يعد الإضراب من الحقوق المكفولة دستوريا والمضمونةبالمواثيق الدولية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان ، غيرأنه في الحالة المغربية ثار جدل فقهي وقانوني حولمشروعيته في ظل غياب نص تنظيمي يحدد كيفيةممارسته وآلية تقنينه، غير أن الإشكال الذي يطرحه هومدى قانونية الإقتطاع من الأجرة نتيجة ممارسة هذاالحق الدستوري ؟ وذلك على ضوء ربطه بالتغيب غيرالمشروع عن العمل في القطاع العمومي؛
ولمعالجة هذه الإشكالات ارتأينا ملامسته وفق أربعةمستويات وهي كالتالي:
المستوى الأول: الإضراب في المواثيق الدولية ، المستوىالثاني: الإضراب في الإجتهاد القضائي ،المستوىالثالث: الإضراب والتغيب غير المشروع عن العمل ،المستوى الرابع: الإضراب وإشكال الإقتطاع من الأجرة .
المستوى الأول : الإضراب بين القوانين الوطنيةوالمواثيق الدولية
يعرف الإضراب بأنه الامتناع عن أداء عمل معين فيمرفق عمومي أو خاص، وهو إجراء تقوم به وتدعو إليهنقابة أو مجموعة من النقابات بقصد ممارسة الضغطعلى الجهة المشغلة من أجل تحسين ظروف العمل قصد تحقيق مطالب مشروعة ومستحقة تم تجاهلها أوالتسويف في إنجازها، وذلك بعد أن تكون القياداتالنقابية قد وصلت إلى طريق مسدود في حواراتهاالنقابية مع مسؤولي الجهات المعنية. وهو يدخل ضمنالحريات التي كفل الدستور المغربي حمايتها، لذا فمنحيث المبدأ لا عيب في تنظيم هذا الحق وإن كانتالتشريعات التي نظمته قليلة في حين أن تشريعات بعضالدول المتقدمة تركت أمر تنظيم الإضراب الى السلطةالقضائية؛
إذا فلا أحد يجادل من حيث المبدأ في إقرار حق ممارسةالإضراب، لكن ينبغي في المقابل وضع مجموعة ضوابطمن شأنها تنظيمه دون حذره أو منعه لكون ذلك الحق هوحق دستوري أصيل؛
والمغرب كما العديد من الدول اعترف بممارسة حقالإضراب بالقطاع الخاص كما بالقطاع العام لكن تبقىلكل نوع خصوصيات تميزه، حيث وإن كان حقالإضراب بالقطاع الخاص يقابل بالإجراء المتمثلبالإغلاق من قبل الجهة المشغلة، فإنه وبالنسبة للقطاعالعام لا يمكننا تصور لجوء المؤسسة أو الإدارة العموميةإلى إجراء الإغلاق لكون ذلك يتعارض مع مبدأاستمرارية المرفق العام.
أولا : ممارسة حق الإضراب من خلال المواثيقالدولية
أ - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
على اعتبار أن حق ممارسة الإضراب وبفعل تداخلطبيعته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإن هذاالحق يبقى مصنفا ضمن دائرة الحريات العامة للمواطنوالتي من ضمنها حق الانتماء والانخراط النقابي،والتفاتا من مختلف التشريعات المقارنة لضمان هذا الحقنجد بأن المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانالصادر في 10 دجنبر 1984 كرست ضمان وحماية هذاالحق وذلك من خلال التنصيص على أنه:
1 – لكل شخص الحق في العمل وفي حرية اختيار عملهوفي شروط عمل عادلة ومرضية وفي حماية من البطالة.
2 – لجميع الأفراد دون تمييز، الحق في أجر متساويعلى العمل المتساوي.
3 – لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل لهولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل عندالاقتضاء بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية عندما نصتعلى أنه: "تتعهد الدول الأطراف بأن تكفل:
أ – حق كل فرد بتشكيل النقابات والانضمام إلى مايختار منها في حدود ما تفرضه قواعد التنظيم المهني،وذلك من أجل تعزيز وحماية مصالحه الاقتصاديةوالاجتماعية، ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذاالحق سوى ما ينص عليه القانون ، مما يكون ضروريافي مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن الوطني أو النظامالعام أو من أجل حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ب – حق النقابات في تشكيل اتحادات وطنية أوتعاهدات وحق هذه الأخيرة بتكوين منظمات نقابية دوليةأو الانضمام إليها.
ت – حق النقابات في العمل بحرية دون أن تخضع لأيةقيود سوى ما ينص عليه في القانون مما يكون ضروريافي مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن الوطني أو النظامالعام أو من أجل حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ث – الحق في الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانينالقطر المنظم.
وإذا كانت هذه النصوص قد وضعت للحق النقابيوللإضراب أساسا قانونيا، فإنها تركت الحرية لكل دولةلكي تنظمها وفق القانون الداخلي.
ب- منظمة العمل الدولية:
لا بد من التأكيد على أن منظمة العمل الدولية بدورها قدحرصت على ضرورة حماية ممارسة الحق فيالإضراب، ويتجلى هذا الحرص من خلال العديد منالقرارات التي تعلن فيها هذه المنظمة بأن حق الإضرابيعتبر ممارسة مشروعة على المستوى الوطني وفيالقطاعين الخاص والعام، لكن بشرط أن ترتكز تلكالإضرابات على أهداف اقتصادية واجتماعية ومن دونأن تكون ذات طابع سياسي أو ديني.
ثانيا: موقف التشريع المغربي من ممارسة حقالإضراب
وسوف نتناول ذلك من خلال القوانين الداخلية، وباعتبارالمغرب عضوا في المعاهدات الدولية .
أ : من خلال القوانين الداخلية
بالرجوع إلى التشريع المغربي ومن خلال مقتضياتظهير 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية وكذاالمرسوم الصادر في 5 فبراير 1958 واستقراءمقتضيات الفصل 5 منه نجده ينص على أن : "كل توقفعن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدمالانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عنه علاوة علىالضمانات التأديبية ويعم هذا جميع الموظفين"؛
فظاهر هذا النص كان يوحي إلى تحريم حق الإضرابعلى فئة الموظفين العموميين حسب تأويلات الكثيرين؛
إلا أن صدور دستور سنة 1962 وضع كخطوة أولى حدالآثار الفصل 5 من ظهير 1958، ثم أقر ثانيا وبشكلصريح من خلال مقتضيات الفصل 14 من دستور 1962على مشروعية ممارسة حق الإضراب. ولكن في المقابلترك مسألة تنظيمه أي بيان كيفية ممارسته للبرلمان وعليهيكون حق الإضراب من المبادئ الأساسية التي يعترفبها الدستور وتكمله في نفس الوقت؛
إلا أن هناك آراء أخرى، وإلى حدود أواسط الثمانينات،تعتبر الإضراب في الوظيفة العمومية غير قانوني، وذلكلعدم صدور قانون تنظيمي ينظمه وهو الشيء الذي لميتم لحد الآن، بالنظر إلى الصراع الدائر بين الحكومةوالنقابات التي ترى في رغبة الأولى في إصدار القانونالتنظيمي محاولة منها لتقييد حق ممارسة الإضراب؛
وتستند تلك الآراء على تأويل للنص الفرنسي للمادة 14من الدستور الذي جاء فيها أن حق الإضراب يضلمضمونا، ويعني هذا، في نظرهم، أنه يبقى مضمونا فيالقطاع الخاص، كما نجد الحكومة تعتبر دائما،الإضراب في الوظيفة العمومية غير مشروع ارتكازا علىالفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير1958، ونذكر علىسبيل المثال منشور الوزير الأول رقم 5-319 بتاريخ 17أبريل 1979 وكان ذلك بمناسبة إضرابات رجال التعليموالصحة في أبريل 1979؛
ويعرف النقاش القانوني والفقهي انتعاشا عند حدوثكل إضراب من جهة، و اقتطاع الإدارة من أجور الموظفينأو عزلهم من جهة ثانية بمناسبة الإضراب عن العمل؛
لقد حرص الموظفون بالمغرب على ممارسة حق الإضرابفي عدة مناسبات للضغط على الحكومة للاستجابةللملفات المطلبية المطروحة من طرف منظماتهم النقابية،ويجب أن نشير إلى أن ممارسة الإضراب في عدةمحطات من تاريخ المغرب أدى إلى طرد العديد منالموظفين من الوظيفة العمومية، مثل طرد موظفي وزارةالخارجية المضربين في دجنبر 1961، وعرضت قضاياالطرد من الوظيفة العمومية على المجلس الأعلى؛ نذكرمنها قضية محمد الحيحي، موظف بوزارة التربيةالوطنية و الشبيبة والرياضة، وإدريس نداء موظف بوزارةالبريد. وسنتعرف على حيثيات تلك الأحكام من خلالدراسة حق الإضراب في الاجتهاد القضائي المغربي؛
ونظرا للمركز المتميز الذي تحتله القوانين التنظيمية فهيأسمى من القانون العادي وأدنى من الدستور والمشرعأناط وضعها بمسطرة خاصة تتمثل في عرضها وجوباعلى المحكمة الدستورية المختصة للنظر في مدىدستوريتها؛
فالمحكمة الدستورية تسوي بين النص التنظيمي والنصالدستوري.
ب : من خلال سمو المعاهدات الدولية:
يمكن القول بأنه وعلى اعتبار المغرب عضوا في منظمةالعمل الدولية والاتفاقيات الدولية، فإن مقتضيات هذهالمعاهدات أو الأوفاق الدولية التي وقع عليها المغربووافق على نشرها،ترجح على أحكام القانون الوطنيالداخلي، وذلك وفق ما جاء في تصدير لدستور فاتحيوليو 2011؛
لكن لابد من الإشارة إلى أن النقص الذي بقي يعتريالترسانة القانونية في مجال الإضراب يتمثل في طولغياب القانون التنظيمي المشار إليه من قبل دستور1962 المادة 14 و المادة 29 من دستور2011، هذاالفراغ الذي حاولت كل جهة استغلاله لمصلحتها وحسبتفسيراتها إذ المضربون يعتبرون أنه وفي غياب هذاالنص التنظيمي فليس هناك مبرر قانوني يمنعهم منممارسة هذا الحق. أما في المقابل، فالحكومة تعتبر تلكالإضرابات غير قانونية ما دام النص التنظيمي الذييبين كيفية تنظيمها لم يخرج بعد إلى حيز الوجود؛ وسموالاتفاقيات على القانون الوطني بالإضافة إلى تأكيده منقبل التشريعات الداخلية فقد أكده أيضا القانون الدوليالعام نفسه؛
هكذا إذا نستخلص بأن تلك الاتفاقيات التي صادقعليها المغرب في مجال ممارسة حق الإضراب تعتبرأسمى من القوانين الوطنية؛
وبذلك تكون ممارسة الحق في الإضراب قد حظيتبالدعم والتأييد الكاملين سواء على مستوى القوانينالداخلية وأيضا على صعيد المواثيق الدولية.
المستوى الثاني :الإضراب في الإجتهادالقضائي
كان المجلس الأعلى يرتكز على تفسير الفصل 5 منمرسوم 5 فبراير1958 بشأن مباشرة الموظفين الحقالنقابي، وقد صدر على أساس ذلك قرار شهير وهو قرارمحمد الحيحي بتاريخ 17 أبريل 1961، وما يثير الجدلفي هذا القرار هو ارتكازه على مرسوم 5 فبراير السابقدون أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا المرسوم قد صدر قبلوضع دستور1962، وبأن هذا الأخير في الفصل 14 منهيؤكد على أن حق الإضراب مضمون.
وبمناسبة إضراب 20 يونيو 1981 واصل المجلس الأعلىتأكيد اجتهاده الوارد في قرار محمد الحيحي؛ وبنفسالحجج وذلك في قراره الصادر عن الغرفة الإداريةبتاريخ 25 مايو 1984 في قضية إدريس نداء ضد وزيرالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ، حول قرار عزلهبتاريخ 23 دجنبر 1981 من غير توقيف حق التقاعدابتداء من اليوم الموالي لتاريخ تبليغ القرار؛
وفي تعليقه على هذين القرارين، يرى الأستاذ عبد القادرباينة أنه لا يمكن أن يعتبر الإضراب بصفة عامة غيرشرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبرغير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور، ويرى كذلكأن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق،ولكن، بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئاتالموظفين الذين تمنع عليهم أنظمتهم الأساسية بصراحةحق الإضراب. ويبقى الإضراب مشروعا لباقي الموظفين،ومن الفئات التي تحرم أنظمتها الأساسية الحق في الإضراب: متصرفو وزارة الداخلية، موظفو إدارةالسجون، رجال القضاء؛
لقد أكدت بعض المحاكم الإدارية الصادرة مؤخرا رأيالأستاذ عبد القادر باينة، حيث أنه بالرجوع لتلك الأحكامالمرتبطة بممارسة حق الإضراب، الصادرة من طرفالمحاكم الإدارية المغربية، فإن الاجتهاد القضائيالمغربي استقر على اعتبار الإضراب حقا مشروعا؛ إلاأن ممارسته تخضع لبعض الشروط القانونية، تتمثل فيعدم الإخلال بالسير المنتظم للمرفق العمومي. لذا فإنالإضراب المفاجئ أو المباغت والطارئ يعتبر غيرمشروع، كما أنه يجب أنه يكون بهدف تحقيق مكاسب مهنية وليس ذا أبعاد سياسية؛
ومن الأحكام الصادرة من طرف القضاء الإداري في السنوات الأخيرة:
الحكم الأول: صادر عن إدارية مكناس تحت عدد01/36بتاريخ 12 يوليو 2002 قضى بإلغاء القرار الصادر عنوزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار فيمواجهة الطاعن معللا كما يلي:" الإضراب حق دستوريأكدته جميع الدساتير المتعاقبة و عدم صدور تشريعتنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق الإضراب، لا يعنيإطلاق هذا الحق بلا قيود، بل لا بد من ممارسته فيإطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله و تضمنانسجامه مع مقتضيات النظام العام و السير العاديللمرافق العمومية على نحو لا يمس سيرها المنتظم بشكلمؤثر، كما أن عدم ثبوت أن الإضراب الذي خاضهالطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة( الإخلال بسيرالمرفق العام،..)لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجبالمهني وبالتالي تكون عقوبة الإنذار المؤسسة على هذهالواقعة لاغية"؛
الحكم الثاني: صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ7/02/2006، في الملف عدد:05/107 قضت فيه برفضطلب تقدم به أحد المضربين يطعن بواسطته في القرارالقاضي باقتطاع من أجرته عن التغيب المبرر، موضحةفي حيثيات الحكم:" إن حق الإضراب حق أصيل، مكفولدستوريا، وغياب النص التنظيمي ووجود فراغ تشريعيبخصوص تنظيم هذا الحق يعطي القضاء الإدارياستنادا إلى دوره الإنشائي، إمكانية خلق ضوابط كفيلةبتأمين ممارسته بشكل يضمن الحفاظ على سير المرافقالعامة بانتظام وباضطراد ، وأضافت المحكمة" أن تبوتعدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذاالحق أدى إلى عرقلة سير المرفق العام، ولجوء الإدارةإلى تطبيق مقتضيات المرسوم الصادر بتاريخ 10 مايو2005باعتبار أن الأجر يؤدى مقابل العمل يجعل قرارالاقتطاع من الراتب قرارا مشروعا"؛
و يرى الأستاذ إدريس المشترائي محامي أن ربط حقالإضراب باستمرارية المرفق العام هو تقييد لممارسة هذاالحق خاصة إذا مورس بناء على تأطير نقابي و أشعرتبه الجهة التي يعنيها الأمر لتتخذ كافة الاحتياطات،بمعنى أن يكون قد مورس طبقا للقانون؛
و ما يجب التأكيد عليه في الأخير، هو أن يجتهدالقاضي لضمان ممارسة حق الإضراب، وباحترام هذاالحق سيتم ضمان حق هام من الحقوق النقابية للموظف.
المستوى الثالث : الإضراب والتغيب غير المشروععن العمل
لعل أهم دليل تستند إليه الإدارة المغربية في القول بمنعالإضراب وعدم مشروعيته هو أن الفصل 29 مندستور2011 إنما يخص الفئات التي كان مسموحا لهابمزاولة الإضراب قبل صدور دستور 1962م ، وبالتاليفان فئة الموظفين لا تزال توجد في دائرة الاستثناء منالتمتع بهذا الحق، وقد تقدم أن هذا الدليل واه وتم دفعه بحجج دامغة؛
غير أن الإدارة تتشبت مرة أخرى بذريعة عدم صدورالقانون التنظيمي لتقنين كيفية ممارسة هذا الحق. وفيهذا السياق نشير إلى أن الاحتجاج بقرار المجلسالأعلى الصادر في سنة 1961 ، والمعروف بقرارالحيحي ضد وزير التربية الوطنية الذي كرس العملبالفصل 5 من ظهير 1958 ، يظل خارجا عن هذا السياق الذي نتحدث فيه على اعتبار أنه صدر قبل دستور 1962؛
وخلافا لهذا التوجه الخاطئ فقد جاء في قرار آخرللمجلس الأعلى نفسه بتاريخ 11 يونيو1969 ما نصه :"لايمكن اعتبار أيام الإضراب في احتساب التغيبات الغيرمبررة التي تؤدي إلى الطرد." وهو ما يستفاد منهالاعتراف بمشروعية الإضراب بل وعدم اعتباره منالتغيبات غير المبررة التي قد تستوجب الاقتطاع منالأجر أو التأديب" ؛
كما أن المحكمة الإدارية بمكناس أكدت من خلال حكمهاعدد 63 في 12-7-2001 المتعلق بقضية شيبان أن حقالإضراب مضمون لكن لابد من توفر الضوابط اللازمةلممارسته وذلك لتحقيق التوازن بين حق المضربين وبينمبدأ استمرارية المرفق العام، وهذا ما أكدته المحكمةالإدارية بالرباط كذلك؛
إذ بالعودة إلى بعض الأحكام القضائية يتبين أن ثمةمجموعة من الضوابط التي تعارف عليها القضاء خاصةالمصري والفرنسي ثم المغربي بعد ذلك، والتي يجبتوفرها قبل القول بمشروعية الإضراب أو بعدمها ومنهاعلى الخصوص :
-الإشعار المسبق للإدارة من قبل الجهة النقابية التيتعتزم خوض الإضراب مع إعطاء الإدارة الوقت الكافيلتدبير أمورها.
-أن تكون الجهة المعلنة للإضراب مشكلة تشكيلا قانونيا.
-توضيح أسباب الإضراب ومدته.
وفي ما يلي نسوق بعض الأمثلة التي تكرس هذهالضوابط:
-أولا: ورد في حيثيات حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد915-2006 ما يلي :" وحيث دفع السيد الوكيلالقضائي بكون الإضراب إمكانية دستورية يبقىاستخدامها واستعمالها رهينا بضرورة توفر الشروطوالإجراءات التي سيحددها القانون التنظيمي الذي لميصدر لغاية يومه؛
وحيث انه إذا كان من المسلم به أن الإضراب حقدستوري يجب ضمان احترامه ، وأن عدم صدور نصتنظيمي يبين كيفية ممارسة حق الإضراب لا يفيدممارسة هذا الحق على إطلاقه، بل لابد من ممارسته فيإطار ضوابط محددة تمنع إساءة استعماله؛
وحيث يستلزم ممارسة حق الإضراب قيام التنظيمالنقابي بإخطار الإدارة مسبقا، يتضمن الهدف مناللجوء إلى الإضراب وبدايته ونهايته وإعطائها مهلة قبلالقيام به ، حتى يمكن اتخاذ الإجراءات والاحتياطياتالضرورية للمحافظة على الأمن العام وتأمين تقديمالخدمات للجمهور، لكون الإضراب المباغت أو الطارئغير مشروع..."؛
-ثانيا: التعليل نفسه في الحكم 914-2006 الصادر عنالمحكمة الإدارية بفاس كذلك.
-ثالثا: وحسب قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادربتاريخ 21-7-1972 فالإضراب يجب أن يكون صادرا عنالهيئة أو المهيآت النقابية التي دعت إليه ، وأن لا يتمالاكتفاء فيه بتوجيهه فقط عن طريق الصحافة ووسائلالإعلام، بالإضافة إلى ذلك فان هذا الإضراب يجب أنيكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشكيلا قانونيا.
يتبين بوضوح أن حق ممارسة الإضراب لم يعد محطجدال خاصة إذا توفرت الضوابط المشار إليها. وبالتالينتساءل هنا ألا يكون الاقتطاع من الأجر الذي تنفذهالإدارة المغربية أحيانا ضربا من الانتكاسة والرجوع إلىالوراء فيما يتعلق بمشروعية الإضراب رغم توفر ضوابطه؟.
المستوى الرابع : الإضراب والإقتطاع من الأجرة
لقد شكلت مسألة الإقتطاع من الأجرة نتيجة الإضرابمشكلا مضاعفا لدى القضاء الإداري المغربي ،إذ أنالمآخذ التي سجلت عليه هو استنساخه لقاعدة الأجرمقابل أداء العمل التي اعتمدها المشرع و القاضيالإداري الفرنسيين على السواء وذلك لعدة أسباب،نجملها فيما يلي :
السبب الأول: لا يمكن أن نقيس النوازل المعروضة علىالقضاء الفرنسي بمثيلتها في المغرب، على اعتبار أن الحق النقابي للموظف الفرنسي يحاط بالكثير من ضمانات القانونية و القضائية ، و يتوفر على العديد منالوسائل و الآليات و التسهيلات التي تجعل من حق الإضراب أحد الخيارات من بين العديد من الخيارات المتاحة أمام الموظف والنقابات، كما أن الحق النقابي يمارس في فضاء ديمقراطي يرتب المسؤولية المزدوجة للدولة والموظف الذي يمارسه، بالإضافة إلى أن النقابات تتوفر على موارد مالية مهمة، حيث أنها تستفيد من دعممادي من طرف الدولة و تقتطع الاشتراكات من منبعأجور الموظفين المنخرطين، بالشكل الذي تستطيع معه تغالطية الأيام المقتطعة لجميع المضربين. كما أن هنا كظاهرة تنفرد بها فرنسا و هي أن النقابات المضربة تستفيد من منح من قبل البلديات ولها الحق في القيام باكتتاب عام . وبالتالي لا يمكن مقارنة هذا الواقعبالظروف التي يعيشها الموظف و النقابات بالمغرب التييمكن القول أنها تتوفر على حق الإضراب كسلاح وحيدأمامها لممارسة الضغط على الإدارة ، ومن هنا فممارسةالإضراب بالنسبة للموظف الفرنسي تعد مناسبة لإبرازموقفه، ولو أدى به الأمر إلى التضحية براتبه، ولذلك فهوغير مبال بالاقتطاع من أجرته، أما الاقتطاع بالنسبةللموظف المغربي هو إحدى المناسبات لتأديبه و تأزيموضعيته المادية والنفسية ووسيلة لتكبيل حق يعتبرهمكسبا دستوريا ؛
السبب الثاني: يتمثل في أن القواعد التي تنظم شكليات وضوابط ممارسة حق الإضراب وسيره وكيفية تتبعه،هي قواعد القانون التنظيمي التي تكمل النص الدستوري وتكون في درجة اقل من الدستور و أرقىدرجة من التشريع، و بالتالي فلا يمكن أن تنزلالنصوص المرجعية للقرارات القضائية إلى اقل من هذاالمستوى وهي الحالة التي تتكرر في العديد من القضاياالمرتبطة بالاقتطاع بالإضراب، حيث يتم الرجوع إلىالقرارات اللائحية من قبيل المرسوم الصادر بتاريخ 10ماي 2010 السالف الذكر؛
السبب الثالث: هو أنه إذا سلمنا بالقاعدة المحاسباتيةالأجر مقابل إنجاز العمل ، حتى وإن كان الإضرابمشروعا فلماذا يتم استثناء الحالات الأخرى منالاقتطاع طالما انه لم يتم إنجاز العمل في هذه الحالاتكالغياب لأسباب مرضية و الأعياد والعطل السنوية ألخ..؛
السبب الرابع: هو أن إشهار سلاح الاقتطاع قد يؤديإلى إما إلى إضعاف الحق النقابي للموظف الذي لايمكن أن يكون له معنى بدون ممارسة حق الإضراب ،وبالتالي بداية تراجع العمل النقابي بالقطاع العموميوافتقاد إطار للدفاع عن المصالح المهنية والمادية ،يملك وسائل و آليات قانونية كتلك التي تملكهاالنقابات ، وإما أن يؤدي إلى الاجتهاد في إبداع صيغاحتجاجية أخرى قد تكون لها خطورة أقوى من الآثارالناتجة عن غياب المضربين عن العمل كالإضراب المقنعأو الإضراب المبرقع ؛
ولذلك فإن الجواب على التساؤل المطروح حول هذاالاقتطاع يمكن ان يتم من خلال العناصر التالية:
1 – إن الوضعية القانونية الحالة تتسم بعدم تنظيمممارسة حق الإضراب، لكن ذلك لا يشكل مدعاة للمساسبه أو إهداره باعتبار قيمته الدستورية ، وتحديدا كونه حقا مضمونا دستوريا وهذا يعني أن له حماية دستورية.
2 - قد يقال بأنه في غياب القانون التنظيمي الموعود به،فلا يمكن قبول ممارسة هذا الحق المطلق بل لابد منمراعاة ضوابط النظام العام. وفي غياب التنظيم المطروحعليه تدبير هذه المراعاة، فإن الاختصاص ينصرفللسلطة القضائية، وهذا صحيح من منطلق أن هذهالسلطة هي الموكول لها حماية النظام العام، لكن ماهيحدود اختصاص هذه السلطة في هذا المجال، بطبيعةالحال أمام مبدأ فصل السلط فلا يمكن لهذه السلطة أنتذهب بعيدا في اجتهادها إلى حد تعويض السلطةالتشريعية في مهامها خاصة وأن الدستور نص صراحةعلى أن موضوع تنظيم حق الإضراب هو من اختصاصالقانون التنظيمي ولذلك، فإن مجال تدخل القضاءينحصر في البث في مشروعية الإضراب من عدمه، وفيهذا الإطار نذكر بقرار المجلس الأعلى عدد 96 بتاريخ16/01/1996 في ملف اجتماعي 8608/93 حيث جاءفيه الإضراب وإن كان حقا مشروعا بمقتضى القانونفإنه حين اعتبر أن ما قام به العمال يهدف إلى تحقيق مطالب مشروعه فإنه لم يوضح ما هي هذه المطالب حتىيمكن تقييمها والبحث عن مشروعيتها؛
كما نذكر بقرار عدد 190 في 14/03/2000 في ملفاجتماعي عدد 651/5/1/99 جاء فيه على الخصوصالإضراب وإن كان حقا مشروعا فإن الغاية منه الدفاععن حقوق مكتسبة ومشروعة للعمال، والإضراب النقابيللتضامن مع عامل تم توقيفه لا يهدف إلى مصلحة عامةللمضربين ويشكل بالتالي عملا غير مشروع؛
وهكذا يتضح بأن القضاء مقتنع بأن دوره ينحصر فيمراقبة مشروعية الإضراب باعتبار الغاية من إقراره ،وهذا ما يؤدى إلى استخلاص علاقة الإضراب بممارسةالحق النقابي، أن التمتع بهذا الأخير يؤدي حتما إلىإقرار حق الإضراب؛
و إذن فالاقتطاع من أجرة الموظفين بسبب ممارسةالإضراب باعتباره تغيبا غير مبرر حسب تعليل قراراتالاقتطاع ، يبقى أساسه القانوني مفتقدا في غيابالقانون التنظيمي للإضراب؛
ولا يمكن تعليل ذلك بغياب المشروعية ، مادام الإضرابممارسة لحق دستوري وتمت ممارسته في حدوده المهنيةالمعروفة، أي بناء على مطالب مشروعة ودون أن يصاحببأية ممارسات ماسة بالنظام العام. كما لا يمكن أن يبررذلك أيضا بمسؤولية الإدارة في ضمان السير العاديللمرافق الحيوية، لأن مثل هذا التعليل يبقى حسب منظمةالعمل الدولية منحصرا في حدود جد ضيقة، عندما يتعلقالأمر بتهديد حال لسلامة وأمن المواطنين، ونحن بعيدونفي الإضرابات المذكورة عن هذا المفهوم؛
يمكن القول في الختام بأنه لو حاول الاجتهاد القضائيأن يفرغ حق الإضراب من محتواه، والمشرع لم يصدرقانون تنظيمي ،فالمسؤولية تتحملها الدولة ، إذ لا يعنيغياب قانون تنظيمي مبررا لاعتماد تقييدات تحد منممارسة حق الاضراب؛
فإذا كان غياب قانون تنظيمي يستوجب الإقتطاع منالأجرة فهذا سوف يفسر على أساس عدم الإعترافبالحق الدستوري لممارسته، فهو حق أولا وأخيراوالهدف في النهاية هو ممارسة ضغط لتحقيق مطالب ،وفي الجهة المقابلة هناك فئة متضررة وهي فئة المواطنينوبدورها هي تمارس الضغط ، من خلال مطلب ضرورةسيرورة الرفق وعدم تعطيل مصالحهم؛
فالذي يخشى من الاجتهاد القضائي هو تقييد هذا الحقمن زاوية المصلحة العامة نتيجة الضرر الذي يلحق بفئاتمعينة؛
وبالتالي فلا يمكن التعاطي مع الإضراب من زاويةقانونية صرفة ، وإنما من زاوية سياسية فكل الدساتيرالمغربية منذ 1962 إلى غاية دستور 2011 اعتبرته حقا دستوريا؛
فالأمر لا يتعلق بوجود قانون تنظيمي من عدمه،فالإضراب مبدأ دستوري والقانون التنظيمي هو آليةلضبط وتفصيل ما هو دستوري، وهو الأمر الذي يفسراللجوء إلى القواعد العامة في غياب نص خاص، لهذا لايمكن اللجوء إلى الاقتطاع من الأجر باعتباره نفي لهذاالحق الدستوري
ولمعالجة هذه الإشكالات ارتأينا ملامسته وفق أربعةمستويات وهي كالتالي:
المستوى الأول: الإضراب في المواثيق الدولية ، المستوىالثاني: الإضراب في الإجتهاد القضائي ،المستوىالثالث: الإضراب والتغيب غير المشروع عن العمل ،المستوى الرابع: الإضراب وإشكال الإقتطاع من الأجرة .
المستوى الأول : الإضراب بين القوانين الوطنيةوالمواثيق الدولية
يعرف الإضراب بأنه الامتناع عن أداء عمل معين فيمرفق عمومي أو خاص، وهو إجراء تقوم به وتدعو إليهنقابة أو مجموعة من النقابات بقصد ممارسة الضغطعلى الجهة المشغلة من أجل تحسين ظروف العمل قصد تحقيق مطالب مشروعة ومستحقة تم تجاهلها أوالتسويف في إنجازها، وذلك بعد أن تكون القياداتالنقابية قد وصلت إلى طريق مسدود في حواراتهاالنقابية مع مسؤولي الجهات المعنية. وهو يدخل ضمنالحريات التي كفل الدستور المغربي حمايتها، لذا فمنحيث المبدأ لا عيب في تنظيم هذا الحق وإن كانتالتشريعات التي نظمته قليلة في حين أن تشريعات بعضالدول المتقدمة تركت أمر تنظيم الإضراب الى السلطةالقضائية؛
إذا فلا أحد يجادل من حيث المبدأ في إقرار حق ممارسةالإضراب، لكن ينبغي في المقابل وضع مجموعة ضوابطمن شأنها تنظيمه دون حذره أو منعه لكون ذلك الحق هوحق دستوري أصيل؛
والمغرب كما العديد من الدول اعترف بممارسة حقالإضراب بالقطاع الخاص كما بالقطاع العام لكن تبقىلكل نوع خصوصيات تميزه، حيث وإن كان حقالإضراب بالقطاع الخاص يقابل بالإجراء المتمثلبالإغلاق من قبل الجهة المشغلة، فإنه وبالنسبة للقطاعالعام لا يمكننا تصور لجوء المؤسسة أو الإدارة العموميةإلى إجراء الإغلاق لكون ذلك يتعارض مع مبدأاستمرارية المرفق العام.
أولا : ممارسة حق الإضراب من خلال المواثيقالدولية
أ - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
على اعتبار أن حق ممارسة الإضراب وبفعل تداخلطبيعته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإن هذاالحق يبقى مصنفا ضمن دائرة الحريات العامة للمواطنوالتي من ضمنها حق الانتماء والانخراط النقابي،والتفاتا من مختلف التشريعات المقارنة لضمان هذا الحقنجد بأن المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانالصادر في 10 دجنبر 1984 كرست ضمان وحماية هذاالحق وذلك من خلال التنصيص على أنه:
1 – لكل شخص الحق في العمل وفي حرية اختيار عملهوفي شروط عمل عادلة ومرضية وفي حماية من البطالة.
2 – لجميع الأفراد دون تمييز، الحق في أجر متساويعلى العمل المتساوي.
3 – لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل لهولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل عندالاقتضاء بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية عندما نصتعلى أنه: "تتعهد الدول الأطراف بأن تكفل:
أ – حق كل فرد بتشكيل النقابات والانضمام إلى مايختار منها في حدود ما تفرضه قواعد التنظيم المهني،وذلك من أجل تعزيز وحماية مصالحه الاقتصاديةوالاجتماعية، ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذاالحق سوى ما ينص عليه القانون ، مما يكون ضروريافي مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن الوطني أو النظامالعام أو من أجل حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ب – حق النقابات في تشكيل اتحادات وطنية أوتعاهدات وحق هذه الأخيرة بتكوين منظمات نقابية دوليةأو الانضمام إليها.
ت – حق النقابات في العمل بحرية دون أن تخضع لأيةقيود سوى ما ينص عليه في القانون مما يكون ضروريافي مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن الوطني أو النظامالعام أو من أجل حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
ث – الحق في الإضراب على أن يمارس طبقا لقوانينالقطر المنظم.
وإذا كانت هذه النصوص قد وضعت للحق النقابيوللإضراب أساسا قانونيا، فإنها تركت الحرية لكل دولةلكي تنظمها وفق القانون الداخلي.
ب- منظمة العمل الدولية:
لا بد من التأكيد على أن منظمة العمل الدولية بدورها قدحرصت على ضرورة حماية ممارسة الحق فيالإضراب، ويتجلى هذا الحرص من خلال العديد منالقرارات التي تعلن فيها هذه المنظمة بأن حق الإضرابيعتبر ممارسة مشروعة على المستوى الوطني وفيالقطاعين الخاص والعام، لكن بشرط أن ترتكز تلكالإضرابات على أهداف اقتصادية واجتماعية ومن دونأن تكون ذات طابع سياسي أو ديني.
ثانيا: موقف التشريع المغربي من ممارسة حقالإضراب
وسوف نتناول ذلك من خلال القوانين الداخلية، وباعتبارالمغرب عضوا في المعاهدات الدولية .
أ : من خلال القوانين الداخلية
بالرجوع إلى التشريع المغربي ومن خلال مقتضياتظهير 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية وكذاالمرسوم الصادر في 5 فبراير 1958 واستقراءمقتضيات الفصل 5 منه نجده ينص على أن : "كل توقفعن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدمالانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عنه علاوة علىالضمانات التأديبية ويعم هذا جميع الموظفين"؛
فظاهر هذا النص كان يوحي إلى تحريم حق الإضرابعلى فئة الموظفين العموميين حسب تأويلات الكثيرين؛
إلا أن صدور دستور سنة 1962 وضع كخطوة أولى حدالآثار الفصل 5 من ظهير 1958، ثم أقر ثانيا وبشكلصريح من خلال مقتضيات الفصل 14 من دستور 1962على مشروعية ممارسة حق الإضراب. ولكن في المقابلترك مسألة تنظيمه أي بيان كيفية ممارسته للبرلمان وعليهيكون حق الإضراب من المبادئ الأساسية التي يعترفبها الدستور وتكمله في نفس الوقت؛
إلا أن هناك آراء أخرى، وإلى حدود أواسط الثمانينات،تعتبر الإضراب في الوظيفة العمومية غير قانوني، وذلكلعدم صدور قانون تنظيمي ينظمه وهو الشيء الذي لميتم لحد الآن، بالنظر إلى الصراع الدائر بين الحكومةوالنقابات التي ترى في رغبة الأولى في إصدار القانونالتنظيمي محاولة منها لتقييد حق ممارسة الإضراب؛
وتستند تلك الآراء على تأويل للنص الفرنسي للمادة 14من الدستور الذي جاء فيها أن حق الإضراب يضلمضمونا، ويعني هذا، في نظرهم، أنه يبقى مضمونا فيالقطاع الخاص، كما نجد الحكومة تعتبر دائما،الإضراب في الوظيفة العمومية غير مشروع ارتكازا علىالفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير1958، ونذكر علىسبيل المثال منشور الوزير الأول رقم 5-319 بتاريخ 17أبريل 1979 وكان ذلك بمناسبة إضرابات رجال التعليموالصحة في أبريل 1979؛
ويعرف النقاش القانوني والفقهي انتعاشا عند حدوثكل إضراب من جهة، و اقتطاع الإدارة من أجور الموظفينأو عزلهم من جهة ثانية بمناسبة الإضراب عن العمل؛
لقد حرص الموظفون بالمغرب على ممارسة حق الإضرابفي عدة مناسبات للضغط على الحكومة للاستجابةللملفات المطلبية المطروحة من طرف منظماتهم النقابية،ويجب أن نشير إلى أن ممارسة الإضراب في عدةمحطات من تاريخ المغرب أدى إلى طرد العديد منالموظفين من الوظيفة العمومية، مثل طرد موظفي وزارةالخارجية المضربين في دجنبر 1961، وعرضت قضاياالطرد من الوظيفة العمومية على المجلس الأعلى؛ نذكرمنها قضية محمد الحيحي، موظف بوزارة التربيةالوطنية و الشبيبة والرياضة، وإدريس نداء موظف بوزارةالبريد. وسنتعرف على حيثيات تلك الأحكام من خلالدراسة حق الإضراب في الاجتهاد القضائي المغربي؛
ونظرا للمركز المتميز الذي تحتله القوانين التنظيمية فهيأسمى من القانون العادي وأدنى من الدستور والمشرعأناط وضعها بمسطرة خاصة تتمثل في عرضها وجوباعلى المحكمة الدستورية المختصة للنظر في مدىدستوريتها؛
فالمحكمة الدستورية تسوي بين النص التنظيمي والنصالدستوري.
ب : من خلال سمو المعاهدات الدولية:
يمكن القول بأنه وعلى اعتبار المغرب عضوا في منظمةالعمل الدولية والاتفاقيات الدولية، فإن مقتضيات هذهالمعاهدات أو الأوفاق الدولية التي وقع عليها المغربووافق على نشرها،ترجح على أحكام القانون الوطنيالداخلي، وذلك وفق ما جاء في تصدير لدستور فاتحيوليو 2011؛
لكن لابد من الإشارة إلى أن النقص الذي بقي يعتريالترسانة القانونية في مجال الإضراب يتمثل في طولغياب القانون التنظيمي المشار إليه من قبل دستور1962 المادة 14 و المادة 29 من دستور2011، هذاالفراغ الذي حاولت كل جهة استغلاله لمصلحتها وحسبتفسيراتها إذ المضربون يعتبرون أنه وفي غياب هذاالنص التنظيمي فليس هناك مبرر قانوني يمنعهم منممارسة هذا الحق. أما في المقابل، فالحكومة تعتبر تلكالإضرابات غير قانونية ما دام النص التنظيمي الذييبين كيفية تنظيمها لم يخرج بعد إلى حيز الوجود؛ وسموالاتفاقيات على القانون الوطني بالإضافة إلى تأكيده منقبل التشريعات الداخلية فقد أكده أيضا القانون الدوليالعام نفسه؛
هكذا إذا نستخلص بأن تلك الاتفاقيات التي صادقعليها المغرب في مجال ممارسة حق الإضراب تعتبرأسمى من القوانين الوطنية؛
وبذلك تكون ممارسة الحق في الإضراب قد حظيتبالدعم والتأييد الكاملين سواء على مستوى القوانينالداخلية وأيضا على صعيد المواثيق الدولية.
المستوى الثاني :الإضراب في الإجتهادالقضائي
كان المجلس الأعلى يرتكز على تفسير الفصل 5 منمرسوم 5 فبراير1958 بشأن مباشرة الموظفين الحقالنقابي، وقد صدر على أساس ذلك قرار شهير وهو قرارمحمد الحيحي بتاريخ 17 أبريل 1961، وما يثير الجدلفي هذا القرار هو ارتكازه على مرسوم 5 فبراير السابقدون أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا المرسوم قد صدر قبلوضع دستور1962، وبأن هذا الأخير في الفصل 14 منهيؤكد على أن حق الإضراب مضمون.
وبمناسبة إضراب 20 يونيو 1981 واصل المجلس الأعلىتأكيد اجتهاده الوارد في قرار محمد الحيحي؛ وبنفسالحجج وذلك في قراره الصادر عن الغرفة الإداريةبتاريخ 25 مايو 1984 في قضية إدريس نداء ضد وزيرالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ، حول قرار عزلهبتاريخ 23 دجنبر 1981 من غير توقيف حق التقاعدابتداء من اليوم الموالي لتاريخ تبليغ القرار؛
وفي تعليقه على هذين القرارين، يرى الأستاذ عبد القادرباينة أنه لا يمكن أن يعتبر الإضراب بصفة عامة غيرشرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبرغير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور، ويرى كذلكأن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق،ولكن، بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئاتالموظفين الذين تمنع عليهم أنظمتهم الأساسية بصراحةحق الإضراب. ويبقى الإضراب مشروعا لباقي الموظفين،ومن الفئات التي تحرم أنظمتها الأساسية الحق في الإضراب: متصرفو وزارة الداخلية، موظفو إدارةالسجون، رجال القضاء؛
لقد أكدت بعض المحاكم الإدارية الصادرة مؤخرا رأيالأستاذ عبد القادر باينة، حيث أنه بالرجوع لتلك الأحكامالمرتبطة بممارسة حق الإضراب، الصادرة من طرفالمحاكم الإدارية المغربية، فإن الاجتهاد القضائيالمغربي استقر على اعتبار الإضراب حقا مشروعا؛ إلاأن ممارسته تخضع لبعض الشروط القانونية، تتمثل فيعدم الإخلال بالسير المنتظم للمرفق العمومي. لذا فإنالإضراب المفاجئ أو المباغت والطارئ يعتبر غيرمشروع، كما أنه يجب أنه يكون بهدف تحقيق مكاسب مهنية وليس ذا أبعاد سياسية؛
ومن الأحكام الصادرة من طرف القضاء الإداري في السنوات الأخيرة:
الحكم الأول: صادر عن إدارية مكناس تحت عدد01/36بتاريخ 12 يوليو 2002 قضى بإلغاء القرار الصادر عنوزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الإنذار فيمواجهة الطاعن معللا كما يلي:" الإضراب حق دستوريأكدته جميع الدساتير المتعاقبة و عدم صدور تشريعتنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق الإضراب، لا يعنيإطلاق هذا الحق بلا قيود، بل لا بد من ممارسته فيإطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله و تضمنانسجامه مع مقتضيات النظام العام و السير العاديللمرافق العمومية على نحو لا يمس سيرها المنتظم بشكلمؤثر، كما أن عدم ثبوت أن الإضراب الذي خاضهالطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة( الإخلال بسيرالمرفق العام،..)لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجبالمهني وبالتالي تكون عقوبة الإنذار المؤسسة على هذهالواقعة لاغية"؛
الحكم الثاني: صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ7/02/2006، في الملف عدد:05/107 قضت فيه برفضطلب تقدم به أحد المضربين يطعن بواسطته في القرارالقاضي باقتطاع من أجرته عن التغيب المبرر، موضحةفي حيثيات الحكم:" إن حق الإضراب حق أصيل، مكفولدستوريا، وغياب النص التنظيمي ووجود فراغ تشريعيبخصوص تنظيم هذا الحق يعطي القضاء الإدارياستنادا إلى دوره الإنشائي، إمكانية خلق ضوابط كفيلةبتأمين ممارسته بشكل يضمن الحفاظ على سير المرافقالعامة بانتظام وباضطراد ، وأضافت المحكمة" أن تبوتعدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذاالحق أدى إلى عرقلة سير المرفق العام، ولجوء الإدارةإلى تطبيق مقتضيات المرسوم الصادر بتاريخ 10 مايو2005باعتبار أن الأجر يؤدى مقابل العمل يجعل قرارالاقتطاع من الراتب قرارا مشروعا"؛
و يرى الأستاذ إدريس المشترائي محامي أن ربط حقالإضراب باستمرارية المرفق العام هو تقييد لممارسة هذاالحق خاصة إذا مورس بناء على تأطير نقابي و أشعرتبه الجهة التي يعنيها الأمر لتتخذ كافة الاحتياطات،بمعنى أن يكون قد مورس طبقا للقانون؛
و ما يجب التأكيد عليه في الأخير، هو أن يجتهدالقاضي لضمان ممارسة حق الإضراب، وباحترام هذاالحق سيتم ضمان حق هام من الحقوق النقابية للموظف.
المستوى الثالث : الإضراب والتغيب غير المشروععن العمل
لعل أهم دليل تستند إليه الإدارة المغربية في القول بمنعالإضراب وعدم مشروعيته هو أن الفصل 29 مندستور2011 إنما يخص الفئات التي كان مسموحا لهابمزاولة الإضراب قبل صدور دستور 1962م ، وبالتاليفان فئة الموظفين لا تزال توجد في دائرة الاستثناء منالتمتع بهذا الحق، وقد تقدم أن هذا الدليل واه وتم دفعه بحجج دامغة؛
غير أن الإدارة تتشبت مرة أخرى بذريعة عدم صدورالقانون التنظيمي لتقنين كيفية ممارسة هذا الحق. وفيهذا السياق نشير إلى أن الاحتجاج بقرار المجلسالأعلى الصادر في سنة 1961 ، والمعروف بقرارالحيحي ضد وزير التربية الوطنية الذي كرس العملبالفصل 5 من ظهير 1958 ، يظل خارجا عن هذا السياق الذي نتحدث فيه على اعتبار أنه صدر قبل دستور 1962؛
وخلافا لهذا التوجه الخاطئ فقد جاء في قرار آخرللمجلس الأعلى نفسه بتاريخ 11 يونيو1969 ما نصه :"لايمكن اعتبار أيام الإضراب في احتساب التغيبات الغيرمبررة التي تؤدي إلى الطرد." وهو ما يستفاد منهالاعتراف بمشروعية الإضراب بل وعدم اعتباره منالتغيبات غير المبررة التي قد تستوجب الاقتطاع منالأجر أو التأديب" ؛
كما أن المحكمة الإدارية بمكناس أكدت من خلال حكمهاعدد 63 في 12-7-2001 المتعلق بقضية شيبان أن حقالإضراب مضمون لكن لابد من توفر الضوابط اللازمةلممارسته وذلك لتحقيق التوازن بين حق المضربين وبينمبدأ استمرارية المرفق العام، وهذا ما أكدته المحكمةالإدارية بالرباط كذلك؛
إذ بالعودة إلى بعض الأحكام القضائية يتبين أن ثمةمجموعة من الضوابط التي تعارف عليها القضاء خاصةالمصري والفرنسي ثم المغربي بعد ذلك، والتي يجبتوفرها قبل القول بمشروعية الإضراب أو بعدمها ومنهاعلى الخصوص :
-الإشعار المسبق للإدارة من قبل الجهة النقابية التيتعتزم خوض الإضراب مع إعطاء الإدارة الوقت الكافيلتدبير أمورها.
-أن تكون الجهة المعلنة للإضراب مشكلة تشكيلا قانونيا.
-توضيح أسباب الإضراب ومدته.
وفي ما يلي نسوق بعض الأمثلة التي تكرس هذهالضوابط:
-أولا: ورد في حيثيات حكم المحكمة الإدارية بفاس عدد915-2006 ما يلي :" وحيث دفع السيد الوكيلالقضائي بكون الإضراب إمكانية دستورية يبقىاستخدامها واستعمالها رهينا بضرورة توفر الشروطوالإجراءات التي سيحددها القانون التنظيمي الذي لميصدر لغاية يومه؛
وحيث انه إذا كان من المسلم به أن الإضراب حقدستوري يجب ضمان احترامه ، وأن عدم صدور نصتنظيمي يبين كيفية ممارسة حق الإضراب لا يفيدممارسة هذا الحق على إطلاقه، بل لابد من ممارسته فيإطار ضوابط محددة تمنع إساءة استعماله؛
وحيث يستلزم ممارسة حق الإضراب قيام التنظيمالنقابي بإخطار الإدارة مسبقا، يتضمن الهدف مناللجوء إلى الإضراب وبدايته ونهايته وإعطائها مهلة قبلالقيام به ، حتى يمكن اتخاذ الإجراءات والاحتياطياتالضرورية للمحافظة على الأمن العام وتأمين تقديمالخدمات للجمهور، لكون الإضراب المباغت أو الطارئغير مشروع..."؛
-ثانيا: التعليل نفسه في الحكم 914-2006 الصادر عنالمحكمة الإدارية بفاس كذلك.
-ثالثا: وحسب قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادربتاريخ 21-7-1972 فالإضراب يجب أن يكون صادرا عنالهيئة أو المهيآت النقابية التي دعت إليه ، وأن لا يتمالاكتفاء فيه بتوجيهه فقط عن طريق الصحافة ووسائلالإعلام، بالإضافة إلى ذلك فان هذا الإضراب يجب أنيكون بناء على توجيه من نقابة ذات تمثيلية ومشكلة تشكيلا قانونيا.
يتبين بوضوح أن حق ممارسة الإضراب لم يعد محطجدال خاصة إذا توفرت الضوابط المشار إليها. وبالتالينتساءل هنا ألا يكون الاقتطاع من الأجر الذي تنفذهالإدارة المغربية أحيانا ضربا من الانتكاسة والرجوع إلىالوراء فيما يتعلق بمشروعية الإضراب رغم توفر ضوابطه؟.
المستوى الرابع : الإضراب والإقتطاع من الأجرة
لقد شكلت مسألة الإقتطاع من الأجرة نتيجة الإضرابمشكلا مضاعفا لدى القضاء الإداري المغربي ،إذ أنالمآخذ التي سجلت عليه هو استنساخه لقاعدة الأجرمقابل أداء العمل التي اعتمدها المشرع و القاضيالإداري الفرنسيين على السواء وذلك لعدة أسباب،نجملها فيما يلي :
السبب الأول: لا يمكن أن نقيس النوازل المعروضة علىالقضاء الفرنسي بمثيلتها في المغرب، على اعتبار أن الحق النقابي للموظف الفرنسي يحاط بالكثير من ضمانات القانونية و القضائية ، و يتوفر على العديد منالوسائل و الآليات و التسهيلات التي تجعل من حق الإضراب أحد الخيارات من بين العديد من الخيارات المتاحة أمام الموظف والنقابات، كما أن الحق النقابي يمارس في فضاء ديمقراطي يرتب المسؤولية المزدوجة للدولة والموظف الذي يمارسه، بالإضافة إلى أن النقابات تتوفر على موارد مالية مهمة، حيث أنها تستفيد من دعممادي من طرف الدولة و تقتطع الاشتراكات من منبعأجور الموظفين المنخرطين، بالشكل الذي تستطيع معه تغالطية الأيام المقتطعة لجميع المضربين. كما أن هنا كظاهرة تنفرد بها فرنسا و هي أن النقابات المضربة تستفيد من منح من قبل البلديات ولها الحق في القيام باكتتاب عام . وبالتالي لا يمكن مقارنة هذا الواقعبالظروف التي يعيشها الموظف و النقابات بالمغرب التييمكن القول أنها تتوفر على حق الإضراب كسلاح وحيدأمامها لممارسة الضغط على الإدارة ، ومن هنا فممارسةالإضراب بالنسبة للموظف الفرنسي تعد مناسبة لإبرازموقفه، ولو أدى به الأمر إلى التضحية براتبه، ولذلك فهوغير مبال بالاقتطاع من أجرته، أما الاقتطاع بالنسبةللموظف المغربي هو إحدى المناسبات لتأديبه و تأزيموضعيته المادية والنفسية ووسيلة لتكبيل حق يعتبرهمكسبا دستوريا ؛
السبب الثاني: يتمثل في أن القواعد التي تنظم شكليات وضوابط ممارسة حق الإضراب وسيره وكيفية تتبعه،هي قواعد القانون التنظيمي التي تكمل النص الدستوري وتكون في درجة اقل من الدستور و أرقىدرجة من التشريع، و بالتالي فلا يمكن أن تنزلالنصوص المرجعية للقرارات القضائية إلى اقل من هذاالمستوى وهي الحالة التي تتكرر في العديد من القضاياالمرتبطة بالاقتطاع بالإضراب، حيث يتم الرجوع إلىالقرارات اللائحية من قبيل المرسوم الصادر بتاريخ 10ماي 2010 السالف الذكر؛
السبب الثالث: هو أنه إذا سلمنا بالقاعدة المحاسباتيةالأجر مقابل إنجاز العمل ، حتى وإن كان الإضرابمشروعا فلماذا يتم استثناء الحالات الأخرى منالاقتطاع طالما انه لم يتم إنجاز العمل في هذه الحالاتكالغياب لأسباب مرضية و الأعياد والعطل السنوية ألخ..؛
السبب الرابع: هو أن إشهار سلاح الاقتطاع قد يؤديإلى إما إلى إضعاف الحق النقابي للموظف الذي لايمكن أن يكون له معنى بدون ممارسة حق الإضراب ،وبالتالي بداية تراجع العمل النقابي بالقطاع العموميوافتقاد إطار للدفاع عن المصالح المهنية والمادية ،يملك وسائل و آليات قانونية كتلك التي تملكهاالنقابات ، وإما أن يؤدي إلى الاجتهاد في إبداع صيغاحتجاجية أخرى قد تكون لها خطورة أقوى من الآثارالناتجة عن غياب المضربين عن العمل كالإضراب المقنعأو الإضراب المبرقع ؛
ولذلك فإن الجواب على التساؤل المطروح حول هذاالاقتطاع يمكن ان يتم من خلال العناصر التالية:
1 – إن الوضعية القانونية الحالة تتسم بعدم تنظيمممارسة حق الإضراب، لكن ذلك لا يشكل مدعاة للمساسبه أو إهداره باعتبار قيمته الدستورية ، وتحديدا كونه حقا مضمونا دستوريا وهذا يعني أن له حماية دستورية.
2 - قد يقال بأنه في غياب القانون التنظيمي الموعود به،فلا يمكن قبول ممارسة هذا الحق المطلق بل لابد منمراعاة ضوابط النظام العام. وفي غياب التنظيم المطروحعليه تدبير هذه المراعاة، فإن الاختصاص ينصرفللسلطة القضائية، وهذا صحيح من منطلق أن هذهالسلطة هي الموكول لها حماية النظام العام، لكن ماهيحدود اختصاص هذه السلطة في هذا المجال، بطبيعةالحال أمام مبدأ فصل السلط فلا يمكن لهذه السلطة أنتذهب بعيدا في اجتهادها إلى حد تعويض السلطةالتشريعية في مهامها خاصة وأن الدستور نص صراحةعلى أن موضوع تنظيم حق الإضراب هو من اختصاصالقانون التنظيمي ولذلك، فإن مجال تدخل القضاءينحصر في البث في مشروعية الإضراب من عدمه، وفيهذا الإطار نذكر بقرار المجلس الأعلى عدد 96 بتاريخ16/01/1996 في ملف اجتماعي 8608/93 حيث جاءفيه الإضراب وإن كان حقا مشروعا بمقتضى القانونفإنه حين اعتبر أن ما قام به العمال يهدف إلى تحقيق مطالب مشروعه فإنه لم يوضح ما هي هذه المطالب حتىيمكن تقييمها والبحث عن مشروعيتها؛
كما نذكر بقرار عدد 190 في 14/03/2000 في ملفاجتماعي عدد 651/5/1/99 جاء فيه على الخصوصالإضراب وإن كان حقا مشروعا فإن الغاية منه الدفاععن حقوق مكتسبة ومشروعة للعمال، والإضراب النقابيللتضامن مع عامل تم توقيفه لا يهدف إلى مصلحة عامةللمضربين ويشكل بالتالي عملا غير مشروع؛
وهكذا يتضح بأن القضاء مقتنع بأن دوره ينحصر فيمراقبة مشروعية الإضراب باعتبار الغاية من إقراره ،وهذا ما يؤدى إلى استخلاص علاقة الإضراب بممارسةالحق النقابي، أن التمتع بهذا الأخير يؤدي حتما إلىإقرار حق الإضراب؛
و إذن فالاقتطاع من أجرة الموظفين بسبب ممارسةالإضراب باعتباره تغيبا غير مبرر حسب تعليل قراراتالاقتطاع ، يبقى أساسه القانوني مفتقدا في غيابالقانون التنظيمي للإضراب؛
ولا يمكن تعليل ذلك بغياب المشروعية ، مادام الإضرابممارسة لحق دستوري وتمت ممارسته في حدوده المهنيةالمعروفة، أي بناء على مطالب مشروعة ودون أن يصاحببأية ممارسات ماسة بالنظام العام. كما لا يمكن أن يبررذلك أيضا بمسؤولية الإدارة في ضمان السير العاديللمرافق الحيوية، لأن مثل هذا التعليل يبقى حسب منظمةالعمل الدولية منحصرا في حدود جد ضيقة، عندما يتعلقالأمر بتهديد حال لسلامة وأمن المواطنين، ونحن بعيدونفي الإضرابات المذكورة عن هذا المفهوم؛
يمكن القول في الختام بأنه لو حاول الاجتهاد القضائيأن يفرغ حق الإضراب من محتواه، والمشرع لم يصدرقانون تنظيمي ،فالمسؤولية تتحملها الدولة ، إذ لا يعنيغياب قانون تنظيمي مبررا لاعتماد تقييدات تحد منممارسة حق الاضراب؛
فإذا كان غياب قانون تنظيمي يستوجب الإقتطاع منالأجرة فهذا سوف يفسر على أساس عدم الإعترافبالحق الدستوري لممارسته، فهو حق أولا وأخيراوالهدف في النهاية هو ممارسة ضغط لتحقيق مطالب ،وفي الجهة المقابلة هناك فئة متضررة وهي فئة المواطنينوبدورها هي تمارس الضغط ، من خلال مطلب ضرورةسيرورة الرفق وعدم تعطيل مصالحهم؛
فالذي يخشى من الاجتهاد القضائي هو تقييد هذا الحقمن زاوية المصلحة العامة نتيجة الضرر الذي يلحق بفئاتمعينة؛
وبالتالي فلا يمكن التعاطي مع الإضراب من زاويةقانونية صرفة ، وإنما من زاوية سياسية فكل الدساتيرالمغربية منذ 1962 إلى غاية دستور 2011 اعتبرته حقا دستوريا؛
فالأمر لا يتعلق بوجود قانون تنظيمي من عدمه،فالإضراب مبدأ دستوري والقانون التنظيمي هو آليةلضبط وتفصيل ما هو دستوري، وهو الأمر الذي يفسراللجوء إلى القواعد العامة في غياب نص خاص، لهذا لايمكن اللجوء إلى الاقتطاع من الأجر باعتباره نفي لهذاالحق الدستوري