في اطار تفعيل الديمقراطية التشاركية لتمكين المواطنين من المشاركة السياسية الفعلية وتدبير الشأن العام وصنع القرارات ذات الاولويات بالنسبة لهم، وإيجاد الحلول لإشكاليات التنمية ، نص الدستور الجديد في كل من فصله الاول ،الفصل الرابع عشر ،الفصل الخامس عشر في فصله المائة والتاسع والثلاثين ،على مشاركة المواطنين من خلال تقديم ملتمسات ( motions (في مجال التشريع أو تقديم العرائض ( pétitions) الى السلطات العمومية ،بالإضافة الى تمكين المواطنين والمواطنات والجمعيات من تقديم العرائض لمطالبة المجالس الجهات والجماعات الترابية بإدراج نقطة تدخل في اختصاصاته ضمن جدول اعماله ، ومن خلال ما تم التنصيص عليه دستوريا ، تبدو الأهمية الكبرى للديمقراطية التشاركية " DEMOCRACIEPARTICIPATIVE"الواردة في الدستور خصوصا في بابه الاول المتعلق بإحكام عامة حيت جاء في فصله الاول بان النظام الدستور للمملكة المغربية يقوم على اساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطية المواطنة والتشاركية وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة من جهة ،ومن الاخرى تجدير هذا المبدأ باعتباره اسلوب والية لتفادي سلبيات الديمقراطية التمثيلة "DEMOCRATIVE PEPRESENTAIVE " التي تتعرض للانتقادات لاذعة حتى من طرف المدافعين والداعين لها في الغرب الأوربي ،وذلك لكونها حسب بعض الباحتين لم تعد تفي بالمطلوب (1) مما يستدعي ايجاد الية تمكن من المشاركة الفعلية للمواطنين وترسيخ الثقة بين جميع الفاعلين في المجال السياسي، وبالتالي ادخال الترميمات الضرورية على الديمقراطية التمثيلية ، وذلك لكونها اصبحت تتصرف كالأنظمة الديكتاتورية ، واضحى بالتالي صنع القرار السياسي من اختصاص المؤسسات وتحت تأثير القوى الضاغطة وليس من صنع المواطنين. وصلة بما سبق، يقتضي المغزى من فهم تضمين الدستور المغربي للديمقراطية التشاركية ، التنزيل الديمقراطي له وبالتالي تفادي النقاشات الدائرة حوله حاليا، بالإضافة الى ذلك ، و يتبين من مضامين الدستور بان الديمقراطية التشاركية هي بمثابة الضوء/او الجسر لفهم مكانة العرائض والملتمسات المنصوص عليها في الدستور لكونهما شكلين من اساليب تفعيلها بالشكل المطلوب والمرغوب فيه. وعلى هذا الأساس ان الهدف من هذه الورقة، هو التعريف بالديمقراطية التشاركية من خلال الاستعانة بالتجارب الدولية في هذا الشأن ، و السعي بالتالي الى وضع كل من العرائض والملتمسات في اطار السياق التاريخي العام للتعريف بهما ، وسيتم التطرق الى ذلك من خلال الاجابة عن التساؤلات التالية :ماذا يعنى بالديمقراطية التشاركية؟ لماذا الديمقراطية التشاركية؟ ما هو مضمونها؟ ما الذي يميزها عن الديمقراطية التمثيلية؟ واذا كانت كل من العريضة والملتمس تعبير وترجمة للمبادئ الديمقراطية التشاركية ومبادرات شعبية لصنع القرارات والسياسات العمومية، ما القصد بالملتمس والعريضة؟ وما هي الاهداف المتوخاة من تطبيقات الديمقراطية التشاركية ؟ للإجابة عن هذه التساؤلات سيتم اتباع الخطوات التالية لتمكين القارئ من الاليات لفهم المتضمن في فصول الدستور والتي سبق الاشارة اليهما.
-حول نشأة وتطور الديمقراطية التشاركية : البحوث والدراسات التي تناولت اشكالية الديمقراطية التشاركية ،تشير الى ان الفضل في بروزها يرجع الى الولايات المتحدة الامريكية خلال فترة الستينيات من القرن الفائت ،حيت ان مواجهة الفقر والتهميش كانتا من بين العناصر الاساسية في الكشف عن اهمية الديمقراطية التشاركية ، فمن خلال اسلوب الحوار والتشاور مع الموطنين بشأن كيفية تدبير الشأن العام وصنع القرار الكفيل لمواجهة التحديات المطروحة محليا ، اسفرت الحصيلة بأن خلق نخبة محلية من المواطنين العاديين كان لها القدرة والقوة لطرح الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة ولمواجهة النخبة المهيمنة محليا والمتكونة من القوى الضاغطة والفاعلين في الحقل المحلي.
وفي اروبا الغربية ، تناثرت الدعوات هنا وهناك ،ومن ابرزها دعوة مؤتمر للاتحاد الأوربي حول الديمقراطية التشاركية المنعقد بالعاصمة البلجيكية بتاريخ 8و 9 من مارس 2004 ، حيت تم التأكيد على ' ان الديمقراطية الأوربية في ازمة :حصيلة يتقاسمها الكل "و" ان الديمقراطية التشاركية هي الحل للازمة وقيمة مضافة لدول الاتحاد الاوربي " و" يجب على الديمقراطية التشاركية ان تضخ دما جديدا للديمقراطية لتكمل الديمقراطية التمثيلية وتنمية التعاون مع باقي الشركاء الاجتماعين " (2) .
وفي فرنسا ،التجارب المطروحة تترجم بأن التنفيذ تم عبر مراحل ، وان لتصييغ التشاور/الحوار بشأن المشاريع الكبرى ( 3) الاثر الايجابي لحل النزاعات التي اندلعت حول خطوط القطار الفائق السرعة (TGV) بفرنسا في سنة 1992 ، كما تم اقرار أجرأة مبادئ الديمقراطية التشاركية من خلال اصدار قانون 27 فبراير 2002 المتعلق بديمقراطية القرب الذي اشترط في فصله الاول من الباب المتعلق بمشاركة السكان في الشؤون المحلية إحداث مجالس الاحياء بالمدن التي تتجاوز ساكنتها 80000 نسمة. وقد اسفرت الحصيلة بفرنسا ، عن ايجاد الحلول للمشاريع الكبرى والتي تواجه معارضة قوية عند تنفيذها واستخلاص الملاحظات الايجابية والسلبية حول المشروع والكفيلة بتطويره في نهاية الامر.
وخلص تقرير ل" سيدريك بولير" (4) حول الديمقراطية التشاركية ، ان مرد تضمين التشريعات للديمقراطية التشاركية يرجع الى : - عدم تمكن المواطنين من التعبير عن اهتماماتهم وطموحاتهم نظرا لتعدد المؤسسات وتنوعها - انتشار الاثر المباشر للدراسات النظرية حول المفهوم المشار اليه خصوصا في ابريطانيا والولايات المتحدة الامريكية و تم في هذا الشأن الاستعانة بالبحوث في حقل الفكر السياسي خصوصا المتعلق بالديمقراطية اليونانية والنظام الجمهوري في روما القديمة . واعتبر كل من " جوركن هابرماس " الالماني الاصل و"جون روول "من جهابذة المفكرين للديمقراطية التشاركية وكان من نتائج اطروحاتهما، ان القرار السياسي يأخذ مشروعيته من خلال الاقناع والحوار وان القرار الجيد يتم من خلال التداول بشأنه .
في تحديد مفهوم الديمقراطية التشاركية : الدراسات التي تناولت الديمقراطية التشاركية تعرفها ( 5)بانها نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الاولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة.كما تتفق على ان الديمقراطية التشاركية تتبنى مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام ،كما انها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات او المستشارين المحليين ،وانها مكملة للديمقراطية التمثيلية ، هذا التصور الاخير ليس هنا اتفاق بشأنه ، فحسب "انطوني جيدنر "عالم الاجتماع البريطاني "ليست –الديمقراطية التشاركية-امتداد للديمقراطية التمثيلية او الديمقراطية الليبرالية ولا حتى مكملة لها ولكنها من خلال التطبيق تخلق صيغا للتبادل الاجتماعي ( المقصود هو الادوار الاجتماعية)" والذي وفق تصوره " تساهم موضوعيا وربما بشكل حاسم في اعادة بناء التضامن الاجتماعي " (6) ان الحصيلة المشار اليها تحيل الى صياغة مفهوم جديد للديمقراطية يميزها عن الديمقراطية التمثيلية ، ذلك ما سيتم توضيحه.
-التمييز بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية :بالرجوع الى الباحث السوسيولوجي البريطاني السالف الذكر ،فالديمقراطية التمثيلية " صيغة لنظام حكم يتسم بانتخابات منتظمة وبالاقتراع العام وبحرية الفكر والحق العام في الترشح للمناصب العامة وتشكيل روابط سياسية ، كما خلص الى ان الديمقراطية التمثيلية يعنى بها الحكم بواسطة جماعات تفصل بينها وبين الناخب العادي ويخضع غالبا لهيمنة-اهتمامات -سياسية حزبية (7)فالديمقراطية التمثيلية وفق تصوره هي وليدة الديمقراطية الليبرالية التي ارتبطت بنشأة دولة الرفاه ( 8 )والدولة الامة فيما بعد الحرب الثانية وان الهدف هو تقاسم المخاطر بين الحاكمين والمحكومين الناجمة عن الحربين العالميتين.والجدير ذكره فإن المدافعين عن الليبرالية الديمقراطية وجدوا ضالتهم في الترويج لها عند انهيار الانظمة الاستبدادية والشمولية في اروبا الشرقية .ويقدم الباحث السالف الذكر في كتابه " بعيدا عن اليسار واليمين ،مستقبل السياسات الراديكالية " تفسيره الخاص به حول بزوغ الديمقراطية التمثيلية كحكم ارتبط بنشأة الدولة الامة وبدولة الرفاه للإجابة عن مخاطر الحروب وكيفية ادارة ذلك من خلال التضامن بين فئات المجتمع ، وان الديمقراطية التشاركية /او التداولية / او الحوار، هي جواب بديلأو رد عن مخاطر الليبرالية الجديدة (9 ) المتطرفة التي تنادي بتقليص دولة الرعاية الاجتماعية وان الدولة هي العدو ويجب عليها ان لا تتدخل ، و ان من نتائج الديمقراطية التشاركية درء المخاطر و الاشراك الفعلي للمواطنين في تدبير الشأن العام لمواجهة التحديات التي تطرحها العولمة المتوحشة.
-الطريق نحو دسترة المبادرات الشعبية :من داخل السياق العام السالف الذكر، اضحت تشكل المبادرات الشعبية وسيلة من وسائل الديمقراطية التشاركية ولصنع السياسات العمومية ولتدبير جيد للشأن العام، وكان بالتالي ان يكون المسلك هو صياغة الاطارات التشريعية والقوانين لتنظيم عمليات الاشراك في الصنع وفي التدبير ، وفي هذا الشأن فان الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ، تترجم وعي ورغبة المشرعين في اشراك المواطنين والمجتمع المدني في تدبير ومراقبة وتقويم السياسات العمومية من خلال دسترة المبادرتين الشعبيتين كشكلين من اشكال الديمقراطية التشاركية , ويتعلق الامر بتقديم الملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14 ) أو تقديم العرائض الى السلطات العمومية ( الفصل 15) و تمكين المواطنين والمواطنات والجمعيات من تقديم العرائض لمطالبة المجالس الجهات والجماعات الترابية بإدراج نقطة تدخل في اختصاصاته ضمن جدول اعماله ( الفصل 139)،كل لن يتم الا وفق قانون تنظيمي يحدد كيفية القيام بذلك ، ومما تجدر الاشارة اليه مكن الفصل 12 من الدستورالجمعيات والمنظمات غير الحكومية وفي اطار الديمقراطية التشاركية في اعداد قرارات ومشاريع لفائدة الجماعات الترابية والسلطات العمومية والقيام بتفعيلها وتقييمها ،كما أكد على ان تنظم المؤسسات والسلطات المشاركة طبقا للقانون ،ويترجم هذا المبدأ الدستوري الوعي بالإشكاليات الناجمة عن الانجاز الرديء للمخططات الجماعية للتنمية من طرف المجالس المنتخبة والوارد في المادة 36 من القانون 17.08 المغير والمتمم بموجبه القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي .
حصيلة :اسفرت التجارب حول الديمقراطية التشاركية، بانها نظام للحكم الجيد واعادة الثقة في السياسات الحكومية، وان من نتائجها التحاور وايجاد الحلول للمشاريع التي تلقى معارضة قوية من طرف المجتمع ،وانها طريقة للتقويم والتتبع والمراقبة الشعبية ،وانها كذلك عملية لترميم الديمقراطية التمثيلية ، فالديمقراطية التشاركية تجعل من المواطن العادي في قلب اهتماماتها ، وان للمبادرات الشعبية ويتعلق الامر بالعريضة والملتمسات الاكثر انتشارا لتفعيل الديمقراطية التشاركية .
الهوامش
(1) « LA DEMOCRATIEPARTICIPATIVE »état des lieux et premiers éléments de bilan , synthèse réalisée par Cédric Polère. Voir www.millenaire.com , document en PDF
(2)- نفس المرجع السالف الذكر
(3)- voir circulaire du 15 dec 1992 relative à la conduite des grands projets nationaux d’infrastructure ,in( ligifranec,gouv.fr)
(4) انظر تقرير سيدريك "، المرجع السالف الذكر
( 5-6-7-8) انطوني غيدنز ، بعيد عن اليسار واليمين ،مستقبل السياسات الراديكالية ، (ترجمة شوقي جلال )،عالم المعرفة ، عدد 286 ، اكتوبر2002
(9) اليفر شيفر ،انهيار الرأسمالية ، اسباب اخفاق السوق المحررة من القيود ، (ترجمة د.عدنان عباس علي ) ،عالم المعرفة ، عدد 371 ، يناير2010
-حول نشأة وتطور الديمقراطية التشاركية : البحوث والدراسات التي تناولت اشكالية الديمقراطية التشاركية ،تشير الى ان الفضل في بروزها يرجع الى الولايات المتحدة الامريكية خلال فترة الستينيات من القرن الفائت ،حيت ان مواجهة الفقر والتهميش كانتا من بين العناصر الاساسية في الكشف عن اهمية الديمقراطية التشاركية ، فمن خلال اسلوب الحوار والتشاور مع الموطنين بشأن كيفية تدبير الشأن العام وصنع القرار الكفيل لمواجهة التحديات المطروحة محليا ، اسفرت الحصيلة بأن خلق نخبة محلية من المواطنين العاديين كان لها القدرة والقوة لطرح الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة ولمواجهة النخبة المهيمنة محليا والمتكونة من القوى الضاغطة والفاعلين في الحقل المحلي.
وفي اروبا الغربية ، تناثرت الدعوات هنا وهناك ،ومن ابرزها دعوة مؤتمر للاتحاد الأوربي حول الديمقراطية التشاركية المنعقد بالعاصمة البلجيكية بتاريخ 8و 9 من مارس 2004 ، حيت تم التأكيد على ' ان الديمقراطية الأوربية في ازمة :حصيلة يتقاسمها الكل "و" ان الديمقراطية التشاركية هي الحل للازمة وقيمة مضافة لدول الاتحاد الاوربي " و" يجب على الديمقراطية التشاركية ان تضخ دما جديدا للديمقراطية لتكمل الديمقراطية التمثيلية وتنمية التعاون مع باقي الشركاء الاجتماعين " (2) .
وفي فرنسا ،التجارب المطروحة تترجم بأن التنفيذ تم عبر مراحل ، وان لتصييغ التشاور/الحوار بشأن المشاريع الكبرى ( 3) الاثر الايجابي لحل النزاعات التي اندلعت حول خطوط القطار الفائق السرعة (TGV) بفرنسا في سنة 1992 ، كما تم اقرار أجرأة مبادئ الديمقراطية التشاركية من خلال اصدار قانون 27 فبراير 2002 المتعلق بديمقراطية القرب الذي اشترط في فصله الاول من الباب المتعلق بمشاركة السكان في الشؤون المحلية إحداث مجالس الاحياء بالمدن التي تتجاوز ساكنتها 80000 نسمة. وقد اسفرت الحصيلة بفرنسا ، عن ايجاد الحلول للمشاريع الكبرى والتي تواجه معارضة قوية عند تنفيذها واستخلاص الملاحظات الايجابية والسلبية حول المشروع والكفيلة بتطويره في نهاية الامر.
وخلص تقرير ل" سيدريك بولير" (4) حول الديمقراطية التشاركية ، ان مرد تضمين التشريعات للديمقراطية التشاركية يرجع الى : - عدم تمكن المواطنين من التعبير عن اهتماماتهم وطموحاتهم نظرا لتعدد المؤسسات وتنوعها - انتشار الاثر المباشر للدراسات النظرية حول المفهوم المشار اليه خصوصا في ابريطانيا والولايات المتحدة الامريكية و تم في هذا الشأن الاستعانة بالبحوث في حقل الفكر السياسي خصوصا المتعلق بالديمقراطية اليونانية والنظام الجمهوري في روما القديمة . واعتبر كل من " جوركن هابرماس " الالماني الاصل و"جون روول "من جهابذة المفكرين للديمقراطية التشاركية وكان من نتائج اطروحاتهما، ان القرار السياسي يأخذ مشروعيته من خلال الاقناع والحوار وان القرار الجيد يتم من خلال التداول بشأنه .
في تحديد مفهوم الديمقراطية التشاركية : الدراسات التي تناولت الديمقراطية التشاركية تعرفها ( 5)بانها نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الاولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة والمشكلات المطروحة.كما تتفق على ان الديمقراطية التشاركية تتبنى مفهوما جوهريا يأخذ بعين الاعتبار دور المواطنين في المشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام ،كما انها تتسم بالتفاعل بين المواطنين والحكومات او المستشارين المحليين ،وانها مكملة للديمقراطية التمثيلية ، هذا التصور الاخير ليس هنا اتفاق بشأنه ، فحسب "انطوني جيدنر "عالم الاجتماع البريطاني "ليست –الديمقراطية التشاركية-امتداد للديمقراطية التمثيلية او الديمقراطية الليبرالية ولا حتى مكملة لها ولكنها من خلال التطبيق تخلق صيغا للتبادل الاجتماعي ( المقصود هو الادوار الاجتماعية)" والذي وفق تصوره " تساهم موضوعيا وربما بشكل حاسم في اعادة بناء التضامن الاجتماعي " (6) ان الحصيلة المشار اليها تحيل الى صياغة مفهوم جديد للديمقراطية يميزها عن الديمقراطية التمثيلية ، ذلك ما سيتم توضيحه.
-التمييز بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية :بالرجوع الى الباحث السوسيولوجي البريطاني السالف الذكر ،فالديمقراطية التمثيلية " صيغة لنظام حكم يتسم بانتخابات منتظمة وبالاقتراع العام وبحرية الفكر والحق العام في الترشح للمناصب العامة وتشكيل روابط سياسية ، كما خلص الى ان الديمقراطية التمثيلية يعنى بها الحكم بواسطة جماعات تفصل بينها وبين الناخب العادي ويخضع غالبا لهيمنة-اهتمامات -سياسية حزبية (7)فالديمقراطية التمثيلية وفق تصوره هي وليدة الديمقراطية الليبرالية التي ارتبطت بنشأة دولة الرفاه ( 8 )والدولة الامة فيما بعد الحرب الثانية وان الهدف هو تقاسم المخاطر بين الحاكمين والمحكومين الناجمة عن الحربين العالميتين.والجدير ذكره فإن المدافعين عن الليبرالية الديمقراطية وجدوا ضالتهم في الترويج لها عند انهيار الانظمة الاستبدادية والشمولية في اروبا الشرقية .ويقدم الباحث السالف الذكر في كتابه " بعيدا عن اليسار واليمين ،مستقبل السياسات الراديكالية " تفسيره الخاص به حول بزوغ الديمقراطية التمثيلية كحكم ارتبط بنشأة الدولة الامة وبدولة الرفاه للإجابة عن مخاطر الحروب وكيفية ادارة ذلك من خلال التضامن بين فئات المجتمع ، وان الديمقراطية التشاركية /او التداولية / او الحوار، هي جواب بديلأو رد عن مخاطر الليبرالية الجديدة (9 ) المتطرفة التي تنادي بتقليص دولة الرعاية الاجتماعية وان الدولة هي العدو ويجب عليها ان لا تتدخل ، و ان من نتائج الديمقراطية التشاركية درء المخاطر و الاشراك الفعلي للمواطنين في تدبير الشأن العام لمواجهة التحديات التي تطرحها العولمة المتوحشة.
-الطريق نحو دسترة المبادرات الشعبية :من داخل السياق العام السالف الذكر، اضحت تشكل المبادرات الشعبية وسيلة من وسائل الديمقراطية التشاركية ولصنع السياسات العمومية ولتدبير جيد للشأن العام، وكان بالتالي ان يكون المسلك هو صياغة الاطارات التشريعية والقوانين لتنظيم عمليات الاشراك في الصنع وفي التدبير ، وفي هذا الشأن فان الوثيقة الدستورية لسنة 2011 ، تترجم وعي ورغبة المشرعين في اشراك المواطنين والمجتمع المدني في تدبير ومراقبة وتقويم السياسات العمومية من خلال دسترة المبادرتين الشعبيتين كشكلين من اشكال الديمقراطية التشاركية , ويتعلق الامر بتقديم الملتمسات في مجال التشريع (الفصل 14 ) أو تقديم العرائض الى السلطات العمومية ( الفصل 15) و تمكين المواطنين والمواطنات والجمعيات من تقديم العرائض لمطالبة المجالس الجهات والجماعات الترابية بإدراج نقطة تدخل في اختصاصاته ضمن جدول اعماله ( الفصل 139)،كل لن يتم الا وفق قانون تنظيمي يحدد كيفية القيام بذلك ، ومما تجدر الاشارة اليه مكن الفصل 12 من الدستورالجمعيات والمنظمات غير الحكومية وفي اطار الديمقراطية التشاركية في اعداد قرارات ومشاريع لفائدة الجماعات الترابية والسلطات العمومية والقيام بتفعيلها وتقييمها ،كما أكد على ان تنظم المؤسسات والسلطات المشاركة طبقا للقانون ،ويترجم هذا المبدأ الدستوري الوعي بالإشكاليات الناجمة عن الانجاز الرديء للمخططات الجماعية للتنمية من طرف المجالس المنتخبة والوارد في المادة 36 من القانون 17.08 المغير والمتمم بموجبه القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي .
حصيلة :اسفرت التجارب حول الديمقراطية التشاركية، بانها نظام للحكم الجيد واعادة الثقة في السياسات الحكومية، وان من نتائجها التحاور وايجاد الحلول للمشاريع التي تلقى معارضة قوية من طرف المجتمع ،وانها طريقة للتقويم والتتبع والمراقبة الشعبية ،وانها كذلك عملية لترميم الديمقراطية التمثيلية ، فالديمقراطية التشاركية تجعل من المواطن العادي في قلب اهتماماتها ، وان للمبادرات الشعبية ويتعلق الامر بالعريضة والملتمسات الاكثر انتشارا لتفعيل الديمقراطية التشاركية .
الهوامش
(1) « LA DEMOCRATIEPARTICIPATIVE »état des lieux et premiers éléments de bilan , synthèse réalisée par Cédric Polère. Voir www.millenaire.com , document en PDF
(2)- نفس المرجع السالف الذكر
(3)- voir circulaire du 15 dec 1992 relative à la conduite des grands projets nationaux d’infrastructure ,in( ligifranec,gouv.fr)
(4) انظر تقرير سيدريك "، المرجع السالف الذكر
( 5-6-7-8) انطوني غيدنز ، بعيد عن اليسار واليمين ،مستقبل السياسات الراديكالية ، (ترجمة شوقي جلال )،عالم المعرفة ، عدد 286 ، اكتوبر2002
(9) اليفر شيفر ،انهيار الرأسمالية ، اسباب اخفاق السوق المحررة من القيود ، (ترجمة د.عدنان عباس علي ) ،عالم المعرفة ، عدد 371 ، يناير2010