MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حوار مع سجين في زنزانة الإعدام

     

د محمد الهيني



حوار مع  سجين في زنزانة الإعدام
 
السجين :سيدي مدير السجن انا مضرب عن الطعام ،ولن أوقفه إلا بعد تنفيذ حكم الإعدام

مدير السجن:سأبلغ النيابة العامة بالموضوع  

السجين:أريد رؤية  ممثل النيابة العامة  لعرض قضيتي عليه

القاضي:جئت لمقابلتكم إيمانا من السلطة القضائية بأن حق الحياة حق مقدس، فلماذا تضرب عن الطعام ، وتنتهك حقك في الحياة ؟

السجين:أرغب في تنفيذ حكم الإعدام بحقي،وأريح نفسي ،والمجتمع مني،أفليس الجزاء من جنس نفس العمل؟أطالب فقط بتنفيذ حكم القضاء  لرفع عذاباتي اليومية ،أليس كذلك؟ .

القاضي:تنفيذ حكم الإعدام ليس بيدي ،ولماذا ترغب في التنفيذ والموت؟

السجين:قضيت زهاء  19 سنة في زنزانة الإعدام، ولم تحول عقوبتي للسجن المؤبد أو المحدد،فما عدت أطيق الحياة؟ ،فالحياة والموت عندي سيان ،منذ حكم الاعدام وحياتي مبتسرة ،وروحي معلقة ،يداهمني الموت صباح مساء،فقدت عقلي وكياني ،لم أحس يوما بأنني شخص حي ،طعامي بدون مذاق، ليلي بدون أحلام ،صباحي بدون شمش ولا هواء ،أحس بالضيق والضجر ،فقدت الطمأنينة والأمان ،الطبيب يعطيني وصفات للتهدئة مثل ما تعطى للمرضى النفسانين ،فأنا وصلت درجة الخلل العقلي ،اعيش أغلب أيامي في زنزالة منعزلة ،حتى لا أوذي باقي الزملاء في الزنانة ،ويخاف مني أن أوذي نفسي ،حاولت الانتحار ،لم أفلح،لأن موظفي السجن يقظين معي ،ويعاكسون إرادتي، ويقتلون حلمي في الموت،الموت أهون لي من حياة السجن ،ومن مصير لا أعرف منتهاه،كلما سمعت دقات وهية أو حقيقية في باب الزنزانة فجرا ،وإلا تيقنت أنه حان وقت الرحيل والقطيعة مع وضعي المر

القاضي:هل هذا رأيك وحدك في حكم الاعدام، وفي وجوب تنفيذه ،أم هو توجه جماعي يشتركه معك رفقائك في الزنزانة

السجين :أعتقد أن هذا رأي كل محكوم بالإعدام ،ينتظر التنفيذ صباح مساء ،ولا يعرف توقيته ولا يومه ،فيصير كل يوم معلقا بين الحياة والموت ،تائها وسط دروب خيال السجن وعذابات آلام الاسر وفقدان الحرية .

القاضي:اكيد أنك تعلم أن المغرب علق تنفيذ  الأحكام بالإعدام ،فلماذا كل هذا الخوف من التنفيذ أو بالأصح اشتهاء الموت منك دون شفقة ولا رحمة بنفسك

السجين:التعليق مسألة مؤقتة وليس مسألة مؤبدة ،وكل منا يعتقد أن قرار الفسخ يمكن أن يحلل التنفيذ في حقه
القاضي:لا أعتقد ذلك ،يجب ان تؤمن بالحق في الحياة ،وان تنظر للمستقبل بثقة ،وأن تتعلم أي صنعة أو حرفة تفيدك حين خروجك من السجن

السجين:مبتسما ،من يطالب بالموت أو يتنظره ذلك ،كيف سيسمح له بالتعلم أو يفلح في الاقتناع نفسيا بذلك ،اما مسألة الخروج من السجن فلا تهمني ،لأن الموت هو سجني وقبري الوحيد .

القاضي:ما أدراك أن تلغى غدا عقوبة الاعدام أو تنال عفوا  قريبا، وتستمر الحياة ،وتعود البسمة من جديد ،فكر من فضلك في ابنك وأسرتك،وفي احلامهم في معانقتك في سماء الحرية.

السجين :بعد فترة استراحة قصيرة  باكيا ،اعلم أن الوضع الدولي للعقوبة يتجه نحو الإلغاء تماما مثل الدستور ،وأتمنى صادقا رؤية ابني الوحيد وأسرتي ،لأحكي لهم عن توبتي ،أكيد انني أخطأت في حق الضحية ،وما كفر عن أخطائي، أنني أقر بجريمتي ،في حقه ،وأرسلت لأسرته كتابا من السجن أطلب منهم الصفح ،وقد سامحوني ،وبعثوا لي بتنازل عن تنفيذ العقوبة لم ينفعني قانونا ،رغم أن الشرع واضح في وقف تنفيذ العقوبة،والصفح عنها ،فلماذا لم يتم تنفيذ حكم الشرع ؟لكن مع ذلك ، فإن الصفح أزال الغمة عن قلبي ،ودعوت الله أن يغفر لي خطيئتي،فالإعدام لن يصلح سجينا ،ولن يردع ظالما، ولن ينصف ضحية أو مظلوما ،فهما بلغت مخالفة القانون لا يمكن أن تؤدي إلى إعدام المخالف،لأننا بذلك نصنع ضحية جديد هو المخالف بذاته،فهل إعمال القانون يجب أن يتجه نحو الفضيلة أو الانتقام بمفهوم التعذيب النفسي الدائم والمستمر في الزمان والمكان ،ولماذا لم ينفعني الاعتراف بجريمتي عن تحويل عقوبتي،هل بمثل هذه القساوة نحتفظ جميعا بإنسانياتنا ،وهل مفروض علينا أن نقاسي أو نعاني، ويتلذذ بمآسينا ،أين ضمير القانون والعدالة ،أين شريعة الرحمة،أين دور القاضي الذي قرأت في الدستور أنه يحمي الحقوق والحريات ،أين التطبيق العادل للقانون،والأهم أين حماية الحق في الحياة المكرس دستوريا مع الابقاء على عقوبة الاعدام،والتهديد الدائم بتنفيذها؟ .

القاضي:أعدكم أنني سأنقل قضيتك،وطلبك للعفو، ومطلبك بالحياة لا بالموت،قضيتك قضية عادلة وإنسانية ،لأن القانون علامة للحياة وللحركة ،لا للسكون والخمول ،لان الله وحده من يملك حق نزع الروح .

السجين :أعدكم أنني سأوقف الإضراب حالا،وأتمنى ان لا أبرح السجن إلا وقانون إلغاء الاعدام معلقا في سبورة سجني وزنزانتي،ليقضي كل سجين مدة محكوميته عالما بمدتها وبنهايتها،فاتحا سبورة الامل لغد أفضل قاطعا حبل مشنقة الشك بيقين الحق في الحياة لا الحق في الموت .



الاثنين 21 سبتمبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"


1.أرسلت من قبل رشيد في 12/10/2015 13:17
الدكتور المحترم محمد الهيني يستحق كل اﻻحترام

تعليق جديد
Twitter