ألقاها السيد وزير العدل والحريات
سم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب؛
حضرات السيدات والسادة
يشرفني ويسعدني أن أشارك معكم في هذا الملتقى العلمي الرفيع، وأن ألتقي بالسيدات والسادة أعضاء الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، وكذا بثلة من الفاعلين في ميدان الاقتصاد والقانون، من أجل تبادل الرؤى حول موضوع حيوي ألا وهو: دور القضاء في التنمية الاقتصادية.
ولا شك في أن تنظيم هذا اللقاء من طرف الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، ذات الحضور المهم في المشهد الاقتصادي المغربي ومنذ سنة 1923، ليعكس المستوى الرفيع لعلاقات الصداقة المتينة التي تربط بين المملكة المغربية والمملكة البريطانية، ويترجم ثقة أصدقائنا المستثمرين البريطانيين في الاقتصاد المغربي الواعد، واهتمامهم الكبير بالاستثمار في بلادنا مساهمة منهم في مجهودات التنمية بالمملكة.
وطبقا لبرنامج لقائنا هذا، ستتمحور مداخلتي حول استعراض النظام القضائي الحالي، مع التطرق لموضوع إصلاح منظومة العدالة، وبيان أهداف هذا الإصلاح. لاسيما ما يرتبط منها بدور القضاء في التنمية الاقتصادية.
حضرات السيدات والسادة
لقد نص الدستور الجديد للمملكة على ضمان الدولة لحرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر، وسهرها على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، وعزز ذلك بالنص على عدة آليات، سواء على المستوى القضائي أو على مستوى هيآت الحكامة والتقنين، وهي دعائم كفيلة بتحقيق تلك الخيارات الأساسية في ميدان الاقتصاد والاستثمار.
ومن أهم الآليات بهذا الخصوص، مقومات النظام القضائي، الذي تعتبر فعاليته بل وفعالية ونجاعة منظومة العدالة ككل، مدخلا أساسيا لتوفير المناخ الملائم للاستثمار والتنمية، وتشجيع المبادرة الحرة، وتوفير الأمن القضائي في ميدان الأعمال.
ولقد كان من أهم مستجدات الدستور، الارتقاء بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، والنص على ضمان الملك لاستقلال القضاء٬ وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية برئاسة جلالة الملك، فضلا عن النص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، وكذا دور القضاء في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياته وأمنهم القانوني.
ويعد تنزيل مقتضيات الدستور بهذا الخصوص، من أولويات المرحلة، كما أن إصلاح منظومة العدالة بكل مكوناتها يوجد في صدارة أوراش الإصلاح الكبرى التي تعرفها المملكة، وذلك بالنظر للدور الحيوي للقضاء في المجتمع الديمقراطي المعاصر، والمساهمة الفعالة للعدالة المعاصرة في دعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقبل أن أحدثكم عن الجهود التي نبذلها في مجال الإصلاح، من خلال الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، أود أن أعرض عليكم أولا تشخيصا مركزا لوضع نظامنا القضائي.
حضرات السيدات والسادة
يتميز النظام القضائي المغربي بوحدة القضاء، إذ توجد في قمته محكمة واحدة هي محكمة النقض، بحيث لا يتوفر على نظام قضائي إداري إلى جانب النظام القضائي العادي. لكن نظامنا القضائي، وفي ظل مبدأ وحدة القضاء، اتجه إلى إحداث محاكم موضوع متخصصة. فمنذ 1993، أصبح التنظيم القضائي، يشمل، بالإضافة إلى المحاكم الابتدائية ذات الاختصاص العام، محاكم إدارية متخصصة في المنازعات الإدارية، عززت سنة 2006 بمحكمتي استئناف إداريتين سنة 2006، كما تم في سنة 1997 إحداث محاكم تجارية تختص بالنظر في القضايا التجارية، تشمل المحاكم التجارية، ومحاكم الاستئناف التجارية، فضلا عن الغرفة التجارية بمحكمة النقض.
كما تم إحداث أقسام قضاء الأسرة (2004)، وإحداث محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم ابتدائية زجرية، وإحداث غرف استئنافية بالمحاكم الابتدائية، بخصوص بعض القضايا المدنية والقضايا الزجرية، وكذا إحداث أقسام الجرائم المالية ببعض محاكم الاستئناف (2011)؛ وإحداث قضاء القرب (2012).
كما يتميز نظامنا القضائي بكلفته المنخفضة والتقاضي على درجتين، والجمع بين نظام القضاء الفردي والقضاء الجماعي، وبين نظام المسطرة الكتابية والمسطرة الشفوية، وكذا وجوب تمثيل الأطراف من قبل محام في معظم القضايا. ويتعدد المتدخلون في العملية القضائية لاسيما القضاة (3718 قاض، منهم 816 قاضية أي بنسبة 22 % من مجموع القضاة)، وموظفو كتابة الضبط (14588) والمحامون (10.498)، والمفوضون القضائيون (1.232)، والخبراء (3.023)، والتراجمة (323)، والعدول (2905) والموثقون (986) والنساخ (759) فضلا عن الضابطة القضائية.
ولقد أجرت وزارة العدل والحريات تشخيصا لوضعية منظومة العدالة في بلدنا، أبان عن وجود العديد من الصعوبات التي يتعين مواجهتها:
فقد لوحظ وجود تضخم في عدد المحاكم، الذي بلغ 110 محكمة موضوع، فضلا عن مراكز القضاة المقيمين، وهي وضعية تقتضي العمل على ترشيد خريطتنا القضائية وعقلنتها.
كما أبان التشخيص عن تزايد عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم:3.372.054 قضية سنة 2011. في حين لم يبلغ عدد القضايا المحكومة سوى 2.456.469 قضية أي أن 72,85% من القضايا فقط هي التي يتم البت فيها، بحيث تخلف أمام محاكم الموضوع ما مجموعه 915.305 قضية أي 27,15% من القضايا الرائجة. كما أن نسبة هامة من الأحكام تبقى من غير تنفيذ (20%)، مع وجود صعوبات في التنفيذ، وإشكاليات في طرق التبليغ تساهم في البطء في البت في القضايا.
كما أنه وعلى مستوى ولوج القضاء، لوحظ وجود نقص في بنية الاستقبال، وفي نظام المساعدة القضائية، وفي اللجوء إلى الطرق البديلة لحل المنازعات. وهو ما يقتضي الارتقاء بالبنية التحتية للمحاكم، ومواصلة جهود تحديث طرق الإدارة القضائية، وتكثيف استعمال التكنولوجيا الحديثة في إدارة القضايا من أجل تسريع الإجراءات.
ومن جهة أخرى، فقد تبين أن السياسة الجنائية في حاجة إلى تطوير يساهم في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، مع ضرورة الارتقاء بقدرات التكوين والتأهيل لكل العاملين في الميدان القضائي، وسد الخصاص في الموارد البشرية، والرفع من الميزانية المخصصة لقطاع العدل (1,88% من الميزانية العامة للدولة برسم سنة 2011)، هذا فضلا عن تزايد مطالب فعاليات المجتمع المدني باتخاذ مبادرات لتعزيز جهود تخليق منظومة العدالة بكل مكوناتها، ودعم شفافيتها، وتفعيل دور القضاء في تخليق الحياة العامة، وتعزيز دوره في مجال النهوض بحقوق الإنسان.
وكما تلاحظون فإن هناك جملة من الصعوبات والإشكاليات التي يتعين التغلب عليها، من أجل تمكين القضاء من القيام بدوره الكامل في مجتمعنا المعاصر، ومن هنا كان منطلق ضرورة الانخراط في جهود نوعية من أجل إصلاح منظومة العدالة.
حضرات السيدات والسادة
في يوم 8 مايو 2012 نصب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، وألقى جلالته كلمة سامية أعلن فيها عن إسباغ رعايته الملكية السامية على هذا الحوار. وستتولى هذه الهيئة الاستشارية كإطار تعددي وتمثيلي، يتيح انفتاح القضاء على محيطه الداخلي والخارجي٬ مهمة الإشراف على هذا الحوار الوطني ورفع مشاريع توصيات بشأن إصلاح منظومة العدالة للنظر السامي لصاحب الجلالة.
ويشكل هذا الحوار الوطني منهجية جديدة في مجال إصلاح منظومة العدالة، قائمة على إشراك كل الفعاليات المعنية. كما أن مجرياته تتم من خلال عدة أجهزة وآليات، تتمثل في الهيئة العليا المشرفة على الحوار، وهيئة الحوار الوطني التي تضم 190 ممثلا عن القطاعات الوزارية وفعاليات المجتمع المدني وممثلي مختلف الجمعيات المهنية (قضاة، كتاب الضبط، محامون، باقي مساعدي القضاء)، ثم الندوات الجهوية للحوار التي ستتوج بمناظرة وطنية للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، هذا فضلا عن المقترحات المكتوبة لمختلف الفعاليات بشأن الإصلاح ، وكذا مواكبة الحوار على صعيد الندوات الجهوية لمختلف الدوائر القضائية لمحاكم الاستئناف، والزيارات الميدانية للدوائر القضائية، والاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية في مجال الإصلاح.
وفي إطار الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية في مجال إصلاح منظومة العدالة، فقد تلقينا عرضا كريما من السفارة البريطانية بإيفاد السيد Sir Robin Auld ، وهو قاض سام سابق وخبير في مجال إصلاح النظام القضائي، من أجل التعريف بالتجربة البريطانية في هذا المجال. وقد تعرفنا لحد الآن على تجارب فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والدانمارك والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وذلك في عدة مجالات للإصلاح، كما نبرمج مع شركائنا في البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، إيفاد خبراء دوليين في مجال إصلاح منظومة العدالة.
وتتمحور مواضيع الحوار حول معالجة الإشكاليات الكبرى التي تواجهها العدالة المغربية، وبالأخص المواضيع التالية، التي تعالج على مستوى الندوات الجهوية:
1. التنظيم القضائي والنجاعة القضائية وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة؛
2. تأهيل المهن القضائية؛
3. تأهيل الموارد البشرية؛
4. تخليق منظومة العدالة؛
5. تطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة؛
6. استقلال السلطة القضائية؛
7. الحكامة وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم؛
8. تأهيل قضاء الأعمال؛
9. تأهيل قضاء الأسرة؛
10. القضاء والإعلام.
ولحد الساعة تم تنظيم ست ندوات جهوية، بعدة مدن ودوائر قضائية، وستكون الندوة السابعة بعد أيام بمدينة الداخلة، حول موضوع الحكامة وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم، وسيتم في أكادير تنظيم الندوة المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، وستحتضن مدينة طنجة الندوة المتعلقة بتأهيل قضاء الأعمال، وسيتم تنظيم الندوة المتعلقة بقضاء الأسرة بمدينة سطات لتختتم الندوات الجهوية بندوة بالرباط حول القضاء والإعلام. وستتوج هذه الندوات بمناظرة وطنية كبرى ستنظم مبدئيا خلال شهر مارس من السنة المقبلة.
وكما تلاحظون فقد قطع الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، أشواطا هامة، جرى فيها الحوار بكل حرية ومسؤولية، وقدمت في جلسات الحوار حلول ومقترحات بشأن مختلف المواضيع التي تم تطرق إليها.
حضرات السيدات والسادة
إن نجاح أي إصلاح يقتضي مقاربة متكاملة وشاملة لمختلف مجالات الإصلاح، وعلى ضوء ذلك تتجلى الأهداف المطلوب تحقيقها. وعموما، وفي انتظار ما ستسفر عنه فعاليات الحوار الوطني، فإنه يمكن تحديد الأهداف الاستراتيجية للإصلاحات المطلوبة فيما يلي:
• توطيد الثقة والمصداقية في القضاء المستقل والنزيه والفعال، وتعزيز دوره في ضمان ممارسة الحقوق والحريات وتأمين شروط المحاكمة العادلة تحقيقا للأمن القضائي.
• تسهيل ولوج المواطنين إلى العدالة والقانون، والرفع من شفافية وجودة الخدمات القضائية، وضمان سرعة الإجراءات.
• تأهيل منظومة العدالة وتحديثها خدمة للمواطن واستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهذه الأهداف العامة تتفرع بدورها إلى مجموعة كبيرة من الأهداف الخاصة، وتستلزم اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير، لتنزيل الإصلاح على ارض الواقع، على عدة مستويات، من أهمها:
1. توطيد استقلال القضاء:
وذلك من خلال تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية، وترجمتها إلى أحكام قانونية تطبيقية يتم تضمينها في القانون التنظيمي الخاص بالسلطة القضائية، والقانون التنظيمي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة؛
2. تسهيل الولوج إلى القانون والعدالة:
وذلك على المستويات الجغرافية، والمؤسسية، والإجرائية، من خلال مراجعة التنظيم القضائي وعقلنة الخريطة القضائية، ومراجعة قانون المسطرة الجنائية، وقانون المسطرة المدنية، وتفعيل المساعدة القضائية، ووضع نظام للمساعدة القانونية، ومواكبة ذلك بتعميم المعلوميات بقصد تعزيز شفافية الإجراءات، وتسريع إنجازها، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية.
وإلى جانب ذلك، تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات، لاسيما الوساطة التجارية والتحكيم التجاري.
3. تأهيل الفاعلين في المنظومة القضائية:
بسد الخصاص في الموارد البشرية، ووضع مخططات لحسن تدبيرها، والارتقاء بمستوى تكوينها، وتوفير التكوين الأساسي والمستمر للقضاة، وموظفي كتابة الضبط، والمهن القانونية والمساعدة للقضاء.
4. تخليق منظومة العدالة:
وذلك وفق ما تتطلبه العدالة من تمسك بالحياد، والنزاهة، والكفاءة، والتحلي بالسلوك القويم، بما يعزز ثقة المواطنين في منظومة العدالة؛
5. تحديث السياسة الجنائية، وتطوير العدالة الجنائية، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة:
من خلال مراجعة القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية في الاتجاه الذي يمكن من تحقيق تلك الأهداف، وكذا الملاءمة مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان.
6. تأهيل وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية:
من خلال إعادة هيكلة كتابة الضبط، وتحديث أساليب الإدارة القضائية، وارتكازها على التكنولوجيا الحديثة، حيث قررنا بهذا الصدد أن تكون سنة 2020 كأجل أقصى لتحقيق اللاتجسيد المادي للمساطر والإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية، وتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي والعمل المحوسب، والدخول بذلك في عصر المحكمة الرقمية. هذا مع توفير البنايات اللائقة للمحاكم، ومراعاة طبيعة مرفق القضاء في تخطيطها الهندسي، وتزويدها بالتجهيزات وأدوات العمل اللازمة بما يضمن تحسين ظروف استقبال المتقاضين بالمحاكم وتوفير ظروف العمل اللائقة للعاملين بها.
7. تحديث المنظومة القانونية:
لاسيما ما يتعلق بتبسيط الإجراءات، وقد تم وضع مخطط تشريعي يتضمن وضع أو مراجعة الكثير من النصوص القانونية في شتى المجالات.
حضرات السيدات والسادة؛
إن قوة الاقتصاد تتوقف على مدى حيوية المقاولات ونشاطها، وكذا على مدى فعالية استثمارات هذه المقاولات في المشاريع الإنمائية. ذلك أن دور المقاولات في نظام الاقتصاد الحر يتجلى في خلق الثروات، وتقديم الخدمات، وإيجاد فرص الشغل، وتحمل المقاولة لمسئوليتها في الميدان الاجتماعي.
غير أن نجاح المقاولة في هذه المهام يقتضي توفير المناخ الملائم لنشاطها، سواء على الصعيد القانوني أو المالي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وذلك حتى يمكنها أن تقوم بدورها التنموي والاقتصادي والاجتماعي على الوجه الأكمل.
ولقد كان من أهم الإجراءات المتخذة في ميدان دعم الاستثمار وتشجيعه، إنشاء محاكم تجارية بالمغرب سنة 1997، بهدف إيجاد هيآت قضائية متخصصة رفيعة المستوى للبت في المنازعات المرتبطة بالأعمال.
ومنذ إحداث المحاكم التجارية، فإنها قامت بدور هام في مجال البت في المنازعات التجارية بكفاءة ملحوظة، سواء من حيث سرعة البت في القضايا أو من حيث مستوى الأحكام الصادرة بشأنها.
ويدل على أهمية هذه المحاكم نشاطها المتزايد وارتفاع نسبة عدد القضايا المسجلة والمحكومة من قبلها.
فقد سجلت المحاكم التجارية في سنة 2011 ما مجموعه 134194 قضية وتم الحكم في 123722 قضية.
وقد سجلت المحكمة التجارية بالدار البيضاء لوحدها سنة 2011 ما مجموعه 81849 قضية أي ما نسبته 61% من مجموع القضايا المسجلة على صعيد المحاكم التجارية بالمغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد قضايا صعوبات المقاولة المسجل في سنة 2011 على صعيد المحاكم التجارية قد بلغ 910 قضية. ومعلوم أن المحاكم التجارية وبحكم الاختصاصات المسندة إليها في ميدان مساطر معالجة صعوبات المقاولة، أصبحت تمارس صلاحيات اقتصادية هامة، تتعدى صلاحيتها التقليدية المتمثلة في مجرد الحكم بالأداء، ذلك أن المحكمة التجارية بإمكانها أن تقرر في مسألة استمرار المقاولة في نشاطها أو إيقافه، أو اتخاذ عدة تدابير تتعلق بتسيير المقاولة، وهو ما يخرج بدور هذه المحاكم من مجرد صلاحيات قانونية إلى ممارسة عدة صلاحيات اقتصادية، بما قد يكون لذلك من آثار على الاقتصاد الجهوي بل وحتى على الاقتصاد الوطني برمته.
وإن وزارة العدل والحريات لتولي أهمية بالغة للرفع من مستوى أداء المحاكم التجارية، حتى تستطيع تلبية المتطلبات المستجدة لقطاع الأعمال في الحصول على خدمة قضائية من أعلى مستويات الجودة. فقد بذلت مجهودات كبرى في مجال تكوين قضاة المحاكم التجارية، وكذا تعميم المعلوميات على هذه المحاكم، والحرص على إعداد مواقع إلكترونية لتقديم خدماتها للمتقاضين عن بعد، والدخول في مشاريع المغرب الرقمي بإحداث المقاولات على الخط.
كما أن المخطط التشريعي للوزارة يتضمن عدة مشاريع تتعلق بإدخال تعديلات على قانون السجل التجاري، ومراجعة نظام معالجة صعوبات المقاولة لتلافي الاستعمال المعيب لهذه المساطر، ومراجعة مسطرة الأمر بالأداء، وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بالشيك.
كما أن الوزارة تنفذ برامج للتعاون الدولي في مجال الوسائل البديلة لحل المنازعات، لاسيما الوساطة التجارية (مؤسسة SFI التابعة للبنك الدولي)، وشرعت في تنفيذ مشروع "محكمتي" المتعلق بتحسين سير المحاكم والذي يهدف إلى تحقيق محاكم نموذجية، وهو برنامج يتم تنفيذه مع البنك الدولي ويبلغ غلافه المالي 12 مليون أورو، ومن جملة المحاكم التي يهمها هذا المشروع المحكمة التجارية ومحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء.
وبالنظر لأهمية القضاء في الميدان الاقتصادي، فقد حرصت الهيئة العليا للحوار الوطني على تخصيص ندوة جهوية خاصة بتأهيل قضاء الأعمال، وتكونت على صعيد الهيئة لجنة خاصة بهذا الموضوع.
حضرات السيدات والسادة
إننا واعون بالدور الذي تلعبه المقاولة في خلق الثروات، وإيجاد فرص الشغل، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أننا واعون بالدور الذي يقوم به القضاء النزيه في توجيه قرارات الاستثمار، وتوفير مناخ يبعث على الثقة، ويشجع على المبادرة ويحفز على الاستثمار.
وإن من شأن الإصلاحات الجارية بشأن منظومة العدالة بكل مكوناتها، أن تمكن القضاء المغربي من القيام بدوره الكامل في توفير المناخ الملائم لنشاط المقاولات، خاصة بالنسبة للمقاولة الصغيرة والمتوسطة، بما سيكون لذلك من آثار إيجابية على الميدان الاقتصادي وبيئة الاستثمار بصفة عامة.
ولاشك أن هذا اللقاء الذي تنظمه اليوم الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، سيساهم في بلورة مجموعة من المقترحات بشأن الدور الفعال للقضاء في مجال التنمية الاقتصادية.
مرة أخرى أشكركم على تنظيم هذا اللقاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
السيد رئيس الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب؛
حضرات السيدات والسادة
يشرفني ويسعدني أن أشارك معكم في هذا الملتقى العلمي الرفيع، وأن ألتقي بالسيدات والسادة أعضاء الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، وكذا بثلة من الفاعلين في ميدان الاقتصاد والقانون، من أجل تبادل الرؤى حول موضوع حيوي ألا وهو: دور القضاء في التنمية الاقتصادية.
ولا شك في أن تنظيم هذا اللقاء من طرف الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، ذات الحضور المهم في المشهد الاقتصادي المغربي ومنذ سنة 1923، ليعكس المستوى الرفيع لعلاقات الصداقة المتينة التي تربط بين المملكة المغربية والمملكة البريطانية، ويترجم ثقة أصدقائنا المستثمرين البريطانيين في الاقتصاد المغربي الواعد، واهتمامهم الكبير بالاستثمار في بلادنا مساهمة منهم في مجهودات التنمية بالمملكة.
وطبقا لبرنامج لقائنا هذا، ستتمحور مداخلتي حول استعراض النظام القضائي الحالي، مع التطرق لموضوع إصلاح منظومة العدالة، وبيان أهداف هذا الإصلاح. لاسيما ما يرتبط منها بدور القضاء في التنمية الاقتصادية.
حضرات السيدات والسادة
لقد نص الدستور الجديد للمملكة على ضمان الدولة لحرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر، وسهرها على ضمان تكافؤ الفرص للجميع، وعزز ذلك بالنص على عدة آليات، سواء على المستوى القضائي أو على مستوى هيآت الحكامة والتقنين، وهي دعائم كفيلة بتحقيق تلك الخيارات الأساسية في ميدان الاقتصاد والاستثمار.
ومن أهم الآليات بهذا الخصوص، مقومات النظام القضائي، الذي تعتبر فعاليته بل وفعالية ونجاعة منظومة العدالة ككل، مدخلا أساسيا لتوفير المناخ الملائم للاستثمار والتنمية، وتشجيع المبادرة الحرة، وتوفير الأمن القضائي في ميدان الأعمال.
ولقد كان من أهم مستجدات الدستور، الارتقاء بالقضاء إلى سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، والنص على ضمان الملك لاستقلال القضاء٬ وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية برئاسة جلالة الملك، فضلا عن النص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، وكذا دور القضاء في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياته وأمنهم القانوني.
ويعد تنزيل مقتضيات الدستور بهذا الخصوص، من أولويات المرحلة، كما أن إصلاح منظومة العدالة بكل مكوناتها يوجد في صدارة أوراش الإصلاح الكبرى التي تعرفها المملكة، وذلك بالنظر للدور الحيوي للقضاء في المجتمع الديمقراطي المعاصر، والمساهمة الفعالة للعدالة المعاصرة في دعم جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وقبل أن أحدثكم عن الجهود التي نبذلها في مجال الإصلاح، من خلال الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، أود أن أعرض عليكم أولا تشخيصا مركزا لوضع نظامنا القضائي.
حضرات السيدات والسادة
يتميز النظام القضائي المغربي بوحدة القضاء، إذ توجد في قمته محكمة واحدة هي محكمة النقض، بحيث لا يتوفر على نظام قضائي إداري إلى جانب النظام القضائي العادي. لكن نظامنا القضائي، وفي ظل مبدأ وحدة القضاء، اتجه إلى إحداث محاكم موضوع متخصصة. فمنذ 1993، أصبح التنظيم القضائي، يشمل، بالإضافة إلى المحاكم الابتدائية ذات الاختصاص العام، محاكم إدارية متخصصة في المنازعات الإدارية، عززت سنة 2006 بمحكمتي استئناف إداريتين سنة 2006، كما تم في سنة 1997 إحداث محاكم تجارية تختص بالنظر في القضايا التجارية، تشمل المحاكم التجارية، ومحاكم الاستئناف التجارية، فضلا عن الغرفة التجارية بمحكمة النقض.
كما تم إحداث أقسام قضاء الأسرة (2004)، وإحداث محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم ابتدائية زجرية، وإحداث غرف استئنافية بالمحاكم الابتدائية، بخصوص بعض القضايا المدنية والقضايا الزجرية، وكذا إحداث أقسام الجرائم المالية ببعض محاكم الاستئناف (2011)؛ وإحداث قضاء القرب (2012).
كما يتميز نظامنا القضائي بكلفته المنخفضة والتقاضي على درجتين، والجمع بين نظام القضاء الفردي والقضاء الجماعي، وبين نظام المسطرة الكتابية والمسطرة الشفوية، وكذا وجوب تمثيل الأطراف من قبل محام في معظم القضايا. ويتعدد المتدخلون في العملية القضائية لاسيما القضاة (3718 قاض، منهم 816 قاضية أي بنسبة 22 % من مجموع القضاة)، وموظفو كتابة الضبط (14588) والمحامون (10.498)، والمفوضون القضائيون (1.232)، والخبراء (3.023)، والتراجمة (323)، والعدول (2905) والموثقون (986) والنساخ (759) فضلا عن الضابطة القضائية.
ولقد أجرت وزارة العدل والحريات تشخيصا لوضعية منظومة العدالة في بلدنا، أبان عن وجود العديد من الصعوبات التي يتعين مواجهتها:
فقد لوحظ وجود تضخم في عدد المحاكم، الذي بلغ 110 محكمة موضوع، فضلا عن مراكز القضاة المقيمين، وهي وضعية تقتضي العمل على ترشيد خريطتنا القضائية وعقلنتها.
كما أبان التشخيص عن تزايد عدد القضايا الرائجة أمام المحاكم:3.372.054 قضية سنة 2011. في حين لم يبلغ عدد القضايا المحكومة سوى 2.456.469 قضية أي أن 72,85% من القضايا فقط هي التي يتم البت فيها، بحيث تخلف أمام محاكم الموضوع ما مجموعه 915.305 قضية أي 27,15% من القضايا الرائجة. كما أن نسبة هامة من الأحكام تبقى من غير تنفيذ (20%)، مع وجود صعوبات في التنفيذ، وإشكاليات في طرق التبليغ تساهم في البطء في البت في القضايا.
كما أنه وعلى مستوى ولوج القضاء، لوحظ وجود نقص في بنية الاستقبال، وفي نظام المساعدة القضائية، وفي اللجوء إلى الطرق البديلة لحل المنازعات. وهو ما يقتضي الارتقاء بالبنية التحتية للمحاكم، ومواصلة جهود تحديث طرق الإدارة القضائية، وتكثيف استعمال التكنولوجيا الحديثة في إدارة القضايا من أجل تسريع الإجراءات.
ومن جهة أخرى، فقد تبين أن السياسة الجنائية في حاجة إلى تطوير يساهم في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، مع ضرورة الارتقاء بقدرات التكوين والتأهيل لكل العاملين في الميدان القضائي، وسد الخصاص في الموارد البشرية، والرفع من الميزانية المخصصة لقطاع العدل (1,88% من الميزانية العامة للدولة برسم سنة 2011)، هذا فضلا عن تزايد مطالب فعاليات المجتمع المدني باتخاذ مبادرات لتعزيز جهود تخليق منظومة العدالة بكل مكوناتها، ودعم شفافيتها، وتفعيل دور القضاء في تخليق الحياة العامة، وتعزيز دوره في مجال النهوض بحقوق الإنسان.
وكما تلاحظون فإن هناك جملة من الصعوبات والإشكاليات التي يتعين التغلب عليها، من أجل تمكين القضاء من القيام بدوره الكامل في مجتمعنا المعاصر، ومن هنا كان منطلق ضرورة الانخراط في جهود نوعية من أجل إصلاح منظومة العدالة.
حضرات السيدات والسادة
في يوم 8 مايو 2012 نصب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، وألقى جلالته كلمة سامية أعلن فيها عن إسباغ رعايته الملكية السامية على هذا الحوار. وستتولى هذه الهيئة الاستشارية كإطار تعددي وتمثيلي، يتيح انفتاح القضاء على محيطه الداخلي والخارجي٬ مهمة الإشراف على هذا الحوار الوطني ورفع مشاريع توصيات بشأن إصلاح منظومة العدالة للنظر السامي لصاحب الجلالة.
ويشكل هذا الحوار الوطني منهجية جديدة في مجال إصلاح منظومة العدالة، قائمة على إشراك كل الفعاليات المعنية. كما أن مجرياته تتم من خلال عدة أجهزة وآليات، تتمثل في الهيئة العليا المشرفة على الحوار، وهيئة الحوار الوطني التي تضم 190 ممثلا عن القطاعات الوزارية وفعاليات المجتمع المدني وممثلي مختلف الجمعيات المهنية (قضاة، كتاب الضبط، محامون، باقي مساعدي القضاء)، ثم الندوات الجهوية للحوار التي ستتوج بمناظرة وطنية للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، هذا فضلا عن المقترحات المكتوبة لمختلف الفعاليات بشأن الإصلاح ، وكذا مواكبة الحوار على صعيد الندوات الجهوية لمختلف الدوائر القضائية لمحاكم الاستئناف، والزيارات الميدانية للدوائر القضائية، والاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية في مجال الإصلاح.
وفي إطار الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية في مجال إصلاح منظومة العدالة، فقد تلقينا عرضا كريما من السفارة البريطانية بإيفاد السيد Sir Robin Auld ، وهو قاض سام سابق وخبير في مجال إصلاح النظام القضائي، من أجل التعريف بالتجربة البريطانية في هذا المجال. وقد تعرفنا لحد الآن على تجارب فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والدانمارك والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وذلك في عدة مجالات للإصلاح، كما نبرمج مع شركائنا في البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، إيفاد خبراء دوليين في مجال إصلاح منظومة العدالة.
وتتمحور مواضيع الحوار حول معالجة الإشكاليات الكبرى التي تواجهها العدالة المغربية، وبالأخص المواضيع التالية، التي تعالج على مستوى الندوات الجهوية:
1. التنظيم القضائي والنجاعة القضائية وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة؛
2. تأهيل المهن القضائية؛
3. تأهيل الموارد البشرية؛
4. تخليق منظومة العدالة؛
5. تطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة؛
6. استقلال السلطة القضائية؛
7. الحكامة وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم؛
8. تأهيل قضاء الأعمال؛
9. تأهيل قضاء الأسرة؛
10. القضاء والإعلام.
ولحد الساعة تم تنظيم ست ندوات جهوية، بعدة مدن ودوائر قضائية، وستكون الندوة السابعة بعد أيام بمدينة الداخلة، حول موضوع الحكامة وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم، وسيتم في أكادير تنظيم الندوة المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، وستحتضن مدينة طنجة الندوة المتعلقة بتأهيل قضاء الأعمال، وسيتم تنظيم الندوة المتعلقة بقضاء الأسرة بمدينة سطات لتختتم الندوات الجهوية بندوة بالرباط حول القضاء والإعلام. وستتوج هذه الندوات بمناظرة وطنية كبرى ستنظم مبدئيا خلال شهر مارس من السنة المقبلة.
وكما تلاحظون فقد قطع الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، أشواطا هامة، جرى فيها الحوار بكل حرية ومسؤولية، وقدمت في جلسات الحوار حلول ومقترحات بشأن مختلف المواضيع التي تم تطرق إليها.
حضرات السيدات والسادة
إن نجاح أي إصلاح يقتضي مقاربة متكاملة وشاملة لمختلف مجالات الإصلاح، وعلى ضوء ذلك تتجلى الأهداف المطلوب تحقيقها. وعموما، وفي انتظار ما ستسفر عنه فعاليات الحوار الوطني، فإنه يمكن تحديد الأهداف الاستراتيجية للإصلاحات المطلوبة فيما يلي:
• توطيد الثقة والمصداقية في القضاء المستقل والنزيه والفعال، وتعزيز دوره في ضمان ممارسة الحقوق والحريات وتأمين شروط المحاكمة العادلة تحقيقا للأمن القضائي.
• تسهيل ولوج المواطنين إلى العدالة والقانون، والرفع من شفافية وجودة الخدمات القضائية، وضمان سرعة الإجراءات.
• تأهيل منظومة العدالة وتحديثها خدمة للمواطن واستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهذه الأهداف العامة تتفرع بدورها إلى مجموعة كبيرة من الأهداف الخاصة، وتستلزم اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير، لتنزيل الإصلاح على ارض الواقع، على عدة مستويات، من أهمها:
1. توطيد استقلال القضاء:
وذلك من خلال تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية، وترجمتها إلى أحكام قانونية تطبيقية يتم تضمينها في القانون التنظيمي الخاص بالسلطة القضائية، والقانون التنظيمي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة؛
2. تسهيل الولوج إلى القانون والعدالة:
وذلك على المستويات الجغرافية، والمؤسسية، والإجرائية، من خلال مراجعة التنظيم القضائي وعقلنة الخريطة القضائية، ومراجعة قانون المسطرة الجنائية، وقانون المسطرة المدنية، وتفعيل المساعدة القضائية، ووضع نظام للمساعدة القانونية، ومواكبة ذلك بتعميم المعلوميات بقصد تعزيز شفافية الإجراءات، وتسريع إنجازها، وتمكين المواطنين من الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية.
وإلى جانب ذلك، تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات، لاسيما الوساطة التجارية والتحكيم التجاري.
3. تأهيل الفاعلين في المنظومة القضائية:
بسد الخصاص في الموارد البشرية، ووضع مخططات لحسن تدبيرها، والارتقاء بمستوى تكوينها، وتوفير التكوين الأساسي والمستمر للقضاة، وموظفي كتابة الضبط، والمهن القانونية والمساعدة للقضاء.
4. تخليق منظومة العدالة:
وذلك وفق ما تتطلبه العدالة من تمسك بالحياد، والنزاهة، والكفاءة، والتحلي بالسلوك القويم، بما يعزز ثقة المواطنين في منظومة العدالة؛
5. تحديث السياسة الجنائية، وتطوير العدالة الجنائية، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة:
من خلال مراجعة القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية في الاتجاه الذي يمكن من تحقيق تلك الأهداف، وكذا الملاءمة مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حقوق الإنسان.
6. تأهيل وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية:
من خلال إعادة هيكلة كتابة الضبط، وتحديث أساليب الإدارة القضائية، وارتكازها على التكنولوجيا الحديثة، حيث قررنا بهذا الصدد أن تكون سنة 2020 كأجل أقصى لتحقيق اللاتجسيد المادي للمساطر والإجراءات أمام المحاكم، والحد من استعمال السجلات الورقية، وتجاوز مرحلة ازدواجية العمل اليدوي والعمل المحوسب، والدخول بذلك في عصر المحكمة الرقمية. هذا مع توفير البنايات اللائقة للمحاكم، ومراعاة طبيعة مرفق القضاء في تخطيطها الهندسي، وتزويدها بالتجهيزات وأدوات العمل اللازمة بما يضمن تحسين ظروف استقبال المتقاضين بالمحاكم وتوفير ظروف العمل اللائقة للعاملين بها.
7. تحديث المنظومة القانونية:
لاسيما ما يتعلق بتبسيط الإجراءات، وقد تم وضع مخطط تشريعي يتضمن وضع أو مراجعة الكثير من النصوص القانونية في شتى المجالات.
حضرات السيدات والسادة؛
إن قوة الاقتصاد تتوقف على مدى حيوية المقاولات ونشاطها، وكذا على مدى فعالية استثمارات هذه المقاولات في المشاريع الإنمائية. ذلك أن دور المقاولات في نظام الاقتصاد الحر يتجلى في خلق الثروات، وتقديم الخدمات، وإيجاد فرص الشغل، وتحمل المقاولة لمسئوليتها في الميدان الاجتماعي.
غير أن نجاح المقاولة في هذه المهام يقتضي توفير المناخ الملائم لنشاطها، سواء على الصعيد القانوني أو المالي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وذلك حتى يمكنها أن تقوم بدورها التنموي والاقتصادي والاجتماعي على الوجه الأكمل.
ولقد كان من أهم الإجراءات المتخذة في ميدان دعم الاستثمار وتشجيعه، إنشاء محاكم تجارية بالمغرب سنة 1997، بهدف إيجاد هيآت قضائية متخصصة رفيعة المستوى للبت في المنازعات المرتبطة بالأعمال.
ومنذ إحداث المحاكم التجارية، فإنها قامت بدور هام في مجال البت في المنازعات التجارية بكفاءة ملحوظة، سواء من حيث سرعة البت في القضايا أو من حيث مستوى الأحكام الصادرة بشأنها.
ويدل على أهمية هذه المحاكم نشاطها المتزايد وارتفاع نسبة عدد القضايا المسجلة والمحكومة من قبلها.
فقد سجلت المحاكم التجارية في سنة 2011 ما مجموعه 134194 قضية وتم الحكم في 123722 قضية.
وقد سجلت المحكمة التجارية بالدار البيضاء لوحدها سنة 2011 ما مجموعه 81849 قضية أي ما نسبته 61% من مجموع القضايا المسجلة على صعيد المحاكم التجارية بالمغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد قضايا صعوبات المقاولة المسجل في سنة 2011 على صعيد المحاكم التجارية قد بلغ 910 قضية. ومعلوم أن المحاكم التجارية وبحكم الاختصاصات المسندة إليها في ميدان مساطر معالجة صعوبات المقاولة، أصبحت تمارس صلاحيات اقتصادية هامة، تتعدى صلاحيتها التقليدية المتمثلة في مجرد الحكم بالأداء، ذلك أن المحكمة التجارية بإمكانها أن تقرر في مسألة استمرار المقاولة في نشاطها أو إيقافه، أو اتخاذ عدة تدابير تتعلق بتسيير المقاولة، وهو ما يخرج بدور هذه المحاكم من مجرد صلاحيات قانونية إلى ممارسة عدة صلاحيات اقتصادية، بما قد يكون لذلك من آثار على الاقتصاد الجهوي بل وحتى على الاقتصاد الوطني برمته.
وإن وزارة العدل والحريات لتولي أهمية بالغة للرفع من مستوى أداء المحاكم التجارية، حتى تستطيع تلبية المتطلبات المستجدة لقطاع الأعمال في الحصول على خدمة قضائية من أعلى مستويات الجودة. فقد بذلت مجهودات كبرى في مجال تكوين قضاة المحاكم التجارية، وكذا تعميم المعلوميات على هذه المحاكم، والحرص على إعداد مواقع إلكترونية لتقديم خدماتها للمتقاضين عن بعد، والدخول في مشاريع المغرب الرقمي بإحداث المقاولات على الخط.
كما أن المخطط التشريعي للوزارة يتضمن عدة مشاريع تتعلق بإدخال تعديلات على قانون السجل التجاري، ومراجعة نظام معالجة صعوبات المقاولة لتلافي الاستعمال المعيب لهذه المساطر، ومراجعة مسطرة الأمر بالأداء، وكذا بعض المقتضيات المتعلقة بالشيك.
كما أن الوزارة تنفذ برامج للتعاون الدولي في مجال الوسائل البديلة لحل المنازعات، لاسيما الوساطة التجارية (مؤسسة SFI التابعة للبنك الدولي)، وشرعت في تنفيذ مشروع "محكمتي" المتعلق بتحسين سير المحاكم والذي يهدف إلى تحقيق محاكم نموذجية، وهو برنامج يتم تنفيذه مع البنك الدولي ويبلغ غلافه المالي 12 مليون أورو، ومن جملة المحاكم التي يهمها هذا المشروع المحكمة التجارية ومحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء.
وبالنظر لأهمية القضاء في الميدان الاقتصادي، فقد حرصت الهيئة العليا للحوار الوطني على تخصيص ندوة جهوية خاصة بتأهيل قضاء الأعمال، وتكونت على صعيد الهيئة لجنة خاصة بهذا الموضوع.
حضرات السيدات والسادة
إننا واعون بالدور الذي تلعبه المقاولة في خلق الثروات، وإيجاد فرص الشغل، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أننا واعون بالدور الذي يقوم به القضاء النزيه في توجيه قرارات الاستثمار، وتوفير مناخ يبعث على الثقة، ويشجع على المبادرة ويحفز على الاستثمار.
وإن من شأن الإصلاحات الجارية بشأن منظومة العدالة بكل مكوناتها، أن تمكن القضاء المغربي من القيام بدوره الكامل في توفير المناخ الملائم لنشاط المقاولات، خاصة بالنسبة للمقاولة الصغيرة والمتوسطة، بما سيكون لذلك من آثار إيجابية على الميدان الاقتصادي وبيئة الاستثمار بصفة عامة.
ولاشك أن هذا اللقاء الذي تنظمه اليوم الغرفة التجارية البريطانية بالمغرب، سيساهم في بلورة مجموعة من المقترحات بشأن الدور الفعال للقضاء في مجال التنمية الاقتصادية.
مرة أخرى أشكركم على تنظيم هذا اللقاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته