تقنين زراعة القنب الهندي بالمغرب، السياق والتداعيات المرتقبة
منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، شكلت زراعة نبتة الكيف أو ما يعرف بالقنب الهندي، أحد أهم الزراعات بالمغرب بالرغم من اقتصارها أحياناً على مناطق دون أخرى، حيث تركزت بالأساس في معظم أراضي شمال المغرب، خاصة قبائل الريف و كتامة والمناطق المجاورة لهما إلى حدود مدن تاونات و وزان والقصر الكبير كمدن تحيط بمركز انتشار هذه الزراعة، بل قد تكون هذه الفلاحة قد تجاوزت هذه الأطراف في سنوات متقطّعة، و بوصف آخر ظلت بؤر انتشار هذه الزراعة تتمركز في المناطق الجبلية فقط دون السهول والهضاب إلا ما كان منها في الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة وزان، إلا أن النطاق الجغرافي لهذه الزراعة ظل غير محصور خاصة في البدايات إذ انتشرت بقوة إبّان عشرينيات القرن الماضي.
ومع دخول المستعمر إلى المغرب وفرض (الحماية) عليه انطلقت النقاشات حول شرعية زراعة هذه النبتة وأضحت الحكومة تتطّلع بين الفينة و الأخرى إلى ضبط معالم هذه الزراعة، وإلى حدود اللحظة لم يقف النقاش حول موضوع تقنين زراعة القنب الهندي، بل أخذ مؤخراً صبغة دولية واهتماماً أمميا نظراً لما أصبحت تشكله المخدرات -المنتوج الرئيسي للقنب الهندي- من خطورة على العالم.
والمغرب باعتباره عضواً نشيط في المنتظم الدولي ونظراً لموقعه السياسي وكذا الجغرافي ما فتىء يولي اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع.
فما هو إذن سياق نقاش تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي ؟ ثم ماهي التداعيات المرتقبة من هذا التقنين ؟.
أولا: سياق تقنين استعمالات القنب الهندي بالمغرب:
بداية لابد من التعريف بهذه النبتة فالكِيف كما يُطلق عليه بالدارجة المغربية أي -القنب الهندي- ينتمي إلى فصيلة البذور القنبية، وهو من جنس كاسيات البذور وهناك أنواع متعددة من هذه النبتة تنتشر في العالم، تتوزع أَساساً على نوعين قنب صناعي وهذا النوع مشروع ويدخل في الاستعمالات الصناعية والعلاجية والتجميلية، وقنب غير صناعي أي غير مشروع.
إن الباحث في التاريخ الرسمي لزراعة القنب الهندي بالمغرب لا يوجد أية دراسات أو بحوث رسمية.
يقول المؤرخ الفرنسي «أغوست مورليراس» أنه حين دخل الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب كانت النبتة موجودة بالفعل، بل حتى الدراسات التي أعدها الاستعماريين قبل دخولهم أشارت إلى أن مجموعة من القبائل المغربية موزعة بعموم المملكة تزرع النبتة
منذ مطلع دخول الألفية الثالثة.
سنة 1919 كانت أول محطة تشريعية رسمية تهم مسألة تقنين زراعة القنب الهندي، بحيث أصدرت السلطات الاستعمارية ظهير يقضي بأن زراعة الكيف لا يمكن أن تتم في المغرب إلا بإعلام السلطات بذلك، حيث يفرض الظهير على الفلاحين إبلاغ السلطات بالكمية التي يرغبون في زراعتها، في حين أن أي فلاح سيتعرض لعقوبات مالية في حالة زراعته للقنب بدون ترخيص، كما يقضي هذا الظهير بأن غلة تسل كلها إلى الحكومة، وفي حالة اكشف المراقبون نقصان الكمية المسلمة عن المزروعة فإن الأمر يعتبر مخالفة وبناء على ذلك سيتم تحديد عقوبة مالية في حق الفلاح .
سنة 1926 وبعد أن قلص ظهير 1919 هذه الزراعة، ستَنتشر مرة أخرى وهذه المرة بِمعظم أراضي المغرب خاصة مناطق الغرب والحوز والشمال.
سنة 1954 أُصدر الظهير الذي منع زراعة القنب الهندي وذلك سنتين قبل خروج المستعمر الفرنسي من المغرب، بينما استمر سكان منطقة الريف والشمال في التعاطي لهذه الزراعة، بسبب أن الأراضي وعرة التضاريس لا يمكنها احتمال أي زراعة أخرى غير القنب الهندي.
سنوات السبعينيات والثمانينيات، وفي هذه الفترة عرفت زراعة الكيف بالمغرب تطورا كبيراً بحيث تحول منتوج الكيف من الاستعمالات التقليدية التي كانت ترتكز على استهلاك هذه النبتة بالغيون (السبسي) بعد سحقها، إلى الاستعمالات العصرية التي تعتمد على تحويل القنب الهندي إلى حشيش، وهذه الطريقة أدخلها الأجانب إلى المغرب، ومن ثم غزى الحشيش جل مناطق المغرب، وأصبح يشكل تجارة ممنوعة مذرة للدخل تصدر إلى الخارج خاصة دول أوروبا، وأضحى المغرب بذلك أحد أكبر منتجي الحشيش في العالم، وقبل هذه الفترة كان المشرع المغربي قد أصدر الظهير الشريف المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات وبتغيير الظهير الشريف القاضي بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها والظهير المتعلق بمنع قنب الكيف حسبما وقع تتميمهما و تغييرهما، وقد شكل هذا التشريع وسيلة قانونية لمنع انتشار المخدرات واستعمالها فيما استمرت زراعة القنب لمعظم مناطق جبالة والريف كما أسلفنا.
ومع دخول الألفية الثالثة و تزايد معاناة مزارعي الكيف من ويلات ملاحقة المخزن لهم، بدأت النقاشات حول تقنين استعمالات القنب الهندي تعود مجدداً، وغي هذا الصدد أعلنت الحكومة وفق بيان لها عقب اجتماعها الأسبوعي الخميس (25 فبراير/ شباط 2021) عن عزم المغرب تقنين زراعة نبتة القنب الهندي، وقد جاءت هذه الخطوة في سياق التوصيات الجديدة التي قدّمتها منظمة الصحة بشأن إعادة تصنيف النبتة، وذلك بالشكل الذي يتلاءم مع المستجدات العالمية التي أَظهرت أنها تتوفّر على مزَايا طبية وعلاجية.
مما سبق نستنتج ما يلي:
- أن فترة تقنين زراعة القنب الهندي في مجمل تاريخ زراعة هذه النبتة بالمغرب لم تتجاوز 37 سنة باحتساب سنوات ما بين ظهير 1919 الذي أصدرته السلطات الاستعمارية إلى غاية سنة 1954 تاريخ. إصدار الظهير المانع لكل شكل من أشكال زراعة هذه النبتة او استعمالها.
- أن إرادة الحكومة المغربية في القطع مع هذا النوع من الزراعة لأسباب أو لأخرى كانت غائبة.
- استمرار تعاطي سكان المناطق الشمالية إلى الزراعة هذه الزراعة وفي المقابل استمرار منعهم تطبيقاً لظهير 1974.
- أن قضية تقنين استعمالات القنب الهندي تحظى براهنية وأهمية سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
وعليه فما هي تداعيات تقنين استعمالات القنب الهندي بالمغرب ؟.
ثانياً: تداعيات تقنين استعمالات القنب الهندي بالمغرب:
إن المدخل الأساسي لمناقشة موضوع تداعيات تقنين استعمالات القنب الهندي هو مشروع القانون الذي أعدّه البرلمان ويُعرض حالياً على أنظار الحكومة قصد مناقشته والتصويت عليه، ومن ثم المصادقة عليه، لكن التزاماً منّا بالمنهج السليم في التحليل والدراسة لابد أن نشير ابتداءً إلى أنّ الأمر يتعلق بمجرد مشروع قانون لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وعليه فإن قراءتنا له ستَنطلق من التوجّه العام الذي يصبو إليه هذا المشروع، بشكل مُوجز نُطعّمه ببعض الفرضيات حتى لا نتسرع في الحكم على قوانين لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، ثم من جهة أخرى فإن النّقاش العمومي الكبير الذي يحظى به الموضوع يبرر بشكل أو بآخر ما سنقوم به من تحليل ومناقشة.
إن مشروع القانون قيد المناقشة يهم أساسًا فئة معينة من المغاربة وهم بدون شك مزارعي الكيف وزيادة في الإيضاح فهم فقط سكان مناطق جبالة والريف، أخذاً بعين الاعتبار كون هذه المناطق هي الوحيدة التي تتعاطى لهذا النوع من الزراعة في المغرب، وبالتالي فإن كل تداعيات هذا القانون - إن تمت المصادقة عليه -، وعلى الأرجح سيتم ذلك نظراً للنقاش المُثار حوله والذي يتّسم بالجدية والرسمية، ستمس آهالي المناطق الجبلية والريفية سكان الشمال من مزارعي الكيف بالأساس.
وبالرجوع إلى مقتضيات مشروع القانون وإذا ما افترضنا المصادقة على مضامينه أو على الأقل أغلبها سَنجد أن لها تداعيات اقتصادية خطيرة على مزارعي الكيف، فمن جهة فإن إِخضاع الأنشطة المُتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستراد الكيف ومنتجاته إلى نظام التّرخيص كما جاء في المشروع من شأنه أن يُضيّق على المزارعين، فنظام الرخصة كما يُستعمل في باقي المجالات الأخرى الهدف منه ضبط وحصر أعمال وتصرفات أشخاص معينين في قطاع معين، ومن البديهي أن الرخصة لن تُمنح لكل مزارعي الكيف الموجودين بالمنطقة وعلى هذا الأساس سيُشكل نظام الرخصة حيفًا على أشخاص دون آخرين.
كما أن حصر مجالات وأقاليم زراعة القنب الهندي مقتضى له تداعيات اقتصادية وخيمة على المناطق التي لن تُمنح هذه الصلاحية، فـمشروع القانُون في مادته الرابعة يُحيل تحديد الأقاليم التي سيحق للمواطنين ممارسة الأنشطة المتعلقة بزراعة الكيف فيها على صدور مرسوم، وعلى غرار نظام الرخصة وإذا ما افترضنا إقصاء بعض الأقاليم والحال أنه على الأرجح لن يتم تحديد كل المناطقة التي تتعاطى حالياً لهذه الزراعة، فسيبقى مزارعيها -المناطق غير المحددة- في خبر كان، وهنا يجب على الحكومة أن تفكر بشكل جدي في إيجاد بدائل زراعية وإدخال مشاريع تنموية تعوّض بها إقصاء هذه الشريحة من المزارعين، لتكون توجهاتها منسجمة مع ما جاءت به مذكرة تقديم المشروع، حيث أشارت إلى أن هذه الخطوة من شأنها تحسين دخل المزارعين.
زد على ذلك أن الزراعة ستُرهن بالكمية المطلُوبة لتلبية أنشطة إنتاج مواد أغراض طبية وصيدلية وصناعية.
من المقتضيات الأخرى التي نرى أنّها ستعيق هذه الزراعة حتى بالنسبة لمن سيُرخص لهم داخل أقاليمهم، ما يتعلق بضرورة ممارسة الأنشطة المرتبطة بزراعة وإنتاج القنب الهندي عن طريق تعاونيات تؤسس لهذا الغرض، معظم سكان المناطق الجبلية المعروفة بزراعة الكيف من ذوو الدخل الضعيف و المحدود وجلّ تجاربهم مع التعاونيات تبوء بالفشل بسبب ضعف التكوين في المجال وكذا تعقد المساطر وطرق الحصول على الدعم لتنمية أنشطة التعاونيات، وبالتالي فإلزام المواطنين بالتعاطي لهذه الزراعة من داخل تعاونيات أمر نرى أنه سيُعيق كذلك هذه الخطوة بما تحمله من ضيق أصلاً.
فضلاً عن كل ما سبق يلزم مشروع القانون التعاونيات بإبرام عقود بيع مع الشركات المتخصصة في تحويل وتصنيع النبتة، وهذه المسألة هي الأخرى ستَحُد من الحرية الاقتصادية للتعاونيات وكذا من التنافسية المرجوة في المجال.
كما أن منح الرخص من طرف الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي المزمع إنشاؤها بمقتضى هذا القانون، لم يؤطر بشكل كاف بحيث تُرك لهذه المؤسسة صلاحية واسعة تمكنها من منح الرخص أو رفض منحها، الأمر الذي قد يُؤدي إلى تعسفها في استعمال هذا الحق خاصة وأنها تفتقد لآليات رقابية على هذا الاختصاص.
انطلاقاً مما سبق واستحضاراً لكل المعطيات الواقعية والاقتصادية في البلاد يتّضع أن مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي سيخدُم بالأساس مصالح شركات التحويل والتصنيع وفي المقابل ونظراً لما يحمله المشروع من حيف وتضييق سيغلُب الأمر على آهالي المناطق الجبلية مزارعي الكيف وخاصة ذوو وسائل الإنتاج الضعيفة.
عموماً لا يسعنا إلاّ ننوّه بهذه الخطوة المرتقبة المهمة التي ستُقدم عليها الحكومة المغربية بشأن تقنين استعمالات القنب الهندي وإذا نثمن ذلك، فإننا ندعو إلى الأخذ بعين الاعتبار أوضاع مزارعي الكيف بالمناطق الجبلية التي بلغت فيها الأزمة الاقتصادية أشدّها في الآونة الأخيرة من ضيق وضعف، والحرس على ضمان تطبيق هذا القانون بما سيُحقق التنمية المنشودة لسكان هذه المناطق، والبحث عن بدائل ناجعة للأقاليم التي سيمنع فيها مزاولة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج القنب الهندي، كل ذلك تحقيقاً العدالة الاجتماعية والمجالية محور الخطابات الملكية السامية و النموذج التنموي الجديد. بقلم نجيب بُحاجة
مدون مغربي خريج ماستر المهن القانونية والقضائية.
منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، شكلت زراعة نبتة الكيف أو ما يعرف بالقنب الهندي، أحد أهم الزراعات بالمغرب بالرغم من اقتصارها أحياناً على مناطق دون أخرى، حيث تركزت بالأساس في معظم أراضي شمال المغرب، خاصة قبائل الريف و كتامة والمناطق المجاورة لهما إلى حدود مدن تاونات و وزان والقصر الكبير كمدن تحيط بمركز انتشار هذه الزراعة، بل قد تكون هذه الفلاحة قد تجاوزت هذه الأطراف في سنوات متقطّعة، و بوصف آخر ظلت بؤر انتشار هذه الزراعة تتمركز في المناطق الجبلية فقط دون السهول والهضاب إلا ما كان منها في الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة وزان، إلا أن النطاق الجغرافي لهذه الزراعة ظل غير محصور خاصة في البدايات إذ انتشرت بقوة إبّان عشرينيات القرن الماضي.
ومع دخول المستعمر إلى المغرب وفرض (الحماية) عليه انطلقت النقاشات حول شرعية زراعة هذه النبتة وأضحت الحكومة تتطّلع بين الفينة و الأخرى إلى ضبط معالم هذه الزراعة، وإلى حدود اللحظة لم يقف النقاش حول موضوع تقنين زراعة القنب الهندي، بل أخذ مؤخراً صبغة دولية واهتماماً أمميا نظراً لما أصبحت تشكله المخدرات -المنتوج الرئيسي للقنب الهندي- من خطورة على العالم.
والمغرب باعتباره عضواً نشيط في المنتظم الدولي ونظراً لموقعه السياسي وكذا الجغرافي ما فتىء يولي اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع.
فما هو إذن سياق نقاش تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي ؟ ثم ماهي التداعيات المرتقبة من هذا التقنين ؟.
أولا: سياق تقنين استعمالات القنب الهندي بالمغرب:
بداية لابد من التعريف بهذه النبتة فالكِيف كما يُطلق عليه بالدارجة المغربية أي -القنب الهندي- ينتمي إلى فصيلة البذور القنبية، وهو من جنس كاسيات البذور وهناك أنواع متعددة من هذه النبتة تنتشر في العالم، تتوزع أَساساً على نوعين قنب صناعي وهذا النوع مشروع ويدخل في الاستعمالات الصناعية والعلاجية والتجميلية، وقنب غير صناعي أي غير مشروع.
إن الباحث في التاريخ الرسمي لزراعة القنب الهندي بالمغرب لا يوجد أية دراسات أو بحوث رسمية.
يقول المؤرخ الفرنسي «أغوست مورليراس» أنه حين دخل الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب كانت النبتة موجودة بالفعل، بل حتى الدراسات التي أعدها الاستعماريين قبل دخولهم أشارت إلى أن مجموعة من القبائل المغربية موزعة بعموم المملكة تزرع النبتة
منذ مطلع دخول الألفية الثالثة.
سنة 1919 كانت أول محطة تشريعية رسمية تهم مسألة تقنين زراعة القنب الهندي، بحيث أصدرت السلطات الاستعمارية ظهير يقضي بأن زراعة الكيف لا يمكن أن تتم في المغرب إلا بإعلام السلطات بذلك، حيث يفرض الظهير على الفلاحين إبلاغ السلطات بالكمية التي يرغبون في زراعتها، في حين أن أي فلاح سيتعرض لعقوبات مالية في حالة زراعته للقنب بدون ترخيص، كما يقضي هذا الظهير بأن غلة تسل كلها إلى الحكومة، وفي حالة اكشف المراقبون نقصان الكمية المسلمة عن المزروعة فإن الأمر يعتبر مخالفة وبناء على ذلك سيتم تحديد عقوبة مالية في حق الفلاح .
سنة 1926 وبعد أن قلص ظهير 1919 هذه الزراعة، ستَنتشر مرة أخرى وهذه المرة بِمعظم أراضي المغرب خاصة مناطق الغرب والحوز والشمال.
سنة 1954 أُصدر الظهير الذي منع زراعة القنب الهندي وذلك سنتين قبل خروج المستعمر الفرنسي من المغرب، بينما استمر سكان منطقة الريف والشمال في التعاطي لهذه الزراعة، بسبب أن الأراضي وعرة التضاريس لا يمكنها احتمال أي زراعة أخرى غير القنب الهندي.
سنوات السبعينيات والثمانينيات، وفي هذه الفترة عرفت زراعة الكيف بالمغرب تطورا كبيراً بحيث تحول منتوج الكيف من الاستعمالات التقليدية التي كانت ترتكز على استهلاك هذه النبتة بالغيون (السبسي) بعد سحقها، إلى الاستعمالات العصرية التي تعتمد على تحويل القنب الهندي إلى حشيش، وهذه الطريقة أدخلها الأجانب إلى المغرب، ومن ثم غزى الحشيش جل مناطق المغرب، وأصبح يشكل تجارة ممنوعة مذرة للدخل تصدر إلى الخارج خاصة دول أوروبا، وأضحى المغرب بذلك أحد أكبر منتجي الحشيش في العالم، وقبل هذه الفترة كان المشرع المغربي قد أصدر الظهير الشريف المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات وبتغيير الظهير الشريف القاضي بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها والظهير المتعلق بمنع قنب الكيف حسبما وقع تتميمهما و تغييرهما، وقد شكل هذا التشريع وسيلة قانونية لمنع انتشار المخدرات واستعمالها فيما استمرت زراعة القنب لمعظم مناطق جبالة والريف كما أسلفنا.
ومع دخول الألفية الثالثة و تزايد معاناة مزارعي الكيف من ويلات ملاحقة المخزن لهم، بدأت النقاشات حول تقنين استعمالات القنب الهندي تعود مجدداً، وغي هذا الصدد أعلنت الحكومة وفق بيان لها عقب اجتماعها الأسبوعي الخميس (25 فبراير/ شباط 2021) عن عزم المغرب تقنين زراعة نبتة القنب الهندي، وقد جاءت هذه الخطوة في سياق التوصيات الجديدة التي قدّمتها منظمة الصحة بشأن إعادة تصنيف النبتة، وذلك بالشكل الذي يتلاءم مع المستجدات العالمية التي أَظهرت أنها تتوفّر على مزَايا طبية وعلاجية.
مما سبق نستنتج ما يلي:
- أن فترة تقنين زراعة القنب الهندي في مجمل تاريخ زراعة هذه النبتة بالمغرب لم تتجاوز 37 سنة باحتساب سنوات ما بين ظهير 1919 الذي أصدرته السلطات الاستعمارية إلى غاية سنة 1954 تاريخ. إصدار الظهير المانع لكل شكل من أشكال زراعة هذه النبتة او استعمالها.
- أن إرادة الحكومة المغربية في القطع مع هذا النوع من الزراعة لأسباب أو لأخرى كانت غائبة.
- استمرار تعاطي سكان المناطق الشمالية إلى الزراعة هذه الزراعة وفي المقابل استمرار منعهم تطبيقاً لظهير 1974.
- أن قضية تقنين استعمالات القنب الهندي تحظى براهنية وأهمية سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
وعليه فما هي تداعيات تقنين استعمالات القنب الهندي بالمغرب ؟.
ثانياً: تداعيات تقنين استعمالات القنب الهندي بالمغرب:
إن المدخل الأساسي لمناقشة موضوع تداعيات تقنين استعمالات القنب الهندي هو مشروع القانون الذي أعدّه البرلمان ويُعرض حالياً على أنظار الحكومة قصد مناقشته والتصويت عليه، ومن ثم المصادقة عليه، لكن التزاماً منّا بالمنهج السليم في التحليل والدراسة لابد أن نشير ابتداءً إلى أنّ الأمر يتعلق بمجرد مشروع قانون لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وعليه فإن قراءتنا له ستَنطلق من التوجّه العام الذي يصبو إليه هذا المشروع، بشكل مُوجز نُطعّمه ببعض الفرضيات حتى لا نتسرع في الحكم على قوانين لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، ثم من جهة أخرى فإن النّقاش العمومي الكبير الذي يحظى به الموضوع يبرر بشكل أو بآخر ما سنقوم به من تحليل ومناقشة.
إن مشروع القانون قيد المناقشة يهم أساسًا فئة معينة من المغاربة وهم بدون شك مزارعي الكيف وزيادة في الإيضاح فهم فقط سكان مناطق جبالة والريف، أخذاً بعين الاعتبار كون هذه المناطق هي الوحيدة التي تتعاطى لهذا النوع من الزراعة في المغرب، وبالتالي فإن كل تداعيات هذا القانون - إن تمت المصادقة عليه -، وعلى الأرجح سيتم ذلك نظراً للنقاش المُثار حوله والذي يتّسم بالجدية والرسمية، ستمس آهالي المناطق الجبلية والريفية سكان الشمال من مزارعي الكيف بالأساس.
وبالرجوع إلى مقتضيات مشروع القانون وإذا ما افترضنا المصادقة على مضامينه أو على الأقل أغلبها سَنجد أن لها تداعيات اقتصادية خطيرة على مزارعي الكيف، فمن جهة فإن إِخضاع الأنشطة المُتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستراد الكيف ومنتجاته إلى نظام التّرخيص كما جاء في المشروع من شأنه أن يُضيّق على المزارعين، فنظام الرخصة كما يُستعمل في باقي المجالات الأخرى الهدف منه ضبط وحصر أعمال وتصرفات أشخاص معينين في قطاع معين، ومن البديهي أن الرخصة لن تُمنح لكل مزارعي الكيف الموجودين بالمنطقة وعلى هذا الأساس سيُشكل نظام الرخصة حيفًا على أشخاص دون آخرين.
كما أن حصر مجالات وأقاليم زراعة القنب الهندي مقتضى له تداعيات اقتصادية وخيمة على المناطق التي لن تُمنح هذه الصلاحية، فـمشروع القانُون في مادته الرابعة يُحيل تحديد الأقاليم التي سيحق للمواطنين ممارسة الأنشطة المتعلقة بزراعة الكيف فيها على صدور مرسوم، وعلى غرار نظام الرخصة وإذا ما افترضنا إقصاء بعض الأقاليم والحال أنه على الأرجح لن يتم تحديد كل المناطقة التي تتعاطى حالياً لهذه الزراعة، فسيبقى مزارعيها -المناطق غير المحددة- في خبر كان، وهنا يجب على الحكومة أن تفكر بشكل جدي في إيجاد بدائل زراعية وإدخال مشاريع تنموية تعوّض بها إقصاء هذه الشريحة من المزارعين، لتكون توجهاتها منسجمة مع ما جاءت به مذكرة تقديم المشروع، حيث أشارت إلى أن هذه الخطوة من شأنها تحسين دخل المزارعين.
زد على ذلك أن الزراعة ستُرهن بالكمية المطلُوبة لتلبية أنشطة إنتاج مواد أغراض طبية وصيدلية وصناعية.
من المقتضيات الأخرى التي نرى أنّها ستعيق هذه الزراعة حتى بالنسبة لمن سيُرخص لهم داخل أقاليمهم، ما يتعلق بضرورة ممارسة الأنشطة المرتبطة بزراعة وإنتاج القنب الهندي عن طريق تعاونيات تؤسس لهذا الغرض، معظم سكان المناطق الجبلية المعروفة بزراعة الكيف من ذوو الدخل الضعيف و المحدود وجلّ تجاربهم مع التعاونيات تبوء بالفشل بسبب ضعف التكوين في المجال وكذا تعقد المساطر وطرق الحصول على الدعم لتنمية أنشطة التعاونيات، وبالتالي فإلزام المواطنين بالتعاطي لهذه الزراعة من داخل تعاونيات أمر نرى أنه سيُعيق كذلك هذه الخطوة بما تحمله من ضيق أصلاً.
فضلاً عن كل ما سبق يلزم مشروع القانون التعاونيات بإبرام عقود بيع مع الشركات المتخصصة في تحويل وتصنيع النبتة، وهذه المسألة هي الأخرى ستَحُد من الحرية الاقتصادية للتعاونيات وكذا من التنافسية المرجوة في المجال.
كما أن منح الرخص من طرف الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي المزمع إنشاؤها بمقتضى هذا القانون، لم يؤطر بشكل كاف بحيث تُرك لهذه المؤسسة صلاحية واسعة تمكنها من منح الرخص أو رفض منحها، الأمر الذي قد يُؤدي إلى تعسفها في استعمال هذا الحق خاصة وأنها تفتقد لآليات رقابية على هذا الاختصاص.
انطلاقاً مما سبق واستحضاراً لكل المعطيات الواقعية والاقتصادية في البلاد يتّضع أن مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي سيخدُم بالأساس مصالح شركات التحويل والتصنيع وفي المقابل ونظراً لما يحمله المشروع من حيف وتضييق سيغلُب الأمر على آهالي المناطق الجبلية مزارعي الكيف وخاصة ذوو وسائل الإنتاج الضعيفة.
عموماً لا يسعنا إلاّ ننوّه بهذه الخطوة المرتقبة المهمة التي ستُقدم عليها الحكومة المغربية بشأن تقنين استعمالات القنب الهندي وإذا نثمن ذلك، فإننا ندعو إلى الأخذ بعين الاعتبار أوضاع مزارعي الكيف بالمناطق الجبلية التي بلغت فيها الأزمة الاقتصادية أشدّها في الآونة الأخيرة من ضيق وضعف، والحرس على ضمان تطبيق هذا القانون بما سيُحقق التنمية المنشودة لسكان هذه المناطق، والبحث عن بدائل ناجعة للأقاليم التي سيمنع فيها مزاولة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج القنب الهندي، كل ذلك تحقيقاً العدالة الاجتماعية والمجالية محور الخطابات الملكية السامية و النموذج التنموي الجديد.
مدون مغربي خريج ماستر المهن القانونية والقضائية.