MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



هل يشكل انتقاد القضاة لمشاريع القوانين خروجا على واجب التحفظ؟ مجرد رأي على هامش قضية آمال

     


أنس سعدون
عضو نادي قضاة المغرب
عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية



هل يشكل انتقاد القضاة لمشاريع القوانين خروجا على واجب التحفظ؟  مجرد رأي على هامش قضية آمال
 
تداولت عدد من المنابر الاعلامية نبأ استدعاء القاضية آمال حماني عضوة نادي قضاة المغرب لجهاز المفتشية العامة لوزارة العدل مؤخرا على خلفية بعض المقالات والتدوينات، التي سبق أن نشرتها في صفحة "نادي قضاة المغرب" على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وبحسب بلاغ المفتشية فإن تحركها جاء بناء على طلب بعض البرلمانيين، الذين اعتبروا هذه المنشورات تهديدا لهم وخرقا لواجب التحفظ والأخلاقيات المهنية! فهل فعلا تشكل تدوينات "آمال" خروجا على واجب
تحفظ القضاة ؟

يمكن القول بداية أن المادة 111 من الدستور تنص على أنه :"للقضاة الحق في التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية".

فالمادة 111 من الدستور ضمنت للقضاة ممارسة حقهم في التعبير ولم تقيد ممارستهم بهذا الحق سوى بضرورة مراعاة واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، وإذا كان القانون لم يوضح المقصود من واجب التحفظ، فإنه يمكن الاهتداء بالمعايير الدولية في هذا المجال .

فالاتحاد العالمي للقضاة يقارب مفهوم واجب التحفظ من زاوية أن يمارس القاضي  واجباته باعتدال وكرامة باحترام مهامه وأي شخص معني، وتؤكد مبادئ الأمم المتحدة لاستقلال السلطة القضائية في مادتها الخامسة عشر على أن القضاة ملزمون بالمحافظة على سر المهنة فيما يتعلق بمداولاتهم وبالمعلومات السرية التي يحصلون عليها أثناء أداء واجباتهم الأخرى خلاف الإجراءات العامة.

ومن ثم يلاحظ أن المعايير الدولية تركز على الربط بين واجب التحفظ والممارسة المهنية القضائية، وهي ذات المقاربة التي كرسها الاجتهاد القضائي الفرنسي فإذا كانت النصوص القانونية بفرنسا لا تسعف للعثور على تعريف محدد لواجب التحفظ إلا أن المجلس الأعلى للقضاء الفرنسي، قدم العديد من التطبيقات لهذا المفهوم، وهو بصدد البحث في بعض الملفات التأديبية للقضاة، وهكذا حرص المجلس على التأكيد على حق القاضي في ممارسة حقوقه كأي مواطن، وان حريته في التعبير تمارس دون تضييق متى تم ذلك داخل الإطار التمثيلي للقضاة.

ومن تطبيقات واجب التحفظ:
 
  1. ان لا يقوم القاضي بالتعليق على الأحكام التي يصدرها هو نفسه او زملاؤه.
  2. ان يحافظ على سرية المداولات والسر المهني،
  3. ان لا يعطي رأيه المسبق فيما يمكن ان يعرض عليه من نوازل.
وقد أكد المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا بكون واجب التحفظ لا يمنع مشاركة القاضي في صياغة النصوص كما لا يمنعه من اتخاذ مواقف جماعية عمومية لجمعيات القضاة المؤسسة وفق القانون.

حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى للقضاء مؤرخ في 09/10/1987 بأن القاضي ليس ملزما  بالصمت والتبعية، و أن مبدأ حريته في التفكير و الرأي والتعبير هو نفس ما يؤسس لحقه في الإستقلالية الذي يميزه عن الموظف.

من كل هذا إذا كان المنسوب للزميلة آمال حماني فعلا هو ما جاء في بلاغ المفتشية، ومفاده أنها نشرت تدوينات في صفحة التواصل الاجتماعي اعتبرها بعض البرلمانيين تهديدا لهم وخروجا على واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، فإن ذلك يدفعنا لمقاربة التعليقات المنشورة للقاضية آمال بمفهوم واجب التحفظ كما حددته المعايير الدولية، وفي هذه الحالة سنلحظ أن تلك المنشورات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكل خروجا عن واجب التحفظ، وذلك ما يمكن تأكيده باستحضار عدة سياقات :

من جهة أولى : سياق النشر وهو سياق خاص أي أن التعليق نشر في صفحة نادي قضاة المغرب على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وهي صفحة محدودة المتابعة ولا تحقق شرط العلنية كما هو الحال بالنسبة للنشر في الموقع الرسمي للنادي أو باقي وسائل الاعلام العمومية من صحف واذاعات وقنوات تلفزيونية،

وحري بنا في هذا المقام أن نستحضر قرار محكمة النقض بفرنسا الذي نقض قرارا قضائيا سابقا، يدين مواطنة فرنسية نشرت ألفاظ قدحية بحق مشغلتها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ومطالبتها بالتعويض المادي والمعنوي. واعتبرت المحكمة أن هذه الحجة والسب الذي بنيت عليه الدعوى لا يمكن أن يعتبر علنيا لكونه وضع على صفحة شخصية محدودة المتابعة وان المطلعين عليها هم اشخاص لا تجمعهم سوى روابط اجتماعية بسيطة. كما أن الحيز الذي وضعت عليه هذه الاتهامات كان شخصيا وخاصا، بعكس المنابر الاعلامية التي تضم عددا كبيرا من المتابعين والذي يحقق شرط العلنية .

من جهة ثانية : مضمون التعليق وهو عبارة عن رأي صادر في اطار جمعوي، ومن ثم لا يمكن ادراجه ضمن الحالات التي اوردها الاجتهاد القضائي المقارن بخصوص الخروج عن واجب التحفظ، فالأمر لا علاقة له بما هو قضائي محض، إذ لا يشكل مسا بسرية الأبحاث ولا افشاء لسرية المداولات ولا افشاء لأسرار تم الاطلاع عليها بحكم أداء الوظيفة، انه تعليق حر من صميم العمل الجمعوي، وبتأمل التعليق الذي أشارت اليه المفتشية العامة في بيانها يتبين أنه عبارة عن تعليق يستعمل تعبيرات مجازية لا يمكن أبدا أن نخضعه للمساءلة ففي ذلك حجر على الفكر، ومحاسبة للنوايا بشكل مسبق .

زميلتنا آمال لم تخطئ قط، حينما شاركت خاطرتها عددا من زملائها من قضاة وحقوقيين، وقد جاءت خاطرتها لدق ناقوس الخطر حول مخاطر اعتماد مشروع القانون التنظيمي الجديد للسلطة القضائية، وموقف آمال في هذه النازلة هو موقف يندرج ضمن تحرك جماعي وليس مجرد ممارسة فردية معزولة، فما قالته آمال هو جزء من منظومة افكار وتصورات صدرت عن أجهزة نادي قضاة المغرب، وائتلاف الجمعيات المهنية القضائية والنسيج المدني المكون من عدد من الجمعيات، وهو موقف يشكل إحدى التمظهرات الحضارية الواعية للمعايير الدولية لاستقلال القضاء، ونشير في هذا الصدد إلى الميثاق العالمي لاستقلال العدالة الصادر بموريال بكندا سنة 1983 والذي نص في مادته التاسعة على ما يلي:

"على القضاة أن يعملوا بصفة جماعية على حماية استقلالهم المهني.."
ان انتقاد القانون بشكل عام وقانون يدخل ضمن صميم اهتمام الجمعيات المهنية القضائية لا يمكن أبدا أن يشكل خروجا على واجب التحفظ ، بل هو من صميم عمل الجمعيات المهنية القضائية التي لم تتأسس إلا للدفاع عن مبادئ استقلال القضاء، وكل من يقول العكس انما يهدف لتحويل الجمعيات المهنية القضائية إلى جمعيات فارغة هدفها التصفيق فقط وهو ما لا نقبله أبدا على نادي قضاة المغرب .
 




الاحد 20 ديسمبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

عناوين أخرى
< >

الاثنين 14 ديسمبر 2015 - 14:24 مَوسم "تأديــب" القضاة !


تعليق جديد
Twitter