بات من غير الممكن الحديث بدقة عن الدولة المتقدمة، دون استعراض مجال العلاقات الدولية الراهن، ومن خلال دراسة منهجية لما يحدث في عالم اليوم، والذي يتسم بالترابط المتنامي بين الدول، وفي ظل نظام دولي محكوم عالمياً، يمكن لملمة تفاصيله تحت عنوان بارز عريض اسمه "العولمة". ويترافق معها الانفجار في الحركات والجماعات والشبكات والمنظمات التي تتداخل في حوار عالمي عام غير محلي، مؤداه النظر في سياسة ومنهج بناء الدولة التي تستطيع مواجهة طغيان موجات المركز العولمي.
يرى بعض الباحثين انه مع بداية الالفية الجديدة، شهد المسرح السياسي العالمي تغيرات بنيوية جذرية. وبدأ هذا التحول مع النصف الثاني للقرن الماضي. وبعيدا عن مستقبل اليقين ونهاية الصراع، فقد صار العالم اكثر تعقيدا وغموضا وخطورة بسبب سيرورتين محدودتين هما: العولمة والتفكك. وبينما تتجه الدول القوية او العظيمة نحو العولمة والتكامل وقبول التعددية الثقافية، نجد دولا او مجموعات داخل دول تقاوم مثل هذه العمليات، مما نتج عنه عدم استقرار واسع وتهديد متزايد للسلام الاقليمي والعالمي. ومعظم هذه الدول توصف بأنها فاشلة او في طريقها الى الفشل. والملاحظ ان اعداد مثل هذه الدول تتزايد. فقد حدث الانهيار والتفكك والصراع المسلح في الاتحاد السوفيتي السابق والبلقان والقوقاز وشمال ووسط افريقيا. ونتج عن ذلك ظهور الكثير من الكيانات بحكم ذاتي نال بعضها الاعتراف او تسعى لنيله كدولة مستقلة ذات سيادة.
كان مصطلح الدول الفاشلة قد استخدم للمرة الأولى في عهد الرئيس بيل كلينتون، ونعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان، ومثل الصومال حاليا، حيث أصبحت القرصنة البحرية تنتشر على سواحلها
يتم تعريف "الدول الفاشلة" على أنها تلك الدولة التي لا تستطيع القيام بالوظائف الأساسية المنوطة بها (توفير الأمن، تقديم الخدمات العامة، إدارة آليات السوق، الإدارة الكفء للتنوع الاجتماعي في الداخل بل وتوظيفه) بالإضافة إلى معاناة مؤسساتها من الضعف الهيكلي والوظيفي. باختصار هي الدولة غير القادرة على القيام بمسئولياتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وتزداد خطورة هذه الدول مع ازدياد حدة الأزمات لأن الدولة الفاشلة غير مهيأة لمواجهة المستجدات والمخاطر الداخلية والخارجية، تلك الأزمات التي تبرز عوامل "الفشل" الكامنة في الدولة، وتزيد من احتمالات تحول هذه الدولة إلى تهديد للسلام والاستقرار الدوليين.
فعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت أهمية مصطلح "الدول الفاشلة"، فأضحى يُنظر إلى تلك الدول من منظور أمني دفاعي بحت بمعزل عن المنظور التنموي الذي كان المعني بهذه الظاهرة؛ لاتهام تلك الدول "الفاشلة" بتفريخ الإرهاب والتطرف الذي لم يضر بمجتمعها فحسب، بل أضر بالأمن الأمريكي على أرضه، ناهيك عن تحميلها مسئولية انتشار الظواهر الأمنية السلبية في العالم. ولذا ازداد الاهتمام الأكاديمي بالدول الفاشلة وبتصنيفاتها وبطرائق التعامل معها واحتواء أخطارها المباشرة وغير المباشرة.
إن مقدمات بناء دولة فاشلة يقوم على عدم تقديم تصور سياسي ـ اقتصادي لمجتمع ما، وسلعة الأمن (هي أهم سلعة سياسية)، والتعليم والخدمات الصحية، والفرص الاقتصادية، والإشراف البيئي، والإطار القانوني لتحقيق النظام، والطرق ووسائل المواصلات، وعندما تنتهك الدولة التزاماتها. كما تتسم بضعف مؤسساتها أو تصدعها، وهذه المؤسسات لا تشتمل على التنفيذية فحسب، بل والتشريعية، وكثيراً ما تكون في الدولة الفاشلة الهيئة القضائية التشريعية مشتقة من الهيئة التنفيذية، فلا يستطيع أحد الحصول على العدل والإنصاف، حيث تتيح الدولة الفاشلة فرصاً اقتصادية غير متوازنة، بل لقلة مميزة ومحددة، ويزداد ثراء فئة على حساب المجموع العام للشعب الذي يتضور جوعاً، ويزدهر الفساد على نطاق تدميري، كذلك الإسراف في مشروعات دون جدوى، على حساب التعليم والإمداد الطبي. والثراء على حساب الدولة، حيث تفشل عندما تفقد وظيفتها الأساسية، وتتقلص شرعيتها، وقد تنتقل من الفشل إلى الانهيار. فالصومال في العقد الأخير هي دولة منهارة وليست فاشلة حين لم تتوقف عند الفشل، وحين تعاظم الذين يعيشون تحت خط الفقر.
فما هي المؤشرات الدالة على فشل الدولة؟
المؤشرات المختلفة تتراوح بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لتستفيد من المحاولات السابقة، وتقدم إطارا أشمل للمعايير التي تقيس درجة الاستقرار داخل الدول. هذه المؤشرات هي:
* المؤشرات الاجتماعية:
1. -تصاعد الضغوط الديمغرافية (زيادة السكان، وسوء توزيعهم، والتوزيع العمري، والنزاعات المجتمعية الداخلية... إلخ).
2. -الحركة السلبية والعشوائية للاجئين أو الحركة غير النظامية للأفراد تخلق معها حالة طوارئ معقدة (ينتج الأمراض، ونقص الغذاء والمياه الصالحة، والتنافس على الأرض ومشكلات أمنية للدولة.).
3. -الميراث العدائي الشديد يجعل الجماعات المظلومة تنتظر الثأر (عدم العدالة، والاستثناء السياسي والمؤسسي، وسيطرة أقلية على الأغلبية....).
4 -الفرار الدائم والعشوائي للناس (هجرة العقول، وهجرة الطبقات المنتجة من الدولة، والاغتراب داخل المجتمع).
* المؤشرات الاقتصادية:
5. غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة (عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الأسباب....).
6. الانحطاط الاقتصادي الحاد (الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية....).
* المؤشرات السياسية:
7. فقدان شرعية الدولة "إجرام الدولة" (فساد النخبة الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية، وضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية ما يكثر مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني... وذيوع جرائم ترتبط بالنخب الحاكمة....).
8. -التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة (ألا تؤدي الدولة وظائفها الجوهرية مثل حماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، تمركز الموارد بالدولة في مؤسسات الرئاسة وقوات الأمن والبنك المركزي والعمل الدبلوماسي...).
9. -الحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان (الحكم العسكري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني، وغياب القانون، وتقييد الصحافة، وخوف الناس من السياسة....).
10 - تشتت الأمن قد يخلق دولة داخل الدولة (ظهور نخبة عسكرية داخل الجيش، وهيمنة النخبة العسكرية، وظهور النزاعات المسلحة، وظهور قوة أمنية وتوازي الأمن النظامي للدولة....)
11 - تنامي الانشقاقات داخل النخب بالدولة (الانقسام بين النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة، واستخدام النخبة الحاكمة لنغمة سياسية قومية تذكر بتجارب وحدوية قومية مثل صربيا الكبرى أو التطهير الإثني....).
12 -تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين خارجيين (التدخل العسكري أو شبه العسكري داخليا في الدولة أو جيشها أو جماعات فرعية بها، وتدخل قوات حفظ السلام والقوات الدولية....).
و منذ عام 2005 تصدر مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) مقياسها السنوي للدول الفاشلة (Failed State )، وهو ثمرة جهد مشترك بين المجلة مع صندوق السلام The Fund For Peace. وفي عددها الأخير الصادر عن شهري يوليو/ أغسطس 2012 أصدرت المجلة تقريرها عن الدول الفاشلة Index of failed states.
وحسب التقرير، فإن المشرفين عليه اعتمدوا على معطيات واردة في أكثر من 90 ألف مصدر، خاصة من وسائل الإعلام حكومية وغير حكومية، والمنظمات الإنسانية من 177 دولة.
وأوردت الدراسة أسماء 60 دولة وفق ثلاث درجات من الفشل هى: الدول ذات المرتبة الحرجة critical وتشمل 20 دولة، ثم الدول التى تمر بمرحلة الخطر in danger وهى 19 دولة، وأخيرا الدول على أعتاب الفشل bordeline وتقع مصر فى الدول التى تمر بمرحلة الخطر.
و الترتيب على سلم هذا المؤشر من ناحية الأفضلية هو عكسي ، بمعنى أن أسوا الدول و أكثرها فشلاً تقع في قمة هذا المؤشر، و أنجحها و أفضلها في أسفل سلم هذا المؤشر .
ويصنف مؤشر الدول الفاشلة 178 دولة في العالم مستخدماً (12) معياراً رئيسياً إجتماعياً وسياسياً وإقتصادياً ، وتشمل معايير مثل شرعية الدولة ، وإحترام حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون ، ومظالم المجموعات ، والتنمية غير المتوازنة . وكل معيار يعطى درجات تتفاوت من (1) إلى (10) ، بناء على تحليل ملايين الوثائق المنشورة والمعلومات عن البلد المحدد . وتشير زيادة درجات المعيار إلى زيادة الضغوط على الدولة وبالتالي وجود مخاطر أعلى بعدم الإستقرار
في تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام 2012 الذي صدر مؤخراً نالت الصومال مرتبة أسوأ دولة والأكثر فشلاً في العالم و طبعاً بين الدول العربية الصومال تربعت على قمة مؤشر الدول العربية الفاشلة ، و تلتها السودان ثم اليمن ، فالعراق ، و احتلت سوريا مرتبة خامس دولة عربية فاشلة ، و من ثم مصر ، وبعدها بالفشل لبنان كمرتبة سابعة ، تلتها ليبيا ، و جاءت الدولتين العربيتين الجارتين الجزائر و المغرب بالمرتبتين التاسعة و العاشرة على التوالي و بفارق بسيط جداً على سلم مؤشر الدول الفاشلة بما يخص العالم العربي .
أما الأردن فاحتل المرتبة ( 90 ) بين جميع دول العالم و المرتبة الحادية عشر بدرجة ( 79.8) بين الدول العربية بالمشاركة بنفس هذه المرتبة مع تونس و السعودية على تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام 2012 ، ، و لكن بسبب حسابات أخرى يعتمدها المؤشر تم وضع تونس في المرتبة ( 94 ) عالمياً و السعودية في الترتيب ( 100) ، و هذا يعني أن الأردن أفضل من 89 دولة في العالم و أكثر نجاحاً منهم ، و كذلك يعني ترتيب الأردن بين الدول العربية أنه أفضل و أكثر نجاحاً كدولة من عشرة دول عربية أخرى ، و لكنه أسوأ و أكثر فشلاً من حوالي خمسة دول عربية أخرى تعتبر أفضل و أكثر نجاحاً من الأردن في توفير الحياة الأفضل لمواطنيها و هي قطر كأفضل دولة عربية ، و من ثم الإمارات العربية ، و بعدها عمان تليها بالترتيب الكويت فالبحرين و من ثم الأردن و السعودية وتونس بنفس المرتبة على هذا المؤشر ، أما أفضل الدول عالمياً فهي فنلندا بدرجة ( 20.0 ) و احتلت أدنى درجة على سلم مؤشر الدول الفاشلة لعام 2012 من بين 177 دولة .
أما المغرب فقد احتل المركز 87 عالميا في القائمة المكونة من 177 دولة، و بالتالي فقد احتل المركز العاشر عربيا، إلى أن "هذا البلد ما يزال يعيش بعض التذبذب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، رغم الإصلاحات السياسية التي انخرط فيها".
فرغم الدستور الجديد، و الحكومة الجديدة، صنف المغرب في هذا التقرير الذي حمل عنوان 'فرص العمل والعدالة والربيع العربي: النمو المندمج في شمال إفريقيا' ضمن الصنف الثاني من الدول التي لا يزال استقرارها هشا.
وباحتلاله الرتبة 87 عالميا، بما مجموعه 76.1 نقطة، وهي مرتبة الخطر حسب التصنيف، يقترب المغرب أكثر فأكثر من مصاف الدول التي يصف التقرير وضعها ب «الحرج جدا» والآيلة للسقوط أو حتى الدول الفاشلة، وهي النطاقات التي تضم كلا من السودان (الرتبة 3)، اليمن (8)، العراق (9)، سوريا (23)، مصر (31)، موريتانيا (38)، لبنان (45) وليبيا (50). ولقد وضع التقرير أيضا كلا منالجزائر وتونس والسعودية داخل نفس دائرة الخطر، حيث احتلت الجزائر الرتبة 77 على بعد نقطتين فقط من المغرب (78.1)، في حين احتلت الجزائر الرتبة 94 بما مجموعه74.2 من النقط، تلتها السعودية في الرتبة 100 ب 73.4 نقط.
وهكذا استقر مؤشر المغرب المتعلق بالضغط الديمغرافي عند النقطة 6.1، وسجلت حركة اللاجئين أو حركات النزوح الداخلي 6.2، أما الحركات الاحتجاجية وشكاوى المواطنين فسجلت 6.8، وهي نفس النقطة تقريبا (6.7) التي سجلها المغرب على مستوى هروب الناس بشكل مستمر من البلد. وعلى المستوى الاقتصادي، سجل مؤشر النمو الاقتصادي المتذبذب أسوأ تنقيط للمغرب حيث ارتفع ليصل إلى 7.2، في حين أن مؤشر الفقر أو التدهور الاقتصادي الحاد سجل تنقيطا متوسطا (5.6). وسياسيا، أوضح التقرير أن مؤشر شرعية الدولة حصل على 6.6، كما سجل مؤشر التدهور التدريجي للخدمات العمومية 6.2، ومؤشر انتهاك حقوق الإنسان وسيادة القانون 6.4. واستقر مؤشرا الوضع الأمني واستفحال تشتت النخب في نفس المعدل 6.6، في والوقت الذي سجل فيه مؤشر التدخل الخارجي أفضل تنقيط للمغرب باستقراره في نقطة 5.2.
وو ضع هذا التقرير عشرة أسباب تقف وراء فشل الدول من بينها غياب حقوق الملكية، والعمل القسري، وانحسار المزايا لصالح فئة من الناس على حساب الآخرين، ومنع التكنولوجيا الحديثة، وغياب القانون والنظام، وضعف الحكومة المركزية، والخدمات العامة السيئة، والاستغلال السياسي...
التقرير اعتمد على هذه الأسباب لقياس مدى فشل الدول، فالدول في نظره لا تفشل بين عشية وضحاها ولكن بذور الدمار و الفشل تكون مزروعة بشكل عميق في المؤسسات السياسية. فبعض الدول تفشل بشكل مفاجئ، إذ تنهار كافة مؤسسات الدولة كما حدث في أفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي منها على سبيل المثال، أو إثر حرب أهلية طالت عقدا من الزمن مثل الصومال حيث اختفت الحكومة عن الوجود كليا، ولكن معظم الدول التي تنهار كانت تجري في هذا الطريق بشكل بطيء، فهي لا تفشل إثر اندلاع حرب أو عنف، ولكن بفعل عجزها الكامل عن الاستفادة من قدرة مجتمعاتها الكبيرة على النمو، فتحكم على مواطنيها بالفقر طوال حياتهم.
وأخيراً فإن معظم معايير الدولة الفاشلة ليست حاسمة، كما أن الدراسة أدرجت دولة كإيران ربما لأسباب سياسية، إذ لا يبدو لنا أن معايير الفشل الواردة فى الدراسة تتوفر فيها، بل كان يجب أن يكون احترام القانون الدولى وانحسار الوازع الأخلاقى والسياسات العنصرية، وفى هذه الحالة تصبح إسرائيل فى مقدمة الدول الفاشلة، خاصة أن الديمقراطية التى تتباهى بها هى ديمقراطية لليهود، فلا تعترف بالمواطنة، والمساواة بين كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية.
يرى بعض الباحثين انه مع بداية الالفية الجديدة، شهد المسرح السياسي العالمي تغيرات بنيوية جذرية. وبدأ هذا التحول مع النصف الثاني للقرن الماضي. وبعيدا عن مستقبل اليقين ونهاية الصراع، فقد صار العالم اكثر تعقيدا وغموضا وخطورة بسبب سيرورتين محدودتين هما: العولمة والتفكك. وبينما تتجه الدول القوية او العظيمة نحو العولمة والتكامل وقبول التعددية الثقافية، نجد دولا او مجموعات داخل دول تقاوم مثل هذه العمليات، مما نتج عنه عدم استقرار واسع وتهديد متزايد للسلام الاقليمي والعالمي. ومعظم هذه الدول توصف بأنها فاشلة او في طريقها الى الفشل. والملاحظ ان اعداد مثل هذه الدول تتزايد. فقد حدث الانهيار والتفكك والصراع المسلح في الاتحاد السوفيتي السابق والبلقان والقوقاز وشمال ووسط افريقيا. ونتج عن ذلك ظهور الكثير من الكيانات بحكم ذاتي نال بعضها الاعتراف او تسعى لنيله كدولة مستقلة ذات سيادة.
كان مصطلح الدول الفاشلة قد استخدم للمرة الأولى في عهد الرئيس بيل كلينتون، ونعت به الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية، مما جعلها تشكل خطرا على الأمن والسلام العالميين، مثل أفغانستان في عهد طالبان، ومثل الصومال حاليا، حيث أصبحت القرصنة البحرية تنتشر على سواحلها
يتم تعريف "الدول الفاشلة" على أنها تلك الدولة التي لا تستطيع القيام بالوظائف الأساسية المنوطة بها (توفير الأمن، تقديم الخدمات العامة، إدارة آليات السوق، الإدارة الكفء للتنوع الاجتماعي في الداخل بل وتوظيفه) بالإضافة إلى معاناة مؤسساتها من الضعف الهيكلي والوظيفي. باختصار هي الدولة غير القادرة على القيام بمسئولياتها السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. وتزداد خطورة هذه الدول مع ازدياد حدة الأزمات لأن الدولة الفاشلة غير مهيأة لمواجهة المستجدات والمخاطر الداخلية والخارجية، تلك الأزمات التي تبرز عوامل "الفشل" الكامنة في الدولة، وتزيد من احتمالات تحول هذه الدولة إلى تهديد للسلام والاستقرار الدوليين.
فعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 زادت أهمية مصطلح "الدول الفاشلة"، فأضحى يُنظر إلى تلك الدول من منظور أمني دفاعي بحت بمعزل عن المنظور التنموي الذي كان المعني بهذه الظاهرة؛ لاتهام تلك الدول "الفاشلة" بتفريخ الإرهاب والتطرف الذي لم يضر بمجتمعها فحسب، بل أضر بالأمن الأمريكي على أرضه، ناهيك عن تحميلها مسئولية انتشار الظواهر الأمنية السلبية في العالم. ولذا ازداد الاهتمام الأكاديمي بالدول الفاشلة وبتصنيفاتها وبطرائق التعامل معها واحتواء أخطارها المباشرة وغير المباشرة.
إن مقدمات بناء دولة فاشلة يقوم على عدم تقديم تصور سياسي ـ اقتصادي لمجتمع ما، وسلعة الأمن (هي أهم سلعة سياسية)، والتعليم والخدمات الصحية، والفرص الاقتصادية، والإشراف البيئي، والإطار القانوني لتحقيق النظام، والطرق ووسائل المواصلات، وعندما تنتهك الدولة التزاماتها. كما تتسم بضعف مؤسساتها أو تصدعها، وهذه المؤسسات لا تشتمل على التنفيذية فحسب، بل والتشريعية، وكثيراً ما تكون في الدولة الفاشلة الهيئة القضائية التشريعية مشتقة من الهيئة التنفيذية، فلا يستطيع أحد الحصول على العدل والإنصاف، حيث تتيح الدولة الفاشلة فرصاً اقتصادية غير متوازنة، بل لقلة مميزة ومحددة، ويزداد ثراء فئة على حساب المجموع العام للشعب الذي يتضور جوعاً، ويزدهر الفساد على نطاق تدميري، كذلك الإسراف في مشروعات دون جدوى، على حساب التعليم والإمداد الطبي. والثراء على حساب الدولة، حيث تفشل عندما تفقد وظيفتها الأساسية، وتتقلص شرعيتها، وقد تنتقل من الفشل إلى الانهيار. فالصومال في العقد الأخير هي دولة منهارة وليست فاشلة حين لم تتوقف عند الفشل، وحين تعاظم الذين يعيشون تحت خط الفقر.
فما هي المؤشرات الدالة على فشل الدولة؟
المؤشرات المختلفة تتراوح بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لتستفيد من المحاولات السابقة، وتقدم إطارا أشمل للمعايير التي تقيس درجة الاستقرار داخل الدول. هذه المؤشرات هي:
* المؤشرات الاجتماعية:
1. -تصاعد الضغوط الديمغرافية (زيادة السكان، وسوء توزيعهم، والتوزيع العمري، والنزاعات المجتمعية الداخلية... إلخ).
2. -الحركة السلبية والعشوائية للاجئين أو الحركة غير النظامية للأفراد تخلق معها حالة طوارئ معقدة (ينتج الأمراض، ونقص الغذاء والمياه الصالحة، والتنافس على الأرض ومشكلات أمنية للدولة.).
3. -الميراث العدائي الشديد يجعل الجماعات المظلومة تنتظر الثأر (عدم العدالة، والاستثناء السياسي والمؤسسي، وسيطرة أقلية على الأغلبية....).
4 -الفرار الدائم والعشوائي للناس (هجرة العقول، وهجرة الطبقات المنتجة من الدولة، والاغتراب داخل المجتمع).
* المؤشرات الاقتصادية:
5. غياب التنمية الاقتصادية لدى الجماعات المتباينة (عدم المساواة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الأسباب....).
6. الانحطاط الاقتصادي الحاد (الدخل القومي، وسعر الصرف، والميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار، وتقييم العملة الوطنية، ومعدل النمو، والتوزيع، والشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية....).
* المؤشرات السياسية:
7. فقدان شرعية الدولة "إجرام الدولة" (فساد النخبة الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية، وضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية ما يكثر مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني... وذيوع جرائم ترتبط بالنخب الحاكمة....).
8. -التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة (ألا تؤدي الدولة وظائفها الجوهرية مثل حماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، تمركز الموارد بالدولة في مؤسسات الرئاسة وقوات الأمن والبنك المركزي والعمل الدبلوماسي...).
9. -الحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان (الحكم العسكري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني، وغياب القانون، وتقييد الصحافة، وخوف الناس من السياسة....).
10 - تشتت الأمن قد يخلق دولة داخل الدولة (ظهور نخبة عسكرية داخل الجيش، وهيمنة النخبة العسكرية، وظهور النزاعات المسلحة، وظهور قوة أمنية وتوازي الأمن النظامي للدولة....)
11 - تنامي الانشقاقات داخل النخب بالدولة (الانقسام بين النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة، واستخدام النخبة الحاكمة لنغمة سياسية قومية تذكر بتجارب وحدوية قومية مثل صربيا الكبرى أو التطهير الإثني....).
12 -تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين خارجيين (التدخل العسكري أو شبه العسكري داخليا في الدولة أو جيشها أو جماعات فرعية بها، وتدخل قوات حفظ السلام والقوات الدولية....).
و منذ عام 2005 تصدر مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy) مقياسها السنوي للدول الفاشلة (Failed State )، وهو ثمرة جهد مشترك بين المجلة مع صندوق السلام The Fund For Peace. وفي عددها الأخير الصادر عن شهري يوليو/ أغسطس 2012 أصدرت المجلة تقريرها عن الدول الفاشلة Index of failed states.
وحسب التقرير، فإن المشرفين عليه اعتمدوا على معطيات واردة في أكثر من 90 ألف مصدر، خاصة من وسائل الإعلام حكومية وغير حكومية، والمنظمات الإنسانية من 177 دولة.
وأوردت الدراسة أسماء 60 دولة وفق ثلاث درجات من الفشل هى: الدول ذات المرتبة الحرجة critical وتشمل 20 دولة، ثم الدول التى تمر بمرحلة الخطر in danger وهى 19 دولة، وأخيرا الدول على أعتاب الفشل bordeline وتقع مصر فى الدول التى تمر بمرحلة الخطر.
و الترتيب على سلم هذا المؤشر من ناحية الأفضلية هو عكسي ، بمعنى أن أسوا الدول و أكثرها فشلاً تقع في قمة هذا المؤشر، و أنجحها و أفضلها في أسفل سلم هذا المؤشر .
ويصنف مؤشر الدول الفاشلة 178 دولة في العالم مستخدماً (12) معياراً رئيسياً إجتماعياً وسياسياً وإقتصادياً ، وتشمل معايير مثل شرعية الدولة ، وإحترام حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون ، ومظالم المجموعات ، والتنمية غير المتوازنة . وكل معيار يعطى درجات تتفاوت من (1) إلى (10) ، بناء على تحليل ملايين الوثائق المنشورة والمعلومات عن البلد المحدد . وتشير زيادة درجات المعيار إلى زيادة الضغوط على الدولة وبالتالي وجود مخاطر أعلى بعدم الإستقرار
في تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام 2012 الذي صدر مؤخراً نالت الصومال مرتبة أسوأ دولة والأكثر فشلاً في العالم و طبعاً بين الدول العربية الصومال تربعت على قمة مؤشر الدول العربية الفاشلة ، و تلتها السودان ثم اليمن ، فالعراق ، و احتلت سوريا مرتبة خامس دولة عربية فاشلة ، و من ثم مصر ، وبعدها بالفشل لبنان كمرتبة سابعة ، تلتها ليبيا ، و جاءت الدولتين العربيتين الجارتين الجزائر و المغرب بالمرتبتين التاسعة و العاشرة على التوالي و بفارق بسيط جداً على سلم مؤشر الدول الفاشلة بما يخص العالم العربي .
أما الأردن فاحتل المرتبة ( 90 ) بين جميع دول العالم و المرتبة الحادية عشر بدرجة ( 79.8) بين الدول العربية بالمشاركة بنفس هذه المرتبة مع تونس و السعودية على تقرير مؤشر الدول الفاشلة لعام 2012 ، ، و لكن بسبب حسابات أخرى يعتمدها المؤشر تم وضع تونس في المرتبة ( 94 ) عالمياً و السعودية في الترتيب ( 100) ، و هذا يعني أن الأردن أفضل من 89 دولة في العالم و أكثر نجاحاً منهم ، و كذلك يعني ترتيب الأردن بين الدول العربية أنه أفضل و أكثر نجاحاً كدولة من عشرة دول عربية أخرى ، و لكنه أسوأ و أكثر فشلاً من حوالي خمسة دول عربية أخرى تعتبر أفضل و أكثر نجاحاً من الأردن في توفير الحياة الأفضل لمواطنيها و هي قطر كأفضل دولة عربية ، و من ثم الإمارات العربية ، و بعدها عمان تليها بالترتيب الكويت فالبحرين و من ثم الأردن و السعودية وتونس بنفس المرتبة على هذا المؤشر ، أما أفضل الدول عالمياً فهي فنلندا بدرجة ( 20.0 ) و احتلت أدنى درجة على سلم مؤشر الدول الفاشلة لعام 2012 من بين 177 دولة .
أما المغرب فقد احتل المركز 87 عالميا في القائمة المكونة من 177 دولة، و بالتالي فقد احتل المركز العاشر عربيا، إلى أن "هذا البلد ما يزال يعيش بعض التذبذب على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، رغم الإصلاحات السياسية التي انخرط فيها".
فرغم الدستور الجديد، و الحكومة الجديدة، صنف المغرب في هذا التقرير الذي حمل عنوان 'فرص العمل والعدالة والربيع العربي: النمو المندمج في شمال إفريقيا' ضمن الصنف الثاني من الدول التي لا يزال استقرارها هشا.
وباحتلاله الرتبة 87 عالميا، بما مجموعه 76.1 نقطة، وهي مرتبة الخطر حسب التصنيف، يقترب المغرب أكثر فأكثر من مصاف الدول التي يصف التقرير وضعها ب «الحرج جدا» والآيلة للسقوط أو حتى الدول الفاشلة، وهي النطاقات التي تضم كلا من السودان (الرتبة 3)، اليمن (8)، العراق (9)، سوريا (23)، مصر (31)، موريتانيا (38)، لبنان (45) وليبيا (50). ولقد وضع التقرير أيضا كلا منالجزائر وتونس والسعودية داخل نفس دائرة الخطر، حيث احتلت الجزائر الرتبة 77 على بعد نقطتين فقط من المغرب (78.1)، في حين احتلت الجزائر الرتبة 94 بما مجموعه74.2 من النقط، تلتها السعودية في الرتبة 100 ب 73.4 نقط.
وهكذا استقر مؤشر المغرب المتعلق بالضغط الديمغرافي عند النقطة 6.1، وسجلت حركة اللاجئين أو حركات النزوح الداخلي 6.2، أما الحركات الاحتجاجية وشكاوى المواطنين فسجلت 6.8، وهي نفس النقطة تقريبا (6.7) التي سجلها المغرب على مستوى هروب الناس بشكل مستمر من البلد. وعلى المستوى الاقتصادي، سجل مؤشر النمو الاقتصادي المتذبذب أسوأ تنقيط للمغرب حيث ارتفع ليصل إلى 7.2، في حين أن مؤشر الفقر أو التدهور الاقتصادي الحاد سجل تنقيطا متوسطا (5.6). وسياسيا، أوضح التقرير أن مؤشر شرعية الدولة حصل على 6.6، كما سجل مؤشر التدهور التدريجي للخدمات العمومية 6.2، ومؤشر انتهاك حقوق الإنسان وسيادة القانون 6.4. واستقر مؤشرا الوضع الأمني واستفحال تشتت النخب في نفس المعدل 6.6، في والوقت الذي سجل فيه مؤشر التدخل الخارجي أفضل تنقيط للمغرب باستقراره في نقطة 5.2.
وو ضع هذا التقرير عشرة أسباب تقف وراء فشل الدول من بينها غياب حقوق الملكية، والعمل القسري، وانحسار المزايا لصالح فئة من الناس على حساب الآخرين، ومنع التكنولوجيا الحديثة، وغياب القانون والنظام، وضعف الحكومة المركزية، والخدمات العامة السيئة، والاستغلال السياسي...
التقرير اعتمد على هذه الأسباب لقياس مدى فشل الدول، فالدول في نظره لا تفشل بين عشية وضحاها ولكن بذور الدمار و الفشل تكون مزروعة بشكل عميق في المؤسسات السياسية. فبعض الدول تفشل بشكل مفاجئ، إذ تنهار كافة مؤسسات الدولة كما حدث في أفغانستان بعد الانسحاب السوفياتي منها على سبيل المثال، أو إثر حرب أهلية طالت عقدا من الزمن مثل الصومال حيث اختفت الحكومة عن الوجود كليا، ولكن معظم الدول التي تنهار كانت تجري في هذا الطريق بشكل بطيء، فهي لا تفشل إثر اندلاع حرب أو عنف، ولكن بفعل عجزها الكامل عن الاستفادة من قدرة مجتمعاتها الكبيرة على النمو، فتحكم على مواطنيها بالفقر طوال حياتهم.
وأخيراً فإن معظم معايير الدولة الفاشلة ليست حاسمة، كما أن الدراسة أدرجت دولة كإيران ربما لأسباب سياسية، إذ لا يبدو لنا أن معايير الفشل الواردة فى الدراسة تتوفر فيها، بل كان يجب أن يكون احترام القانون الدولى وانحسار الوازع الأخلاقى والسياسات العنصرية، وفى هذه الحالة تصبح إسرائيل فى مقدمة الدول الفاشلة، خاصة أن الديمقراطية التى تتباهى بها هى ديمقراطية لليهود، فلا تعترف بالمواطنة، والمساواة بين كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية.