عرفت علاقات المغرب بالإتحاد الأوروبي قفزة نوعية بعد منح المغرب صفة الوضع المتقدم في علاقته بهذا الأخير والذي يعني في معناه البسيط وضعية الشريك المميز، التي يكون فيها المغرب في وضع أقل من الوضع وأكبر من الشريك هو باختصار كل شيء باستثناء الانضمام إلى المؤسسات.
لكن هذا الوضع لم يتحقق للمغرب بالصدفة أو فجأة هكذا وإنما نتاج تطور لعلاقات وطيدة منذ القدم ، دفع بالراحل الحسن الثاني إلى التقدم بطلب رسمي لدى مجلس إتحاد أوروبي إلى الانضمام إلى الإتحاد، لكن رفض هذا الطلب سيجعل المغرب يفكر في صيغة أكثر واقعية لتكون إطارا لعلاقات المغرب بالإتحاد الأوروبي، شريكه الاقتصادي الأول، هكذا طلب الملك محمد السادس في زيارته إلى فرنسا منح المغرب وضعا متميزا يكون فيه أكثر من الشريك وأقل من العضو، ليتقدم المغرب بطلب رسمي في هذا الشأن سنة 2004 ، كلل بالتوقيع على اتفاق لوكسمبورغ يوم 13 أكتوبر 2008، بعد مفاوضات طويلة ، بمناسبة انعقاد اجتماع وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي.
والموضوع الذي بين أيدينا يكتسب أهميته من أهمية العلاقات المغربية الأوروبية، الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، وأيضا لإزالة الغموض واللبس حول خلفيات حصول المغرب على هذا الوضع ، ومضمونه وتحدياته، وهو كموضوع يثير مجموعة من الإشكالات منها :
ما هي الدوافع والأسباب التي كانت من وراء حصول المغرب على هذا الوضع؟
ما هو مضمون الوضع المتقدم؟
وما هي التحديات التي يطرحها على المغرب؟
للإجابة على هذه التساؤلات، اخترنا اعتماد التصميم الآتي:
المبحث الأول: بواعث حصول المغرب على الوضع المتقدم.
المبحث الثاني: آثار الوضع المتقدم على المغرب وتحدياته.
المبحث الأول: بواعث حصول المغرب على الوضع المتقدم.
المطلب الأول: دوافع حصول المغرب على الوضع المتقدم
الفقرة الأولى :الدوافع المغربية.
كان المغرب مدفوعا فمجموعة من الدوافع،عندما تقدم بطلب الحصول على الوضع المتقدم من أهمها:
رغبة المغرب في مأسسة و تعزيز العلاقات مع الإتحاد الأوربي.
رغبة المغرب في الحصول على موارد مالية جديدة من الشريك الاوربي تمكنه من تحقيق معدلات تنمية اكبر.
تعثر مسار برشلونة(نونبر 1995)للشراكة الأورومتوسطية ببعديها الثنائي و المتعدد الأطراف.
تفني الإتحاد الاوربي لسياسة الجوار جعلت المغرب يدفع باتجاه تعاون ثنائي بينه و بين الإتحاد الأوربي اساسه الوضع المتقدم.
آثار توسع الإتحاد الأوربي على المغرب،سواء من حيث المبادلات حيث اصبحت هناك تنافسية مع بلدان زراعية منضمة حديثا، أو من حيث المساعدات حيث أصبحت هذه الدول الحديثة الانضمام المستفيد الأول.
الفقرة الثانية: الدوافع الأوربية.
الإتحاد الاوربي شأنه شأن المغرب كان مدفوعا بعدة دوافع حفزته على قبول هذا الطلب من أهمها:
التحديات الأمنية المرتبطة بالأمن الاوربي .
الاخطار التي تعترض الدول الاوربية مصدرها الضفة الجنوبية و الشرقية للبحر المتوسط(الإرهاب،الهجرة السرية،المخدرات....).والقرب الجغرافي للمغرب جعله مصدرا لهذه الظواهر السلبية و هو ما دفع الإتحاد الأوربي إلى توقيع اتفاق الوضع المتقدم من أجل اتقاء هذه الأخطار عبر تعاون ملزم.
الفشل في تحقيق الأمن من خلال الرقابة المشددة على الحدود دفع بالإتحاد الأوربي إلى تعزيز الأمن عن طريق غرس التنمية.
تبني المغرب لنظام اقتصادي راسمالي مقبول و تناغمه مع الطروحات الأوربية.
الإصلاحات التي قام بها المغرب على عدة مستويات(السياسية،الحقوقية،تحديث القطاع المالي،توفير بيئة الاستثمار،خلق مشاريع كبرى للبنية التحتية...).
التنافس الجيوستراتيجي و التجاري الأوربي-الأمريكي على منطقة المتوسط سصفة عامة و المغرب العربي على وجه الخصوص، والذي يتجسد في مقاربتين للتنمية: الشراكة الأورومتوسطية لعام 1995،الشراكة المغاربية-الامريكية(مبادرة إيزنستات1998).
المطلب الثاني: مضمون الوضع المتقدم
الوضع المتقدم هو اتفاق شامل لمختلف مجالات التعاون ، يصب في هذا المقام،الالمام بكل تفصيلات،لهذا سنحاول تقديم أهم مضامينه .
الفقرة الأولى :على المستوى السياسي.
تدشين حوار سياسي واستراتيجي من خلال دعم جسور الحوار
بين برلمانيي المغرب والاتحاد الاوروبي في إطار مؤسساتي منتظم ،وهو اللجنة الأوربية المشتركة .
سيكون بمقدور المغرب الإنضمام وبنيات مجلس أوروبا.وهو الآن يتمتع بوضع شريك في الديمقراطية.
عقد قمة بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وهو ما تم بغرناطة يوم 6و7 مارس 2010، لدعم الإطار الجديد للعلاقات بين الجانبين.
تشيع التعاون بين الأحزاب والمجموعات السياسية.
من هنا يتبين أن هناك مأسسة للحوار السياسي ، وان المغرب سيحصل على كل شيئ، ما عدا المؤسسات، حيث رفض الإتحاد الأوروبي حق المشاركة في المؤسسات التنفيذية والتشريعية .
الفقرة الثانية :على المستوى الاقتصادي والاجتماعي
ينص الاتفاق على :
1. ايجاد فضاء اقتصادي مشترك بين المغرب والاتحاد الاوروبي ، وذلك من خلال العمل على الاندماج التدريجي للإقتصاد المغربي في نظيره الأوروبي ،من خلال ملائمة التشريعات ،اتفاق تبادل حر شامل،وإقامة شراكة اقتصادية واجتماعية.
2. ربط المغرب بالشبكة الطرقية الأوروبية ،بالإضافة إلى الشراكة القطاعية (ولوج المنتجات الصناعية للأسواق، حقوق الملكية الفكرية والصناعية ،حماية المستهلك...)
3. تنمية الشراكة بين القطاع الخاص لدى الطرفين.
4. تدعيم تحديث القطاع الفلاحي الذي انخرط فيه المغرب في إطار مخطط " المغرب الاخضر"
5. التنسيق في المجال الإجتماعي.
6. تقريب النظام التعليمي للطرفين.
7. تعزيز التعاون على العملي والتقني
8. تأسيس فريق عمل بين هيئات أرباب العمل والمهنيين.
9. تقويم التعاون في مختلف مجلات التشغيل
10. تشجيع شبكة التبادل والتشاور في مكونات المجتمع المدني
11. فيما يخص الدعم المالي وعلى اعتبار أن ميزانية الإتحاد الأوروبي محددة ومبرمجة في أفق 2013 ،تم التأكيد على استغلال كل الفرص الاضافية المتاحة في نطاق الميزانية الحالية، مع التزام أوروبي بزيادة الدعم بدأ من 2014.
المبحث الثاني :آثار الوضع المتقدم للمغرب وتحدياته
المطلب الأول: انعكاسات الوضع المتقدم على المغرب.
لقد كان للوضع المتقدم انعكاسات(ايجابية وسلبية) وآثار هامة على المغرب وعلى مختلف المستويات.
الفقرة الأولى:الانعكاسات الايجابية.
يوفر الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي امتيازات هامة ،ستنعكس ايجابا عليه منها :
سيستفيد المغرب من سوق تجاري ومالي ضخم .
- سيستفيد من البنية التحتية الأوربية المتطورة في النقل،الاتصالات والطاقة حيث سيضمن له الوضع المتقدم الولوج إليها دونما تكاليف من لدن مقاولاته وفاعليه الاقتصاديين ،خصوصا إذا علمنا أن حوالي 70بالمائة من صادرات المغرب موجهة نحو أوروبا وكذلك الأمر بالنسبة لوارداته.
- سيستفيد المغرب أيضا من مصادر تمويل،خبرات،استثمارات مباشرة أومشتركة.
- الاستفادة من الاندماج الكامل والتدريجي في السوق الداخلي للإتحاد الأوروبي .
الاستفادة من الدعم الأوروبي لتعزيز الإصلاحات ببلادنا على مختلف المستويات السياسية ،الاقتصادية، الاجتماعية .
الفقرة الثانية:الانعكاسات السلبية
إن الامتيازات التي تم ذكرها فيما سبق لاتعني أن الوضع المتقدم ،كل نعيم للمغرب ، بل إنه بيت طياته مجموعة من الإختلالات،التي قد تؤثر سلبا على المغرب منها:
1. اختلاف الرؤى الواضح،وتباين المصالح،يظهر جليا من أهداف ومضمون الإتفاقية ، إذ بينما يحكم الجانب المغربي الهاجس الاقتصادي،نجد أن الجانب الأوروبي يؤرقه الهاجس الأمني .
2. اختلاف البنى الاقتصادية بين الطرفين،اقتصاديات متطورة ومندمجة فيما بينها، في حين أن المغرب لاتزال دورته الاقتصادية مركزة على توزيع بدائي لسوق العمل .
3. البنية التحتية لاتزال ضعيفة بالمغرب مقارنة بأوروبا ،رغم التطور الملحوظ في السنين الأخيرة.
4. اختلاف الاكراهات التي تواجه الطرفين.
5. ضعف قدرة المغرب على منافسة واحد من أقوى الاقتصاديات العالمية ، نظرا للإختلال الواسع بين المقاولات المغربية ونظيرتها الأوروبية.
المطلب الثاني: التحديات التي يطرحها الوضع المتقدم على المغرب.
الوضع المتقدم الذي منح للمغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي ،يطرح تحديات كبرى على المغرب،في حجم المزايا التي سيستفيد منها،حيث سيجد نفسه مطالبا بالمضي قدما في مسيرة الإصلاح وبوثيرة أسرع(الفقرة الأولى)لمواجهة المخاطر الأمنية التي تحدق بأوروبا والمنطقة ككل(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :تحدي الإصلاحات.
الاتحاد الاوروبي منح المغرب الوضع المتقدم كاعتراف منه بالإصلاحات التي باشرها المغرب منذ التسعينات وبوتيرة أكبر في العشرية الأخيرة ،إلا أنه رغم ذلك يعتبرها لا زالت غير كافية ، من هنا سيصبح الوضع المتقدم أداة لمواكبة ودعم الإصلاحات الكبرى المطلوب القيام بها في المغرب على عدة مستويات:
إصلاح القضاء ومحاربة الفساد،
تضييق مساحات اقتصاد الريع والامتيازات المجانية،
تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة،بما فيما ذلك قضية الإصلاح الدستوري ، وهي أمور في الحقيقة حسم معها المغرب مع المراجعة الدستورية لسنة 2011 حيث تمت دسترة التوصيات في دستور جديد أقر توزيعا جديدا للسلط.
مسألة تعزيز احترام حقوق الإنسان .
الفقرة الثانية :التحديات الأمنية.
يواجه المغرب بموجب الوضع المتقدم الذي يضع عليه التزامات في المجال الأمني، -تحديات جمة متعلقة بملفات شائكة تؤرق الجانب الأوروبي تتمثل في:
-الهجرة السرية:المغرب باعتباره البوابة الجنوبية نحو أوروبا سيكون مطالبا بوقف تدفق المهاجرين السريين،والعمل على اتخاذ إجراءات تحد من هذه الظاهرة، باعتباره بلد عبور المهاجرين السريين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.
في هذا الصدد أحدث المغرب مديرية الهجرة ومراقبة الحدود، وأقر عقوبات صارمة.
-تجارة المخدرات:المشكل هنا يكمن في كثافة الانتاج في دول الجنوب،وكثافة الاستهلاك في دول الشمال.
فمنطقة الريف المغربية مثلا،تنتج3000 طن من مخدر الشيرا حيث احصائيات وردت في خطة الاتحاد الاوروبي لمحاربة المخدرات(2000-2004)يستهلك منها المغرب فقط13.38في المائة من القنب الهندي، في حين أن السوق الاسبانية تستهلك 66.91في المائة من القنب الهندي المغربي.
وفي سنة 1997 تم انشاء لجنة برلمانية ، مكلفة بالمخدرات أقرت في تقريرها النهائي ، أن القنب الهندي يحتل مساحة 70000 هكتار وينتج 50000 طن من الحشيش، مما جعله آنذاك أول منتج عالمي لهذه المادة، لكن هذه النسب انخفضت بفضل الجهود التي بذلت في السنين الأخيرة.
التحدي إذن هو مواجهة هذه المعضلة بعد فشل سياسة المراقبة الصارمة للحدود، اتجه الطرفان إلى محاولات خلق تنمية حقيقية بهذه المناطق، ورفع التهميش عنها، لجعل الساكنة تلجئ إلى زراعات بديلة وأنشطة أخرى.
-الإرهاب:إذ يؤكد استطلاع للرأي أن71 في المائة من الأوروبيين يعتبرون،أن الإرهاب هو التهديد الرئيسي الذي يواجه أوروبا ،في حين يرى 95في المائة أن هذا التهديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في سيات الاتحاد .وهذا ما يؤكد اهتمام الجانبين بهذا الجانب في اتفاق الوضع المتقدم .
لمساعدة المغرب على كسب هذه التحديات والرهانات الأمنية سيسمح للمغرب بالإنضمام إلى مجموعة من البرامج والوكلات الأمنية منها:
- برنامج تنمية ميكانيزمات مراقبة الحدود
- مشاركة المغرب في عمليات تكوين ودورات المدرسة الأوروبية للشرطة .(EMCDDA )
- المعهد العالي لمحاربة الجريمة.
خاتمة:
ختاما، يمكن القول أن الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي شكل حدثا هاما واستراتيجيا في العلاقات بين الجانبين،وينطوي على مجموعة من الايجابيات كما السلبيات،ويؤكد كما جاء في الكلمة التي وجهها الملك "محمد السادس"في قمة غرناطة أن "المغرب عاقد العزم على توطيد توجهه سواء لتحقيق تقارب مع الاتحاد الأوروبي أو للسير في شراكته مع الاتحاد إلى أبعد الحدود الممكنة..."،مما يجعلنا نتساءل نحن مآل الخيارات التي تتفاعل مع الاندماج التدريجي في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها خيار إحياء اتحاد المغرب العربي.
لكن هذا الوضع لم يتحقق للمغرب بالصدفة أو فجأة هكذا وإنما نتاج تطور لعلاقات وطيدة منذ القدم ، دفع بالراحل الحسن الثاني إلى التقدم بطلب رسمي لدى مجلس إتحاد أوروبي إلى الانضمام إلى الإتحاد، لكن رفض هذا الطلب سيجعل المغرب يفكر في صيغة أكثر واقعية لتكون إطارا لعلاقات المغرب بالإتحاد الأوروبي، شريكه الاقتصادي الأول، هكذا طلب الملك محمد السادس في زيارته إلى فرنسا منح المغرب وضعا متميزا يكون فيه أكثر من الشريك وأقل من العضو، ليتقدم المغرب بطلب رسمي في هذا الشأن سنة 2004 ، كلل بالتوقيع على اتفاق لوكسمبورغ يوم 13 أكتوبر 2008، بعد مفاوضات طويلة ، بمناسبة انعقاد اجتماع وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي.
والموضوع الذي بين أيدينا يكتسب أهميته من أهمية العلاقات المغربية الأوروبية، الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، وأيضا لإزالة الغموض واللبس حول خلفيات حصول المغرب على هذا الوضع ، ومضمونه وتحدياته، وهو كموضوع يثير مجموعة من الإشكالات منها :
ما هي الدوافع والأسباب التي كانت من وراء حصول المغرب على هذا الوضع؟
ما هو مضمون الوضع المتقدم؟
وما هي التحديات التي يطرحها على المغرب؟
للإجابة على هذه التساؤلات، اخترنا اعتماد التصميم الآتي:
المبحث الأول: بواعث حصول المغرب على الوضع المتقدم.
المبحث الثاني: آثار الوضع المتقدم على المغرب وتحدياته.
المبحث الأول: بواعث حصول المغرب على الوضع المتقدم.
المطلب الأول: دوافع حصول المغرب على الوضع المتقدم
الفقرة الأولى :الدوافع المغربية.
كان المغرب مدفوعا فمجموعة من الدوافع،عندما تقدم بطلب الحصول على الوضع المتقدم من أهمها:
رغبة المغرب في مأسسة و تعزيز العلاقات مع الإتحاد الأوربي.
رغبة المغرب في الحصول على موارد مالية جديدة من الشريك الاوربي تمكنه من تحقيق معدلات تنمية اكبر.
تعثر مسار برشلونة(نونبر 1995)للشراكة الأورومتوسطية ببعديها الثنائي و المتعدد الأطراف.
تفني الإتحاد الاوربي لسياسة الجوار جعلت المغرب يدفع باتجاه تعاون ثنائي بينه و بين الإتحاد الأوربي اساسه الوضع المتقدم.
آثار توسع الإتحاد الأوربي على المغرب،سواء من حيث المبادلات حيث اصبحت هناك تنافسية مع بلدان زراعية منضمة حديثا، أو من حيث المساعدات حيث أصبحت هذه الدول الحديثة الانضمام المستفيد الأول.
الفقرة الثانية: الدوافع الأوربية.
الإتحاد الاوربي شأنه شأن المغرب كان مدفوعا بعدة دوافع حفزته على قبول هذا الطلب من أهمها:
التحديات الأمنية المرتبطة بالأمن الاوربي .
الاخطار التي تعترض الدول الاوربية مصدرها الضفة الجنوبية و الشرقية للبحر المتوسط(الإرهاب،الهجرة السرية،المخدرات....).والقرب الجغرافي للمغرب جعله مصدرا لهذه الظواهر السلبية و هو ما دفع الإتحاد الأوربي إلى توقيع اتفاق الوضع المتقدم من أجل اتقاء هذه الأخطار عبر تعاون ملزم.
الفشل في تحقيق الأمن من خلال الرقابة المشددة على الحدود دفع بالإتحاد الأوربي إلى تعزيز الأمن عن طريق غرس التنمية.
تبني المغرب لنظام اقتصادي راسمالي مقبول و تناغمه مع الطروحات الأوربية.
الإصلاحات التي قام بها المغرب على عدة مستويات(السياسية،الحقوقية،تحديث القطاع المالي،توفير بيئة الاستثمار،خلق مشاريع كبرى للبنية التحتية...).
التنافس الجيوستراتيجي و التجاري الأوربي-الأمريكي على منطقة المتوسط سصفة عامة و المغرب العربي على وجه الخصوص، والذي يتجسد في مقاربتين للتنمية: الشراكة الأورومتوسطية لعام 1995،الشراكة المغاربية-الامريكية(مبادرة إيزنستات1998).
المطلب الثاني: مضمون الوضع المتقدم
الوضع المتقدم هو اتفاق شامل لمختلف مجالات التعاون ، يصب في هذا المقام،الالمام بكل تفصيلات،لهذا سنحاول تقديم أهم مضامينه .
الفقرة الأولى :على المستوى السياسي.
تدشين حوار سياسي واستراتيجي من خلال دعم جسور الحوار
بين برلمانيي المغرب والاتحاد الاوروبي في إطار مؤسساتي منتظم ،وهو اللجنة الأوربية المشتركة .
سيكون بمقدور المغرب الإنضمام وبنيات مجلس أوروبا.وهو الآن يتمتع بوضع شريك في الديمقراطية.
عقد قمة بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وهو ما تم بغرناطة يوم 6و7 مارس 2010، لدعم الإطار الجديد للعلاقات بين الجانبين.
تشيع التعاون بين الأحزاب والمجموعات السياسية.
من هنا يتبين أن هناك مأسسة للحوار السياسي ، وان المغرب سيحصل على كل شيئ، ما عدا المؤسسات، حيث رفض الإتحاد الأوروبي حق المشاركة في المؤسسات التنفيذية والتشريعية .
الفقرة الثانية :على المستوى الاقتصادي والاجتماعي
ينص الاتفاق على :
1. ايجاد فضاء اقتصادي مشترك بين المغرب والاتحاد الاوروبي ، وذلك من خلال العمل على الاندماج التدريجي للإقتصاد المغربي في نظيره الأوروبي ،من خلال ملائمة التشريعات ،اتفاق تبادل حر شامل،وإقامة شراكة اقتصادية واجتماعية.
2. ربط المغرب بالشبكة الطرقية الأوروبية ،بالإضافة إلى الشراكة القطاعية (ولوج المنتجات الصناعية للأسواق، حقوق الملكية الفكرية والصناعية ،حماية المستهلك...)
3. تنمية الشراكة بين القطاع الخاص لدى الطرفين.
4. تدعيم تحديث القطاع الفلاحي الذي انخرط فيه المغرب في إطار مخطط " المغرب الاخضر"
5. التنسيق في المجال الإجتماعي.
6. تقريب النظام التعليمي للطرفين.
7. تعزيز التعاون على العملي والتقني
8. تأسيس فريق عمل بين هيئات أرباب العمل والمهنيين.
9. تقويم التعاون في مختلف مجلات التشغيل
10. تشجيع شبكة التبادل والتشاور في مكونات المجتمع المدني
11. فيما يخص الدعم المالي وعلى اعتبار أن ميزانية الإتحاد الأوروبي محددة ومبرمجة في أفق 2013 ،تم التأكيد على استغلال كل الفرص الاضافية المتاحة في نطاق الميزانية الحالية، مع التزام أوروبي بزيادة الدعم بدأ من 2014.
المبحث الثاني :آثار الوضع المتقدم للمغرب وتحدياته
المطلب الأول: انعكاسات الوضع المتقدم على المغرب.
لقد كان للوضع المتقدم انعكاسات(ايجابية وسلبية) وآثار هامة على المغرب وعلى مختلف المستويات.
الفقرة الأولى:الانعكاسات الايجابية.
يوفر الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي امتيازات هامة ،ستنعكس ايجابا عليه منها :
سيستفيد المغرب من سوق تجاري ومالي ضخم .
- سيستفيد من البنية التحتية الأوربية المتطورة في النقل،الاتصالات والطاقة حيث سيضمن له الوضع المتقدم الولوج إليها دونما تكاليف من لدن مقاولاته وفاعليه الاقتصاديين ،خصوصا إذا علمنا أن حوالي 70بالمائة من صادرات المغرب موجهة نحو أوروبا وكذلك الأمر بالنسبة لوارداته.
- سيستفيد المغرب أيضا من مصادر تمويل،خبرات،استثمارات مباشرة أومشتركة.
- الاستفادة من الاندماج الكامل والتدريجي في السوق الداخلي للإتحاد الأوروبي .
الاستفادة من الدعم الأوروبي لتعزيز الإصلاحات ببلادنا على مختلف المستويات السياسية ،الاقتصادية، الاجتماعية .
الفقرة الثانية:الانعكاسات السلبية
إن الامتيازات التي تم ذكرها فيما سبق لاتعني أن الوضع المتقدم ،كل نعيم للمغرب ، بل إنه بيت طياته مجموعة من الإختلالات،التي قد تؤثر سلبا على المغرب منها:
1. اختلاف الرؤى الواضح،وتباين المصالح،يظهر جليا من أهداف ومضمون الإتفاقية ، إذ بينما يحكم الجانب المغربي الهاجس الاقتصادي،نجد أن الجانب الأوروبي يؤرقه الهاجس الأمني .
2. اختلاف البنى الاقتصادية بين الطرفين،اقتصاديات متطورة ومندمجة فيما بينها، في حين أن المغرب لاتزال دورته الاقتصادية مركزة على توزيع بدائي لسوق العمل .
3. البنية التحتية لاتزال ضعيفة بالمغرب مقارنة بأوروبا ،رغم التطور الملحوظ في السنين الأخيرة.
4. اختلاف الاكراهات التي تواجه الطرفين.
5. ضعف قدرة المغرب على منافسة واحد من أقوى الاقتصاديات العالمية ، نظرا للإختلال الواسع بين المقاولات المغربية ونظيرتها الأوروبية.
المطلب الثاني: التحديات التي يطرحها الوضع المتقدم على المغرب.
الوضع المتقدم الذي منح للمغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي ،يطرح تحديات كبرى على المغرب،في حجم المزايا التي سيستفيد منها،حيث سيجد نفسه مطالبا بالمضي قدما في مسيرة الإصلاح وبوثيرة أسرع(الفقرة الأولى)لمواجهة المخاطر الأمنية التي تحدق بأوروبا والمنطقة ككل(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى :تحدي الإصلاحات.
الاتحاد الاوروبي منح المغرب الوضع المتقدم كاعتراف منه بالإصلاحات التي باشرها المغرب منذ التسعينات وبوتيرة أكبر في العشرية الأخيرة ،إلا أنه رغم ذلك يعتبرها لا زالت غير كافية ، من هنا سيصبح الوضع المتقدم أداة لمواكبة ودعم الإصلاحات الكبرى المطلوب القيام بها في المغرب على عدة مستويات:
إصلاح القضاء ومحاربة الفساد،
تضييق مساحات اقتصاد الريع والامتيازات المجانية،
تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة،بما فيما ذلك قضية الإصلاح الدستوري ، وهي أمور في الحقيقة حسم معها المغرب مع المراجعة الدستورية لسنة 2011 حيث تمت دسترة التوصيات في دستور جديد أقر توزيعا جديدا للسلط.
مسألة تعزيز احترام حقوق الإنسان .
الفقرة الثانية :التحديات الأمنية.
يواجه المغرب بموجب الوضع المتقدم الذي يضع عليه التزامات في المجال الأمني، -تحديات جمة متعلقة بملفات شائكة تؤرق الجانب الأوروبي تتمثل في:
-الهجرة السرية:المغرب باعتباره البوابة الجنوبية نحو أوروبا سيكون مطالبا بوقف تدفق المهاجرين السريين،والعمل على اتخاذ إجراءات تحد من هذه الظاهرة، باعتباره بلد عبور المهاجرين السريين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.
في هذا الصدد أحدث المغرب مديرية الهجرة ومراقبة الحدود، وأقر عقوبات صارمة.
-تجارة المخدرات:المشكل هنا يكمن في كثافة الانتاج في دول الجنوب،وكثافة الاستهلاك في دول الشمال.
فمنطقة الريف المغربية مثلا،تنتج3000 طن من مخدر الشيرا حيث احصائيات وردت في خطة الاتحاد الاوروبي لمحاربة المخدرات(2000-2004)يستهلك منها المغرب فقط13.38في المائة من القنب الهندي، في حين أن السوق الاسبانية تستهلك 66.91في المائة من القنب الهندي المغربي.
وفي سنة 1997 تم انشاء لجنة برلمانية ، مكلفة بالمخدرات أقرت في تقريرها النهائي ، أن القنب الهندي يحتل مساحة 70000 هكتار وينتج 50000 طن من الحشيش، مما جعله آنذاك أول منتج عالمي لهذه المادة، لكن هذه النسب انخفضت بفضل الجهود التي بذلت في السنين الأخيرة.
التحدي إذن هو مواجهة هذه المعضلة بعد فشل سياسة المراقبة الصارمة للحدود، اتجه الطرفان إلى محاولات خلق تنمية حقيقية بهذه المناطق، ورفع التهميش عنها، لجعل الساكنة تلجئ إلى زراعات بديلة وأنشطة أخرى.
-الإرهاب:إذ يؤكد استطلاع للرأي أن71 في المائة من الأوروبيين يعتبرون،أن الإرهاب هو التهديد الرئيسي الذي يواجه أوروبا ،في حين يرى 95في المائة أن هذا التهديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في سيات الاتحاد .وهذا ما يؤكد اهتمام الجانبين بهذا الجانب في اتفاق الوضع المتقدم .
لمساعدة المغرب على كسب هذه التحديات والرهانات الأمنية سيسمح للمغرب بالإنضمام إلى مجموعة من البرامج والوكلات الأمنية منها:
- برنامج تنمية ميكانيزمات مراقبة الحدود
- مشاركة المغرب في عمليات تكوين ودورات المدرسة الأوروبية للشرطة .(EMCDDA )
- المعهد العالي لمحاربة الجريمة.
خاتمة:
ختاما، يمكن القول أن الوضع المتقدم الذي حصل عليه المغرب في علاقته بالاتحاد الأوروبي شكل حدثا هاما واستراتيجيا في العلاقات بين الجانبين،وينطوي على مجموعة من الايجابيات كما السلبيات،ويؤكد كما جاء في الكلمة التي وجهها الملك "محمد السادس"في قمة غرناطة أن "المغرب عاقد العزم على توطيد توجهه سواء لتحقيق تقارب مع الاتحاد الأوروبي أو للسير في شراكته مع الاتحاد إلى أبعد الحدود الممكنة..."،مما يجعلنا نتساءل نحن مآل الخيارات التي تتفاعل مع الاندماج التدريجي في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها خيار إحياء اتحاد المغرب العربي.