MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الذكاء الاصطناعي في المغرب.

     

ابتسام عزاوي


مهندسة دولة، خبيرة دولية في التحول الرقمي



الذكاء الاصطناعي في المغرب.

يؤثر التطور السريع للذكاء الاصطناعي بشكل عميق على جميع جوانب المجتمع الحديث، مما يدفع الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى التفكير واتخاذ إجراءات حاسمة لتوجيه، تنظيم، وتعزيز تطوير واستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة بطريقة آمنة وموثوقة، ومحققة للازدهار، مع تعزيز الشمولية لكافة فئات المجتمع.

إحدى الشروط الأساسية في هذا الصدد تتجلى في ضرورة وضع أطر تنظيمية وتشريعية ملائمة. إنها نقطة انطلاق حتمية ومفصلية لتأطير ومواكبة تطور الذكاء الاصطناعي. يجب أن تتضمن هذه الأطر التشريعية موادًا تضمن أمان المستخدمين، وحماية خصوصية البيانات، وضمان الشفافية ونزاهة القرارات المتخذة من قبل الخوارزميات. من الضروري وجود معايير أخلاقية واضحة لمنع استخدام غير مسؤول لهذه التكنولوجيا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحيل على عواقب وخيمة، وذلك على مستويات متعددة قد تتداخل فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والهوياتية، إلخ.

يتمتع المغرب بإطار تنظيمي هام فيما يتعلق بحماية الحقوق الرقمية، كالقانون 09-08 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين فيما يخص معالجة البيانات ذات الطابع الشخصي، والقانون 53-05 المتعلق بتبادل المعطيات القانونية، والقانون 05-20 المتعلق بالأمن السيبراني، والقانون 43-20 المتعلق بالخدمات الثقة للمعاملات الرقمية، والدستور المغربي لعام 2011 الذي يضمن الحريات والحقوق الأساسية، والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية. لكن بفعل التطور التكنولوجي وتطور المجتمع، أضحى من الضروري تحديث بعض هذه القوانين القائمة، حيث أصبحت بعض المواد غير ملائمة ولا تسد الفجوات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. يجب الانكباب على تسريع الإنتاج التشريعي.

يجب أن يتم هذا الجهد في إطار رؤية استراتيجية منسقة ومتكاملة يتشارك فيها جميع مكونات الحكومة لاغتنام الفرص التي توفرها هذه التكنولوجيا المتقدمة وتجنب المخاطر المصاحبة لها. فالورش يتعلق بموضوع متعدد الجوانب وله تأثير غير هين على جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. لا يمكن كذلك كسب رهانات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بدون منظومة حكامة مناسبة.

نوصي بإنشاء وكالة وطنية مخصصة للذكاء الاصطناعي، تكون مسؤولة عن تنفيذ والإشراف على وضع سياسة عمومية متماسكة في هذا المجال. ستكون هذه الوكالة مكلفة بتنسيق الجهود الوطنية لتعزيز الابتكار واعتماد الذكاء الاصطناعي، مع ضمان الامتثال للمعايير الأخلاقية والقانونية. ستسهل هذه الوكالة أيضًا التعاون بين القطاعين العام والخاص، وستعزز البحث والتطوير، وستدعم تكوين المواهب الضرورية لاقتصاد رقمي مستقبلي. علاوة على ذلك، ستلعب دورًا حاسمًا في توعية الجمهور وإنشاء شراكات دولية وإقليمية لتعزيز مكانة المغرب كلاعب رئيسي في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي.

يمكن للمغرب أن يصبح مركزًا إقليميًا للذكاء الاصطناعي، مما سيعزز الاقتصاد الرقمي ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضًا عبر القارة الإفريقية، من خلال المساهمة في تحقيق نمو شامل ومستدام.

من الضروري كذلك إنشاء نظام بيئي يشجع الاستثمار في البحث والتطوير. يمكن تحقيق هذا الأمر من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتقديم حوافز ضريبية لتعزيز الابتكار وزيادة التنافسية، وكذلك استكشاف إمكانيات التعاون الدولي. يجب أيضًا تشجيع إنشاء الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي ودعم نموها لتحفيز النظام البيئي لريادة الأعمال وخلق وظائف ذات قيمة مضافة عالية.

يجب إعادة النظر في المناهج الجامعية ووضع برامج تدريبية لتطوير المهارات اللازمة لعصر الذكاء الاصطناعي. يتضمن ذلك التدريب على الذكاء الاصطناعي، علم البيانات، أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، بالإضافة إلى برامج إعادة تأهيل للموارد البشرية الذين قد تتغير وظائفهم أو تختفي بالكامل.

لتحقيق أقصى استفادة اجتماعية واقتصادية من الذكاء الاصطناعي، من الضروري التأكد من أن هذه التكنولوجيا متاحة لجميع المواطنين. يتطلب ذلك تقليل الفجوات الرقمية، وتحديث البنية التحتية الرقمية، وضمان أن الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي التي يتم تطويرها تكون شاملة وتلبي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة والفئات المهمشة.

في الختام، فإن تطلع المغرب إلى استخدام الذكاء الاصطناعي كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يجب أن يستند إلى أسس قوية من الحكامة، والابتكار، والشمولية. من خلال تبني هذه المبادئ، يمكن للبلاد تحقيق طموحها في تشكيل مستقبل تقني عادل ومزدهر لجميع المواطنات والمواطنين، مع لعب دور محوري في التحول الرقمي في إفريقيا.




الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter