MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers

الأكثر قراءة



د. عبد الله بوصوف يكتب: الاعترافات بمغربية الصحراء.. تتويج للدبلوماسية الملكية

     



تمكن الملك محمد السادس، خلال ربع قرن من العمل على استكمال الوحدة الترابية والوطنية، من تغيير مفاهيم ومعادلات وتفكيك شفرات كان يظنها البعض أو أوهم الآخرين على أنها مستحيلة.

لقد أبان الملك محمد السادس، منذ جلوسه على عرش أسلافه الميامين، أنه لاعب سياسي من طينة نادرة وأنه قارئ جيد لطاولة لعبة الشطرنج في العلاقات الدولية… وقد ظهر ذلك جليا من خلال مسارات تحضير المبادرة المغربية للحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية، ثم تقديمها في أبريل 2007… وما واكب ذلك من ترسيخ دستوري للهوية المغربية الموحدة سنة 2011 وتحركات ورحلات شخصية لجلالة الملك محمد السادس في كل أنحاء العالم آسيا وأمريكا وروسيا وإفريقيا.

لقد كانت خطوات دخوله إلى قاعة اجتماعات منظمة الاتحاد الإفريقي في يناير 2017 وعودته إلى البيت الإفريقي بكامل القوة والكبرياء مرحلة جديدة وخطوات نحو الحل النهائي. ولعل مدة التصفيق داخل القاعة كانت دالة على اشتياق باقي أعضاء البيت الإفريقي لأحد الأعضاء المؤسسين وأحد كبار الفاعلين السياسيين والتاريخيين والاقتصاديين بإفريقيا.

كما أن انتصار قرارات مجلس الأمن الدولي للمبادرة المغربية، ومنذ سنة 2007، كان انتصارا للمقاربة الواقعية في أفق حل سياسي مع سقف وحيد هو مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وبالموازاة مع هذا المسار الدبلوماسي والسياسي، فقد قاد جلالته مسيرات أخرى من خلال تخصيص برامج تنموية واستثمارات استراتيجية بالأقاليم الصحراوية وإشراك أبناء الصحراء المغربية في تدبير شؤونهم المحلية؛ من خلال مجالس البلديات والجهات ونواب برلمانيين وفعاليات نقابية وحقوقية وإعلامية… غيرت من صورة المنطقة ككل وجعلت من أقاليم الصحراء بوابة للعمق الإفريقي من خلال الميناء الأطلسي بالداخلة وشبكة الطرق وبرامج اقتصادية واعدة.

مسيرة ربع قرن من العمل الجاد والمتفاني كان شعارها أن الصحراء هي قضية وجود وليست قضية حدود، وأن الحكم الذاتي هو السقف الوحيد، وأن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، وأن الصحراء هي قضية مركزية، وأنها أمّ القضايا، وأنها القضية الوطنية الأولى، وأن المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ثم أن الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم ويقيم صدق الصداقات ونجاعة الشراكات… وهي كلها عناوين لمراحل القضية الوطنية الأولى وبارومتر سياسي للدينامية الدولية الإيجابية التي عرفها ملف “أم القضايا” المغربية من خلال تناسل الاعترافات بمغربية الصحراء وتدشين مقرات قنصلية بكل من العيون والداخلة.

لكن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في دجنبر 2020 كان له طعم نصر سياسي واستراتيجي كبير، خاصة أن أمريكا عضو دائم بمجلس الأمن الدولي و”حامل القلم “Penholder أي يقود النقاشات وصياغة القرارات؛ بالإضافة إلى أن أمريكا كقوة اقتصادية وعسكرية وثقافية، ليست كتلك الكيانات المجهرية التي تنتظر دولارات سونطراك من أجل بيع صوتها.

وستتبنى الجارة الإسبانية المقاربة الواقعية في ملف مغربية الصحراء، من خلال رسالة بيدرو سانشيز في مارس 2022 والتي تعترف بقوة المقترح المغربي وبمغربية الصحراء.

ولن نفشي سرا بوصفنا لوقع الزلزال داخل النظام العسكري الجزائري بعد رسالة سانشيز واعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء في مارس 2022؛ لأنها الدولة المستعمِرة السابقة للصحراء المغربية وكل ما يعنيه ذلك من توفرها على الخرائط والأرشيف العسكري للصحراء المغربية والاتفاقيات الثنائية والدولية وكل تقارير الخبراء والرحالات والمنظمات الإسبانية.

وسينتظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مناسبة احتفالات ربع قرن على تربع جلالة الملك محمد السادس في 30 يوليوز 2024 لإعلان الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية كحل وحيد للنزاع الإقليمي في رسالة بعثها إلى ملك المغرب مؤكدا فيها أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان ضمن السيادة المغربية وأن دعم فرنسا لمبادرة الحكم الذاتي لسنة 2007 هو واضح وثابت وأنها تتطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية.

ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير بماهية الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، خاصة أنها القوة المستعمِرة السابقة لشمال إفريقيا ودول الساحل وتوفرها على خرائط الحدود الأصلية والأرشيف الدبلوماسي والعسكري للمنطقة… ويكفي أن نستلهم بعضا من عمق رسالة الملك محمد السادس للرئيس الفرنسي ماكرون يوم 31 يوليوز 2024 بقوله إن تكريس المقترح المغربي لسنة 2007 كأساس وحيد لحل النزاع الإقليمي الموروث عن حقبة أخرى هو موقف واضح وقوي، وهو اعتراف يتضمن اعترافا بالأسانيد القانونية والحقوق التاريخية للمغرب على أقاليمه الصحراوية من مطلع وثيق على ماضي شمال إفريقيا وحاضرها وشاهد عن كثب على تطور هذا النزاع الإقليمي.

واعتراف فرنسا بسيادة المغرب على صحرائه، وهي العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي وهي أيضا “حامل القلم” بمجلس الأمن الدولي إلى جانب كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والفاعل القوي في مؤسسات الاتحاد الأوروبي والعديد من المنظمات الحقوقية والتجمعات الفرانكوفونية، يدخل في إطار الدينامية الدولية الإيجابية والمقاربة الواقعية في ملف مغربية الصحراء.

لكن ونحن نثمن عاليا اعتراف الدولة الفرنسية بمغربية الصحراء وتهديدات النظام العسكري الجزائري بعقوبات اقتصادية بعد رياضة سحب السفير من باريس، فلا بد من الإشارة إلى أن واردات فرنسا من موارد الطاقة الجزائرية لا تتجاوز 8 في المائة. كما أن الاعتراف ذاته سيجبر النظام الجزائري على إعادة ترتيب أوراق الانتخابات الرئاسية في شتنبر المقبل وأيضا لجنة الذاكرة المشتركة وقضية الجماجم.

وإذا كانت فرنسا قد اختلفت في ملفات اجتماعية وسياسية ساخنة أججت الشارع الفرنسي، كأزمة التقاعد والضواحي والإرهاب والهجرة وملفات قطاعية مهمة… فإن رسالة الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء وبالحكم الذاتي كحل وحيد عرفت إجماعا سياسيا قل نظيره في الساحة السياسية الفرنسية، إذ مباشرة بعد نشر رسالة ماكرون بمغربية الصحراء خرجت مارين لوبان عن حزب التجمع الوطني ومنافسته على الرئاسيات في جولتي 2017 و2022 وكذلك فعل سيوتي عن اليمين وآن هيدالغو عمدة باريس وقيادية في الحزب الاشتراكي الفرنسي وشخصيات فكرية وإعلامية مرموقة… كلها أصوات مؤيدة لمغربية الصحراء؛ وهو ما يجعل منه اعترافا للدولة الفرنسية بأغلبيتها السياسية ومعارضتها وبسياسيها ومفكريها وبأعلامها.

إن رسائل الاعتراف الواضح والقوي بمغربية الصحراء أو فتح قنصليات بالعيون والداخلة هي إحداثيات الطريق لكل الشراكات الحقيقية والصداقات القوية مع الدولة المغربية، وهي عنوان كبير لربع قرن من العمل الجاد والدؤوب للدبلوماسية المغربية ولصانعها الملك محمد السادس.



الثلاثاء 6 غشت 2024
MarocDroit "منصة مغرب القانون الأصلية"

تعليق جديد
Twitter