تمهيد
يعتبر التحكيم من أقدم المؤسسات التي تسند إليها مهمة حل النزاعات وتسويتها، حيث صاحب الإنسان منذ عهود قديمة، وتطور بتطور التجارة الدولية، حتى أصبح عادة مترسخة في نفوس الناس، فقد اعتقدوا كونه وظيفة للقضاء والعدل ووسيلة لحسم الخلافات، وكان يعهد قديما إلى شيخ القبيلة أو زعيم مشهور أو امرأة حكيمة حسنة الخلق، فكان بحق مؤسسة قائمة بذاتها تجاوز القضاء الرسمي تميزت عنه بسيمات ومزايا لا نظير لها في قضاء الدولة، ولهذا فقد عبر آرسطو عن ذلك بقوله على أطراف يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك أن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي الا بالتشريع" .
و الإسلام بدوره أكد على أهمية التحكيم واعتنى به عناية محكمة إذ قال الله سبحانه وتعالى :"إن الله يأمركم أن تؤدوا الآمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعم ما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا" .
والمغرب شأنه في ذلك شأن باقي الدول عرف التحكيم، وكان أول تقنين له في عهد الحماية، وبعد حصول المغرب على الاستقلال حاول جاهدا ليواكب التطورات الحاصلة ومواجهة تحديات العولمة الاقتصادية، لذلك فقد أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس اهتماما كبيرا من أجل حث المشرع على تطوير النظم القانونية المغربية حيث أكد في خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح السنة القضائية بتاريخ 29 يناير 2003 "...وهكذا تجسيدا لنهجنا الراسخ بالنهوض بالاستثمار وتفعيلا لما ورد في رسالتنا الموجهة للوزير الأول في هذا الشأن، فإننا ندعو، حكومتنا إلى مواصلة الجهود لعصرنة القضاء بعقلنة العمل وتبسيط المساطر وتعميم المعلوميات، كما يجب تنويع مساطر التسوية التوافقية لما قد ينشأ من منازعات بين التجار وكذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري الوطني والدولي حتى يستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي.."
و في هذا الاطار تم اصدار قانون 05-08 المعدل لقانون المسطرة المدنية في الباب المتعلق بالتحكيم، ولعل من بين المستجدات التي جاء بها القانون الجديد تخصيصه مجموعة من النصوص القانونية المنظمة لكيفية تكوين الهيئات التحكيمية المحددة من الفصل 2-327 إلى 21-327 سواءا فيما يتعلق بتشكيل هيئة التحكم،وكيفية تعيين المحكمين وقبولهم.
كما أن المشرع المغربي لم يلزم الهيئة التحكيمية باحترام نفس القواعد المعمول بها أمام المحاكم وإنما أعطاها سلطة وحرية الإجراءات التي تراها مناسبة دون أن تخالف القانون وذلك دون أن تكون ملزمة بتطبيق القواعد المتبعة لدى المحاكم إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم.
لذا و ارتباطا بموضوع العرض ، وباشكالياته المحورية المتعلقة بكيفية تشكيل الهيئة التحكيمية،سنحاول ان نعرض لمدى تمكن المشرع المغربي من تدارك اوجه النقص و القصور التي شابت النصوص القانونية المتعلقة بالتحكيم في قانون المسطرة المدنية القديم،و الى أي حد ازالت النصوص القانونية الحديثة كل غموض بخصوص اجراءات تشكيل هيئة التحكيم مع مقارنتها ببعض التشريعات الاخرى (كالتشريع المصري و الفرنسي)،كلما سنحت الفرصة لذلك.
وعليه فان معالجتنا للموضوع ستتم وفقاا لتصميم التالي ،على اعتبار ان الحديث عن كيفية تشكيل الهيئة التحكيمية يقتضي اولا الوقوف عند اهم الشروط الواجب توافرها في المحكم، و التي تشكل ضمانات للمحتكمين من اجل الوصول الى حكم تحكيمي عادل
فهرس المقال
مقدمة:
المبحث الأول: ضمانات تشكيل الهِِيئة التحكيمية
المطلب الأول: الضمانات الشخصية والموضوعية
الفقرة الأولى: الضمانات الشخصية
الفقرة الثانية: الضمانات الموضوعية
المطلب الثاني: الضمانات الاجرائية
الفقرة الأولى: تجريح للمحكم
الفقرة الثانية: عزل المحكم
المبحث الثاني: كيفية تشكيل التحكيمية:
المطلب الأول: التشكيل الاتفاقي للهيئة التحكيمية
الفقرة الأولى: التشكيل المباشر
الفقرة الثانية: التعيين غير المباشر
المطلب الثاني: التشكيل القضائي
الفقرة الأول: حالات تدخل القضاء في تشكيل الهيئة التحكيمية
الفقرة الثانية : آليات وإجراءات تدخل القضاء في تشكيل الهيئة المحكمة
خاتمة
قائمة المراجع
الفهرس