مقدمة :
لعل ما يمر به عالمنا حاليا من تطور خاصة في مجال التجارة الدولية يجعل من الأهمية بمكان النظر إلى رؤوس الأموال الأجنبية والسعي لجدبها، وهذا ما دفع الدول النامية إلى أن تبدل الغالي والنفيس لأجل تحقيق هذا الهدف تارة عبر منح مزايا وتارة عبر إعطاء ضمانات ، وغالبا ما تلجئ الدول إلى التعاقد مع أصحاب الرؤوس الأموال الأجانب لتنفيذ بعض المهام التي تقع على عاتقها في الأصل. وهذه الفئة من الأجانب يبحثون دائما عن الربح في غير دولهم.
وتتنوع العقود التي تبرم بين هؤلاء المستمرين والدولة بحسب حاجة الدولة لتنفيذ طموحاتها الاقتصادية بين عقود إقراض، وعقود تنفيذ مشاريع كشف الطرق والإنفاق وإقامة السدود، وفتح القنوات أو استغلال الثروات الطبيعية لتلك البلاد. ونظرا للنقص الذي تعاني منه الدول فإنها تستعين برؤوس الأموال الأجنبية وأساليب الصناعة الحديثة والتقنيات المتطورة للحصول على ما يتمتع به الطرف الأجنبي من تسهيلات تسويقية في الأسواق العالمية، كما أنها قد تلجا إليه بحكم ارتباطها بالمصالح الأجنبية.
وقد أدت التطورات المتلاحقة على صعيد التجارة الدولية إلى ظهور ما يعرف بعقود الدولة التي أثير حولها الكثير من المشاكل القانونية سواء ما تعلق بالاختصاص القضائي، أو بالقانون الواجب التطبيق عليها . وهنا ستقتصر علي دراسة العقد الإداري الدولي على أساس أنه أحد عقود التجارة الدولية ويعد هذا النوع من العقود من الظواهر القانونية المستحدثة نسبيا في مجال العلاقات التعاقدية الدولية.
إن الإرهاصات الأولى للعقود الإدارية الدولية لم تظهر إلا مع العصر الحديث، وهذا على عكس العقود التجارية الدولية التي ظهرت مند العصور الوسطى في حين أن العقود الإدارية فهي حديثة نسبيا، إذ ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث سارعت بعض الدول إلى جلب الاستمارات الأجنبية، وانصبت العقود الإدارية الدولية على قطاعات محددة التي تتمثل في الامتيازات البترولية لبعض الدول العربية التي تمتلك هذه المادة مثل : مصر و الدول الخليجية إلا أنها لم تكن في نظر الأجانب إلا فرصة لاستغلال ونصب على ثروات هذه البلدان بمقابل زهيد في حين كان هدف تلك الدول الإسراع بعجلة التنمية .
و نجهل أسباب نشأة العقود الإدارية الدولية في سببين رئيسيين :
أولا : ظهور الدول الجديدة ورغبة حكومتها في تحقيق التنمية الصناعية والاجتماعية وانفتاحها على العالم الخارجي.
ثانيا : احتكار حكومات تلك الدول للتجارة الخارجية .
وقد عرف الفقه العقود الإدارية بأنها " تلك العقود التي تبرز فيها الدولة كسلطة عامة باستخدامها في بنود العقد ما تؤمنه لها طبيعتها من امتيازات السلطة العامة تحقيقا لمرفق عام ".
إن أهمية موضوع العقود الإدارية الدولية تكمن في معرفة القواعد القانونية الواجب تطبيقها على العقود الإدارية الدولي، سواء في حالة اختيار الأطراف قانون وطنيا أو حتى في حالة عدم اختيار الأطراف لقانون يحكم عقدهم. لذلك فان هذا الموضوع يطرح مجموعة من الإشكالات وهي الشكل التالي:
1) ما هو العقد الإداري الدولي ؟
2) ما هي طبيعة القواعد القانونية المنظمة لهذا النوع من العقود ؟
3) ما هي معايير تمييز العقد الإداري الدولي عن باقي العقود الدولية الأخرى ؟
4) ما هي الجهة المختصة للنظر في النزاعات المتعلقة ب العقود الإدارية الدولية ؟
ولمعالجة هذه الإشكالات ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين سنعالج في المبحث الأول :
الطبيعة القانونية للعقود الإدارية الدولية، ثم سنتناول في المبحث الثاني التنظيم القانوني للعقود الإدارية الدولية.
المبحث الأول: الطبيعة القانونية للعقود الإدارية الدولية
كما اشرنا سابقا في المقدمة إلى نشأة العقود الإدارية التي أثرت عدة مشاكل خاصة في تحديد مفهومها ومعايير تمييزها (المطلب الأول )، وأشكالها (المطلب الثاني ).
المطلب الأول: مفهوم العقد الإداري الدولي ومعايير تمييزه
سنتناول في هذا المطلب مفهوم العقد الإداري الدولي (الفقرة الأولى)، ثم معايير تمييزه عن باقي العقود الأخرى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم العقد الإداري الدولي
إذا كان بعض الفقه يذهب إلى اعتبار أن العقد الإداري هو العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه، وتظهر فيه نية الإدارة في الأخذ بأحكام القانون العام. وذلك من أجل إحداث اثر قانوني معين، فمحاولة وضع تعريف للعقد الإداري الدولي يكون محل احتمالات كثيرة حول إمكانية خضوع هذا النوع من العقود الإدارية للقانون الأجنبي يختلف عن القانون الداخلي أو الوطني للدولة المتعاقدة، حيث يرى الأستاذ بوميير pommier على أنه من شبه المستحيل تحديد المقصود بالعقد الإداري الدولي، في حين يؤكد الأستاذ لاكاردLagard أن أية محاولة لوضع تعريف للعقد الإداري الدولي ستفتح الباب للعديد من الانتقادات، لكن بالرغم من هذا الجنوح الفقهي عن الخوض في مسالة التعريف، فان بعض الفقه العربي رأى أن من الضروري تعريف العقد الإداري الدولي:
بحيث يعتبر البعض أنه " عقد تبرمه الدولة بوصفها سلطة عامة، أو يبرمه شخص معنويا من رعايا الدولة، مع شخص طبيعي أو معنويا من رعايا دولة أخرى، وقد يكون موضوعه استغلال الثروات الطبيعية للدولة أو أشغال صناعية حيث تبرم مع دولة أخرى تعاقدا بهذا الصدد لعدم امتلاكها التقنية العلمية التي تمكنها من ذلك ".
ويعرفه الأستاذ عبد المجيد إسماعيل كونه " توافق إرادتي جهة الإدارة وأحد الأشخاص الأجانب سواء خاص أو عام من أجل تنفيذ أعمال معينة لحساب لشخص معنوي عام، وتحقيقها المصلحة العامة على نحو معين لقاء ثمن محدد ووفق شروط خاصة ". وانطلاقا من هذه التعاريف التي أعطاينها فالعقد الإداري الدولي هو عقد يجمع بين مقومات العقد الإداري من كون أحد طرفيه شخصا معنويا عاما، ويتعلق بمرفق عام وتظهر فيه نية الأخذ بالشروط الاستثنائية غير معروفة بالنسبة للعقود الخاصة، وبين الصفة الدولية من حيث اتصال العقد بمصلح التجارة الخارجية للدولة وبانطوائه على رابطة تتجاوز الاقتصاد الداخلي للدولة المتعاقدة وتجدر الإشارة إلى آن العقد الإداري الدولي لم يصل إلى درجة ذلك العقد القائم بذاته والمتميزة بقانون. ومعايير تمييزه وإنما هو عقد يستقي أغلب مقوماته من العقود الخاصة الدولية وخصوصا العقد التجاري الدولي أي من القوانين المنظمة لهذه القوانين المنظمة لهذه العقود، ولا يتميز عنها إلا بوجود الإدارة طرفا فيه بما يستهدف تحقيق المصلحة العامة .
الفقرة الثانية: معايير اكتساب العقد للصبغة الدولية :
هذه الفقرة تحتوي على ثلاث معايير التي تستعمل في تحديد الصفة الدولية للعقد.
أولا: المعيار القانوني :
يقوم هذا المعيار في تحديده لدولية العقد على فكرة مردها أن العقد يعتبر دوليا لمجرد تطرق الصفة الأجنبية إلى أي عنصر من عناصر العلاقة القانونية واختلف أنصار هذا المعيار حول مدى فاعلية العناصر القانونية الرابطة العقدية، وانقسم إلى مجموعتين أو إلى صورتين للمعيار القانوني.
1 – المعيار القانوني التقليدي :
يرى هذا الاتجاه أن يكون العقد دوليا أي أن يتطرق العنصر الأجنبي إلى عنصر الأطراف كأن تكون جنسياتهم مختلفة أو عنصر الموضوع كأن يكون مكان تنفيذ العقد مختلفا عن دولة القاضي أو عنصر الواقعة المنشئة كأن يكون مكان إبرام العقد في غير دولة القاضي.
2 – المعيار القانوني الحديث :
فتحديد دولية العقد وفق هذا المعيار تتوقف على طبيعة الرابطة العقدية، ويتم من خلال معيار كيفي هو العنصر الأجنبي المؤثر في هذه الرابطة بصرف النظر عن الكم العددي للعناصر الأجنبية المحايدة التي قد تتطرق إليها.
ثانيا: المعيــــار الاقتصادي :
ظهر المعيار الاقتصادي في أواخر العشرينيات في القرن الماضي في مجال القانون النقدي والمدفوعات الدولية. حيث يعتبر العقد دوليا وفقا لهذا المعيار إذ كان يتصل بمصالح التجارة الدولية. ولما كان مصطلح التجارة الدولية هو في ذاته يحتاج إلى تعريف، فقد اتخذ هذا المعيار صورا متعددة، حيث كانت كل صورة بمثابة حل يلبي حاجات اقتصادية معينة يشهدها المجتمع الفرنسي الذي ظهر فيها هذا المعيار، كحاجة تطبيق أو تفادي تطبيق نص قانوني معين.
وهكذا فإن المعيار الاقتصادي يتطلب لدولية العقد وجوب انتقال قيم اقتصادية عبر الحدود، وإن كانت له صورتين : صورة (معيار المد والجزر) التي تتطلب أن يكون الانتقال ''متبادلا''، وصورة (معيار مصالح التجارة الدولية) والتي تكتفي بأن يكون الانتقال في اتجاه واحد.
ثالثا: المعيار الاقتصادي القانوني (المعيار المختلط):
يجمع المعيار المختلط بين كل من المعيار القانوني والمعيار الاقتصادي، بمعنى أنه لا يكفي لتقرير دولية العقد التحقق من وجود عنصر أجنبي في الرابطة العقدية (المعيار القانوني)، بل لابد من تعلق الأمر بمصالح التجارة الدولية (المعيار الاقتصادي).
المطلب الثاني: أشكال العقود الإدارية الدولية:
تتنوع العقود الإدارية الدولية، وتتعدد صورها بحسب حاجة تلك الدول لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية فيها.
ولعل من أهم نماذج هذه العقود وأكثرها شيوعا: عقود البترول، وعقود التعاون الصناعي، وكذلك عقود الأشغال العامة الدولية. وكذلك العقود التي تعقدها الجماعات المحلية في إطار الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية التي تتبناها الجماعات مع شركات الأجنبية الدولية أو الخواص.
1 ) عقود الشراكة بين القطاع العام والخاص.
عرف المغرب في السنوات الأخيرة عقود الشراكة وبين القطاع العام والخاص، وهي غالبا ما تكون إدارية دولية، من أجل الاستثمارات الكبيرة. ولا يقتصر هذا النوع على الدولة فقط، بل يمكن للجماعات المحلية في إطار السياسة التي تنهجها الدولة، أن تبرم هي الأخرى عقود إدارية دولية مع الخواص الأجانب لكن بتفويض من الدولة لاعتبارات سياسية.
2 ) عقود امتياز البترول:
تنتشر هذه الأنواع من العقود في الدول الغنية بالبترول، وهي من أهم العقود المبرمة بين الدولة والأشخاص الأجنبية التابعة لدولة أخرى وترجع أهمية هذه العقود إلى أكثر من عامل. فمن ناحية تعد هذه العقود عقود الدولة أولى عقود الدولة من ناحية الترتيب الزمني. فعقود البحث عن البترول والتنقيب عنه واكتسابه واستخدامه وتسويقه هي من أولى عقود الدولة.
3 ) عقود المشاركة والمقاومة:
أعقب عقود الامتياز التقليدية ظهور اتجاهات جديدة في عقود البترول، أهمها اتجاها المشاركة والمقاولة، واللذان يعتبران من أهم الأدوات القانونية المستحدثة في التعامل بين الحكومات المنتجة والشركات المستثمرة وكبديل لنظام الامتيازات التقليدية.
4 ) عقود التعاون الصناعي:
تعتبر عقود التعاون الصناعي من العقود الحديثة نسبيا، حيث ترجع نشأتها إلى أوائل الستينات من القرن العشرين. وذلك إبان التطور والتحول التكنولوجي الهائل الذي شهده العالم، والحاجة إلى نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى الدول النامية. وتتضمن عقود التعاون الصناعي صورا متعددة من العقود التي تهدف إلى تحقيق التقدم التكنولوجي والصناعي، ومن أهمها: 1) عقود نقل التكنولوجيا و 2) عقود المساعدة الفنية.
5 ) عقود الأشغال العامة الدولية:
تمثل هذه العقود أهمية قصوى في مجال المعاملات الاقتصادية الدولية، إذ أنها تمكن الدولة من تطوير بنيتها الأساسية، وتحديث مرافقها العامة، دون اللجوء إلى مغبة الاستدانة من العالم الخارجي، في نفس الوقت الذي تحافظ فيه على ما هو موجود لديها من أرصدة أجنبية وتأخذ هذه العقود صورا عديدة، من أهمها عقود تسليم المفتاح وكذلك عقود البناء والتشغيل والتحويل.
المبحث الثاني : الإطار القانوني للعقود الإدارية الدولية.
في هذا المبحث سنتناول إبرام العقود الإدارية الدولية في المطلب الأول، ثم اللجوء إلى التحكيم وأثره في العقود الإدارية الدولية في المطلب الثاني.
المطلب الأول: إبرام العقود الإدارية الدولية.
تعتبر العقود الإدارية وطنية أو دولية، وسيلة قانونية في أداء المرافق العامة، ومن ثم تخضع لنظام قانوني مختلف عن ذلك الذي تخضع له عقود الأفراد، ويظهر هذا النظام المتميز، من خلال ما يفرضه المشرع من قيود تتمثل في ٌإجراءات إبرام العقد من جهة، وما ترتبه من أثار على الأطراف من جهة أخرى.
الفقرة الأولى: طرق اختيار المتعاقد الأجنبي مع الإدارة.
إن السلطة الإدارية من حيث المبدأ، تظل مقيدة في اختيار المتعاقد معها سواء أكان العقد الإداري وطنيا أم أجنبيا، ومعلوم أن طرق إبرام العقود الإدارية تدور حول إما طريقة الدعوى إلى التعاقد أو طلب العروض، فطريقة الاتفاق المباشر.ومن ثمة، فالإدارة ملزمة بتطبيق مبادئ العلانية والمنافسة. لكن هذا المبدأ نجده مغيب في بعض الأحيان و يبقي مجرد شكلية.
1 – الدعوة إلى التعاقد وأسلوب طلب العروض: بمعنى أنها تكون مفتوحة أي أنه يحق لكل مقاول تقديم عرضه بخصوص المشروع المزمع إنجازه إلى الجهة الإدارية، ومن ثم فإن هذه الطريقة تكون عامة وغير مقتصرة على عدد معين من المنافسين. وتظهر صفة العمومية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، طالما أنهم يملاؤون الشروط التي يتطلبها القانون للمشاركة. إن المعيار التي تتخذه السلطة الإدارية لاختيار المقاول أو الممون الذي يحظي بالأسبقية، يدور حول مدى قدرته في رعاية وحماية المصالح العامة. وفي إطار العقود الإدارية الدولية، فالسلطة الإدارية تلجأ إلى طلب العروض المفتوحة أي ما يطلق عليه بطلب العروض الدولية، مما يسمح معها تلقي ملفات الترشيح أمام الجميع مواطنين أو أجانب، وفي هذا الإطار فالسلطة الإدارية ملزمة بالتقيد أيضا بمعايير العلانية والإشهار والمنافسة والعمومية.
2- الاتفاق المباشر والمسطرة التفاوضية : فهذه الطريقة تشكل استثناء من الطرق العادية، حيث أن السلطة الإدارية تلجأ إليها في حالات خاصة، منها حالة الضرورة التي يفرضها عدم توافر مجال المنافسة، كحالة الأشغال التي لا يستطيع إنجازها إلا صاحبي براءة الاختراع، أو التي لا يمكن إنجازها إلا من طرف مقاول معين، نظرا لما تقتضيه الحاجات التقنية، لذلك سمح لها بالاتفاق المباشر مع الشخص القادر على إنجاز الشغل. ولا غرو، في ذلك أن نجد السلطة الإدارية المغربية في إطار إبرام العقود الإدارية الدولية، تنساق وراء هذا الاتجاه وذلك في إطار ما يسمي بعقود "البوت" حيث تستلزم رؤوس أموال ضخمة ، مثلا " عقود الطاقات المتجددة"، وأيضا العقد الذي أبرمته الدولة مع شركة " ألستون " الفرنسية لتوريد حاجيات مرفق السكك الحديدية، والإنكباب على تجهيز الخط السككي الفائق السرعة" طنجة، الدار البيضاء ". هذا من جهة، وفي جانب أخر فالدولة تروم إلى إعطاء امتيازات لبعض الشركات للإشراف على بعض المرافق الحيوية ليس تطبيقا للمعايير التي أشرنا إليها، وإنما تلبية لمتطلبات سياسية أو محاباة فقط، مثلا : " ليدك ". إذن، يتضح لنا إلى غياب المنافسة أحيانا، بين المستثمرين هذا ما دفع بالإتحاد العام للمقاولين المغاربة بالتنديد، وطرح السؤال حول تغيبهم عن مثل هذه الصفقات.
الفقرة الثانية: أثر العقد الإداري الدولي.
وتخضع أثر العقد الإداري الدولي لنظرية العقد الإداري في عدة مناحي وتختلف عنها في أمور أخرى، وتتمثل هذه الآثار في الأتي:
1- الإدارة لها الحق في تعديل شروط العقد، وفي إنهاءه بإرادتها المنفردة، وسلطة المراقبة والتوجيه، وكذا سلطة توقيع جزاءات على المتعاقدين.
2- بالنسبة للطرف الأجنبي مع الإدارة، فإن الحقوق التي يستمدها من العقد الإداري تفوق أحيانا تلك التي يمكن أن يحصل عليها من العقد المدني بحيث له فضلا عن الحصول على المقابل النقدي، الحق في إعادة التوازن المالي و الحق في التعويض، والحق في ممارسة بعض امتيازات السلطة العامة، وذلك خلافا كما هو مقرر كأصل عام من حيث تحمل المتعاقد مع الإدارة للشروط التي تفرضها السلطة العامة.
3- كما تنفرد العقود الإدارية الدولية بإمكانية تضمينها شرطا أو شروطا بمقتضاها يكون للمتعاقد امتيازا في مواجهة الإدارة، كحقه في فسخ العقد من تلقاء نفسه، في حالة عدم قيام السلطة الإدارية بسداد مالها من مستحقات لديها. وقد تقبل هذه السلطة مضطرة بهذه الشروط، وخاصة تلك العقود المتصلة بأمور التنمية الاقتصادية التي تحتاج إلي رؤوس أموال ضخمة، و تكنولوجيا متطورة يعجز معها الادخار الوطني عن توفرها.
4- كما تنفرد العقود الإدارية الدولية، بإمكانية تضمينها شروط الثبات، وعدم المساس بالعقد، والتي تعد حسب بعض الفقه شروط استثنائية. وتظهر أهمية ذلك في حالة لجوء السلطة الإدارية والمتعاقد الأجنبي معها إلى التحكيم لحسم المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد المتضمن مثل هذه الشروط، ودون أن يتفقا صراحة على القانون الواجب التطبيق على النزاع المعروض على التحكيم، ففي مثل هذه الحالة يجب على المحكم أن يطبق القانون الإداري الوطني على موضوع النزاع. وعليه، فسنتطرق إلى مشكل التحكيم، بتفصيل من خلال المطلب الثاني.
المطلب الثاني: اللجوء إلى التحكيم وأثره في العقود الإدارية الدولية.
الفقرة الأولى: أهمية التحكيم:
يعتبر التحكيم من الوسائل البديلة لحل المنازعات، يلجأ إليها الأطراف دون سلوك إجراءات التقاضي، والتي تكلفهم ماديا. وقد أصبح للتحكيم أهمية كبيرة، خاصة في مجال العقود الإدارية الدولية. نظرا لطبيعة هذه العقود التي تبرم بين السلطة الإدارية، وبين شخص أجنبي يتمتع بالشخصية القانونية.
والتحكيم باعتباره من العدالة الخاصة، ليس نظاما حديثا، بل هو نظام قديم حديث، قديم في نشأته ووجوده، حديث في مادته ودراسته وأحكامه . وبهذا يعرف التحكيم في العقود الإدارية بأنه نظام قضائي خاص يختار فيه الأطراف قضاتهم ويعهد إليهم بمقتضى اتفاق أو شرط خاص مكتوب، بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفصل بينهم بخصوص علاقاتهم التعاقدية أو غير التعاقدية ذات الطابع الدولي، والتي يجوز تسويتها بطرق التحكيم بإنزال حكم القانون عليها، وإصدار قرار
نهائي ملزم لهم . ولما كانت العقود الإدارية الدولية، كما في العقود الأخرى تنشأ عنها منازعات تترتب عن تنفيذ العقد، فهي تخضع أيضا لنظام التحكيم. غير أن التحكيم في مثل هذه للعقود له صبغة خاصة نظرا لخصوصية الأطراف التي تبرمه والمتمثلة في الدولة بوصفها سلطة عامه والشخص المعنوي العام أو الخاص الأجنبي.
وهكذا يشكل التحكيم في العقود الإدارية الدولية وسيلة لحل المنازعات التي تنشأ عنها دون إتباع الإجراءات القضائية العادية، لما يتسم به من قلة التكلفة وسرعة الفصل. وتسوية المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية الدولية عن طريق التحكيم قد يكون شرطا يفرضه الطرف الأجنبي بحيث لا ينعقد العقد بدونه، وقد يكون ذلك رغبة منه- أي الأجنبي – في عدم المثول أمام القضاء الوطني، كما أن اللجوء إلى التحكيم له ما يبرره أيضا لعدم وجود هيئة قضائية ذات اختصاص دولي لفض منازعات العقود الإدارية، حيث لا يمكن للطرف الأجنبي المتعاقد مع السلطة الإدارية أن يقف خصما للإدارة المتعاقدة أمام محكمة العدل الدولية، حيث لا تختص تلك المحكمة سوى بالنظر في منازعات الدول. ولذلك فإذا كان التحكيم في العقود الإدارية الدولية أساسه إرادة الأطراف، إلا أن ذلك يتطلب تدخلا من المشرع، وبالتالي فإرادة الأطراف ليست كافية.
لذلك نجد أغلب التشريعات نظمته وحددت إجراءاته وحالات اللجوء إليه، كما هو الأمر بالنسبة لكل من فرنسا ومصر، هذه الأخيرة التي نظم القانون الصادر في سنة 1997 والذي عدل بتعديل القانون رقم 27 لسنة 1994 نظام التحكيم بها. أما المشرع المغربي، فلقد نظم التحكيم بموجب القانون رقم 08 لسنة2005، في إطار قانون المسطرة المدنية،هذا من جهة، إلا أن المشرع لم ينص صراحة على اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية الدولية، كما أن الدراسات و الأبحاث تكاد تكون نادرة هي الأخرى حول هذا الموضوع. هذا وتجدر الإشارة إلى أن التحكيم في العقود الإدارية الدولية يكتسب شرعيته ومجاله في التطبيق الداخلي بموجب انضمام الدولة إلى اتفاقية دولية تتصل به، حيث تعد تلك الاتفاقية بمثابة قانون داخلي تلتزم به الدولة الموقعة على الاتفاقية.
الفقرة الثانية: آثار التحكيم.
إذن فمتى توافرت الشروط الموضوعية و الشكلية لصحة اتفاق التحكيم وفقا للقانون فإن اتفاق التحكيم ينتج آثاره أيا كانت صورته، وبما أن اتفاق التحكيم في جوهره عقد اتفاق لذا تترتب عليه آثار العقود بصفة عامة فضلا عن الأثر الخاص وهو إحجام قضاء الدولة عن نظر نزاع أبرم بشأنه الأطراف اتفاق التحكيم. كما يترتب على التحكيم في العقود الإدارية الدولية آثر آخر وهو استبعاد تطبيق القانون الوطني وتطبيق القانون الأجنبي على العقد قد يختاره المحكم في حالة عدم وجود ن في نص صريح، ثم آثر آخر يتمثل في ظهور التنازع في مجال القانون الإداري إذا ما تم تكييف العقد كعقد إداري قد يستلزم ذلك تطبيق قانون أجنبي على العقد.
الــتــصـمـيـم
مقدمة
المبحث الأول: الطبيعة القانونية للعقود الإدارية.
المطلب الأول: مفهوم العقد الإداري الدولي ومعايير تمييزه.
الفقرة الأولى: مفهوم العقد الإداري الدولي.
الفقرة الثانية: معايير اكتساب العقد الإداري للصبغة الدولية.
أولا: المعيار القانوني.
ثانيا: المعيار الاقتصادي.
ثالثا: المعيار المختلط.
المطلب الثاني: أشكال العقد الإداري الدولي.
المبحث الثاني: الإطار القانوني العقد الإداري الدولي.
المطلب الأول: طرق إبرام العقد الإداري الدولي.
الفقرة الأولى: طرق اختيار المتعاقد الأجنبي.
الفقرة الثانية: آثر العقد الإداري الدولي.
المطلب الثاني: اللجوء إلى التحكيم و أثره في العقد الإداري الدولي.
الفقرة الأولى: أهمية التحكيم.
الفقرة الثانية: آثر التحكيم.
لائحة المراجع
مراجع عامة :
-ذ. هاني محمود حمزة – النظام القانوني الواجب الأعمال على العقود الإدارية الدولية أمام المحكم الدولي منشورات الحلبي الحقوقية – الطبعة الأولى 2008 .
-ذ. محمد عبد العزيز علي بكر – فكرة العقد الإداري عبر الحدود – الطبعة الأولى القاهرة 2000. دار النهضة
ذة: نارمان عبد القادر، اتفاق التحكيم ، دراسة مقارنة، الطبعة 1 سنة .1996
الأولى، 2010، - د. بشار الأسعد، عقود الدولة في القانون الدولي، منشورات زمن الحقوقية،ط:
د- عبد العزيز عبد المنعم خليفة، التحكيم في العقود الإدارية الداخلية والخارجية، الطبعة 1، سنة 2008،
- الدكتور حفيظة السيد ا لحداد، العقود المبرمة بين الدول والأشخاص الأجنبية، الطبعة الأولى 1996، دار النهضة ، القاهرة.
- د محمد الأعرج، نظام العقود الإدارية و الصفقات العمومية، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، المجلة
المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد:73.
الرسائل و الأطروحات
-جعفر كريشان، التحكيم في العقود الإدارية الدولية،بحث لنيل الدبلوم الجامعي في المهن القضائية و القانونية،موسم 2006-2007