مقدمة
تتضمن أغلب الدساتير أحكاما تخص حماية حق الملكية ، وتقر له بعدة خدمات قصد حمايته وصيانته من أي تعد.
ولما كان المجتمع ككل قد يحتاج إلى ملكية فرد معين أو مجموعة من الأفراد، فكان من الواجب تفضيل المصلحة العامة على مصلحة المالك، إلا أنه لا يمكن لهذا التفضيل أن يطغى على حق الملكية على هذا الأساس تضمنت معظم الدساتير أحكاما تسمح بالمساس بحق الملكية الخاصة، على أن يتم ذلك في إطار ضمانات محددة وفي ظل إجراءات صارمة تكرس أكثر مبدأ صيانة حق الملكية.
وفي هذا السياق نص دستور 2011 في مادته 35 على أن القانون يضمن حق الملكية إلا أنه يمكن الحد من نطاقها و ممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وتطبيقا لهذا الاستثناء قنن المشرع مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة في إطار قانوني، من خلال أحكامه – الظهير الشريف 81/7 – عبر المشرع المغربي على الحرص الشديد على ضمان حقوق المواطنين ويتجسد ذلك واقعيا في نصه على مجموعة من الإجراءات والضمانات وهو ما يتجلى من خلال الحرص على إقرار نزع الملكية بعنصرين أساسيين المنفعة العامة والتعويض العادل الذي يمكن اعتباره آخر ضمانة في يد المالك المنزوع ملكيته خاصة في حالة ما اذا احترمت الإدارة كل الإجراءات المنصوص عليها في القانون.
ولقد تضمن القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة القواعد التي تحكم التعويض.
ولضمان عدم تعسف الإدارة في تقدير هذا التعويض ضمن المشرع لكل المعنيين في حالة ما إذا لم يرضوا بالتعويض المقترح عليهم من طرف الإدارة النازعة للملكية حق رفع دعوى أمام القضاء يطعنوا في هذا التقدير ويطالبوا بإجراء تقييم آخر يتولى القاضي بصفته حاميا للملكية الخاصة بتقديره.
فإلى أي حد استطاعت القواعد التي تحكم التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة تحقيق التوازن بين مصلحة نازع الملكية ومصلحة المنزوعة ملكيته؟
من خلال هذه الإشكالية تتفرع مجموعة من التساؤلات من قبيل:
ما هي القواعد التي تحكم التعويض؟ في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة؟
ما هي الطرق المعتمدة في تقييم العقارات المنزوعة ملكيتها؟
ما هو الدور المنوط بلجنة التقييم؟
ما هي السلطة التي يتمتع بها القاضي لتسوية هذه المنازعات؟
ولدراسة هذه الإشكالية والأسئلة المتفرعة عنها ارتأيت تقسيم الموضوع إلى مبحثين: حيث سأتطرق في المبحث الأول للقواعد التي تحكم التقدير الإداري للتعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وسنتعرض في المبحث الثاني لدور القاضي الإداري في تحديد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
// المبحث الثاني: دور القاضي الإداري في تحديد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
من بين الضمانات التي جاء بها القانون المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، منحه لأطراف هذه العملية الحق في الالتجاء إلى القضاء بغرض المنازعة في تقدير التعويض، في حالة عدم الارتضاء بالتقدير المتوصل إليه إداريا.
وهذا بموجب المادة 8 من قانون إحداث المحاكم الإدارية التي أوكل إليها المشرع المغربي النظر مجموعة من النزاعات من بينها المتعلقة بالتعويض عن نزع الملكية من خلال مراقبة القاضي الإداري جميع الإجراءات التي يسلكها نزاع الملكية.
ويلعب القضاء الإداري في هذه المنازعات – التعويض – دورا هاما للغاية وذلك لكونه طرفا محايدا في النزاع ولأجل هذا يتمتع القاضي بكل الصلاحيات التي تسمح له بالعمل دون الاستعانة بالتقدير المقترح من طرف لجنة التقييم، بل له أن يقدر التعويض المستحق عن نزع الملكية بكل استقلالية مما سيضمن موضوعية هذا التقدير وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذا المبحث إذ سنخصص المطلب الأول، لاكتفاء المحكمة بالتعويض المقترح من طرف نزاع الملكية والمطلب الثاني للاستعانة بالخبرة في تحديد التعويض.
المطلب الأول: اكتفاء المحكمة بالتعويض المقترح من طرف نزاع الملكية.
بعدما تتأكد المحكمة من سلامة جميع الإجراءات الإدارية المتبعة لنزع الملكية لا يبقى أمامها سوى تحديد مبلغ التعويض الواجب دفعه للمعني بالأمر إلا أن هذه الحالة لا تخلول من مسارين دأبت عليهما المحكمة الإدارية ويتمثل المسار الأول في الموافقة الصريحة للتعويض المقترح من طرف نازع الملكية ( الفرع الأول ) والمسار الثاني في الموافقة الضمنية للتعويض المقترح من طرف نازع الملكية ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول: الموافقة الصريحة على التعويض المقترح من طرف نازع الملكية.
تتمثل في الموافقة التي تكون بمذكرة جوابية بمناسبة استدعاء المنزوعة ملكيته من طرف المحكمة بعد تبليغه بنسخة نزع ملكيته من مقال دعوى نقل الملكية وتكليفه بالجواب عنه فإنه في هذه الحالة يحكم القاضي بنقل الملكية مقابل التعويض المقترح وذلك لعدم المنازعة فيه ولا يمكن الحكم بأكثر مما طلب منه وهذه الحالة تكون نادرة الوقوع إلا أن أهم اشكال في هذه الحالة هو في نزع ملكية عقار مملوك على الشياع إذ يتم الموافقة على التعويض المقترح بمقتضى مذكرة جوابية من طرف بعض الملاك في حين ينازع باقي الملاك الآخرين حيث لا يتفق دفاعهم مع دفاع من لم ينازع في التعويض المقترح، وهذا ماوقع في قضية المكي الروندة الذي قضت له المحكمة بمبلغ 200 درهم للمتر المربع، بعلة قبوله للمبلغ المقترح ، وأحيانا يكتفي المنزوعة ملكيته بالموافقة على التعويض المقترحة عليه من طرف الإدارة نازعه الملكية بمجرد تصريح شفوي بالجلسة أثناء النظر في دعوى نقل الملكية .
الفرع الثاني: الموافقة الضمنية على التعويض المقترح من طرف نازع الملكية.
في حالة عدم جواب المنزوعة ملكيتهم بعد توصلهم بالمقال الافتتاحي لدعوى نقل الملكية وعدم مناقشتهم للتعويض تقضي المحكمة بمبلغ التعويض المقترح من طرف نازع الملكية استنادا إلى أن توصل المنزوعة ملكية بالاستدعاء في التعويض يعتبر موافقة ضمنية كلية، وهكذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط بما يلي حيث إن الطرف المدعي عليه توصل بنسخة من المقال ولم ينازع في مبلغ التعويض المقترح، كنازلة المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية على سبيل المثال حيث تقدمت بتاريخ 08 يونيو 1995 بطلب يرمي إلى نقل مجموعة من القطع الأرضية المنزوعة ملكيتها إليها مقابل دفع وإيداع التعويض المحدد من طرف لجنة التقويم والمحددة في مبلغ 859.800 درهم فتقدم أحد المدعي عليه بمذكرة جوابية أشار فيها إلى أنه لا يمانع في التعويض المقترح عليه المتمثل في مبلغ 254.200. درهم مقابل نزع ملكية عقاره البالغ مساحته 1271 متر مربع، بينما أجاب الحميد الجلالي بن البشير يعقوب بواسطة نائبه بمذكرة جوابية ينازع بمقتضاها في التعويض المقترح عليه بعلة أنه لا يتناسب مع القيمة الحقيقة للعقار موضوع نزع الملكية ملتمسا إجراء خبرة ، وبعد إجراء الخبرة التي حددت قيمة المتر المربع ب 400 درهم قضت المحكمة الإدارية بنقل ملكية كافة القطع الأرضية المنزوع ملكيتها إلى المدعية المذكورة مقابل دفعها أو إيداعها تعويضا نهائيا حددته في مبلغ 400 درهم للمتر المربع لفائدة المدعي عليهم من طرف نازع الملكية، وحيث أنه أمام عدم وجود أي منازع في مبلغ التعويض المقترح، فإن المحكمة لا يسعها الحكم إلا بنقل الملكية مقابل التعويض المذكور، ولقد اعتبرت نفس المحكمة أن توصل احد المدعى عليهم بالاستدعاء وبنسخة من المقال يشكل قرينة على أنه لا ينازع في مبدأ التعويض المقترح بعدما أنجزت مسطرة القيم في حق المدعى عليه .
إلا أن ارتكاز المحاكم الإدارية على هذه الحيثيات يبقى محل نقاش خاصة إذا لم يمكن توصل المنزوعة ملكيتهم توصلا شخصيا وأن عدم حضور الجلسة أو عدم تقديم جواب مكتوب يبقى أمرا مجهولا بالنسبة للمحكمة وبالتالي لا يمكن أن يستنتج منه أن المدعي عليه قد قبل ما حددته اللجنة الإدارية للتقويم من تعويض مقابل نزع الملكية ولقد ألغت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى جميع أحكام المحاكم الإدارية التي قضت باعتماد التعويض المحددة من طرف اللجنة الإدارية للتقييم بعلة الموافقة عليه ضمنيا من طرف المنزوعة ملكيتهم .
المطلب الثاني: اللجوء إلى الخبرة لتقدير التعويض.
ترتكز عملية تقدير التعويض عن نزع الملكية بشكل خاص على قواعد تقنية وفنية تتطلب معرفة ودراسة متخصصة يصعب على القاضي الإلمام بها وبالتالي يصوغ له اللجوء إلى أهل الاختصاص والاستعانة بهم قصد تكوين معرفة تقنية متخصصة حول موضوع النزاع.
فإذا كانت نازعة الملكية تتشبث بالتعويض المقترح من طرف لجنة التقويم كما سبق الذكر فإن المنزوعة ملكيتهم يلجئون إلى المحكمة الإدارية للطعن في المبالغ المقترحة، ففي هذه الحالة فإن المحكمة تقوم بانتداب خبير في الموضوع ( الفرع الأول ) وبمراقبة القاضي لعمل الخبير ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول: تعيين الخبير وتحديد مهمه.
يتضمن القانون المنظم لعملية نزع الملكية ومرسوم تنفيذه، الطرف التي يلجأ إليها القاضي الإداري لتسوية المنازعات المتعلقة بتقدير التعويض مما يتوجب علينا العمل بأحكام قانون المسطر المدنية.
لقد تضمنت المواد من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية القواعد المتعلقة بالخبرة " L'expertise judiciaire " التي عرفها الأستاذ عبد العزيز توفيق بأنها " العمليات والتقارير التي يقوم بها الخبير المعين من طرف المحكمة في مسألة فنية لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية للقيام بها.
وأول إجراء يقوم به الخبير هو تحديد موقع العقار وحدوده، والملاك المجاورين له ووصف العقار وذكر محتوياته، ثم يشرع في الأعمال التقنية والتي تتحدد تبعا لطبيعة النزاع فإن كانت المنازعة تتعلق بتحديد مساحة العقار المنزوع ملكيته فيجري الخبير مسحا طبوغرافيا لذلك العقار وذلك لمعرفة مساحته ومساحة الجزء المنزوع بدقة وكذلك ذكر مشتملاته ومن تم القيام بإنجاز مخطط للموقع الذي سينجز فيه المشروع وتبيان العقارات المعنية بالنزع وتحديد العقار القائم حول المناعة.
أما إذا كان محل النزاع يتعلق بتحديد طبيعة العقار محل النزاع وطريقة استغلاله، فإن الخبير يقوم بوصف عام للأملاك وحساب مساحتها وذكر خصائص الأرض محل النزع، إذا كانت مخصصة للفلاحة وإن أمكن تصنيف هذه الأراضي وذلك بناء على تواجد المياه وكذا جغرافية الأرض والتجهيزات الموجودة عليها.
الفرع الثاني: مراقبة المحكمة لعمل الخبير.
يقوم الخبير بمهامه تحت مراقبة القاضي، وهذا ما أكده المشرع صراحة من خلال الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية وتبدأ مراقبة المحكمة منذ إشعار الأطراف بتعيين الخبير.
وتتجلى مراقبة المحكمة في إلزامها بمراقبة العناصر التي اعتمد عليها الخبير والتأكد من سلامتها ولها أن تأخذ بالخبرة المنجزة أو تصرف النظر عنها أو أن تأمر بخبرة إضافية كما يمكن لطرفي النزاع طلب إجراء خبرة مضادة متى اتضح لها أن الخبرة التي أنجزها الخبير شابتها تجاوزات فما هي سلطة القاضي تجاه الخبرة ؟.
طبقا لنص الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية الفقرة الرابعة فالقاضي غير ملزم برأي الخبير بمعنى أن القاضي يتمتع تجاه الخبرة بسلطة تقديرية واسعة، وينص الفصل 65 من قانون المسطرة المدنية على أن الخبير يتلقى على شكل تصريح عادل كل المعلومات الضرورية مع الإشارة إلى مصدرها في تقريره عاد إذ منعه القاضي من ذلك، وهذا يعني أن الخبير لا يمكنه أن يتلقى تصريحات أو معلومات معينة خارج ما أمرت به المحكمة، وفي حالة عدم اقتناع القاضي بالخبرة يمكن له أن يأمر بإجراء خبرة ثانية حيث يمكن ..... تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف إلا أن القاضي يكون غير ملزم بالإجابة لطلبهم إلا إذا اقتنع بذلك.
خاتمة:
يعد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة من أهم الضمانات المقررة لصاحب حق الملكية في مواجهة سلطة الإدارة في نزع العقارات والحقوق العينية.
فعالجنا هذا الموضوع من خلال زاوية أساسية وهي تقدير التعويض وذلك سواء بما يخص التقدير الإداري أو التقدير القضائي، معتمدين في ذلك على التشريع الحالي المنظم لعملية نزع الملكية مدعمين دراستنا ببعض القرارات المتعلقة بهذا الموضوع.
فبعد دراسة مختلف الجوانب المتعلقة بالتعويض عن نزع الملكية يمكن لنا إعطاء بعض الملاحظات حول الموضوع.
1 – إن تقدير التعويض في النظام المغربي يعتمد على المعايير غير المباشرة للأملاك المطلوب نزع ملكيتها، فسواء التقدير الذي تقدره الإدارة أو القاضي يتم التوصل إليه بالاعتماد على ما يرفع لهما من معاينات مادية وملاحظات لكونها لا يقومان بالمعاينة الميدانية المباشرة لهذه الأملاك.
فالقاضي يعتمد على الخبرة التي يأمر بها ولا يخرج لمعاينة العقارات والحقوق العينية بالنزع، ولهذا الأسلوب تأثير سلبي على تقدير التعويض العادل والمنصف لأنه لا يمكن لما هو موجود في الأوراق أن يتوصل لوصف دقيق لما هو موجود في الميدان.
2 – يمر تقدير التعويض عن نزع الملكية بمرحلة إدارية قبل الوصول إلى القاضي الإداري، فتدخل هذا الأخير لا يكون إلا بعد رفع النزاع إليه وعليه يمكن للإدارة أن تقدر تعويضا لا يتناسب مع القيمة الحقيقية للأملاك المنزوعة ولا مع الضرر الحاصل عن عملية نزع الملكية ويتم ذلك دون تدخل القاضي إذ لم يرفع الأمر إليه.
3 – لم يخص المشرع المغربي نزاعات التعويض عن نزع الملكية بإجراءات خاصة قصد تسويتها الأمر الذي جعل القاضي الإداري يلجا للقواعد العامة لتصبح عملية تسوية منازعات التعويض عن نزع الملكية تتم بنفس أشكال تسوية القضايا الإدارية الأخرى فكان من اللازم تخصيص إجراءات خاصة بهذه المنازعات احتراما لخصوصية الحق المتنازع فيه.
4 – القاضي الإداري غير مختص في المادة العقارية فلما اسند إليه المشرع المغربي التعويض عن نزع الملكية كان من الأفضل إما تكوين القاضي الإداري في الميدان العقاري حتى يتحكم بشكل جيد في المسائل المتعلقة بهذه المنازعات ولا يكون بحاجة دائمة إلى الخبرة.
5 – يلاحظ في دعوى التعويض عن نزع الملكية طول إجراءاتها، فبالإضافة إلى التقدير الداري للتعويض في المرحلة الأولى، فهناك إجراءات متبعة أمام القضاء لتسوية نزاعات التعويض التي تتميز بطول المدة بين رفع الدعوى وصدور قرار نهائي فيها، وأمام هذا يبقى المالك المنزوع ملكيته بدون تعويض نهائي لمدة جد طويلة، فكان على المشرع أن يتدخل ويحدد آجال قصيرة لإجراءات التقاضي.
ولا يفوتنا في الأخير أن نذكر بأن هذه الدراسة اقتصرت على جانب واحد من الضمانات الممنوحة لصاحب العقار أو الحق العيني المنزوع والمتمثل في التعويض من حيث تقديره ودفعه، غير أن هناك ضمانات أخرى تتمثل أساسا في وجوب إتباع الإجراءات المحدد في قانون نزع الملكية وكذا إبقاء المشرع على الطابع الاستثنائي لهذه العملية.
تتضمن أغلب الدساتير أحكاما تخص حماية حق الملكية ، وتقر له بعدة خدمات قصد حمايته وصيانته من أي تعد.
ولما كان المجتمع ككل قد يحتاج إلى ملكية فرد معين أو مجموعة من الأفراد، فكان من الواجب تفضيل المصلحة العامة على مصلحة المالك، إلا أنه لا يمكن لهذا التفضيل أن يطغى على حق الملكية على هذا الأساس تضمنت معظم الدساتير أحكاما تسمح بالمساس بحق الملكية الخاصة، على أن يتم ذلك في إطار ضمانات محددة وفي ظل إجراءات صارمة تكرس أكثر مبدأ صيانة حق الملكية.
وفي هذا السياق نص دستور 2011 في مادته 35 على أن القانون يضمن حق الملكية إلا أنه يمكن الحد من نطاقها و ممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وتطبيقا لهذا الاستثناء قنن المشرع مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة في إطار قانوني، من خلال أحكامه – الظهير الشريف 81/7 – عبر المشرع المغربي على الحرص الشديد على ضمان حقوق المواطنين ويتجسد ذلك واقعيا في نصه على مجموعة من الإجراءات والضمانات وهو ما يتجلى من خلال الحرص على إقرار نزع الملكية بعنصرين أساسيين المنفعة العامة والتعويض العادل الذي يمكن اعتباره آخر ضمانة في يد المالك المنزوع ملكيته خاصة في حالة ما اذا احترمت الإدارة كل الإجراءات المنصوص عليها في القانون.
ولقد تضمن القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة القواعد التي تحكم التعويض.
ولضمان عدم تعسف الإدارة في تقدير هذا التعويض ضمن المشرع لكل المعنيين في حالة ما إذا لم يرضوا بالتعويض المقترح عليهم من طرف الإدارة النازعة للملكية حق رفع دعوى أمام القضاء يطعنوا في هذا التقدير ويطالبوا بإجراء تقييم آخر يتولى القاضي بصفته حاميا للملكية الخاصة بتقديره.
فإلى أي حد استطاعت القواعد التي تحكم التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة تحقيق التوازن بين مصلحة نازع الملكية ومصلحة المنزوعة ملكيته؟
من خلال هذه الإشكالية تتفرع مجموعة من التساؤلات من قبيل:
ما هي القواعد التي تحكم التعويض؟ في مجال نزع الملكية من أجل المنفعة العامة؟
ما هي الطرق المعتمدة في تقييم العقارات المنزوعة ملكيتها؟
ما هو الدور المنوط بلجنة التقييم؟
ما هي السلطة التي يتمتع بها القاضي لتسوية هذه المنازعات؟
ولدراسة هذه الإشكالية والأسئلة المتفرعة عنها ارتأيت تقسيم الموضوع إلى مبحثين: حيث سأتطرق في المبحث الأول للقواعد التي تحكم التقدير الإداري للتعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وسنتعرض في المبحث الثاني لدور القاضي الإداري في تحديد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
// المبحث الثاني: دور القاضي الإداري في تحديد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.
من بين الضمانات التي جاء بها القانون المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، منحه لأطراف هذه العملية الحق في الالتجاء إلى القضاء بغرض المنازعة في تقدير التعويض، في حالة عدم الارتضاء بالتقدير المتوصل إليه إداريا.
وهذا بموجب المادة 8 من قانون إحداث المحاكم الإدارية التي أوكل إليها المشرع المغربي النظر مجموعة من النزاعات من بينها المتعلقة بالتعويض عن نزع الملكية من خلال مراقبة القاضي الإداري جميع الإجراءات التي يسلكها نزاع الملكية.
ويلعب القضاء الإداري في هذه المنازعات – التعويض – دورا هاما للغاية وذلك لكونه طرفا محايدا في النزاع ولأجل هذا يتمتع القاضي بكل الصلاحيات التي تسمح له بالعمل دون الاستعانة بالتقدير المقترح من طرف لجنة التقييم، بل له أن يقدر التعويض المستحق عن نزع الملكية بكل استقلالية مما سيضمن موضوعية هذا التقدير وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذا المبحث إذ سنخصص المطلب الأول، لاكتفاء المحكمة بالتعويض المقترح من طرف نزاع الملكية والمطلب الثاني للاستعانة بالخبرة في تحديد التعويض.
المطلب الأول: اكتفاء المحكمة بالتعويض المقترح من طرف نزاع الملكية.
بعدما تتأكد المحكمة من سلامة جميع الإجراءات الإدارية المتبعة لنزع الملكية لا يبقى أمامها سوى تحديد مبلغ التعويض الواجب دفعه للمعني بالأمر إلا أن هذه الحالة لا تخلول من مسارين دأبت عليهما المحكمة الإدارية ويتمثل المسار الأول في الموافقة الصريحة للتعويض المقترح من طرف نازع الملكية ( الفرع الأول ) والمسار الثاني في الموافقة الضمنية للتعويض المقترح من طرف نازع الملكية ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول: الموافقة الصريحة على التعويض المقترح من طرف نازع الملكية.
تتمثل في الموافقة التي تكون بمذكرة جوابية بمناسبة استدعاء المنزوعة ملكيته من طرف المحكمة بعد تبليغه بنسخة نزع ملكيته من مقال دعوى نقل الملكية وتكليفه بالجواب عنه فإنه في هذه الحالة يحكم القاضي بنقل الملكية مقابل التعويض المقترح وذلك لعدم المنازعة فيه ولا يمكن الحكم بأكثر مما طلب منه وهذه الحالة تكون نادرة الوقوع إلا أن أهم اشكال في هذه الحالة هو في نزع ملكية عقار مملوك على الشياع إذ يتم الموافقة على التعويض المقترح بمقتضى مذكرة جوابية من طرف بعض الملاك في حين ينازع باقي الملاك الآخرين حيث لا يتفق دفاعهم مع دفاع من لم ينازع في التعويض المقترح، وهذا ماوقع في قضية المكي الروندة الذي قضت له المحكمة بمبلغ 200 درهم للمتر المربع، بعلة قبوله للمبلغ المقترح ، وأحيانا يكتفي المنزوعة ملكيته بالموافقة على التعويض المقترحة عليه من طرف الإدارة نازعه الملكية بمجرد تصريح شفوي بالجلسة أثناء النظر في دعوى نقل الملكية .
الفرع الثاني: الموافقة الضمنية على التعويض المقترح من طرف نازع الملكية.
في حالة عدم جواب المنزوعة ملكيتهم بعد توصلهم بالمقال الافتتاحي لدعوى نقل الملكية وعدم مناقشتهم للتعويض تقضي المحكمة بمبلغ التعويض المقترح من طرف نازع الملكية استنادا إلى أن توصل المنزوعة ملكية بالاستدعاء في التعويض يعتبر موافقة ضمنية كلية، وهكذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط بما يلي حيث إن الطرف المدعي عليه توصل بنسخة من المقال ولم ينازع في مبلغ التعويض المقترح، كنازلة المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية على سبيل المثال حيث تقدمت بتاريخ 08 يونيو 1995 بطلب يرمي إلى نقل مجموعة من القطع الأرضية المنزوعة ملكيتها إليها مقابل دفع وإيداع التعويض المحدد من طرف لجنة التقويم والمحددة في مبلغ 859.800 درهم فتقدم أحد المدعي عليه بمذكرة جوابية أشار فيها إلى أنه لا يمانع في التعويض المقترح عليه المتمثل في مبلغ 254.200. درهم مقابل نزع ملكية عقاره البالغ مساحته 1271 متر مربع، بينما أجاب الحميد الجلالي بن البشير يعقوب بواسطة نائبه بمذكرة جوابية ينازع بمقتضاها في التعويض المقترح عليه بعلة أنه لا يتناسب مع القيمة الحقيقة للعقار موضوع نزع الملكية ملتمسا إجراء خبرة ، وبعد إجراء الخبرة التي حددت قيمة المتر المربع ب 400 درهم قضت المحكمة الإدارية بنقل ملكية كافة القطع الأرضية المنزوع ملكيتها إلى المدعية المذكورة مقابل دفعها أو إيداعها تعويضا نهائيا حددته في مبلغ 400 درهم للمتر المربع لفائدة المدعي عليهم من طرف نازع الملكية، وحيث أنه أمام عدم وجود أي منازع في مبلغ التعويض المقترح، فإن المحكمة لا يسعها الحكم إلا بنقل الملكية مقابل التعويض المذكور، ولقد اعتبرت نفس المحكمة أن توصل احد المدعى عليهم بالاستدعاء وبنسخة من المقال يشكل قرينة على أنه لا ينازع في مبدأ التعويض المقترح بعدما أنجزت مسطرة القيم في حق المدعى عليه .
إلا أن ارتكاز المحاكم الإدارية على هذه الحيثيات يبقى محل نقاش خاصة إذا لم يمكن توصل المنزوعة ملكيتهم توصلا شخصيا وأن عدم حضور الجلسة أو عدم تقديم جواب مكتوب يبقى أمرا مجهولا بالنسبة للمحكمة وبالتالي لا يمكن أن يستنتج منه أن المدعي عليه قد قبل ما حددته اللجنة الإدارية للتقويم من تعويض مقابل نزع الملكية ولقد ألغت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى جميع أحكام المحاكم الإدارية التي قضت باعتماد التعويض المحددة من طرف اللجنة الإدارية للتقييم بعلة الموافقة عليه ضمنيا من طرف المنزوعة ملكيتهم .
المطلب الثاني: اللجوء إلى الخبرة لتقدير التعويض.
ترتكز عملية تقدير التعويض عن نزع الملكية بشكل خاص على قواعد تقنية وفنية تتطلب معرفة ودراسة متخصصة يصعب على القاضي الإلمام بها وبالتالي يصوغ له اللجوء إلى أهل الاختصاص والاستعانة بهم قصد تكوين معرفة تقنية متخصصة حول موضوع النزاع.
فإذا كانت نازعة الملكية تتشبث بالتعويض المقترح من طرف لجنة التقويم كما سبق الذكر فإن المنزوعة ملكيتهم يلجئون إلى المحكمة الإدارية للطعن في المبالغ المقترحة، ففي هذه الحالة فإن المحكمة تقوم بانتداب خبير في الموضوع ( الفرع الأول ) وبمراقبة القاضي لعمل الخبير ( الفرع الثاني ).
الفرع الأول: تعيين الخبير وتحديد مهمه.
يتضمن القانون المنظم لعملية نزع الملكية ومرسوم تنفيذه، الطرف التي يلجأ إليها القاضي الإداري لتسوية المنازعات المتعلقة بتقدير التعويض مما يتوجب علينا العمل بأحكام قانون المسطر المدنية.
لقد تضمنت المواد من 59 إلى 66 من قانون المسطرة المدنية القواعد المتعلقة بالخبرة " L'expertise judiciaire " التي عرفها الأستاذ عبد العزيز توفيق بأنها " العمليات والتقارير التي يقوم بها الخبير المعين من طرف المحكمة في مسألة فنية لا يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية للقيام بها.
وأول إجراء يقوم به الخبير هو تحديد موقع العقار وحدوده، والملاك المجاورين له ووصف العقار وذكر محتوياته، ثم يشرع في الأعمال التقنية والتي تتحدد تبعا لطبيعة النزاع فإن كانت المنازعة تتعلق بتحديد مساحة العقار المنزوع ملكيته فيجري الخبير مسحا طبوغرافيا لذلك العقار وذلك لمعرفة مساحته ومساحة الجزء المنزوع بدقة وكذلك ذكر مشتملاته ومن تم القيام بإنجاز مخطط للموقع الذي سينجز فيه المشروع وتبيان العقارات المعنية بالنزع وتحديد العقار القائم حول المناعة.
أما إذا كان محل النزاع يتعلق بتحديد طبيعة العقار محل النزاع وطريقة استغلاله، فإن الخبير يقوم بوصف عام للأملاك وحساب مساحتها وذكر خصائص الأرض محل النزع، إذا كانت مخصصة للفلاحة وإن أمكن تصنيف هذه الأراضي وذلك بناء على تواجد المياه وكذا جغرافية الأرض والتجهيزات الموجودة عليها.
الفرع الثاني: مراقبة المحكمة لعمل الخبير.
يقوم الخبير بمهامه تحت مراقبة القاضي، وهذا ما أكده المشرع صراحة من خلال الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية وتبدأ مراقبة المحكمة منذ إشعار الأطراف بتعيين الخبير.
وتتجلى مراقبة المحكمة في إلزامها بمراقبة العناصر التي اعتمد عليها الخبير والتأكد من سلامتها ولها أن تأخذ بالخبرة المنجزة أو تصرف النظر عنها أو أن تأمر بخبرة إضافية كما يمكن لطرفي النزاع طلب إجراء خبرة مضادة متى اتضح لها أن الخبرة التي أنجزها الخبير شابتها تجاوزات فما هي سلطة القاضي تجاه الخبرة ؟.
طبقا لنص الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية الفقرة الرابعة فالقاضي غير ملزم برأي الخبير بمعنى أن القاضي يتمتع تجاه الخبرة بسلطة تقديرية واسعة، وينص الفصل 65 من قانون المسطرة المدنية على أن الخبير يتلقى على شكل تصريح عادل كل المعلومات الضرورية مع الإشارة إلى مصدرها في تقريره عاد إذ منعه القاضي من ذلك، وهذا يعني أن الخبير لا يمكنه أن يتلقى تصريحات أو معلومات معينة خارج ما أمرت به المحكمة، وفي حالة عدم اقتناع القاضي بالخبرة يمكن له أن يأمر بإجراء خبرة ثانية حيث يمكن ..... تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف إلا أن القاضي يكون غير ملزم بالإجابة لطلبهم إلا إذا اقتنع بذلك.
خاتمة:
يعد التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة من أهم الضمانات المقررة لصاحب حق الملكية في مواجهة سلطة الإدارة في نزع العقارات والحقوق العينية.
فعالجنا هذا الموضوع من خلال زاوية أساسية وهي تقدير التعويض وذلك سواء بما يخص التقدير الإداري أو التقدير القضائي، معتمدين في ذلك على التشريع الحالي المنظم لعملية نزع الملكية مدعمين دراستنا ببعض القرارات المتعلقة بهذا الموضوع.
فبعد دراسة مختلف الجوانب المتعلقة بالتعويض عن نزع الملكية يمكن لنا إعطاء بعض الملاحظات حول الموضوع.
1 – إن تقدير التعويض في النظام المغربي يعتمد على المعايير غير المباشرة للأملاك المطلوب نزع ملكيتها، فسواء التقدير الذي تقدره الإدارة أو القاضي يتم التوصل إليه بالاعتماد على ما يرفع لهما من معاينات مادية وملاحظات لكونها لا يقومان بالمعاينة الميدانية المباشرة لهذه الأملاك.
فالقاضي يعتمد على الخبرة التي يأمر بها ولا يخرج لمعاينة العقارات والحقوق العينية بالنزع، ولهذا الأسلوب تأثير سلبي على تقدير التعويض العادل والمنصف لأنه لا يمكن لما هو موجود في الأوراق أن يتوصل لوصف دقيق لما هو موجود في الميدان.
2 – يمر تقدير التعويض عن نزع الملكية بمرحلة إدارية قبل الوصول إلى القاضي الإداري، فتدخل هذا الأخير لا يكون إلا بعد رفع النزاع إليه وعليه يمكن للإدارة أن تقدر تعويضا لا يتناسب مع القيمة الحقيقية للأملاك المنزوعة ولا مع الضرر الحاصل عن عملية نزع الملكية ويتم ذلك دون تدخل القاضي إذ لم يرفع الأمر إليه.
3 – لم يخص المشرع المغربي نزاعات التعويض عن نزع الملكية بإجراءات خاصة قصد تسويتها الأمر الذي جعل القاضي الإداري يلجا للقواعد العامة لتصبح عملية تسوية منازعات التعويض عن نزع الملكية تتم بنفس أشكال تسوية القضايا الإدارية الأخرى فكان من اللازم تخصيص إجراءات خاصة بهذه المنازعات احتراما لخصوصية الحق المتنازع فيه.
4 – القاضي الإداري غير مختص في المادة العقارية فلما اسند إليه المشرع المغربي التعويض عن نزع الملكية كان من الأفضل إما تكوين القاضي الإداري في الميدان العقاري حتى يتحكم بشكل جيد في المسائل المتعلقة بهذه المنازعات ولا يكون بحاجة دائمة إلى الخبرة.
5 – يلاحظ في دعوى التعويض عن نزع الملكية طول إجراءاتها، فبالإضافة إلى التقدير الداري للتعويض في المرحلة الأولى، فهناك إجراءات متبعة أمام القضاء لتسوية نزاعات التعويض التي تتميز بطول المدة بين رفع الدعوى وصدور قرار نهائي فيها، وأمام هذا يبقى المالك المنزوع ملكيته بدون تعويض نهائي لمدة جد طويلة، فكان على المشرع أن يتدخل ويحدد آجال قصيرة لإجراءات التقاضي.
ولا يفوتنا في الأخير أن نذكر بأن هذه الدراسة اقتصرت على جانب واحد من الضمانات الممنوحة لصاحب العقار أو الحق العيني المنزوع والمتمثل في التعويض من حيث تقديره ودفعه، غير أن هناك ضمانات أخرى تتمثل أساسا في وجوب إتباع الإجراءات المحدد في قانون نزع الملكية وكذا إبقاء المشرع على الطابع الاستثنائي لهذه العملية.