في غمرة حرارة الانتخابات المهنية، التي عرفتها كل هيئات المغرب خلال شهر دجنبر 2023، وظهور بوادر مؤكدة تفيد بأن الزميلات المحاميات، سيكون عدد الظافرات منهن بمنصب العضوية بإحدى الهيئات قليلا جدا، وفي بعضها لن نجد لهن أثرا يذكر، رغم أن عدد المحاميات خلال السنوات الأخيرة أصبح يرتفع مؤشره التصاعدي داخل أغلب الهيئات، وكفاءتهن المساوية لرصيف المحامي، أصبحت تظهر وتعتلي، وفي ظل سكوت قانون المحاماة، عن تخصيص عدد من المناصب للمحاميات، داخل مجالس الهيئات، خرج علينا السيد نقيب هيئة المحامين ومجلسه بهيئة أكادير وكلميم والعيون بقرار، لا يمكن إلا أن نقول، بأنه شجاع وتقدمي، سبق المشرع المغربي، في ما يفكر فيه، منذ مدة بعقول وأفهام من يعملون على تعديله في قانون المحاماة، والذي يقضي بإسقاط تجربة انتخابات الأحزاب السياسية، والتي عُرفت بتخصيص كوطا للنساء حتى يضمن المشرع وجودهن وتمثيلهن السياسي في كل المجالس، ولا يتم تغييبهن باستعمال مبرر الديمقراطية وحرية التصويت، وكانت للسيد النقيب ومجلس هيئة المحامين بأكادير الجرأة وبُعد الرؤيا لكي يعدلوا، المواد 106و108 من النظام الداخلي لهيئتهم، ويخصصوا مناصب للزميلات ضمن تشكيلة مجلسهم الذي سينتخب عن الفترة 2024-2026 وباقي الاستحقاقات المهنية القادمة، باعتماد كوطا خاصة بهن، لا يشاركهن فيها المرشح المحامي من الذكور، وإنما تتنافس فيها الزميلات فقط على مناصبها، لكن السيد الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بأكادير مع الأسف، كان له رأي آخر، وتدخل وطعن ببطلان تعديلات الفصول من القانون الداخلي الذي عدله مجلس هيئة أكادير ليضمن تمثيلية نسائية بقوة القانون الداخلي داخل مجلسه المقبل وطالب بإلغائه، ومع الأسف الشديد، تقدم بعض الزملاء من المحامين، بتدخل إرادي في الدعوى يدعم وجهة نظر السيد الوكيل العام، ويصطفون إلى جانبه في الدفاع عن بطلان هذا التعديل، فهل طعن السيد الوكيل العام ومعه الزملاء المنضمين إراديا للنصوص التي عُدلت، وخصصت كوطا للزميلات بأكادير، وبعدهم قرار محكمة الاستئناف بأكادير، الذي ساير طعن السيد الوكيل العام بأكادير كان القرار المترتب عنها مطابقا للقانون وسليم.
ذلك ما سأحاول الإجابة عليه حسب وجهة نظري من خلال الفقرات التالية ولكن قبل ذلك سنعرض تعديل هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون الذي خصص للمحاميات بهيئته كوطا خاصة بنظامه الداخلي، ونعرض لمبررات طعن الوكيل العام، وبعدها نعرض لقرار غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بأكادير، لنُتبع ذلك بجولة سريعة على الخطب الملكية السامية ودستور المملكة والاتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية ذات الصلة بالموضوع، لنخلص أخيرا لحكم حسب رأينا في من كان محقا فيما اعتمد عليه:
1- التعديل لمنح كوطا للمحاميات في الانتخابات المهنية
في النصف الثاني من سنة 2022، وفي خطوة مهمة أقدمت هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، على تعديل المواد 106 و108 من القانون الداخلي لهيئتهم، وكل هذا كان، رغم أن المجلس والنقيب وكل أعضائه من الذكور المحامين، بعد أن غيبت الانتخابات عن الفترة 201/2023 المحامية عن عضوية المجلس، فقرروا، لتفادي ما وقع، بسبب الديمقراطية الانتخابية، أن يخصصوا لزميلاتهم بهيئة أكادير كوطا من مناصب العضوية خاصة بهم، لا يشاركهن فيها زملاؤهن من المحامين، وكانت التعديلات للمادة 106 و108 من نظامهم الداخلي على الشكل التالي: المادة 106 (.. تسجيل أسماء المترشحين على سبورة توضع أمام الناخبين.
يوضع أمام الناخبين صندوق أو صناديق الاقتراع بحسب الأحوال بعد عرضها فارغة على الحاضرين. يسلم كل ناخب ورقة التصويب بالنسبة لانتخاب النقيب أو أوراق التصويت جملة بعدد الفئات بالنسبة لانتخاب المجلس الحاملة لطابع الهيئة والمتضمنة لأسماء المترشحين مرتبة بحسب أقدمية التسجيل في الجدول.
ينفرد الناخب في المخدع، ويؤشر على أوراق التصويت بعلامة x في خانة المترشح أو المترشحين الذين يقع عليه اختياره.
– يجب أن يكون الثلث على الأقل وبإفراط من المصوت عليهم في كل ورقة تصويت من المحاميات المترشحات ما لم يقل عدد المصوت عليهم عن ثلاثة.
– في حالة الضرورة وبعد اذن رئيس لجنة إدارة العمليات الانتخابية يمكن أن يستعين الناخب في ملء ورقة التصويت بمن يختاره من بين الناخبين غير المترشحين.
يودع الناخب بعد ذلك مباشرة ورقة أو أوراق التصويت في صندوق أو صناديق الاقتراع بحسب الأحوال).
وكان تعديل المادة 108 كما يلي:
(تعتبر باطلة كل ورقة تصويت جاءت مخالفة لمقتضيات المادة 106 أعلاه، أو تتضمن إشارة أو علامة، أو تعليق، أو أي شيء آخر عدا علامة x المطلوب وضعها في خانة المترشح أو المترشحين الذين يقع عليهم اختيار الناخب.
وضع علامة × في خانات عدد أطر من العدد المطلوب انتخابهم يؤدي إلى بطلان ورقة التصويت المتعلقة بالفئة المعنية. تعتبر الأوراق التي لم يؤشر على أي من خاناتها أصوانا ملغاة).
2- مبررات الوكيل العام بأكادير لطلب إلغاء تعديل كوطا المحاميات
بنى السيد الوكيل العام باستئنافية أكادير طعنه معتمدا على كون مقتضيات المادة 106 المعدلة وخاصة الفقرة الخامسة منها والتي تنص على ما يلي: “يجب أن يكون الثلث على الأقل وبإفراط من المصوت عليهم في كل ورقة تصويت من المحاميات المترشحات ما لم يقل عدد المصوت عليهم عن ثلاثة”،
وكذلك على مقتضيات المادة 108 أعلاه، التي تشير إلى أنه “تعتبر باطلة كل ورقة تصويت جاءت مخالفة لمقتضيات المادة 106 أعلاه، أو تتضمن إشارة أو علامة أو تعليق أو أي شيء آخر عدا علامة × المطلوب وضعها في خانة المترشح أو المترشحين الذين يقع عليهم اختيار النائب”، وبالاطلاع على مقتضيات المادة 90 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة والتي أوضحت بشكل صريح كيفية تشكيل وتركيب مجلس الهيئة والتي ساوت بين الجنسين ومكنت المحاميات المترشحات من الحصول على مقاعد ضمن الفئات المنصوص عليها في المادة 88 من القانون نفسه، في حالة فوزهن في الانتخابات المهنية، وإنه بإدخال تعديلات تخالف مضمون المادتين 88 و90 من القانون المنظم لهيئة المحاماة بعدما تم إدراج تسمية مقاربة النوع وإضافة الفقرة الخامسة المشار إليها في المادة 106 أعلاه واعتبار كل ورقة تصويت جاءت مخالفة لمقتضيات المادة 106 أعلاه باطلة، يكون مجلس هيئة المحامين قد أدخل تعديلات على النظام الداخلي للهيئة خلافا للمقتضيات القانونية من قانون المهنة وخاصة المادة 92، وإن التعديلات المشار إليها أعلاه تعتبر باطلة بحكم القانون طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 92 من قانون المهنة طالبا معاينة أن التعديلات الواردة في المادتين 106 و108 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون المؤرخ في 01/09/2022، قد جاءت مخالفة للمقتضيات القانونية والقول تبعا لذلك ببطلانها طبقا للقانون والمادة 92 من قانون المهنة طالبا معاينة أن التعديلات الواردة في المادتين 106 و108 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون المؤرخ في 02/09/2022 قد جاءت مخالفة للمقتضيات القانونية والتمس الحكم ببطلانها.
3- تعليلات محكمة الاستئناف بأكادير لحرمان المحاميات من الكوطا
في معرض تعليل قرار بمعاينة بطلان تعديلات هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون على المادتين 106 و108 من النظام الداخلي الخاص بهم، كتبت في قرارها معللة، بأن مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء الذي تسعى الدولة الى تحقيقه طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 19 من الدستور إذا كان يقتضي اتخاذ تدابير تحفيزية خاصة من شأنها تيسير الولوج الفعلي للنساء إلى مناصب المسؤولية داخل هياكل المنظمات والجمعيات ذات الشأن المهني، فإن ذلك يجب أن يتم من خلال مقتضيات لا يترتب عنها الإخلال بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل نفسه، وبمبدأ حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس المقرر في تصدير الدستور، وتأسيسا على ذلك، ولما تبين من وثائق الملف أن الصيغة المعتمدة من طرف مجلس هيئة المحامين بمناسبة تعديل المادتين 106 و108 من النظام الداخلي بتاريخ 01/09/2022 للسعي إلى بلوغ هدف المناصفة بين الرجال والنساء في الولوج لعضوية مجلس هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون، تقوم على التخصيص المسبق لعدد من الأعضاء لفائدة النساء المحاميات في ثلث أعضاء المجلس على الأقل وبإفراط كما رتب جزاء البطلان على كل تصويت مخالف لما تم التنصيص عليه في تعديل المادة 106 وهو ما ليس من صلاحياته، لم تتقيد بأحكام الفصل 19 من الدستور تقيدا كاملا مما يجعله تعديلا غير مطابق للدستور، ولما كان المقرر قانونا أن القانون الأدنى يجب أن ينسجم والقانون الأعلى درجة منه، وكانت التعديلات المشار إليها أعلاه موضوع الطعن تناولها قانون داخلي لهينة المحامين وهو في مرتبة أدنى من أحكام الدستور وبشكل مخالف له، فإن ذلك وبالنتيجة يجعلها باطلة، أن المحكمة لا يسعها إلا أن تعاين ذلك، وتقضي بمعاينة بطلان التعديلات التي طالت المادتين 106 و108 من القانون الداخلي للهيئة.
4- قانون المحاماة المغربي ذكوري بامتياز
بالرجوع لكل نصوص قانون المحاماة بالمغرب الحالي، وكل القوانين التي سبقته، نجد أن كل نصوصها تتكلم فقط على المحامي ولا تتكلم بتاتا على المحامية، رغم أن عدد المحاميات أصبح في الوقت الحالي يساوي عدد الذكور أو يقترب من ذلك، لذلك أقترح في القانون المقبل الذي تعمل وزارة العدل على ترصيص بنيانه، أن يتم ذكر المحامية كلما تم ذكر المحامي، حتى تكون ولو بشكل اعتباري نصوص هذا القانون تخاطب جنسا أصبح عدده وقوته وحضوره يغطي مساحة كبيرة في أرض المحاماة الواسعة.
5- الخطب الملكية مُوجهات سامية لتمكين النساء عامة والمحاميات كذلك
في العديد من الخطب الملكية، دائما يحرص الملك محمد السادس نصره الله، على استحضار أهمية تمكين المرأة المغربية من المزيد من الحقوق، والتصريح بكل وضوح بأن القوانين والمؤسسات والأحزاب وكل النقابات والمهن، يجب أن تعمل على الدفع بالمرأة وتشجيعها على المشاركة في التسيير، في أفق جعل ذلك مناصفة بينها وبين الرجل، ويكفي أن نذكر أن آخر خطاب للملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2023 بمناسبة الذكرى 23 لتربعه على عرش أسلافه الميامين، بدأه بالقول (بكون بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية. وأكد الملك في خطابه السامي، أن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. زاد الملك أنه في مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها، ودعا لتفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها، خاتما خطابه، بكون تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية).
والذي يمكن أن نقف عليه من خلال الخطب الملكية المتواترة التي تتكلم، عن المرأة المغربية وضرورة تبويئها المكانة التي تستحقها، أن الإرادة الملكية راسخة وحاثه على الدفع بقوة وبدون انتظار لتحسين وضعية المرأة المغربية وجعل تواجدها في كل الميادين واقعا يحس به كل المغاربة في وقت قصير، وكل هذا حتى يتحقق هدف دستور 2011، ونستفيق في يوم يكون قريب على تقاسم المرأة والرجل كل المناصب والمسؤوليات والحقوق والواجبات بشكل متساو.
هذا تصور ملك البلاد لكيف يجب أن يكون عليه واقع المرأة المغربية في مغرب اليوم والغد، وهو القاضي الأول والرئيس الأعلى السلطة القضائية، فكان حريا بقضاة المحاكم أن يتبعوا فلسفة ومتمنيات قاضيهم الأول وملك بلادهم، ويعملوا على عدم مخالفة ذلك، والتصريح بكون الكوطا هي سبيل ذكي ومشجع على تبوء المحامية المغربية لمناصب بقوة القانون الداخلي، يمكن للآلية الديمقراطية، أن تبعدها عنها في توجه مخالف لتوجيهات ملك البلاد، وأحلام وآمال المحاميات المغربيات.
6- الاتفاقيات الدولية وكوطا المحاميات
بداية لكي نقف على وضع الاتفاقيات الدولية في دستور المملكة، يكفي أن نفتح أول صفحة من دستور 2011، لنجده ينص في تصديره، على سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على القوانين الداخلية، وجعلها في مرتبة أعلى منها، وهو ما يعني أن كل مخالفة لقانون وطني لبند منشور في اتفاقية دولية ، يجعل القاضي ملزما، بتطبيق بند الاتفاقية الدولية وإهمال القانون الداخلي المخالف لها، فهل تمكين النساء من الكوطا، أو تخصيص مراكز محصنة خاصة بهم، في كل القوانين الانتخابية، أمر نصت عليها الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أم لا، للوقوف على إجابة شبه شافية على سؤالنا هذا، نقف فقط على اتفاقية “سيداو” للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء التي صادق عليها المغرب، إذ نلاحظ أنه في تصدريها دعت الدول إلى واجب ضمان مساواة الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وشجعت على مساواة الرجل والمرأة في الحقوق والنهوض بذلك، معتبرة أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك نجد أن المادة 7 من هذه الاتفاقية دعت الدول إلى اتخاذ كل التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وتكفل للمرأة الآليات لجعلها على قدم المساواة مع الرجل، أما المادة 15 منه فقد دعت الدول الموقعة على الاتفاقية إلى الاعتراف للمرأة بالمساواة مع الرجل أمام القانون، إذن الاتفاقيات الدولية في مجموعة من موادها وفقراتها تدعوا الدول الموقعة على الاتفاقية، ليس فقط إلى منح تمثيلية للنساء في كل الميادين ومنها الانتخابية، بل تدعوها بخطاب واضح، إلى تحمل مسؤوليتها في تتبع السبل والخطى للوصول إلى تحقيق مساواة حقيقة في جميع المجالات بين الرجل والمرأة، والتي لا شك تدخل ضمنها الانتخابات السياسية والمهنية.
7- دستور المملكة لسنة 2011 وكوطا المحاميات
لا شك أن دستور 2011، كانت نصوصه عبارة عن قفزة عملاقة، أخرجت لنا مجموعة من الحقوق المختلفة التي أصبح يتمتع بها المواطن والمواطنة المغربية، وحبُل بتصورات جديدة لما يجب أن يكون عليه مغرب الغد في حضن دستور 2011، ومن أهم هذه التصورات، تنصيصه في أكثر من فصل على واجب ضمان مساواة حقيقية بين الرجل المغربي والمرأة المغربية، وهو توجه يتماهى مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ويكفي أن نذكر أن الفصل 19 من دستور 2011، نص بشكل واضح لا غبار ولا غشاوة عليه، أن الرجل والمرأة المغربية يتمتعان على قدم المساواة المغربية، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. وأن الدولة ستسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتُحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
كما أن الفصل 30 منه كفل لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
وجاء الفصل 115 من دستور 2011، ليختم فلسفة هذا الدستور بخصوص مكانة المرأة والرجل، ليس فقط في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل حتى في تمثيلياتهم المهنية، حينما نص فيها على حق القاضيات المغربيات في الحصول، على تمثيلية، وليست أية تمثيلية، بل تمثيلية تتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي. وبإطلالة سريعة على فصول دستور 2011، نجد أن نصوصه تشجع على ضمان إما مناصفة ومساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات، أو على الأقل أن يتم ضمان تمثيليات لهن، موافق ومساوي لعددهن، كما هو بالنسبة لانتخابات أعضاء السلطة القضائية، وبما أن مهنة المحاماة تشترك مع سلطة القضاء في تدبير مرفق القضاء، فخطاب الدستور غير موجه فقط لإشراك القاضيات كمرشحات في انتخاباتهم، بل هو موجه بشكل ضمني كذلك لمن يهمه الأمر لكي يعمل على إشراك المرأة المحامية في الانتخابات باعتماد آلية الكوطا، لكي لا يتم إقصاؤها بعدم التصويت عليه، ونصبح أمام هيئات منتخبة لا كرسي فيها للمرأة المحامية.
8- انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ودرس تخصيص كوطا للمحاميات
بالرجوع إلى القانون رقم 13/100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نجد أنه ينص في المادة 6 على أنه يجب ضمان تمثيلية للنساء القاضيات بالنسبة لقضاة المحاكم الابتدائية وكذلك بالنسبة لقضاة محاكم الاستئناف يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي، ونجد أن المادة 23 منه، تنص على أن المجلس يحدد عدد مقاعد النساء القاضيات، وعدد القاضيات المنتخبات في المجلس الأعلى للسلطة القضائية حاليا هو، قاضية منتخبة عن قضاة محاكم الاستئناف من ضمن أربعة قضاة، وهو ما يشكل ربع الأعضاء المخصص لهذه الفئة، وقاضيتين ممثلتين عن المحاكم الابتدائية من أصل ستة أعضاء مطلوب التصويت عليهم، وهو ما يشكل ثلث الأعضاء عن المناصب المخصصة لهذه الفئة، وفي اعتقادي أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، نجح إلى حد ما، في أن تكون تمثيلية النساء في المجلس الأعلى للسلطة القضائية مناسبة لحضورهن بالمحاكم، لأننا نلاحظ أن حضور النساء القاضيات بالمحاكم الابتدائية أكثر من حضورهن بمحاكم الاستئناف، لذلك منحت لهن ثُلث المقاعد عن قضاة المحاكم الابتدائية، ومنحت القاضيات فقط ربع المقاعد عن محاكم الاستئناف، لأن حضورهن بمحاكم الاستئناف قليل نسبيا مع زملائهن الرجال القضاة، هذا عن القاضيات، فهل يعقل أن تكون للقاضيات كوطا توزاي نسبة حضورهن بالمشهد القضائي، ونحرم المحامية المغربية من كوطا، وهن لا يبارحن بنايات المحاكم وقاعات الجلسات، ويعملن جنبا إلى جنب مع السيدات القاضيات؟
9- هل كانت محكمة الاستئناف بأكادير موفقة في إلغاء كوطا المحاميات
في اعتقادي أن قضاة محكمة الاستنئاف بأكادير، كانت لديهم فرصة تاريخية لجعل أسمائهم تدخل التاريخ من بابه الواسع، وكان حكمهم لو أقر هذا النظام سيكون مرجعا يتم الرجوع إليه دائما من قبل الباحثين، على أنه كان أول توجه قضائي مساير للتوجهات الملكية والاتفاقيات الدولية ودستور المملكة لسنة 2011، ولبعض القوانين الوطنية، في سعيه لتمكين المحامية المغربية من مناصب في مجالس الهيئات، حتى لا نستفيق في كل انتخابات مهنية للمحامين على مجالس بدون عنصر نسوي، حرمتهن منها الآلية الديمقراطية، التي يمكن في بعض الأحيان أن تكون مقصيه وظالمة، ونقول لمن يريد أن يستشعر ويفهم ما يسعى إليه ملك البلاد والمملكة المغربية ملكا وحكومة وشعبا، أن رياح تمكين المرأة في كل الميادين انطلقت وسرعتها الهادئة التي تُنقح وتبدع ولا تهدم ولا تُفجع، تزداد يوما بعد آخر، متوجهة نحو وجهتها المرسومة، سائرة بأياد تدفع ولا توقف وتُفرمل، من طرف من يؤمنون بقوة المرأة المغربية وحنكتها وذكائها وقدرتها على التسيير جنبا إلى جنب مع الرجل، وأن حكما مخالف لتوجهات المرحلة ووجهتها، لا يمكن أن يوقف هاته الرياح، بل ربما في نظري، سيسرع من اعتماد آلية القانون لتمكين المرأة المحامية بالمغرب من مناصب تراعي حضورها، وسيحفظ التاريخ لهيئة المحامين بأكادير، أن نقيبها وأعضاء مجلسها كانوا بالذكاء الكبير وبعد الرؤيا الفطن الذي يستشرف ما يسعى إليه الكل بالمغرب، وهذا ما قاده ليتدخل ويعدل من قانونه الداخلي، لكي يجعل المحامية بأكادير وبعدها المحامية بالمغرب، بعد استنساخ التجربة، قبل أن يتدخل المشرع في قانون المحاماة ويفرضها كأمر واقع، حاضرة بقوة القانون الداخلي في المجلس المقبل لفترة 2024/2026، في حالة حرمتها الآلية الديمقراطية من الفوز بمنصب العضوية.
وهذه الخطوة الشجاعة من مجلس هيئة أكادير، هي ترجمة حقيقية وذكية لتوجهات ملك البلاد، وتوجيهات الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، وتصريحات دستور 2011، لتميكن النساء المغربيات من حق المساواة والمناصفة مع صنوها الرجل، وكذا تنصيصات القوانين المشابهة ومنها قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وقرارهم هذا سيتكلم عنه الباحثون مستقبلا في كل كتبهم ومحاضرتهم، وسيدخل أبواب التاريخ كخطوة شجاعة وإرادية من زملائها بأكادير سبقت المشرع في تمكينهم من حق آت لا محالة.
10- هل فعلا قرار محكمة الاستئناف بأكادير أبطل الكوطا بعلة عدم تمكين المحامية من نصف المقاعد
قد يقول البعض، وكما حاولت أن تعلل استئنافية أكادير، بأنها أبطلت المادتين 106و108 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بأكادير، بعلة أنه كان على الهيئة أن تمنحهم نصف المقاعد، وأن هيئة المحامين بأكادير، لو نصت في تعديلها على أن المحاميات سيحصلن على نصف المقاعد المحددة للأعضاء المنتخبين، كانت محكمة الاستئناف بأكادير سترفض طعن السيد الوكيل العام باستئنافية أكادير وتبقي تعديل الهيئة، وهذا في نظري بعيد كل البعد عن حقيقة التعديل وحقيقة الواقع، لأن هيئة أكادير نصت في تعديلها، على تخصيص ثلث المقاعد على الأقل من المناصب للمحاميات بأكادير، بناء على التعديلات التي جاءت بها المادتان 106 و108، وهو ما يعني أنه يمكن أن تكون بورقة التصويت أكثر من ثلث المحاميات كمرشحات، فإذا صوتت الزميلات والزملاء مثلا على نصفهن، سيكون التصويت صحيحا عليهن، وورقة التصويت تكون ملغاة في حالة عدم التصويت على الأقل على ثلث المحاميات، وقد يقول البعض أن عبارة بإفراط تحصر عدد المحاميات في الثلث دون تجازوه، وهذا الحصر يعتبر مخالفا للدستور ولمبدأ المناصفة، ولكن هذا الدفع مردود عليه ولا يمكن اعتباره والارتياح له، لأن محكمة الاستئناف إذا لبستها كلمت بإفراط ووجدت أنها تبخس من حق المحاميات في الترشح وتحصره، يمكنها أن تقضي فقط بمعاينة بطلان كلمة بإفراط، وتترك الباقي كما هو وتُقره، وهو التصويت على الأقل على ثلث مناصب العضوية للمحاميات، ويكفي أن نقف، الآن وبعد انتهاء انتخابات هيئة أكادير وكلميم والعيون، على أن قرار محكمة الاستئناف بأكادير قد حرم هيئة أكادير من أربع عضوات، بحكم أنه لو رفض طعن الوكيل العام بأكادير من قبل محكمة الاستئناف بأكادير، لكان الآن بهيئة أكادير أكثر من عضوتين، وهما الناجحتان في ظل النظام الذي كان قائما، أو على الأقل أربع عضوات لو تفز أية زميلة، وتعليل محكمة الاستئناف كان يمكن أن يكون له شيء من المنطق لو اعتبرت هيئة أكادير في تعديلها أن المحاميات لا يمكن أن يحصلن على أكثر من ثلث المقاعد في المجلس، ولكن بما أنه نص على ثلث المقاعد على الأقل فهو ترك الباب واسعا لتحصل المحامية بأكادير على أكثر من ثلاثة المناصب.
وكما يقول المغاربة (لي ماعطا من القليل لا يمكن أن يعطي من الكثير) ومحكمة الاستئناف بأكادير في اعتقادي حينما حرمت المحامية بأكادير وكلميم والعيون من فريضة ثلث مقاعد المجلس على الأقل، أكيد حسب رأيي أنها لن تسمح لهن بأن يحصلوا على نصف المقاعد.
كما أن القول بأن تعديلات هيئة المحامين بأكادير، مخالفة لقانون المهنة وللمواد 88 و90 مردود عليها، لأن هذا المواد تحصر فقط أعضاء المجلس وفئاتهم، ولو زادت هيئة أكادير في عدد الأعضاء أو حذفت من عددهم لقلنا إنها خالفت القانون وهذه المواد بالضبط، لكن اعتماد هيئة أكادير لتعديلات، لمنح زميلاتهم بأكادير فرصا أكبر لكي يكن ممثلات بالمجلس ضمن العدد المحدد في قانون المحاماة وفي هذه المواد، هو شأن يهم المحامين وينتصر لتوجه ملك البلاد والدستور والاتفاقيات الدولية والقوانين القريبة منه، أما استحضار المادة 92 من قانون المحاماة ، لتعزيز قرار إبطال، تعديل هيئة المحامين بأكادير، لا يجد له أي أساس، لأن تعديل هيئة المحامين بأكادير، بخصوص جعل ثلث الأعضاء بالمجلس الذي سينتخب، على الأقل من المحاميات، تم وضعه في قانون داخلي، وهو القانون الذي يعتبر إعداد مواده من اختصاص هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، كما أن تعديلها، لا يخالف أي مقتضى قانوني منصوص عليه في قانون المحاماة، كجعل مثلا أن مقاعد المجلس يجب أن تكون كلها للمحامين الذكور، أو أن هناك مقتضى قانونيا ينص على أن مقاعد المحاميات بالمجلس لا يجب أن تتعدى ربع مقاعد المجلس، إذ ذاك يمكن أن نقول إن تعديل هيئة أكادير مس مقتضيات قانونية منظمة بقانون المحاماة.
أما التمسك بمقتضيات الفصل 19 من الدستور، لإجهاض حلم محاميات أكادير وكلميم والعيون فهو أوهن من أن يصمد، لأن هذا الفصل يتكلم عن سعي الدولة، لتحقيق مبدأ المناصفة، وهو ما يعني سعيها لتحقيق المناصفة بشكل تدريجي، وفي سبيل السعي لتحقيق المناصفة بين الرجال والذكور المغاربة في جميع المجالات وفي مجتمع مازال بعض أفراده يبخس عمل المرأة ووجودها في مراكز القيادة والتسيير، فقد عمل من أجل تحقيق هذا الهدف المضمن في الدستور، إنشاء هيئة المناصفة، لكي تكافح كل أشكال التمييز ضد المرأة المغربية، وصدق السيد علي إبراهيم الموسوي حين قال: (إن كنت لا تقوى على العطاء مجبرا أو متعمدا، فلا تمنع من يستطيع ذلك). وصدق من قال: وهل هناك ميزة بعد العطاء سوى انتشار الخير.
ذلك ما سأحاول الإجابة عليه حسب وجهة نظري من خلال الفقرات التالية ولكن قبل ذلك سنعرض تعديل هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون الذي خصص للمحاميات بهيئته كوطا خاصة بنظامه الداخلي، ونعرض لمبررات طعن الوكيل العام، وبعدها نعرض لقرار غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بأكادير، لنُتبع ذلك بجولة سريعة على الخطب الملكية السامية ودستور المملكة والاتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية ذات الصلة بالموضوع، لنخلص أخيرا لحكم حسب رأينا في من كان محقا فيما اعتمد عليه:
1- التعديل لمنح كوطا للمحاميات في الانتخابات المهنية
في النصف الثاني من سنة 2022، وفي خطوة مهمة أقدمت هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، على تعديل المواد 106 و108 من القانون الداخلي لهيئتهم، وكل هذا كان، رغم أن المجلس والنقيب وكل أعضائه من الذكور المحامين، بعد أن غيبت الانتخابات عن الفترة 201/2023 المحامية عن عضوية المجلس، فقرروا، لتفادي ما وقع، بسبب الديمقراطية الانتخابية، أن يخصصوا لزميلاتهم بهيئة أكادير كوطا من مناصب العضوية خاصة بهم، لا يشاركهن فيها زملاؤهن من المحامين، وكانت التعديلات للمادة 106 و108 من نظامهم الداخلي على الشكل التالي: المادة 106 (.. تسجيل أسماء المترشحين على سبورة توضع أمام الناخبين.
يوضع أمام الناخبين صندوق أو صناديق الاقتراع بحسب الأحوال بعد عرضها فارغة على الحاضرين. يسلم كل ناخب ورقة التصويب بالنسبة لانتخاب النقيب أو أوراق التصويت جملة بعدد الفئات بالنسبة لانتخاب المجلس الحاملة لطابع الهيئة والمتضمنة لأسماء المترشحين مرتبة بحسب أقدمية التسجيل في الجدول.
ينفرد الناخب في المخدع، ويؤشر على أوراق التصويت بعلامة x في خانة المترشح أو المترشحين الذين يقع عليه اختياره.
– يجب أن يكون الثلث على الأقل وبإفراط من المصوت عليهم في كل ورقة تصويت من المحاميات المترشحات ما لم يقل عدد المصوت عليهم عن ثلاثة.
– في حالة الضرورة وبعد اذن رئيس لجنة إدارة العمليات الانتخابية يمكن أن يستعين الناخب في ملء ورقة التصويت بمن يختاره من بين الناخبين غير المترشحين.
يودع الناخب بعد ذلك مباشرة ورقة أو أوراق التصويت في صندوق أو صناديق الاقتراع بحسب الأحوال).
وكان تعديل المادة 108 كما يلي:
(تعتبر باطلة كل ورقة تصويت جاءت مخالفة لمقتضيات المادة 106 أعلاه، أو تتضمن إشارة أو علامة، أو تعليق، أو أي شيء آخر عدا علامة x المطلوب وضعها في خانة المترشح أو المترشحين الذين يقع عليهم اختيار الناخب.
وضع علامة × في خانات عدد أطر من العدد المطلوب انتخابهم يؤدي إلى بطلان ورقة التصويت المتعلقة بالفئة المعنية. تعتبر الأوراق التي لم يؤشر على أي من خاناتها أصوانا ملغاة).
2- مبررات الوكيل العام بأكادير لطلب إلغاء تعديل كوطا المحاميات
بنى السيد الوكيل العام باستئنافية أكادير طعنه معتمدا على كون مقتضيات المادة 106 المعدلة وخاصة الفقرة الخامسة منها والتي تنص على ما يلي: “يجب أن يكون الثلث على الأقل وبإفراط من المصوت عليهم في كل ورقة تصويت من المحاميات المترشحات ما لم يقل عدد المصوت عليهم عن ثلاثة”،
وكذلك على مقتضيات المادة 108 أعلاه، التي تشير إلى أنه “تعتبر باطلة كل ورقة تصويت جاءت مخالفة لمقتضيات المادة 106 أعلاه، أو تتضمن إشارة أو علامة أو تعليق أو أي شيء آخر عدا علامة × المطلوب وضعها في خانة المترشح أو المترشحين الذين يقع عليهم اختيار النائب”، وبالاطلاع على مقتضيات المادة 90 من القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة والتي أوضحت بشكل صريح كيفية تشكيل وتركيب مجلس الهيئة والتي ساوت بين الجنسين ومكنت المحاميات المترشحات من الحصول على مقاعد ضمن الفئات المنصوص عليها في المادة 88 من القانون نفسه، في حالة فوزهن في الانتخابات المهنية، وإنه بإدخال تعديلات تخالف مضمون المادتين 88 و90 من القانون المنظم لهيئة المحاماة بعدما تم إدراج تسمية مقاربة النوع وإضافة الفقرة الخامسة المشار إليها في المادة 106 أعلاه واعتبار كل ورقة تصويت جاءت مخالفة لمقتضيات المادة 106 أعلاه باطلة، يكون مجلس هيئة المحامين قد أدخل تعديلات على النظام الداخلي للهيئة خلافا للمقتضيات القانونية من قانون المهنة وخاصة المادة 92، وإن التعديلات المشار إليها أعلاه تعتبر باطلة بحكم القانون طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 92 من قانون المهنة طالبا معاينة أن التعديلات الواردة في المادتين 106 و108 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون المؤرخ في 01/09/2022، قد جاءت مخالفة للمقتضيات القانونية والقول تبعا لذلك ببطلانها طبقا للقانون والمادة 92 من قانون المهنة طالبا معاينة أن التعديلات الواردة في المادتين 106 و108 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون المؤرخ في 02/09/2022 قد جاءت مخالفة للمقتضيات القانونية والتمس الحكم ببطلانها.
3- تعليلات محكمة الاستئناف بأكادير لحرمان المحاميات من الكوطا
في معرض تعليل قرار بمعاينة بطلان تعديلات هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون على المادتين 106 و108 من النظام الداخلي الخاص بهم، كتبت في قرارها معللة، بأن مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء الذي تسعى الدولة الى تحقيقه طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 19 من الدستور إذا كان يقتضي اتخاذ تدابير تحفيزية خاصة من شأنها تيسير الولوج الفعلي للنساء إلى مناصب المسؤولية داخل هياكل المنظمات والجمعيات ذات الشأن المهني، فإن ذلك يجب أن يتم من خلال مقتضيات لا يترتب عنها الإخلال بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل نفسه، وبمبدأ حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس المقرر في تصدير الدستور، وتأسيسا على ذلك، ولما تبين من وثائق الملف أن الصيغة المعتمدة من طرف مجلس هيئة المحامين بمناسبة تعديل المادتين 106 و108 من النظام الداخلي بتاريخ 01/09/2022 للسعي إلى بلوغ هدف المناصفة بين الرجال والنساء في الولوج لعضوية مجلس هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون، تقوم على التخصيص المسبق لعدد من الأعضاء لفائدة النساء المحاميات في ثلث أعضاء المجلس على الأقل وبإفراط كما رتب جزاء البطلان على كل تصويت مخالف لما تم التنصيص عليه في تعديل المادة 106 وهو ما ليس من صلاحياته، لم تتقيد بأحكام الفصل 19 من الدستور تقيدا كاملا مما يجعله تعديلا غير مطابق للدستور، ولما كان المقرر قانونا أن القانون الأدنى يجب أن ينسجم والقانون الأعلى درجة منه، وكانت التعديلات المشار إليها أعلاه موضوع الطعن تناولها قانون داخلي لهينة المحامين وهو في مرتبة أدنى من أحكام الدستور وبشكل مخالف له، فإن ذلك وبالنتيجة يجعلها باطلة، أن المحكمة لا يسعها إلا أن تعاين ذلك، وتقضي بمعاينة بطلان التعديلات التي طالت المادتين 106 و108 من القانون الداخلي للهيئة.
4- قانون المحاماة المغربي ذكوري بامتياز
بالرجوع لكل نصوص قانون المحاماة بالمغرب الحالي، وكل القوانين التي سبقته، نجد أن كل نصوصها تتكلم فقط على المحامي ولا تتكلم بتاتا على المحامية، رغم أن عدد المحاميات أصبح في الوقت الحالي يساوي عدد الذكور أو يقترب من ذلك، لذلك أقترح في القانون المقبل الذي تعمل وزارة العدل على ترصيص بنيانه، أن يتم ذكر المحامية كلما تم ذكر المحامي، حتى تكون ولو بشكل اعتباري نصوص هذا القانون تخاطب جنسا أصبح عدده وقوته وحضوره يغطي مساحة كبيرة في أرض المحاماة الواسعة.
5- الخطب الملكية مُوجهات سامية لتمكين النساء عامة والمحاميات كذلك
في العديد من الخطب الملكية، دائما يحرص الملك محمد السادس نصره الله، على استحضار أهمية تمكين المرأة المغربية من المزيد من الحقوق، والتصريح بكل وضوح بأن القوانين والمؤسسات والأحزاب وكل النقابات والمهن، يجب أن تعمل على الدفع بالمرأة وتشجيعها على المشاركة في التسيير، في أفق جعل ذلك مناصفة بينها وبين الرجل، ويكفي أن نذكر أن آخر خطاب للملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2023 بمناسبة الذكرى 23 لتربعه على عرش أسلافه الميامين، بدأه بالقول (بكون بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية. وأكد الملك في خطابه السامي، أن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. زاد الملك أنه في مغرب اليوم، لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها، ودعا لتفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها، خاتما خطابه، بكون تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية).
والذي يمكن أن نقف عليه من خلال الخطب الملكية المتواترة التي تتكلم، عن المرأة المغربية وضرورة تبويئها المكانة التي تستحقها، أن الإرادة الملكية راسخة وحاثه على الدفع بقوة وبدون انتظار لتحسين وضعية المرأة المغربية وجعل تواجدها في كل الميادين واقعا يحس به كل المغاربة في وقت قصير، وكل هذا حتى يتحقق هدف دستور 2011، ونستفيق في يوم يكون قريب على تقاسم المرأة والرجل كل المناصب والمسؤوليات والحقوق والواجبات بشكل متساو.
هذا تصور ملك البلاد لكيف يجب أن يكون عليه واقع المرأة المغربية في مغرب اليوم والغد، وهو القاضي الأول والرئيس الأعلى السلطة القضائية، فكان حريا بقضاة المحاكم أن يتبعوا فلسفة ومتمنيات قاضيهم الأول وملك بلادهم، ويعملوا على عدم مخالفة ذلك، والتصريح بكون الكوطا هي سبيل ذكي ومشجع على تبوء المحامية المغربية لمناصب بقوة القانون الداخلي، يمكن للآلية الديمقراطية، أن تبعدها عنها في توجه مخالف لتوجيهات ملك البلاد، وأحلام وآمال المحاميات المغربيات.
6- الاتفاقيات الدولية وكوطا المحاميات
بداية لكي نقف على وضع الاتفاقيات الدولية في دستور المملكة، يكفي أن نفتح أول صفحة من دستور 2011، لنجده ينص في تصديره، على سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على القوانين الداخلية، وجعلها في مرتبة أعلى منها، وهو ما يعني أن كل مخالفة لقانون وطني لبند منشور في اتفاقية دولية ، يجعل القاضي ملزما، بتطبيق بند الاتفاقية الدولية وإهمال القانون الداخلي المخالف لها، فهل تمكين النساء من الكوطا، أو تخصيص مراكز محصنة خاصة بهم، في كل القوانين الانتخابية، أمر نصت عليها الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أم لا، للوقوف على إجابة شبه شافية على سؤالنا هذا، نقف فقط على اتفاقية “سيداو” للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء التي صادق عليها المغرب، إذ نلاحظ أنه في تصدريها دعت الدول إلى واجب ضمان مساواة الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وشجعت على مساواة الرجل والمرأة في الحقوق والنهوض بذلك، معتبرة أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكذلك نجد أن المادة 7 من هذه الاتفاقية دعت الدول إلى اتخاذ كل التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وتكفل للمرأة الآليات لجعلها على قدم المساواة مع الرجل، أما المادة 15 منه فقد دعت الدول الموقعة على الاتفاقية إلى الاعتراف للمرأة بالمساواة مع الرجل أمام القانون، إذن الاتفاقيات الدولية في مجموعة من موادها وفقراتها تدعوا الدول الموقعة على الاتفاقية، ليس فقط إلى منح تمثيلية للنساء في كل الميادين ومنها الانتخابية، بل تدعوها بخطاب واضح، إلى تحمل مسؤوليتها في تتبع السبل والخطى للوصول إلى تحقيق مساواة حقيقة في جميع المجالات بين الرجل والمرأة، والتي لا شك تدخل ضمنها الانتخابات السياسية والمهنية.
7- دستور المملكة لسنة 2011 وكوطا المحاميات
لا شك أن دستور 2011، كانت نصوصه عبارة عن قفزة عملاقة، أخرجت لنا مجموعة من الحقوق المختلفة التي أصبح يتمتع بها المواطن والمواطنة المغربية، وحبُل بتصورات جديدة لما يجب أن يكون عليه مغرب الغد في حضن دستور 2011، ومن أهم هذه التصورات، تنصيصه في أكثر من فصل على واجب ضمان مساواة حقيقية بين الرجل المغربي والمرأة المغربية، وهو توجه يتماهى مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ويكفي أن نذكر أن الفصل 19 من دستور 2011، نص بشكل واضح لا غبار ولا غشاوة عليه، أن الرجل والمرأة المغربية يتمتعان على قدم المساواة المغربية، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. وأن الدولة ستسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتُحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
كما أن الفصل 30 منه كفل لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
وجاء الفصل 115 من دستور 2011، ليختم فلسفة هذا الدستور بخصوص مكانة المرأة والرجل، ليس فقط في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل حتى في تمثيلياتهم المهنية، حينما نص فيها على حق القاضيات المغربيات في الحصول، على تمثيلية، وليست أية تمثيلية، بل تمثيلية تتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي. وبإطلالة سريعة على فصول دستور 2011، نجد أن نصوصه تشجع على ضمان إما مناصفة ومساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات، أو على الأقل أن يتم ضمان تمثيليات لهن، موافق ومساوي لعددهن، كما هو بالنسبة لانتخابات أعضاء السلطة القضائية، وبما أن مهنة المحاماة تشترك مع سلطة القضاء في تدبير مرفق القضاء، فخطاب الدستور غير موجه فقط لإشراك القاضيات كمرشحات في انتخاباتهم، بل هو موجه بشكل ضمني كذلك لمن يهمه الأمر لكي يعمل على إشراك المرأة المحامية في الانتخابات باعتماد آلية الكوطا، لكي لا يتم إقصاؤها بعدم التصويت عليه، ونصبح أمام هيئات منتخبة لا كرسي فيها للمرأة المحامية.
8- انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ودرس تخصيص كوطا للمحاميات
بالرجوع إلى القانون رقم 13/100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نجد أنه ينص في المادة 6 على أنه يجب ضمان تمثيلية للنساء القاضيات بالنسبة لقضاة المحاكم الابتدائية وكذلك بالنسبة لقضاة محاكم الاستئناف يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي، ونجد أن المادة 23 منه، تنص على أن المجلس يحدد عدد مقاعد النساء القاضيات، وعدد القاضيات المنتخبات في المجلس الأعلى للسلطة القضائية حاليا هو، قاضية منتخبة عن قضاة محاكم الاستئناف من ضمن أربعة قضاة، وهو ما يشكل ربع الأعضاء المخصص لهذه الفئة، وقاضيتين ممثلتين عن المحاكم الابتدائية من أصل ستة أعضاء مطلوب التصويت عليهم، وهو ما يشكل ثلث الأعضاء عن المناصب المخصصة لهذه الفئة، وفي اعتقادي أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، نجح إلى حد ما، في أن تكون تمثيلية النساء في المجلس الأعلى للسلطة القضائية مناسبة لحضورهن بالمحاكم، لأننا نلاحظ أن حضور النساء القاضيات بالمحاكم الابتدائية أكثر من حضورهن بمحاكم الاستئناف، لذلك منحت لهن ثُلث المقاعد عن قضاة المحاكم الابتدائية، ومنحت القاضيات فقط ربع المقاعد عن محاكم الاستئناف، لأن حضورهن بمحاكم الاستئناف قليل نسبيا مع زملائهن الرجال القضاة، هذا عن القاضيات، فهل يعقل أن تكون للقاضيات كوطا توزاي نسبة حضورهن بالمشهد القضائي، ونحرم المحامية المغربية من كوطا، وهن لا يبارحن بنايات المحاكم وقاعات الجلسات، ويعملن جنبا إلى جنب مع السيدات القاضيات؟
9- هل كانت محكمة الاستئناف بأكادير موفقة في إلغاء كوطا المحاميات
في اعتقادي أن قضاة محكمة الاستنئاف بأكادير، كانت لديهم فرصة تاريخية لجعل أسمائهم تدخل التاريخ من بابه الواسع، وكان حكمهم لو أقر هذا النظام سيكون مرجعا يتم الرجوع إليه دائما من قبل الباحثين، على أنه كان أول توجه قضائي مساير للتوجهات الملكية والاتفاقيات الدولية ودستور المملكة لسنة 2011، ولبعض القوانين الوطنية، في سعيه لتمكين المحامية المغربية من مناصب في مجالس الهيئات، حتى لا نستفيق في كل انتخابات مهنية للمحامين على مجالس بدون عنصر نسوي، حرمتهن منها الآلية الديمقراطية، التي يمكن في بعض الأحيان أن تكون مقصيه وظالمة، ونقول لمن يريد أن يستشعر ويفهم ما يسعى إليه ملك البلاد والمملكة المغربية ملكا وحكومة وشعبا، أن رياح تمكين المرأة في كل الميادين انطلقت وسرعتها الهادئة التي تُنقح وتبدع ولا تهدم ولا تُفجع، تزداد يوما بعد آخر، متوجهة نحو وجهتها المرسومة، سائرة بأياد تدفع ولا توقف وتُفرمل، من طرف من يؤمنون بقوة المرأة المغربية وحنكتها وذكائها وقدرتها على التسيير جنبا إلى جنب مع الرجل، وأن حكما مخالف لتوجهات المرحلة ووجهتها، لا يمكن أن يوقف هاته الرياح، بل ربما في نظري، سيسرع من اعتماد آلية القانون لتمكين المرأة المحامية بالمغرب من مناصب تراعي حضورها، وسيحفظ التاريخ لهيئة المحامين بأكادير، أن نقيبها وأعضاء مجلسها كانوا بالذكاء الكبير وبعد الرؤيا الفطن الذي يستشرف ما يسعى إليه الكل بالمغرب، وهذا ما قاده ليتدخل ويعدل من قانونه الداخلي، لكي يجعل المحامية بأكادير وبعدها المحامية بالمغرب، بعد استنساخ التجربة، قبل أن يتدخل المشرع في قانون المحاماة ويفرضها كأمر واقع، حاضرة بقوة القانون الداخلي في المجلس المقبل لفترة 2024/2026، في حالة حرمتها الآلية الديمقراطية من الفوز بمنصب العضوية.
وهذه الخطوة الشجاعة من مجلس هيئة أكادير، هي ترجمة حقيقية وذكية لتوجهات ملك البلاد، وتوجيهات الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، وتصريحات دستور 2011، لتميكن النساء المغربيات من حق المساواة والمناصفة مع صنوها الرجل، وكذا تنصيصات القوانين المشابهة ومنها قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وقرارهم هذا سيتكلم عنه الباحثون مستقبلا في كل كتبهم ومحاضرتهم، وسيدخل أبواب التاريخ كخطوة شجاعة وإرادية من زملائها بأكادير سبقت المشرع في تمكينهم من حق آت لا محالة.
10- هل فعلا قرار محكمة الاستئناف بأكادير أبطل الكوطا بعلة عدم تمكين المحامية من نصف المقاعد
قد يقول البعض، وكما حاولت أن تعلل استئنافية أكادير، بأنها أبطلت المادتين 106و108 من النظام الداخلي لهيئة المحامين بأكادير، بعلة أنه كان على الهيئة أن تمنحهم نصف المقاعد، وأن هيئة المحامين بأكادير، لو نصت في تعديلها على أن المحاميات سيحصلن على نصف المقاعد المحددة للأعضاء المنتخبين، كانت محكمة الاستئناف بأكادير سترفض طعن السيد الوكيل العام باستئنافية أكادير وتبقي تعديل الهيئة، وهذا في نظري بعيد كل البعد عن حقيقة التعديل وحقيقة الواقع، لأن هيئة أكادير نصت في تعديلها، على تخصيص ثلث المقاعد على الأقل من المناصب للمحاميات بأكادير، بناء على التعديلات التي جاءت بها المادتان 106 و108، وهو ما يعني أنه يمكن أن تكون بورقة التصويت أكثر من ثلث المحاميات كمرشحات، فإذا صوتت الزميلات والزملاء مثلا على نصفهن، سيكون التصويت صحيحا عليهن، وورقة التصويت تكون ملغاة في حالة عدم التصويت على الأقل على ثلث المحاميات، وقد يقول البعض أن عبارة بإفراط تحصر عدد المحاميات في الثلث دون تجازوه، وهذا الحصر يعتبر مخالفا للدستور ولمبدأ المناصفة، ولكن هذا الدفع مردود عليه ولا يمكن اعتباره والارتياح له، لأن محكمة الاستئناف إذا لبستها كلمت بإفراط ووجدت أنها تبخس من حق المحاميات في الترشح وتحصره، يمكنها أن تقضي فقط بمعاينة بطلان كلمة بإفراط، وتترك الباقي كما هو وتُقره، وهو التصويت على الأقل على ثلث مناصب العضوية للمحاميات، ويكفي أن نقف، الآن وبعد انتهاء انتخابات هيئة أكادير وكلميم والعيون، على أن قرار محكمة الاستئناف بأكادير قد حرم هيئة أكادير من أربع عضوات، بحكم أنه لو رفض طعن الوكيل العام بأكادير من قبل محكمة الاستئناف بأكادير، لكان الآن بهيئة أكادير أكثر من عضوتين، وهما الناجحتان في ظل النظام الذي كان قائما، أو على الأقل أربع عضوات لو تفز أية زميلة، وتعليل محكمة الاستئناف كان يمكن أن يكون له شيء من المنطق لو اعتبرت هيئة أكادير في تعديلها أن المحاميات لا يمكن أن يحصلن على أكثر من ثلث المقاعد في المجلس، ولكن بما أنه نص على ثلث المقاعد على الأقل فهو ترك الباب واسعا لتحصل المحامية بأكادير على أكثر من ثلاثة المناصب.
وكما يقول المغاربة (لي ماعطا من القليل لا يمكن أن يعطي من الكثير) ومحكمة الاستئناف بأكادير في اعتقادي حينما حرمت المحامية بأكادير وكلميم والعيون من فريضة ثلث مقاعد المجلس على الأقل، أكيد حسب رأيي أنها لن تسمح لهن بأن يحصلوا على نصف المقاعد.
كما أن القول بأن تعديلات هيئة المحامين بأكادير، مخالفة لقانون المهنة وللمواد 88 و90 مردود عليها، لأن هذا المواد تحصر فقط أعضاء المجلس وفئاتهم، ولو زادت هيئة أكادير في عدد الأعضاء أو حذفت من عددهم لقلنا إنها خالفت القانون وهذه المواد بالضبط، لكن اعتماد هيئة أكادير لتعديلات، لمنح زميلاتهم بأكادير فرصا أكبر لكي يكن ممثلات بالمجلس ضمن العدد المحدد في قانون المحاماة وفي هذه المواد، هو شأن يهم المحامين وينتصر لتوجه ملك البلاد والدستور والاتفاقيات الدولية والقوانين القريبة منه، أما استحضار المادة 92 من قانون المحاماة ، لتعزيز قرار إبطال، تعديل هيئة المحامين بأكادير، لا يجد له أي أساس، لأن تعديل هيئة المحامين بأكادير، بخصوص جعل ثلث الأعضاء بالمجلس الذي سينتخب، على الأقل من المحاميات، تم وضعه في قانون داخلي، وهو القانون الذي يعتبر إعداد مواده من اختصاص هيئة المحامين بأكادير وكلميم والعيون، كما أن تعديلها، لا يخالف أي مقتضى قانوني منصوص عليه في قانون المحاماة، كجعل مثلا أن مقاعد المجلس يجب أن تكون كلها للمحامين الذكور، أو أن هناك مقتضى قانونيا ينص على أن مقاعد المحاميات بالمجلس لا يجب أن تتعدى ربع مقاعد المجلس، إذ ذاك يمكن أن نقول إن تعديل هيئة أكادير مس مقتضيات قانونية منظمة بقانون المحاماة.
أما التمسك بمقتضيات الفصل 19 من الدستور، لإجهاض حلم محاميات أكادير وكلميم والعيون فهو أوهن من أن يصمد، لأن هذا الفصل يتكلم عن سعي الدولة، لتحقيق مبدأ المناصفة، وهو ما يعني سعيها لتحقيق المناصفة بشكل تدريجي، وفي سبيل السعي لتحقيق المناصفة بين الرجال والذكور المغاربة في جميع المجالات وفي مجتمع مازال بعض أفراده يبخس عمل المرأة ووجودها في مراكز القيادة والتسيير، فقد عمل من أجل تحقيق هذا الهدف المضمن في الدستور، إنشاء هيئة المناصفة، لكي تكافح كل أشكال التمييز ضد المرأة المغربية، وصدق السيد علي إبراهيم الموسوي حين قال: (إن كنت لا تقوى على العطاء مجبرا أو متعمدا، فلا تمنع من يستطيع ذلك). وصدق من قال: وهل هناك ميزة بعد العطاء سوى انتشار الخير.