمة من الحواسب لكنها ليست في نفس مستوى الإدارات السابقة، كما أن التوزيع الجغرافي لهذه التكنولوجيا يرتكز بشكل أساسي في محور الرباط الدار البيضاء[50]. إذ بلغت هذه النسبة سنة 1985 حوالي 85 من مجموع الحواسيب الموجودة بالبلاد، وهذا التركيز تمخض عنه إتباع أسلوب المعالجة المركزية للمعلومات، مما يقلص من فرص التواصل مع المرتفقين وبالتالي تحجيم اللامركزية المعلوماتية، وهو ما يؤكد كون الاندفاع نحو استخدام تكنولوجيا المعلومات في الإدارة لم يتم غالبا على ضوء الأهداف التنموية والاحتياجات الفعلية وإنما كان بدافع طموح ورغبة الإدارة في استخدام آخر منجزات التقدم التكنولوجي[51] وليس ارتباطا باحتياجات الإدارة والمجتمع فالتكنولوجيا التي تطورت استجابة لحاجات مجتمع معين لا تصلح في أغلب الأحيان لمجتمع آخر له ظروف مغايرة.
غير أن هذا يقود إلى استنتاج مهم وهو أن المطلوب ليس انتظار تلاءم التكنولوجية مع المجتمع وإنما لابد من التدخل الواعي والهادف لانضاجها وإيجاد البيئة المناسبة لتحقيق الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات وتطبيقها بفعالية في تطوير الإدارة العمومية.
إن ما يفسر عدم تلاءم التكنولوجيا الحديثة في المغرب مع واقع الإدارة المغربية بصفة مثالية هو أنه بالرغم من المجهودات المتوخاة في عمليات المكننة، فإن غالبية المساطر الإدارية لازالت تعتمد على الورق، ويظهر ذلك غريبا إذا ما لاحظنا أن جل الإدارات تتوفر الآن على شبكة معلوماتية ذاتية وعملية.
فالبرنامج المتبع حتى الآن في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإدارة المغربية يتميز بالأساس بعدم التنسيق بين الإدارات في شتى مكونات المعلوميات من معدات وبرمجيات ودراسات الخ .... واتباع كل وزارة أو إدارة منهجية وخطة عمل حرة غير مرتبطة بالأهداف والتوجهات العامة للحكومة، حيث أنه آن الأوان لوضع أسس متينة لنهج سياسة موحدة وواضحة في هذا المجال تقوم أساسا على علاقات شراكة تعاقدية والتي يجب أن تطورها الإدارة فيما بينها وبين الجماعات المحلية وكذا المؤسسات المهنية مع عدم إغفال الآثار الايجابية والسلبية المترتبة عن استعمال هذه التقنيات[52].
أما بالنسبة للمواقع الإلكترونية للوزارات فقد تحقق عمل لا بأس به، حيث أحدثت غالبية الوزارات الكبرى موقعا على الانترنيت، ونشرت بعض الإدارات بنوك معطيات قانونية أو معلومات تهم مساطر إدارية، غير أن غالبية هذه المواقع لا توفر إلا معلومات عامة عن المؤسسة وهياكلها وبعض أنشطتها، الشيء الذي لا يرقى حتى الآن إلى متطلبات المواطن والمقاولة من معلومات تساعد على تلبية خدمات إدارية.
إن تكنولوجيا المعلومات والاتصال غذت صناعة المستقبل الاقتصادي والاستثماري في دول أوروبا وأمريكا واليابان (خاصة وأن العالم يعرف حاليا تكتلات اقتصادية للاستفادة من مزايا اقتصاد السوق والليبرالية والتكنولوجيا المتطورة) وللاسراع بخطى المغرب لكي يتقدم في هذا المجال الحيوي يجب أولا البعد عن كثرة الدراسات النظرية والخروج من الندوات والمؤتمرات بخطة عمل واقعية وواضحة تعمل على تحديد المجالات الواعدة في تكنولوجيا المعلوميات والاتصال وتطبيقاتها والتي تناسب إمكانيات المغرب المادية والبشرية، كما يجب أن نركز في الوقت الحالي على الاستعانة بخبرات شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصال المتميزة وفتح قنوات اتصال معها على أعلى مستوى بالدولة كما يحدث ذلك مع صناعات أخرى.
بما أن الإدارة العمومية المغربية باعتبارها الجهاز المسؤول عن إدارة التنمية بجميع أشكالها، وباعتبارها أيضا العامل الحاسم في نجاح أو تعثر خطط ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فقد أصبح من اللازم تحديثها وعصرنتها عن طريق تطوير متكامل ومتوازن لجميع مكوناتها، وقد رعى المسؤولون هذا المعطى الهام وأنجزوا مشاريع (وإن كانت في أحيان عديدة خجولة) تصب كلها في اتجاه تحديث وتطوير البنية الإدارية بما ينسجم مع متطلبات التنمية الشاملة للمجتمع، وما اقتناء تكنولوجيا المعلوميات واستعمالها بكثافة في الحقل الإداري وفي مجالات عديدة إلا مظهرا من مظاهر الاهتمام بالتحديث الإداري[53].
إلا أن الهدف الأسمى لاستخدام المعلوميات بالإدارة العمومية لا ينبغي أن يقتصر على مكننة الأعمال المكتبية وزيادة إنتاجية العمل في مجال المعالجة المالية والاحصائية المختلفة، وإنما تزويد مراكز اتخاذ القرار في الإدارات بالمعلومات اللازمة لها لتوظيفها في مختلف المجالات والمناحي التي من شأنها الرفع من المردودية والإنتاجية، وتحسين العلاقة بين الإدارة والمرتفق من جهة، وتحقيق الإقلاع الإداري عبر تحديث وعصرنة آليات اشتغال الإدارة من جهة أخرى.
وتقوم السلطات الحكومية بتبني وتطوير مناهج التدبير الإلكتروني لتسهيل ولوج المرتفقين للخدمات العمومية بأقل كلفة ممكنة وأسرع وقت ممكن[54].
كما تعرف الإدارة الإلكترونية استخدام الإدارات العمومية لتكنولوجيا الإعلام والاتصال (TIC) بهدف تسهيل الولوج إلى خدماتها من لدن المرتفقين وتحسين مستوى أدائها الداخلي، فهي تروم إعادة تنظيم العلاقات وتحسين التواصل بين الإدارة والمدارين، أو بين الإدارات نفسها[55].
ويتحدث الأستاذ محمد حركات عن الحكامة الإلكترونية (e.gouvernance) باعتبارها تستخدم الوسائل الإلكترونية وتكنولوجيا الإعلام والاتصال في العمل الإداري لخلق إدارة تفاعلية أكثر شفافية، وتطوير مظاهر الحكامة الجيدة [56].
فاستخدام الإدارة الإلكترونية في المنظمات الإدارية يسـتهدف تحقيق الأهداف الآتية[57]:
-اختصار وقت تنفيذ المعاملات الإدارية المختلفة؛
-تسهيل إجراء الاتصال بين الإدارات والأجهزة الحكومية؛
-تقليل استخدام الأوراق لتجاوز إكراهات الحفظ والتخزين، وفي هذا السياق أطلقت بعض الوزارات مشاريع لإنشاء أرشيف إلكتروني؛
-تجميع المعلومات والبيانات من مصادرها الأصلية؛
-توظيف تكنولوجيا الإعلام والاتصال في دعم الثقافة التنظيمية لدى العاملين في الإدارة ودعم التنسيق بين الإدارات العليا والإدارات التابعة لها؛
-توفير المعلومات والبيانات للمرتفقين بسهولة؛
-دعم الشفافية؛
-تقليل معوقات اتخاذ القرار. .
وعموما لكسب رهان تحسين علاقة الادارة مع المرتفق لابد من :
- إرساء علاقات شفافة للإدارة بالمرتفقين من خلال تحسين استقبال المواطنين بمختلف الإدارات العمومية والجماعات المحلية، والتعريف بهويات الموظفين، وبالمساطر الإدارية وشروط الاستفادة منها، وتسريع وتيرة تنفيذ البرنامج الوطني المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، وتسريع وتيرة تنفيذ البرنامج الوطني للإدارة الإلكترونية، وتدعيم وتطوير مركز الاتصال والتوجيه الإداري، وتعميم إحداث رقم هاتفي أزرق بمختلف الإدارات، وتعميم إحداث وحدات بكل الإدارات العمومية تختص بتلقي الشكايات، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وإحداث آلية للاستشعار بحالات الارتشاء التي يتعرض لها المرتفقون، وإقرار آلية لحث الإدارات على الإسراع بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها
- تدعيم قيم النزاهة والاستحقاق بالإدارة من خلال اعتماد ضابطة لسلوك الموظفين على مستوى إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، وتعميم المباراة في التوظيف، وترسيخ قيم الاستحقاق والشفافية في تولي مناصب المسؤولية، وتشجيع الحركية والتناوب على المناصب العمومية، وترسيخ مبادئ الاستحقاق والشفافية في الترقية بالإدارات العمومية، وتدقيق المقتضيات التشريعية المتعلقة بمنع الجمع بين الوظائف والأجـور، وتدعيم قاعدة منع تضارب المصالح الشخصية مع المهام المزاولة بالإدارة العمومية، وتسهيل عملية التصريح بالممتلكات، وإدماج محور الوقاية من الرشوة ومحاربتها ضمن برامج التكوين والتكوين المستمر، بالإضافة إلى إحداث جائزة وطنية لتشجيع المبادرات المتميزة في مجال الوقاية من الرشوة ومحاربتها.
ختاما :
إن الورقة البحثية المتواضعة بشان "التخليق والشفافية ضرورة ملحة لإصلاح الإدارة، و خيارا استراتيجيا في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي" أدت بنا إلى استخلاص الخلاصات التالية.
- تحسين علاقة الادارة مع المرتفق على توجهات وأولويات تنموية، إذ لا يمكن الفصل بين رهانات التنمية الشاملة والمستديمة ومتطلبات الإصلاح الإداري الذي هو بحق مربط الفرس وصمام الأمان في إنجاز الرؤية الإستراتيجية الكفيلة بتحقيق التنمية وإرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي.
- إشاعة منظومة جديدة للتعامل مع المرتفق قوامها الاستقبال والارشاد والتوجيه الملائم والتسيير العقلاني والبرغماتي للموارد البشرية والمالية واللوجستيكية بمقاييس ربح الوقت وترشيد كلفة الأداء.
- تحسين علاقة الادارة مع المواطن رهين بتثمين الموارد البشرية الكفأة والمؤهلة للعمل الإداري والتواصل مع المواطنين، زبناء الإدارة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمستثمرين مع تأمين شروط وظروف الأداء الإداري الجيد والمسؤول والشفاف على قاعدة المهنية بما يخدم مقاصد وأهداف إدارة التنمية الشاملة وإرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي.
- تحسين علاقة الادارة مع المواطن رهين بتدعيم الاخلاقيات المهنية والعلاقات الانسانية بالمحيط الاداري .
- إن مشكلة الإدارة المغربية ليس هي إشكالية التشريعات والقوانين واللوائح فلا يمكن منطقيا اختزال التعبير داخل الإدارة العمومية في مجرد إعداد مشاريع نصوص قانونية أو إجراء تعديلات عليها، بل أن المشكلة تكمن في الممارسة الإدارية والسلوكات البيروقراطية الهجينة والمعاكسة للتطور والتنمية الإدارية لذا فإن ما يتطلبه التغيير وتخليق الحياة العامة في الإدارة المغربية يتمثل في اعتماد إجراءات وتدابير أولية كمؤشرات قوية ووازنة من شأنها إشعار المواطنين بأن أفعالا ومنجزات إيجابية وجديدة تتحقق وأن نموذج التدبير الإداري يتغير ويتحسن ويأخذ مساره الصحيح.
- إنه من أجل إنجاح عملية تحسين الإدارة مع محيطها لابد من عملية الإشراك والتوافق إذ لابد من انخراط جميع الفاعلين في عملية الإصلاح هذه من مرتفقين وموظفين وهيئات مدنية ومهنية، وعلى رجال السياسة وفق إرادة سياسية واضحة بأن يقوموا بتوضيح وتحديد طبيعة الإدارة التي يراد بناؤها، مع ضرورة خلق الشروط المناسبة والمضمون الملائم من أجل إعداد العقليات وضمان استجابتها لما يراد القيام به.
– اعتماد معايير موحدة لتقنين عملية التبادل المعلوماتي بين الإدارات وتوحيد وترتيب المسميات والمحتويات والنماذج وكذا مساطر التواصل الإداري ،
– إحداث منتديات الحوار والاقتراحات على الشبكة خاصة بعملية عصرنة الإدارة والتحسين من خدماتها لجمع الأفكار والاقتراحات من طرف المواطنين والمهتمين بهذا الميدان عموما،
– إعداد مشاريع قوانين حول التأشيرة الإلكترونية ،
– وضع نظام قانوني وتقني كفيل بحماية الحياة الخاصة للمواطنين في استعمال أبناك المعطيات التي تتوفر عليها الإدارات ،
– إعداد نص قانوني حول احترام استعمال اللغة الرسمية للبلاد في التواصل عبر الانترنيت مع مراعاة التمكن من اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ،
– تحسيس المواطن وحثه على أهمية استعمال الانترنيت كوسيلة سهلة وسريعة للمعاملات الإدارية بتقديم تسهيلات وإغراءات في أثمان التجهيزات والخدمات الإلكترونية ،
– إشراك المواطنين والمقاولات في تطوير البوابة الالكترونية ،
– تشجيع الإدارات لإحداث نقط للاتصال بالشبكة كمراكز الانترنيت أو غيرها ،
– تشجيع تعميم النظم المعلوماتية المحلية : شبكة الانترنيت والأنترانيت تهتم بشؤون الجماعات المحلية والأقاليم والعمالات والمصالح الخارجية ،
– إعداد دراسة متعلقة بهذا المجال ينتج عنها إصدار وثيقة رسمية ملزمة للإدارات تحدد الإطار المرجعي والمنهجي العام الهادف إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصال بالإدارة بمشاركة جميع القطاعات الحكومية ،
– إنشاء صندوق أو ميزانية خاصة باسم "إدارتي" تمول من طرف الدولة والقطاع الخاص وتتميز بمرونة التسيير،
– إعداد مخطط إعلامي للتعريف بدور وأهمية تكنولوجيا المعلومات والاتصال في تأهيل الإدارة ،
– وضع برنامج طموح لتأهيل موظفي الإدارات العمومية في تكنولوجيا المعلومات والاتصال بتشارك مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والدفع بمساهمة الكفاءات والأدمغة الوطنية المتواجدة بالخارج لدعم المجهود الوطني في هذا الميدان ،
– أرقمة الإرث المعلوماتي الإداري وإحداث بنوك معطيات ومعاجم المصطلحات وبيانات أفقية وعامة ،
– الانتقال بالإدارة من المساطر على الورق إلى المساطر على الخط (Dématerialisation-Téléprocèdures) ،
– إنشاء الشبكات الداخلية ومد الربط الالكتروني بين الإدارات العمومية ،
ترشيد وعقلنة طرق اقتناء وتدبير المعدات والمستهلكات المعلوماتية في إطار تصور وحلول تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الحقيقية للمرافق الإدارية ،
- إحداث مرصد وطني مكلف بتتبع جودة الخدمات الإدارية الإلكترونية المقدمة للمواطن والمقاولة يشــــارك فيه إلى جانب الإدارة المواطن ممثلا في المجتمع المدني وكذا الشركات المهتمة ،
- استثمار التجارب الرائدة لبعض الإدارات والتعريف بها وجعلها أرضية للاستئناس ،
- فرض قواعد عامة على منتجي الخدمات المعلوماتية بهدف تحسين جودتها ،
- حجز وتحفيظ حقول مواقع ويب من طرف الإدارات لتفادي اقتنائها فيما بعد بأثمان خيالية ،
- إحداث أجهزة لمتابعة التطور التكنولوجي في مجال المعلوميات ،
[1] - عبد الواحد أورزيق: "التحديات الكبرى للإدارة العمومية"، مجلة الإدارة المغربية، عدد 1/2003، ص 3-9.
[2] -Michel Rousset : « la construction d’une administration nationale et les maladies infantiles du système administratif », Remald 40 ans d’administration, n°6 série, « thème actuels » 1996, p 75.
[3] -أنظر: ميشل روسي، المؤسسات الإدارية المغربية،مطبعة النجاح الدار البيضاء 1993، ص 17 وما بعدها.
[4]-Faquir MOHAMED : « administration publique : perception dominantes et priorités », revue international des sciences administratives N°1 1988, p 9 et 10.
[5]-B.Gournay : «introduction à la science administrative » Armand Colin. Cahier de la fondation nationale des sciences politiques N° 139-2éme édition 1970, p 8.
[6] -Ali Sedjari : « la mise à niveau de l’administration face à la mondialisation » Ed l’Harmattan, GRET imprimerie El Maârif Al Jadida, Rabat 1999, p 7.
[7] -نذكر منها: التعديل في الأولويات السياسية ومتابعة التوازنات المجالية والترابية كاللامركزية واللاتمركز والجهوية، إضافة إلى التشديد أكثر فأكثر على تحميل المسؤولية للمجتمع المدني.
[8]-Sedjari (Ali): « la mise à niveau de l’administration face à la mondialisation » ED.l’HARMATTAN, 1999, op.cit, page 7.
[9] - Sedjari (Ali): « la réforme de l’administration au Maroc entre le conservatisme d’hier et le changement d’aujourd’hui » in la mise a niveau de l’administration face à la mondialisation Ed.L’Harmattan, 1999, p 123-124.
[10]- عمار بوحوش: نظريات الإدارة العامة، منشورات المنظمة العربية للعلوم الإدارية، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، الأردن، 1980، ص. 3.
[11]- قهوي حميد،"مساهمة في دراسة سلوك الإدارة"، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000-2001، ص: 253.
[12]- نجاة آيت باكو: "تحديات الإدارة المغربية ورهانات التنمية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام: جامعة محمد الخامس،كلية الحقوق أكدال – الرباط،السنة الجامعية 2002 – 2003، ص: 39.
[13] - عبد الحق عقلة: "دراسات في علم التدبير"، الجزء الأول، الطبعة الأولى ، 2006-2007، ص 203.
[14] - عبد الحق عقلة: "دراسات في علم التدبير"، المرجع السابق، ص 204.
[15] - عبد الحق عقلة: "دراسات في علم التدبير"، المرجع السابق، ص 205.
[16] -الجريدة الرسمية، عدد 5404 بتاريخ 16 مارس 2006.
[17] - الجريدة الرسمية عدد 5513 بتاريخ 2أبريل 2007.
[18] - الجريدة الرسمية عدد 5522 بتاريخ 3ماي2007.
[19] - الجريدة الرسمية عدد 5518 بتاريخ 19 أبريل 2007
[20]- الجريدة الرسمية عدد 5583 بتاريخ 6 دجنبر 2007.
[21] -بتعاون مع اتحاد كتاب المغرب والوزارة المكلفة بتحديث القطاعات العامة تم تنظيم ندوة بعنوان ثقافة الإصلاح بالمغرب بمدينة مراكش بتاريخ 29-30 يونيو 2002 كان الهدف منها إشراك مثقفي المغرب (أدباء، شعراء، كتاب، نقاد...إلخ) في حملات تحسيسية لإعطاء تصور حداثي لتخليق المرفق العام، وكحصيلة لهذه الندوة تم إصدار مجلد يحمل عنوان في ثقافة الإصلاح يضم ثلاثة كتب: حصيلة العمل الحكومي، الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري في البرلمان، وثالث كتاب يحمل عنوان ثقافة الإصلاح.
[22] - نشير في هذا المنحى لمشروع مدونة السلوك تقدمت بها المفتشية العامة للوزارة لتحديث القطاعات العامة، الهدف منها تأسيس مدونة سلوكية لأعوان وموظفي الإدارات العمومية، كما هو الحال لمدونة السلوك المتعلقة بهيئة الأطباء، وهي تشير لما يجوز وما لا يجوز على الموظف القيام به في عمله اتجاه زملائه ورؤسائه ومرتفقي الإدارة العامل بها.
[23] -هناك مشروع للمفتشيات العامة للوزارات هيأته وزارة تحديث القطاعات العامة لتشكيل إطار قانوني مناسب لضبط وتوصيف اختصاصات المفتشيات.
[24] - إنه لربح رهانات 2010 لابد من التعجيل في الشروع بخلق آليات قانونية لإحداث مفتشية عامة للدولة تابعة للوزارة الأولى، تقوم باختصاصات هامة تتمثل في تقييم ومراقبة سير المصالح العامة والتنسيق بين مختلف المفتشيات العامة للوزارات والمفتشية العامة للتراب الوطني والمفتشية العامة للمالية بغية توحيد عمل الإدارات العمومية في هذا الميدان.
[25] - الجريدة الرسمية عدد 5679 بتاريخ 3 نونبر 2008 ، المتعلقة بالتصريح الإجباري للملتلكات
[26] - طه أنماس: "دور النظام التواصلي"، مرجع سابق، ص 3.
[27] - د.علي سامي: "السلوك الإنساني في الإدارة "، القاهرة السنة1975، مكتبة غريب ، ص 229.
[28] - د.علي السلمي: مرجع سابق، ص 231-232.
[29] - محمد حسن النعيمي:" السلوك البشري ودوره في الإصلاح الإداري"، م.س، 216.
[30] -Chevalier J : « la communication entre administration et administrés », Paris, PUF 1983, p44.
[31] - عزيز إدريس: "إشكالية الشفافية داخل الإدارة العمومية المغربية"، بحث لنيل د.د.ع. في القانون، جامعة محمد الخامس، كلية ع.ق.إق.إج، أكدال الرباط، السنة الجامعية 1996-1997، ص 115.
[32] - طه أنماس : "دور النظام التواصلي في تحقيق إدارة فعالة ومنتجة"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، السنة الجامعية 98-99،ص 98.
[33] - خالد الغازي: "التدبير اللامتمركز لاستثمار"، م.س، ص 35.
[34] - مع العلم هنا أن السلطة هنا ليس المقصود بها السلطة الإدارية الترابية، بل ينطبق على كل من أوكلت إليه سلطة معينة.
[35] - المبحث الثالث من ميثاق حسن التدبير، ضمن الوثائق المنشورة في المجلة المغربية للإدارة المحلية للتنمية سلسلة مواضيع الساعة: المفهوم الجديد للسلطة عدد 25، ص 68.
[36] - إدريس الكراوي:" الاقتصاد المغربي، التحولات والرهانات"، م.س، ص 85.
[37] - Robert Catherine : « le fonctionnaire français » , Ed, Albin Michele 1961 p 391.
[38] - عبد الحق عقلة: "مدخل لدراسة القانون الإداري وعلم الإدارة"، ج. 1 م س ص 85.
[39] - A. Aklaa : «l’administration marocaine ». op cit. p 328.
[40] - Idem. p 313.
[41] - رسالة الملك الراحل الحسن الثاني الى السيد الوزير الأول بخصوص الاستثمار، مناشير الوزير الأول إلى السادة الوزراء ومنها على سبيل المثال لا الحصر منشوري رقم: 20/95 و 23/97
[42] - R. Mouiot : « les problèmes des relations publiques », R.A.N° 117 / 1967, p 336.
[43] - عزيز إدريس: م.س . ص 258.
[44] - لقد قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس بافتتاح أول مركز جهوي للاستثمار بالدار البيضاء يوم 23 غشت 2002، لإعطاء دفعة قوية للاستثمار الأجنبي والمحلي.
[45]- Mohamed Amine Benabdellah : « les rapports entre l’Administration et les citoyens », R.E.M.A.L.D. n° double 4 et 5 juillet/ décembre 1993, p18.
[46] - عزيز إدريس : م.س . ص 262.
[47] - Ali Sedjari : « état et administration tradition au modernité », ed, Guessous 1993, p 62
[48] - M.Crozier : op.cit, p 107
[49] - M.Crozier : op.cit, p 107
[50] - محمد نور برهان:" استخدام الحاسبات الالكترونية في الإدارة العامة للدول العربية"، نظرة تحليلية مستقبلية المنظمة العربية للعلوم الإدارية 1985، ص 41.
[51] -محمد نور برهان:" تكنولوجيا المعلومات في الإدارة العامة العربية تحديات الواقع وإستراتيجية المستقبل"، مقال في كتاب الإدارة العامة والإصلاح الإداري في الوطن العربي تحرير الدكتور ناصر محمد الصائغ، م.س. ص 1143.
[52] - الإدارة المغربية وتحديات 2010 م .س. ص 191.
[53] - محمد البوفي: "تكنولوجيا المعلوميات وتأثيرها على العنصر البشري"، م .س ، ص 108.
[54] - عبد الغني اعبيزة : استراتيجية تحديث الإدارة، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 88-87 -2009، ص 57.
[55]- Dhiba)y(: les enjeux des T.I.C dans la société l’information : cas du Maroc, Revue Massalik.numéro double 13-14,2010,p 98.
[56]- Harakat(M): Gouvernance, gestion publique. Corruption au Maroc, et maarif al jadida, rabat, p 141-142.
[57] - هند أبراش: الإصلاح الإداري في المغرب- الإدارة الإلكترونية نموذجا- رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق، أكدال- الرباط 2007-2008 ص 179.