MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية

     

حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية
عادل الغافري
منتدب قضائي من الدرجة الثانية



حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية

باحث في ماستر السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية
مقدمة:
إن الإنسان قد عرف المنازعات مند بدء الخليقة, يوم حدث أول نزاع بين ولد ادم لهذا فقد انصبت الجهود و عبر التاريخ على البحث على أفضل السبل الكفيلة لحل المنازعات سلميا و التقليل من أثارها,بعد أن أصبح من المستحيل منع حصولها لأن الله سبحانه و تعالى قد قدرها حيث لا راد لإرادته اذ يقول في كتاب الله "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كان فيه أو قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين " و على الرغم من أن النزعة العدوانية و التوسعية كانت هي السمة المميزة للشعوب القديمة, اذ نجد محاولة كل شعب إخضاع الأمر لسلطانه,إلا أن ذلك لا ينفي أبدا أن تلك الشعوب كانت تحاول تنظيم سير علاقتها من خلال بعض القواعد القانونية البسيطة .
فقد ظلت فكرة حماية العالم من ويلات الحروب عالقة لدى جميع الشعوب منذ العصور القديمة. والوسائل السلمية للنزاعات الدولية لم تكن بمعزل عن التطور الكبير و التقدم الملحوظ الذي شهده القانون الدولي, الذي أولها اهتماما كبيرا لأهميتها في التقليل من شأن الحرب كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية و ما تجره على البشرية من دمار و خراب و استنزاف للموارد و ازهاقا للأرواح , و ربما تحميل أجيال لم تولد بعد سداد فاتورتها الباهضة و الإسلام بوصفه دين السلام و التسامح و العقلانية نجده قد قدم النموذج الأمثل لتسوية النزاعات الدولية قبل أربعة عشر قرنا سابقا في كل ذلك كل المواثيق الدولية .
و عرفت محكمة العدل الدولية الدائمة النزاع الدولي بأنه "خلاف حول نقضه قانونية أو واقعية أو تناقض أو تعارض للأطروحات القانونية أو الواقعية أو المنافع بين دولتين. تعد الوسائل الدبلوماسية أو السياسية من أقدم السبل التي التجأت إليها الدول لحل منازعاتها وتدبير أزماتها، وقد عرفت هذه الوسائل تطورا ملحوظا سواء على مستوى آلياتها وتقنياتها أو من حيث فعاليتها ونجاعتها، وتشهد الممارسة الدولية على نجاعة هذه الوسائل، بعدما تمكنت من احتواء العديد من المشكلات الدولية. وتنقسم الوسائل الدولية لتسوية المنازعات إلى نوعين أولهما سلمي وثانيهما زجري، ويبدو أن اعتماد المشرع الدولي لعديد كبير من هذه مرده إلى الوعي باختلاف وتباين المنازعات والأزمات الدولية من حيث طبيعتها وخلفياتها ومداها وخطورتها وتجلياتها.
فمبدأ حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية هو مبدأ من مبادئ منظمة الأمم المتحدة كمبدأ المساواة السيادية، وتنفيذ الالتزامات بحسن نية، وتحريم استخدام القوة أو التلويح بها في العلاقات الدولية، بمساعدة الأمم المتحدة فيما تتخذ من تدابير وتنظيم العلاقة مع الدول غير الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وأخيرا منع التدخل في السلطان الداخلي للدول .
وجدير بالذكر أن ربط الميثاق فيما بين التسوية السلمية وبين العدل الدولي يوحي بأن أي تسوية سلمية، لكي تكون مقبولة من وجهة نظر الميثاق فإنه يتعين أن تكون عادلة، ولقد أوضحت المادة 33 من الميثاق هذه الطرق من تفاوض، تحقيق وساطة توفيق وتحكيم وتسوية قضائية أو اللجوء إلى المنظمات الإقليمية أو القارية مع ترك الميثاق حرية الاختيار للدول في هذا المجال .
ومن نافلة القول أنه منذ انعقاد مؤتمري السلام لاهاي عامي 1899-1907 وانتشار ظاهرة التنظيم الدولي أن اكتسبت قضايا المحافظة على السلام والأمن والتسوية السلمية للمنازعات أهمية خاصة، إذ أصبحت من بين المقاصد الأولى لأية منظمة. كما توفرت القناعة لدى المهتمين بأمور التنظيم الدولي بأن وجود أي نظام قوي وفعالي يختص بوظيفة التسوية السلمية للمنازعات .
وكما أن جامعة الدول العربية من إحدى المنظمات الدولية الإقليمية التي أكدت في ميثاقها على عدم استخدام القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر وقد تقرر هذا التوجه أيضا في معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي والتي صادق عليها مجلس الجامعة في أبريل 1950.
وعلى خلاف الطرق السياسية السابق ذكرها، فإن الوسائل القضائية أو القانونية تتميز بإصدار قرارات ملزمة تتقيد الدول المعينة بتنفيذها واحترامها، وتصدر هذه القرارات إما عن هيئات التحكيم أو عن محاكم دولية، وقد أسهمت هذه الوسيلة في تسوية العديد من المنازعات الدولية المعقدة . تكمن أهمية الموضوع في دراسة الوسائل السلمية التي تغني المجتمع الدولي عن النزاعات الحربية و ما لها من أهمية كونها فكرة حضارية و متقدمة لتسوية النزاعات الى جانب ذلك التعرف على كيفية تطبيق المنظمات الدولية و الإقليمية لهذه الاليات. فما مدى فعالية الوسائل السلمية لحل النزاعات الدولية؟ وفيما تتمثل الوسائل السلمية لحل المنازعات.؟ وكيف ساهمت المنظمات الدولية والإقليمية في حل النزاعات الدولية؟ وما طبيعة القرارت التي تصدرها هيئات التحكيم ومحكمة العدل الدولية؟
وتبعا لذلك سنقسم الموضوع إلى مبحثين:
المبحث الأول: السبل الدولية لتسوية المنازعات
المبحث الثاني: السبل القانونية أو القضائية
المبحث الأول: السبل الدولية لتسوية المنازعات
المطلب الأول: الوسائل السياسية أو الدبلوماسية لتسوية المنازعات
الفرع الأول: المفاوضات والمساعي الحميدة
الفرع الثاني: الوساطة التحقيق والتوفيق
المطلب الثاني: عرض النزاع على المنظمات الدولية والإقليمية
الفرع الأول: الأمم المتحدة وحفظ السلم والأمن الدوليين
الفرع الثاني: المنظمات الإقليمية ودورها في التسوية
المبحث الثاني: حل النزعات الدولية عبر اللجوء الي القضاء
المطلب الأول :التحكيم الدولي وتطوره التاريخي
الفرع الأول:تعريف التحكيم وانواعه
الفرع الثاني:أسس التحكيم واجراءاته
المطلب الثاني:القضاء الدولي
الفرع الأول :نشاة القضاء الدولي
الفرع الثاني:القضاء الدولي في إطار الأمم المتحدة
الخاتمة
المبحث الأول: السبل الودية لتسوية المنازعات الدولية
تنقسم الوسائل الدولية لتسوية المنازعات إلى نوعين أولهما سلمي وثانيهما زجري، ويبدو أن اعتماد المشرع الدولي لعدد كبير من هذه السبل مرده إلى الوعي باختلاف وتباين المنازعات والأزمات الدولية من حيث طبيعتها وخلفياتها ومداها وخطورتها وتجلياتها.
المطلب الأول: الوسائل الدبلوماسية أو السياسية لتسوية المنازعات
إن الطرق الدبلوماسية أو السياسية هي التي تبدأ بعد حدوث المشاكل التي تحدث بين أشخاص القانون الدولي سواء كانت دول أو منظمات دولية أي بمعنى في حالة حدوث حروب أو غيرها يتم حلها بالطرق الدبلوماسية وديا سواء عن طريق المساعدة الحميدة أو الوساطة أو عن طريق المنظمات الإقليمية مقل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو المنظمات الأوربية أو الإفريقية أو جامعة الدول العربية وذلك لإنهاء النزاع بين الأطراف المتصارعة.
الفرع الأول: المفاوضات والمساعدة الحميدة
الفقرة الأولى: المفاوضات
إن الطريقة العادية لحق النزاعات والصراعات والأزمات وتعني تبادل الرأي بين الدول أو دولتين متنازعتين بقصد الوصول إلى تسوية النزاع القائم بينهما . وتجري المفاوضات من خلال الخبراء والمبعوثين الدبلوماسية للدول الأطراف في النزاع أو وزراء الخارجية التابعين للدول المعنية أو رؤساء حكوماتهم أو دولهم بحسب أهمية النزاع وخطورته، وضمانا لنجاعتها وفعاليتها هذا المبدأ بشروط وأن تتم المفاوضات بحسن نية وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة وأكدت عليه اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 واتفاقية فيينا لخلافة الدول المعاهدات لسنة 1978 في ديباجة كل منهما، وقد تجري بصفة مباشرة بين الدولتين المتنازعتين فقط كما وقع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي بصدد نزع السلاح بين مصر وإسرائيل التي انتهت بتوقيع اتفاقية (كامب دايفيد) سنة 1978 أو من خلال مؤتمر تجمع الدول المتنازعة باعتبارها راعية لهذه المفاوضات وخاصة عندما يتعلق الأمر بنزاعات ومشاكل تهدد السلم والأمن الدوليين .
الفقرة الثانية: المساعي الحميدة
يستعمل مصطلح المساعي الحميدة أو الودية للدلالة "سعي دولة لدى دولتين أخرتين متنازعتين لحثهما على المفاوضة أو استئنافها إذا قطعت دون أن تشترك معهما في بحثه أو تتدخل في تسوية. فيقتصر دور الطرف الثالث على خلق الشروط الملائمة الكفيلة بعقد مفاوضات مباشرة بين الأطراف وذلك لمساعدتهم على تحديد عناصر الخلاف، أو بإعداد وتوفير الشروط التقنية والمادية التي تسمح بجلوس الأطراف المعنية إلى مائدة التفاوض.
ونستحضر في هذا السياق المساعي الحميدة التي بذلها مبعوثو الأمناء العامين للأمم المتحدة إلى الصحراء منذ بداية التسعينات من القرن المنصرم من أجل التقريب بين وجهات نظر المغرب وجبهة البوليساريو وتوفير الأجواء لعقد مفاوضات بين الطرفين .
الفرع الثاني: التحقيق والتوفيق والوساطة
الفقرة الأولى: الوساطة
فالوساطة يقصد بها إشراك دولة وسيطة في المفاوضات التي تدور بين دولتين متنازعتين وقد تساهم في وضع الأساس الذي يقوم عليه حل النزاع. فالوساطة هنا تتعلق بالتدخل في المفاوضات أو في نزاع من قبل طرف ثالث مقبول من الطرفين ولا يملك سلطة أو يملك سلطة محدودة في اتخاذ القرار ويعمل على مساعدة الأطراف المعنية على الوصول طوعا إلى تسوية مقبولة من الطرفين المتنازعين. وكذلك فهي تقنية تعمل على نطاق واسع لتدبير الأزمات وتسوية المنازعات في مختلف الحالات الشخصية والمؤسسية والتجارية والقانونية والاقتصادية . وقد تكون الوساطة مجموعة من الدول أو الأفراد أو هيئة من هيئات المنظمات الدولية، ومهمة الدولة الوسيطة هي التوفيق بين المطالب متضاربة الأطراف في النزاع والتخفيف من حدة الجفاء بينهما، وإن الدولة الوسيطة لا تقوم بصفة إلزامية من قبل الدولة المتنازعة ومن أمثلة ذلك الوساطة الدور الناجح لرئيس حكومة روسيا عام 1989 لحل النزاعات حول كشمير بين الهند وباكستان، وكذلك الوساطة التي قامت بين الجزائر بين العراق وإيران عام 1975م.
وأخيرا فإن النتيجة التي تنتهي إليها الوساطة تكون مجردة من القوة الملزمة ويفرض على أطراف النزاع احترامها من الناحية القانونية ولكن قد يكون الالتجاء إلى الوساطة إجباريا إذا كان يوجد اتفاق دولي ومن أمثلة ذلك نص المادة (8) من معاهدة باريس 30/03/1956 وأيضا المادة 20 في تصريح برلين عام 1885 الخاص بالاستيلاء على الأقاليم الإفريقية التي تقع على حوض الكونغو .
الفقرة الثانية: التحقيق
يقصد بهذه التقنية: البحث والتعمق في أحداق ووقائع تعتبر مسؤولة عن اندلاع النزاع وذلك بغية التأكد من طبيعتها وظروفها وملابستها، وغالبا ما تناط هذه المهمة بلجان مختصة لها خبرات في هذا الشأن، ويعد هذا الإجراء اختياريا فلجان التحقيق تتشكل بمقتضى اتفاق خاص بين أطراف النزاع تحدد بموجبه المهمة المنوطة باللجان ، والصلاحيات المخولة لها ومكان اجتماعها وطريقة عملها، كما أن تقرير هذه الأخيرة الناتج عن التحقيق لا يحمل أية صفة إلزامية، ومع ذلك ينطوي على قيمة رمزية كبرى، وبخاصة إذا ما تعزز بالمفاوضات أو القضاء أو التحكيم الدولي. ولكن يضمن هذا الإجراء فعالية يجب أن تشرع فيه مباشرة، بعد ظهور الوقائع المؤدية للنزاع حيث تكون هذه الوقائع بارزة.
ومعلوم أن اللجنة تجري مشاوراتها ضمن جلسات علنية فيما تكون مداولاتها سرية وتتخذ قراراتها بالأغلبية التي يفترض أن يتضمن توقيع جميع الأعضاء . ومن بين اللجان التي أحدثت لجنة التحقيق التي عينها مجلس عصبة الأمم سنة 1920 وكلها بدراسة قضية جزر "إيلاند" بين السويد وفلندا والتعرف إلى رغبات سكانها وهناك لجنة الأمم المتحدة للرقابة والتحقيق والتفتيش (1991 إلى 1998) حول أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق ولجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري 14 قرار 2008 بموجب قرار مجلس رقم 1595/2005.
الفقرة الثالثة: التوفيق
هو إجراء تقوم به لجنة يعينها أطراف النزاع أو إحدى المنظمات الدولية لدراسة أسباب النزاع ورفع تقرير يقترح تسوية معينة للنزاع. ولقد تناول ميثاق التحكيم العام الذي وصفته عصبة الأمم 26 ديسمبر 1928 والمعروف باسم ميثاق جنيف العام موضوع التوفيق، فأفرد له الفصل الأول منه وجمع فيه الأحكام والإجراءات المتصلة بهذا الطريق في ظروف التسوية الودية. وقد تقرر أن تلجأ الدول الموقعة على الميثاق إلى إجراءات التوفيق في أي خلاف يقوم بينهما ولا يصل إلى تسوية بالطرق الدبلوماسية أي كانت طبيعة هذا الخلاف كما يمكن اعتبار التوفيق تسوية النزاع عن طريق لجنة تتولى بحث النزاع، والأسباب التي أدت إليه واقتراح الحلول المناسبة لحله، والفرق بين لجان التحقيق ولجان التوفيق، أن الأولى تقترح الحلول أما الثانية فإنها تقترح التسوية والاقتراحات التي قدمتها لجان التوفيق ليس لها صفة الإلزام إنما مجرد اقتراحات استشارية من حق أطراف النزاع قبولها أو عدم قبولها .
ويعتبر التوفيق إجراء حديث نسبيا من إجراءات التسوية السلمية للنزاعات الدولية وعادة ما تتولاه لجنة يطغى على تشكيلها العنصر الحيادي كأن تشكل لجنة من خمسة أعضاء يعين كل طرف منهم عضوا ويعين الثلاثون الباقون باتفاق من رعايا دول أخرى، ويمكن أن تتميز اللجنة بطابع الديمومة، بحيث تنشأ بمقتضى اتفاقية دولية ويحق لأي من الطرفين للجوء إليها، كما يمكن أن تنشأ بعد نشوب النزاع، وتتميز بالتالي بالتوفيق بحيث ينتهي وجودها بانتهاء مهمتها .
المطلب الثاني: عرض النزاع على المنظمات الدولية والإقليمية .
قد عرف التنظيم الدولي تطورا كبيرا مند تأسيس عصبة الأمم في بداية القرن 20 1919 حيث تزايد عدد المنظمات الدولية بمختلف انواعها وتخصصاتها ومنظمات حكومية عامة ومتخصصة دولية إقليمية الأمر الذي أسهم بشكل ملحوض في دعم وتعزيز السلم والأمن الدوليين
الفرع الأول: الأمم المتحدة وحفظ السلم والأمن الدوليين
من ضمن الأهداف الأساسية للأمم المتحدة العمل على تحقيق الأمن الدولي والسلم لذا فإن المنظمة العالمية تقوم بمهمة ثلاث هما منع نشوب النزاعات الدولية، فإذا أخفقت بأنها تحاول حلها فإن لم تتمكن فإنها تتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف الالتجاء إلى استخدام القوة وينظم وسائل في المنازعات الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. وكذلك أعطى الميثاق الجمعية العامة الحق في مناقشة أي مسألة تكون لها بحفظ السلم والأمن الدولي يرفقها إليها أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو أي دولة ليست عضو في المنظمة وذلك وفقا للمادة 14 من الميثاق .
الفقرة الأولى: مجلس الأمن
للمجلس الحق في أن يدعو الأطراف المتنازعة إلى تسوية ما بينهم من خلال بطريق المفاوضات والوساطة أو الالتجاء إلى الوكالات والمنظمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم. فإذا اختلفت الدول التي يقوم بينها النزاع في حله بالوسائل السابقة فيجب أن يحال إلى مجلس الأمن، حيث يتقدم بتوصياته لحل النزاع سلميا. ولا يعني أن الأمر يتوقف على أطراف النزاع ذاتهم لانعقاد اختصاص المجلس في حل الخلاف القائم سلميا فمن ناحية لا يفحص أي نزاع أو أي موقف يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للحظر حفظ السلم والأمن الدولي . ومن ناحية أخرى فإن لكل عضو من الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن والجمعية العامة إلى أن نزاع أو موقف من النوع المشار في المادة 345.
وأخيرا فإن الأمين العام للأمم المتحدة أن ينبع مجلس الأمن إلى أية مساعدة يرى أنها قد تعود حفظ السلم والأمن الدولي. وتختلف السلطة التي يتمتع مجلس الأمن فإذا كان الأمر يتعلق بمجرد تهديد السلام فإن مجلس الأمن لا يملك إلا إصدار توصيات يدعو فيها أطراف النزاع لحل خلافاتهم بالطريقة أو الطرق التي يرونها مناسبة أو يقترح عليها الحل المناسب (م 33-38) من الميثاق.
أ-إجراء تحقيقات وهذا الإجراء يستند إلى ممارسة المادة 29 من الميثاق التي تنص على أن المجلس الأمن أن ينشئ من الفروع الثانوية كلما رأى أن ذلك يشكل ضرورة لأداء وظائفه.
ب-التوصية بوسائل النزاع وهذا اختصاص يتأسس على المادة (36) من الميثاق والمجلس أن يقتصر على دعوة الأطراف المتصارعة لحل خلافاتهم بالطرق المناسبة.
ج-اقتراح مبادئ أو اسس لحل النزاع حتى يقوم المجلس بدور الوسيط وفقا لنص المادة (37) ويشترط لتدخل مجلس الأمن أن يطلب من ذلك الأطراف المتنازعة إلى تنفيذ قرارات أحكام الميثاق .
الفقرة الثانية: الجمعية العامة للأمم المتحدة
أقر ميثاق الأمم المتحدة للجمعية العامة الحق في مناقشة أية مسألة تكون لها صلة تحفظ الأمن والسلم الدولي يرفعها إليها عضو من أعضاء الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو دولة ليس من أعضائها كما أقر لها أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية أي موقف تسوية سلمية مادة 14 من الميثاق .
ونصت المادة 18 على كيفية التصويت على تلك القرارات فنصت على أن تصدر الجمعية العامة توصياتها في المنازعات الأخرى بالأغلبية العادية ولابد من الإشارة بأن توصيات الجمعية العامة في المنازعات ليست لها أي صفة إلزامية ولا يوجد في الميثاق ما يفرض على الدول الأعضاء في الهيئة الدولية احترام تلك التوصيات لأنها تعبر عن أحكام الميثاق وقواعد القانون الدولي التي التزمت بها عند انضمامها للمنظمة الدولية وتؤدي الجمعية العامة دورا رئيسيا في نطاق تسوية المنازعات الدولية بالنظر إلى عجز المجلس بين المواقف المتعارضة للدولة الدائمة العضوية وهناك ملاحظة هامة. إن دول العالم الثالث تفضل الالتجاء إلى الجمعية العامة بالنظر إلى الاستخدام المتكرر لحق الفيتو في مجلس الأمن من جانب الدول الكبرى لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وبعد الصراع في الشرق الأوسط والنماذج الدالة على الشكل الذي أصاب مجلس الأمن
الفرع الثاني: المنظمات الإقليمية ودورها في التسوية
الفقرة الأولى: المنظمات الأوربية
توجد لدى هذه الجماعات محكمة عدل تباشر وظيفة قضائية ذات صفة دولية حيث تختص بالفصل في المنازعات بين الدول الأعضاء هذا إلى جانب الدور الفعال الذي يلعبه المجلس الوزاري واللجنة المختصة في هذا المجال. أما بخصوص مجلس أوربا وذلك بموجب الاتفاقية التي تم إبرامها عام 1957، فإن للمنازعات القانونية يجب دفعها أمام محكمة العدل الدولية هذا بالإضافة إلى وجود طرق خاصة تتعلق بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوربية لحصانات الدول .
الفقرة الثانية: منظمة الدول الأمريكية
تأسست في بوغوتا سنة 30ابريل 1948 ويقع مقرها الرئيسى في واشنطن بالنسبة إلى هذه المنظمة فاستنادا إلى نصوص المواد (20-22-23) من ميثاق منظمة الدول الأمريكية تم تأسيس مجموعة من الإجراءات المتعلقة بحل المنازعات بين دول الأعضاء -قبل عام 1967، كانت توجد ثلاث طرق لحل المنازعات وهي معاهدة المساعدة المتبادلة وفقا لمعاهدة ريو لعام 1947 والمعاهدة الأمريكية للحل السلمي للمنازعات وفقا لاتفاقية بوجوتا لعام 1948م.
الفقرة الثالثة: الاتحاد الإفريقي
يلتزم أعضاء الاتحاد الإفريقي وفقا للميثاق بالنسبة للتسوية السليمة للمنازعات عن طريق التفاوض أو الوساطة ولذلك تعهدت الدول الأعضاء تحقيقا لهذا المبدأ بتأليف لجنة للوساطة والتوفيق وهو ما تم فعلا بإبرام بروتوكول القاهرة عام 1964 والتي تم بمقتضاه تشكيل اللجنة المذكورة عام 1965م ومن خلال متابعة ميثاق الاتحاد الإفريقي في حل النزاعات التي تحدث بين الدول الإفريقية تم حل النزاع بين الجزائر والمغرب عام 1963 ولكنه أخفق في بعض الحلول حيث لم يتوصل إلى اتفاق بين إثيوبيا والصومال بشأن إقليم "أو جادن" .
الفقرة الرابعة: جامعة الدول العربية
لتحقيق المادة (5) التي تقضي بأنه لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولة أو أكثر من دول الجامعة فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها ولجأت الأطراف المتنازعة إلى مجلس الجامعة لفرض هذا الخلاف كان قراره عندئذ نافذا وملزما. وفي هذه الحالة لا يكون للدول التي وقع فيها الخلاف حق الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى من وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة وبين أي دولة أخرى من دولها أو غيرها التوفيق بينهما وتصدر قرارات التحكيم والقرارات بالتوسيط بأغلبية الآراء ومن خلال النص إن دور مجلس الجامعة يقتصر على القيام بالتوسط وأنه لا يوجد إلزام للدول بعرضها قرارها على مجلس وأن هناك قيدا على اختصاص المجلس وهو عدم بحث أي نزاع يتعلق باستقلال وسيادة الدول الأعضاء أو سلامة أراضيها، .
المبحث الثاني: حل النزاعات الدولية باللجوء إلى القضاء
إن حل المنازعات الدولية في الوقت الحاضر يعتمد أساسا على تطبيق قواعد القانون الدولي المنبثقة من التشريعات الدولية و الأعراف و المعاهدات الدولية، وذلك في إطار قانوني معين كأن يكون أمام محكمة العدل الدولية أو محكمة تحكيم دولية . غير أن اللجوء إلى هذه الوسائل يتوقف أساسا على إرادة الدول، ومن ثم يستوجب أن تنال هذه الأجهزة ثقة الدول سواء كانت كبيرة أم صغيرة، وهذه الثقة يجب أن تكون في الأدوات المستخدمة أكثر منه في الإطار القانوني . والوسائل القضائية لتسوية المنازعات القانونية هي التحكيم الدولي واللجوء إلى القضاء الدولي .
المطلب الأول: التحكيم الدولي وتطوره التاريخي
على الرغم من أن فكرة اللجوء إلى التحكيم لحل نزاع معين قد عرفت عند الشعوب القديمة، وأن الشرائع السماوية هي الأخرى قد حثت على اللجوء إليه ، فالقرآن الكريم مثلاً أورد العديد من الآيات في هذا الجانب ومنها قوله تعالى :"فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"، وعلى الرغم من كل هذا ، إلا أن الكثير من الفقهاء يرى ان المعاهدة التي أبرمت عام 1794م بين الولايات المتحدة وإنكلترا والتي تقرر بموجبها إنشاء لجنة للفصل في المنازعات التي تحصل بينهما تعد أول تنظيم قانوني حديث لفض المنازعات الدولية عن طريق التحكيم . تستطيع محاكم التحكيم أن تنظر في جميع النزاعات الدولية بغض النظر عن طبيعتها، فيجوز لها أن تبت في النزاعات السياسية أو القانونية أو العسكرية وغيرها من النزاعات طالما منحها اتفاق التحكيم هذه السلطة.
الفرع الأول: تعريف التحكيم وأنواعه:
عرفت المادة ّ 37 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 والخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، التحكيم بأنه: طريقة لفض المنازعات بين الدول بواسطة قضاة من اختيارها على أساس احترام الحق والقانون. ويتضح من هذا النص أن التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية لا يختلف عن القضاء بالمعني الدقيق، فكلاهما طريقة قانونية لتسوية المنازعات الدولية وكلاهما يستند الي القانون في تسوية المنازعات الدولية، و أيضاً يستلزم أتفاق الأ طراف المتنازعة علي عرض منازعاتهم علي التحكيم أو القضاء الدولي، والفرق الوحيد بين التحكيم والقضاء في القانون الدولي هو في الواقع فرق شكلي مرده أن التحكيم طريق قضائي يعتمد في وجوده وفي تشكيل الهيئة التحكمية التي تفصل في النزاع علي إ رادة الأطراف المتنازعة ، وهما الذين يختارون المحكمين الذين يفصلون في النزاع وذلك بمقتضي أتفاق خاص لتسوية نزاع معين دون سواه، بينما طريق القضاء الدولي فهو وأن اعتمد علي إ رادة الدول الأطراف في النزاع من حيث ولاية القاضي، إلا أن تشكيل المحكمة والإجراءات التي تقتضيها ، يتولي القانون الدولي العام تحديدها. وقد أولت الأمم المتحدة اهتماماً خاصا بالتحكيم، إذ قامت الجمعية العامة عام 1949 بإعادة دراسة الوثيقة التي سبق وأن وضعتها عصبة الأمم. وقد تم تكليف لجنة القانون الدولي لوضع مشروع اتفاقية التحكيم وتم إكمال المشروع عام 1955، غير أن الجمعية العامة تراجعت عن الفكرة ورفضت إصدار الاتفاقية. والمعروف أن الدول تلجأ إلى التحكيم بمحض إرادتها ، فهو وسيلة اختيارية قوامها الإرادة الحرة ، فكل طرف من أطراف النزاع يتمسك بحقوقه وفقاً لما يقدمه من أدلة ووثائق. وقد ظل التحكيم يلعب دورا ً هاما في تسوية النزاعات الدولية سواء كانت النزاعات بين الدول أو بينها وبين أشخاص القانون الدولي الأخرى أو بين هذه الأخيرة وبين فرد عادى ، ويعرض أي نزاع علي محاكم التحكيم الدولي متى ما ارتضي أطرافه، ويتميز التحكيم الدولي حالياً بأنه تحكيم خاص .
الفرع الثاني: التطور التاريخي للتحكيم
يعد التحكيم الدولي من الوسائل القضائية القديمة التي استعملت في العلاقات الدولية لحل المنازعات سلمياً ، وقد أستخدم التحكيم منذ القديم بصور مختلفة. فقد كانت الأطراف المتنازعة تلجأ إلي شخصية سياسية أو دينية أو قضائية وتعهد إليه نزاعاتها وتقبل بما يقرره . وأصبح مفهوم التحكيم يعني قيام طرف ثالث )محكم( لحل نزاع معين بناءاً علي طلب من قبل الأطراف المتنازعة، ويكون قراره قطعياً وملزماُ للأطراف المتنازعة وهو ما يميزه عن جميع الوسائل الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية ..
أولا: مراحل تطور التحكيم الدولي:
لقد مر التحكيم في القانون الدولي العام بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: ا لتحكيم بواسطة رئيس دولة يطلق علي هذا النوع من أنواع التحكيم أحياناً التحكيم الملكي أو التحكيم بقاضي واحد ويكون ذلك عن طريق اختيار أطراف النزاع لأحد رؤساء الدول كقاضي وحيد للفصل في النزاع الذي ينشأ بينهما . وكان يقوم بهذه المهمة في العصور الوسطى إما البابا أو الإمبراطور وذلك حسب أهمية كل منهما . ولكن في القرن السادس عشر وبعد اضمحلال نفوذ البابا وزوال الإمبراطورية الجرمانية المقدسة وظهور الدول القومية أصبح الملوك والأمراء هم الذين يقومون بوظيفة القضاء في صورة محكمين .
المرحلة الثانية: التحكيم بواسطة لجان مختلطة نشأت هذه الطريقة في القرن الثامن عشر وكانت تأخذ شكلين : 1- اللجان المختلطة الدبلوماسية: وتتألف هذه اللجنة من عضوين يمثل كل منهما طرفا. يعود الفضل في نشأة هذا النوع من التحكيم إلى معاهدة Jay بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عام 1793 لتسوية الخلافات بينهما. ب - لجنة التحكيم المختلطة: وتتألف هذه اللجنة من ثلاثة أو خمسة أعضاء يمثل عضو أو عضوان كل طرف في النزاع ثم يضاف اليهم عضو ثالث أو خامس ليكون له القول الفصل
المرحلة الثالثة: التحكيم بواسطة محكمة يتولى هذا النوع من التحكيم أشخاص مستقلون يتمتعون بثقافة قانونية وعلى د راية بالعلاقات الدولية تمكنهم من الفصل في النزع حسب القانون. ومن أهم القضايا التي حسمت عن هذا الطريق قضية ALABAMA بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ، وكان ذلك أول نزاع خطير بين دولتين كبيرتين يتم حسمه عن طريق محكمة تحكيم. ثانيا : التحكيم في المواثيق الدولي وقد برزت خلال انعقاد مؤتمر لاهاي الأول فكرة إنشاء محكمة دائمة للتحكيم A.P.C : ، لا تمس بحرية الدول، من حيث أنه لا يفرض عليها بغير رضاها لتسهيل عملية اللجوء إلى التحكيم. وبناء على هذا التصور، سعت محكمة التحكيم الدائمة إلى إنشاء A.P.C بمقتضى اتفاقيتي لاهاي. فقد سبق وان نصت اتفاقية لاهاي لعام 1907 على التحكيم باعتباره وسيلة يتم اللجوء اليها لحل النزاعات الدولية .
و هنا سنتطرق إلى التحكيم في المواثيق الدولية :
أولا-التحكيم في ظل عصبة الأمم: اكتفت المادة 13من عهد عصبة الأمم بالنص على أنه: في حالة وقوع نزاع بين الدول الأعضاء ويكون غير قابل للحل الا عن طريق التحكيم أو القضاء، بعد إخفاق الوسائل الدبلوماسية في تسويته، فلها أن توافق على عرضه بكامله على التحكيم أو القضاء الدوليين . وقد طرحت عصبة الأمم من جديد مسألة إلزامية اللجوء إلى التحكيم والتأكيد على أهميته فوافقت جمعيتها العامة بتاريخ 02/10/1924 على بروتوكول جنيف، وأبرمت في هذا الإطار اتفاقات Locarno لعام 1925 وحاولت عصبة الأمم مرة أخرى، طرح مبدأ التحكيم الإلزامي، حيث أقرت جمعيتها العامة بتاريخ 26/09/1928. الميثاق العام للتحكيم .
ثانيا- التحكيم في ميثاق الأمم المتحدة:
تجدر الإشارة إلى أن ميثاق الأمم المتحدة نص على التحكيم في المادة 33. وتوجد مجموعة من الوثائق تحدد شروط ونظام التحكيم الدولي، على سبيل المثال: وثيقة تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية لعام 1928 التي أعادت دراستها الجمعية العامة لألمم المتحدة عام 1949 ومشروع قواعد محكمة التحكيم التي أقرتها لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة عام 1958.
ثالثا-التحكيم في ميثاق جامعة الدول العربية:
أشارت المادة الخامسة من ميثاق جامعة الدول العربية إلى التحكيم كوسيلة قضائية لحل المنازعات الدولية مع تأكيدها على التحكيم الاختياري وليس الإجباري، وهذا يعني أن المسألة تظل مرهونة برغبة وإرادة الأطراف المتنازعة، فلا يحق لمجلس الجامعة القيام بمهمة التحكيم بدون رضا الأطراف المعنية ،بغض النظر عن درجة وخطورة هذا النزاع وطبيعته .
رابعا- التحكيم في ميثاق منظمة الدول الأمريكية : لقد تضمن ميثاق بوغوتا
Bogota الإجراءات السلمية لحل النزاعات الدولية فيما بين منظمة الدول الأمريكية؛ حيث نص على وجوب حل النزاعات الدولية فيما بين دول المنظمة وفقا للإجراءات السلمية الواردة في هذا الميثاق، من بينها التحكيم؛ وهذه الإجراءات هي كالتالي: المفاوضة المباشرة، المساعي الحميدة، الوساطة، التحقيق، الإجراء القضائي، التحكيم.. إجراءات التحكيم : يتم التحكيم وفقا لإجراءات معينّة، وينتهي بصدور قرار بشأن النزاع.و تتم تسوية النزاع بين الدول من خلال رغبتها الطوعية، ويتم اختيار القضاة من قبل الدول الأطراف في النزاع، وعلى أساس احترام القانون الدولي، والالتزام بقبول الحكم باعتباره مُلْزِمًا للأطراف تتقيّد هيئة التحكيم بالمسائل التي يُطْلَبُ إليها الفصل فيها، وكذا ب القواعد التي يحددها الطرفان كي يفْصَلُ بمقتضاها في النزاع ، وان لم يتمّ تحديد هذه القواعد، طبقت هيئة التحكيم القواعد الثابتة والمتعارف عليها في القانون الدّولي. و يتضمّن التحكيم إجراءات كتابية وأخرى شفوية، وتشمل الإجراءات الكتابية تقديم المذكرات والمستندات إلى هيئة التحكيم، أما الإجراءات الشفوية فتتم في العلنية بقرار تصدره الهيئة بموافقة الخصوم، وبعد انتهاء المرافعة تجتمع الهيئة للمداولة في جلسة سرية، ثم تصدر قرار التحكيم الذي توصلت اليه. قرار التحكيم: ينتهي عمل محكمة التحكيم بإصدار حكم تتخذه بأغلبية أصوات أعضائها في مداولات سرية، ويكون له قوة الأحكام القضائية، ويُعْتَبَرُ مُلْزِماً لأطراف النزاع بشكل قاطع غير قابل للاستئناف، ما لم يرد نص في اتفاق التحكيم، يقضي بخلاف ذلك. فقرارات التحكيم تشبه من حيث الشكل قرا رات القضاء الداخلي، فهي تتضمن مثله حيثيات القرارات المعللة والمنطوقة، وتصدر بالأغلبية العادية من المحكمين، وتوقع من طرف كل منهم. ولا يجوز طلب إعادة النظر في قرار التحكيم إلاّ في حالة واحدة فقط، هي اكتشاف أو ظهور وقائع كان من شأنها لو كان يعلم بها المحكّمون قبل صدور الحكم أن تجعل الحكم يصدر بشكل آخر، ولكنه يشترط أن يُنصّ على ذلك في اتفاق الإحالة على التحكيم. وجدير بالملاحظة أن محكمة التحكيم تنتهي بانتهاء القضية التي شكلت من أجلها وهذا ما يميزها عن القضاء الدولي. اما محكمة القضاء الدولي فتظل قائمة وموجودة حتى بعد انتهاء القضية محل النزاع المعروض أمامها.
المطلب الثاني: القضاء الدولي كان المجتمع الدولي في أمس الحاجة إلى ضرورة إيجاد هيئة قضائية دولية خاصة بحل النزاعات الدولية خاصة بعد عجز نظام التحكيم الدولي وما تشكل عنه "محكمة التحكيم الدولي الدائمة". إن المبدأ الأساسي الذي يسود التسوية القضائية هو ذاته الذي يسود التسوية التحكيمية وهو أن التقاضي في الشئون الدولية منوط بإرادة الدول ، حيث موافقتها تعتبر شرطاً مسبقاً لتسوية المنازعات عن طريق القضاء الدولي. وقد أقرت هذا المبدأ محكمة العدل الدولية الدائمة، وكذلك محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في 28 مارس 1948 في قضية مضيق كورفوو، حيث جاء في الحكم "أن اتفاق الأطراف يمنح الولاية للمحكمة"، وعلي أثر الحربين العالميتين نشأ نوعين من المحاكم الدولية : هما محكمة العدل الدولية الدائمة عام 1920 الفرع الأول، ومحكمة العدل الدولية عام 1945 م الفرع الثاني.
الفرع الأول: نشأة القضاء الدولي:
أولا: القضاء الدولي
في ظل عصبة الأمم تعدّ المحكمة الدائمة للعدل الدولي الصورة الأولى للقضاء الدولي الدائم حيث ارتبط نشأته بقيام عصبة الأمم عام 1919م، عندما نصت المادة 14 من عهد عصبة الأمم على تكليف مجلسها بإعداد مشروع محكمة دائمة للعدل الدولي، وبالفعل دعا مجلس العصبة لجنة استشارية للمشرعين لإعداد مشروع نظام المحكمة، الذي تم عرضه على المجلس ثم على الجمعية العامة التي وافقت عليه بقرار في 3 ديسمبر من عام 1920م. وقد أصبح النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي سارياً في 16 ديسمبر 1920م، وذلك بعد التصديق عليه من أغلبية الدول الأعضاء في المنظمة. وقد أخذ المشتغلون بالقانون الدولي أفراداً وهيئات يعملون علي تهيئة الجو وتوجيه ا لراي العام الدولي نحو فكرة إنشاء محكمة قضائية دولية .
وأبرم بعد ذلك برتو كول خاص يتضمن النظام الأساسي للمحكمة، وقد بلغ عدد الدول التي وقعت إلي إحدى وخمسون دولة. ومن ثم ظهرت إلي الوجود محكمة العدل الدولية الدائمة، وقد أدت رسالتها في فترة صعبة الى ان قامت الحرب العالمية الثانية، وبعد أن صفيت أعمال عصبة الأمم تمت تصفية المحكمة ايضا التي أنشأت بموجب ميثاقها.
ان المحكمة الدائمة للعدل تعتبرا لهيئة القضائية لعصبة الأمم التي أوكلت لها مهمة الفصل في النزاعات الدولية والإقليمية التي تعرض عليها ، وقد ساهمت أحكامها في تخفيف أسباب التوتر نسبيا في العلاقات الدولية حيال الكثير من هذه النزاعات والاختلافات التي كانت تثور بين الدول من حين إلى آخر،وقد اعتمدت في تأسيس أحكامها على الاتفاقيات الدولية والأعراف الدولية والمبادئ العامة للقانون المعترف بها من قبل الأمم المتمدنة. تشكيل المحكمة: محكمة العدل الدولية الدائمة هيئة قضائية دائمة مكونة من خمسة عشر قاضيا ، وكان المجلس والجمعية يشتركان في اختيار القضاة وكان التصويت يجري في كل من الهيئتين بالأغلبية وعند الخلاف بينهما كانت تشكل لجنة خاصة مكونة من ثلاثة أعضاء من كل منهما يعهد إليها بحل الخلافات ، وحرصاً علي استقلالية المحكمة لم يترك نظامها للحكومات أمر ترشيح القضاة، بل عهد بذلك إلي محكمة التحكيم الدائمة. ويجري انتخاب قضاة المحكمة علي أساس مقدرتهم وكفاءتهم في القانون والقضاء. ولم يكن لأي من الدول حق تعيين أي قاضي في المحكمة. وفي كل الأحوال لا يمكن للمحكمة أن تضم عضوين من جنسية واحدة ولا يجوز عزل القضاة، كما لا يجوز للقضاة ممارسة أي وظيفة أخرى. ويتم انتخاب أعضاء المحكمة لمدة تسعة سنوات مع إعادة انتخابهم مرة أخرى، كما تنتخب المحكمة رئيسها ونائب الرئيس لمدة ثلاثة سنوات ولا يجوز إعادة انتخابهم.
اختصاص المحكمة وولايتها: تمارس محكمة العدل الدولية الدائمة وبمقتضى ميثاق عصبة الأمم المنشئ لها نوعين من الاختصاصات اختصاص قضائي، وآخر استشاري أو إفتائي.
الاختصاص القضائي: من المبادئ العامة أن ولاية محكمة العدل الدولية الدائمة ذات ولاية اختيارية، بمعنى أنه لا يمكن لها ان تتصدى لأي قضية إلا بموجب اتفاق يحدده الطرفان لهذه الغاية ، أي علي أساس شرط التحكيم ، الأمر الذي كان يثير أحياناً كثيرة مشكلات دقيقة في التوافق بين الاختصاصات الممنوحة بهذه الطريقة إلي المحكمة وبين أحكام الدساتير التي تحدد سلطات الدول.
الاختصاص الاستشاري: والي جانب الاختصاص القضائي يكون للمحكمة اختصاص اخر استشاري ، حيث أن عهد عصبة الأمم أشار إلي أنه يكون للمحكمة إلي جانب الاختصاص في نظر المنازعات التي تعرض عليها من الخصوم أن تقوم بتقديم الفتوى أو المشورة لمجلس العصبة متى ما طلب منها ذلك. و تتشابه محكمة العدل الدولية الدائمة مع محكمة العدل الدولية من حيث الإجراءات المتبعة أمامها وطبيعة أحكامها .
الفرع الثاني: القضاء الدولي في إطار الأمم المتحدة
أولا: إنشاء محكمة العدل الدولي
- La C.I.J أُنْشِئتْ هذه المحكمة في عام 1945 ، لتحل محل المحكمة الدائمة للعدل الدولي، التي كانت قائمة في نطاق عصبة الأمم ومقرها قصر السلام في لاهاي بهولندا. وقد بدأت المحكمة عملها عام 1946 عندما حلت محل المحكمة الدائمة للعدل الدولي التي كانت تشغل نفس المقر منذ عام 1922. وتعتبر محكمة العدل الدولية وفقا لما جاء في المادة92 الأداة الرئيسية للأمم المتحدة، ذلك أنها تقوم بحل الخلافات القانونية التي تنشأ بين الدول. ويُلاحظُ أن تنظيم هذا الجهاز ونشاطه محكوم بنظام أساسي ملحق بالميثاق، ويسمى "النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية " . ويعتبر كما نصت على ذلك المادة 92 جزءً لا يتجزأ من الميثاق . تتولى محكمة العدل الدولية الفصل في المنازعات الدولية الإقليمية وفقا للمادة 38 من نظامها الأساسي، كما أنها تقوم بوظيفـة أخرى وهي تقديـم الفتاوى في أية مسألة قانونية متنازع عليها بناء على أي طلب مقدم من هيئة مرخصة من ميثاق منظمة الأمم المتحدة طبقـا للمادة 65 من هذا النظام،وتعتبر أحكامها ملزمة ونهائيـة بشروط معينة وتفاوت بسيط ، بغض النظر عن رغبة أي من الطرفين المتنازعين ، حيث تنص المادة 94 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة على انه إذا امتنع أحد أطراف النزاع عن تنفيذ التزامه طبقا للحكم فإنه على الطرف الأخر اللجوء إلى مجلس الأمن .
ثانيا : تشكيل المحكمة واختصاصها:
تتُشكّل المحكمة عن طريق انتخاب القضاة، وتتمتع باختصاصين اثنين:
أ‌- تشكيل المحكمة تتألف المحكمة من خمسة عشر قاضيا يتم انتخابهم لمدة تسعة أعوام عن طريق مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ويجوز تجديد فترة انتخاب القاضي الذي انتهت مدة عضويته بالمحكمة لفترات أخرى من جانب مجلس الأمن والجمعية العامة، ويتم تجديد ثلث أعضاء المحكمة كل ثلاثة أعوام.
ب‌- اختصاصها: تتمتع محكمة العدل الدولية باختصاص قضائي، وآخر استشاري، تمارسهما لتحقيق حل النزاعات الدولية. ففي مجال اختصاصها الأول، تقوم المحكمة بموجب القانون الدولي بحسم النزاعات القانونية المقدمة من الدول الأعضاء، وتنظر في جميع النزاعات ذات الطابع القانوني القائمة بين دولتين أو أكثر. وفي هذا الصدد تنص الفقرة الأولى من المادة 34، من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية على: "للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى التي تُرْفَعُ للمحكمة". يفهم من هذا أن النظام الأساسي قد حجب حق اللجوء إلى محكمة العدل الدولية عن المنظمات الدولية، حتى ولو كانت متمتعة بالشخصية القانونية الدولية.
والدولة المعنية إما أن تكون عضوا في الأمم المتحدة، أو لم تكن عضوا فيها، ولكنها أصبحت طرفا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وكانت سويسرا أول دولة غير عضو في الأمم المتحدة، تطلب أن تصبح طرفا في النظام الأساسي للمحكمة المذكورة. أما إذا تعلق الأمر بدولة ليست عضوا في الأمم المتحدة، ولا قُبلَتْ طرفاً في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدوليّة، فإن لمجلس الأمن استنادًا إلى الفقرة الثانية من المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة: أن تحدد الشروط التي يجوز بمُوجَبِها لسائر الدول الأخرى أن تتقاضى أمام المحكمة، على أنه لا يجوز بأي حال وضع تلك الشروط بكيفية تُخِلُّ بالمساواة بين المتقاضين. الخاتمة يمكن القول بان مبدأ حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، هو أحد مبادئ القانون الدولي المقبولة عالميا حتى يومنا هذا، رغم محدودية تطبيقه، إذ لا يزال العنف واستعمال القوة هما السائدين في فض النزاعات الدولية.
ومن الممارسات الدولية حاليا، لحل النزاعات الداخلية عن طريق الوساطة والتفاوض بين الأنظمة الحاكمة والمعارضة، الجهود التي تبذلها منظمة الأمم المتحدة في كل من سوريا واليمن ، وكذا النزاع المتعلق بالصحراء المغربية لكنها لحد الساعة لم تحقق نتائج ايجابية. لأن تحقيق الأمن والسلام الدوليين، مرهون بمدى التزام المجتمع الدولي بالشرعية الدولية واحترامها.
المراجع:
- عبد الحميد سالم الموسم الطرق السلمية لحل النزاعات الدولية مذكرة مكملة لمتطلبات نيل شهادة الماستر في الحقوق الجامعي 2017 ـ 2018.
- طلعت جياد الحديدي، القانون الدولي العام والعولمة رسالة الماجستر 2001
- عبد الحميد القطيني محمد، الوسائل السلمية لحل النزاع الدولي رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون 2016.
- إدريس لكريني القانون الدولي مبادئ ومفاهيم أساسية، ، الطبعة الأولى 2017،.
- محمد عزمي الوجيز في العلاقات الدولية المعاصرة من دراسة تأصيلية مختصرة للقانون الدولي الإنساني، الطبعة الرابعة 2017. - يونس المهدي مكائيل الشريف. الطرق الدبلوماسية أو السياسية في تسوية النزاع وديا، العدد الثامن عشرة 05 مايو 2017 (المجلة الليبية العالمية)،
- علي صادق أبو هيف ، القانون الدولي العام، 1975م
- مصطفى سلامة حسن المادة 34 من ميثاق الأمم، ، العلاقات الدولية،
- احمد ابو الوفا ...الوسيط في القانون الدولي العام.الطبعة الرابعة دار النهضة العربية 2004.ص411
- عصام العطية القانون الدولي العام ،شركة العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ، ط 1 ، 2008 م .
- جعفر عبد السلام مبادئ القانون الدوالي العام الطبعة الخامسة 1996 .
- علي صادق أبو هيف القانون الدولي العام » منشأة المعارف الاسكندريه1975 .
- احمد ابو الوفا القانون الدولي والعلاقات الدولية ،دار النهضة العربية ط2006 ..
- محمود مختار احمد بريري - التحكيم التجاري الدولي ، دار النهضة العربية القاهرة 2004م .



الثلاثاء 12 نونبر 2019
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter