المقدمة :
لقد أدرك المشرع المغربي أن التشريعات السابقة لم تعود قادرة عن مسايرة و مواجهة الصعوبات التي تعترض المقاولة بإعتبارها جزءا هاما لا غنى عنها في تحريك العجلة الإقتصادية، هذه الصعوبات فرضتها عدة تحولات كونية في عدة مجالات، والتي طبعا لا يمكن للإقتصاد المغرب أن يبقى بمعزل عنها ، لذلك عمل المشرع على مواجهة هذه التحديات بعصرنة الإقتصاد و تحديث القوانين، وخلق توازن إجتماعي بين المقاولين أو المنعشين الإقتصاديين وبين الدائنين و العمال من جهة ثانية.
وعليه فإن الفلسفة التشريعية الجديدة التي إعتمدها المشرع المغربي هو جعل القانون قاطرة نحو خدمة أهداف إقتصادية و إجتماعية من شأنها أن تحقق التوازن المرغوب بين مصالح المجتمع و الدولة على حد السواء في إنعاش النشاط الإقتصادي للمقاولة من جهة وتوفير فرص التشغيل من جهة ثانية ، ولتحقيق هذا الوضع كان لابد من التفكير في إيجاد صيغة قانونية حديثة و مرنة تكفل نجاح هذه الأهداف فتم إحداث نظام صعوبات المقاولة ضمن مدونة التجارة بهدف مساعدة المقاولة التي تعاني من صعوبات على تسوية وضعيتها و إنقاذها، وكذا إنقاذ وحدات الإنتاج و الشغل وموارد الدولة ....[1]، و بالمقابل تم الإستغناء عن نظام الإفلاس الذي ظل عاجزا عن معالجة الصعوبات التي كانت تعترض المقاولة بالرغم من أنه عمر طويلا بالمدونة.
ومن خلال تصفحنا للإطار القانوني المنظم للصعوبات المقاولة إستوقفتنا ملاحظة هامة وهي غياب تعريف قانوني لهذ النظام، لهذا إرتأينا إستجلاء أراء الفقهاء بخصوص تحديد مفهومه، فإستقرنا على أهم تعريف وهوإعتبار صعوبة المقاولة أنها عجز التاجر أو الشركات التجارية أو الحرفي عن مواجهة الخصوم بالأصول القابلة للتصرف و تأديتها للدائنين[2].
ويجد هذا النظام أهميته العملية في تمكن العديد من المقاولات من إستعادة عافيتها بعد وقوعها في صعوبات مالية وإقتصادية بفضل الحلول العلاجية الملائمة التي جاء بها والتي تقوم على مبدأ التدرج في علاج المقاولة، ومعناه أن المقاولة تمر عبر طرق وسبل علاجية تستعيد من خلالها عافيتها في حالة وقوعها في صعوبات من شأنها أن تعصف إما بوضعيتها الإقتصادية أو المالية أو أو هما معا . هذه الطرق أو السبل تتمثل في نظام الوقاية كمرحلة الأولى -عندما تكون المقاولة لا تدعوا إلى القلق-، ثم مرحلة معالجة صعوبات المقاولة بسبب وجودها في الوضعية إما مختلة بشكل لا رجعة فيه أو ليست مختلة بشكل لا رجعة فيه .
لكن ما يهمنا في هذا البحث المتواضع هو هذ الأخير نظام معالجة المقاولة القائم على مسطرة التسوية القضائية أو التصحيح القضائي و التصفية القضائية، هذه المسطرة التي نظمها المشرع ضمن القسم الثاني من الكتاب الخامس من مدونة التجارة[3] من المواد 560 إلى غاية المادة 618 ، تعتبر من أبرز و أهم السبل العلاجية التي تضمن للمقاولة بقائها وإستمراريتها...لكن السؤال الذي يسائلنا جميعا هنا هو ماهي التدابير التي يوفرها هذا النظام في سبيل تحقيق هذه الحماية ؟
هذا ما سنتناوله من خلال تقسيمنا الموضوع إلى مطلبين، (المطلب الأول) سنخصصه للحديث عن التدابير الأولية لمعالجة المقاولة ، في حين سنخصص (المطلب الثاني) للحديث عن التدابير المالية وإختيار الحل.
المطلب الأول : التدابير الأولية لمعالجة المقاولة
وهي عبارة عن إمتيازات قانونية و مالية و إقتصادية خولها المشرع المغربي لأطراف نظام المعالجة بغرض إنقاد المقاولة، فمنها ماهو مرتبط بإستمرار الإستغلال أو النشاط الإقتصادي وسلطات رئيس المقاولة و السنديك ( الفقرة الأولى) ومنها ماهو مرتبط بالعقود الجارية أو العقود في طور التنفيذ ( الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : إستمرار الإستغلال أو النشاط الإقتصادي وسلطات رئيس المقاولة و السنديك
ستناول في هذه الفقرةأولا إستمرار الإستغلال أو النشاط الإقتصادي، وثانياسلطات رئيس المقاولة و السنديك.
أولا : إستمرار الإستغلال أو النشاط الإقتصادي
لقد نص المشرع المغربي على هذه الألية ضمن الفقرة الأولى من المادة 586 حيث نص على أنه " يتابع نشاط المقاولة بعد إصدار الحكم بالتسوية القضائية " ومفاده أنه يجوز لرئيس المقاولة أن يستمر في متابعة و تسيير النشاط الإقتصادي للمقاولة[4] بكيفية عادية وبشكل طبيعي طيلة المرحلة الإنتقائية تحت إشراف ومراقبة دقيقة للمحكمة التي تحدد طبعا شكل وطريقة تسيير المقاولة بعد إصدارها للحكم بالتسوية القضائية[5].
ولعل ما يفسر إبقاء المشرع المغربي على مواصلة المقاولة نشاطها بالرغم من فتح مسطرة التسوية، هو منح لأطراف المسطرة الوقت الملائم لإعداد الحل المناسب و الفعال لإخراج المقاولة من هذه الصعوبات التي تعترضها، وبغية الوصول إلى هذا الحل فإن المشرع وضع أليات قانونية و إقتصادية و مالية تضمن للمقاولة الأمل في الإبقاء على نشاطها.
وتتمثل هذه الأليات أو المزايا في عدم سقوط أجل الديون ثم وقف و منع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل صدور الحكم، أيضا منع أداء الديون السابقة أو الناشئة قبل صدور الحكم، وكذا وقف سريان الفوائد، ثم وضع نظام جديد يحكم العقود الجارية أو التي في طور التنفيذ، و أخيرا خلق ألية جديدة تشجع على تمويل المقاولة و لو أنها في طور المعالجة .
فيما يخص أجل الديون فإنه لايسقط عند فتح مسطرة التسوية القضائية بدليل الفقرة الثالثة من المادة 555 من المدونة التي نصت على أنه " توقف تبعا لذلك الأجال المحددة تحت طائلة سقوط الحقوق أو فسخها "، ومن تم يحق للمدين أي رئيس المقاولة طيلة هذه الفترة أن يؤذي ماذمته مادام أن الأجل لازال قائما، وهذا الإمتياز يشكل ضمانة مهمة للمدين تمنح له فرصة لأداء ديونه إذا كان قادرا على ذلك، وهذا من شأنه أن يجنبه الخوض في التعقيدات التي تطرحها مسطرة التسوية القضائية كطول الإجراءات و إستنزاف الوقت و المصاريف، وتفاديا كذلك الوقوع في التصفية القضائية .
كما يمنع ويوقف حكم فتح مسطرة المعالجة كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل صدور هذا الحكم إذا كانت ترمي إلى الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال، أو فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال، كما يوقف كذلك كل إجراء للتنفيذ يقيمه هؤلاء سواء على المنقولات أو العقارات وكذا الأجال المحددة تحت طائلة السقوط أو الفسخ.
وقد نصت مدونة التجارة على هذا الأمر ضمن الفقرة الثانية من المادة 555 حيث جاء فيها أنه "يوقف هذا الأمر كل دعوى قضائية يقيمها كل دائن ذي دين سابق للأمر المشار إليه..."، وهو ما إستقر عليه القضاء المغربي في أحد قراراته[6] حيث قضى على أن " حكم فتح مسطر التسوية القضائية يوقف كل الدعاوى القضائية الرامية إلى الحكم على المدين من أجل ديون نشأت قبل صدور الحكم المذكور عملا بمقتضيات المادة 653 من م ت " ، وفي قرر[7] أخر قضى القضاء المغربي " أن حكم فتح مسطرة التسوية القضائية يوقف ويمنع كل دعوى قضائية وكل إجراء للتنفيذ يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور عملا بمقتضيات المادة 653 من م ت ".
وتتمة لما سبق فإن حكم فتح مسطرة المعالجة يمنع المقاول من أداء الديون السابقة أو الناشئة قبل صدور الحكم سواء كان هذا الأداء كليا أو جزئيا، ولقد جاء هذا المنع صريحا ضمن المادة 555 من مدونة التجارة حيث نصت على أنه " يمنع الأمر القاضي بالوقف المؤقت للإجراءات، تحت طائلة البطلان، السداد الكامل أو الجزئي لأي دين سابق لهذا الأمر...".
وفي نظرنا فالمشرع كان موفقا في ذلك حماية المقاولة وتعزيز مبدأ المساواة بين الدائنين ويتماشى مع أهداف مشروع مخطط التسوية الذي ينبغي أن يحدد طرق أداء الخصوم والضمانات المحتملة التي يشترطها كل شخص لضمان تنفيذه، وبالمقابل يجعل مسطرة التسوية في منأى عن أي فشل و فقدان قيمتها ومكانتها ودورها البارز المتمثل في تحقيق أخف الضررين أي الخروج من الأزمة بحل وسطي يرضي أطراف المسطرة و يعيد الأمور إلى نصابها .
ويشمل هذا المنع جميع الديون كيفما كانت طبيعتها، ويقع باطلا كل عقد أو تسديد للديون نشأت قبل حكم فتح مسطرة التسوية القضائية .
كما يوقف حكم فتح مسطرة المعالجة سريان الفوائد القانونية و الإتفاقية، ويقصد بالفوائد القانونية تلك المحددة بنص قانوني وهي مترتبة عن التأخير في الأداء حددها المشرع في 60 في المئة، جاء في قرار[8] محكمة النقض " الفوائد القانونية هي فوائد مترتبة عن التأخير في الأداء ومنظمة بنص قانوني خاص هو الفصل 875 ق ل ع الذي ينص غلى أنه في الشؤون المدنية والتجارية يحدد السعر السعر للفوائد بمقتض نص قانوني خاص و المرسوم الصادر في 1950/06/16 الذي حدد الفائدة ".%60 القانوني في
، و إذا تجاوزت %7عن أما الفوائد الإتفاقية هي ما يتفق الطرفين على تحديد سعرها بشرط ألا تزيد
هذا الحد وجب تخفيضها ويتعين على من تسلمها رد الزيادة.
ولا تخفى أهمية هذا الأثر و فعاليته على مخطط تسوية المقاولة المتعثرة، السبب الذي دعا المشرع إلى الأخد به على إطلاقه[9] طبقا للمادة 692 من المدونة التي جاء فيها أنه " يوقف حكم فتح المسطرة سريان الفوائد القانونية و الإتفاقية وكذا كل فوائد التأخير وكل زيادة "، ومعناه أنه عندما تفتح المحكمة مسطرة المعالجة فإن جميع الفوائد الناتجة عن التأخير في سداد الديون تتوقف، ولا تسري إلا إبتداء من تاريخ الحكم المحدد لمخطط الإنقاذ أو المحكم المحدد لمخطط الإستمرارية بصريح النص 693 من مدونة التجارة.
ومن الأليات القانونية أيضا التي وفرها المشرع المغربي لضمان إستمرارية إستغلال النشاط الإقتصادي للمقاولة أنه وضع نظام جديد يحكم العقود أو التي في طور التنفيذ يصب في صالح المقاولة المتعثرة قصد إنقاذها ومعالجة صعوباتها في ظروف تتلائم مع إمكاناتها، كما خلق ألية جديدة تشجع على تمويل المقاولة ولو أنها في طور المعالجة، خطوة تجسد الإبتكار الرامي إلى إنقاذ المقاولة وتسوية وضعيتها رغم مافيها من تضحية وضرب لمصالح الدائنين أصحب الرهون و الإمتيازات.
ثانيا : سلطات رئيس المقاولة و السنديك
لقد حدد المشرع المغربي ضمن592، 593، 594 من مدونة التجارة سلطات كل من رئيس المقاولة و السنديك، فيما يخص هذا الأخير فإنه يقوم إما مراقبة عمليات التسيير التي تعتبر من إختصاصات رئيس المقاولة، وفي هذه الحالة يتعين على السنديك أن يكون يقظا في مراقبته للأعمال المتعلقة بالتسيير، وإما بمساعدة رئيس المقاولة في جميع الأعمال التي تخص التسيير أو في بعضها حيث يتقاسم الطرفين عملية تسيير المقاولة، و إما أن يقوم لوحده بالتسيير الكلي أو الجزئي للمقاولة المفتوحة ضدها المسطرة الأمر الذي يترتب عنه أن سلطات التسيير تنزع من رئيس المقاولة ليتم إسنادها إلى السنديك الذي يتعين عليه أن يعمل على إحترام كافة الإلتزامات القانونية و التعاقدية .
وتتجلى مهام السنديك عند تعيينه كمراقب على عمليات تسيير المقاولة في ملاحظة ما إذا كان التسيير طبيعيا و جديا أو ضعيفا قد تنتج عنه نتائج كارثية يضمنه في تقرير يرفعه إلى المحكمة منبها و مبينا أنواع المخالفات المرتكبة ومطالبا بتغيير هذا النمط من التسيير الأمر الذي قد يدفع المحكمة إلى إتخاد قرار يحدد بموجبه مصير رئيس المقاولة و بالمقابل حلول السنديك محل رئيس المقاولة لضمان إنقادها أو مساعدا له في التسيير .
أما عند تعيينه مساعدا لرئيس المقاولة في عمليات التسيير من قبل المحكمة، فهذا المساعدة قد تتم بشكل كلي أو جزئي أو أن تقتصر على بعض العمليات التي قد تتسم بنوع من الخطورة أو لسوء التسيير أو قلة الخبرة والكفاءة لدى رئيس المقاولة وغيرها من الأسباب الموضوعية أو الطارئة الأخرى، إلا أنه يتعين على المحكمة أن تقوم بتحديد هذه المساعدة بدقة تامة وكاملة[10].
أما عندما يتولى السنديك مهمة تسيير المقاولة لوحده فقط، فإن هذه المهمة قد تتم بشكل كلي أو جزئي هو ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 592 من المدونة التي نصت على "...إما بأن يقوم لوحده بالتسيير الكلي أو الجزئي للمقاولة ". فهذا النوع من التسيير تعتمده المحكمة حينما تلاحظ وجود سوء تسيير من قبل رئيس المقاولة أو عدم قدرته على تحقيق مرامي و أهداف المرحلة الإنتقالية[11]، حيث يضحى السنديك في هذه الحالة هو المخاطب و الممثل الوحيد لرئيس المقاولة بالمقابل ترفع يد المدين المقاول بقوة القانون عن تسيير أمواله والتصرف فيها والتقاضي .
و تجدر الإشارة في الأخير أن المحكمة هي من تحدد هذه السلطات ويمكنها أن تقرر في أي وقت تغيير هذه المهام وذلك إما تلقائيا أو بطلب من السنديك بدليل الفقرة الأخيرة من المادة 592 من مدونة التجارة[12] التي تنص على أنه " يمكن للمحكمة أن تغير في أي وقت مهمة السنديك بطلب منه أو تلقائيا".
الفقرة الثانية : العقود الجارية أو في طور التنفيذ
لم تتوحد الرؤى التشريعية ولا حتى الفقهية أو القضائية حول المفهوم المقدم للعقود جارية التنفيذ، هذا إن دل على شيء فإنه يدل على وجود صعوبة واضحة في تقديم تحديد دقيق للمعنى لهذه العقود، هذا لأن مفهومه يتباين بحسب مجال بحثه مما ينعكس بالضرورة على المعنى السليم لها.
ولئن كان عدم تحديد المشرع المغربي لمفهوم العقود الجارية أو في طور التنفيذ له مايبرره، فإن الفقهاء والشراح لقانون صعوبات المقاولة تضع على عاتقهم تقديم مفاهيم دقيقة لهذا المفهوم حتى تطبق النصوص القانونية في مسارها الصحيح[13]، وعلى هذا الأساس إرتأى البعض تعريفها على أنها تلك العقود التي أبرمها رئيس المقاولة مع الأغيار المتعاقدين والتي لم تنقضي أثارها الرئيسية بعد صدور حكم فتح مسطرة المعالجة، وبمعنى أخر العقود التي تستمر أو تجري أثارها حتى بعد صدور حكم فتح المسطرة[14].
وبهذف مواصلة المقاولة نشاطها الإقتصادي بشكل أفضل، خول المشرع للسنديك لوحده صلاحية المطالبة بتنفيذ العقود جارية التنفيذ المبرمة مع المقاولة أو التخلص منها دون إذن من القاضي المنتذب أو رئيس المقاولة[15]، ذلك أن السنديك أقرب إلى المقاولة من القاضي المنتذب، حيث يغوص في مشاكلها و أسرارها ويقترح الحلول الملائمة لعلاج صعوبتها ثم إنقاذها نهائيا بصرف النظر عن طبيعة المهمة الموكولة له في إطار هذه المسطرة .
وبالعودة إلى المادة 588 من مدونة التجارة نجدها قد نصت على أنه " بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة أو المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة، ويفسخ العقد بقوة المقاولة القانون بعد توجيه الإنذار إلى السنديك يظل دون جواب لمدة تفوق شهرا....عندما لا يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد، يمكن أن يؤذي ذلك إلى تعويض عن الأضرار ..." . ومفاذ هذا المقتضى أن السنديك يكون أمامه إختيارين عند فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، إما متابعة تنفيذ العقود الجارية أو في طور التنفيذ و إما التراجع أو التخلص من هذه العقود، ويفرض إعتبار العقد جاري التنفيذ أن يكون قد نشأ قبل فتح مسطرة المعالجة و ألا يكون قد إنقضى بمجرد فتح هذه المسطرة، فإذا إستدعت ظروف المقاولة المالية والإقتصادية الإبقاء على العقود القائمة أو التي في طور التنفيذ التي أبرمت سابقا أي قبل إخضاع المقاولة لمسطرة المعالجة، فإن السنديك يقرر الإبقاء عليها بل وتنفيذها كذلك ، الأمر الذي يضعنا أمام تصورين إما :
أ- تمديد العقود الجارية التنفيذ : حيث ينفذ كل المتعاقدين إلتزاماتهما العقدية في حدود ما يقضي به العقد، فالمقاولة تلتزم هنا بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد معها والتي قد تتخد شكل أداء الثمن أو تقديم الخدمة في الوقت المتفق عليه[16]، إلا أنه قد يحدث ألا ينفذ أحد المتعاقدين أو كلاهما إلتزاماته ونتيجة لذلك يتم وقف تنفيذ العقد، وهذا مايتعارض طبعا مع حكم المادة 586 التي تنص على إستمرارية نشاط المقاولة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية.
ب- التصور التمديدي الضيق للعقود جارية التنفيذ : هذا التصور فرضته بعض الأحكام القضائية إما بسبب وجود إلتزامات ذات خاصية لم تنفذ، ونضرب هنا مثال عن المتعاقد الذي يكون قد نفذ كل إلتزاماته إتجاه المقاولة قبل فتح المسطرة لكن العقد يبقى جاريا لم ينفذ من قبل السنديك، وهو ما يجسده هذا القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بقولها " من الواضح أنه إذا كان المتعاقد مع المقاولة قد نفذ كل إلتزاماته قبل تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية، فإن العقد لا يعد جاريا حسب الفصل 37 من قانون 25 يناير 1985 و أن المتصرف القضائي لا يمكن أن يفرض مواصلة العقد"، أما السبب الثاني فيتمثل في أن التمديد ذو خاصية نوعية كما حددته المادة 588 من المدونة، إذ خلاله يتمكن المتعاقد من الإستفادة من إمتيازات و ضمانات مهمة، هذه الخاصية تظهر من خلال تأكد السنديك ما إذا كان قد نفذ قبل فتح المسطرة أم لا.
وقد يتسائل البعض عن السبل الكفيلة لتنفيذ هذه العقود لاسيما وأن المقاولة دخلت في حالة عجز عن أداء ديونها، الجواب هنا يتحدد حسب وضعية المقاولة، فإذا كانت في وضعية ميؤوس منها أي على عتبة الوقوع في التصفية القضائية فإنه يصعب في هذه الحالة تنفيذ العقود الجارية التي أبرمت قبل فتح مسطرة المعالجة، أما إذا كانت في وضعية تستطيع من خلالها تنفيذ عقودها خصوصا في حالة التسوية القضائية، فإن الوسائل الكفيلة و المعمول بها حاليا هي الوسائل التمويلية من خلال الإعتماد على الأموال الخاصة بالمقاولة أو البحث عن وسائل تمويلية أخرى كالإقتراض من المؤسسات البنكية أو من الأفراد لضمان تنفيذ عقودها[17].
وكما ذكرنا سابقا أن المشرع المغربي وضع أمام السنديك بالإضافة إلى تنفيذ العقود الجارية أو في طور التنفيذ، أحقية التخلص أو العدول عن تنفيذ هذه العقود إذا كانت مرهقة لأصول المسطرة أو أنها لاتساعد على تسوية وضعية المقاولة أو إنقاذها وهو ماعبرت عنه المادة588 بقولها " عندما لا يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد... ". هذا ما يفسر أن السنديك قد يختار موقفا سلبيا من خلال الركون إلى عدم تنفيذه العقود المبرمة بين المقاولة والطرف المتعاقد معها وذلك نظرا لعدم كفاية سيولتها المالية أو لضمان بقائها في وضعية مريحة كفيلة بعلاجها و إنقاذها .
المطلب الثاني : التدابير المالية و إختيار الحل
سنخصص هذا المطلب للحديث عن أهم التدابير المعتمدة قانونا في تسوية وضعية المقاولة الموضوعة رهن مسطرة المعالجة، والأمر يتعلق بالتدابير المالية ( الفقرة الأولى) بهدف إختيار الحل ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التدابير المالية .
لقد عمل المشرع المغربي من أجل الحفاظ على إستمرارية نشاط المقاولة على وضع أليات قانونية تشجع الممولين و المنعشين و الشركاء المتعاملين مع المقاولة – من بنوك و مؤسسات مالية ...- على تقديم الدعم والإئتمان للمقاولة التي تمر بمرحلة حرجة من شأنها أن ترفع عنها بعض الصعوبات و الحواجز وتنعش أمالها، وهو ما نستشفه من خلال مقتضيات المادة 591 من المدونة التي نصت على أنه " يجوز للمقاولة الحصول على تمويل جديد قصد مواصلة نشاطها..." .
ولهذه الإعتبارات كان لزاما على المشرع المغربي أن يضمن لهؤلاء الممولين ضمانات تكفل لهم إسترداد ديونهم التي قدموها للمقاولة عند حلول تاريخ الإستحقاق[18] مع مراعاة مقتضيات المادة 594[19] من المدونة التي أجازت لرئيس المقاولة أو السنديك تقديم رهن أو رهن رسمي مقابل الدين أو أن يعقد الأطراف صلحا أو تراضي مقابل ذلك، حيث يجوز أن يتنازل الدائن عن ديونه التي قدمها إلى رئيس المقاولة أو السنديك أثناء مرحلة التسوية القضائية إما عن طريق صلح أو تراضي، كما يمكنه أن يستفيذ من ضمانات مقابل هذا الدين من خلال الحصول على رهن أو رهن رسمي، غير أنه إذا كان يطالب بإسترداد ديونه في أجل معين، فإنه يجب أن يلتزم رئيس المقاولة بذلك أما في حالة تعذر أدائها خلال الأجل المتفق عليه، فإنها تؤدى بالأسبقية على الديون الأخرى سواء كانت عادية أو مقرونة بإمتيازات أو بضمانات، وهو ما نستشفه من خلال مقتضيات المادة 590 من المدونة التي نصت على أنه " يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم تسوية القضائية ....وفي حالة تعذر أدائها في تواريخ إستحقاقها، فإنها تؤدى بالأسبقية على كل الديون الأخرى ..." .
والملاحظ من خلال ما سبق أن منح المشرع المغربي لهذه الفئة الممولة التي نشأت ديونهم بعد صدور حكم فتح مسطرة التسوية حق الأسقية عن الدائنين التي نشأت ديونهم قبل فتح هذه المسطرة لم يأتي عبثا بل أراد المشرع من خلاله تشجيع الأشخاص الممولين- سواء أكانوا طبيعيين أو معنويين- على دعم وتمويل المقاولة بهدف إنقاذها و إيجاد السبل الكفيلة بعلاجها[20].
وهناك ضمانات قضائية أخرى سطرتها المادة 559 من مدونة التجارة وهي أن منع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب الديون التي نشأت قبل حكم فتح مسطرة التسوية ضد رئيس المقاولة تشكل إمتيازا مهما لفائدة الممولين للمقاولة بعد الحكم، حيث يبقى من حق هؤلاء في مقاضاة المقاولة قائما لإستيفاء ديونهم في تاريخ الإستحقاق أو بالأسبقية عند التفويت أو خلال التصفية القضائية.
وإذا كان تطبيقات المادة 590 لاتثير أي إشكال بخصوص التسوية القضائية، فإنها خلقت بعض الغموض بعد التسوية نظرا لعمومية النص نتيجة لإستعمال المشرع المغربي لعبارة " بعد صدور حكم فتح التسوية" بمعنى أنه لم يحدد المرحلة الموالية لهذه التسوية هل مرحلة الحل أو مرحلة التفويت ...ثم تحديد مدتها بالدقة اللازمة .
وحسب رأي الفقيه أحمد شكري السباعي فإن المادة 590 من المدونة يسري نطاق تطبيقها فقط على الديون التي تنشئ خلال المرحلة المؤقتة أو الإنتقالية وتنتهي بحكم حصر مخطط الإستمرارية أو التفويت مالم تأذن المحكمة بمتابعة النشاط بعد الحكم بالتصفية القضائية .
الفقرة الثانية : إختيار الحل
تكتسي مهمة إختيار الحل أهمية بالغة وحيوية لكونه توفر للمحكمة التجارية إختيار الحل الأنسب[21] للخروج بالمقاولة من الأزمة االمالية و الإقتصادية الذي تتخبط فيه وذلك بكيفية تحقق مصلحة هذه المقاولة ومصلحة ذائنيها وتحافظ على قدر الإمكان على مناصب الشغل الموجودة، ويتم إعداد الحل من قبل السنديك الوحيد الذي يملك سلطة إتخاذ إحدى هذه الحلول وهي إما إخضاع المقاولة لمخطط التسوية أو تصفيتها قضائيا أو تفويتها إلى الغير.
وسيرا على هذا المنوال فقد ألزم المشرع المغربي السنديك قبل إتخاد أي قرار نهائي أن يضع الموازنة المالية للمقاولة وتقديم العروض للأغيار (أولا) ، والتي من خلالها يتحدد مصيرها إما إخضاعها لمخطط التسوية أو تصفياتها قضائيا (ثانيا) .
أولا : الموازنة المالية للمقاولة وفتح عروض الأغيار:
أ-الموازنة المالية و الإقتصادية والإجتماعية للمقاولة
تعد الموازنة من الإجرءات الأولية عند إعداد الحل يقوم بها السنديك بناءا على تقرير حسب ماجاءت به المادة 569 من مدونة التجارة التي نصت على أنه " يجب على السنديك أن يبين في تقرير تفصيلي يعده، الموازة المالية والإقتصادية والإجتماعية للمقاولة وذلك بمشاركة رئيس المقاولة ..." ، وعلى ضوء هذه الموازنة يتحدد مصير المقاولة إما إخضاعها لمخطط التسوية أو تصفياتها قضائيا.
وتجدر الإشارة هنا أن إتخاد القرار النهائي يحدده السنديك في شكل إقتراح يعرضه على المحكمة عملا بمقتضيات المادة السالفة الذكر التي نصت على أن السنديك " ....يقترح على المحكمة إما المصادقة على مخطط الإنقاذ و إما تعديله وإما تسوية المقاولة أو تصفياتها قضائيا ..." . وقد قيد المشرع المغربي إنجاز السنديك لمهمته بمدة محددة أقصاه أربعة أشهر، وإن كان هذا الأجل أثار تساؤلات العديد من الفقهاء والشراح للقانون التجاري بقولهم أنه لايساعد السنديك أحيانا في إكمال مهمته على الوجه الأحسن إذا كانت المسطرة متشعبة و معقدة يصعب إنهائها في أجل قصير[22]، الأمر الذي تنبه إليه المشرع المغربي ليجيز على إثره إمكانية تجديد أجل الأربعة الأشهر لمرة واحدة وذلك بطلب من السنديك، وهو مانستشفه من خلال مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 595 من المدونة التي نصت على أنه " يجب أن تعرض هذه الإقتراحات على القاضي المنتدب داخل أجل أقصاه أربعة أشهر تلي صدور حكم فتح المسطرة و يمكن أن يجدد مرة واحدة عند طلب السنديك ".
ويجب على السنديك وهو بصدد إعداد الحل أن ينجز التقرير عن الموازنة بمعية رئيس المقاولة تحت طائلة بطلان الحكم الصادر بناءا عليه[23] تماشيا مع موقف القضاء المغريي الذي قضى في أحد قراراته[24] " التقرير الذي يعده السنديك دون مشاركة رئيس المقاولة ودون الإتصال بالدائنيين أو مندوبي العمال أو المراقبين ودون مساعدة خبير يكون خارقا لمقضتيات الفصل 579 م.ت" ، كما يمكن للسنديك أن يستعين بخبير أوعدة خبراء وأي شخص أخر يرى أنه بإمكانه مساعدته على تحديد تصورا صحيحا وسليما عن الوضعية المالية والإقتصادية للمقاولة مثل مراقب الحسابات والمؤسسات المالية التي تتعامل معها خاصة الأبناك بالإضافة إلى الإدارات العمومية وذلك دون كتمان السر المهني.
و بعد حديثنا المستفيض عن هذا الإجراء يبقى لنا أن نتساءل عن مضمون ومحتوى تقرير الموازنة الذي لم يشير إليها المشرع ضمن مدونة التجارة مكتفيا فقط بذكره حسب المادة 595 أن يبين السنديك في تقرير تفصيلي يعده، الموازنة المالية و الإقتصادية و الإجتماعية ... دون توضيح مضمون هذه الموازنة ، أي ما الذي يجب أن يتضمنه التقرير؟.
أمام هذا الفراغ التشريعي، لا يبقى لنا إلا أن نستعين بأحد قرارات[25] محكمة الإستئناف التجارية بفاس التي ورد فيها أن " تطبيق مسطرتي معالجة صعوبات المقاولة (التسوية أو التصفية القضائية) يتوقف على التقويم الشامل لموازنة المقاولة أو وضعيتها المالية بأصولها وخصومها....
إذا أثبثت الخبرة الحيسوبية والتي لم تتعرض لأي طعن جدي أن أصول المقاولة كافية لتغطية خصومها وأنه ليس هناك إختلال لا رجعة فيه لنشاط المقاولة فإنه يتغاضى عن فتح مسطرة التصفية القضائية إلى مسطرة التسوية القضائية " . فالواضح إذن من خلال هذا القرار أن أهم العناصر التي ينبغي أن يتضنها التقرير هو تفحص الوضعية المالية للمقاولة بأصولها و خصومها، فإذا تبين للسنديك أن أصولها كافية لتغطية خصومها فأمكن أنذاك إخضاعها إلى التسوية القضائية ، أما فيما يخص الوضعية الإجتماعية فينبغي أن تشمل طريقة تشغيل الأجراء وعددهم، وما إذا كانت تستوجب تسريح بعضهم من العمل بصفة دائمة أو مؤقتة لأسباب مالية أو إقتصادية[26]- مع مراعاة الإجراءات القانونية المنصوص عليها ضمن المواد 66 إلى 77 من مدونة الشغل[27] -، أو أنها تفرض تعديلا على عقود الشغل المبرمة بينهم وبين المقاولة، وما إذا كان التشغيل يستجيب فعلا لحاجيات المقاولة و إمكانياتها المادية، ثم مقدار التعويضات التي يجب تأذيتها لفائدة الأجراء المفصولين عن العمل التي تتحدد طبعا حسب المادة 57 من مدونة الشغل بناءا على المكافات والتعويضات المرتبطة بالشغل، وكذا الفوائد العينية ثم العمولة والحلوان.
ب--فتح عروض الأغيار :
أحدث المشرع المغربي إلى جانب الموازنة المالية، مسألة فتح عروض بهدف إقتناء أو شراء المقاولة المقاولة وذلك لمساعدتها على الإستمرار في القيام بنشاطها إستنادا لمقتضيات المادة 582 من مدونة التجارة التي تنص على أنه " بمجرد فتح المسطرة يقبل من الأغيار عن المقاولة تقديم عروض إلى السنديك تهدف إلى الحفاظ على المقاولة ".
ويعتبر هذا الإجراء فعالا في حماية المقاولة من الوقوع في التصفية القضائية، حيث يتيح لجميع الأشخاص سواءا أكانوا طبيعين أو معنويين التدخل على وجه الإستعجال لإنقاذ المقاولة بإستثناء المسيرون وأقاربهم و أصهارهم إلى الدرجة الثانية بإدخال الغاية، ثم المقاول المدين سواءا في المقاولات الفردية أو الجماعية المملوكة على الشياع .
وبمجرد قبول الأغيار عروضهم من قبل السنديك فإنهم يجب أن يبقوا مقيدين بها إذ لا يمكن سحبها أو تغييرها، بشرط أن يصدر حكم حصر مخطط الإستمرارية خلال شهر من تاريخ إيداع تقرير السنديك، وتأخد هذه العروض شكل صورتين الأولى شكل مخطط يستهدف إستمرارية المقاولة في مزاولة نشاطها و الثانية تتخد شكل مخطط لإقتناء المقاولة[28].
ثانيا : إخضاع المقاولة لمخطط التسوية أو التصفية القضائية
من أبرز الحلول التي تخضع لها المقاولة إما التسوية القضائية (أ) أو التصفية القضائية (ب).
أ- إخضاع المقاولة لمخطط التسوية
يعد مخطط التسوية من أهم التدبير ملائمة مع توجهات المشرع المغربي الرامية إلى إنقاد المقاولة التي تتوفر على بوادر توحي بإمكانية تجاوز أزمتها المالية لضمان إستمرارية نشاطها حسب ما جاء به القضاء المغربي في أحد قراراته[29] إذ قضى أنه " إذا لم تتوقف المقاولة عن الدفع بشكل نهائي فإنه من شأن تجميد حسابها الذي فتح بواسطة السنديك أن يؤدي إلى عرقلة السير العادي لها وهو ما يناقض مسطرة التسوي القضائية التي أحدثها المشرع لإنقاذ المقاولات المتوفرة على بوادر توحي بإمكانية تجاوز الأزمة المالية ". ومن جهة أخرى فإن مخطط التسوية يحافظ على الإنتاج ومناصب الشغل لفائدة الطبقة العاملة وهذا ما من شأنه أن يضمن لهم إستقرارا إجتماعيا وإقتصاديا، الأمر الذي سينعكس إيجابا على نظامنا الإجتماعي.
وتبعا لذلك يعتبر هذا المخطط تقنية جديدة أدخلت لأول مرة في الكتاب الخامس المتعلق بمساطر المعالجة، خصص لها المشرع القسم الرابع من هذا الكتاب بدءا من المادة 575 إلى غاية المادة 634 من مدونة التجارة، والهدف من هذا النظام هو إبراز حجم الصلاحيات الممنوحة للجهاز القضائي، بإعتبار أن المخطط لا يكتسب قوته التنفيذية إلا من خلال حكم قضائي يقضي بإخضاع المقاولة للتسوية القضائية ويكون ملزم لكافة الأطراف[30].
ويتخد مخطط التسوية إما شكل إستمرارية المقاولة أو تفويتها للغير:
- مخطط الإستمرارية : هو ألية من أليات التسوية تسري على جميع المقاولات التي توجد في حالة توقف عن الدفع – متى عجزت عن تسديد ديونها المستحقة بسبب عدم كفاية أصولها- إعتمده المشرع المغربي ضمن المادة 570 حيث جاء فيها أن " المحكمة تعتمد مخطط الإنقاد إذا تبين لها توفر إمكانات جدية لإنقاذ المقاولة، وذلك بناءا على تقرير السنديك وبعد الإستماع لرئيس المقاولة والمراقبين "، ويستشف من خلال هذا النص أن إعتماد مخطط التسوية يتوقف على شرطين جوهريين وهما ضروة التوفر على إمكانات جدية لإنقاذ المقاولة ثم سداد الخصوم، وهو ما زكاه القضاء المغربي في أحد قراراته[31] التي جاء فيها " ...حيث أنه لا يوجد بالملف ما يفيد وجود إمكانيات جدية لتسوية وضعية المقاولة وسداد الخصوم ولم يتقدم أي مترشح لتفويتها ...." .
ويعد هذا المخطط من أنسب الحلول و أنجعها لاسيما في نظر الدائنين ورؤساء المقاولات لأنه يبعث عن الإرتياح[32] ويضمن إستمرارية المقاولة من خلال تسوية وضعيها المالية وسداد خصومها ثم توفير جميع الوسائل والإمكانات لضمان بقائها بعد إنقاذها حفاظا على الإنتاج والشغل وموارد الدولة، ومن جهة ثانية ضمان إستمرارية نشاطها خلال مدة معينة[33] .
ويشترط لتطبيق هذا المخطط ضرورة توفر المقاولة على إمكانيات جدية لتسوية الوضعية المالية و الإقتصادية والإجتماعية ثم سداد خصومها، هذه الإمكانات يتم تقديرها بناءا على السلطة التقديرية للقضاء[34]، ويترتب عنه عدة نتائج من أهمها أن المقاولة تبقى في ملكية صاحبها الأصلي، فتكون له كامل الحرية للتصرف في أموالها عن طريق البيع أو الكراء وغيرها من التصرفات القانونية، كما أن مخطط الإستمرارية يبقي للمقاولة شخصيتها الإعتبارية ....
- تفويت المقاولة للأغيار : يعد التفويت إحدى الحلول ملائمة مع توجهات المشرع في حماية المقاولة وضمان إستمراريتها، بخلاف ما كان عليه الأمر في نظام الإفلاس الملغى حيث كان مرتبطا بتصفية أموال المدين، أما الأن فهو يروم أساسا إلى تسوية المقاولة بموجب حكم تصدره المحكمة ويكتسب قوته التنفيذية .
وتبعا لذلك فإن القضاء يلعب دورا هاما في هذه المرحلة حيث يستعمل سلطاته التقديرية لإنجاح عملية تفويت المقاولة في جو من الشفافية والنزاهة و المصداقية إلى المفوت إليه أي المشتري مقابل أدائه الثمن المتفق عليه مع البائع، غير أن ما يميز عقد التفويت هو أنه من نوع خاص لا يخضع المشتري عند إبرامه إلى القواعد العامة للبيع بل يخضع إلى إلتزامات خاصة تحد من الضمانات التي يخولها المشرع للأطراف عند إبرامهم للعقد .
وتخضع المقاولة إلى عملية التفويت وفق مسطرة معينة نص عليها المشرع المغربي في المواد 635 إلى غاية المادة 646 من مدونة التجارة، هذه المسطرة تتمثل في ضرورة تقديم السنديك تقريرا إلى المحكمة يكشف فيه الوضعية التي ألت إليها المقاولة مع تبيان الحل المناسب بشأن ذلك والمتمثل في تفويت المقاولة إلى الغير.
غير أن فتح هذه المسطرة يتوقف على ضرورة أن يتقدم الشخص بعرض إلى السنديك يصرح فيه عن رغبته في أن تفوت له المقاولة المفتوحة ضدها مسطرة المعالجة ثم البيانات المنصوص عليها ضمن المادة 636 من المدونة، ويتعلق الأمر : -1) بالتوقعات الخاصة بالنشاط والتمويل، 2) ثمن التفويت وكيفية سداد، 3) تاريخ إنجاز التفويت، 4)مستوى التشغيل و أفاقه حسب النشاط المعني، 5) الضمانات المقدمة لأجل ضمان التنفيذ، 6) توقعات ببيع الأصول خلال السنتين التاليتين للتفويت. وتعد هذه البيانات إلزامية يجب أن يكون العرض مستوفيا لها تحت طائلة إستبعاده من قبل المحكمة، وهو ما أكده القضاء المغربي في أحد قراراته[35] حيث قضى على أن" ...هناك عرض مقدم من طرف الشركة....غير أن هذا العرض ناقص فتقرر تأخيره قصد الإدلاء بإلتزام الزيادة في الرأسمال...".
وترفق بالعرض الوثائق الخاصة بالسنوات المالية الثلات الأخيرة للمقاولة حينما يكون صاحب العرض ملزما بإعدادها، وفي هذا السياق قد يطلب القاضي المنتذب شروحات تكميلية حول العروض المقدمة إما كليا أو جزئيا، بعدها يتولى السنديك إخبار المراقبين وممثلي الأجراء بمضمون العروض المقدمة إليه...، ثم تقوم المحكمة التجارية المفتوحة أمامها مسطرة المعالجة بإختيار العرض الذي يمكنه أن يضمن للمقاولة إستقرار الأوضاع المالية و الإقتصادية و الإجتماعية للمقاولة وأداء الديون المستحقة للدائنين لمدة أطول، كما تعمل – المحكمة التجارية- على تحديد عقود الإئتمان الإيجاري أوعقود الكراء أو عقود التزويد بالمواد و الخدمات الضرورية، والتي يتعين على المفوت إليه تنفيذها حفاظا على نشاط المقاولة، على أنه يجب أن تراعى أجال الأداء التي يمكن للمحكمة أن تفرضها بموجب الحكم القاضي بحصر مخطط التفويت.
وتتمة لذلك يقوم كاتب الضبط المحكمة التجارية بإستدعاء الطرف أو الأطراف المتعاقدة إلى الجلسة المخصصة للبث في تفويت العقود عن طريق رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل المنصوص عليها ضمن الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية[36] الذي ينص على أنه " توجه الإستدعاء بواسطة أعوان كتابة ضبط، أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية ..." ، ويعد هذ النوع من التبليغ الطريقة الكفيلة بضمان حضور الأطراف إلى المحكمة التجارية، إلا أنه حسب رأينا كان من الأجدر أن ينفتح المشرع المغربي على طرق أخرى للتبليغ نص عليها ضمن القوانين الإجرائية حتى تحقق عملية التبليغ فعاليته المرجوة .
في حين يقوم السنديك بإبرام كل العقود والتصرفات الضرورية لإكمال عملية تفويت المقاولة، على أنه يمكن تفويت المقاولة إلى المفوت إليه في إنتظار صدور حكم المحكمة التجارية المفتوحة أمامها مسطرة المعالجة يقضي بإقفال هذه المسطرة، وفي هذه الحالة يمكن للمحكمة أن تضع قيودا على حرية المفوت إليه فيما يخص تصرفه في الأموال المفوتة بموجب مخطط التفويت، وبالمقابل رتب المشرع المغربي جزاءا على مخالفتها بدليل المادة 644 التي نصت على أنه " يتم إبطال كل عقد أبرم خرقا لمقتضيات المادتين السابقتين بناءا على طلب كل ذي مصلحة يقدمه داخل أجل ثلات سنوات إبتداءا من تاريخ إبرام العقد أو من تاريخ إشهاره حينما يستلزم القانون ذلك "، فالواضح إذن أن هذه المادة مرتبطة إرتباطا وثيقا بالمادتين 643 و 642 .
فيما يخص المادة 643 فإنها تنص على أنه " يمكن للمحكمة أن تقرر مخطط التفويت بشرط يجعل كل الأموال المفوتة أو بعضها منها غير قابلة للتفويت لمدة تحددها المحكمة "، بينما تنص المادة 642 على أنه " لا يمكن للمفوت إليه مادام ثمن التفويت كاملا، أن يفوت الأموال المادية أو المعنوية التي يملكها أو أن يمنحها كضمانة أو أن يكريها لأجل التسيير بإستثناء المخزونات ...". فهذه هي القيود التي رتب بشأنها المشرع المغربي جزاء الإبطال .
ويلتزم المفوت إليه بإحاطة السنديك عند نهاية كل سنة مالية موالية لحصر مخطط التفويت بكل ما تم تنفيذه، فإذا لم يلتزم المفوت إليه بإلتزاماته، أمكن للمحكمة التجارية أن تقضي بفسخ مخطط التفويت إما تلقائيا و إما بناء على طلب السنديك أو أحد الدائنين [37].
ويترتب عن الحكم القاضي بمخطط التفويت الكلي إستحقاق الديون الغير الحالة، حيث يقوم السنديك بتوزيع ثمن هذا التفويت على الدائنين العاديين حسب مرتبتهم و على أصحاب الضمانات و الإمتيازات، أما بالنسبة للمتعاقدين مع المقاولة فإن المشرع المغربي حصر العقود القابلة للتفويت وهي عقود الإيجار الإئتماني والكراء والتزويد بالسلع أو الخدمات، ولايتم تفويت هذه العقود مع المقاولة إلا إذا كانت سارية التنفيذ وضرورية للإبقاء على نشاط المقاولة .
ونشير في الأخير إلى أن التفويت إذا إنصب على شركة تجارية أو مجموعة ذات النفع الإقتصادي وكان هذا التفويت كليا، فإن ذلك يؤذي إلى إنحلال و إنقضاء الشخصية المعنوية للمقاولة المفوتة، أما إذا تعلق الأمر بمقاولة فردية، فإن التفويت لا ينصب سوى على الأصول التي كانت مرصودة لنشاط المقاولة[38] .
ب – إخضاع المقاولة لتصفية القضائية :
لقد نظم المشرع المغربي التصفية القضائية ضمن القسم الخامس من الكتاب الخامس المنظم لمساطر صعوبة المقاولة بدءا من المادة 651 إلى غاية المادة 669 من مدونة التجارة، وهي تشكل أخر حل تلجئ إليه المحكمة لإنهاء نشاط المقاولة بشكل نهائي إذا تبين لها أن وضعيتها مختلفة بشكل لا رجعة فيه، وتحكم بها سواء خلال وضع المحكمة يدها تلقائيا على الملف أو بعد سلوكها المرحلة المؤقتة و مرحلة إعداد الحل ...وبهذا تنص المادة 651 من مدونة التجارة على أنه " تفتح المحكمة مسطرة التصفية القضائية تلقائيا أو بطلب من رئيس المقاولة أو الدائن أو النيابة العامة، إذا تبين لها أن وضعية المقاولة مختلفة بشكل لارجعة فيه ..."، كما قضى القضاء المغربي في أحد قراراته[39] أنه " تفتح مسطرة التصفية القضائية في حق المقاولة التي أصبحت في وضعية مختلة بشكل لارجعة فيه و لابوادر تمكن من إنقاذها وتجاوز الأزمة الطارئة و أداء الديون للدائنين المستمع إليهم ".
وتحكم المحكمة بالتصفية القضائية بناءا على طلب معلل من السنديك أو من مراقب أو من رئيس المقاولة تلقائيا أو بناء على تقرير القاضي المنتذب، كما يمكن الحكم بها خلال مرحلة إعداد الحل من طرف المحكمة بناء على تقرير السنديك و بعد الإستماع إلى رئيس المقاولة و المراقبين ومندوبي الأجراء[40].وعلى عكس إجرءات الوقاية ومساطر المعالجة فإن إجراءات التصفية القضائية لا تروم البحث عن سبل ضمان إستمرارية المقاولة، وإنما تهدف إلى الحفاظ على على أموال المقاولة وتصفيتها وتوزيعها على الدائنين، وهو ما دفع بالمشرع المغربي إلى ترتيب أثار قانونية على المدين وعلى نشاط المقاولة، ثم أثار تتعلق بسقوط أجال الديون .
فيما يخص المدين، فإن الحكم بالتصفية القضائية يؤدي إلى غل يديه عن إدارة وتسيير المقاولة بقوة القانون، فيعين السنديك مكانه لممارسة حقوقه و إقامة الدعاوى بشأن ذمته المالية طيلة فترة التصفية القضائية، غير أنه هذا لا يمنع المدين من ممارسة دعاواه الشخصية و أن ينتصب طرفا مدنيا بدليل المادة 651 التي تنص في فقرتها الخامسة على أنه " غير أنه يمكن للمدين أن يمارس دعاواه
الشخصية و أن ينتصب طرفا مدنيا بهدف إثبات إدانة مقترف جناية أو جنحة قد يكون ضحية إحداهما..."، كما قضى القضاء المغربي في أحد قراراته[41] أن" النطق بالتصفية القضائية لا يمس أهلية المدين في التقاضي بخصوص حقوقع الشخصية مثل طعن المسير بالنقض ضد حكم صدر في مواجهته شخصيا ..."، غير أنه في حالة تحويل التصفية إلى التسوية القضائية فإن يد السنديك تغل مالم يتم الإبقاء عليه كسنديك وهو ما قضى به القضاء المغربي في أحد قراراته[42] حيث قضت على أن " سنديك التصفية القضائية تغل يده بمجرد تحويل التصفية القضائية إلى تسوية قضائية مالم يتم الإبقاء عليه كسنديك ".
ويمكن أن يترتب عن التصفية القضائية أيضا إستمرارية المقاولة التي تعد من أهداف المساطر الجماعية إذا إقتضت طبعا المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين [43] وذلك لمدة معينة تحددها المحكمة إما تلقائيا أو بناء على طلب من السنديك أو وكيل الملك، وهوما تؤكده مقتضيات المادة 652 من مدونة التجارة وكذا القضاء المغربي في أحد قراراته[44] التي ورد فيها ".... إذن المحكمة بإستمرار نشاط المقاولة لمدة ستة أشهر وتكليف السنديك المعين بالإشراف على مواصلة إستغلالها طيلة هذه المدة وبالتقيد في هذا الصدد بمقتضيات المادتين 573 و 575 من مدونة التجارة.... ".
وخلال إستمرارية المقاولة نشاطها يتولى السنديك وحده المطالبة بتنفيذ العقود الجارية بتقديم الخدمة المتعاقد بشأنها للطرف المتعاقد مع المقاولة، ثم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية، كما يمكنه الإستمرار في كراء العقار أو تفويته حسب الشروط المنصوص عليها في العقد المبرم مع المكري .
وخلافا للحكم القاضي بالتسوية القضائية الذي لايترتب عليه سقوط الأجل، فإن الحكم الذي يقضي بالتصفية القضائية يؤذي إلى حلول أجل الديون المؤجلة تطبيقا لأحكام المادة 660 من مدونة التجارة، وسواء كان دينا عاديا أومضمونا أو ممتازا.
وعلى هذا الأساس فإنه يمكن للدائنين المتوفرين على إمتياز خاص أو رهن حيازي أو رسمي ممارسة حق إجراء المتابعات الفردية إذا لم يقم السنديك بتصفية الأموال المثقلة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية وذلك شريطة أن يكون قد صرحوا بديونهم .
ويتم تنفيذ التصفية القضائية من خلال بيع العقارات بالمزاد العلني وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها ضمن مقتضيات الحجز العقاري الوارد في قانون المسطرة المدنية بدءا من الفصل 469 إلى غاية الفصل 487، ويتولى القاضي المنتذب تحديد إجراءات شهر الحجز على العقارات بمقر المحكمة التي يقع بدائرتها العقار موضوع البيع، وبعد إنصرام أجل الشهر المحدد في ثلاثين يوما يقوم بمزايدة ودية بثمن إفتتاحي الذي يحدده أو بالتراضي، ويؤذي الشخص الذي رست عليه المزايدة الثمن خلال عشرة أيام من المزاد .
إلى جانب بيع العقارات يقوم القاضي المنتذب بعد سماع رئيس المقاولة و المراقبين بإختيار العرض الذي يبدوا له أكثر جدية مقابل تفويت له وحدات الإنتاج بكل مكوناتها، حيث يسعى السنديك إلى الحصول على عروض التملك و يحدد الأجل الذي يمكن له من خلاله إستلام هذه العروض، إذ يمكن لاي شخص أن يقدم عرضه للسنديك .
وفي الأخير، فبعد عملية البيع والتفويت تأتي مرحلتي تصفية الخصوم و قفل عمليات التصفية القضائية حيث تحاص الدائنون حاملوا الإمتياز و الرهون الرسمية في توزيع المستحقات بتناسب مع مجمل ديونهم، وبعد بيع العقارات والحسم نهائيا في ترتيب الدائنون أصحاب الرهون الرسمية و الإمتيازات، فإن الحاصلين منهم على رتبة مناسبة لا يتقاضون مبلغ ترتيبهم الرهني في التوزيع من ثمن العقارات إلا بعد خصم المبالغ الي سبق لهم أن تقاضوها، حيث يستفيد الدائنون العاديون حينئد من هذه المبالغ المخصومة .
وتؤدى حقوق الدائنين حاملي الرهون الرسمية و المرتبين في توزيع ديونهم جزئيا على تقسيم ثمن الأملاك الغير المنقولة من المبالغ التي تبقى مستحقة لهم بعد ترتيب الدائنين في توزيع الديون غير المنقولة، حيث تخصم المبالغ الزائدة التي يتقاضوها عند تقسيمات سابقة بالمقارنة مع المبالغ المعدة بعد ترتيب الدائنين في توزيع ديونهم من مبلغ ترتيبهم الرهني وتضاف إلى المبالغ التي ستوزع على الدائنين العاديين[45].
ويمكن للمحكمة أن تقضي بقفل عمليات التصفية القضائية إذا تبين لها إستحالة إستمرار المقاولة في نشاطها إما لعدم كفاية الأصول لتغطية الخصوم أو إذا لم يعد هناك خصوم واجبة الأداء أو توفر السنديك على المبالغ الكافية لتغطية ديون الدائنين، وفي هذا الصدد ينص المشرع المغربي ضمن المادة 669 من مدونة التجارة على أنه "يمكن للمحكمة أن تقضي في أي وقت ولو تلقائيا بقفل التصفية القضائية بعد إستدعاء رئيس المقاولة وبناء على تقرير القاضي المنتذب وذلك في الأحوال التالية :- إذا لم يعد ثمة خصوم واجية الأداء أو توفر السنديك على المبالغ الكافية لتغطية ديون الدائنين، - إذا إستحال الإستمرار في القيام بعمليات التصفية القضائية لعدم كفاية الأصول ". وفي هذه الحالة يقدم السنديك تقرير بشأن الحسابات كما تنص على ذلك المادة السالفة الذكر، كما أنه يظل مسؤولا عن الوثائق التي وضعها رهن إشارته خلال سير المسطرة.
غير أنه يمكن إعادة فتح مسطرة التصفية القضائية بطلب من كل ذي مصلحة وبموجب حكم معلل كلما تبين أن هناك أصولا لم يتم تحقيقها، أو دعاوى لم تباشر لفائدة الدائنين ومن شأنها إعادة تأسيس أصول المقاولة مثل دعاوى إستحقاق أو دعوى فسخ عقد بيع و إسترجاع المبيع لعدم تنفيذ العقد .
الخاتمة
ختاما لا يسعنا إلا أن نقول أن المشرع المغربي حقيقة إستطاع أن يكرس قواعد الشفافية والحكامة في تسيير المقاولة التجارية التي توجد في وضعية صعبة جراء الأزمة المالية والإجتماعية وذلك بفضل إقراره لنظام صعوبات المقاولة، هذا النظام الذي يشكل إحدى الأليات القانونية المساعدة والمنقذة للمقاولة التجارية حين تعتريها صعوبات أو أزمات تعيق سيرها أو تهدد بقائها.
وبهذا فإن المشرع المغربي كان صائبا حينما أولى عناية قصوى بالمقاولة بالنظر للدور الذي أضحت تجسده في الحياة العامة، فهي حجر الزاوية و المحرك الأساسي للتنمية الإقتصادية ورهان الإستقرار والتطور، فكان لزاما أن تحظى بحماية تشريعية فعالة تقدم حلول وقائية و علاجية تضمن لها إستمرارية نشاطها الإقتصادي و بالمقابل تحافظ على مناصب الشغل .
إلا أنه إن كان نظام صعوبات المقاولة قد جعل من مبدأ حماية المقاولات من الصعوبات والعراقيل االتي قد تعترضها أهم أولوياته ، فإنه لم يوفي للفئة العاملة بالمقاولة حقها من هذه الحماية بشكل المطلوب، فأقل ما قام به هذا النظام هو أنه ربط حماية الأجراء بإستمرارية المقاولة في نشاطها، فكلما تعرضت هذه الأخيرة إلى صعوبات و أزمات يكونوا معها الأجراء مهددين بفقدان عملهم وهو ما دفع العديد منهم إلى التشرد و الضياع وتشتيت أسرهم إما عن طريق الطلاق أو التطليق أو الإنتحار ...و مشاكل أخرى متعددة لا حصرى لها.
كما كشفت بعض التقارير عن ضعف هذا النظام في توفير حماية فعالة للمقاولات الصغرى والمتوسطة خلال جائحة كورونا ، إذا أنه لم يقدرعلى مجابهة تداعيات هذا الفيروس بسبب القيود التي فرضتها الحكومة على هذه المقاولات والذي أثر كثيرا على مردوديتها و إنتاجياتها، الأمر الذي أدى إلى إفلاس حوالي 20 ألف مقاولة حسب ما أعلنته الكنفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة ( إتحاد الشركات) ، وما إستتبعه من فقدان العديد من الأجراء لمناصبهم و أجورهم الشهرية، فلولا المبادرة التي أطلقها صاحب الجلالة بخصوص إحداث صندوق خاص لمواجهة هذا الوباء والذي بلغت موارده أزيد من 7 مليار درهم لمعالجة الوضع الصعب الذي كانت عليه معظم المقاولات الصغرى و المتوسطة لا كانت الوضعية مزرية .
وعلى الأساس فإنه يستوجب من المشرع المغربي أن يستخلص العبر من هذه الجائحة و تداعياتها الوخيمة على المقاولات ويضع سبل وطرق وقائية وعلاجية أخرى تجنبها الوقوع في مثل هذه الأزمات مثل إحداث صندوق وطني مثلا لإنقاذ المقاولات خصوصا الصغرى والمتوسطة ثم تقوية النظام القانوني المنظم لمساطر صعوبات المقاولة ليتماشى مع كل الأزمات الداخلية والخارجية للمقاولة التي قد تعصف بنشاطها التجاري أو الصناعي أو الفلاحي مثلا ... حتى لا تتكررالأوضاع المزرية التي ألت إليها بعض المقاولات خلال جائحة كورونا .
لائحة المراجع :
1 -محمد بجرجي، المركز القانوني للمؤسسة البنكية خلال فترة إعداد الحل، مجلة القانون و الأعمال عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة، السنة 2017.
2 - إسماعيل بوهمو، أليات حماية الدائنين في نظام مساطر صعوبات المقاولة، مجلة القانون و الأعمال عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة، السنة 2017.
3- أحمد شكري السباعي، الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها- الجزء الثاني في مساطر [1] المعالجة حكم فتح مسطرة المعالجة-، دار النشر مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية، السنة 2007.
4 - محمد بن سعيد، صعوبات المقاولة ودور القضاء في معالجته،صعوبات- المقاولة-ودور- القضاء-في - معالجة revuealmanara.com/
تم الإطلاع عليه بتاريخ 05/09/2021 على الساعة 1:15.
5- عبد الرحيم شميعة، شرح أحكام نظام مساطر معالجة المقاولة وفق القانون رقم 17.73، الطبعة الأولى ، السنة 2018.[1]
6- محمد لفروجي، صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، دار النشر مطبعة النجاح الجديدة- الدارلبيضاء،الطبعة الأولى، سنة 2000..
7 - محمد العروصي، مصير العقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية – دراسة مقارنة-، دار النشر مكتبة دار السلام شارع طونكان عمارة 23، رقم 2 ديور الجامع الرباط، الطبعة الأولى ، لسنة 2017.
8 -عبد الرحيم السلماني، القضاء التجاري بالمغرب و مساطر معالجة صعوبات المقاولة – دراسة نقدية و مقارنة – دار النشر طوب بريس 22، المحيط – الرباط، الطبعة الأولى، السنة 2008، الصفحة215 .
9 - محمد كرام، الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة في التشريع المغربي- الجزء الأول-، دار النشر المطبعة والوراقية الوطنية الداوديات- مراكش، الطبعة الأولى، السنة 2010.
10-مصطفى الفوركي، دور القضاء في حصر مخطط الإستمرارسة في إطار صعوبات المقاولة، مجلة القانون والأعمال عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة ،السنة 2017.
11- نورالدين لعرج، مساطر صعوبات المقاولة، دار النشر سليكي أخوين طنجة، الطبعة الأولى، السنة 2016.
القوانين
[1] -ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة .
2 - ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية .
-3 ظهير شريف رقم 01.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 ( 11سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل .
الهوامش
[1] - محمد بجرجي، المركز القانوني للمؤسسة البنكية خلال فترة إعداد الحل، مجلة القانون و الأعمال عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة، السنة 2017، الصفحة 53 .
[2] - إسماعيل بوهمو، أليات حماية الدائنين في نظام مساطر صعوبات المقاولة، مجلة القانون و الأعمال عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة، السنة 2017 الصفحة 6.
[3] -ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة .
- أحمد شكري السباعي، الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها- الجزء الثاني في مساطر [4]
المعالجة حكم فتح مسطرة المعالجة-، دار النشر مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية، السنة 2007، الصفحة 290.
المعالجة حكم فتح مسطرة المعالجة-، دار النشر مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية، السنة 2007، الصفحة 290.
[5] - محمد بن سعيد، صعوبات المقاولة ودور القضاء في معالجته،صعوبات- المقاولة-ودور- القضاء-في - معالجة revuealmanara.com/
تم الإطلاع عليه بتاريخ 05/09/2021 على الساعة 1:15.
تم الإطلاع عليه بتاريخ 05/09/2021 على الساعة 1:15.
-قرار محكمة الإستئناف التجارية بفاس رقم 1058 الصادر بتاريخ 2002/10/08 ملف عدد 02/1053[6]
- قرار محكمة الإستئئناف التجارية بفاس رقم 1143 الصادر بتاريخ 2002 / 10/ 24 ملف عدد 02/431.[7]
[8] - محكمة النقض القرار عدد 215 المؤرخ في 2007/2/21 الملف التجاري عدد 2006/1/3/396.
[9] -أحمد شكري السباعي، مرجع سابق، الصفحة 296.
[10] -أحمد شكري السباعي، المرجع السابق، الصفحة 302.
- عبد الرحيم شميعة، شرح أحكام نظام مساطر معالجة المقاولة وفق القانون رقم 17.73، الطبعة الأولى ، السنة 2018، الصفحة 195 [11]
[12] - محمد لفروجي، صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، دار النشر مطبعة النجاح الجديدة- الدارلبيضاء،الطبعة الأولى، سنة 2000، الصفحة 293-294.
[13] - محمد العروصي، مصير العقود جارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية – دراسة مقارنة-، دار النشر مكتبة دار السلام شارع طونكان عمارة 23، رقم 2 ديور الجامع الرباط، الطبعة الأولى ، لسنة 2017، الصفحة 25-27.
[14] - أحمد شكري السباعي، المرجع السابق، صفحة 313.
[15] - محمد العروصي، المرجع السابق، الصفحة 124.
[16] - أحمد شكري السباعي، المرجع السابق، الصفحة 317.
- -محمد العروصي، مرجع سابق، الصفحة 151-152[17]
[18] -عبد الرحيم السلماني، القضاء التجاري بالمغرب و مساطر معالجة صعوبات المقاولة – دراسة نقدية و مقارنة – دار النشر طوب بريس 22، المحيط – الرباط، الطبعة الأولى، السنة 2008، الصفحة215 .
- تنص المادة 594 ممدونة التجارة " يرخص القاضي المنتذب لرئيس المقاولة أو السنديك بتقديم رهن أو رهن رسمي و بالنوصل إلى [19]
صلح أو تراضي " .
صلح أو تراضي " .
- عبد الرحيم السلماني، المرجع السابق، الصفحة 215.[20]
[21] -أحمد شكري السباعي، مرجع سابق، الصفحة 354-355.
- أمحمد لفروجي، مرجع سابق، الصفحة 257-258.[22]
[23] - محمد كرام، الوجيز في مساطر صعوبتت المقاولة في التشريع المغربي- الجزء الأول-، دار النشر المطبعة والوراقية الوطنية الداوديات- مراكش، الطبعة الأولى، السنة 2010، الصفحة 93.
- قرار محكمة الإستئناف التجارية بالدارلبيضاء رقم 2511/2001 الصادر بتاريخ 30/11/ 2001[24]
[25] - قرار محكمة الإستئناف بفاس رقم 16 ص.م.الصادر بتاريخ 2002/10/16 ملف عدد 02/17 ص.م.
[26] - محمد كرام، المرجع السابق، الصفحة 94.
- ظهير شريف رقم 01.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 ( 11سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل .[27]
[28] - محمد كرام، مرجع سابق، الصفحة 95.
[29] -قرار رقم 9 تس صدر عن محكمة الإستئناف التجارية بفاس بتاريخ 2002/5/8 ملف عدد 02/03
[30] -عيد الرحيم السلماني، مرجع سابق، صفحة 237.
-القرار عدد 2002/15 صادر عن المحكمة التجارية بمراكش ملف عدد 2000 / .9[31]
[32] -مصطفى الفوركي، دور القضاء في حصر مخطط الإستمرارسة في إطار صعوبات المقاولة، مجلة القانون والأعمال عدد خاص بمساطر صعوبات المقاولة ،السنة 2017، الصفحة 18.
[33] -أحمد شكري السباعي، مرجع سابق. الصفحة 426
[34] -عبد الرحيم السلماني، المرجع السابق، الصحة 246
[35] - حكم رقم 2001/272 صادر عن المحكمة التجارية بالدار لبيضاء بتاريخ 1/10/2001.
[36] - ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية .
[37] - محمد الفروجي، مرجع سابق، الصفحة 412، 413، 414 ، 415.
[38] - عبد الرحيم شميعة، مرجع سابق، الصفحة 292.
[39] - قرار محكمة الإستئناف التجارية بفاس رقم 10 تس الصادر بتاريخ 2002/5/08 ملف عدد 02/04.
[40] - نورالدين لعرج، مساطر صعوبات المقاولة، دار النشر سليكي أخوين طنجة، الطبعة الأولى، السنة 2016، الصفحة 210.
[41] - قرار محكمة النقض عدد 390 صادر بتاريخ 2/4/2008 ملف تجاري عدد 816/3/2/2005.
[42] - قرار صادر عن محكمة الإستئناف التجارية الدارلبيضاء رقم 99/1142 صادر بتاريخ 1999/7/27.
[43] - نورالدين لعرج، مرجع سابق، الصفحة 213.
[44] -حكم المحكمة التجارية بالدارلبيضاء رقم 279/07 بتاريخ 10/12/2007 .
[45][45] - نورالدين لعرج، مرجع سابق، الصفحة 219-220.