MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




النظام العام والتحكيم الدولي

     

خالد الدك
طالب باحث
جامعة محمد الخامس السويسي الرباط



النظام العام والتحكيم الدولي
مقدمة:

إن تحديد مفهوم النظام العام و ما قد يثيره من مشاكل متعددة في الأنظمة القانونية المختلفة سواء من ناحية الطابع الوطني أو الدولي و أثر هذا المفهوم بالضرورة على اتفاق التحكيم بصورتيه تحكيم داخلي و خارجي، فإن فكرة النظام العام ترمي بصفة عامة إلى حماية المجتمع الوطني و الأسس الجوهرية التي يقوم عليها و حماية النظام القانوني الوطني، فهل حققت فكرة النظام العام حماية للنظام القانوني الوطني واستمرارية قوانين الدولة في مواجهة التحكيم الدولي؟ وما هي الحدود التي يكون فيها موضوع التحكيم مخالفا للنظام العام؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال مبحثين نخصص المبحث الأول لعلاقة النظام العام بالتحكيم الدولي والمبحث الثاني لآثار النظام العام على التحكيم الدولي.

المبحث الأول: علاقة النظام العام بالتحكيم الدولي


سنتطرق من خلال هذا المبحث إلى تحديد ماهية النظام العام(المطلب الأول) و كذا الحكم التحكيمي المخالف للنظام العامالداخلي والدولي(المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية النظام العام


يقتضي هذا المطلب مناقشة مفهوم النظام العام( الفقرة الأولى)، و نطاق تطبيق النظام العام(الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى: مفهوم النظام العام


يقصد بالنظام العام مجموعة من القواعد القانونية التي تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى و تعلو على مصلحة الأفراد الذين يجب عليهم جميعا مراعاة هذه المصلحة و تحقيقها، و لا يجوز لهم أن يناهضوها باتفاقات فيما بينهم حتى و إن حققت هذه الاتفاقات مصالح فردية لأن المصالح الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة ، و في هذا الإطار يقول الفقيه عبد الرزاق السنهوري في شرح مفهوم النظام العام ما يلي:" المسألة لا يجدي فيها نص تشريعي، و هي من أكثر المسائل القانونية تعقيدا، فنحن نريد أن نعرف ما إذا كانت قاعدة قانونية معينة تتعلق بنظام المجتمع الأعلى حتى يخضع لها الجميع و لا يجوز لأحد مخالفتها، أو هي قاعدة اختيارية لا يهم المجتمع أن يأخذ بها كل الناس، و كل شخص حر في إتباعها أو تعديلها كما شاء ".
و السؤال الذي يطرح في هذا الصدد ما هي حدود و نطاق النظام العام؟ هذا ما سنعالجه في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: نطاق النظام العام


هناك مسائل تتعلق بصميم نظام الدولة الذي لا يكون الفصل فيها إلا عن طريق محاكمه وكذلك الأمر بالنسبة للمسائل المتعلقة بالتجريم والعقاب، التي يتعين أن ينفرد بها قضاء الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للمسائل التي تتعلق بالحالة الشخصية للإنسان، و تعتبر في المغرب قواعد المواريث من النظام العام و انتقال الحقوق في التركات بطريق التوريث لمن لهم الحق فيه شرعا من النظام العام و ذلك باعتبارها من المسائل التي يلتقي بشأنها القانون بالدين و ليس بالعرف، مما يتعين معه أن يتولاها قضاء الدولة و إبعادها عن مجال التحكيم

المطلب الثاني: الحكم التحكيمي المخالف للنظام العام الداخلي والدولي


لا جرم أن القواعد الآمرة التي تصدر بداخل الدول ليست كلها بالضرورة قواعد متعلقة بالنظام العام باعتبار أن ليس كل نص آمر يتصل بالمصلحة العليا للدول أو يحمي نظامها العام الداخلي و الدولي، فما هو المعيار الفاصل؟

الفقرة الأولى: الحكم التحكيمي الداخلي


لنأخذ مثلا نزاعا يتعلق بتوزيع أرباح كازينو ألعاب القمار، فإذا أحيل هذا النزاع على التحكيم و صدر بشأنه حكم تحكيمي، ففي بعض الدول يعتبر موضوع هذا العقد عملية تجارية عادية و يذيل الحكم بالصيغة التنفيذية بدون أدنى مشكلة، ولكن الميسر و القمار في كثير من دول العالم مخالف للنظام العام كالسعودية و الإمارات العربية المتحدة .

الفقرة الثانية: الحكم التحكيمي الدولي


إذا كان النظام العام الداخلي نسبي و مرتبط بالمصلحة العليا الاجتماعية و الاقتصادية و الأخلاقية لمجتمع أو دولة ما، فإن النظام العام الدولي يعتبر هو المصلحة العليا الاجتماعية و الاقتصادية و الأخلاقية للمجتمع الدولي ، فلا يجوز في مجال التحكيم التجاري الدولي إهدار القيم الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية للشعوب و التي تعد وفقا لها متعلقة بالنظام العام أو القول بسمو النظام العام الدولي على النظام العام الداخلي رغم أن الأول تقتصر تطبيق أحكامه على حماية مصلحة فردية لطرف أجنبي و لا يجوز أيضا استبعاد القانون الداخلي المتعلق بالنظام العام بمقولة عدم احتوائه على حل للنزاع و مفسحا المجال للاستعاضة عنه بالمبادئ العامة للقانون الدولي ، على أن ما يخفف من غلو هذه الظواهر ما قررته اتفاقية نيويورك في المادة 14 من إمكانية عدم تنفيذ هذه الأحكام المخالفة للنظام العام الداخلي تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل ،و كذا ما قررته المادة5-2 منها من حق الدولة التي يراد الاعتراف بحكم التحكيم و تنفيذه على أرضها أن ترفض الاعتراف به أو تنفيذه إذا اصطدم بنظامها العام .

المبحث الثاني: آثار النظام العام على التحكيم الدولي


سوف نتدارس في هذا المبحث الآثار التي تحمي النظام القانوني الوطني(المطلب الأول) ثم وسائل حماية النظام القانوني الوطني( المطلب الثاني).

المطلب الأول: حماية النظام القانوني الوطني


إن الغاية من تقرير القواعد المتعلقة بالنظام العام تتجلى في دعم استمرارية قوانين الدولة(الفقرة الأولى) ثم حماية مصالح المجتمع(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: دعم استمرارية قوانين الدولة


إن تحديد مفهوم النظام العام و ما قد يثيره من مشاكل متعددة في الأنظمة القانونية المختلفة سواء من حيث الطابع الوطني أو الدولي، و أثر هذا المفهوم بالضرورة على اتفاق التحكيم بصورتيه تحكيم داخلي و خارجي، فإن فكرة النظام العام ترمي إلى دعم استمرارية قوانين الدولة الأساسية، و ثباتها باعتبارها انعكاسا راجعا لأوضاع اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و تاريخية مختلفة عن غيرها من النظم الأخرى .

الفقرة الثانية: حماية مصالح المجتمع


إن فكرة النظام العام تكمن بصفة عامة في أنها ترمي إلى حماية المجتمع الوطني و الأسس الجوهرية التي يقوم عليها، و أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية فإنه ذا طابع وطني صرف يهدف في الواقع سواء في العلاقات الداخلية أم في إطار العلاقات الدولية إلى تحقيق غرض رئيسي واحد هو حماية مصالح المجتمع .
ولأجلدعم الأسس الجوهرية التي ترمي إلى حماية المجتمع الوطني ينبغي إيجاد وسائل حمائية، هذا ما سوف نعالجه في المطلب الموالي.


المطلب الثاني: وسائل حماية النظام القانوني الوطني


إن أهم الوسائل التي تساهم في حماية النظام القانوني الوطني تتجلى في منع الأفراد من الاتفاق على ما يخالف النظام العام ( الفقرة الأولى) و كذلك استبعاد أحكام التحكيم الأجنبية التي تخالف النظام العام (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: منع الأفراد من الاتفاق على ما يخالف النظام العام


إن المسائل المتعلقة بأعمال سلطات الدولة الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية و التي تعرف بأعمال السيادة تعد إحدى الصور الواضحة للنظام العام، فطبيعة الدولة و دستورها و نظامها السياسي لا يتصور معه اللجوء بشأنها إلى التحكيم كنظر نزاع يتعلق بدستورية قانون أو قانونية مرسوم أو بصحة قرار إداري، فهي مسائل تتعلق بصميم نظام الدولة الذي لا يكون الفصل فيها إلا عن طريق محاكمها وهو ما يتنافى وإسناد النظر إلى الأفراد من أجل إبرام اتفاقات التحكيم بشأنها .

الفقرة الثانية: استبعاد أحكام التحكيم الأجنبية التي تخالف النظام العام


لقد أجازت معظم دول العالم تنفيذ الأحكام الأجنبية على أراضيها شرط المعاملة بالمثل، فإذا كان قانون البلد الأجنبي الصادر فيه الحكم المطلوب تنفيذه يشترط مثلا لتنفيذ الحكم المغربي مراجعته شكلا و موضوعا عومل الحكم الأجنبي بذات المعاملة، و إذا كان قانون البلد الأجنبي لا يعتد بالحكم المغربي مطلقا لقي الحكم الأجنبي الصادر منها ذات المعاملة، و هي ذات القواعد القانونية المطبقة على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في بعض البلدان العربية كمصر .

استنتاج:


إن التجاوزات التي اتجهت إليها العديد من أحكام التحكيم الدولية في عدم اعتدادها بقواعد النظام العام الداخلي التي يخضع لها أحد طرفي منازعة التحكيم بمقولة أنها متخلفة أو ليس فيها ما يعين المحكم على تطبيقها على موضوع النزاع بل و المسارعة في تطبيق ما يسمى بالقواعد العامة للدول أو المبادئ العامة في القانون الدولي، يدعونا للمناداة بوجوب تعديل أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم لوضع معيار واضح لمفهوم النظام العام الدولي الذي يجب التقيد به عند نظر المحكمين لمنازعات التحكيم الدولية و الذي يتعين أن يشتمل بالضرورة على مجال واسع و خصب لاعتبارات النظام العام الداخلي للدول متى تعلقت بالمسائل الاجتماعية و الاقتصادية لها و كذا المسائل المتصلة بالحالة الشخصية لمواطنيها.

النسخة الحاملة للهوامش سيتم إدراجها لاحقا




السبت 3 نونبر 2012

عناوين أخرى
< >

تعليق جديد
Twitter