خلال كل هجوم عسكري على قطاع غزة تقريبًا، تؤكد إسرائيل أن غاراتها على المباني والأحياء السكنية دقيقة وضرورية بشكلٍ لا لبس فيه لتحقيق هدف العملية المتمثل في استهداف أعضاء الفصائل الفلسطينية المسلحة.
ويبدو هذا الادعاء صحيحًا بالنظر إلى تقنياتها بالغة التطور، إذ تدعي إسرائيل أنها تمتلك نظام الأسلحة الأكثر تقدمًا في العالم، إلا أن النسبة المرتفعة من المدنيين الذين يقتلون في مثل هذه الهجمات تثير تساؤلات حول الأهداف الفعلية لهذه العمليات العسكرية.
هدفت العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والتي بدأت في الصباح الباكر من يوم الثلاثاء، 9 مايو/ أيار 2023 إلى استهداف أعضاء وقادة حركة الجهاد الإسلامي. واعتبارًا من مساء يوم السبت الموافق 13 مايو/ أيار، قُتل 33 فلسطينيًا، بينهم ستة أطفال وثلاث نساء، نتيجة الغارات الجوية المستمرة.
بينما تبرر إسرائيل نسقها في قتل المدنيين باعتباره حتمية مؤسفة، مدعيةً أن أفراد الجماعات المسلحة يعيشون أو يختبئون في مبانٍ سكنيةٍ تضم عشرات الأفراد، فقد استهدفت -في كثير من الحالات- مبانٍ وأحياء أثبتت التحقيقات أنها لا تحتوي على مسلحين.
ولكن، حتى في حال كان المبنى المستهدف يضم أعضاءً في الجماعات المسلحة، فهل هناك ما يبرر قتل المدنيين من غير الأعضاء في التنظيمات المسلحة بموجب القانون الدولي؟
القانون الدولي الإنساني واضح بشأن استهداف المدنيين، إذ ينص على أن حماية المدنيين واجبة في جميع الحالات وتحت أي ظرف.
ويعتبر قتل المدنيين جريمة حرب في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بما يشمل القتل العمد في النزاعات المسلحة الدولية وجرائم القتل في النزاعات المسلحة غير الدولية. وقد يرقى قتل المدنيين كجزءٍ من هجوم واسع النطاق أو هجوم منهجي إلى جريمة ضد الإنسانية.
وعلى الرغم من أن الهجوم العسكري الذي يؤدي إلى مقتل مدنيين قد لا ينتهك القانون الدولي الإنساني إذا كان ضروريًا ومتناسبًا مع قيمة الهدف العسكري، إلا أن مثل هذه الحالات نادرة للغاية وتوجِب تنفيذ الهجوم لمنع خطر محدق بشرط ألّا يكون الضرر الذي يلحق بالمدنيين مفرطًا مقارنةً بالأفضلية العسكرية المتوقعة.
وفي جميع تلك الحالات، تبقى الدول ملزمة بالتحقيق في مزاعم القتل العمد للمدنيين التي تورطت فيها قواتها المسلحة أو رعاياها أو حدثت على أراضيها، ومن ثم محاكمة المسؤولين إذا توفرت الأدلة الكافية.
إذا ثبتت مسؤولية دولةٍ ما عن مثل هذه الانتهاكات، فيجب عليها تقديم تعويضات كاملة عن الضرر الناجم، بما يشمل تعويض الضحايا. إلا أن عملية المساءلة هذه لم تتم في الغالبية العظمى من الغارات الجوية التي نفذتها إسرائيل على غزة وألحقت أضرارًا بالمدنيين.
انتهكت إسرائيل العديد من مبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مبدأ الضرورة الذي يسمح باتخاذ إجراءات ضرورية لتحقيق هدف عسكري مشروع، شرط ألا تنتهك تلك الإجراءات القانون الدولي.
في حالة استهداف القائد العسكري للجهاد الإسلامي "طارق إبراهيم عز الدين" على سبيل المثال، استهدفت غارة جوية إسرائيلية شقة العائلة يوم الثلاثاء في حوالي الساعة الثانية صباحًا، بينما كان "عز الدين" وعائلته نائمين.
يشير ذلك إلى عدم وجود خطر محدق لتحييده وقت الاستهداف، حيث أن جميع أفراد العائلة المستهدفة، بمن فيهم عضو الفصيل المسلح، كانوا غير مسلحين ولا يخططون لأية هجمات.
وبتنفيذ هذا الهجوم، انتهكت إسرائيل المادة (3) من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (1949)، والتي تنص على ما يلي:
في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولذلك، في حالة "عز الدين" استُخدم مفهوم "الضرورة العسكرية" لتبرير استخدام العنف المفرط والمفاجئ.
وانتهكت إسرائيل مرارًا وتكرارًا مبدأ التمييز، الذي ينص على أنه يجب على أطراف النزاع التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين من أجل تجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية الضرر، وأنه لا يمكن مهاجمة السكان المدنيين ككل ولا المدنيين الأفراد.
كما انتهكت مبدأ أساسيًا آخر من مبادئ القانون الدولي الإنساني، وهو مبدأ التناسب، الذي ينص على أن أي هجوم عسكري يجب تنفيذه بناءً على التوازن بين الهدف من جهة والوسائل والأساليب المستخدمة وكذلك تبعات الهجوم من جهة أخرى.
يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف طوابق كاملة من المباني السكنية الواقعة في مناطق مكتظة بالسكان، على الرغم من علمه بأن هذه المباني تحوي عشرات المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، فقط للقضاء على عنصر واحد من فصيل مسلح.
ممارسات كهذه -بالتأكيد- لا تندرج ضمن مبادئ الضرورة أو التناسب أو التمييز في القانون الدولي الإنساني.
ويبدو هذا الادعاء صحيحًا بالنظر إلى تقنياتها بالغة التطور، إذ تدعي إسرائيل أنها تمتلك نظام الأسلحة الأكثر تقدمًا في العالم، إلا أن النسبة المرتفعة من المدنيين الذين يقتلون في مثل هذه الهجمات تثير تساؤلات حول الأهداف الفعلية لهذه العمليات العسكرية.
هدفت العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والتي بدأت في الصباح الباكر من يوم الثلاثاء، 9 مايو/ أيار 2023 إلى استهداف أعضاء وقادة حركة الجهاد الإسلامي. واعتبارًا من مساء يوم السبت الموافق 13 مايو/ أيار، قُتل 33 فلسطينيًا، بينهم ستة أطفال وثلاث نساء، نتيجة الغارات الجوية المستمرة.
يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف طوابق كاملة من المباني السكنية الواقعة في مناطق مكتظة بالسكان، على الرغم من علمه بأن هذه المباني تحوي عشرات المدنيين فقط للقضاء على عنصر واحد من فصيل مسلح
بينما تبرر إسرائيل نسقها في قتل المدنيين باعتباره حتمية مؤسفة، مدعيةً أن أفراد الجماعات المسلحة يعيشون أو يختبئون في مبانٍ سكنيةٍ تضم عشرات الأفراد، فقد استهدفت -في كثير من الحالات- مبانٍ وأحياء أثبتت التحقيقات أنها لا تحتوي على مسلحين.
ولكن، حتى في حال كان المبنى المستهدف يضم أعضاءً في الجماعات المسلحة، فهل هناك ما يبرر قتل المدنيين من غير الأعضاء في التنظيمات المسلحة بموجب القانون الدولي؟
القانون الدولي الإنساني واضح بشأن استهداف المدنيين، إذ ينص على أن حماية المدنيين واجبة في جميع الحالات وتحت أي ظرف.
ويعتبر قتل المدنيين جريمة حرب في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بما يشمل القتل العمد في النزاعات المسلحة الدولية وجرائم القتل في النزاعات المسلحة غير الدولية. وقد يرقى قتل المدنيين كجزءٍ من هجوم واسع النطاق أو هجوم منهجي إلى جريمة ضد الإنسانية.
وعلى الرغم من أن الهجوم العسكري الذي يؤدي إلى مقتل مدنيين قد لا ينتهك القانون الدولي الإنساني إذا كان ضروريًا ومتناسبًا مع قيمة الهدف العسكري، إلا أن مثل هذه الحالات نادرة للغاية وتوجِب تنفيذ الهجوم لمنع خطر محدق بشرط ألّا يكون الضرر الذي يلحق بالمدنيين مفرطًا مقارنةً بالأفضلية العسكرية المتوقعة.
وفي جميع تلك الحالات، تبقى الدول ملزمة بالتحقيق في مزاعم القتل العمد للمدنيين التي تورطت فيها قواتها المسلحة أو رعاياها أو حدثت على أراضيها، ومن ثم محاكمة المسؤولين إذا توفرت الأدلة الكافية.
إذا ثبتت مسؤولية دولةٍ ما عن مثل هذه الانتهاكات، فيجب عليها تقديم تعويضات كاملة عن الضرر الناجم، بما يشمل تعويض الضحايا. إلا أن عملية المساءلة هذه لم تتم في الغالبية العظمى من الغارات الجوية التي نفذتها إسرائيل على غزة وألحقت أضرارًا بالمدنيين.
انتهكت إسرائيل العديد من مبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مبدأ الضرورة الذي يسمح باتخاذ إجراءات ضرورية لتحقيق هدف عسكري مشروع، شرط ألا تنتهك تلك الإجراءات القانون الدولي.
في حالة استهداف القائد العسكري للجهاد الإسلامي "طارق إبراهيم عز الدين" على سبيل المثال، استهدفت غارة جوية إسرائيلية شقة العائلة يوم الثلاثاء في حوالي الساعة الثانية صباحًا، بينما كان "عز الدين" وعائلته نائمين.
يشير ذلك إلى عدم وجود خطر محدق لتحييده وقت الاستهداف، حيث أن جميع أفراد العائلة المستهدفة، بمن فيهم عضو الفصيل المسلح، كانوا غير مسلحين ولا يخططون لأية هجمات.
وبتنفيذ هذا الهجوم، انتهكت إسرائيل المادة (3) من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب (1949)، والتي تنص على ما يلي:
في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولذلك، في حالة "عز الدين" استُخدم مفهوم "الضرورة العسكرية" لتبرير استخدام العنف المفرط والمفاجئ.
وانتهكت إسرائيل مرارًا وتكرارًا مبدأ التمييز، الذي ينص على أنه يجب على أطراف النزاع التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين من أجل تجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية الضرر، وأنه لا يمكن مهاجمة السكان المدنيين ككل ولا المدنيين الأفراد.
كما انتهكت مبدأ أساسيًا آخر من مبادئ القانون الدولي الإنساني، وهو مبدأ التناسب، الذي ينص على أن أي هجوم عسكري يجب تنفيذه بناءً على التوازن بين الهدف من جهة والوسائل والأساليب المستخدمة وكذلك تبعات الهجوم من جهة أخرى.
يقوم الجيش الإسرائيلي بقصف طوابق كاملة من المباني السكنية الواقعة في مناطق مكتظة بالسكان، على الرغم من علمه بأن هذه المباني تحوي عشرات المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، فقط للقضاء على عنصر واحد من فصيل مسلح.
ممارسات كهذه -بالتأكيد- لا تندرج ضمن مبادئ الضرورة أو التناسب أو التمييز في القانون الدولي الإنساني.
عن الأورومتوسطي