ابتدأ التوثيق في المغرب بسيطا جنينا قبل أن تكثر مؤلفاته وتنضبط قواعده وتصاغ قوانينه، تبعا لتشعب حياة الناس وازدياد رغباتهم وحاجاتهم في حماية معاملتهم، فظهر الكتاب المتخصصون في الوثائق سواء كانت وثائق سياسية كوثائق العهد والاستغلال والبيعة، أو اقتصادية كصياغة وثائق المعاملات التجارية.
وقد كان ظهور التوثيق القانوني في المغرب بصورة واضحة لأول مرة بعد صدور ظهير 4 ماي 1925 وكان الهدف من وراءه تسخير مساعي المستعمر, من أجل بسط نفوذه على رصيد عقاري مهم من الأراضي المغربية.يمكنه معها مواصلة التقدم في مخططه الاستعماري، وإن كانت أسباب ظهور مهنة التوثيق بالمغرب ترجع إلى ظروف تاريخية فرضت نفسها، فإنها تبقى من بين المخلفات الايجابية التي تركها المعمر كما هو الشأن بالنسبة لنظام التحفيظ العقاري وقانون الإلتزامات والعقود.
وتظل مهنة التوثيق تلعب دورا مهما في حماية حقوق الأفراد وتأمين ركائز السلم القانوني والعدالة الوقائية، داخل المجتمع، غير أن هذا الدور أصبح يعرف بعض القصور خلال السنين الأخيرة ومرد ذلك إلى عدم قدرة ظهير 4 ماي 1925 على مواكبة التطورات التي عرفها المجتمع المغربي، والتي أصبحت تتطلب صياغة قانون جديد لمهنة التوثيق.
وهو ما ثم بالفعل في ظهير رقم 179-11-1 الصادر بتاريخ 22 نونبر 2011 القاضي بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق والذي جاء في سياق تحديث المنظومة التشريعية وتجاوزها من شوائب الحماية ومواكبتها لتطلعات المجتمع المغربي الهادفة إلى ترسيخ دعائم الديمقراطية والمساواة.
فمهنة التوثيق من المهن القانونية المنظمة وتعتمد في تنظيمها على مرجعية قانونية تتمثل في القانون الأساسي للمهنة من خلال القواعد القانونية المنظمة لمهنة التوثيق بالإضافة إلى ما يعرف بأعراف المهنة وتقاليدها وأدبياتها الناتجة عن دور مهنة التوثيق في حماية الحقوق والأموال واستقرار المعاملات.
ونظرا لمكانة الموثق ودوره في نشر ثقافة العدالة الوقائية , فقد عمل القانون على حمايته والحفاظ على حقوقه سواء في التشريع السابق والتشريع الحالي.
فبالنسبة للتشريع السابق المجسد في ظهير 4 ماي 1925 الذي كان يتألف من 46 فصلا موزعة على 7 أبواب وهو قانون مر على صدوره لغاية صدور قانون 32.09 أكثر من 86 عاما فقد عمل على توفير مجموعة من الضمانات من أهمها أن الموثقين يعينون بظهير شريف.
أما على صعيد القانون 32.09 الصادر بتاريخ 22 نونبر 2011 والذي يتألف من 134 مادة موزعة على 8 أقسام .
- القسم الأول: تناول مهنة التوثيق من المواد 1 إلى 35.
- القسم الثاني: اختصاصات الموثق وتحرير العقود وحجيتها من المواد 35 إلى 58.
- القسم الثالث: المشاركة من المواد 59 إلى المواد 64.
- القسم الرابع: وهو المتعلق بعرضنا اليوم فيتعلق بالمراقبة والتأديب من المواد 65 إلى المواد 89 لكن ليمكن دراسة هذا الموضوع في معزل عن مواضيع الأقسام الأخرى.
- القسم الخامس: مقتضيات زجرية من المواد 90 إلى المواد 93.
- القسم السادس: صندوق مال الضمان من المواد 94 إلى المواد 96.
- القسم السابع: الهيئة الوطنية للموثقين من المواد 97 إلى 126.
- القسم الثامن: مقتضيات انتقالية وختامية من المواد 127 إلى 134.
- ضمانات ذاتية
- ضمانات خارجية
1- إحداث هيئة وطنية للموثقين من الفصل 97 إلى الفصل 104
2- إحداث مجلس وطني للموثقين من 105 إلى الفصل 107
3- إحداث مجالس جهوية للموثقين من 118 إلى الفصل 129
II- الضمانات الخارجية :
- إعطاء الإختصاص للنظر في المخالفات التأديبية للجنة خاصة حسب المادة 74
- النص على تقادم المتابعات التأديبية
- إعطاء المجلس الوطني للموثقين حق إبداء الرأي في كل متابعة تثار ضد موثق المادة 79.
- إسناد حق النظر في الطعون التي تصدرها لجنة التأديب إلى المحاكم الإدارية المادة 84.
- تمتيع الموثق بالحماية المنصوص عليها في الفصلين 263 و267 من القانون الجنائي المادة 92.
- معاقبة كل من أدع لقب موثق أو انتحل صفته الفصل 381 من القانون الجنائي المادة 93.
- التنصيص على تقادم دعوى الضمان التي تقام ضد الموثق المادة 95.
- إحداث معهد لتكوين المهني لتوثيق المادة 6
- تعيين الموثقين بقرار من الوزير الأول المادة 10.
- إعطاء الموثق الحق في اقتضاء أتعاب المادة 15.
- إلزام الموثق بتحرير العقود والوثائق باللغة العربية المادة 42.
- تحديد لجنة خاصة منصوص عليها في الفصل 11 من النظر في المخالفات التأديبية .
ونقترح في هذا الصدد المنهج المقارن من خلال عقد مقارنة بصفة ضمنية ما بين قانون 32.09 وقانون 4 ماي 1925 ولمعالجة الإشكالات المشار إليها سابقا فإننا سنعمد إلى وضع التصميم التالي:
المبحث الأول: الإطار القانوني لتأديب الموثقين
المطلب الأول: المخالفات التأديبية
المطلب الثاني: العقوبات التأديبية
المبحث الثاني: مسطرة التأديب وطرق الطعن في المقررات التأديبية
المطلب الأول: تحريك مسطرة التأديب
المطلب الثاني: طرق الطعن في المقررات التأديبية.
المبحث الأول : المخالفات والعقوبات التأديبية
المطلب الأول : المخالفات التأديبية
حدد المشرع من خلال القانون المتعلق بالتوثق العصري العديد من الالتزامات الواجب على الموثق مراعاتها أثناء ممارسة لمهنته ، وأيضا على أمور يمنع عليه إتيانها تحت طائلة قيام المسؤولية التأديبية المهنية[1].
ونجد بأن إخلال الموثق بالواجبات العامة التي تفرضها عليه وظيفته سواء ما تعلق منها بالسلوك العام أو بالسلوك الخاص أو بالثقة، أو بشرف المهنة ، فإنه يكون عرضة لمجموعة من العقوبات التي حددها المشرع.
فيما يلي سوف نحاول أن نقف عند أهم المخالفات التي تم التنصيص عليها من خلال الظهير الشريف رقم 179-11-1 الصادر في 22 نوفمبر 2011 المنظم لمهنة الثوتيق العصري.
الفقرة الأولى: المخالفات المتعلقة بواجب النصح وشرف المهنة والثقة
لا ينحصر دور الموثق في تحرير عقد الإشهاد على الاتفاقات الخارجية بين الطرفين المتعاقدين وإضفاء صفة الرسمية عليها، بل أيضا يعتبر ملزما بتحقيق النتيجة المتوخاة من العقد، والتزامه في هذا الشأن هو التزام تعدى بدل العناية إلى تحقيق الغاية، وهذا ما أقرته المادة 2 من الظهير السالف ذكره، والتي جاء في حيثياتها على أن "الموثق يتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة" وعلى هذا النحو فإن الإخلال بتطبيق هذه المقتضيات يعد خطأ قد يرتب أضرارا توجب المسؤولية وذلك وفق مقتضيات الفصل 39 من ظهير 04-05-1925 الذي استثنى من التعديل الذي أقره القانون الجديد 32.09 حيث يكون الموثقين مسؤولين ماليا بأنفسهم عما يحدثونه من الضرر والخسارة بسبب ما يصدر منهم أو من كتابهم أو من مستخدميهم أثناء القيام بخدمتهم.
وفي نفس السياق نجد الفصل 26 الذي أقر على أن الموثق يتحمل مسؤولية الأضرار المترتبة عن أخطائه المهنية، والأخطاء المهنية للمتمرنين لديه وأجراءه، وفق قواعد المسؤولية المدنية.
الفقرة الثانية: المخالفات المتعلقة بالتوسط في بيع أملاك غير قابلة للتفويت
ينبغي بداية التذكير على أن القانون هو الذي يحدد الأملاك الغير القابلة للتفويت كالأراضي الجماعية والأملاك الحبسية كقاعدة عامة، والأملاك العمومية وبالتالي فالأصل هو جواز بيع الملك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، أما بالنسبة للأملاك التي لا يجوز بيعها، إلا بعد استيفاء بعض الموجبات[2] ، فإننا ندرج حكم المحكمة الابتدائية بالرباط التي اعتبرت عقد البيع المنصب على عقار والمبرم قبل فرز الرسم العقاري الخاص به من الرسم العقاري الأم، مندرجا في إطار الفقرة 12 من الفصل 30 وأدانت الموثق المبرم لهذا العقد من أجل مخالفة التوسط في بيع عقار غير قابل للتفويت إلا بعد إتمام بعض الموجبات[3] .
الفقرة الثالثة : مخالفة الاحتفاظ بالمبالغ المالية المودعة لدى الموثق أكثر من شهر دون سلوك المسطرة المتبعة
فالموثق ملزم بتأمين المبالغ المودعة لديه داخل أجل أقصاه شهر من يوم توصله بها، عن طريق إيداعها بصندوق الإيداع والتدبير، ما لم يحصل على إذن كتابي ممن له مصلحة، أو أمر السيد رئيس المحكمة التي يعمل بدائرتها، على أن لا يتعدى أجل احتفاظه بتلك المبالغ ثلاثة أشهر في جميع الحالات.
وتعتمد المحكمة في إثبات المخالفة المذكورة في حق الموثق على إقراره، أو على مقارنة تاريخ تسليمه الأموال الثابتة بمقتضى العقد المبرم بواسطته أو الوصل المسلم من طرفه، مع تاريخ إيداع هذه الأموال بصندوق الإيداع والتدبير ، وذلك في حالة قيامه بالإيداع خارج الأجل، وإلا فإن المخالفة تابثة مادام الإيداع لم يتم أصلا[4].
وكإشارة لرقابة القضاء على الموثق نجد بان وكلاء الدولة ومندوبو الحكومة يراجعون مرة واحدة في السنة على الأقل صناديق الموثقين وحالة الأمانات المودعة لديهم.
الفقرة الرابعة: مخالفات متنوعة
أدرج المشرع مجموعة من المخالفات في إطار الباب الثالث المتعلق بحقوق وواجبات الموثق واعتبر على أنها موجبة للمتابعة التأديبية والزجرية ، فإذا كان المشرع قد منح للموثق مجموعة من الحقوق ، فإنه ألزمه بواجبات.
فنجد على أنه لا يحق للموثق تحت طائلة المتابعة التهديدية والزجرية، أن يتقاضى أكثر من أتعابه ومما أداه عن الأطراف من صوائر مثبتة [5]. كما نجد على أن الموثق ملزم بالمحافظة على السر المهني، ما عدا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ويقع نفس الإلزام على المتمرنين لديه وأجرائه.[6]
كما نص المشرع في المادة 25 " على أنه يمنع للموثق تسليم مستندات أو ملخص منها لغير من له الحق فيها طبقا للقانون" ويتحمل الموثق مسؤولية كل ما يضمنه في العقود والمحررات من تصريحات وبيانات يعلم مخالفتها للحقيقة أو كان بإمكانه معرفتها أو العلم بها.[7]
وفي إطار المخالفات الموجبة للمسؤولية المدنية فإن المادة 28 قد نصت على أن الموثق يسأل مدنيا إذا قضت المحكمة ببطلان عقد أنجزه بسبب خطئه المهني و نتج في هذا البطلان ضرر لأحد الأطراف.
المطلب الثاني : العقوبات التأديبية
إن المشرع المغربي وفي إطار ضبط القواعد المسطرية المشكلة للوجبات القانونية التي لا يحق للموثق مخالفتها وخرقها أقر بمجموعة من العقوبات التأديبية حيث أن هيئة الحكم المشكلة لغرفة المشورة تقوم بالتداول في ثبوت المخالفة أو المخالفات موضوع المتابعة في حق الموثق المتابع، استنادا إلى وثائق الملف وما راج أمامها من مناقشات ثم تخلص إلى قرار يشكل منطوقا لحكمها.[8]
فيما يلي سوف نحاول التعرض لأهم العقوبات التأديبية على ضوء التشريع بالاعتماد على المقارنة بين ظهير 1925 و2011. والاجتهاد القضائي.
الفقرة الأولى: العقوبات التأديبية من خلال ظهير 4 ماي 1925.
إن حالة تبوث المخالفة في حق الموثق تستوجب هذه المخالفة إصدار عقوبات تأديبية. وقد أجملها المشرع في عقوبات من الدرجة الأولى وتتمثل في الانذار والملام الذي يقيد في ملف الأوراق الخاصة بالموثقين، وعقوبات من الدرجة الثانية تتمثل في التعطيل من الخدمة مباشرة لمدة غير معينة والعزل[9]، وتصدر عقوبات الدرجة الأولى من طرف وكيل الدولة العام بناءا على تقرير وكيل الدولة لدى المحكمة الابتدائية التي بدائرتها مركز الموثق المتهم [10] وإذا ظهر بان التهمة الموجهة إلى الموثق تستوجب عقوبة من عقوبات الدرجة الثانية فينبغي لوكيل الدولة لدى المحكمة الابتدائية الذي بدائرتها مركز الموثق أن يحيل هذا الأخير لدى المحكمة كما أنه يمكن لوكيل الدولة العام أن يعطل الموثق عن مباشرة خطته مؤقتا إذا رأى ذلك لازما لمصلحة الخدمة وإذا ظهير أيضا لوكيل الدولة العام أن يقطع عن الموثق راتبه، فتعرض هذه المسألة على الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لينظر فيها ويصدر في شأنها أمرا خاصا ويجري العمل بما ذكر من التعطيل وقطع الراتب إلى أن يصدر حكم نهائي في القضية[11].
ونجد بأن المشرع المغربي قد أدرج مالا يعد عقوبة تأديبية في الفصل 37 حيث اعتبر أن نقل الموثق من مركز إلى آخر لا يعد عقوبة تأديبية , على اعتبار أن هذا التدخل يتم بظهير شريف يصدر بطلب من الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف ومن وكيل الدولة العام.
الفقرة الثانية: العقوبات التأديبية من خلال ظهير 22 نوفمبر 2011
على خلاف التقسيم الذي اعتمده المشرع للعقوبات التأديبية للموثق من خلال ظهير 1925 إلى عقوبات من الدرجة الأولى وعقوبات من الدرجة الثانية، فإنه قد أجمل هذه العقوبات من خلال المادة 75 من ظهير 2011، في الإنذار والتوبيخ والإيقاف من ممارسة المهنة لمدة لا تتجاوز سنة ثم العزل، واعتبر بأن العقوبات التأديبية الثلاث الأولى مقرونة بعقوبات إضافية كالحرمان من الحق في الترشيح لعضوية المجلس الوطني والمجالس الجهوية للموثقين أو التصويت في الانتخابات المتعلقة بهما وذلك لمدة لا تتجاوز خمس سنوات واعتبر بأن العقوبات التأديبية تصدر ضد كل موثق خالف النصوص القانونية المنظمة للمهنة، أو أخل بواجباته المهنية أو ارتكب أعمالا تمس بشرف المهنة أو الاستقامة أو التجرد أو الأخلاق الحميدة أو الأعراف الحميدة أو تقاليد المهنة ( ولا تحول المتابعات التأديبية دون تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو المتضررين زجرا للأفعال التي تكون جنحا وجنايات[12] ونجد بأن أهم إضافة جاء بها الظهير الجديد والتي تتعلق بمسألة إعفاء الموثق من مهامه حيث أن ذلك لا يحول دون متابعته تأديبيا الأفعال التي ارتكبها قبل الإعفاء.
الفقرة الثالثة: بعض المقتضيات الجزرية
لقد منع المشرع على الموثق القيام بمباشرة أو بواسطة الغير بأي عمل يدخل في نطاق سمسرة الزبناء أو جلبهم وأقر عقوبة في حقه تتمثل في الحبس من سنتين إلى 4 سنوات وبالغرامة من 20.000 إلى 40.000 درهم مع مراعاة العقوبات التأديبية التي قد تطبق على الموثق سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا[13].
ولا يجوز للموثق أن يضمن في اللوحة الموضوعة خارج البناية التي بها مكتبه أو بداخلها سوى اسمه الكامل وصفته كموثق وكذا لقب دكتور في الحقوق ويحدد شكل اللوحة بقرار لوزير العدل ويعاقب على مخالفة هذه الأحكام بغرامة 1200 إلى 5000 درهم.
هذا فيما يخص العقوبات التأديبية .وسنتطرق في المبحث التالي إلى مسطرة التأديب وطرق الطعن في الأحكام التأديبية.
المبحث الثاني : مسطرة التأديب وطرق الطعن في المقررات التأديبية
يتم تحريك مسطرة تأديب الموثق في حالة إخلاله بأحد الوجبات القانونية وكذا أعراف وأخلاقيات المهنة.
والمسؤولية بوجه عام هي حالة الشخص الذي ارتكب أمرا يستوجب المؤاخذة إذا كان هذا الأمر مخالفا لقواعد المهنة والأخلاق.
أما المسؤولية التأديبية تتجلى عموما في مخالفة القواعد والالتزامات المهنية التي يفرضها القانون المنظم للمهنة أو توجيهات واللوائح المهنية.
إذن فالتزام الموثق يتمثل في تحقيق نتيجة والمتمثلة في صحة المحرر الرسمي من الناحية الشكلية وإن كان الموثق ملزم ببذل عناية بخصوص إرشاد زبنائه ونصحهم فيما يخص البيانات الموضوعية.
وسنعالج في هذا المبحث مسطرة تأديب الموثقين من خلال ( المطلب الأول ) وسنتحدث فيه عن الجهة المكلفة بتحريك مسطرة المتابعة.ومسطرة التحقيق والمحاكمة وكذا سلطة المحكمة في تقرير العقوبة وسنتناول في ( المطلب الثاني) طرق الطعن في الأحكام التأديبية والجديد في هذا المنحى من خلال قانون 32.09.
المطلب الأول : تحريك مسطرة التأديب
في هذا الصدد سنتناول الجهة التي لها حق تحريك المسطرة التأديبية ومسطرة التحقيق والمحاكمة وسلطة المحكمة في هذا الاتجاه.
الفقرة الأولى: الجهة المكلفة بتحريك مسطرة التأديب
إذا كان ظهير 4 ماي 1925 لم يشر إلى الجهة المحركة لمسطرة تأديب الموثقين وبالتالي يتم الرجوع إلى القواعد العامة التي تربط المتابعة التأديبية بتوفر شرط المصلحة.
ولكن برجوعنا إلى قانون 32.09 نجد نص بصفة ضمنية على الجهة التي بإمكانها تحريك مسطرة المتابعة التأديبية من خلال الفصل 72 من قانون 32.09.
" يبدي المجلس الجهوي للموثقين النظر في كل شكاية أحيلت إليه من لدن الوكيل العام للملك، ويتعين عليه سواء في هذه الحالة أو إذا تلقي الشكاية مباشرة يرفع تقريرا في شأنها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعين بدائرة نفوذها الموثق المشتكى به..."
ويمكن القول أن المشرع حدد الجهة التي لها حق تحريك المتابعة التأديبية .
أولا: من خلال الوكيل العام للملك إما من تلقاء نفسه وإما عن طريق المتضرر من أعمال الموثق.
ثانيا: إما عن طريق المجلس الجهوي للموثقين إذا أحيلت عليه الشكاية بصفة مباشرة شرط تقديمه تقريرا حول موضوع الشكاية ويقدمه إلى الوكيل العام للملك.
وبعد تحريك مسطرة المتابعة تبدأ مسطرة التحقيق التي تنتهي بإصدار حكم تأديبي وهذا ما سنتناوله في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية : مسطرة التحقيق والمحاكمة
إذا كانت هذه المسطرة تبتدئ عادة بواسطة شكاية موجهة من طرف أحد المتعاقدين ضد الموثق إلى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف التي يوجد بدائرتها مقر الموثق.
وبعد دراسة موضوع الشكاية يتم استدعاء الموثق للاستماع إليه في محضر رسمي يسمى محضر الاستماع.
واختصاص للاستماع للموثق في ظهير 4 ماس 1924 منعقد للوكيل العام للملك الذي يمكنه إحالة الشكاية على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية.[14]
بعد ذلك تبدأ مسطرة المحاكمة التي تبدأ بمجرد فتح ملف المتابعة أمام غرفة المشورة وتتميز مسطرة المتابعة بخاصيتين
1/ خاصية السرية
2/ خاصية البت في غرفة المشورة
1- خاصية السرية
إذ تعقد الجلسة تطبيقا للمادة 34 من هيئة الحكم وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط وبحضور الموثق ومحاميه وتجدر الإشارة إلى أنه لا يحق للطرف المشتكي أو نائبه أن يحضرا الجلسة وفي حالة ما إن حضرا فيجب على المحكمة أن تطلب منهما الخروج.
وهذا ما تضمنه الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بتمارة بتاريخ 16 يوليوز 2010 تحت عدد 1 في الملف رقن 43/10/1 والذي جاء فيه:
بناء على إدراج الملف بالجلسة وحضور الموثق ومؤازره وكذلك حضور دفاع المشتكي حيث تقدم مؤازر الموثق بدفع يرمي إلى ضرورة مغادرة دفاع المشتكي لقاعة الجلسة لأن الأمر يتعلق بمخالفة مهنية تنظر في غرفة المشورة بصورة سرية وحفاظا على السر المهني فإنه يتعين على محامي المشتكي مغادرة الجلسة وطلبت الهيئة من دفاع المشتكى مغادرة القاعة، لتبدأ في مرحلة أولى التأكد من هوية الموثق المخالف وبعد إشعاره بالمنسوب إليه أجاب الموثق الذي كان آخر من تكلم ثم تقرر حجز القضية للمداولة.
ومن الدفوع التي يمكن أن يثيرها مؤازر الموثق الدفع بسرية الجلسة والذي يتعين على المحكمة أن تبث فيه فورا بان تطلب من المشتكي ونائبه مغادرة القاعة قبل بدأ المناقشات كما رأينا في الحكم السابق لكن المحكمة ذاتها لم تجمع على هذا الاتجاه حيث نجد في حكم لاحق لنفس المحكمة والصادر بتاريخ 11 ماي 2007 تحت عدد 2/07 والذي جاء فيه: وبناء على إدراج القضية في الجلسة وحضور الموثقة مدعومة بمؤازرها وكذلك حضور دفاع المشتكي.
وأثار مؤازر الموثقة دفعا مفاده أن غرفة المشورة تثار فيها القضايا بجلسة سرية وبالتالي لا يسمح للمشتكي ولا لدفاعه بالحضور للجلسة السرية لمناقشة أسرار القضية فقررت المحكمة ضم هذا الملتمس إلى حين البث في الجوهر وتناول الكلمة بعد ذلك دفاع المشتكي وأدلى مستنتجات ضمت للملف.
وحيث إن المحكمة بعد استقرائها لوثائق الملف تبين لها أن الأمر يتعلق بمخالفة تأديبية مما يكون معه القانون الواجب التطبيق هو ظهير 4 ماي 1925 وإن مقتضيات المادة 34 من هذا القانون تنص على أن المحكمة تعقد جلستها في غرفة المشورة التي يحضرها الموثق شخصيا ودفاعه وحضور النيابة العامة وكاتب الضبط مما يكون مع حضور دفاع المشتكي غير مبني على أساس قانوني.
مما يتضح معه في الحكم الثاني أن المحكمة خالفة مقتضيات الفصل 34 لكون المشتكي ودفاعه ليست لهما صفة للتواجد في القاعة أصلا.
وفي حكم آخر صدر عن المحكمة الابتدائية بمراكش في حكمها بتاريخ 8 أبريل 2010 في الملف 785/1/2010 في تعليلها جاء فيه... حيث التمس دفاع الموثق التصريح بعدم قبول المتابعة لكون المشتكي سبق له أن تقدم بدعوى مدنية ثم البث فيها ابتدائيا واستئنافيا .
وحيث إن الدفع المذكور لا يستند على أساس لكون موضوع الدعوى الحالية يتعلق بمخالفة مهنية مما يتعين معه رد الدفع .
3-البث في غرفة المشورة
لا تختص هذه الغرفة وهي تبت في المتابعات التأديبية ضد الموثق بالبت في المطالب المدنية نظرا لكون المشتكي ليحق له في حضور المناقشات.
وتجدر الإشارة أن الفصول المتعلقة بمسطرة المتابعة والمحاكمة المنصوص عليها في ظهير ماي 1925 نجد المشرع يستعمل مصطلحي الموثق المتهم، والتهمة وهو شيء منتقد لكون الأمر يتعلق بمخالفة مهنية وهذا الأمر تم تجاوزه في قانون 32.09 الذي أصبح ينص على مصطلح المتابعة التأديبية ف74، الموثق المعني بالأمر.فالأمر يتعلق بمخالفة مهنية لا بجريمة منصوص عليها في القانون الجنائي .
الفقرة الثالثة: سلطة المحكمة في تقرير العقوبة
تقوم هيئة الحكم المشكلة لغرفة المشورة في التداول في المخالفات التأديبية موضوع المتابعة استنادا إلى وثائق الملف وما راج أمامها من مناقشات وهي في ذلك لا تخرج عن حالتين:
- حالة عدم ثبوت المخالفة في حق الموثق المتابع ففي هذه الحالة يكون الحكم هو عدم متابعة الموثق من أجل ما نسب إليه.[15]
- الحالة الثانية: تتمثل في ثبوت المخالفة في حق الموثق في هذه الحالة تتم مؤاخذة الموثق الذي ثبت في حقه الفعل المنسوب إليه ويعاقب إما بعقوبات الدرجة الأولى أو عقوبات الدرجة الثانية المنصوص عليها في الفصل 32 من ظهير 4 ماي 1925 وتقرر المحكمة العقوبة الملائمة للمخالفة المرتكبة من طرف الموثق استنادا على وقائع المخالفة واستنادا إلى عدة اعتبارات منها
- وجود سوابق في سجل الموثق
- تنازل المشتكي
- تعدد المخالفات
- قناعة المحكمة، شرط التعليل
" حيث ثبت للمحكمة كون المدعى عليها قد خالفت مقتضيات البند 17 من الفصل 30 من ظهير 4 ماي 1925 كما ثبت خرقها لشرف المهنة والثقة، مما يوجب معاقبتها تأديبيا طبق الفصل 32 من الظهير المذكور، ويقتضي عزلها تبعا لذلك بالنظر لخطورة الاخلالات المهنية الثابتة في حقها "
المطلب الثاني : طرق الطعن في الأحكام التأديبية
سنتناول في هذا المطلب طرق الطعن في الأحكام التأديبية من خلال التعرض والإستئناف ثم الطعن في ظل الظهير الحالي المنظم لمهنة التوثيق
الفقرة الأولى: التعرض
الطعن بالتعرض هو طريق عادي يسلكه الطاعن عندما يصدر الحكم في غيبته.ويقدم هذا التعرض بواسطة تصريح لدى كتابة الضبط للمحكمة المصدرة للحكم من الموثق أو وكيله داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الموثق المحكوم عليه شخصيا أما النيابة العامة فلا يمكن تصور سلوكها لهذا الطعن لكون الأحكام تكون دائما حضورية بالنسبة إليها ليبقى طريق الطعن المفتوح أمامها هو الاستئناف.
الفقرة الثانية : الاستئناف :
يخول المشرع في المقررات التأديبية الطعن بالاستئناف وذلك من أجل تدقيق النزاع مرة ثانية قصد التأكد من حقيقته من جديد لكن المشرع من خلال ظهير 1925 قد أعطى للوكيل العام للملك استئناف جميع الأحكام التأديبية بينما الموثق ليس له الحق في استئناف الأحكام التأديبية التي تقضي بعقوبة الدرجة الثانية حسب الفصل 35,من ظهير 1925
أما ميعاد الاستئناف فهو 15 يوما من تاريخ الحكم وللاستئناف أثر موقف وناشر فهو من جهة يوقف تنفيذ المقررات التأديبية.
الفقرة الثالثة: الطعن في ظل قانون 32.09
باستقراء الفصل 84 من قانون32.09 الذي بموجبه لم تعد المحاكم الابتدائية مختصة في تأديب الموثقين الذي أصبح منعقد للجنة مكلفة بالتأديب والتعيين والنقل ومنصوص عليها في الفصل 11 وهذه اللجنة هي التي تصدر قرارات تأديبية ويبلغها الوكيل العام للملك إلى الموثق المعني بالأمر الذي منحه الحق في الطعن ضد هذه القرارات وفق المسطرة المقررة في قانون 41.90 وكذلك المقتضيات المتعلقة بوقف التنفيذ ويظهر أن قانون 32.09 اتجه نحو تكريس ضمانات متعلقة بتأديب الموثقين من خلال ضمانة الإلغاء التي يكلفها القضاء الإداري والزمن كفيل بإثبات هذا الأمر من خلال الاجتهادات الجريئة المرتبطة بالقضاء الإداري حامي الحقوق والحريات لكن ما يعاب على قانون 32.09 أنه مكن الوكيل العام للملك من صلاحيات واسعة أثناء فتح مسطرة المتابعة التأديبية بحيث أصبح بإمكان الوكيل للملك إجراء التوقيف المؤقت أثناء مرحلة التحقيق لمدة ثلاث أشهر كحد لإصدار العقوبة التأديبية التي يمكن أن لاتصل لدرجة خطورة الإيقاف المؤقت.
خــــــــاتمة:
يلاحظ أن مسؤولية الموثق التأديبية لم تكن كافية لصيانة حقوق الموثقين في ظل ظهير 4 ماي 1925 مما جعل الأمر يصل لدرجة رفع مطالب إصدار قانون جديد ينظم هذه المهنة الحساسة وهو بالفعل ما دفع المشرع إلى إصدار قانون جديد تجسد في إصدار القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق الذي قارب المهنة مقاربة شاملة لكن السؤال الذي يفرض علينا نفسه يتمثل في ماهي أهم الثغرات القانونية التي يطرحها القانون 32.09 وكيف سيتعامل القضاء الإداري مع الطبيعة الخاصة لمهنة التوثيق؟
الهوامش
[1] - ذ. لبنى الوزاني :" المسؤولية التأديبية للموثق على ضوء العمل القضائي " ص13.
[2] - د لبنى الوزاني،" مرجع سابق، ص 27.
[3] - حكم عدد 600 بتاريخ 21-03-2006 ملف رقم 1/364/2005.
[4] - د. لبنى الوزاني: مرجع سابق، ص 44.
[5] - المادة 16 ظهير 2011 المنظم لمهنة التوثيق.
[6] - المادة 24 من نفس الظهير
[7] - المادة 27 من نفس الظهير
[8] - د لبنى الوزاني ، مرجع سابق، ص 92.
[9] - الفصل 32 من ظهير 1925.
[10] - الفصل 36 من نفس الظهير
[11] - المادة 73 من ظهير 2011.
[12] - المادة 77 من نفس الظهير .
[13] المادة 90 من نفس الظهير
[14] - لبنى الوزاني ، المسؤولية التأديبية للموثق على ضوء العمل القضائي ، الطبعة الأولى 2011، ص 71
[15] - لبنى الوزاني ، مرجع سابق، ص 92.