تعتبر قضية الصحراء المغربية من القضايا الشائكة في العلاقات المغربية الاسبانية فمنذ أن تم توقيع اتفاقية "مدريد عام 1974" الذي تم بموجبها انسحاب اسبانيا من هذه الأقاليم، تحول النزاع في هذه المنطقة إلى قضية دولية، فقامت المنظمة الأممية بمحاولات لحل النزاع، وقد كانت هذه المحاولات مناسبة لإسبانيا للتعبير عن
مواقفها.
أولا: السياق العام لظهور نزاع الصحراء
في ما مضى كانت الصحراء المغربية محتلة من طرف اسبانيا استنادا إلى مقولة "الأرض الخلاء التي لا سيد لها"والتي كانت القوانين الدولية آنذاك تسمح بضمها، غير أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي طلبه المغرب في سبتمبر 1974 لم يساير الطرح الاسباني، حيث أقرت المحكمة الدولية بأن هناك علاقة بيعة بين سلاطين المغرب والقبائل الصحراوية، هذا الأمر هو الذي دفع بالملك الراحل الحسن الثاني على تنظيم المسيرة الخضراء لاسترجاع الأقاليم الصحراوية المغربية، وبعد انتصار المغرب وضم أرضه إلى سيادته سنة 1975، فكرت اسبانيا في خلق صوت وطني يرفض إرجاع الصحراء إلى وطنها الأصلي، فأنشأ الجنرال الاسباني ما يسمى "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"التي عرفت فيما بعد بإسمها الاسباني المختصر "البوليساريو" هذه هي الوسيلة الوحيدة التي أمكن لإسبانيا اعتمادها حتى تبقى على صلة مباشرة بالصحراء المغربية، واعتمدت في تنفيذ هذا الهدف على القادة الجزائريين، الذين دعموا الأطروحة الإنفصالية لتحقيق بعض مصالحهم في هذا الجزء من التراب المغربي، وبذلك التقت الهيمنة الإقليمية لنظام "الهواري بومدين"مع القادة الإسبان لتشكيل هذا الكيان الوهمي الذي لا يتوفر على
عناصر كافية لقيام دولة .1
ما يلاحظ بخصوص هذه المسألة، أن إسبانيا تستعمل ملف الصحراء كورقة للضغط على المغرب في المجالات التي تهمها، وتجدر الإشارة على أن قضية الصحراء المغربية تشهد تصعيدا في التوتر بين المغرب والانفصاليين، مجددا اختبار للعلاقات بين الرباط ومدريد بعد التحسن الذي شهدته منذ تولي الاشتراكيين السلطة في اسبانيا في مارس 2004 .2
إن المسافة الاحتياطية التي اتخذتها الدبلوماسية الاسبانية خلال النصف الثاني من التسعينات، لم تدم طويلا وكانت هدف صعب المنال، إذ سرعان مانتهى شهر العسل الذي جمع المغرب بإسبانيا إثر توقيع الاتفاقية الثلاتية، فاستمرار الصراع في مستعمرة اسبانيا جعل منها وهي مانحة الشرعية الدولية هدفا لكل المتنازعين، فكل الأطراف المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر في النزاع، حاولت كسب التأييد الاسباني لقضيتهم.
فالمغرب حاول أن تعمق اسبانيا عملها في اتجاه ما أسفرت عنه اتفاقية مدريد، في حين أن جبهة البوليساريو بمساعدة من الجزائر حاولت دون جدوى أن تلتزم اسبانيا مع صحراوي تندوف، كما أن محاولة إسبانيا ربط علاقات ودية مع الجزائر والمغرب أدت إلى دخول السياسة الإسبانية في غموض كبير من جهة والمؤاخذات
المغربية عليها من جهة أخرى .3
ثانيا: الموقف الإسباني اتجاه قضية الصحراء
إن اسبانيا رغم خروجها من الأقاليم الجنوبية للمغرب لازالت لها يد في بقاء قضية الصحراء بدون حل وذلك راجع بالأساس إلى أن استقرار المغرب له علاقة بقوته وبالتالي مطالبته لوحداته الترابية المتبقية في إطار تكملة التراب الوطني.
إن الأوساط الاسبانية مهتمة بنزاع الصحراء ذلك أن مواقفها متقلبة وفق مصالحها ووفق الحكومات المتعاقبة وإن كان تنهج في بعض الأحيان إستراتيجية إضعاف المغرب عبر الجزائر،وهي الاستراتيجية التي راهن عليها أثنار في الثلات السنوات الأخيرة من حكمه قبل سقوط حزبه في الانتخابات التشريعية 14 مارس 2004 .4
أما الموقف الاسباني في ظل صعود الاشتراكيين إلى الحكم هو التقليل من التنسيق مع الجزائر وتكثيف الحوار مع المغرب في الصحراء على أساس عدم التخلي عن مشروع بيكر دون استبعاد تعديله.
خلال زيارته للمغرب في ماي 2004 صرح رئيس الحكومة الاسبانية "ثباتيرو" بأن الدبلوماسية الاسبانية لن تدخر جهدا في المساعدة على التوصل إلى حل خلال الأشهر التي أمامنا.
وفي إطار الجلسة المخصصة لتقديم برنامج الرئاسة الإسبانية للإتحاد قال ويلي ميير:"إن حزبنا لا يقبل الوضع المتقدم الذي منحه الإتحاد الأروبي للمغرب" لأن الرباط وكما يقول لا يعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
ونفس الشيء رفضت "سوزا فاغنر" عقد القمة بين الاتحاد الأوربي والمغرب مادام هاذا البلد لم يطبق اللوائح الأممية حول الصحراء.وبخصوص الموقف الاسباني دائما قال رئيس الحكومة:"دعونا نترك الأمر للأمم المتحدة للتحكيم في هذا النزاع مضيفا أن اسبانيا تدعم وتحترم جميع مبادرات الأمم المتحدة".
مؤكدا على أن الرئاسة الاسبانية تراهن على مسلسل التحديث في المغرب من خلال الحوار والتعاون .5
وما يلاحظ في هذا الشأن أن اسبانيا رسميا تنفي دائما على أن يكون بينها المغرب أي نزاع ترابي وتؤكد على أن العلاقات بين البلدين تتجه في مسار تطوري نحو التحديث والتعاون وتليين المواقف والتعاطي مع الأحداث الثقيلة بين البلدين بهدوء بعيدا عن كل تشنج.
--------------------
الهوامش
1-قبوش عزيز،العلاقات المغربية الاسبانية في مرحلة مابعد 1986، بحث لنيل الاجازة في الحقوق، كلية الحقوق بمكناس، ص.49.
2 - مقتطف من ميدل إيست أونلاين
3 - ميغيل هرناندو دي لارامندي، السياسة الخارجية للمغرب، ص.319.
4 - ميغيل هرناندو دي لارامندي، نفس المرجع، ص.302.
- 5 مقتطف من جريدة الأحداث المغربية
تاريخ التوصل: 30 يوليو 2012
تاريخ النشر: 2 غشت 2012
مواقفها.
أولا: السياق العام لظهور نزاع الصحراء
في ما مضى كانت الصحراء المغربية محتلة من طرف اسبانيا استنادا إلى مقولة "الأرض الخلاء التي لا سيد لها"والتي كانت القوانين الدولية آنذاك تسمح بضمها، غير أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي طلبه المغرب في سبتمبر 1974 لم يساير الطرح الاسباني، حيث أقرت المحكمة الدولية بأن هناك علاقة بيعة بين سلاطين المغرب والقبائل الصحراوية، هذا الأمر هو الذي دفع بالملك الراحل الحسن الثاني على تنظيم المسيرة الخضراء لاسترجاع الأقاليم الصحراوية المغربية، وبعد انتصار المغرب وضم أرضه إلى سيادته سنة 1975، فكرت اسبانيا في خلق صوت وطني يرفض إرجاع الصحراء إلى وطنها الأصلي، فأنشأ الجنرال الاسباني ما يسمى "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"التي عرفت فيما بعد بإسمها الاسباني المختصر "البوليساريو" هذه هي الوسيلة الوحيدة التي أمكن لإسبانيا اعتمادها حتى تبقى على صلة مباشرة بالصحراء المغربية، واعتمدت في تنفيذ هذا الهدف على القادة الجزائريين، الذين دعموا الأطروحة الإنفصالية لتحقيق بعض مصالحهم في هذا الجزء من التراب المغربي، وبذلك التقت الهيمنة الإقليمية لنظام "الهواري بومدين"مع القادة الإسبان لتشكيل هذا الكيان الوهمي الذي لا يتوفر على
عناصر كافية لقيام دولة .1
ما يلاحظ بخصوص هذه المسألة، أن إسبانيا تستعمل ملف الصحراء كورقة للضغط على المغرب في المجالات التي تهمها، وتجدر الإشارة على أن قضية الصحراء المغربية تشهد تصعيدا في التوتر بين المغرب والانفصاليين، مجددا اختبار للعلاقات بين الرباط ومدريد بعد التحسن الذي شهدته منذ تولي الاشتراكيين السلطة في اسبانيا في مارس 2004 .2
إن المسافة الاحتياطية التي اتخذتها الدبلوماسية الاسبانية خلال النصف الثاني من التسعينات، لم تدم طويلا وكانت هدف صعب المنال، إذ سرعان مانتهى شهر العسل الذي جمع المغرب بإسبانيا إثر توقيع الاتفاقية الثلاتية، فاستمرار الصراع في مستعمرة اسبانيا جعل منها وهي مانحة الشرعية الدولية هدفا لكل المتنازعين، فكل الأطراف المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر في النزاع، حاولت كسب التأييد الاسباني لقضيتهم.
فالمغرب حاول أن تعمق اسبانيا عملها في اتجاه ما أسفرت عنه اتفاقية مدريد، في حين أن جبهة البوليساريو بمساعدة من الجزائر حاولت دون جدوى أن تلتزم اسبانيا مع صحراوي تندوف، كما أن محاولة إسبانيا ربط علاقات ودية مع الجزائر والمغرب أدت إلى دخول السياسة الإسبانية في غموض كبير من جهة والمؤاخذات
المغربية عليها من جهة أخرى .3
ثانيا: الموقف الإسباني اتجاه قضية الصحراء
إن اسبانيا رغم خروجها من الأقاليم الجنوبية للمغرب لازالت لها يد في بقاء قضية الصحراء بدون حل وذلك راجع بالأساس إلى أن استقرار المغرب له علاقة بقوته وبالتالي مطالبته لوحداته الترابية المتبقية في إطار تكملة التراب الوطني.
إن الأوساط الاسبانية مهتمة بنزاع الصحراء ذلك أن مواقفها متقلبة وفق مصالحها ووفق الحكومات المتعاقبة وإن كان تنهج في بعض الأحيان إستراتيجية إضعاف المغرب عبر الجزائر،وهي الاستراتيجية التي راهن عليها أثنار في الثلات السنوات الأخيرة من حكمه قبل سقوط حزبه في الانتخابات التشريعية 14 مارس 2004 .4
أما الموقف الاسباني في ظل صعود الاشتراكيين إلى الحكم هو التقليل من التنسيق مع الجزائر وتكثيف الحوار مع المغرب في الصحراء على أساس عدم التخلي عن مشروع بيكر دون استبعاد تعديله.
خلال زيارته للمغرب في ماي 2004 صرح رئيس الحكومة الاسبانية "ثباتيرو" بأن الدبلوماسية الاسبانية لن تدخر جهدا في المساعدة على التوصل إلى حل خلال الأشهر التي أمامنا.
وفي إطار الجلسة المخصصة لتقديم برنامج الرئاسة الإسبانية للإتحاد قال ويلي ميير:"إن حزبنا لا يقبل الوضع المتقدم الذي منحه الإتحاد الأروبي للمغرب" لأن الرباط وكما يقول لا يعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
ونفس الشيء رفضت "سوزا فاغنر" عقد القمة بين الاتحاد الأوربي والمغرب مادام هاذا البلد لم يطبق اللوائح الأممية حول الصحراء.وبخصوص الموقف الاسباني دائما قال رئيس الحكومة:"دعونا نترك الأمر للأمم المتحدة للتحكيم في هذا النزاع مضيفا أن اسبانيا تدعم وتحترم جميع مبادرات الأمم المتحدة".
مؤكدا على أن الرئاسة الاسبانية تراهن على مسلسل التحديث في المغرب من خلال الحوار والتعاون .5
وما يلاحظ في هذا الشأن أن اسبانيا رسميا تنفي دائما على أن يكون بينها المغرب أي نزاع ترابي وتؤكد على أن العلاقات بين البلدين تتجه في مسار تطوري نحو التحديث والتعاون وتليين المواقف والتعاطي مع الأحداث الثقيلة بين البلدين بهدوء بعيدا عن كل تشنج.
--------------------
الهوامش
1-قبوش عزيز،العلاقات المغربية الاسبانية في مرحلة مابعد 1986، بحث لنيل الاجازة في الحقوق، كلية الحقوق بمكناس، ص.49.
2 - مقتطف من ميدل إيست أونلاين
3 - ميغيل هرناندو دي لارامندي، السياسة الخارجية للمغرب، ص.319.
4 - ميغيل هرناندو دي لارامندي، نفس المرجع، ص.302.
- 5 مقتطف من جريدة الأحداث المغربية
تاريخ التوصل: 30 يوليو 2012
تاريخ النشر: 2 غشت 2012