يندرج مشروع انجاز محطة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، في إطار النموذج التعاقدي المسمى عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص(PPP)، حيث يستخدم هذا النوع من العقود، لتمويل البنية التحتية والخدمات والمرافق العمومية، ويضم طائفة واسعة من الترتيبات التعاقدية طويلة الأجل للمشاريع المشتركة، يتعاون من خلالها القطاعين العام والخاص لبلوغ أهداف مشتركة. وبما أن هذا النوع من العقود، يتميز بطبيعة خاصة ومعقدة ( تعاقدية ومالية)، وهو جديد على مستوى الممارسة العملية بالمغرب، إلا في حالات جد محدودة، تم تأطيره سنة 2015 بالقانون رقم 86.12. حيث يعرف المشرع المغربي عقد الشراكة في المادة الأولى من القانون المنظم لعقد الشراكة رقم 86.12، كما تم تغييره وتتميم بالقانون رقم 46.18 ب" عقد محدد المدة، يعهد بموجبه شخص عام إلى شريك خاص مسؤولية القيام بمهمة شاملة تتضمن التصميم والتمويل الكلي أو الجزئي والبناء أو إعادة التأهيل صيانة و/ أو استغلال منشأة أو بنية تحتية أو معدات أو ممتلكات غير المادية أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي."
ويفهم من مضمون هذه المادة، أن نموذج عقد الشراكة يرتبط بمهمة شاملة، يمكن أن تضمن كل أو بعض من هذه المهام: (التصميم؛ التمويل؛ والبناء؛ والصيانة؛ والإستغلال، أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي. وبما أن مشروع إنجاز محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، يرتبط بمجموعة من المهام من تصميم وبناء وتمويل وتشغيل هذه المحطة لمدة 30 عاما، والتي ستبلغ طاقتها 548 ألف متر مكعب يوميا وستشمل باستثمارات تبلغ حوالي 800 مليون يورو. فمن المفروض، أو من البديهي أن يتم إسناده وتنفيذه وفق مساطر ومبادئ القانون المؤطر لعقد الشراكة، والمرسوم التطبيقي رقم 2.15.45 كما تم تعديله وتتميمه بالمرسوم رقم 2.20.704 بتاريخ 23 شتنبر 2021.
والمعلوم، وحسب تصريح رئيس الحكومة، خلال جلسة المساءلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، بتاريخ 16 دجنبر 2024، أن إسناد عقد تحلية مياه البحر بالدارالبيضاء، لتحالف يضم شركتين مغربيتين مملوكتين لرئيس الحكومة، وشركة إسبانية، تم وفق مسطرة طلب عروض مفتوح، وهم هذا العقد، مهمة شاملة، تتعلق بتمويل وتصميم وبناء وإدارة وصيانة محطة تحلية المياه بالدار البيضاء. وهنا تجب الإشارة أن طلب العروض المفتوح، هو مسطرة يقوم بموجبها الشخص العام بعد دعوة للمنافسة باختيار العرض الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية، وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 8 من القانون رقم 86.12، والتي تهم بالخصوص، القدرة على إنجاز أهداف حسن الأداء ومتطلبات التنمية المستدامة والوقع الاجتماعي والبيئي للمشروع والطابع التقني الابتكاري، للعرض وعند الاقتضاء إجراءات التفضيل لفائدة المقاولة الوطنية ونسبة استعمال العناصر الداخلة ذات الأصل الوطني للمنتوج .
ولما كان مبدأ المنافسة مبدأ دستوريا، تم إقراره في إطار التشجيع على الاستثمار الخاص والمبادرة الحرة وتسهيل الولوجية إلى الصفقات العمومية وكل أشكال الطلبيات العمومية، فهذا لا يعني تقليص دور سلطة الإدارة المتعاقدة في تقدير صلاحية العروض واختيارها العرض الأفضل والمناسب على أساس مقتضيات المصلحة العامة. لكن بطبيعة الحال، مع التقيد بمبادئ دستورية مهمة، كالشفافية والمساواة، وحرية الولوج الى الطلبيات العمومية، وطبعا المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل36 القاضي بمنع تنازع المصالح، وبتجريم القانون لمختلف الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.
وباعتبار الدستور هو الضامن الأساسي لحرية المبادرة والمقاولة والإستثمار والتنافس الحر، فقد أدرج القانون المنظم لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، شروطا معينة لحماية المصلحة العمومية وضمان شفافية العطاء، بما يقتضي وبالضرورة احترام عقد الشراكة لتحلية المياه البحر بالدار البيضاء لهذه المقتضيات. وبالرجوع إلى شبهة تنازع المصالح في اسناد عقد الشراكة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، يمكن إبداء الملاحظات التالية:
أولا: على المستوى المؤسسي لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يمارس السيد عزيز اخنوش بصفته رئيس الحكومة مجموعة من الصلاحيات القانونية لإسناد وتنفيذ عقد الشراكة، فهو رئيس اللجنة الوطنية للشراكة بين القطاعين العام والخاص، المحدثة بموجب القانون المنظم لعقود الشراكة الأخير 46.18 المغير والمتمم للقانون رقم86.12، والمرسوم رقم 2.20.703 الصادر في 9 أغسطس 2021. حيث يعهد لهذه اللجنة بوضع التوجهات العامة والاستراتيجية الوطنية في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكن أهم هذه الصلاحيات، والتي يمكن أن تثير أكثر من ألف شبهة للسيد رئيس الحكومة، هو صلاحية دراسة عتبة الاستثمار التي يجوز فيها التخلي عن مسطرة التقييم القبلي، والتي تعتبر مسطرة إلزامية بنص المادة 2 من القانون رقم86.12)، حيث يلزم الشخص العمومي، قبل إجراء أية دعوة للمنافسة أو أية مفاوضات ضرورة تحديد وبدقة الحاجيات المراد تلبيتها، وخضوع المشاريع المقترحة لدراسات التقييم القبلي.
بالإضافة إلى ما سبق، تمارس هذه اللجنة، صلاحية الترخيص بصفة استثنائية، باللجوء إلى المسطرة التفاوضية، فيما يخص مشاريع الشراكة التي تكتسي طابعا اقتصاديا أو اجتماعيا أو بيئيا استراتيجيا (المادة 1 -28 في الباب الثالث مكرر، القانون رقم 46.18 المعدل والمتمم للقانون رقم 86.12)، وهو ما يمكن أن يوسع من حالات اللجوء إلى أسلوب عقد الشراكة خارج إجراءات المنافسة، ومساطر الإشهار المسبق أو نظام الدعوة للمنافسة.
وهذه الصلاحيات، وإن كان غرضها البحث عن مصادر التمويل العمومي وتشجيع المبادرة الخاصة، إلا أنها تفتح المجال لتوسيع حالات اللجوء إلى هذا النموذج التعاقدي ppp) )، عن طريق مسطرة التفاوض، وهي مسطرة اسثتنائية محفوفة بعدة مخاطر مالية، قد تفتح المجال لسوء القرارات الإستثمارية والتلاعب بالمال العام والريع والتبذير. وحتى إن سلمنا بأن عقد تحلية مياه الدار البيضاء تم وفق طلب العروض أو عبر الحوار التنافسي أو عبر مسطرة التفاوض، فرئيس الحكومة يملك صفتين في هذه الحالة، صفة رئيس هذه اللجنة، وصفة متنافس أو مترشح لموضوع العقد محل عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
من جانب أخر، تتولى اللجنة الوزارية "لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، بموجب القانون المؤطر لعقود الشراكة، إعداد تقرير التقييم القبلي المنجز من طرف السلطة المختصة المعنية للتأكد من جدوى إمكانية إنجاز المشروع في شكل عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص، وكما هو معلوم، تتكون هذه اللجنة من مجموعة من ممثلي القطاعات الحكومية، من بينهم أربعة أعضاء، بمن فيهم رئيس اللجنة، يتم تعيينهم من طرف وزير المالية، وهذا الأخير ينتمي إلى حزب رئيس الحكومة.
بالإضافة إلى ماسبق، تضم اللجنة الدائمة المكلفة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والتدبير المفوض التابعة للجنة الوطنية للطلبيات العمومية ( لجنة الصفقات العمومية سابقا)، 3 أعضاء ممثلين عن وزارة المالية يعينهم رئيس الحكومة باقتراح من وزارة المالية، بموجب المرسوم رقم 2.14.867 المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بتاريخ 21 شتنبر 2015، ومن بين مهامها دراسة الشكايات الواردة عليها من طرف كل شخص ذاتي أو اعتباري من أشخاص القانون الخاص يشارك في طلبية عمومية إما بصفة متنافس أو نائل الصفقة أو صاحب الصفقة. وهو ما يؤكد وجود حالة تنازع مصالح للسيد رئيس الحكومة، فتارة هو حكم باعتباره، رئيس للحكومة يمارس صلاحيات مهمة على مستوى رئاسة لجان الشراكة بين القطاعين العام والخاص سواء الوطنية أو الوزارية، كما يرأس الجنة الوطنية للاستثمارات، التي أحدثت بموجب ميثاق الاستثمار الجديد، وتارة باعتباره منافسا ومرشحا، ونائلا لعقد الشراكة.
ثانيا: علاقة بتحديد الشخص العمومي، المسؤول عن عقد الشراكة لتحلية مياه الدار البيضاء، نجد المكتب الوطني للماء والكهرباء، هو المشرف عن إبرام وتنفيذ هذا المشروع، بصفته وصي على قطاع الماء الصالح للشرب، بحيث يوجد رئيس الحكومة في حالة تنازع للمصالح من خلال صفتين، الأولى باعتباره نائلا لعقد الشراكة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، بحيث هو من تفاوض ووقع على عقد الشراكة، بصفته متنافسا ومرشحا للفوز بهذا العقد أمام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وفي نفس الوقت، هو من يرأس المجلس الإداري للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الذي يصادق على البرنامج الاستثماري للمكتب بما فيه البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027.
ثالثا: على مستوى تنظيم مساطر عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتنزيلا للفصل 36 من الدستور، نص المرسوم التطبيقي للقانون المنظم لعقود الشراكة(المرسوم التطبيقي رقم 2.15.45، كما تم تعديله وتتميمه بالمرسوم رقم 2.20.704 بتاريخ 23 شتنبر 2021)، على مجموعة من الإجراءات التي تمنع أي تضارب المصالح والتأثير على مختلف مساطر الإسناد، وألزمت جميع المتدخلين في مساطر إبرام عقود الشراكة، بالمحافظة على الإستقلالية في معاملتهم مع المتنافسين، ومنعتهم من قبول أي امتياز أو منحة من المتنافسين، وربط أي علاقة معهم من شأنها المس بالموضوعية والحياد والاستقلالية أوالتمييز بينهم( المادة 28 من المرسوم).
ولإثبات أو نفي حالة تنازع المصالح في هذا العقد، نجد المادة 16 من المرسوم التطبيقي، تنص على مجموعة من الشروط التي تتعلق بالتزام المتنافس، بالشفافية أثناء تقديمه مستندات الترشيح وعلى سبيل الحصر نخص بالذكر ما يلي:
- الإشهاد بأنه لا يوجد في حالة تضارب المصالح؛
- الإشهاد بصحة المعلومات الواردة في التصريح بالشرف وفي الوثائق التي أدلى بها في ملف ترشيحه.
ومن خلال هذا المعطى، يطرح التساؤل، ما هي التبريرات التي قدمت، في هذا الباب لدرء أي شبهة لمنع تنازع المصالح لرئيس الحكومة/ المتنافس، على مشروع تحلية المياه بالدار البيضاء، وهل تم احترام هذا الشرط، وتقديم إشهاد بعدم وجود حالة التضارب؟ كلها أسئلة لا نملك الجواب عنها.
لكن ما نملك جوابه، أن مخالفة مقتضيات وشروط تقديم ملف الترشيح، تؤدي إلى إلغاء مسطرة التنافس والاعلان عن عدم جدواها حسب المادة 21 من المرسوم التطبيقي رقم 2.15.45، إذ يتعرض المتنافس للإقصاء من مساطر إسناد عقد الشراكة بصفة مؤقتة أو نهائية في حالة إدلاء مترشح بتصريح بالشرف يتضمن معلومات غير صحيحة أو وثائق مزورة أو إذا ثبت ارتكابه لأعمال غش أو رشوة.
صحيح أن سياق إسناد هذا المشروع يأتي في ظل أزمة الموارد المائية، التي تعيشها بلادنا بسبب تعاقب سنوات الجفاف لسنوات متوالية واستنزاف الاحتياط المائي وتضرر القطاع الفلاحي. وفي هذه الحالة، يمكن تبرير اللجوء الى نموذج عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في حالة الإعلان عن حالة الطوارئ المائية، وتبرير سلك مسطرة التفاوض المنصوص عليها في المادة 7 من القانون رقم 86.12 والتي تجيز كاستثنا، أن لا تخضع المسطرة التفاوضية للإشهار المسبق أو لنظام الدعوة للمنافسة أو هما معا. وذلك في في ثلاث حالات، حددها المشرع فيمايلي:
1- عدم إمكانية إنجاز الخدمة أو استغلالها لاعتبارات تقنية أو قانونية إلا من قبل فاعل وحيد من القطاع الخاص؛
2- حالة الاستعجال الناجمة عن أحداث غير متوقعة بالنسبة إلى الشخص العام؛
3- دواعي تتعلق بالدفاع الوطني أو الأمن العام.
وانطلاقا من الحالات الثلاث أعلاه، كان من الممكن تبرير حالة تنازع المصالح التي أثارها عقد الشراكة لتحلية مياه الدار البيضاء، مع شركة وطنية يملكها رئيس الحكومة، في إطار تحالف مع الشريك الاسباني لتمويل وإنجاز هذا المشروع، إذا ما تم تبرير حالة الاستعجال أو تبرير عدم إمكانية إنجاز الخدمة أو استغلالها لاعتبارات تقنية أو قانونية، إلا من قبل فاعل وحيد من القطاع الخاص الوطني، والذي يتمثل في شركات السيد رئيس الحكومة، وإبراز الخبرات والتجربة التقنية والعملية التي راكمها في انجاز مثل هذه المشاريع، والتي تعتبر ضرورية لدعم ملف الترشح، وبالتالي تبرير تجاوز حالة تضارب المصالح.
ومعلوم أن من بين المستندات التي يجب ارفاقها الى ملف الترشيح، مذكرة تبين الوسائل البشرية والتقنية للمترشح وتبين إلزاميا مكان وطبيعة وأهمية الأعمال التي شارك المترشح في تنفيذها ونوعية هذه المشاركة، بالإضافة الى تصريح يبين الوسائل والألات والتجهيزات التقنية التي يتوفر عليها المترشح لتنفيذ عقود مماثلة ( المادة 16 من المرسوم التطبيقي). والحال أن الشركتين المغربيتين اللتين فازتا بالمشروع في إطار التحالف مع الشركة الاسبانية، لا تملك تجربة عريقة في مجال تحلية المياه، باعتباره مجال جد معقد، ويتطلب خبرات فنية خاصة، يمكن أن يشكل مخاطر كبيرة تهدد استمرارية المشروع، وكذا استدامة ماليته، وتؤثر على مبدأ القيمة مقابل المال.
وإذا تجاوزنا مرحلتي التحضير والتفاوض والمصادقة على هذا المشروع، فكيف سيتم التعامل في مرحلة التتبع والتنفيذ، والتي تقتضي أن يراقب الشخص العام، أي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، والذي يترأس مجلس إدارته رئيس الحكومة، تنفيذ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومدى احترام الشريك الخاص، أي الشركتين المملوكتين لرئيس الحكومة وشريكه الإسباني، لأهداف حسن الأداء وجودة الخدمة المتفق عليها، وفق ما هو منصوص عليه في المادة 18 من القانون رقم 86.12. وتقتضي هذه المراقبة أن يضع الشريك الخاص لمشروع تحلية المياه بالدار البيضاء، تحت تصرف الشخص العام( المكتب الوطني للماء الصالح الشرب)، وبشكل إلزامي أي وثيقة أو معلومة ضرورية لمراقبة تنفيذ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص. من سيراقب من ؟ هل سيراقب رئيس الحكومة نفسه؟
وفي الأخير، ولتأكيد ونفي شبهة تضارب المصالح، في هذا المشروع، لابدا من الإجابة على الأسئلة التالية:
ويفهم من مضمون هذه المادة، أن نموذج عقد الشراكة يرتبط بمهمة شاملة، يمكن أن تضمن كل أو بعض من هذه المهام: (التصميم؛ التمويل؛ والبناء؛ والصيانة؛ والإستغلال، أو تقديم خدمات ضرورية لتوفير مرفق عمومي. وبما أن مشروع إنجاز محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، يرتبط بمجموعة من المهام من تصميم وبناء وتمويل وتشغيل هذه المحطة لمدة 30 عاما، والتي ستبلغ طاقتها 548 ألف متر مكعب يوميا وستشمل باستثمارات تبلغ حوالي 800 مليون يورو. فمن المفروض، أو من البديهي أن يتم إسناده وتنفيذه وفق مساطر ومبادئ القانون المؤطر لعقد الشراكة، والمرسوم التطبيقي رقم 2.15.45 كما تم تعديله وتتميمه بالمرسوم رقم 2.20.704 بتاريخ 23 شتنبر 2021.
والمعلوم، وحسب تصريح رئيس الحكومة، خلال جلسة المساءلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، بتاريخ 16 دجنبر 2024، أن إسناد عقد تحلية مياه البحر بالدارالبيضاء، لتحالف يضم شركتين مغربيتين مملوكتين لرئيس الحكومة، وشركة إسبانية، تم وفق مسطرة طلب عروض مفتوح، وهم هذا العقد، مهمة شاملة، تتعلق بتمويل وتصميم وبناء وإدارة وصيانة محطة تحلية المياه بالدار البيضاء. وهنا تجب الإشارة أن طلب العروض المفتوح، هو مسطرة يقوم بموجبها الشخص العام بعد دعوة للمنافسة باختيار العرض الأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية، وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 8 من القانون رقم 86.12، والتي تهم بالخصوص، القدرة على إنجاز أهداف حسن الأداء ومتطلبات التنمية المستدامة والوقع الاجتماعي والبيئي للمشروع والطابع التقني الابتكاري، للعرض وعند الاقتضاء إجراءات التفضيل لفائدة المقاولة الوطنية ونسبة استعمال العناصر الداخلة ذات الأصل الوطني للمنتوج .
ولما كان مبدأ المنافسة مبدأ دستوريا، تم إقراره في إطار التشجيع على الاستثمار الخاص والمبادرة الحرة وتسهيل الولوجية إلى الصفقات العمومية وكل أشكال الطلبيات العمومية، فهذا لا يعني تقليص دور سلطة الإدارة المتعاقدة في تقدير صلاحية العروض واختيارها العرض الأفضل والمناسب على أساس مقتضيات المصلحة العامة. لكن بطبيعة الحال، مع التقيد بمبادئ دستورية مهمة، كالشفافية والمساواة، وحرية الولوج الى الطلبيات العمومية، وطبعا المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل36 القاضي بمنع تنازع المصالح، وبتجريم القانون لمختلف الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.
وباعتبار الدستور هو الضامن الأساسي لحرية المبادرة والمقاولة والإستثمار والتنافس الحر، فقد أدرج القانون المنظم لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، شروطا معينة لحماية المصلحة العمومية وضمان شفافية العطاء، بما يقتضي وبالضرورة احترام عقد الشراكة لتحلية المياه البحر بالدار البيضاء لهذه المقتضيات. وبالرجوع إلى شبهة تنازع المصالح في اسناد عقد الشراكة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، يمكن إبداء الملاحظات التالية:
أولا: على المستوى المؤسسي لعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يمارس السيد عزيز اخنوش بصفته رئيس الحكومة مجموعة من الصلاحيات القانونية لإسناد وتنفيذ عقد الشراكة، فهو رئيس اللجنة الوطنية للشراكة بين القطاعين العام والخاص، المحدثة بموجب القانون المنظم لعقود الشراكة الأخير 46.18 المغير والمتمم للقانون رقم86.12، والمرسوم رقم 2.20.703 الصادر في 9 أغسطس 2021. حيث يعهد لهذه اللجنة بوضع التوجهات العامة والاستراتيجية الوطنية في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكن أهم هذه الصلاحيات، والتي يمكن أن تثير أكثر من ألف شبهة للسيد رئيس الحكومة، هو صلاحية دراسة عتبة الاستثمار التي يجوز فيها التخلي عن مسطرة التقييم القبلي، والتي تعتبر مسطرة إلزامية بنص المادة 2 من القانون رقم86.12)، حيث يلزم الشخص العمومي، قبل إجراء أية دعوة للمنافسة أو أية مفاوضات ضرورة تحديد وبدقة الحاجيات المراد تلبيتها، وخضوع المشاريع المقترحة لدراسات التقييم القبلي.
بالإضافة إلى ما سبق، تمارس هذه اللجنة، صلاحية الترخيص بصفة استثنائية، باللجوء إلى المسطرة التفاوضية، فيما يخص مشاريع الشراكة التي تكتسي طابعا اقتصاديا أو اجتماعيا أو بيئيا استراتيجيا (المادة 1 -28 في الباب الثالث مكرر، القانون رقم 46.18 المعدل والمتمم للقانون رقم 86.12)، وهو ما يمكن أن يوسع من حالات اللجوء إلى أسلوب عقد الشراكة خارج إجراءات المنافسة، ومساطر الإشهار المسبق أو نظام الدعوة للمنافسة.
وهذه الصلاحيات، وإن كان غرضها البحث عن مصادر التمويل العمومي وتشجيع المبادرة الخاصة، إلا أنها تفتح المجال لتوسيع حالات اللجوء إلى هذا النموذج التعاقدي ppp) )، عن طريق مسطرة التفاوض، وهي مسطرة اسثتنائية محفوفة بعدة مخاطر مالية، قد تفتح المجال لسوء القرارات الإستثمارية والتلاعب بالمال العام والريع والتبذير. وحتى إن سلمنا بأن عقد تحلية مياه الدار البيضاء تم وفق طلب العروض أو عبر الحوار التنافسي أو عبر مسطرة التفاوض، فرئيس الحكومة يملك صفتين في هذه الحالة، صفة رئيس هذه اللجنة، وصفة متنافس أو مترشح لموضوع العقد محل عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
من جانب أخر، تتولى اللجنة الوزارية "لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص"، بموجب القانون المؤطر لعقود الشراكة، إعداد تقرير التقييم القبلي المنجز من طرف السلطة المختصة المعنية للتأكد من جدوى إمكانية إنجاز المشروع في شكل عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص، وكما هو معلوم، تتكون هذه اللجنة من مجموعة من ممثلي القطاعات الحكومية، من بينهم أربعة أعضاء، بمن فيهم رئيس اللجنة، يتم تعيينهم من طرف وزير المالية، وهذا الأخير ينتمي إلى حزب رئيس الحكومة.
بالإضافة إلى ماسبق، تضم اللجنة الدائمة المكلفة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص والتدبير المفوض التابعة للجنة الوطنية للطلبيات العمومية ( لجنة الصفقات العمومية سابقا)، 3 أعضاء ممثلين عن وزارة المالية يعينهم رئيس الحكومة باقتراح من وزارة المالية، بموجب المرسوم رقم 2.14.867 المتعلق باللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بتاريخ 21 شتنبر 2015، ومن بين مهامها دراسة الشكايات الواردة عليها من طرف كل شخص ذاتي أو اعتباري من أشخاص القانون الخاص يشارك في طلبية عمومية إما بصفة متنافس أو نائل الصفقة أو صاحب الصفقة. وهو ما يؤكد وجود حالة تنازع مصالح للسيد رئيس الحكومة، فتارة هو حكم باعتباره، رئيس للحكومة يمارس صلاحيات مهمة على مستوى رئاسة لجان الشراكة بين القطاعين العام والخاص سواء الوطنية أو الوزارية، كما يرأس الجنة الوطنية للاستثمارات، التي أحدثت بموجب ميثاق الاستثمار الجديد، وتارة باعتباره منافسا ومرشحا، ونائلا لعقد الشراكة.
ثانيا: علاقة بتحديد الشخص العمومي، المسؤول عن عقد الشراكة لتحلية مياه الدار البيضاء، نجد المكتب الوطني للماء والكهرباء، هو المشرف عن إبرام وتنفيذ هذا المشروع، بصفته وصي على قطاع الماء الصالح للشرب، بحيث يوجد رئيس الحكومة في حالة تنازع للمصالح من خلال صفتين، الأولى باعتباره نائلا لعقد الشراكة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، بحيث هو من تفاوض ووقع على عقد الشراكة، بصفته متنافسا ومرشحا للفوز بهذا العقد أمام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وفي نفس الوقت، هو من يرأس المجلس الإداري للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الذي يصادق على البرنامج الاستثماري للمكتب بما فيه البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027.
ثالثا: على مستوى تنظيم مساطر عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتنزيلا للفصل 36 من الدستور، نص المرسوم التطبيقي للقانون المنظم لعقود الشراكة(المرسوم التطبيقي رقم 2.15.45، كما تم تعديله وتتميمه بالمرسوم رقم 2.20.704 بتاريخ 23 شتنبر 2021)، على مجموعة من الإجراءات التي تمنع أي تضارب المصالح والتأثير على مختلف مساطر الإسناد، وألزمت جميع المتدخلين في مساطر إبرام عقود الشراكة، بالمحافظة على الإستقلالية في معاملتهم مع المتنافسين، ومنعتهم من قبول أي امتياز أو منحة من المتنافسين، وربط أي علاقة معهم من شأنها المس بالموضوعية والحياد والاستقلالية أوالتمييز بينهم( المادة 28 من المرسوم).
ولإثبات أو نفي حالة تنازع المصالح في هذا العقد، نجد المادة 16 من المرسوم التطبيقي، تنص على مجموعة من الشروط التي تتعلق بالتزام المتنافس، بالشفافية أثناء تقديمه مستندات الترشيح وعلى سبيل الحصر نخص بالذكر ما يلي:
- الإشهاد بأنه لا يوجد في حالة تضارب المصالح؛
- الإشهاد بصحة المعلومات الواردة في التصريح بالشرف وفي الوثائق التي أدلى بها في ملف ترشيحه.
ومن خلال هذا المعطى، يطرح التساؤل، ما هي التبريرات التي قدمت، في هذا الباب لدرء أي شبهة لمنع تنازع المصالح لرئيس الحكومة/ المتنافس، على مشروع تحلية المياه بالدار البيضاء، وهل تم احترام هذا الشرط، وتقديم إشهاد بعدم وجود حالة التضارب؟ كلها أسئلة لا نملك الجواب عنها.
لكن ما نملك جوابه، أن مخالفة مقتضيات وشروط تقديم ملف الترشيح، تؤدي إلى إلغاء مسطرة التنافس والاعلان عن عدم جدواها حسب المادة 21 من المرسوم التطبيقي رقم 2.15.45، إذ يتعرض المتنافس للإقصاء من مساطر إسناد عقد الشراكة بصفة مؤقتة أو نهائية في حالة إدلاء مترشح بتصريح بالشرف يتضمن معلومات غير صحيحة أو وثائق مزورة أو إذا ثبت ارتكابه لأعمال غش أو رشوة.
صحيح أن سياق إسناد هذا المشروع يأتي في ظل أزمة الموارد المائية، التي تعيشها بلادنا بسبب تعاقب سنوات الجفاف لسنوات متوالية واستنزاف الاحتياط المائي وتضرر القطاع الفلاحي. وفي هذه الحالة، يمكن تبرير اللجوء الى نموذج عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في حالة الإعلان عن حالة الطوارئ المائية، وتبرير سلك مسطرة التفاوض المنصوص عليها في المادة 7 من القانون رقم 86.12 والتي تجيز كاستثنا، أن لا تخضع المسطرة التفاوضية للإشهار المسبق أو لنظام الدعوة للمنافسة أو هما معا. وذلك في في ثلاث حالات، حددها المشرع فيمايلي:
1- عدم إمكانية إنجاز الخدمة أو استغلالها لاعتبارات تقنية أو قانونية إلا من قبل فاعل وحيد من القطاع الخاص؛
2- حالة الاستعجال الناجمة عن أحداث غير متوقعة بالنسبة إلى الشخص العام؛
3- دواعي تتعلق بالدفاع الوطني أو الأمن العام.
وانطلاقا من الحالات الثلاث أعلاه، كان من الممكن تبرير حالة تنازع المصالح التي أثارها عقد الشراكة لتحلية مياه الدار البيضاء، مع شركة وطنية يملكها رئيس الحكومة، في إطار تحالف مع الشريك الاسباني لتمويل وإنجاز هذا المشروع، إذا ما تم تبرير حالة الاستعجال أو تبرير عدم إمكانية إنجاز الخدمة أو استغلالها لاعتبارات تقنية أو قانونية، إلا من قبل فاعل وحيد من القطاع الخاص الوطني، والذي يتمثل في شركات السيد رئيس الحكومة، وإبراز الخبرات والتجربة التقنية والعملية التي راكمها في انجاز مثل هذه المشاريع، والتي تعتبر ضرورية لدعم ملف الترشح، وبالتالي تبرير تجاوز حالة تضارب المصالح.
ومعلوم أن من بين المستندات التي يجب ارفاقها الى ملف الترشيح، مذكرة تبين الوسائل البشرية والتقنية للمترشح وتبين إلزاميا مكان وطبيعة وأهمية الأعمال التي شارك المترشح في تنفيذها ونوعية هذه المشاركة، بالإضافة الى تصريح يبين الوسائل والألات والتجهيزات التقنية التي يتوفر عليها المترشح لتنفيذ عقود مماثلة ( المادة 16 من المرسوم التطبيقي). والحال أن الشركتين المغربيتين اللتين فازتا بالمشروع في إطار التحالف مع الشركة الاسبانية، لا تملك تجربة عريقة في مجال تحلية المياه، باعتباره مجال جد معقد، ويتطلب خبرات فنية خاصة، يمكن أن يشكل مخاطر كبيرة تهدد استمرارية المشروع، وكذا استدامة ماليته، وتؤثر على مبدأ القيمة مقابل المال.
وإذا تجاوزنا مرحلتي التحضير والتفاوض والمصادقة على هذا المشروع، فكيف سيتم التعامل في مرحلة التتبع والتنفيذ، والتي تقتضي أن يراقب الشخص العام، أي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، والذي يترأس مجلس إدارته رئيس الحكومة، تنفيذ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومدى احترام الشريك الخاص، أي الشركتين المملوكتين لرئيس الحكومة وشريكه الإسباني، لأهداف حسن الأداء وجودة الخدمة المتفق عليها، وفق ما هو منصوص عليه في المادة 18 من القانون رقم 86.12. وتقتضي هذه المراقبة أن يضع الشريك الخاص لمشروع تحلية المياه بالدار البيضاء، تحت تصرف الشخص العام( المكتب الوطني للماء الصالح الشرب)، وبشكل إلزامي أي وثيقة أو معلومة ضرورية لمراقبة تنفيذ عقد الشراكة بين القطاعين العام والخاص. من سيراقب من ؟ هل سيراقب رئيس الحكومة نفسه؟
وفي الأخير، ولتأكيد ونفي شبهة تضارب المصالح، في هذا المشروع، لابدا من الإجابة على الأسئلة التالية:
- كيف سيتعامل رئيس الحكومة، بصفته رئيس المجلس الإداري للمكتب الوطني للماء والكهرباء، في الحالة التي تستدعي فسخ عقد الشراكة لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، وهي حالات حددها المشرع( المادة 11 من القانون رقم 86.12)، في القوة القاهرة أو اختلال توازن العقد أو لسبب تقتضيه المصلحة العامة. فكيف سيتم تبرير تقصير الشريك الخاص( شركات رئيس الحكومة) بالتزاماته التعاقدية التي أثرت سلبا على استمرارية الخدمة العمومية التي سيقدمها المكتب الوطني للماء والكهرباء.
- كيف سيتم تبرير فسخ عقد تحلية المياه، في حالة ارتكاب الشريك الخاص لخطأ جسيم؟
- كيف ستتم المفاوضات في حالة التنازع؟
- هل سيتوفق رئيس الحكومة بصفته شخص عمومي، وبصفته شخص خاص ممثل التحالف الفائز بالعقد، في تحديد التعويضات في حالات فسخ العقد بسبب القوة القاهرة أو اختلال التوازن.
- وهل من الممكن أن يلجأ رئيس الحكومة بصفته شخص عام، إلى إمكانية استبدال الشريك الخاص -أي استبدال شركتيه - و إحلال شريك آخر محلهما وذلك في حالات حددها المشرع المغربي في المادة 21 من القانون رقم 86.12 المتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
إذا استطعنا الإجابة عن كل هذه الالتباسات، جاز لنا أن ننزع شبهة تضارب المصالح للسيد رئيس الحكومة، في عقد الشراكة لتحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء، والدعوة إلى مزيد من تشجيع الرأسمال المغربي، والمقاولات الوطنية إلى المساهمة في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية وذات الفائدة الاقتصادية والاجتماعية.