يعتبر تطبيق التبليغ الإلكتروني آلية تساهم في تحسين الكفاءة والسرعة في معالجة المعلومات المالية. يمكن للشركات والجهات الحكومية تقليل الأعباء الإدارية والورقية من خلال التحول إلى البيئة الرقمية. كما يمكن للتبليغ الإلكتروني أن يزيد من دقة البيانات ويقلل من فرص الأخطاء البشرية في تقديم التقارير المالية والضرائب، مما يسهم في تحقيق أقصى قدر من الشفافية والامتثال للقوانين المالية.
فالتبليغ الإلكتروني الضريبي هو عملية تقديم الإقرارات الضريبية والمعلومات المالية للسلطات الضريبية باستخدام الوسائل الإلكترونية والتكنولوجية. كما يعزز هذا النهج من كفاءة إعداد وتقديم الإقرارات الضريبية ويخفض الاعتماد على الوثائق الورقية التقليدية.
والتبليغ الضريبي الإلكتروني يوفر عدة فوائد، منها تقليل فرص الأخطاء البشرية في التقديم ومعالجة البيانات الضريبية، وزيادة الشفافية والدقة في تقديم المعلومات المالية للسلطات الضريبية. كما يساهم في تسريع عمليات التدقيق الضريبي ويقلل من تكاليف الامتثال الضريبي. إن توجه العديد من الدول نحو التبليغ الضريبي الإلكتروني يعكس التطور الرقمي والحاجة إلى تحسين الكفاءة في إدارة الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي.
فهل يعكس توجه مشروع قانون المالية لسنة 2024 نحو التبليغ الالكتروني على مستوى مدونة تحصيل الديون العمومية كفاءة تحصيل الديون العمومية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات الضريبية لكل من الملزم والإدارة الضريبية، وما هي إكراهات تطبيقه؟
أولا: مستجدات مشروع قانون مالية 2024 على مستوى التبليغ عن طريق البريد الالكتروني في مدونة تحصيل الديون العمومية
لابد في الأول من معرفة مدلول التبليغ عن طريق البريد الإلكتروني، فهو عملية إرسال معلومات هامة ومؤثرة إلى الأشخاص أو المنظمات المدينة عن طريق البريد الإلكتروني. يتم استخدام هذه الطريقة في سياق تحصيل الديون العمومية لإعلام المدينين بالديون المستحقة عليهم وتوجيههم نحو سدادها. يشمل التبليغ عبر البريد الإلكتروني إرسال رسائل إلكترونية تحتوي على معلومات مثل المبالغ المستحقة، الجداول الزمنية، خيارات الدفع، ومعلومات الاتصال بالجهة الديون.
فالتبليغ عبر البريد الإلكتروني يمكن أن يكون أكثر فعالية من التبليغات التقليدية مثل البريد الورقي أو الاتصالات الهاتفية، حيث يمكن إرسال الرسائل بسرعة واستلامها بسهولة.
ومفهوم التبليغ عن طريق البريد الإلكتروني يشير إلى عملية إرسال معلومات هامة أو إعلانات أو إخطارات رسمية عبر البريد الإلكتروني إلى شخص أو مؤسسة معينة. هذا التبليغ يتضمن إبلاغ الأفراد أو الجهات بمعلومات مهمة تتعلق بمواضيع مثل الديون، الاشتراكات، العقود، المواعيد القانونية، أو أي مسألة أخرى تتعلق بالالتزامات والحقوق. مدلول التبليغ عن طريق البريد الإلكتروني هو أن هذا البريد الإلكتروني يمكن أن يكون دليلاً قانونياً للإخطار أو الاتفاق بين الأطراف المعنية.
في حالة تحصيل الديون العمومية، يتم استخدام التبليغ عبر البريد الإلكتروني لإبلاغ المدينين بالمبالغ المستحقة والشروط المتعلقة بسداد هذه الديون. المدلول هنا يشير إلى أن البريد الإلكتروني يمكن استخدامه كوسيلة لتوثيق وإثبات تلك الإعلانات والإخطارات بشكل قانوني، وهذا يعني أنه إذا كان هناك أي نزاع قانوني في المستقبل بشأن المعلومات المحتواة في البريد الإلكتروني، يمكن استخدام البريد الإلكتروني كدليل في المحكمة للتأكيد على مضمون التبليغ وتوصل الجهة المعنية به. يجب أن تلتزم الجهات المرسلة بالقوانين واللوائح القانونية المعمول بها لضمان صحة المدلول واعتباره قانونياً.
ومن المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المالية رقم 55.23 للسنة المالية 2024 تغيير وتتميم الفقرة الثالثة من المادة 5 التي كانت تنص على أنه: “...ويرسل إعلام الضريبة عن طريق البريد في ظرف مغلق إلى كل ملزم مقيد بالجداول أو قوائم الإيرادات وعلى أبعد تقدير عند تاريخ الشروع في التحصيل وذلك بمبادرة من الإدارة. ويبين هذا الإعلام المبلغ الواجب أداؤه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق”. وأصبحت بموجب مشروع قانون مالية 2024 تنص على ما يلي:”...ويرسل إعلام الضريبة إلى كل ملزم مقيد بالجداول أو قوائم الإيرادات عن طريق البريد في ظرف مغلق أو بالطريقة الإلكترونية في العنوان الإلكتروني المدلى به تلقائيا من طرف الملزم للإدارة وعلى أبعد تقدير عند تاريخ الشروع في التحصيل وذلك بمبادرة من الإدارة. ويبين هذا الإعلام المبلغ الواجب أداؤه وتاريخي الشروع في التحصيل والاستحقاق”.
ويمكن تحليل هذا التوجه في مشروع قانون مالية 2024 على أنه توجه للاستفادة من الآليات الرقمية خصوصا البريد الإلكتروني، إذ من الممكن الاستفادة من العنوان الإلكتروني الذي يمكن للمكلفين تقديمه للإدارة، حيث يتضمن الإعلام معلومات حول المبالغ المستحقة وتواريخ بدء التحصيل والاستحقاق. فالإدارة تتخذ مبادرة لتيسير هذه العملية، مما يعزز من شفافية وفعالية أداء الضرائب.
كما أن المادة 36 من مدونة تحصيل الديون العمومية تم تغييرها وتتميمها هي الأخرى والتي كانت تنص على أنه:” لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر، ويجب تقييد تاريخ إرسال هذا الإشعار في جدول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي آخر. ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن فيه بالزور”. والتي أصبحت تنص على ما يلي: ”لا يمكن مباشرة التحصيل الجبري إلا بعد إرسال آخر إشعار للمدين دون صوائر عن طريق البريد في ظرف مغلق أو بالطريقة الإلكترونية في العنوان الإلكتروني المدلى به تلقائيا من طرف الملزم للإدارة، ويجب تقييد تاريخ إرسال هذا الإشعار في جدول الضرائب والرسوم أو في أي سند تنفيذي آخر. ويعتد بهذا التقييد ما لم يطعن فيه بالزور”.
نفس الأمر بالنسبة للمادة 42 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي كانت تنص على أنه” يتم تبليغ الإنذار من طرف مأموري التبليغ والتنفيذ للخزينة أو أي شخص منتدب لذلك. كما يمكن أن يتم التبليغ بالطريقة الإدارية أوعن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل”. حيث تم تغييرها وفق مشروع قانون المالية لسنة 2024 وستنص على ما يلي:” يتم تبليغ الإنذار من طرف مأموري التبليغ والتنفيذ للخزينة أو أي شخص منتدب لذلك. كما يمكن أن يتم التبليغ بالطريقة الإدارية أوعن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل” أو بالطريقة الإلكترونية وفقا للتشريع الجاري به العمل، ولاسيما القانون رقم 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية، وذلك في العنوان الإلكتروني المدلى به للإدارة من طرف الملزمين بناء على طلبهم”.
ثانيا: إكراهات تطبيق التبليغ عن طريق البريد الإلكتروني في مدونة تحصيل الديون العمومية
يمكن القول بأن استخدام التبليغ عبر البريد الإلكتروني يمكن أن يكون أكثر فعالية من التبليغات التقليدية مثل البريد الورقي أو الاتصالات الهاتفية، حيث يمكن إرسال الرسائل بسرعة واستلامها بسهولة. وأن يساهم في توفير التكاليف وذلك عبر إرسال الرسائل الإلكترونية يتطلب تكاليف أقل بكثير مقارنة بالبريد الورقي، وهو بديل اقتصادي يساعد على تخفيض ميزانية تحصيل الديون. وسهولة التتبع أيضا، حيث يمكن تتبع إرسال البريد الإلكتروني والتحقق من توصله بسهولة من خلال تقارير التسليم والقراءة، مما يساعد في تقييم فعالية التبليغ وتحسينه.
كما يمكن للبريد الإلكتروني أن يوفر توثيقاً قانونياً لعملية التبليغ، حيث يمكن استخدام الرسائل الإلكترونية كدليل في المستقبل في حالة النزاعات القانونية. ويمكن تنفيذ عمليات التبليغ بشكل أسرع عبر البريد الإلكتروني مما يسهم في تقليل التأخير في تحصيل الديون. باختصار، التبليغ عبر البريد الإلكتروني هو أداة يمكن القول بأنها قوية في تحصيل الديون العمومية تساهم في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف، مما يعود بالفائدة على الجهات الحكومية والمدينين على حد سواء.
زيادة على ما قيل، فيمكن أن تواجه عمليات التبليغ عبر البريد الإلكتروني في مجال تحصيل الديون العمومية العديد من التحديات والمشكلات. أولها مشكلة البريد العشوائي (السبامSpam )؛ فالرسائل الإلكترونية قد تندرج تحت فلترة البريد العشوائي، مما يمكن أن يؤدي إلى عدم وصول الرسالة للمدين سواء كان شركة أو ملزم عادي أو حتى عدم ملاحظة هذه الرسائل بشكل جيد. يجب تجنب التصنيف كسبام من خلال تنفيذ ممارسات تسويق البريد الإلكتروني الصحيحة والتي تلتزم بقوانين مكافحة البريد العشوائي.
كما يجب على الإدارة الضريبية التقيد بالقوانين والتشريعات المتعلقة بخصوصية البيانات وحقوق المدينين. على سبيل المثال، يجب عدم مشاركة معلومات سرية بدون موافقة من المدين وتأكيد الهوية. زيادة على مشكلة الأمان على مستوى الرسائل الإلكترونية، حيث تواجه الرسائل الإلكترونية خطر التسلل والاختراق. لذلك يجب أخذ إجراءات أمان ملائمة لحماية المعلومات الحساسة والبيانات الشخصية.
مشكل آخر مطروح وهو عدم وصول البريد الإلكتروني، فقد يواجه بعض المدينين مشكلة في استقبال أو فتح البريد الإلكتروني. يجب توفير بدائل للتبليغ مثل الاتصالات الهاتفية أو غيرها، فالأمية الرقمية لدى عدد كبير من الملزمين الذين لا يعرفون كيفية التعامل مع البريد الالكتروني خصوصا ملزمي الرسم على الخدمات الجماعية ورسم السكن، تكون ملكية العقار في يد شخص كبير في السن لا يعرف التعامل مع الوسائل التكنولوجية والرقمية أو أم أو جدة من الصعب جدا أن يطبق عليهم هذا المستجد. فبعض المكلفين قد يحتاجون إلى تدريب ومقاطع فيديو توضيحية، ودعم إضافي لفهم واستخدام البريد الإلكتروني والأدوات الإلكترونية المتعلقة بالضرائب وبالتحصيل على وجه الخصوص.
زيادة على إكراه آخر وهو التحقق من الهوية، فمن المهم التحقق من هوية المكلف الذي يستلم الإعلام الضريبي عبر البريد الإلكتروني لضمان أن المعلومات تصل إلى الشخص المناسب. ذلك يتطلب نظامًا قويًا للتحقق من الهوية. زيادة على تقنيات التلاعب فهناك خطر من استخدام تقنيات التلاعب مثل البريد الإلكتروني المزيف والاحتيال للوصول إلى معلومات ضريبية حساسة، مما يتطلب إجراءات أمان إضافية لمكافحة هذه المشكلة.
أيضا هناك مشكل عدم التجاوب، فقد لا يرد بعض المدينين على الرسائل الإلكترونية بسرعة أو قد يتجاهلونها. لذلك يجب تنفيذ استراتيجيات تحفيزية لزيادة معدلات الاستجابة وتشجيع المدينين على التفاعل. فتجاوز هذه المشكلات يتطلب التخطيط الجيد وتنفيذ استراتيجيات فعالة للتبليغ عبر البريد الإلكتروني، وضمان أن هذه العمليات تتم بشكل شفاف وملتزم بالقوانين والأخلاقيات.
في الختام، يمكن القول بأن موضوع التبليغ عبر البريد الإلكتروني في مدونة تحصيل الديون العامة وفق مستجدات مشروع قانون مالية 2024 يمثل تحديا مهما يتعين التفكير فيه بعمق. هذه التعديلات تتعلق بكفاءة تحصيل الديون وتوازن حقوق الملزمين في علاقتهم بالإدارة الضريبية. لذلك يجب أن يكون هناك توجيهات واضحة من الإدارة الجبائية حول كيفية تطبيق هذه التغييرات بفعالية وعدالة.
من المهم أيضا التأكد من أن هذه التغييرات تحترم مبادئ الخصوصية وحماية البيانات للأفراد والشركات. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يتم توجيه الجهود نحو تطوير أنظمة تكنولوجية تساعد في تحسين عمليات التبليغ والتواصل مع المملزمين بشكل فعال.
في النهاية، يجب أن تسعى التحسينات والتعديلات في التبليغ عبر البريد الإلكتروني في مدونة تحصيل الديون العمومية إلى تحقيق التوازن بين مصلحة تحصيل الديون العامة وحقوق الملزمين كما سبق الإشارة إلى ذلك، مع مراعاة الاعتبارات القانونية والأخلاقية. حيث تحتاج الجهات المعنية إلى متابعة التقييم المستمر لتأثير هذه التحسينات وضمان تحقيق الأهداف المرجوة في مجال تحصيل الديون العمومية خصوصا وأننا نتحدث عن ما يزيد عن 23 سنة من تطبيق مدونة تحصيل الديون العمومية والتي أبانت عن مجموعة من المشاكل على مستوى التطبيق خصوصا في الآونة الأخيرة وما تعرفه الساحة المالية من متغيرات وجب معها التفكير في إصلاح شامل لهذه المدونة.