مقدمة:
تعتبر الاختصاصات المالية إحدى أهم الأسس التي قامت عليها المؤسسة البرلمانية، فهذه الأخيرة يرجع ميلادها إلى التفاعلات السياسية التي عرفتها إنجلترا في القرن 17، إلا أن بدايات وضع أسس قانون الميزانية ومن خلاله النظام البرلماني تعود إلى الصراع الذي نشأ بين الملك ومجلس العموم حول سلطة الجباية والإنفاق.
وقد بدأ هذا الصراع من خلال ما نص عليه الميثاق الكبير Magna carta الذي صدر سنة 1215 قضى بعدم جواز فرض الضريبة إلا بالموافقة العامة للمملكة عن طريق مجلس عموم أعلى للدولة يضم كل من بيدهم أرض التاج، إلا أن هذا المجلس لم يتشكل فبقي هذا الصراع في أخذ ورد بين الملك والبرلمان حتى سنة 1640، نشبت بعد ذلك حرب أهلية انتهت بمحاكمة الملك والوزراء، وبذلك انتهى الصراع بتفوق البرلمان وسيادته، وفي سنة 1688 تم وضع دستور الحقوق Bill of Right رسخ هذا الدستور الترخيص البرلماني للمداخيل والنفقات وكذلك الدورية السنوية لهذا الترخيص، وهكذا برزت كل مقومات قانون الميزانية بانجلترا خلال القرن 17 وأدى بذلك إلى ميلاد النظام البرلماني.
وقد تأثرت فرنسا بهذا الانتصار الذي حققه البرلمان الانجليزي، الشيء الذي أدى إلى اندلاع ثورة سنة 1789 نتج عنها وضع حد لانفراد الملك بفرض الضرائب بدون قيود، وترسخ بذلك مبدأ الموافقة المسبقة على فرض الضريبة الذي كان معترفا به منذ القرون الوسطى لكن كانت السلطة الملكية تتجاهل تفعيله، وهكذا أقرت الجمعية الوطنية التأسيسية عدم شرعية كل ضريبة لم تأذن بفرضها وجبايتها، وتم تأكيد هذا المبدأ في وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن حيث نصت المادة 14 على أنه:" من حق الشعب مباشرة أو بواسطة ممثليه أن يتأكد من ضرورة الضرائب، وأن يوافق عليها بملء الحرية، ويراقب استعمالها، ويقرر أساسها ونسبتها، وطريقة جبايتها ومدتها."، وتم تعزيز هذه المرتكزات كذلك في دستور 1791 وفي الدساتير المتعاقبة، من خلال إضافة إلى مبدأ الترخيص بالمداخيل من جهة والنفقات من جهة أخرى، مبدأ سنوية هذه الترخيصات.
وهكذا أصبح البرلمان في فرنسا يلعب دورا كبيرا في المجال المالي، فبعدما يتم إعداد مشروع الميزانية في المجلس الوزاري، يرسل إلى البرلمان الذي يحيله بدوره إلى لجنة المالية التي كانت غالبا ما تدخل عليه تعديلات جذرية.
وفي ظل عيوب هذا النظام تم إدخال العقلنة للعمل البرلماني ابتداء من الجمهورية الخامسة، وترمي هذه العقلة بالأساس إلى ضبط وتأطير العمل البرلماني عبر إعادة توزيع الصلاحيات بما فيها الشق المالي لصالح الحكومة وفق مبرر حماية الاستقرار الحكومي.
وقد استلهم المشرع المغربي مقومات العقلنة من نظيره الفرنسي، ليتسم بها نظام البرلمان منذ تأسيسه سنة 1963 على ضوء دستور 1962، وصولا إلى دستور 2011.
ومن هذا المنطلق تعززت الاختصاصات المالية للبرلمان بشكل تدريجي عبر محطات تاريخية لتشمل حاليا موافقة البرلمان على مشاريع قوانين المالية، ومخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذا المعاهدات التي يترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، فضلا عن الاختصاص التقليدي المتمثل في موافقة البرلمان على فرض الضريبة.
إن دراسة هذا الموضوع تكتسي أهمية نظرية وعملية، إذ ستمكننا من الإطلاع على النصوص الدستورية والقانونية التي من خلالها يكتسب البرلمان سلطته في المجال المالي.
إذا انطلاقا من هذه الأهمية نتساءل، حول ما هي الصلاحيات الدستورية والقانونية للبرلمان في المجال المالي؟ وهل للبرلمان اختصاص مالي فعلي أم أنه مجرد إجراء شكلي تحتاجه الحكومة لإضفاء الشرعية على أعمالها؟
للإجابة عن هذه التساؤلات سنعتمد التصميم التالي:
التصـمــــيم
المبحث الأول: صلاحية البرلمان في اعتماد قوانين المالية ومخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
المطلب الأول: اختصاص البرلمان في اعتماد قوانين المالية.
الفقرة الأولى: مناقشة البرلمان مشروع قانون المالية.
الفقرة الثانية: تصويت البرلمان على مشروع قانون المالية.
المطلب الثاني: اختصاص البرلمان في اعتماد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الفقرة الأولى: دور البرلمان في وضع مخطط التنمية.
الفقرة الثانية: فحص البرلمان لمخطط التنمية والتصويت عليه.
المبحث الثاني: صلاحية البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والقوانين الجبائية.
المطلب الأول: اختصاص البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة.
الفقرة الأولى: ماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة.
الفقرة الثانية: فحص البرلمان المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والترخيص لها.
المطلب الأول: موافقة البرلمان على القوانين الجبائية.
الفقرة الأولى: سلطة البرلمان في التشريع الجبائي.
الفقرة الثانية: تصويت البرلمان على النصوص الجبائية.
المبحث الأول: صلاحية البرلمان في اعتماد قوانين المالية ومخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
تجدر الإشارة في البداية إلى أن هناك مجالات مالية مختلفة يتدخل البرلمان من خلالها لتأكيد سلطته المالية، إلا أن أكثر هذه المجالات أهمية يرتبط بفحص مشاريع قوانين المالية والموافقة عليها، وتشمل هذه القوانين قانون المالية السنوي والقانون المالي التعديلي وقانون التصفية، فهذه القوانين تعتبر بمثابة الاختصاص المالي الأساسي للسلطة التشريعية (المطلب الأول). هذا بالإضافة إلى المجالات الأخرى للاختصاص المالي للبرلمان كالموافقة على مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية(المطلب الثاني).
المطلب الأول: اختصاص البرلمان في اعتماد قوانين المالية.
إذا كان إعداد وتحضير مشاريع قوانين المالية من اختصاص السلطة التنفيذية في جميع الدول الديمقراطية، فإن اعتماد هذه المشاريع والموافقة عليها يدخل في دائرة اختصاص السلطة التشريعية، وهذا ما أقره المشرع المغربي في الفصل 75 من الدستور حيث نص على أنه:" يصدر قانون المالية، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان، وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي…"، والمقصود هنا بـ" قانون تنظيمي"، القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 98.7 المغير والمتمم بالقانون التنظيمي رقم 00.14 الذي حدد فيه المشرع طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية.
الفقرة الأولى: مناقشة البرلمان مشروع قانون المالية.
طبقا للفصل 75 من الدستور يودع مشروع قانون المالية بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، وذلك قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير، كما نصت على ذلك الفقرة الأولى من المادة 33 من القانون التنظيمي لقانون المالية، ويكون هذا المشروع كما هو مستفاد من الفقرة الثانية من المادة 33 من القانون التنظيمي المشار إليه، مشفوعا بتقرير حول الخطوط العريضة للتوازن الاقتصادي والمالي والنتائج المحصل عليها والآفاق المستقبلية والتغييرات المدخلة على المداخيل والنفقات، ويلحق هذا التقرير كذلك بوثائق تتعلق بنفقات الميزانية العامة وبعمليات الحسابات الخصوصية للخزينة وبمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة وبالمؤسسات العمومية.
وبعدما يتم إيداع مشروع قانون المالية في الآجال القانونية، يعقد البرلمان بغرفتيه طبقا للفصل 68 من الدستور، جلسة عمومية مشتركة تتقدم فيه الحكومة في شخص الوزير المكلف بالمالية بعرض مشروع قانون المالية السنوي، وتنعقد هذه الجلسة المشتركة برئاسة رئيس مجلس النواب، وهو إجراء شكلي يستهدف فقط إبراز أولوية مجلس النواب، غير أن هذه الجلسة المشتركة لا تذهب إلى حد دراسة ومناقشة المشروع بل تقتصر على العرض فقط .
يحال مشروع قانون المالي السنوي بعد العرض في الحين من طرف رئيسي الغرفتين على اللجنة المكلفة بالمالية، (وهي لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية بمجلس المستشارين) لأجل النظر فيه، وإلى اللجان الدائمة الأخرى في نطاق اختصاصاتها للاستشارة قبل أن يطرح للمناقشة العلنية داخل الجلسة العامة.
"
أولا: مناقشة المشروع من طرف اللجان البرلمانية الدائمة. "
تتمتع اللجان البرلمانية الدائمة بأهمية كبرى ودور محوري داخل السلطة التشريعية، وهو ما دفع بالمشرع المغربي لأن يتعرض إليها في أكثر من فصل داخل الدستور (الفصول 62، 63، 68، 69، 80، 81)، وعلى غرار الدستور يعطي النظام الداخلي للبرلمان مكانة هامة للجان، ولا غرور في ذلك إذا عرفنا الدور المنوط بها، يكفي فقط الإشارة إلى الفصل 80 من الدستور الذي ينص على أنه:" تحال مشاريع ومقترحات القوانين لأجل النظر فيها على اللجان التي يستمر عملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات".
وفي نفس الاتجاه تؤكد الفقرة الثالثة من المادة 33 من القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 98.7 على أنه:" يحال المشروع في الحين إلى لجنة تابعة للمجلس المعروض عليه الأمر قصد دراسته".
وتتألف اللجان الدائمة بمجلس النواب من خمسين (50) عضوا، ما عدا لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج التي تتكون من خمسة وأربعين (45) عضوا ( المادة 35 من النظام الداخلي للبرلمان)، وبخصوص أعضاء اللجان الدائمة بمجلس المستشارين، لا يقل أعضاء كل لجنة من اللجان الدائمة عن خمسة عشر (15) عضوا ولا يزيد عن خمسة وأربعين (45) عضوا (المادة 49 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين)، ينتخب رؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها بمجلس النواب في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة (الفصل 62 من الدستور)، أما في مجلس المستشارين ينتخب رؤساء اللجان الدائمة ومكاتبها، في مستهل الفترة النيابية ثم عند انتهاء منتصف الولاية التشريعية للمجلس(الفصل 63 من الدستور)، وبخصوص انتخاب أعضاء مكاتب اللجان في كلا المجلسين يتم على أساس التمثيل النسبي لكل فريق، تشارك هذه اللجان في الوظيفة التشريعية عن طريق دراسة مشاريع واقتراحات القوانين، كما تقترح التعديلات، وتوجه تقارير إلى نواب ومستشاري الأمة قصد إعلامهم بالخطوط الرئيسية للتوازن المالي، والسياسة العامة للدولة.
وتعتبر اللجنة المالية من أهم اللجان البرلمانية لما لها من أهمية خاصة داخل المجالس التشريعية، فإليها يرجع دراسة وفحص مشروع القانون المالي السنوي وتعديله، فيما تتولى باقي اللجان النيابية دراسة مشاريع الميزانيات الفرعية المرتبطة بالوزارات التي تندرج ضمن اختصاصاتها.
تقوم اللجنة المالية بفحص ودراسة مشروع قانون المالية السنوي عبر ثلاث مراحل، ففي المرحلة الأولى يتقدم الوزير المكلف بالمالية بعرض المشروع المالي أمام اللجنة يبدي من خلاله أعضاء اللجنة ملاحظاتهم، كما يحق لهم في هذا الإطار الاستيضاح والاستفسار عن كل مقتضى ورد في مشروع قانون المالية، ولهم أن يطلبوا من الحكومة كل الوثائق والإحصائيات التي لها صلة ببنود هذا المشروع، هذا ما كرسه الفصل 67 من الدستور حيث نص على أنه:"للوزراء أن يحضروا جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجنهما، ويمكنهم أن يستعينوا بمندوبين يعينونهم لهذا الغرض."
وفي المرحلة الثانية تقوم اللجنة بفحص ومناقشة المشروع، حيث يقوم مقرر اللجنة بقراءة كل مادة مع التعليقات الضرورية، وتتم إحالة المادة ذات التعقيدات المالية والاجتماعية للمناقشة ولتوضيح الوزير، وفي المرحلة الثالثة يقوم أعضاء اللجنة بتقديم تعديلات واقتراحات التي يتم التصويت عليها، بعد أن يضاف إليها اقتراحات وتوصيات التي تعرضها باقي اللجان النيابية الأخرى.
فبالموازاة مع الفحص الأفقي الذي تقوم به اللجنة المالية لمقتضيات مشروع قانون المالية، في كلا المجلسين، تنكب هذه اللجنة على الفحص العمودي لمختلف التوصيات والاقتراحات التي تقوم اللجان الدائمة الأخرى بتقديمها.
هذا ويقوم مقرر لجنة المالية بدور المنسق والمحرك للنقاشات حول التوصيات والتعديلات المقدمة، حيث يتكلف بقراءة مواد مشروع قانون المالية مادة بعد مادة مع التعليق عليها، ثم يطرح المشروع للنقاش ولتوضيحات الوزراء أو مندوبيهم، ليبلور بعد ذلك تقرير اللجنة المالية ويرفعه إلى المجلس الذي ينتمي إليه متضمنا فيه الاقتراحات والتعديلات كما تم التصويت عليها من قبل أعضاء اللجنة المالية، والتي تقدم بها البرلمانيون أو المستشارون الذين يهمهم الأمر إلى اللجان البرلمانية المختصة.
وبعد ذلك تبدأ عملية المناقشة في الجلسة العامة على أساس المشروع الذي أعدته اللجنة المالية، حسب المادة 76 من النظام الداخلي للبرلمان.
"
ثانيا: مناقشة المشروع داخل الجلسة العامة.
"
عمليا تبدأ مناقشة مشروع قانون المالية داخل الجلسة العامة انطلاقا من عرض تقرير لجنة المالية الذي يتكلف بقراءته رئيس المجلس، ثم يعيد مقرر اللجنة تفصيله من خلال قراءته مادة بمادة.
ويفتتح المناقشة العامة عادة الوزير المكلف بالمالية بخطاب الميزانية، والذي يرصد فيه الوزير الحالة الاقتصادية والمالية للبلاد والمشاكل التي تواجهها، ثم الاتجاهات العامة للسياسة المالية التي تعتزم الحكومة نهجها في المستقبل، ثم يليه المقرر العام للجنة المالية الذي يلقي كلمة يبرز فيها أهم التعديلات التي أدخلتها اللجنة على المشروع الحكومي والأسباب التي حملت اللجنة على إقرار هذه التعديلات.
ثم يليه بعد ذلك رئيس لجنة المالية ومتدخلي ممثلي الفرق البرلمانية على أساس أن هذه المرحلة هي المرحلة السياسية للمناقشة العامة لمشروع قانون المالية، وتبدأ بعد ذلك المناقشة التفصيلية للجزء الأول ثم الجزء الثاني من مشروع قانون المالية.
ولا يجوز عرض الجزء الثاني من مشروع قانون المالية للمناقشة إلا بعد التصويت على الجزء الأول الذي يتضمن مداخيل الدولة، وهذا ما نصت عليه المادة 36 من القانون التنظيمي للمالية، وهي نفس الصياغة التي وردت كذلك في النص الفرنسي، ونشير إلى أن هذا الإجراء يعد تصويت أولي فقط الغاية منه هو الحفاظ على تدابير التوازن الاقتصادي والمالي، لأن عدم منح الأولوية في المناقشة وفي التصويت للجزء الأول يعتبر من العيوب الشكلية التي تجعل مسطرة دراسة مشروع قانون المالية معيبة وغير دستورية.
وقد أثيرت نازلة في هذا الإطار بفرنسا في نهاية سنة 1979 بشأن القانون المالي لسنة 1980، حيث كانت الجمعية الوطنية قد رفضت المادة 24 من الجزء الأول من مشروع قانون المالي والمتعلقة بتوازن الموارد والتكاليف، فباشرت الجمعية الوطنية الفرنسية مناقشة القسم الثاني دون أن تعتمد القسم الأول (بمعنى صوتت عليه ولكن بالرفض)، وبعد أن ناقشت القسم الثاني تم التصويت على مشروع قانون المالية في صيغته الكاملة، أحيلت هذه المسألة على المجلس الدستوري الذي أصدر بشأنها قرار اعتبر فيه أن المسطرة التي اعتمدتها الجمعية الوطنية في التصويت على مشروع قانون المالية غير مشروعة، وبذلك نطق بعدم مطابقة قانون مالية سنة 1980 للدستور.
وعند تناول ميزانية كل وزارة على حدا تتجه المناقشة ناحية السياسة العامة للوزارة، ثم ناحية التفصيل وبعدها يتم التصويت على المداخيل والنفقات، ثم تعرض الحكومة فور التصويت على مشروع قانون المالية في مجلس النواب أو عند انصرام أجل التصويت، على مجلس المستشارين النص الذي تم إقراره أو النص الذي قدمته في أول الأمر مدخلة عليه إن اقتضى الحال التعديلات المصوت عليها في مجلس النواب والمقبولة من طرف الحكومة، وبهذا يبث مجلس المستشارين في المشروع داخل أجل الثلاثين يوما الموالية لعرض الأمر عليه.
وإذا لم يتم إقرار مشروع قانون المالية بعد مناقشة واحدة في كلا المجلسين، يجوز للحكومة في هذه الحالة إما أن تلجأ إلى مقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية فتعلن بذلك حالة الاستعجال، وتعمل على اجتماع لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يناط بها اقتراح نص بشأن الأحكام التي مازالت محل خلاف، وذلك داخل أجل لا يزيد على سبعة أيام من يوم عرض الحكومة الأمر عليها.
بعد ذلك تعرض الحكومة النص الذي تقترحه اللجنة الثنائية المختلطة والمقبول من طرفها على المجلسين لإقراره داخل أجل لا يزيد على ثلاثة أيام، ولا يجوز في هذه الحالة قبول أي تعديل إلا بموافقة الحكومة.
في حين إذا لم تتمكن اللجنة الثنائية المختلطة من اقتراح نص مشترك أو إذا لم يقر البرلمان النص الذي اقترحته اللجنة، تعرض الحكومة على مجلس النواب مشروع قانون المالية بعد أن تدخل عليه عند الاقتضاء ما تتبناه من التعديلات المقترحة خلال المناقشة البرلمانية، قصد التصويت عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
وإما أن تلجأ الحكومة مباشرة في هذه الحالة إلى عرض المشروع على مجلس النواب للبث فيه نهائيا، فقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور أنه:" يعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البث فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين".
الفقرة الثانية: تصويت البرلمان على مشروع قانون المالية.
إن التصويت على مشروع قانون المالية يتم وفق المسطرة التي تنظمها أحكام الفصل الثاني من الباب الثالث من القانون التنظيمي لقانون للمالية، المتعلقة بطريقة التصويت على قانون المالية ، والتي تميز بين الطريقة المعتمدة في التصويت على الأحكام وبين تلك المتبعة في التصويت على المداخيل، وبين مسطرة التصويت على النفقات.
ففي ما يخص أحكام قانون المالية فإنه يتم التصويت عليها طبقا للمادة 37 من القانون التنظيمي للمالية مادة بمادة، ويجري في شأن تقديرات المداخيل حسب المادة 38 من القانون التنظيمي للمالية، تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة وميزانية مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، وتصويت عن كل صنف من أصناف الحسابات الخصوصية للخزينة.
أما بالنسبة لنفقات الميزانية العامة، فيتم حسب الفصل 39 من القانون التنظيمي للمالية، التصويت عن كل باب -وهي الباب المتعلق بنفقات التسيير، والباب المتعلق بنفقات الإستثمار ثم الباب المتعلق بنفقات الدين العمومي-، وعن كل فصل داخل نفس الباب، كما يجري في شأن نفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تصويت إجمالي بحسب الوزارات أو المؤسسات التابعة لها هذه المرافق، فيما يتم التصويت على نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة بحسب كل صنف من أصناف هذه الحسابات، كما يتم التصويت على نفقات الميزانية الملحقة المتبقية إلى حين حذفها.
وتجدر الإشارة إلى أن نفس المسطرة التشريعية يجب التقيد بها في دراسة والتصويت على مشاريع قوانين أخرى ذات الصبغة المالية، ونخص بالذكر هنا القانون المالي التعديلي وقانون التصفية، لأن الفصل 2 من القانون التنظيمي لقانون المالية يقضي بأنه:" يعتبر في حكم قانون المالية كل من قانون مالية السنة والقوانين المالية المعدلة له وقانون التصفية"،كم أن المشرع عند تنظيمه لمسطرة دراسة والتصويت بشأن قوانين المالية في إطار أحكام الباب الثالث من القانون التنظيمي لقانون المالية، فإنه نظمها بصيغة الجمع وليس كل نوع على حدا، بالإضافة إلى أن المادة 31 من القانون التنظيمي المشار إليه كانت واضحة عندما نصت صراحة على تقديم القوانين المالية التعديلية وفق نفس الكيفية التي يقدم بها قانون مالية السنة .
كما يعد التنصيص الدستوري على قانون التصفية من المستجدات التي أتى بها دستور 2011، فقد نص الفصل 76 من الدستور على أنه:" تعرض الحكومة سنويا على البرلمان، قانون التصفية المتعلق بتنفيذ قانون المالية، خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ هذا القانون. ويتضمن قانون التصفية حصيلة ميزانيات التجهيز التي انتهت مدة نفاذها."
فهذا التنصيص الدستوري لم يكن واردا في الدستور السابق، حيث كان قانون التصفية مؤطرا بموجب القانون التنظيمي لقانون المالية، والذي نص في المادة 47 على أنه:" يثبت في قانون يسمى -قانون التصفية- المبلغ النهائي للمداخيل المقبوضة والنفقات المأمور بصرفها والمتعلقة بنفس السنة المالية ويحصر في حساب نتيجة السنة."
يصدر هذا القانون (قانون التصفية) بعد تنفيذ قانون مالية السنة، والقوانين المعدلة له عند الاقتضاء، وهو يأتي ليثبت النتائج التي أسفر عنها تنفيذ قانون مالية السنة، وليحدد الفروق بين التوقعات والانجازات، فهو يعتبر حسابا ختاميا لقانون المالية، الذي يكون مجرد توقعات وتقديرات، مع وجوب إدراج فيه حصيلة ميزانية التجهيز التي انتهت مدة نفاذها، وذلك حتى لا يقتصر الأمر على الحصيلة السنوية فقط، وإنما مجموع العمليات المالية التي وقعت داخل السنة، بما فيها عمليات التجهيز أو الاستثمار المختتمة، والتي تكون قد بدأت قبل ذلك بسنوات تجنبا لانفلاتها من الرقابة البرلمانية.
المطلب الثاني: اختصاص البرلمان في اعتماد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يعتبر اختصاص البرلمان في اعتماد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية مجال آخر منح له لتأكد سلطته المالية، وتكمن سلطة البرلمان في هذا المجال من خلال وضع المبادئ الأساسية للتخطيط (الفقرة الأولى)، ثم فحص كل مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والموافقة عليه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور البرلمان في وضع مخطط التنمية.
تعتبر قوانين البرامج أو قوانين الإطار بمثابة قوانين تضعها المجالس التشريعية حينما تٌقدم الدولة على وضع سياسة إصلاح معينة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مع اقتصار هذه المجالس على بيان المبادئ الأساسية لهذه البرامج، لتتولى السلطة التنظيمية مهمة تنفيذ تلك البرامج بموجب مراسيم.
ولقد وضعت المبادئ الأساسية للتخطيط بالمغرب منذ سنة 1957 (ظهير 22 يونيو 1957)، وقد أكدت الدساتير المغربية المتلاحقة على ذلك بوضوح، محددة الاختصاصات البرلمانية في مجال التخطيط، لكن ما يلاحظ على التجربة البرلمانية المغربية أن العديد من المخططات لم يتم التصويت عليها من طرف البرلمان، حيث أن المخطط الخماسي الأول ما بين 1960 و1964 دخل حيز التنفيذ قبل مجيء الدستور بسنتين، والمخطط الثلاثي 1965-1967 تم خلال مرحلة الاستثناء، وهو نفس الشيء بالنسبة للمخطط الخماسي 1968-1972 أما بالنسبة للمخطط الخماسي 1973- 1977 فقد جاء في المرحلة الانتقالية، والتي ابتدأت من مارس 1972 إلى أكتوبر 1977، وبعد هذه المرحلة كل المخططات التي وضعتها الحكومة عرضت على البرلمان من أجل اعتمادها.
ويعتبر المخطط الثلاثي 1978.1980 أول مخطط يقدم للبرلمان لأجل الموافقة عليه، اعتبر ذلك عملا إيجابيا قطع مع طريقة تقليدية كان يعتمد من خلالها مشروع المخطط، بحيث كان يتم مناقشته في المجلس الوزاري ويدخل حيز التنفيذ دون مروره على الجهاز التشريعي، وبهذا أصبح المخطط يكتسي أهمية خاصة تتعلق بالحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، الشيء الذي كان لزاما معه عرض المخطط على البرلمان لتفحصه وإقراره، وهكذا عملت الدساتير المغربية المتعاقبة على منح البرلمان سلطة اعتماد مشروع المخطط.
ومن المخططات التي اعتمدها البرلمان كذلك نجد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسنوات 2000- 2004 الذي قدم كمشروع قانون تحت رقم 00.37، حيث قدم هذا المشروع في جزأين الأول يتطرق لتطوير الحالة الاقتصادية والاجتماعية وللآفاق المستقبلية والتوجيهات والأهداف الإجمالية، في حين يتناول الجزء الثاني التنمية القطاعية بما في ذلك التنمية الاجتماعية وتنمية الموارد البشرية وتأهيل القطاعات المنتجة، وتنمية التجهيزات الأساسية الاقتصادية وإصلاح الإدارة العمومية والعدل .
الفقرة الثانية: فحص البرلمان مخطط التنمية والتصويت عليه.
إن تدخل البرلمان على مستوى فحص مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية يترجم عن طريق اعتماد أو رفض هذا المخطط، لكن هذا الأمر يبقى نظريا فقط لأن سلطة البرلمان في اعتماد المخطط كثيرا ما ترتبط بالإذن السنوي للالتزام بنفقات الميزانية المدرجة في القانون المالي السنوي المصوت عليه من طرف البرلمان.
فالميزانية تعد الوسيلة التي تضمن تنفيذ المخطط، فهي تحتوي على أجزاء مهمة من استثمارات الدولة التي توجه لمشاركة المؤسسات العمومية والخاصة في تنفيذ بعض المشاريع قصد تلبية الاحتياجات التي تم التخطيط لها.
وفي هذا الإطار أقرت المادة 24 من القانون التنظيمي لقانون المالية أنه:" لا يترتب على المخططات الموافق عليها من قبل البرلمان التزامات للدولة إلا في نطاق الحدود المعينة في قانون مالية السنة."
لكن وفي مقابل ذلك نصت المادة 25 من نفس القانون على أنه:" يمكن أن تمنح في شأن نفقات الاستثمار الناتجة عن تنفيذ مخطط التنمية ترخيصات في برامج تحدد التكلفة الإجمالية والقصوى لمشاريع الاستثمار المعتمدة. "
ومن المستجدات التي أتى بها الدستور في هذا المجال هو منح البرلمان صلاحية جديدة تتعلق بالتصويت على البرامج متعددة السنوات التي تعدها الحكومة، وهي إضافة تستهدف فتح المجال للحكومة لبرمجة نفقات التجهيز التنموية في إطار يتجاوز مدة إنجاز قانون المالية السنوي، أي إطار السنة الواحدة، وهو وضع يتطابق مع واقع احتجاب المخطط الوطني للتنمية في السنوات الأخيرة، وبالتالي إمكانية اعتماد مخططات قطاعية أو برامج محددة تتجاوز إطار السنة.
فيما يخص تصويت البرلمان على مخططات التنمية، نص الفصل 75 من الدستور في الفقرة الثانية أنه:" يصوت البرلمان مرة واحدة على نفقات التجهيز التي يتطلبها، في مجال التنمية، إنجاز المخططات التنموية الإستراتيجية، البرامج متعددة السنوات التي تعدها الحكومة وتطلع عليها البرلمان، وذلك عندما يوافق عليها، ويستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات التنموية…".
المبحث الثاني: صلاحية البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والقوانين الجبائية.
إضافة إلى ما سبق فإن للبرلمان اختصاصات مالية أخرى تتمثل في مجال الموافقة على المعاهدات التي تكون لها آثار مالية على ميزانيات الدولة(المطلب الأول)، وكذلك موافقته على القوانين الجبائية، هذا الاختصاص يتأتى له من مبدأ تاريخي وهو عدم إمكانية فرض أي ضريبة على الشعب إلا بعد موافقة ممثليه على ذلك (المطلب الثاني).
المطلب الأول: اختصاص البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة.
لقد حدد الفصل 55 من الدستور الاختصاصات التي تمارس في مجال المعاهدات، حيث أنه ميز بين سلطة الملك في التوقيع والمصادقة على المعاهدات، وبين سلطة البرلمان في الموافقة على المعاهدات التي يترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، ويستمد البرلمان هذه الموافقة انطلاقا من سلطته التشريعية في الميدان المالي.
وقبل إبراز سلطة البرلمان في مجال الموافقة على المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، يقتضي منا الأمر تحديد ماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة في (الفقرة الأولى)، على أن نتناول في (الفقرة الثانية) دور البرلمان في الموافقة على هذا النوع من المعاهدات.
الفقرة الأولى: ماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة.
يطرح إلى جانب مسطرة الموافقة البرلمانية على المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، تسأل حول ما المقصود بهذا النوع من المعاهدات؟
من وجهة نظر المحاسبة العمومية يعتبر التزاما كل تصرف قام به جهاز عمومي وترتب عنه تكلفة مالية، انطلاقا من هذه الوجهة يرى بعض الباحثين أن الحكومة ليست ملزمة بعرض على البرلمان إلا المعاهدات التي تنشئ بشكل مباشر دينا حقيقيا على كاهل الدولة.
ومن جهة أخرى فإن منح الموافقة على المعاهدات، التي جاءت ضمن الفقرة الثانية من الفصل 55 من الدستور، تعني الترخيص التشريعي الذي يمنحه البرلمان على كل المعاهدات التي يترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة.
من هذا المنطلق يتضح أن هناك اختلاف كبير في تفسير طبيعة المعاهدة الملزمة لمالية الدولة، فمن جهة لا يمكن عرض كل المعاهدات التي تبرمها الدولة بحجة أنها ترتب تكاليف مالية، ومن جهة اخري يبقى البرلمان الجهة الوحيدة المختصة بمنح الترخيص بالموافقة على المعاهدات التي تكلف مالية الدولة.
ومن أجل توضيح هذا الاختلاف أقام Gaston Jéze في استشارة قانونية أثناء الجمهورية الثالثة الفرنسية، تمييزا بين المعاهدات المتعلقة بمالية الدولة والمعاهدات الملزمة لمالية الدولة، فبالنسبة له تعتبر المعاهدة ملزمة لمالية الدولة إذا كانت تولد عبئا ماليا جديدا ومباشرا، في المقابل لا تلزم مالية الدولة تلك المعاهدات التي تهدف إلى تقليص الدين العمومي، فرغم أن الموافقة على هذه المعاهدات هو مرتبط بمالية الدولة فإنها لا ترتب عليها آثار تلزمها.
وتبعا لذلك تكون المعاهدات ملزمة لمالية الدولة عندما يترتب عنها أثار مباشرة تكلف مالية الدولة، بمعني تمس بشكل مباشر التوازن المالي للدولة، الشيء الذي يتطلب معه فتح اعتمادات مالية مباشرة، وهذه الاعتمادات لا يمكن رصدها إلا بموافقة البرلمان، وهذا ما كرسه الدستور المغربي عندما أشار في الفقرة الثانية من الفصل 55 إلى أنه:" لا يصادق (أي الملك) على معاهدات… التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة،… إلا بعد الموافقة عليها بقانون ".
من خلال هذا النص يتضح أن البرلمان له كامل الصلاحية في الموافقة على المعاهدات التي يترتب عنها تكاليف ملزمة لمالية الدولة، لكن السؤال المطروح هو كيف تتم هذه الموافقة؟ هذا السؤال سنجيب عليه من خلال دور البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة.
الفقرة الثانية: فحص البرلمان المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والترخيص لها
.
بعد عرض هذا النوع من المعاهدات على المجلس الوزاري ، يتم إيداع مشروع القانون القاضي بالموافقة عليها بالأسبقية لدى مجلس النواب(الفصل 78 من الدستور) ، و تخضع دراسة هذا المشروع لنفس المسطرة التشريعية التي تخضع لها بعض القوانين الأخرى باستثناء ممارسة حق التعديل، إذ أن الموافقة التشريعية هي موافقة من حيث المبدأ، وتهم مختلف مواد وبنود المعاهدة باعتبارها كلا لا يتجزأ، ومن تم يستبعد اقتراح أية تعديلات عليها بالنظر إلى قيام أحكامها على أساس اتفاقي بين السلطات الوطنية المغربية و بين الأطراف الأخرى.
هذا وقد أكد الفصل 140 من النظام الداخلي لمجلس النواب، أنه "إذا أحيل على المجلس مشروع قانون بالإذن في المصادقة على معاهدة أو بالموافقة على اتفاقية دولية سواء تلك التي تدخل في اختصاص المجلس طبقا للفقرة الثانية من الفصل 55 من الدستور أو التي يعرضها عليه الملك قبل المصادقة عليها حسب الفقرة الثالثة من الفصل 55 من الدستور، فإن المناقشة العمومية بخصوصها تنظم حسب البرنامج والترتيب الذين حددهما المكتب وفق القرارات التنظيمية لندوة الرؤساء، ولا يصوت على مواد المعاهدة أو الاتفاقية ولا يجوز تقديم أي تعديل بشأنهما".
إن فحص الاتفاقيات الملزمة لمالية الدولة تعتبر فرصة لإعمال البرلمان سلطته الرقابية على السياسة الحكومية في العلاقات الخارجية، كما أنها فرصة كذلك أمام اللجان البرلمانية وخاصة اللجنة المالية، لمطالبة الحكومة بتقديم تفسيرات بخصوص الديون الخارجية، وسياستها في التعاون الدولي .
وتجدر الإشارة إلى أنه باستثناء الفصل 55 من الدستور لا نجد مقتضيات دستورية أخرى تنظم إجراءات الموافقة البرلمانية على المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، كما أن القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 98 .7 لم يشر إلى الترخيص البرلماني بخصوص هذا النوع من المعاهدات إلا بشكل عمومي وشامل حيث نصت المادة 7 على أنه:" يمكن أن تلزم التوازن المالي للسنوات المالية اللاحقة، الأحكام المتعلقة بالموافقة على الاتفاقيات المالية"، وتنص كذلك المادة 19 على أنه:" تشمل الحسابات الخصوصية للخزينة، على حسابات الانخراط في الهيأة الدولية التي تبين فيها المبالغ المدفوعة والمبالغ المرجعة برسم مشاركة المغرب في الهيأة الدولية".
وبالتالي فالترخيص بالموافقة على المعاهدات الملزمة لمالية الدولة يتم حسب الفصل 55 من الدستور في شكل قانون يصوت عليه البرلمان.
المطلب الأول: موافقة البرلمان على القوانين الجبائية.
تعتبر الضريبة أداء نقذي يتحمله الشخص طبيعيا كان أو معنويا بصفة إجبارية ونهائية، ويقوم بدفعه دون مقابل من أجل تغطية النفقات العمومية وغيرها من الأهداف، وقد نص الدستور في الفصل 39 أنه:" على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها"، انطلاق من هذا النص يتضح أن للبرلمان وحده سلطة تشريع الضريبة وتوزيعها( الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى ذلك له كل الصلاحية في التصويت على النصوص الجبائية المدرجة ضمن مشروع قانون المالية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: سلطة البرلمان في التشريع الجبائي.
إن سلطة المشرع في المجال الضريبي، تشكل إحدى أهم تجليات ممارسة السيادة أي سلطة سن القانون وإعطاء الأمر بتنفيذه، وأن هذا الاختصاص في المجال الضريبي يعتبر إحدى المبادئ الأساسية للقانون العام، بمعنى هناك ارتباط عضوي بين الضريبة والقانون كظاهرتين لصيقتين بمفهوم السيادة، فالعلاقة بين الضريبة والقانون تعبر عن واقع سياسي أفرزه التطور التاريخي للبشرية من خلال اصطدامات وصراعات وثورات خاصة بين الملكيات المطلقة في أوربا والفئات الشعبية، أدت إلى إرساء قاعدة الموافقة على الضريبة من طرف الشعب عبر ممثليه أي التدخل الضروري للبرلمان في تأسيس أية ضريبة لكونه ممثلا للملزمين، وهكذا يرجع الفضل للضريبة التي كانت وراء نشوء وإرساء دعائم الأنظمة النيابية.
وهكذا فإن صلاحية البرلمان في المادة الضريبية هي صلاحية خاصة لا يمكن فصلها عن التطور الديمقراطي في هذا المجال، وتنبع أهمية تدخل البرلمان في المجال الجبائي انطلاقا من مبدأين أساسين ومختلفين، الأول يتعلق بمسألة التعبير عن السيادة الوطنية، فيما يرتبط الثاني بمبدأ القبول بالضريبة وهو مبدأ أساسي مدرج في جميع الدساتير الديمقراطية، ومنها الدستور المغربي حيث نص الفصل 39 أنه:" على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور".
وتظل أهم المستجدات التي أتى بها دستور 2011 على المستوى المالي، هو توسيع مجالات اختصاص القانون، ومن ضمنها المجالات ذات الطابع المالي، وخاصة الجبائي كالنظام الضريبي ووعاء الضرائب ومقدارها وطرق تحصيلها وكذا النظام القانوني لإصدار العملة ونظام البنك المركزي وأيضا نظام الجمارك، وهي عناصر حرص النص الدستوري الحالي على تحديدها بشكل صريح في الفصل 71 من الدستور، الذي يستبعد كل إمكانية لفرض اقتطاعات جبائية خارج إطار الشرعية القانونية.
وهكذا ينفرد البرلمان بتحديد الوعاء الضريبي، اختياره وطرق تقديره في إطار إحداث ضريبة جديدة لتحديد الأشخاص الخاضعين لها ومكان فرض الضريبة وكذا الواقعة المنشئة لها وطرق تقدير وعائها، أما بالنسبة لسعر الضريبة فلابد من تحديده من طرف المشرع مع بيان الأنشطة أو المواد أو المناطق الجغرافية المعفاة منها بصورة دقيقة وحصرية، وكذلك بالنسبة لأساليب وطرق تحصيل أية ضريبة ينبغي تحديدها من طرف المشرع كتعيين الهيئة أو الجهاز المكلف بتحصيلها وأسلوب جبايتها عن طريق جداول إسمية أو عن طريق الأداء العفوي وكذا مساطر المراقبة والمنازعات المتعلقة بها والغرامات الواجبة التطبيق أثناء تخلف الملزمين عن أدائها.
الفقرة الثانية: تصويت البرلمان على النصوص الجبائية.
يرتبط القانون الجبائي ارتباطا وثيقا بالقانون المالي، فغالبا ما تحديد الضرائب أو تعدلها أو تغير أسعارها أو تقرير الإعفاء منها أو الزيادة فيها عند إصدار القانون المالي، فهذا الأخير يحتوي على مجموعة من التدابير تتعلق أساسا بمجال الضريبة، غير أنه لا يمكن القول بأن كل الأمور المتعلقة بالضريبة يختص بها قانون المالية، حيث يمكن للقوانين العادية أن تنظم بعض الجوانب الخاصة بالضريبة، لكن عمليا يظهر الاختصاص البرلماني في المجال الضريبي، من خلال المناقشة والتصويت على قوانين المالية التي تتضمن إجراءات جبائية جديدة أو تعديلات تلحق الضرائب الجارية المفعول.
والتصويت على النصوص الجبائية المدرجة ضمن مشروع قانون المالية يتم وفقا للمسطرة التي حددها الدستور في الفصل 84 حيث ينص على أنه:"…يتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها عليه، ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البث فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين…"، هذا بالإضافة إلى التدابير التي حددها القانون التنظيمي لقانون المالية سواء تعلق الأمر بعملية الإداع المرتبطة بآجال محددة وصارمة أو عملية التصويت، وفي هذا الإطار نصت المادة 38 من القانون التنظيمي أنه:" يجري في شأن تقديرات المداخيل تصويت إجمالي فيما يخص الميزانية العامة".
وما ينبغي التأكيد عليه هو أن النصوص المتعلقة بالمادة الضريبية، شكلت إلى حد كبير الموارد الأكثر أهمية لتدخل البرلمان في المجال المالي، غير أن تدخل البرلمان في الميدان الجبائي أصبح يخضع لمتغيرات تحكمه وتأثر عليه، بدءا من الأساس الذي يعطي الاختصاص للجهاز التشريعي وانتهاء بالفاعلين الآخرين الذين يمارسون أدورا إما باسم القانون وإما باسم المصلحة الخاصة بجماعاتهم ومنظماتهم.
خاتمة:
يمكن القول أن للبرلمان صلاحيات دستورية وقانونية مهمة في المجال المالي، فمشاريع قوانين المالية لا يمكن اعتمادها إلا بموافقة البرلمان الذي يستنفذ في هذا الإطار مجموعة من المساطر لإقرار مدى مشروعيتها والموافقة عليها، كما أن له دور مهم في فحص مخططات التنمية، والترخيص للمعاهدات التي يترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة، إضافة إلى دوره في الموافقة على إحداث الضرائب وتوزيعها.
لكن ورغم أهمية هذه الصلاحيات فإن دور البرلمان يبقى جد محدود في التشريع المالي، نظرا لما تستأثر به الحكومة من وظيفة تشريعية في هذا المجال، مستغلة في ذلك مجموعة من الآليات الدستورية التي تخول لها هذا الحق.
وبالتالي يبقى التساؤل حول سبب هذه المحدودية تساؤلا مشروعا؟
لائحة المراجع
1- مؤلفات:
- د- المصطفى معمر:" مدخل لدراسة المالية العامة "، بدون دار نشر، مؤلف جامعي، طبعة 2007-2008
- د- عبدالنبي أضريف: "المالية العامة- أسس وقواعد تدبير الميزانية العامة ومراقبتها- "، دار أبي رقراق للطباعة والنشر- الرباط، الطبعة الثالثة 2012
- د- عبد القادر تيعلاتي:" المالية العامة المغربية والمقارنة"، الجزء الأول " قانون الميزانية"، منشورات المعهد العالي للدراسات القانونية والجبائية التطبيقية، الطبعة الثانية 1998
- د- عبدالفتاح بلخال: " علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي"، مطبعة فضالة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2005
- د- عبد الإله فونتير:" العمل التشريعي بالمغرب، أصوله التاريخية و مرجعياته الدستورية، دراسة تأصيلية و تطبيقية"، الجزء الثالث، تطبيقات العمل التشريعي و قواعد المسطرة التشريعية، سلسلة دراسات و أبحاث جامعية، عدد 4، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2002
- د- مصطفى منار: " الاقتطاع الضريبي والعدالة الاجتماعية"، بدون دار نشر، مؤلف جامعي، السنة الجامعية 2007
2- أطروحات:
- الهبري الهبري: "الاختصاصات المالية للبرلمان المغربي"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول – كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية- وجدة، السنة الجامعية 2005-2006
- FIKRI ELKBIR : « le parlement marocain et les finances publiques recherche sur le pouvoir financier», thèse de doctorat d’état en droit public, université Hassan II, Casablanca, année université 1984
3- جرائد ومحاضرات:
- د- محمد حيمود: محاضرة تحت عنوان" السلطة المالية للبرلمان "، كلية الحقوق سلا، السنة الجامعية 2010-2011
- ذ- امحمد قزبير:"الصلاحيات المالية للجهازين التشريعي والتنفيذي في ظل دستور 2011"، مقال منشور بجريدة المساء، بتاريخ 1 يناير 2012
4- نصوص قانونية:
- ظهير شريف رقم 91.11.1 صادر في 27 شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011 ، المتعلق بتنفيذ نص الدستور المراجع، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011
- ظهير شريف رقم 138.98 .1 صادر بتاريخ 07 شعبان 1419 الموافق لـ 26 نونبر 1998، متعلق بتنفيذ القانون التنظيمي لقانون المالية رقم 98.7، منشور بالجريدة الرسمية عدد 4644 بتاريخ 03 ديسمبر 1998
- النظام الداخلي لمجلس النواب، تمت الموافقة عليه من طرف المجلس بتاريخ 18 صفر 1433 موافق لـ 12 يناير 2012
- النظام الداخلي لمجلس المستشارين، تمت الموافقة عليه من طرف المجلس بتاريخ 16 ذي الحجة 1418 الموافق لـ 14 أبريل 1998
الفهرس
مقدمة:2…….…….……………………………………….
التصـمــــيم:…….…..….………………………………….4
المبحث الأول: صلاحية البرلمان في اعتماد قوانين المالية ومخطط التنمية الاقتصادية
والاجتماعية………...……………………………………………………5
المطلب الأول: اختصاص البرلمان في اعتماد قوانين المالية…………...…………..5
الفقرة الأولى: مناقشة البرلمان مشروع قانون المالية5…….………..………………
الفقرة الثانية: تصويت البرلمان على مشروع قانون المالية ….…..…………..…....11
المطلب الثاني: اختصاص البرلمان في اعتماد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية…..13
الفقرة الأولى: دور البرلمان في وضع مخطط التنمية…………….……………… 13
الفقرة الثانية: فحص البرلمان لمخطط التنمية والتصويت عليه…………….…..……14
المبحث الثاني: صلاحية البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والقوانين
الجبائية………………………………………………………………….16
المطلب الأول: اختصاص البرلمان في اعتماد المعاهدات الملزمة لمالية الدولة…...……16
الفقرة الأولى: ماهية المعاهدات الملزمة لمالية الدولة……………………………..16
الفقرة الثانية: فحص البرلمان المعاهدات الملزمة لمالية الدولة والترخيص لها…………17
المطلب الأول: موافقة البرلمان على القوانين الجبائية…...…………..…………….19
الفقرة الأولى: سلطة البرلمان في التشريع الجبائي……………….……………….19
الفقرة الثانية: تصويت البرلمان على النصوص الجبائية………………….………..20
خاتمة:…………………………………………………………………..22
لائحة المراجع:…………………………...………………………………23