ملاحظات حول المادة 9 من مشروع القانون المالي لسنة 2019 المانعة للحجز على الأموال والأملاك العمومية يونس وحالو أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة عطفا على مقال سابق حول المادة 8 مكررة من مشروع قانون المالية لسنة 2017 في الوقت الذي تتجه الاجتهادات القضائية إلى التراجع عن المبادئ التقليدية لتنفيذ الأحكام ضد الإدارة، مبتكرة عدة أساليب وطرق تحمل الإدارة على تنفيذ منطوق الأحكام الصادرة ضدها لفائدة المحكوم له، إلا أنه وفي توجه غريب تضمن مشروع القانون المالي رقم 70.19 لسنة 2020 في المادة 09 منه (المادة 8 مكررة من مشروع قانون المالية 2017) بند يتعلق بعدم جواز الحجز على أموال الإدارة سالبة بذلك أهم إجراء بيد القضاء الذي يستعمله كآلية قانونية لتنفيذ الأحكام الصادرة عنها وحملها على الوفاء بالتزاماتها. هذه المادة تمت إعادة تضمنينها في مشروع القانون المالي بالرغم من النقاش الذي أثارتها والانتقادات الشديدة لحقتها سنة 2017، وبالرغم أيضا من إسقاطها من طرف مجلس المستشارين انذاك والتأكيد الذي لقيه هذا الإسقاط من طرف مجلس النواب في إطار القراءة الثانية له. وفي نفس السياق لا بد من إثارة الانتباه إلى النقط التالية 1. مضمون المادة تنص المادة 9 من مشروع قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية على ما يلي: "يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية. في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داحل أجل أقصاه ستون (60) يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية. يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بالصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة. غير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذه الغاية" 2. ملاحظات عامة: لا بد من التأكيد على مجموعة من العموميات ربما غابت عن واضع النص والمتمثلة في: · الدستور المغربي أسس لفصل السلط واستقلال السلطة القضائية حماية وصيانة للاختيار الديمقراطي، وهذا ما يتجلى في بسط القضاء لرقابته على أعمال وتصرفات الإدارة التي لن تكون لها نجاعة إلا بتنفيذ الأحكام ، إذ أن عدم القيام بذلك يعني أن القضاء وإن نطق بحكمه لن يكون له أثر بدون تنفيذ مضمونه في مواجه الوحدة الإدارية المعنية، وبالتالي نفي لمقولة السلطة تحد السلطة الذي يقوم عليه مبدأ فصل السلط. · كما نجد الدستور المغربي لسنة 2011 لأول مرة أولى حماية خاصة للأحكام القضائية من خلال الفصل 126 الذي جاء فيه أن " الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام." وهذا توجه محمود يؤمن عملية الوفاء والالتزام بما صدر عن المحاكم، إذ يمكننا من إيجاد سند يبرر التنصيص على مقتضيات تساعد القضاء على فرض احترام أحكامه بالوسائل التي تحمي الحقوق والحريات الفردية، وبالتالي لا مجال من تضييق تنزيل هذا الفصل الدستوري على أرض الواقع بغل أيادي القضاء بالمغربي ومنعه من اللجوء أو استعمال وسيلة الحجز على اموال المؤسسات والجماعات الترابية . · تجسيد جوهر الرقابة يكون في تنفيذ الأحكام حماية للحقوق وجبرا للضرر، بحيث التجأت المحاكم بالمغرب إلى الحجز على أموال ومنقولات المرفق العمومي إذا لم تكن لازمة لسير المرفق، ولم تكتفي المحاكم الإدارية بالحجز التنفيذي على الأموال المتواجدة بين يدي الإدارة الممتنعة، بل قامت بإيقاع الحجز على أموال الإدارة المتواجدة بين يدي الغير، أي أنها سلكت مسطرة الحجز لدى الغير. · برر جانب من الفقة الإداري عدم إمكانية القيام بالإجراءات الجبرية ضد الإدارة وخصوصا الحجز على أموالها العامة لأنها بمثابة الرجل الشريف الذي يفي بالتزاماته المالية ولكونه يعتبر ملء الذمة ويعبر عن ذلك لا فريير بقوله ” إن دائن الدولة لن يكون بحاجة أصلا لاستخدام طرق التنفيذ ضدها طالما أن الدولة بحكم تعريفها مليئة الذمة وموسرة كما أنه يجب النظر إليها دائما كرجل شريف” · جاء في إحدى الأوامر الصادرة عن إدارية الرباط جاء فيه "إذا كان لا يجوز الحجز على أموال المؤسسات العمومية فلكونها مليئة الذمة وليس لكون أموالها عمومية ما دام لا يوجد أي نص قانوني يمنع حجزها ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر، فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لفائدته، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة المذكورة نظرا لصيغة الإلزام التي تفرضها بحكم القانون، الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ." 3. ملاحظات خاصة : إعادة تضمين المادة 8 مكررة من مشروع قانون المالية برسم سنة 2017 يجب أن يكون موضوع نقاش واستفهام من طرف جل الباحثين لكي يستحضر المشرع ومقترح النص أنه محل رقابة وتتبع، فالمسألة تستدعي الوقوف على بعض النقط، والتي نجملها في: · ما سبب إصرار الحكومة على تضمين هذه المادة في مشروع القانون المالي، ما أسباب نزول هذه المادة؟، هل يتعلق الأمر بإشكال مطروح على المستوى العملي؟، هل نتج ضرر عن اللجوء إلى الحجز على الأملاك والأموال العمومية؟، على هناك كثرة أو إفراط في سلك المسطرة من طرف القضاء؟. · تكرر لفظ "في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة" ثلاث مرات ولو بصيغ مختلفة، وبهذا يكون تنفيذ الأحكام مقترن بالاعتمادات المفتوحة دون أن يتعداها. · لماذا لم تعمل الحكومة على إصدار قانون يهم تنفيذ الأحكام القضائية ويفصل في المادة 9 وفق ما تعهد به السيد الوزير المالية السابق امام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب في إطار القراءة الثانية لمشروع القانون المالي لسنة 2017 ( تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية حول مشروع قانون رقم 76.16 ص 8 و9 منشور في موقع مجلس النواب)، واكتفت في المقابل بإعادة توطين المادة 8 مكررة. · هل هناك اختلاف بين رؤية وزارة العدل ووزارة المالية في مسألة تنفيذ الأحكام القضائية بحيث أن توجه وزارة العدل الذي يتضح من خلال مشروع قانون المسطرة المدنية يناقض توجه المادة 9: ففي الباب الثالث مكرر من مشروع قانون المسطرة المدنية والذي يتحدث عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام قاصدا بها الدولة وإداراتها والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وهيئاتها (المادة 21-451 ) تم التأكيد : · على وجوب تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر القضائية القابلة للتنفيذ من قبل أشخاص القانون العام الصادرة في مواجهتهم، بحيث يبلغ المكلف بالتنفيذ داخل أجل عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب، نسخة من طلب التنفيذ وصورة من السند المراد تنفيذه إلى الجهة المنفذ عليها مع إعذارها بالتنفيذ اختياريا حالا أو بتعريفها، وإذا تعلق التنفيذ بالقيام بعمل أو الامتناع عنه، أمكن لقاضي التنفيذ أن يمنح مهلة بناء على طلب أقصاه تسعون يوما من يوم الإعذار بالتنفيذ.وإذا تعلق التنفيذ بأداء مبلغ مالي ولم تتوفر اعتمادات في ميزانية السنة الجارية لتنفيذه، تم هذا التنفيذ داخل أجل أقصاه تسعون يوما من تاريخ المصادقة على ميزانية السنة الموالية . · على اعتبار أشخاص القانون العام في حالة امتناع عن التنفيذ في مرور هذه الأجال الذي يثبت بمحضر يحرر طبقا للقواعد العامة للقانون ، وفي نفس السياق سمحت المادة 24-451 من المشروع لقاضي التنفيذ الأمر بغرامة تهديدية في مواجهة شخص القانون العام المنفذ عليه أو المسؤول شخصيا عن التنفيذ أو عليهما معا. · على جوازية الحجز التنفيذي على الأموال والعقارات الخاصة لأشخاص القانون العام وإقرار المسؤولية الشخصية المدنية التي تطبق ضد الموظفين في مجال تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الإدارية، وإلزام الموظف المخالف والممتنع عن التنفيذ أن يقدم تعويض مالي إلى المحكوم لصالحه.وأيضا المسؤولية التأديبية إذ أن أهم واجبات الموظف هو احترام الأحكام والقرارات القضائية فامتناع الموظف عن التنفيذ أو قيامه بعرقلته أو تراخيه في تنفيذه أو تنفيذه على وجه غير صحيح ينم على إخلال بواجبات الوظيفة وإهدار لحجية الشيء المقضي به فهو جريمة تأديبية مقرونة بالجزاء، وفق المادتين على التوالي 451-25 و451-26 . كما أن المادة التاسعة موضوع الدراسة خالفت توجه للمحكمة الدستورية (في حالة مشابهة تقريبا) في قرار لها رقم 728.08 سنة 2008 الذي منع الحكومة من سن إجراءات بطبيعتها خارجة عن نطاق اختصاص القانون المالي، بحيث أن سن مسطرة خاصة لتحصيل الغرامات لا يمكن إدراجها ، بحكم طبيعتها ، ضمن الأحكام التي تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل المنصوص عليها في المادة 3 من القانون التنظيمي لقانون المالية ، مما يجعلها خارجة عن نطاق اختصاص قانون المالية ؛ وحيث إنه ، تأسيسا على ما سبق بيانه ، فإن أحكام البند II من المادة 8 من قانون المالية لسنة 2009 مخالفة للدستور ؛" هذه المادة تثير المخاوف من جديد حول تنفيذ الأحكام، للاعتبارات السالف بيانها أعلاه، ونظرا لما يلي: · مشروع المسطرة المدنية جعل التنفيذ ممكنا امام المحاسب العمومي (الفقرة الثالثة من المادة 451-23) بينما في المادة 9 موضوع الدراسة ضيقته وجعلته أمام الآمر بالصرف فقط. · عدم ربط التنفيذ بآجال معقولة وواضحة كما هو الشأن مع مشروع قانون المسطرة المدنية. · تضييق التنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة، ولم يتم توضيح ما العمل في حالة عدم كفايتها وتعدد المطالبين بمستحقاتهم، ولم تقم بإجبار الآمر بالصرف بإجراءات قابلة للتطبيق والقياس والمساءلة لحمله على التنفيذ بل اكتفت المادة بحثه عل بذل المجهود من أجل توفير الموارد اللازمة دون أن تلزمه بتحقيق نتيجة. · هذه المادة في صيغتها الواردة في مشروع القانون المالي لسنة 2017 كانت محط رفض من طرف إحد الجمعيات المهنية للقضاة المتمثلة في " نادي القضاة" والذي أكد مكتبه التنفيذي أن ما تضمنته مقتضيات "المادة الثامنة مكرر" من مشروع قانون المالية رقم 73.16 لسنة 2017 من منع لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية عن طريق الحجز، يشكل مسا واضحا بمبدأ فصل السلط المنصوص عليه دستوريا. وبالبناء على ما تقدم يجب على الحكومة أن تبين سبب إصرارها على إعادة التنصيص في قانون المالية على هذه المادة بعد إسقاطها من طرف البرلمان، والأكثر من ذلك يجب أن تعمل على سحب هذه المادة لأن مكانها الحقيقي هو قانون المسطرة المدنية، ولعدم تقديمها ضمانات حقيقة على تنفيذ الأحكام تجاه الإدارة.