تعرف عدالة الأحداث أزمة بنيوية عميقة وذلك من منطلق أن حضور الوعي بظاهرة جنوح الاحداث لم تصاحبه مقاربة علاجية تأهيلية حقيقية وناجعة ذات أبعاد تشاركية. ومرد ذلك إلى تعدد الفاعلين في منظومة هذه العدالة وما يثيره ذلك من إشكالات على مستوى تعدد المواقع والمرجعيات والاستراتيجيات بشكل يخل بمبدأ تكامل الرؤية والعلاج في إقرار سياسة وطنية تأهيلية مندمجة ذات اهداف تربوية وتقويمية غير قطاعية.
ولعل من أهم مظاهر أزمة عدالة الأحداث الارتفاع المهول في نسبة جنوح الأحداث نتيجة غياب المقاربة التربوية والمواكبة الاجتماعية للأطفال في حالة نزاع مع القانون. إضافة إلى تدني مؤشر المصاحبة القانونية والمواكبة الدفاعية والصحية خلال أطوار المحاكمة. وهو ما كان له انعكاس سلبي في تزايد معدل إيداع الجانحين في المؤسسات السجنية رغم الصعوبات الواقعية والإكراهات العملية التي تعانيها هذه الأخيرة،سواء من حيث القدرة الاستيعابية والموارد المالية غير الكافية والعناصر البشرية غير المتخصصة في المنهجية والسلوك والتأثير والاستماع، أو من حيث عدم ملاءمة شروط الإيواء في الشق المرتبط باحترام مبدأ الخصوصية -سواء في جانبه المتعلقبالسن أو بالجنس أو بسبب الإيداع- كمبدأ من المبادئ التوجيهية الكونية المعتمدة في عدالة الأحداث وفق مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث لسنة 1985 وغيرها من المواثيق الدولية والقواعد النموذجية ذات الصلة.
وغني عن البيان أن تدني مؤشر مبدأ المعاملات الفارقة داخل المؤسسات السجنية ومراكز الإصلاح وحماية الطفولة أفرزوضعا مرضيا شاذا ساهم في استفحال عدة ظواهر سلبية كالاكتظاظ والاختلاط وعدم التمييز والاستغلال وصعوبة التواصل. وهو ما كان له وقع سلبي على الرقي بعدالة الاحداث إلى عدالة صديقة تصالحية وتأهيلية وتربوية.
وأعتقد أن من المداخل الأساسية لتأهيل عدالة الأحداث وجوب اتخاذ التدابير العملية والتنظيمية لتنزيل المبادئ الدستورية ذات الارتباط بحماية منظومة حقوق الإنسان في شموليتها، وتنزيل الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور كمشترك أساسي بين كل المواطنين سواء كانوا راشدين أو قاصرين( الحق في الحياة، عدم جواز معاملة الأشخاص معاملة قاسية أو لا إنسانية أو حاطة بالكرامة الإنسانية، الحق في الاستفادة من برامج التكوين وإعادة الإدماج، واجب الدولة في رد الاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، إسناد الاختصاص للسلطات العمومية لمساعدة الأشخاص الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني...........). فضلا على وجوب تطبيق الاتفاقيات الدولية والقواعد النموذجية ذات الصلة بعدالة الأحداث بالشكل الذي يعطي لهذه الأخيرة بعدا حقوقيا كونيا.
ومن جانب آخر، فإننا نعتقد أن المدخل التشريعي يعد من الدعامات الجوهريةللرقي بعدالة الأحداث. وهو ما يقتضي وجوبا الانكباب على ملاءمة الباب الثالث من قانون المسطرة الجنائية مع القواعد التوجيهية الكونية المعتمدة في عدالة الاحداث بشكل يستحضر حماية الخصوصية والممارسات الفضلى للطفل والتي تستدعي على سبيل الأولوية اعتبار الأصل في عدالة الاحداث هو التأهيل والتقويم والابتعاد بشكل كلي عن المقاربة العقابية التي أثبت الواقع العملي فشلها وعدم نجاعتها، بدليل أن 67 في المائة من الأحداث الذين يلجون مراكز حماية الطفولة يعودون لارتكاب أفعال أكثر خطورة تجعلهم في براثين المؤسسات السجنية.
وغني عن البيان أن تخصيص عدالة الأحداث بقواعد استثنائية يقتضي لزوما إقرار عدالة متخصصة ذات مؤهلات قانونية وحقوقية وتربوية، تسمح لها بالمساهمة الفعالة في تأهيل الحدث سواء خلال المعالجة الأولية لدى الضابطة القضائية أو أمام النيابة العامة، أو خلال المحاكمة التي يتعين أن تكون عادلة وإنسانية وذات امتداد بالدعامات التوجيهية المعتمدة في قواعد بكين. وهو المبتغى الذي لا يمكن إدراكه إلا باكتساب مهارات سلوكية ومهنية صلبة وقوية خلال إجراءات المعالجة والمواكبة، بعيدا كل البعد عن إجراءات المحاكمة العادية وعن تبني العقوبات السالبة للحرية التي تتخذ في غالب الحالات كردة فعل عن التشكيك في السلوك القضائي أو كنتيجة حتمية عن الضغط المجتمعي أو الإعلامي.
ولن تفوتني الفرصة في هذا المقام بالتذكير بأن السلطة القضائية بالمغرب استشعرت الالتزام الدستوري الملقى على عاتقها والذي يكمن في حماية الحقوق والحريات وتطبيق القانون بصفة عادلة. وهو ما تبدو تجلياته من خلال التراجع الكبير في عدد الأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية خلال هذه السنة والذي لم يتجاوز 1880 وذلك إلى غاية نهاية شتنبر 2016في مقابل 3000 حدث خلال سنة 2015.
فضلا على ذلك، فإن محكمة النقض وتماشيا مع المبادئ التوجيهية المعتمدة في عدالة الأحداث أكدت في عدة مناسبات أن قفز غرفة الأحداث عن الأصل الذي هو تدابير الحماية والتهذيب إلى الاستثناء الذي هو الحكم على الحدث بعقوبة سالبة للحرية دون الالتزام بتعليل مقررها يجعل قرارها مشوبا بعيب نقصان التعليل الموازي لانعدامه.
ومن خلاله، نقول بأن ضمان المقاربة الحمائية والإصلاحية رهين بوجوب اعتماد مبدأ التخصص الفعلي والحقيقي في عدالة الأحداث بالشكل الذي يجعلها مؤهلة لتحمل مسؤوليتها التربوية والتقويمية للتعامل مع الأطفال الجانحين، وذلك في سبيل تعزيز حقوق الطفل في الرعاية والتعليم والتوجيه.
وأغتنمها فرصة للتذكير بأن التعديلات الواردة في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية كرست مجموعة من القواعد التي أقرها الدستور ونصت عليها المواثيق الدولية.حيث قضت بشكل صريح الصريح بكون محكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية.وأن الحدث الذي يقل عمره عن 15 سنة لا يجوز إيداعه في المؤسسات السجنية. وأن قرار الإيداع في حق الحدث الذي يتجاوز 15 سنة يتعين ان يكون معللا ومبينا للأسباب التي حالت دون تطبيق تدابير الحماية وللأسباب الداعية إلى الحكم بالعقوبة السالبة للحرية.
وبصرف النظر عما تحمله هذه التعديلات من دلالة عدم الرغبة في التخلص من السياسة العقابية ولو في حدود استثنائية وضيقة، فإننا نعتبر أن تحقيق المبتغى في عدالة الأحداث رهين في مرحلة أولية باعتماد نمط تفكير علائقي وتشاركي يعتمد في جوهره على تأسيس هيئة وطنية للتشاور تضم مختلف الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين بهدف فتح نقاش عمومي جاد حول منظومة عدالة الأحداث. وذلك في أفق وضع ميثاق وطني تشاركي يبين بشكل واضح وصريح مختلف الأسباب والعوامل الدافعة للجنوح، والسهر على تقييمها من طرف أخصائيين ومتخصصين في علم الإحصاء الجنائي، في سبيل الخروج بالتدابير الوقائية والتأهيلية الهادفة إلى حماية الأحداث وتقويم سلوكهم وجنوحهم.
ولا شكأن الطابع التعددي والمستقل للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يجعله على الأقل في مرحلة أولية المؤسسة الدستورية الأكثر حظا لتولي مهمة الدفاع عن عدالة الأحداث، والسعي إلى ضمان الممارسات الفضلى للطفل الذي يوجد في حالة نزاع مع القانون، والنهوض بحقوقه وحرياته على ضوء النموذج الدستوري والمنهج الحقوقي الكوني. وهي أهداف نعتقد أن بلوغها بشكل مؤسساتي وفعلي يقتضي التفكير الجدي والانكباب الفعلي على تأسيس هيئة للمصالحة والتأهيل والتقويم على غرار هيئة الإنصاف والمصالحة. والتي يعهد إليها التنسيق بشكل تشاوري مع كافة المتدخلين في الموضوع لإعداد استراتيجية وطنية موحدة ومندمجة ذات مداخل تربوية وتأهيلية وتقويمية. وذلك في افق خلق مندوبية سامية للأطفال.
ولعل من أهم مظاهر أزمة عدالة الأحداث الارتفاع المهول في نسبة جنوح الأحداث نتيجة غياب المقاربة التربوية والمواكبة الاجتماعية للأطفال في حالة نزاع مع القانون. إضافة إلى تدني مؤشر المصاحبة القانونية والمواكبة الدفاعية والصحية خلال أطوار المحاكمة. وهو ما كان له انعكاس سلبي في تزايد معدل إيداع الجانحين في المؤسسات السجنية رغم الصعوبات الواقعية والإكراهات العملية التي تعانيها هذه الأخيرة،سواء من حيث القدرة الاستيعابية والموارد المالية غير الكافية والعناصر البشرية غير المتخصصة في المنهجية والسلوك والتأثير والاستماع، أو من حيث عدم ملاءمة شروط الإيواء في الشق المرتبط باحترام مبدأ الخصوصية -سواء في جانبه المتعلقبالسن أو بالجنس أو بسبب الإيداع- كمبدأ من المبادئ التوجيهية الكونية المعتمدة في عدالة الأحداث وفق مقتضيات اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث لسنة 1985 وغيرها من المواثيق الدولية والقواعد النموذجية ذات الصلة.
وغني عن البيان أن تدني مؤشر مبدأ المعاملات الفارقة داخل المؤسسات السجنية ومراكز الإصلاح وحماية الطفولة أفرزوضعا مرضيا شاذا ساهم في استفحال عدة ظواهر سلبية كالاكتظاظ والاختلاط وعدم التمييز والاستغلال وصعوبة التواصل. وهو ما كان له وقع سلبي على الرقي بعدالة الاحداث إلى عدالة صديقة تصالحية وتأهيلية وتربوية.
وأعتقد أن من المداخل الأساسية لتأهيل عدالة الأحداث وجوب اتخاذ التدابير العملية والتنظيمية لتنزيل المبادئ الدستورية ذات الارتباط بحماية منظومة حقوق الإنسان في شموليتها، وتنزيل الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الباب الثاني من الدستور كمشترك أساسي بين كل المواطنين سواء كانوا راشدين أو قاصرين( الحق في الحياة، عدم جواز معاملة الأشخاص معاملة قاسية أو لا إنسانية أو حاطة بالكرامة الإنسانية، الحق في الاستفادة من برامج التكوين وإعادة الإدماج، واجب الدولة في رد الاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، إسناد الاختصاص للسلطات العمومية لمساعدة الأشخاص الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني...........). فضلا على وجوب تطبيق الاتفاقيات الدولية والقواعد النموذجية ذات الصلة بعدالة الأحداث بالشكل الذي يعطي لهذه الأخيرة بعدا حقوقيا كونيا.
ومن جانب آخر، فإننا نعتقد أن المدخل التشريعي يعد من الدعامات الجوهريةللرقي بعدالة الأحداث. وهو ما يقتضي وجوبا الانكباب على ملاءمة الباب الثالث من قانون المسطرة الجنائية مع القواعد التوجيهية الكونية المعتمدة في عدالة الاحداث بشكل يستحضر حماية الخصوصية والممارسات الفضلى للطفل والتي تستدعي على سبيل الأولوية اعتبار الأصل في عدالة الاحداث هو التأهيل والتقويم والابتعاد بشكل كلي عن المقاربة العقابية التي أثبت الواقع العملي فشلها وعدم نجاعتها، بدليل أن 67 في المائة من الأحداث الذين يلجون مراكز حماية الطفولة يعودون لارتكاب أفعال أكثر خطورة تجعلهم في براثين المؤسسات السجنية.
وغني عن البيان أن تخصيص عدالة الأحداث بقواعد استثنائية يقتضي لزوما إقرار عدالة متخصصة ذات مؤهلات قانونية وحقوقية وتربوية، تسمح لها بالمساهمة الفعالة في تأهيل الحدث سواء خلال المعالجة الأولية لدى الضابطة القضائية أو أمام النيابة العامة، أو خلال المحاكمة التي يتعين أن تكون عادلة وإنسانية وذات امتداد بالدعامات التوجيهية المعتمدة في قواعد بكين. وهو المبتغى الذي لا يمكن إدراكه إلا باكتساب مهارات سلوكية ومهنية صلبة وقوية خلال إجراءات المعالجة والمواكبة، بعيدا كل البعد عن إجراءات المحاكمة العادية وعن تبني العقوبات السالبة للحرية التي تتخذ في غالب الحالات كردة فعل عن التشكيك في السلوك القضائي أو كنتيجة حتمية عن الضغط المجتمعي أو الإعلامي.
ولن تفوتني الفرصة في هذا المقام بالتذكير بأن السلطة القضائية بالمغرب استشعرت الالتزام الدستوري الملقى على عاتقها والذي يكمن في حماية الحقوق والحريات وتطبيق القانون بصفة عادلة. وهو ما تبدو تجلياته من خلال التراجع الكبير في عدد الأحداث المودعين بالمؤسسات السجنية خلال هذه السنة والذي لم يتجاوز 1880 وذلك إلى غاية نهاية شتنبر 2016في مقابل 3000 حدث خلال سنة 2015.
فضلا على ذلك، فإن محكمة النقض وتماشيا مع المبادئ التوجيهية المعتمدة في عدالة الأحداث أكدت في عدة مناسبات أن قفز غرفة الأحداث عن الأصل الذي هو تدابير الحماية والتهذيب إلى الاستثناء الذي هو الحكم على الحدث بعقوبة سالبة للحرية دون الالتزام بتعليل مقررها يجعل قرارها مشوبا بعيب نقصان التعليل الموازي لانعدامه.
ومن خلاله، نقول بأن ضمان المقاربة الحمائية والإصلاحية رهين بوجوب اعتماد مبدأ التخصص الفعلي والحقيقي في عدالة الأحداث بالشكل الذي يجعلها مؤهلة لتحمل مسؤوليتها التربوية والتقويمية للتعامل مع الأطفال الجانحين، وذلك في سبيل تعزيز حقوق الطفل في الرعاية والتعليم والتوجيه.
وأغتنمها فرصة للتذكير بأن التعديلات الواردة في مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية كرست مجموعة من القواعد التي أقرها الدستور ونصت عليها المواثيق الدولية.حيث قضت بشكل صريح الصريح بكون محكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية.وأن الحدث الذي يقل عمره عن 15 سنة لا يجوز إيداعه في المؤسسات السجنية. وأن قرار الإيداع في حق الحدث الذي يتجاوز 15 سنة يتعين ان يكون معللا ومبينا للأسباب التي حالت دون تطبيق تدابير الحماية وللأسباب الداعية إلى الحكم بالعقوبة السالبة للحرية.
وبصرف النظر عما تحمله هذه التعديلات من دلالة عدم الرغبة في التخلص من السياسة العقابية ولو في حدود استثنائية وضيقة، فإننا نعتبر أن تحقيق المبتغى في عدالة الأحداث رهين في مرحلة أولية باعتماد نمط تفكير علائقي وتشاركي يعتمد في جوهره على تأسيس هيئة وطنية للتشاور تضم مختلف الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين بهدف فتح نقاش عمومي جاد حول منظومة عدالة الأحداث. وذلك في أفق وضع ميثاق وطني تشاركي يبين بشكل واضح وصريح مختلف الأسباب والعوامل الدافعة للجنوح، والسهر على تقييمها من طرف أخصائيين ومتخصصين في علم الإحصاء الجنائي، في سبيل الخروج بالتدابير الوقائية والتأهيلية الهادفة إلى حماية الأحداث وتقويم سلوكهم وجنوحهم.
ولا شكأن الطابع التعددي والمستقل للمجلس الوطني لحقوق الإنسان يجعله على الأقل في مرحلة أولية المؤسسة الدستورية الأكثر حظا لتولي مهمة الدفاع عن عدالة الأحداث، والسعي إلى ضمان الممارسات الفضلى للطفل الذي يوجد في حالة نزاع مع القانون، والنهوض بحقوقه وحرياته على ضوء النموذج الدستوري والمنهج الحقوقي الكوني. وهي أهداف نعتقد أن بلوغها بشكل مؤسساتي وفعلي يقتضي التفكير الجدي والانكباب الفعلي على تأسيس هيئة للمصالحة والتأهيل والتقويم على غرار هيئة الإنصاف والمصالحة. والتي يعهد إليها التنسيق بشكل تشاوري مع كافة المتدخلين في الموضوع لإعداد استراتيجية وطنية موحدة ومندمجة ذات مداخل تربوية وتأهيلية وتقويمية. وذلك في افق خلق مندوبية سامية للأطفال.