ملاحظات حول قرار المحكمة الدستورية رقم 70.18 الصادر بشأن القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون
حجاجي امحمد
دكتور في الحقوق
أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 06 مارس 2018، قرارا يهم القانون التنظيمي رقم رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، المنصوص عليه في الفصل 133 من الدستور.
وتأتي أهمية هذ القرار من جهة أولى، كونه يهم أحد القوانين الذي يعطي الحق للمواطنات والمواطنين الولوج إلى العدالة الدستورية ولأول مرة في التجربة القضائية الدستورية المغربية، ومن جهة ثانية، كونه قدم بعض "الوصفات" الدستورية والقانونية الدقيقة للمشرع التنظيمي بصدد إقدامه على إعادة صياغة وكتابة محتويات القانون التنظيمي المذكور، وذلك سواء على مستوى الشكل و الموضوع، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي:
أولا: على مستوى الشكل
إن تصحيح الأخطاء المادية التي شابت بعض مقتضيات هذا القانون التنظيمي لا يندرج ضمن الملاحظات التي تنص عليها المادة 25 من القانون التنظيمي رقم 066.13 للمحكمة الدستورية، والتي حصرت هذه الملاحظات الكتابية في شأن القضية المعروضة على المحكمة الدستورية، أي كل ما يتعلق بالملاحظات التي لها علاقة بدستورية أو عدم دستورية بعض مقتضيات أو مواد القانون سواء من حيث مضمونها أو من حيث الإجراءات المتبعة لإقراره أثناء المسطرة التشريعية.
وإن طلبات تصويب الأخطاء المادية يشمل فقط الأخطاء المادية التي تتسرب إلى قرارات المحكمة الدستورية، والتي يمكن تصويبها تلقائيا من طرف المحكمة الدستورية (المادة 19 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية)، أو من قبل كل طرف معني يوجه طلب إلى المحكمة الدستورية قصد تصويب خطأ مادي شاب قرار من قراراتها (المادة 20 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية).
ثانيا: على مستوى الموضوع
1 . في طبيعة المقتضيات التي تعيد التذكير بأحكام الدستور
صرحت المحكمة الدستورية بشأن المادة الأولى و 23 من القانون التنظيمي رقم 86.15 المعروض عليها، اللتان نصتا على أنه " تطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 133 من الدستور، يحدد هذا القانون التنظيمي شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، يراد تطبيقه بشأن دعوى معروضة على المحكمة، يدفع أحد اطرافها أنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور" وأنه "يترتب عن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضى تشريعي، نسخه ابتداء من تاريخ تحدده المحكمة الدستورية في قرارها، طبقا لأحكام الفصل 134 من الدستور". أن مضمون المادتين ليس سوى تذكير بما ورد في الفصلين 133 و134 (الفقرة الأولى) ، ولا يتضمنان أي شرط أو إجراء متعلق بمسطرة الدفع بعدم الدستورية مما يجعلهما لا يكتسيان طابع قانون تنظيمي.
مما يعني أن المحكمة الدستورية تعتبر المقتضيات القانونية التي تعيد ذكر ما جاء في بعض أحكام الدستور لا تكتسي طابع قانون تنظيمي، وهذا عكس توجه المجلس الدستوري الذي كان يصرح رغم ذلك باكتساب مثل هذه المقتضيات طابع قانون تنظيمي، وجاء في قراره رقم 2010-786، الصادر بشأن القانون التنظيمي رقم 60.08 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، "حيث إن المادة الفريدة في هذا الباب تعد مجرد تذكير بما تضمنته أحكام الفصل 95 من الدستور فيما يخص صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتركيبه وتنظيمه وطريقة تسييره، مما يجعلها تكتسي طابع قانون تنظيمي، وتطابق الدستور".
2 . في شأن مدول أطراف الدعوى
جاء في البند (ب) من المادة الثانية من القانون التنظيمي المذكور بأن أطراف الدعوى " كل مدع أو مدعى عليه في قضية معروضة على المحكمة، وكل متهم أو مطالب بالحق المدني أو مسؤول مدني في الدعوى العمومية ...."
إن تحديد أطراف الدعوى حسب المحكمة الدستورية يتعين الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية والجنائية وإلى نصوص قانونية أخرى، التي تجعل من النيابة العامة، إلى جانب أطراف أخرى تتوفر على شرطي الصفة والمصلحة، وإما طرفا رئيسا أو منضما حسب الحالة.
وحيث لئن كانت النيابة العامة باعتبارها طرف في الدعوى العمومية قد يشملها تعبير مدع أو مدعى عليه، فإن هذا البند يستثني النيابة العامة من أطراف الدعوى العمومية المعنيين بمسطرة الدفع بحصره الجهات المخول لها هذا الحق في المتهم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول المدني، لأن ممارسة النيابة العامة للاختصاص الدستوري الموكول لها والمتمثل في تطبيق القانون (الفصل 100 من الدستور)، يجب أن يتم في استحضار لما ورد في الفصل السادس من الدستور من أن " دستورية القواعد القانونية تشكل مبدأ ملزما".
وحيث إن التقيد بإلزامية دستورية القواعد القانونية، يقتضي من النيابة العامة، بصفتها طرفا، أن تدفع بعدم دستورية قانون، في حال تقديرها أو شكها من أن مقتضياته الواجبة التطبيق، تعتريها شبهة عدم الدستورية.
يستفاد من هذه الحيثيات أن المحكمة الدستورية أدرجت النيابة العامة ضمن أطراف الدعوى متى توفرت على شرطي الصفة والمصلحة أو طرفا رئيسا أو منضما حسب الحالة، وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي حينما نص على أن إثارة النيابة العامة للمسألة الدستورية لا تتم إلا في حالة إذا كانت طرفا رئيسا في الدعوى، ونفس الاتجاه الذي تبناه المشرع الدستوري الإسباني ( المادة 162 من الدستور) لما نص على أنه تقدم دعوى حماية الحقوق من قبل أي شخص مادي أو معنوي يثير مصلحة مشروعة، وأيضا من قبل المدافع عن الشعب وكذا النيابة العامة. وأما في البرتغال يحق للنيابة العامة أن تلجأ إلى المحكمة الدستورية عندما ترفض إحدى المحاكم تطبيق القاعدة القانونية تراها غير دستورية أو عندما يطبق قانون أثيرت عدم دستوريته.
ولكن ما يلاحظ على ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية هو تخويل للنيابة العامة ولاية عامة في إثارة العيوب الدستورية التي تعتري بعض المقتضيات القانونية، والحالة هذه، أن هذا القانون التنظيمي والدستور يتحدثان فقط عن الدفع بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع بمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، مما يعني أن الفصل 133 من الدستور حصر إثارة الدفع بعدم دستورية قانون عندما يتعلق الأمر بالمساس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
3 . في شأن إثارة الدفع بعدم الدستورية تلقائيا من طرف المحكمة
ارتباطا بما قضت به أعلاه، تحفظت المحكمة الدستورية بشأن المادتين 3 و 10 (الفقرة الأخيرة)، التي كانتا تنصا على أن " لا يمكن إثارة الدفع ... تلقائيا من لدن المحكمة وأن محكمة النقض لا يمكنها إثارة الدفع بشكل تلقائي ". وذلك لما اعتبرت أن المحكمة تضم مكونين مختلفين، بالرغم من انتمائهما معا إلى الجسم القضائي نفسه، هما قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة.
وبالتالي، عدم إثارة الدفع تلقائيا يسري فقط على قضاة الأحكام، دون قضاة النيابة العامة، وهو نفس الموقف الذي تبناه المشرع الفرنسي حينما استبعد امكانية إثارة المسألة الدستورية من قبل القاضي من القاء نفسه.
وفي هذا الإطار يؤيد جانب من الفقه أن الاعتداء على أحد الحقوق وإحدى الحريات الأساسية التي يحميها الدستور يعتبر من الأمور المتعلقة بالنظام العام، والتي يجوز للقاضي أو النيابة العامة إثارتها تلقائيا.
4 . في شأن الدفع الذي يثار حول الطعون الانتخابية المتعلقة بأعضاء البرلمان
والذي نظمته المواد 3 (الفقرة الأولى) و14 و15، والتي جاءت فيها أنه " يترتب عن تقديم الدفع أمام المحكمة الدستورية بمناسبة المنازعة المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، إيقاف البت في هذه المنازعة إلى حين بت المحكمة الدستورية في الدفع المثار أمامها".
وصرحت المحكمة الدستورية بأنه فيما يتعلق المنازعات الانتخابية يتوقف نظر المحكمة الدستورية على التحقق في صدقية ونزاهة وسلامة العملية الانتخابية (الوقائع) دون البت في دستورية الأحكام أو المقتضيات المطبقة على النزاع، على اعتبار أنها تبت بشكل مسبق في القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلسي البرلمان، والتي تخضع للمراقبة الإلزامية قبل إصدارها، مما يعني أن فحص دستوريتها يكون تلقائيا وشاملا ومتسلسلا، وبالتالي، لا يمكن أن تكون مقتضيات هذه القوانين محل فحص جديد،( نظرا لسبقية البت فيها، وما تكتسيه قرارات المحكمة الدستورية من حجية مطلقة، والشيء المقضي به.) إلا في حالة تغيير ظروف القانون أو الواقع، والتي يقصد بها ذلك الاستثناء من الوضعيات القانونية المكتسبة بشكل مشروع، وتؤدي إلى إعادة النظر في دستورية مقتضى تشريعي سبق للقاضي الدستوري أن صرح بمطابقتها للدستور، وتغير الظروف يمكن أن ينصرف إلى التغيير الذي يطال الأوضاع القانونية أو أحد العناصر المرتبطة بقرار المطابقة الصادر عن القاضي الدستوري.
ولا يشمل هذا الدفع حسب المحكمة الدستورية أيضا القوانين العادية ذات العلاقة بالعملية الانتخابية التي كانت محل مراقبة قبلية للمحكمة الدستورية. مما يعني الدفع بعدم الدستورية في هذه الحالة في القوانين الانتخابية التي لم تخضع للرقابة القبلية من طرف المحكمة الدستورية.
أما فيما يتعلق بالمراسيم ذات الصلة بالعملية الانتخابية صرحت المحكمة الدستورية بعدم اندراجها ضمن اختصاصاتها سواء في إطار المراقبة القبلية أو البعدية، ولو تعلقت بالعملية الانتخابية. وذلك بسبب أن الفصل 133 من الدستور يتحدث عن قانون وليس مراسيم التي تخضع لمراقبة القضاء الإداري وفق شروط وضوابط محددة قانونا.
وعلاوة على ذلك، أن القانون التنظيمي محل الفحص فيما يخص الدفع المرتبط بالطعون الانتخابية لم يضمن أي مقتضى يخص الشكل الذي يتخذه هذا الدفع، وهل يقدم مذكرة مستقلة أو في صلب عريضة الطعن أو في المذكرة الجوابية للمطعون في انتخابه، ومدى إلزامية الاستعانة بمحام من عدمها.
والحالة هذه أن هذا القانون التنظيمي في مادته 14 أحال بخصوص هذه النقطة إلى النظام الداخلي للمحكمة الدستورية، وبالتالي تعتبر هذه الإحالة حسب المحكمة الدستورية، تخليا من المشرع عن ممارسة اختصاص موكول له حصرا بمقتضى الدستور، مما يشكل معه إغفالا تشريعيا يتعين معه التصريح بعدم دستورية هذه المادة.
5 . الدفع بعدم الدستورية تابع للدعوى الأصلية
في شأن المادة الخامسة التي نصت على أن " إثارة الدفع بعدم الدستورية بواسطة مذكرة كتابية ... تكون موقعة من قبل الطرف المعني أو من قبل محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب...".
واعتبرت المحكمة الدستورية أن تحقيق الانسجام التشريعي يقتضي أن يكون الدفع بعدم الدستورية تابع للدعوى الأصلية، بخصوص ما تتطلبه في موضوع الاستعانة بمحام، فتكون إجبارية الاستعانة بمحام في الحالة التي يتوجب ذلك الدعوى الأصلية، في حين يكون المعني بالأمر الحق في توقيع مذكرة الدفع، إذا كانت الدعوى الأصلية التي أثير بمناسبتها معفية من تطبيق قاعدة الاستعانة الوجوبية بمحام.
6 . فيما يتعلق بنظام التصفية
في شان المواد 6 و 10 و11 اعتبرت المحكمة الدستورية أن هذا القانون التنظيمي أرسى نظام للتصفية على مرحلتين اثنتين: إذا اثير الدفع أمام محكمتي أولى وثاني درجة. وعلى مرحلة واحدة إذا أثير الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. ويهدف هذا النظام حسبما جاء في هذا القانون التنظيمي إلى التأكد من استيفاء الدفع بعدم الدستورية المثار أمام هذه المحاكم للشروط الواردة في المواد ( 5 والفقرة الثانية من المادة 10 والمادة 11).
مما يعني أن هذا القانون التنظيمي أسند النظر في مقبولية الدفع من عدمها، بما يعنيه ذلك من البت فيه شكلا لمحاكم التنظيم القضائي للملكة دون المحكمة الدستورية، مدعما ذلك الخيار بتحصين قرارات عدم القبول (محكمتي أولى وثاني درجة أو محكمة النقض) أو رد الدفع (محكمة النقض) من أي طعن، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية غير مطابق للدستور.
على اعتبار أن اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية يعد اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحال عليها شكلا وموضوعا، وليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا.
وبالتالي تعتبر هذه المقتضيات تتجاوز الموضوعات المحددة لهذا القانون التنظيمي الذي يختص في (شكليات تتعلق بإقامة الدعوى وأجالها وإجراءات الدفاع والتواجهية، وطبيعة الجلسات والعلاقة بين الدعوى الأصلية والفرعية) ولم يدرج ما يتعلق بالاختصاص ضمن المواضيع الموكولة للتشريع لمقتضياته. ولأجل ذلك تعتبر هذه المقتضيات – حسب المحكمة الدستورية- توسعا في الشروط الواجب التحقق منها من قبل القاضي الذي أثار أمامه الدفع بمناسبة قضية معروضة عليه، ومن شأنه أن يحول مرحلة التحقق من استيفاء الدفع لبعض الشروط المتمثلة في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية ومدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى وأدائه للرسم القضائي، إلى مراقب أولى للدستورية، إذ أن الحسم في الطبيعة التشريعية للمقتضى التشريعي القانوني المعني، وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها.
ومن جهة أخرى، إن تقدير الجدية الموكولة للهيئة المحدثة بمحكمة النقض، يحول الهيئة المذكورة إلى مراقب سلبي للدستورية بالنظر لصعوبة العناصر المشكلة " للجدية" وارتباط تقديرها بالموضوع وليس الشكل.
وحيث إن نظام التصفية، كما تم بيانه يؤدي إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية، وانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، وحرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة، دون رقابة شكلية عليها.
ولتفادي إشكالية " التصفية" دعت المحكمة الدستورية المشرع إلى التوفيق بين الحق في إثارة الدفع بعدم الدستورية بمناسبة قضية معروضة على المحكمة واختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلا وموضوعا في الدفوع الدستورية المحالة عليها وبين متطلبات النجاعة القضائية، وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولية للدستورية. وفي إحداث آلية كفيلة بإرساء نظام للتصفية بالمحكمة الدستورية يحدد قانون تنظيمي تركيبها وضوابط عملها، وذلك تحقيقا للمرونة المتطلبة الكفيلة بالوصول للغايات التي سبق عرضها.
وهي نفس الإشكالية التي أثارها نظام التصفية في فرنسا حيث تم اعتباره بمثابة انزلاق إلى مراقبة دستورية قبلية، حيث يجعل من قاضي الموضوع قاضيا دستوريا بشكل أو بأخر بصدد تقديره لمدى جدية الدفع، الشيء الذي دفع بعض الجهات إلى مطالبة المشرع بإلغائه، بعلة أن محكمة النقض مارست دور التصفية بدون احترام روح الإصلاح الدستوري، بجنوحها إلى ممارسة نوع من سلطة المراقبة القبلية للدستور.
ولتفادي هذه الإشكالية قامت مجموعة من الدول ( اسبانيا، ألمانيا، بلجيكا) بإحداث لجنة أو هيئة لدى المحكمة الدستورية تتولى البحث في مدى جدية الطعون المتعلقة بالدفع بعدم الدستورية، ومن ثم تحيلها إلى المحكمة الدستورية لتصدر حكما نهائيا بشأنها.
وبذلك يتضح أن المحكمة الدستورية المغربية تريد الذهاب في نفس هذا الاتجاه، أي إقامة آلية كفيلة بإرساء نظام التصفية بالمحكمة الدستورية.
7 . يتعين على المشرع مراعاة حجية قرارات المحكمة الدستورية بخصوص الدفع بعدم الدستورية
في شأن المواد 7 (الفقرة الأولى) و 8 و 13 التي نصت على الاستثناءات الرامية إلى عدم وقف المحكمة (أولى درجة وثاني درجة ومحكمة النقض) البت في القضية المعروضة أمامها، حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن الاستثناءات الواردة في هذه المواد مشروعة ومبررة. وعملا بذلك فإن المحكمة المثارة أمامها الدفع بعدم الدستورية قانون تواصل نظرها الدعوى المعروضة عليها، إذا تعلق الأمر بالحالات التي تستجيب للاستثناءات المذكورة.
غير أن إغفال مآل الدفع بعدم الدستورية وقرار المحكمة الدستورية بخصوصه، إذا اعتبرت أن المقتضى التشريعي المطعون في الدعوى أو المسطرة أو يشكل أساس للمتابعة، يعد مخالفة دستورية، نظرا لحجية قرارات المحكمة الدستورية الملزمة طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور، وبالتالي يقتضي من المشرع أن يدرج ضمن إجراءات المتعلقة بمسطرة الدفع بعدم الدستورية، أحكاما تخول للمتقاضين، تقديم دعوى جديدة، تسمح بترتيب آثار قرار المحكمة الدستورية في الموضوع، في حال مواصلة المحكمة نظرها في الدعوى الأصلية وصدور قرار من المحكمة الدستورية بعدم الدستورية.
وحيث إنه، يترتب عن عدم تنصيص على الأحكام المشار إليها، عدم التقيد بإلزامية حجية قرارات المحكمة الدستورية، ومس بحق الأطراف المعنية بالاستفادة من الأثر المترتب عن تلك القرارات، مما يتعين معه التصريح، من هذا الوجه، بعدم دستورية هذه المواد.
8 . في سرية جلسات المحكمة الدستورية
جاء في المادة 21 من القانون التنظيمي المتحدث عنه، أنه " تكون الجلسة أمام المحكمة الدستورية علنية، ما عدا في الحالات التي تقرر فيها المحكمة الدستورية سرية الجلسات طبقا لنظامها الداخلي"، والتي صرحت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها بعلة أن المشرع الدستوري في الفصل 123 نص على أن تكون الجلسات تكون علنية ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك" وبالتالي يكون قد جعل تحديد حالات سرية الجلسات، من اختصاص المشرع، حسب الحالة وفق قانون تنظيمي أو قانون.
وبالتالي، إن تحديد حالات سرية الجلسات يندرج صمن الشروط والإجراءات المشكلة لمشمولات القانون التنظيمي المذكور، والتي يعود إلى المشرع تحديدها ولس للمحكمة بموجب نظامها الداخلي. وهنا مرة أخرى تذكر المشرع بممارسة اختصاصه كاملا، وعدم ترك ذلك لجهات أخرى. غير أنه فيما يخص سرية هذه الجلسات نجد أنها في التجربة الفرنسية محددة في النظام الداخلي للمجلس الدستور.
9 . فيما يخص الأثر الفوري للقانون
نصت المادة 27 من القانون التنظيمي على أنه " يدخل هذا القانون حيز التنفيذ بعدم انصرام أجل سنة، يبتدئ من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية".
وبخصوص هذه المادة اعتبرت المحكمة الدستورية أنه لئن كان يحق للمشرع أن يرجئ نفاذ أحكام تشريعية إلى تاريخ أخر يحدده، وذلك لوضع الترتيبات الضرورية لتنفيذها، إلا أن الأثر الفوري للقانون يشكل القاعدة.
وبالتالي إن تحديد تاريخ دخول هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ المندرج في السلطة التقديرية للمشرع، يجب أن يظل محكوما بقاعدة التناسب ما بين المدة الزمنية للإرجاء وما يقتضيه إخراج النصوص القانونية التي يتوقف عليها إعمال أحكام القانون التنظيمي، وما يتطلبه إرساء آلية جديدة للتقاضي، تكفل للأطراف حق الولوج إلى العدالة الدستورية.
مما يعني أن المحكمة الدستورية حثت المشرع إلى الإسراع في إخراج هذا القانون التنظيمي، تفاديا للفراغ التشريعي وتعطيل أحكام الدستور، الذي ينجر عنه حرمان المواطنات والمواطنين من ممارسة حقهم الدستوري. وبالتالي، في هذه الحالة لا يمكن التذرع بالسلطة التقديرية، التي تهدر حق دستوري.
حجاجي امحمد
دكتور في الحقوق
أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 06 مارس 2018، قرارا يهم القانون التنظيمي رقم رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، المنصوص عليه في الفصل 133 من الدستور.
وتأتي أهمية هذ القرار من جهة أولى، كونه يهم أحد القوانين الذي يعطي الحق للمواطنات والمواطنين الولوج إلى العدالة الدستورية ولأول مرة في التجربة القضائية الدستورية المغربية، ومن جهة ثانية، كونه قدم بعض "الوصفات" الدستورية والقانونية الدقيقة للمشرع التنظيمي بصدد إقدامه على إعادة صياغة وكتابة محتويات القانون التنظيمي المذكور، وذلك سواء على مستوى الشكل و الموضوع، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي:
أولا: على مستوى الشكل
إن تصحيح الأخطاء المادية التي شابت بعض مقتضيات هذا القانون التنظيمي لا يندرج ضمن الملاحظات التي تنص عليها المادة 25 من القانون التنظيمي رقم 066.13 للمحكمة الدستورية، والتي حصرت هذه الملاحظات الكتابية في شأن القضية المعروضة على المحكمة الدستورية، أي كل ما يتعلق بالملاحظات التي لها علاقة بدستورية أو عدم دستورية بعض مقتضيات أو مواد القانون سواء من حيث مضمونها أو من حيث الإجراءات المتبعة لإقراره أثناء المسطرة التشريعية.
وإن طلبات تصويب الأخطاء المادية يشمل فقط الأخطاء المادية التي تتسرب إلى قرارات المحكمة الدستورية، والتي يمكن تصويبها تلقائيا من طرف المحكمة الدستورية (المادة 19 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية)، أو من قبل كل طرف معني يوجه طلب إلى المحكمة الدستورية قصد تصويب خطأ مادي شاب قرار من قراراتها (المادة 20 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية).
ثانيا: على مستوى الموضوع
1 . في طبيعة المقتضيات التي تعيد التذكير بأحكام الدستور
صرحت المحكمة الدستورية بشأن المادة الأولى و 23 من القانون التنظيمي رقم 86.15 المعروض عليها، اللتان نصتا على أنه " تطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 133 من الدستور، يحدد هذا القانون التنظيمي شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، يراد تطبيقه بشأن دعوى معروضة على المحكمة، يدفع أحد اطرافها أنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور" وأنه "يترتب عن القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بعدم دستورية مقتضى تشريعي، نسخه ابتداء من تاريخ تحدده المحكمة الدستورية في قرارها، طبقا لأحكام الفصل 134 من الدستور". أن مضمون المادتين ليس سوى تذكير بما ورد في الفصلين 133 و134 (الفقرة الأولى) ، ولا يتضمنان أي شرط أو إجراء متعلق بمسطرة الدفع بعدم الدستورية مما يجعلهما لا يكتسيان طابع قانون تنظيمي.
مما يعني أن المحكمة الدستورية تعتبر المقتضيات القانونية التي تعيد ذكر ما جاء في بعض أحكام الدستور لا تكتسي طابع قانون تنظيمي، وهذا عكس توجه المجلس الدستوري الذي كان يصرح رغم ذلك باكتساب مثل هذه المقتضيات طابع قانون تنظيمي، وجاء في قراره رقم 2010-786، الصادر بشأن القانون التنظيمي رقم 60.08 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، "حيث إن المادة الفريدة في هذا الباب تعد مجرد تذكير بما تضمنته أحكام الفصل 95 من الدستور فيما يخص صلاحيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي وتركيبه وتنظيمه وطريقة تسييره، مما يجعلها تكتسي طابع قانون تنظيمي، وتطابق الدستور".
2 . في شأن مدول أطراف الدعوى
جاء في البند (ب) من المادة الثانية من القانون التنظيمي المذكور بأن أطراف الدعوى " كل مدع أو مدعى عليه في قضية معروضة على المحكمة، وكل متهم أو مطالب بالحق المدني أو مسؤول مدني في الدعوى العمومية ...."
إن تحديد أطراف الدعوى حسب المحكمة الدستورية يتعين الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية والجنائية وإلى نصوص قانونية أخرى، التي تجعل من النيابة العامة، إلى جانب أطراف أخرى تتوفر على شرطي الصفة والمصلحة، وإما طرفا رئيسا أو منضما حسب الحالة.
وحيث لئن كانت النيابة العامة باعتبارها طرف في الدعوى العمومية قد يشملها تعبير مدع أو مدعى عليه، فإن هذا البند يستثني النيابة العامة من أطراف الدعوى العمومية المعنيين بمسطرة الدفع بحصره الجهات المخول لها هذا الحق في المتهم أو المطالب بالحق المدني أو المسؤول المدني، لأن ممارسة النيابة العامة للاختصاص الدستوري الموكول لها والمتمثل في تطبيق القانون (الفصل 100 من الدستور)، يجب أن يتم في استحضار لما ورد في الفصل السادس من الدستور من أن " دستورية القواعد القانونية تشكل مبدأ ملزما".
وحيث إن التقيد بإلزامية دستورية القواعد القانونية، يقتضي من النيابة العامة، بصفتها طرفا، أن تدفع بعدم دستورية قانون، في حال تقديرها أو شكها من أن مقتضياته الواجبة التطبيق، تعتريها شبهة عدم الدستورية.
يستفاد من هذه الحيثيات أن المحكمة الدستورية أدرجت النيابة العامة ضمن أطراف الدعوى متى توفرت على شرطي الصفة والمصلحة أو طرفا رئيسا أو منضما حسب الحالة، وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع الفرنسي حينما نص على أن إثارة النيابة العامة للمسألة الدستورية لا تتم إلا في حالة إذا كانت طرفا رئيسا في الدعوى، ونفس الاتجاه الذي تبناه المشرع الدستوري الإسباني ( المادة 162 من الدستور) لما نص على أنه تقدم دعوى حماية الحقوق من قبل أي شخص مادي أو معنوي يثير مصلحة مشروعة، وأيضا من قبل المدافع عن الشعب وكذا النيابة العامة. وأما في البرتغال يحق للنيابة العامة أن تلجأ إلى المحكمة الدستورية عندما ترفض إحدى المحاكم تطبيق القاعدة القانونية تراها غير دستورية أو عندما يطبق قانون أثيرت عدم دستوريته.
ولكن ما يلاحظ على ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية هو تخويل للنيابة العامة ولاية عامة في إثارة العيوب الدستورية التي تعتري بعض المقتضيات القانونية، والحالة هذه، أن هذا القانون التنظيمي والدستور يتحدثان فقط عن الدفع بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع بمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، مما يعني أن الفصل 133 من الدستور حصر إثارة الدفع بعدم دستورية قانون عندما يتعلق الأمر بالمساس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
3 . في شأن إثارة الدفع بعدم الدستورية تلقائيا من طرف المحكمة
ارتباطا بما قضت به أعلاه، تحفظت المحكمة الدستورية بشأن المادتين 3 و 10 (الفقرة الأخيرة)، التي كانتا تنصا على أن " لا يمكن إثارة الدفع ... تلقائيا من لدن المحكمة وأن محكمة النقض لا يمكنها إثارة الدفع بشكل تلقائي ". وذلك لما اعتبرت أن المحكمة تضم مكونين مختلفين، بالرغم من انتمائهما معا إلى الجسم القضائي نفسه، هما قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة.
وبالتالي، عدم إثارة الدفع تلقائيا يسري فقط على قضاة الأحكام، دون قضاة النيابة العامة، وهو نفس الموقف الذي تبناه المشرع الفرنسي حينما استبعد امكانية إثارة المسألة الدستورية من قبل القاضي من القاء نفسه.
وفي هذا الإطار يؤيد جانب من الفقه أن الاعتداء على أحد الحقوق وإحدى الحريات الأساسية التي يحميها الدستور يعتبر من الأمور المتعلقة بالنظام العام، والتي يجوز للقاضي أو النيابة العامة إثارتها تلقائيا.
4 . في شأن الدفع الذي يثار حول الطعون الانتخابية المتعلقة بأعضاء البرلمان
والذي نظمته المواد 3 (الفقرة الأولى) و14 و15، والتي جاءت فيها أنه " يترتب عن تقديم الدفع أمام المحكمة الدستورية بمناسبة المنازعة المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، إيقاف البت في هذه المنازعة إلى حين بت المحكمة الدستورية في الدفع المثار أمامها".
وصرحت المحكمة الدستورية بأنه فيما يتعلق المنازعات الانتخابية يتوقف نظر المحكمة الدستورية على التحقق في صدقية ونزاهة وسلامة العملية الانتخابية (الوقائع) دون البت في دستورية الأحكام أو المقتضيات المطبقة على النزاع، على اعتبار أنها تبت بشكل مسبق في القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلسي البرلمان، والتي تخضع للمراقبة الإلزامية قبل إصدارها، مما يعني أن فحص دستوريتها يكون تلقائيا وشاملا ومتسلسلا، وبالتالي، لا يمكن أن تكون مقتضيات هذه القوانين محل فحص جديد،( نظرا لسبقية البت فيها، وما تكتسيه قرارات المحكمة الدستورية من حجية مطلقة، والشيء المقضي به.) إلا في حالة تغيير ظروف القانون أو الواقع، والتي يقصد بها ذلك الاستثناء من الوضعيات القانونية المكتسبة بشكل مشروع، وتؤدي إلى إعادة النظر في دستورية مقتضى تشريعي سبق للقاضي الدستوري أن صرح بمطابقتها للدستور، وتغير الظروف يمكن أن ينصرف إلى التغيير الذي يطال الأوضاع القانونية أو أحد العناصر المرتبطة بقرار المطابقة الصادر عن القاضي الدستوري.
ولا يشمل هذا الدفع حسب المحكمة الدستورية أيضا القوانين العادية ذات العلاقة بالعملية الانتخابية التي كانت محل مراقبة قبلية للمحكمة الدستورية. مما يعني الدفع بعدم الدستورية في هذه الحالة في القوانين الانتخابية التي لم تخضع للرقابة القبلية من طرف المحكمة الدستورية.
أما فيما يتعلق بالمراسيم ذات الصلة بالعملية الانتخابية صرحت المحكمة الدستورية بعدم اندراجها ضمن اختصاصاتها سواء في إطار المراقبة القبلية أو البعدية، ولو تعلقت بالعملية الانتخابية. وذلك بسبب أن الفصل 133 من الدستور يتحدث عن قانون وليس مراسيم التي تخضع لمراقبة القضاء الإداري وفق شروط وضوابط محددة قانونا.
وعلاوة على ذلك، أن القانون التنظيمي محل الفحص فيما يخص الدفع المرتبط بالطعون الانتخابية لم يضمن أي مقتضى يخص الشكل الذي يتخذه هذا الدفع، وهل يقدم مذكرة مستقلة أو في صلب عريضة الطعن أو في المذكرة الجوابية للمطعون في انتخابه، ومدى إلزامية الاستعانة بمحام من عدمها.
والحالة هذه أن هذا القانون التنظيمي في مادته 14 أحال بخصوص هذه النقطة إلى النظام الداخلي للمحكمة الدستورية، وبالتالي تعتبر هذه الإحالة حسب المحكمة الدستورية، تخليا من المشرع عن ممارسة اختصاص موكول له حصرا بمقتضى الدستور، مما يشكل معه إغفالا تشريعيا يتعين معه التصريح بعدم دستورية هذه المادة.
5 . الدفع بعدم الدستورية تابع للدعوى الأصلية
في شأن المادة الخامسة التي نصت على أن " إثارة الدفع بعدم الدستورية بواسطة مذكرة كتابية ... تكون موقعة من قبل الطرف المعني أو من قبل محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب...".
واعتبرت المحكمة الدستورية أن تحقيق الانسجام التشريعي يقتضي أن يكون الدفع بعدم الدستورية تابع للدعوى الأصلية، بخصوص ما تتطلبه في موضوع الاستعانة بمحام، فتكون إجبارية الاستعانة بمحام في الحالة التي يتوجب ذلك الدعوى الأصلية، في حين يكون المعني بالأمر الحق في توقيع مذكرة الدفع، إذا كانت الدعوى الأصلية التي أثير بمناسبتها معفية من تطبيق قاعدة الاستعانة الوجوبية بمحام.
6 . فيما يتعلق بنظام التصفية
في شان المواد 6 و 10 و11 اعتبرت المحكمة الدستورية أن هذا القانون التنظيمي أرسى نظام للتصفية على مرحلتين اثنتين: إذا اثير الدفع أمام محكمتي أولى وثاني درجة. وعلى مرحلة واحدة إذا أثير الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. ويهدف هذا النظام حسبما جاء في هذا القانون التنظيمي إلى التأكد من استيفاء الدفع بعدم الدستورية المثار أمام هذه المحاكم للشروط الواردة في المواد ( 5 والفقرة الثانية من المادة 10 والمادة 11).
مما يعني أن هذا القانون التنظيمي أسند النظر في مقبولية الدفع من عدمها، بما يعنيه ذلك من البت فيه شكلا لمحاكم التنظيم القضائي للملكة دون المحكمة الدستورية، مدعما ذلك الخيار بتحصين قرارات عدم القبول (محكمتي أولى وثاني درجة أو محكمة النقض) أو رد الدفع (محكمة النقض) من أي طعن، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية غير مطابق للدستور.
على اعتبار أن اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية يعد اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحال عليها شكلا وموضوعا، وليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا.
وبالتالي تعتبر هذه المقتضيات تتجاوز الموضوعات المحددة لهذا القانون التنظيمي الذي يختص في (شكليات تتعلق بإقامة الدعوى وأجالها وإجراءات الدفاع والتواجهية، وطبيعة الجلسات والعلاقة بين الدعوى الأصلية والفرعية) ولم يدرج ما يتعلق بالاختصاص ضمن المواضيع الموكولة للتشريع لمقتضياته. ولأجل ذلك تعتبر هذه المقتضيات – حسب المحكمة الدستورية- توسعا في الشروط الواجب التحقق منها من قبل القاضي الذي أثار أمامه الدفع بمناسبة قضية معروضة عليه، ومن شأنه أن يحول مرحلة التحقق من استيفاء الدفع لبعض الشروط المتمثلة في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية ومدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى وأدائه للرسم القضائي، إلى مراقب أولى للدستورية، إذ أن الحسم في الطبيعة التشريعية للمقتضى التشريعي القانوني المعني، وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها.
ومن جهة أخرى، إن تقدير الجدية الموكولة للهيئة المحدثة بمحكمة النقض، يحول الهيئة المذكورة إلى مراقب سلبي للدستورية بالنظر لصعوبة العناصر المشكلة " للجدية" وارتباط تقديرها بالموضوع وليس الشكل.
وحيث إن نظام التصفية، كما تم بيانه يؤدي إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية، وانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، وحرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة، دون رقابة شكلية عليها.
ولتفادي إشكالية " التصفية" دعت المحكمة الدستورية المشرع إلى التوفيق بين الحق في إثارة الدفع بعدم الدستورية بمناسبة قضية معروضة على المحكمة واختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلا وموضوعا في الدفوع الدستورية المحالة عليها وبين متطلبات النجاعة القضائية، وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولية للدستورية. وفي إحداث آلية كفيلة بإرساء نظام للتصفية بالمحكمة الدستورية يحدد قانون تنظيمي تركيبها وضوابط عملها، وذلك تحقيقا للمرونة المتطلبة الكفيلة بالوصول للغايات التي سبق عرضها.
وهي نفس الإشكالية التي أثارها نظام التصفية في فرنسا حيث تم اعتباره بمثابة انزلاق إلى مراقبة دستورية قبلية، حيث يجعل من قاضي الموضوع قاضيا دستوريا بشكل أو بأخر بصدد تقديره لمدى جدية الدفع، الشيء الذي دفع بعض الجهات إلى مطالبة المشرع بإلغائه، بعلة أن محكمة النقض مارست دور التصفية بدون احترام روح الإصلاح الدستوري، بجنوحها إلى ممارسة نوع من سلطة المراقبة القبلية للدستور.
ولتفادي هذه الإشكالية قامت مجموعة من الدول ( اسبانيا، ألمانيا، بلجيكا) بإحداث لجنة أو هيئة لدى المحكمة الدستورية تتولى البحث في مدى جدية الطعون المتعلقة بالدفع بعدم الدستورية، ومن ثم تحيلها إلى المحكمة الدستورية لتصدر حكما نهائيا بشأنها.
وبذلك يتضح أن المحكمة الدستورية المغربية تريد الذهاب في نفس هذا الاتجاه، أي إقامة آلية كفيلة بإرساء نظام التصفية بالمحكمة الدستورية.
7 . يتعين على المشرع مراعاة حجية قرارات المحكمة الدستورية بخصوص الدفع بعدم الدستورية
في شأن المواد 7 (الفقرة الأولى) و 8 و 13 التي نصت على الاستثناءات الرامية إلى عدم وقف المحكمة (أولى درجة وثاني درجة ومحكمة النقض) البت في القضية المعروضة أمامها، حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن الاستثناءات الواردة في هذه المواد مشروعة ومبررة. وعملا بذلك فإن المحكمة المثارة أمامها الدفع بعدم الدستورية قانون تواصل نظرها الدعوى المعروضة عليها، إذا تعلق الأمر بالحالات التي تستجيب للاستثناءات المذكورة.
غير أن إغفال مآل الدفع بعدم الدستورية وقرار المحكمة الدستورية بخصوصه، إذا اعتبرت أن المقتضى التشريعي المطعون في الدعوى أو المسطرة أو يشكل أساس للمتابعة، يعد مخالفة دستورية، نظرا لحجية قرارات المحكمة الدستورية الملزمة طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور، وبالتالي يقتضي من المشرع أن يدرج ضمن إجراءات المتعلقة بمسطرة الدفع بعدم الدستورية، أحكاما تخول للمتقاضين، تقديم دعوى جديدة، تسمح بترتيب آثار قرار المحكمة الدستورية في الموضوع، في حال مواصلة المحكمة نظرها في الدعوى الأصلية وصدور قرار من المحكمة الدستورية بعدم الدستورية.
وحيث إنه، يترتب عن عدم تنصيص على الأحكام المشار إليها، عدم التقيد بإلزامية حجية قرارات المحكمة الدستورية، ومس بحق الأطراف المعنية بالاستفادة من الأثر المترتب عن تلك القرارات، مما يتعين معه التصريح، من هذا الوجه، بعدم دستورية هذه المواد.
8 . في سرية جلسات المحكمة الدستورية
جاء في المادة 21 من القانون التنظيمي المتحدث عنه، أنه " تكون الجلسة أمام المحكمة الدستورية علنية، ما عدا في الحالات التي تقرر فيها المحكمة الدستورية سرية الجلسات طبقا لنظامها الداخلي"، والتي صرحت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها بعلة أن المشرع الدستوري في الفصل 123 نص على أن تكون الجلسات تكون علنية ما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك" وبالتالي يكون قد جعل تحديد حالات سرية الجلسات، من اختصاص المشرع، حسب الحالة وفق قانون تنظيمي أو قانون.
وبالتالي، إن تحديد حالات سرية الجلسات يندرج صمن الشروط والإجراءات المشكلة لمشمولات القانون التنظيمي المذكور، والتي يعود إلى المشرع تحديدها ولس للمحكمة بموجب نظامها الداخلي. وهنا مرة أخرى تذكر المشرع بممارسة اختصاصه كاملا، وعدم ترك ذلك لجهات أخرى. غير أنه فيما يخص سرية هذه الجلسات نجد أنها في التجربة الفرنسية محددة في النظام الداخلي للمجلس الدستور.
9 . فيما يخص الأثر الفوري للقانون
نصت المادة 27 من القانون التنظيمي على أنه " يدخل هذا القانون حيز التنفيذ بعدم انصرام أجل سنة، يبتدئ من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية".
وبخصوص هذه المادة اعتبرت المحكمة الدستورية أنه لئن كان يحق للمشرع أن يرجئ نفاذ أحكام تشريعية إلى تاريخ أخر يحدده، وذلك لوضع الترتيبات الضرورية لتنفيذها، إلا أن الأثر الفوري للقانون يشكل القاعدة.
وبالتالي إن تحديد تاريخ دخول هذا القانون التنظيمي حيز التنفيذ المندرج في السلطة التقديرية للمشرع، يجب أن يظل محكوما بقاعدة التناسب ما بين المدة الزمنية للإرجاء وما يقتضيه إخراج النصوص القانونية التي يتوقف عليها إعمال أحكام القانون التنظيمي، وما يتطلبه إرساء آلية جديدة للتقاضي، تكفل للأطراف حق الولوج إلى العدالة الدستورية.
مما يعني أن المحكمة الدستورية حثت المشرع إلى الإسراع في إخراج هذا القانون التنظيمي، تفاديا للفراغ التشريعي وتعطيل أحكام الدستور، الذي ينجر عنه حرمان المواطنات والمواطنين من ممارسة حقهم الدستوري. وبالتالي، في هذه الحالة لا يمكن التذرع بالسلطة التقديرية، التي تهدر حق دستوري.