أثار الاستاذ عبد العزيز النويضي في رسالته العاجلة الموجهة إلى الامين العام للحكومة، المنشورة في الصفحة الاخيرة لجريدة أخبار اليوم في عددها الذي يحمل رقم 820 الصادر في31 يوليوز 2011 مسألة في غاية الاهمية تتعلق باختصاصات المحكمة الدستورية المحدثة بموجب الفصل 129 من الدستور، حيث لفت فيها الانتباه إلى الاختلاف الموجود بين مضمون الفقرة الثالثة من الفصل 132 من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5952 مكرر بتاريخ 17 يونيو 2011 والذي كان يسمح للجهاتالمختصة( الملك،رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، خمس أعضاء مجلس النواب،أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين) بإحالة القوانين قبل إصدار الامر بتنفيذها والاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها إلى المحكمة الدستورية لتبت في مطابقتها للدستور، و محتوى الفقرة الثالثة من الفصل 132 كما جاءت بنص الدستور المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011 بعد إقراره عن طريق الاستفتاء المجرى في فاتح يوليوز 2011، والذي صدر الامر بتنفيذه ونشره بالجريدة الرسمية بموجب الظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 من شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011، بحيث أصبحت الفقرة المذكورة تسمح للجهات المختصة بإحالة القوانين فقط قبل إصدار الامر بتنفيذها إلى المحكمة الدستورية من أجل مراقبة دستوريتها من دون الاشارة إلى الاتفاقيات الدولية التي تم بترها.
وقد آخذ الاستاذ النويضي، في رسالته، على الامانة العامة للحكومة نشر نص دستوري مختلف عن النص الدستوري الذي صادق عليه أغلبية الشعب المغربي، موضحا بأنه إذا كان بإمكان الامانة العامة للحكومة تصحيح بعض الاخطاء المادية، فإن حذف فقرة تمنح حقا خاصا لمؤسسات دستورية يتعلق بإحالة الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها إلى المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريتها لا يدخل ضمن الاخطاء المادية التي يمكن تصحيحها بالحذف أو الاضافة.
وختم رسالته بمطالبة الامين العام للحكومة بتدارك هذا الامر وإعادة نشر الدستور كما عرض على المواطنين وصوت عليه أغلبية المستفتين، وسحب نسخ الدستور الصادر عن المطبعة الرسمية في شكل كتاب (طبعة 2011) وإصدار نسخة كاملة مصححة (طبعة 2012).
هذه في المجمل خلاصة مركزة لمضمون رسالة الاستاذ النويضي.
والواقع أن هذه الرسالة ونظرا لما أثارته من إشكالية في غاية الاهمية، دفعتني إلى كتابة بعض السطور في محاولة لاستجلاء الامر وفك الخيوط الملتبسة التي أحاطت بصياغة الفصل 132 والتي تكشف بوضوح عن حصول ارتباك لدى محرريه، وما رافقه من تصحيحات لا حقة تحت غطاء "استدراك خطأ مادي" لم تزد الامر إلا ارتباكا وغموضا، بل أكثر من ذلك جعلت العديد من المراقبين والمهتمين يعتقدون أن هناك تراجعا من لدن المشرع الدستوري عن منح المحكمة الدستورية اختصاصرقابة دستورية المعاهدات الدولية، ناهيك عما نتج عن ذلك من إشكالات دستورية سأتطرق إليها في حينها.
ويجدر التنويه بداية أنني لا أدعي الاجابة على رسالة الاستاذ النويضي ولا الحلول محل الامانة العامة للحكومة في الجواب، فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال، وكل ما يهمني هو عرض وجهة نظري في هذا الاشكال لعلي أساهم في توضيح بعض معالمه أو تعميق النقاش بخصوصه.
وسأتناول وجهة نظري في الموضوع من خلال تلمس الاجابة على عدة أسئلة محوريةوهي:
1- كيف حصل التغيير في الفقرة الثالثة من الفصل 132 ؟
2- هل التغيير الحاصل في الفقرة الثالثة من الفصل 132 يؤشر على تراجع عن رقابة المحكمة الدستورية لدستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟
3- ما هو السبب الذي أملى هذا التغيير؟
4- وهل كان التغيير الذي طرأ على الفقرة الثالثة من الفصل 132 ضروري ولابد منه أم أنه كانت هناك بدائل أخرى؟ وما هي الاشكالات الدستورية التي نجمت عن ذلك التغيير؟
أولا - كيف حصل التغيير في الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور؟
بمقارنة نص الفقرة الثالثة من الفصل 132 من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5952 مكرر بتاريخ 17 يونيو 2011 مع مثيلتها في نص الدستور المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011 بعد إقراره عن طريق الاستفتاء،يلاحظ حصول تغييرات فيها تهم أولا استبدال واو العطف بحرف "أو" في عبارة "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب و أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين ..." وثانياحذف عبارة "أو الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها"، ما يوحي باكتفاء المشرع الدستوري بالإبقاء على اختصاص المحكمة الدستورية برقابة دستورية القوانين دون الاتفاقيات الدولية .
لكن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن هذا الاسقاط لم يتم فرضه قسريا وبدون سابق إشعار، وإنما تم تمريره عبر آلية استدراك خطأ مادي نشر بالجريدة الرسمية عدد 5956 بتاريخ 30 يونيو2011 أييوما واحدا قبل اليوم المعين لإجراء الاستفتاء على الدستور، وهو يوم الجمعة فتاح يوليوز 2011.
كما يجدر التنبيه إلى أنالاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 لم يكن الاستدراك الوحيد في الدستور بل رافقته وبنفس العدد من الجريدةالرسمية استدراكات لأخطاء مادية همت فصلين آخرين هما:
- الفصل 42 في فقرته الرابعة حيث تم تعويض عبارة "...و47 (الفقرة الاولى والسادسة).....و130 (الفقرة الاولى).." بعبارة "...و47 (الفقرتانالأولىوالسادسة)...و130( الفقرتان الاولى والرابعة)..."؛
- وأيضا الفصل 55 فيفقرته الاخيرةبإضافة "رئيس الحكومة" حيث أصبحت تقرأ " إذا صرحت المحكمة الدستورية إثر إحالة الملك، أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب...." بدل " إذا صرحت المحكمة الدستورية إثر إحالة الملك أو رئيس مجلس النواب ...".
إذن ما دام التغيير حصل عبر آلية استدراك خطأ مادي وتم نشره في الجريدة الرسمية قبل اليوم المحدد لإجراء الاستفتاء، فلا يوجد إشكال، ويبدو الامر سليما من الناحية القانونية، وعليه لا يمكن اعتبار نص الدستور المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011 وما تضمنه من استدراكات لأخطاءمادية نصا مبتورا أو مختلفا عن النص المعروض على الاستفتاء.
لكن هذه الحقيقة لا ينبغي أن تحجب عنا طرح بعض الاسئلة المشروعة من قبيل:
1- هل يكفي يوم واحد قبل اليوم المعين لإجراء الاستفتاء لاطلاع المواطنينعلى محتوىالاستدراكاتعلما أن الجريدة الرسمية لا يطلع عليها عموم المواطنين؟
2- هل قامت وسائل الاعلام السمعية والبصرية والمكتوبة بدورها في إذاعة ونشر خبر استدراكات الاخطاء المادية ليكون المواطنين على بينة وعلم تام بمحتوى الوثيقة الدستورية التي ستكون موضوع الاستشارة الشعبية؟
3- ثم من هي الجهة التي تملك حق استدراك الاخطاء المادية الواقعة بالجريدة الرسمية ؟ هل هي الامانة العامة للحكومة أم الجهة المعدة والمصدرة للنص المنشور دستورا كان أو قانونا أو مرسوما أو قرارا؟
وتأتي مشروعية هذا السؤال من ملاحظة أن كل استدراكات الاخطاء المادية المنشورة في الجريدة الرسمية يتم القيام بها دون أن تحمل توقيع الجهة المستدركة للخطأ المادي علما أن الكثير من الاستدراكات لا تتعلق في الواقع بأخطاء مادية لغوية أو نحوية أو مطبعية وإنما تتعلق بحذف كلمات أو إضافات قد تحرف معنى النص وتغير أحكامه،علاوة على ذلك فإن الاطلاع على هذه الاستدراكات والتي قد تهم نصوصا عامة وأساسية ذات أهمية بالغة غالبا ما يتم عن طريق الصدفة وليس متاحا لعموم الناس باستثناء المهتمين والمتتبعين للنصوص القانونية والمشتغلين على تحيينها.
لذا آن الاوان في اعتقادي لضبط مسألة استدراك الاخطاء المادية والتي تطالعنا بها الجريدة الرسمية بين الفينة والاخرى،وذلك عبر تحديد الأخطاء المادية الصرفة وتمييزها عن الاسقاطات أو الاضافات التي من شأنها المساس بحكم النص شكلا أو جوهرا،وأيضا عبر تعيين الجهة المستدركة لتحديد المسؤوليات، وذلك بتنسيق بين الامانة العامة للحكومة و الجهة المصدرة للنص الاصلي بحسب طبيعته( دستور، معاهدة أو اتفاقية ،قانون تنظيمي،قانون، مرسوم تنظيمي، مرسوم تطبيقي، قرار)، والغاية من ذلك تفادي اتهام أية جهة بتحريف النص أو تعديله أو الالتفاف على مضمونه عبر آلية استدراك خطأ مادي؛
ومن بين النصوص التي ضبطت مسألة استدراك الاخطاء المادية نجد القانون التنظيمي رقم 93-29 المتعلق بالمجلس الدستوري الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994)كما وقع تغييرهوتتميمه،حيث عثرنا فيه على مادتين تنظمان الموضوع يتعلق الامر بالمادة 18 التي تنص:"إذا لاحظ المجلس الدستوري وجود خطإ مادي في قرار من قراراته جاز له تصويبه تلقائيا" والمادة 19 التي تنص:" لكل طرف معني أن يطلب إلى المجلس الدستوريتصويب خطإ مادي شاب قرارا من قراراته.
ويجب أن يقدم الطلب في غضون عشرين يوما من تاريخ تبليغ القرار المطلوب تصويبه."
بعد طرح هذه الاسئلة التي كان لا بد منها، أعود إلى الموضوع لأتساءل عن مدى تأثير التغيير الحاصل في الفصل 132 على اختصاصات المحكمة الدستورية.
ثانيا- هل التغيير الحاصل في الفقرة الثالثة من الفصل 132 يؤشر على تراجع عن اختصاص المحكمة الدستورية برقابة دستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟
وبصيغة أخرى أكثر دقة، هل التغيير المومأ إليه أعلاه يندرج ضمن خانة استدراك خطأ مادي أم أن الامر يتعلق بفرض تعديل في مضمون الفقرة المذكورة نتج عنه تراجع عن اختصاص المحكمة الدستورية برقابة دستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟
من أجل الحسم في الجواب على هذا السؤال،يتعين الاجابة على سؤال آخر وهو هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 سيترتب عنه، بالنظر إلى الوثيق الدستورية في مجملها، تجريد المحكمة الدستورية من اختصاص مراقبة دستورية المعاهدات الدولية؟
الجواب سيكون قطعا لا، ويكفي لتبديد هذه الشكوك الرجوع إلى الفصل 55 في فقرته الاخيرة للتأكد من الامر، فهذه الفقرة تبين بوضوح أن المحكمة الدستورية لا زالت تملك اختصاص النظر في مطابقة الالتزامات الدولية للدستور.
وللإشارة فهذه الفقرة شهدت بدورها "استدراكا لخطأ مادي" وهذه المرة بإضافة "رئيس الحكومة " إلى لائحة الجهات المسموح لها بإحالة الالتزامات الدولية إلى المحكمة الدستورية للنظر في مطابقتها للدستور.
لكن هل هذا الاستدراك كان لازما وضروريا؟
ثالثا – هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان لازما وضروريا؟ وبصيغة أخرى ما الضرر في الابقاء على الفقرة المذكورة في صيغتها الاصلية قبل الاستدراك؟
من البديهي أن لكل "استدراك خطأ مادي" نتيجة وغاية يروم المستدرك تحقيقها تتمثل إما في تصحيح لفظ نحويا أو لغويا أو إملائيا أو استبدال حرف أو فعل أو كلمة بأخرى أو بإضافة حرف او كلمة أو فعل أو جملة لتقويم معنى النص أو لإزالة تعارض أو تناقض بين أحكام نصين أو أكثر.
وفي تقديري، فإن الغاية من الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان هو تفادي تعارضها جزئيا مع الفقرة الاخيرة من الفصل 55 فيما يتعلق بتحديد النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كل من مجلسي البرلمان لإحالة الالتزامات الدولية إلى المحكمة الدستورية، ففي الوقت الذي تحدده الفقرة الاخيرة من الفصل 55 في السدس بالنسبة لأعضاء مجلس النواب( 65 عضوا) والربع بالنسبة لأعضاء مجلس المستشارين(30 عضوا)، فإن الفقرة الثالثة من الفصل 132 في صيغتها الاصلية كانت تتطلب نصابا موحدا لا حالة القوانين و الاتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية،حدد في خمس أعضاء المجلس الاول(79 عضوا) وأربعين عضوا من المجلس الثاني.
من هنا فالاحتفاظ بمضمون كلتا الفقرتين، كان سيثير إشكالا دستوريا عند أول تطبيقلهما في حالة مبادرة مجموعة من أعضاء أحد المجلسين إلى إحالة التزام دولي على المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريته، إذ سيثارإشكال حول النصاب الدستوري المطلوب هل هو ذلك المحدد في الفصل 55 فقرة أخيرة أم ذاك المحدد في الفصل 132 فقرة ثالثة؟؟
لهذا السبب فإن استدراك هذا الاشكالالدستوري كان لازما وضروريا، لذا ومن أجل تجاوزه، ارتأت الجهة المستدركة إسقاط العبارة المتعلقة بإمكانية إحالة الاتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية قبل المصادقة عليها من الفقرة الثالثة بالفصل 132 والاحتفاظ بهذه الامكانية للقوانين فقط على أساس أن نحصل في النتيجة على نصابين دستوريين مختلفين: أحدهما خاص بالقوانين محدد في الفقرة الثالثة من الفصل 132 السالف الذكر والآخر خاص بالاتفاقيات الدولية محدد في الفقرة الاخيرة من الفصل 55 .
لكن السؤال الذي يظل مطروحا هل توفقت الجهة المستدركة في اختيارها لمحل الاستدراك؟ وبصيغة أخرى هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان الخيار الوحيد الممكن أمامها لتجاوز ذلك الاشكال الدستوري؟
رابعا- هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان الخيار الوحيد الممكن أمام الجهة المستدركة لتجاوز ذلك الاشكال الدستوري؟
إن الحكم على أي خياريتوقف على تقييم الآثار الدستورية المترتبة عليه، وفي اعتقادي فإن الخيار الذي سلكته الجهة المستدركة سينجم عنه إشكالين دستوريين لم تنتبه إليهما :
الاشكال الأول -وأصرفه في شكل تساؤلات، كيف يمكن تفسير الاختلاف الحاصل في النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كل من المجلسين بحسب طبيعة النص المحال على المحكمة الدستورية: هل هو قانونأم التزام دولي؟، بحيث يصبح النصاب المطلوب لإحالة المعاهدات أقل من ذلك المطلوب لإحالة القوانين؟ أي منطق دستوري يقبل هذا التمييز بين القوانين والمعاهدات علما أن هذا الامر يندرج ضمن ضمانات حقوق الاقلية المعارضة في كلا المجلسين، بحيث يصبح حق الاقلية في مراقبة دستورية القوانين أقل ضمانا بالمقارنة مع حقها في مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية؟؟لا أعتقد أن هناك داع لهذا التمييز.
الاشكال الثاني-ويهم سير الاجراءات أمام المحكمة الدستورية وبالتحديد الاجل المحدد لها دستوريا للبت في الحالات المعروضة عليها، فقد نتج عن الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 أن أصبح الاجل المعينوالمحدد بالفقرة الرابعة من ذات الفصل يخص فقط حالات إحالة القوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لكل من مجلسي البرلمان والقوانين بعد أن تم إسقاط الاتفاقيات الدولية، وبالتالي لم يعد هناك أي مقتضى دستوري يبين الاجل المضروب للمحكمة الدستورية للبت في دستورية الالتزامات الدولية المحالة إليها عملا بالفقرة الاخيرة من الفصل 55 من الدستور، ما يشكل ثغرة دستورية يتعين سدها في أقرب الآجال.
هل من الممكن ملئ هذا الفراغ عن طريق القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية المنتظر صدوره؟ يمكن ذلك على اعتبار أن القوانين التنظيمية تكمل الدستور شريطة عدم مخالفته، لكن مع ذلك أعتقد أن المنطق الدستوري كان يستلزم خضوع مراقبة دستورية المعاهدات الدولية لنفس الاجل المحدد في الفقرة الرابعة من الفصل 132 بجوار القوانين.
إذن كما يبدو هناك إشكالان دستوريانيتعين التصدي لهما،فهل كان من الممكن تفاديهماوما السبيل إلى ذلك؟
خامسا – كيف السبيل إلى تجاوز كل الاشكاليات الدستورية الطارئة قبل الاستدراك وبعده؟
ويصيغة أدق هل كان هناك بديل آخر أمام الجهة المستدركة من أجل تجاوز الاشكال الدستوري الاول دون السقوط في مطب اشكاليات دستورية إضافية؟
أعتقد أنه كان في الامكان تصحيح الاختلال الدستوري الذي كان يعتري كل من الفقرة الاخيرة من الفصل 55 والفقرة الثالثة من الفصل 132 بطريقة أخرى من دون أن يترتب عليها أي اعتلالات دستورية إضافية، وتتمثل إجراءات الحل البديل فيما يلي:
1- إسقاط الفقرة الاخيرة من الفصل 55 والاحتفاظ بالصيغة الاصلية للفقرة الثالثة من الفصل 132 مع تعديلها فيما يخص النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كلا مجلسي البرلمان وذلك باعتماد النصاب الاقل عددا الذي كان مقررا في الفقرة الاخيرة من الفصل 55 تدعيما وتعزيزا لدور الاقلية البرلمانية في مراقبة دستورية القوانين والاتفاقيات الدولية؛
2- إضافةفقرة للفصل 134 تبين الاثر الدستوري المترتب عن التصريح بعدم دستورية التزام دوليعلى النحو التالي:" لا تقع المصادقة على التزام دولي تم التصريح بعدم دستوريته إلا بعد مراجعة الدستور" وهو ما ينسجم مع مضموم الفصل 134 المخصص أصلا لبيان الآثار الدستورية المترتبة عن قرارات المحكمة الدستورية ، وقد كان هذا الاثر في الاصل هو السبب الرئيسي وراء إقحام الفقرة الاخيرة بالفصل 55 من الدستور؛
وكان من شأن هذا الخيار أن يضمنتحقيق مايلي:
1- ضمان توحيد اختصاصات المحكمة الدستورية وتفادي تجزيئها بين الفصل 55/3 والفصل 132 علما أن الفصل 55 يندرج ضمن الباب المخصص للمؤسسة الملكية واختصاصاتها وبالتالي لم يكن من الملائم من حيث الهندسة الدستورية إقحام تلك الفقرة المتعلقة بالمحكمة الدستورية بالفصل 55 من الدستور؛
2- توحيد النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كلا المجلسين لإحالة القوانين والالتزامات الدولية إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور بما يعزز حقوق المعارضة البرلمانية؛
3- ضمان أن يشمل أجل البت المحدد للمحكمة الدستورية، والمنصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل 132، الالتزامات الدولية إلى جانب القوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان والقوانين نظرا لوحدة الموضوع وهو البت في مطابقتها للدستور.
انتهى وما توفيقي إلا بالله
تاريخ التوصل: 11 غشت 2012
تاريخ النشر: 14 غشت 2012
وقد آخذ الاستاذ النويضي، في رسالته، على الامانة العامة للحكومة نشر نص دستوري مختلف عن النص الدستوري الذي صادق عليه أغلبية الشعب المغربي، موضحا بأنه إذا كان بإمكان الامانة العامة للحكومة تصحيح بعض الاخطاء المادية، فإن حذف فقرة تمنح حقا خاصا لمؤسسات دستورية يتعلق بإحالة الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها إلى المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريتها لا يدخل ضمن الاخطاء المادية التي يمكن تصحيحها بالحذف أو الاضافة.
وختم رسالته بمطالبة الامين العام للحكومة بتدارك هذا الامر وإعادة نشر الدستور كما عرض على المواطنين وصوت عليه أغلبية المستفتين، وسحب نسخ الدستور الصادر عن المطبعة الرسمية في شكل كتاب (طبعة 2011) وإصدار نسخة كاملة مصححة (طبعة 2012).
هذه في المجمل خلاصة مركزة لمضمون رسالة الاستاذ النويضي.
والواقع أن هذه الرسالة ونظرا لما أثارته من إشكالية في غاية الاهمية، دفعتني إلى كتابة بعض السطور في محاولة لاستجلاء الامر وفك الخيوط الملتبسة التي أحاطت بصياغة الفصل 132 والتي تكشف بوضوح عن حصول ارتباك لدى محرريه، وما رافقه من تصحيحات لا حقة تحت غطاء "استدراك خطأ مادي" لم تزد الامر إلا ارتباكا وغموضا، بل أكثر من ذلك جعلت العديد من المراقبين والمهتمين يعتقدون أن هناك تراجعا من لدن المشرع الدستوري عن منح المحكمة الدستورية اختصاصرقابة دستورية المعاهدات الدولية، ناهيك عما نتج عن ذلك من إشكالات دستورية سأتطرق إليها في حينها.
ويجدر التنويه بداية أنني لا أدعي الاجابة على رسالة الاستاذ النويضي ولا الحلول محل الامانة العامة للحكومة في الجواب، فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال، وكل ما يهمني هو عرض وجهة نظري في هذا الاشكال لعلي أساهم في توضيح بعض معالمه أو تعميق النقاش بخصوصه.
وسأتناول وجهة نظري في الموضوع من خلال تلمس الاجابة على عدة أسئلة محوريةوهي:
1- كيف حصل التغيير في الفقرة الثالثة من الفصل 132 ؟
2- هل التغيير الحاصل في الفقرة الثالثة من الفصل 132 يؤشر على تراجع عن رقابة المحكمة الدستورية لدستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟
3- ما هو السبب الذي أملى هذا التغيير؟
4- وهل كان التغيير الذي طرأ على الفقرة الثالثة من الفصل 132 ضروري ولابد منه أم أنه كانت هناك بدائل أخرى؟ وما هي الاشكالات الدستورية التي نجمت عن ذلك التغيير؟
أولا - كيف حصل التغيير في الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور؟
بمقارنة نص الفقرة الثالثة من الفصل 132 من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5952 مكرر بتاريخ 17 يونيو 2011 مع مثيلتها في نص الدستور المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011 بعد إقراره عن طريق الاستفتاء،يلاحظ حصول تغييرات فيها تهم أولا استبدال واو العطف بحرف "أو" في عبارة "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ، ورئيس مجلس المستشارين، وخمس أعضاء مجلس النواب و أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين ..." وثانياحذف عبارة "أو الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها"، ما يوحي باكتفاء المشرع الدستوري بالإبقاء على اختصاص المحكمة الدستورية برقابة دستورية القوانين دون الاتفاقيات الدولية .
لكن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن هذا الاسقاط لم يتم فرضه قسريا وبدون سابق إشعار، وإنما تم تمريره عبر آلية استدراك خطأ مادي نشر بالجريدة الرسمية عدد 5956 بتاريخ 30 يونيو2011 أييوما واحدا قبل اليوم المعين لإجراء الاستفتاء على الدستور، وهو يوم الجمعة فتاح يوليوز 2011.
كما يجدر التنبيه إلى أنالاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 لم يكن الاستدراك الوحيد في الدستور بل رافقته وبنفس العدد من الجريدةالرسمية استدراكات لأخطاء مادية همت فصلين آخرين هما:
- الفصل 42 في فقرته الرابعة حيث تم تعويض عبارة "...و47 (الفقرة الاولى والسادسة).....و130 (الفقرة الاولى).." بعبارة "...و47 (الفقرتانالأولىوالسادسة)...و130( الفقرتان الاولى والرابعة)..."؛
- وأيضا الفصل 55 فيفقرته الاخيرةبإضافة "رئيس الحكومة" حيث أصبحت تقرأ " إذا صرحت المحكمة الدستورية إثر إحالة الملك، أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب...." بدل " إذا صرحت المحكمة الدستورية إثر إحالة الملك أو رئيس مجلس النواب ...".
إذن ما دام التغيير حصل عبر آلية استدراك خطأ مادي وتم نشره في الجريدة الرسمية قبل اليوم المحدد لإجراء الاستفتاء، فلا يوجد إشكال، ويبدو الامر سليما من الناحية القانونية، وعليه لا يمكن اعتبار نص الدستور المنشور في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011 وما تضمنه من استدراكات لأخطاءمادية نصا مبتورا أو مختلفا عن النص المعروض على الاستفتاء.
لكن هذه الحقيقة لا ينبغي أن تحجب عنا طرح بعض الاسئلة المشروعة من قبيل:
1- هل يكفي يوم واحد قبل اليوم المعين لإجراء الاستفتاء لاطلاع المواطنينعلى محتوىالاستدراكاتعلما أن الجريدة الرسمية لا يطلع عليها عموم المواطنين؟
2- هل قامت وسائل الاعلام السمعية والبصرية والمكتوبة بدورها في إذاعة ونشر خبر استدراكات الاخطاء المادية ليكون المواطنين على بينة وعلم تام بمحتوى الوثيقة الدستورية التي ستكون موضوع الاستشارة الشعبية؟
3- ثم من هي الجهة التي تملك حق استدراك الاخطاء المادية الواقعة بالجريدة الرسمية ؟ هل هي الامانة العامة للحكومة أم الجهة المعدة والمصدرة للنص المنشور دستورا كان أو قانونا أو مرسوما أو قرارا؟
وتأتي مشروعية هذا السؤال من ملاحظة أن كل استدراكات الاخطاء المادية المنشورة في الجريدة الرسمية يتم القيام بها دون أن تحمل توقيع الجهة المستدركة للخطأ المادي علما أن الكثير من الاستدراكات لا تتعلق في الواقع بأخطاء مادية لغوية أو نحوية أو مطبعية وإنما تتعلق بحذف كلمات أو إضافات قد تحرف معنى النص وتغير أحكامه،علاوة على ذلك فإن الاطلاع على هذه الاستدراكات والتي قد تهم نصوصا عامة وأساسية ذات أهمية بالغة غالبا ما يتم عن طريق الصدفة وليس متاحا لعموم الناس باستثناء المهتمين والمتتبعين للنصوص القانونية والمشتغلين على تحيينها.
لذا آن الاوان في اعتقادي لضبط مسألة استدراك الاخطاء المادية والتي تطالعنا بها الجريدة الرسمية بين الفينة والاخرى،وذلك عبر تحديد الأخطاء المادية الصرفة وتمييزها عن الاسقاطات أو الاضافات التي من شأنها المساس بحكم النص شكلا أو جوهرا،وأيضا عبر تعيين الجهة المستدركة لتحديد المسؤوليات، وذلك بتنسيق بين الامانة العامة للحكومة و الجهة المصدرة للنص الاصلي بحسب طبيعته( دستور، معاهدة أو اتفاقية ،قانون تنظيمي،قانون، مرسوم تنظيمي، مرسوم تطبيقي، قرار)، والغاية من ذلك تفادي اتهام أية جهة بتحريف النص أو تعديله أو الالتفاف على مضمونه عبر آلية استدراك خطأ مادي؛
ومن بين النصوص التي ضبطت مسألة استدراك الاخطاء المادية نجد القانون التنظيمي رقم 93-29 المتعلق بالمجلس الدستوري الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان 1414 (25 فبراير 1994)كما وقع تغييرهوتتميمه،حيث عثرنا فيه على مادتين تنظمان الموضوع يتعلق الامر بالمادة 18 التي تنص:"إذا لاحظ المجلس الدستوري وجود خطإ مادي في قرار من قراراته جاز له تصويبه تلقائيا" والمادة 19 التي تنص:" لكل طرف معني أن يطلب إلى المجلس الدستوريتصويب خطإ مادي شاب قرارا من قراراته.
ويجب أن يقدم الطلب في غضون عشرين يوما من تاريخ تبليغ القرار المطلوب تصويبه."
بعد طرح هذه الاسئلة التي كان لا بد منها، أعود إلى الموضوع لأتساءل عن مدى تأثير التغيير الحاصل في الفصل 132 على اختصاصات المحكمة الدستورية.
ثانيا- هل التغيير الحاصل في الفقرة الثالثة من الفصل 132 يؤشر على تراجع عن اختصاص المحكمة الدستورية برقابة دستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟
وبصيغة أخرى أكثر دقة، هل التغيير المومأ إليه أعلاه يندرج ضمن خانة استدراك خطأ مادي أم أن الامر يتعلق بفرض تعديل في مضمون الفقرة المذكورة نتج عنه تراجع عن اختصاص المحكمة الدستورية برقابة دستورية المعاهدات والاتفاقيات الدولية؟
من أجل الحسم في الجواب على هذا السؤال،يتعين الاجابة على سؤال آخر وهو هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 سيترتب عنه، بالنظر إلى الوثيق الدستورية في مجملها، تجريد المحكمة الدستورية من اختصاص مراقبة دستورية المعاهدات الدولية؟
الجواب سيكون قطعا لا، ويكفي لتبديد هذه الشكوك الرجوع إلى الفصل 55 في فقرته الاخيرة للتأكد من الامر، فهذه الفقرة تبين بوضوح أن المحكمة الدستورية لا زالت تملك اختصاص النظر في مطابقة الالتزامات الدولية للدستور.
وللإشارة فهذه الفقرة شهدت بدورها "استدراكا لخطأ مادي" وهذه المرة بإضافة "رئيس الحكومة " إلى لائحة الجهات المسموح لها بإحالة الالتزامات الدولية إلى المحكمة الدستورية للنظر في مطابقتها للدستور.
لكن هل هذا الاستدراك كان لازما وضروريا؟
ثالثا – هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان لازما وضروريا؟ وبصيغة أخرى ما الضرر في الابقاء على الفقرة المذكورة في صيغتها الاصلية قبل الاستدراك؟
من البديهي أن لكل "استدراك خطأ مادي" نتيجة وغاية يروم المستدرك تحقيقها تتمثل إما في تصحيح لفظ نحويا أو لغويا أو إملائيا أو استبدال حرف أو فعل أو كلمة بأخرى أو بإضافة حرف او كلمة أو فعل أو جملة لتقويم معنى النص أو لإزالة تعارض أو تناقض بين أحكام نصين أو أكثر.
وفي تقديري، فإن الغاية من الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان هو تفادي تعارضها جزئيا مع الفقرة الاخيرة من الفصل 55 فيما يتعلق بتحديد النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كل من مجلسي البرلمان لإحالة الالتزامات الدولية إلى المحكمة الدستورية، ففي الوقت الذي تحدده الفقرة الاخيرة من الفصل 55 في السدس بالنسبة لأعضاء مجلس النواب( 65 عضوا) والربع بالنسبة لأعضاء مجلس المستشارين(30 عضوا)، فإن الفقرة الثالثة من الفصل 132 في صيغتها الاصلية كانت تتطلب نصابا موحدا لا حالة القوانين و الاتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية،حدد في خمس أعضاء المجلس الاول(79 عضوا) وأربعين عضوا من المجلس الثاني.
من هنا فالاحتفاظ بمضمون كلتا الفقرتين، كان سيثير إشكالا دستوريا عند أول تطبيقلهما في حالة مبادرة مجموعة من أعضاء أحد المجلسين إلى إحالة التزام دولي على المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريته، إذ سيثارإشكال حول النصاب الدستوري المطلوب هل هو ذلك المحدد في الفصل 55 فقرة أخيرة أم ذاك المحدد في الفصل 132 فقرة ثالثة؟؟
لهذا السبب فإن استدراك هذا الاشكالالدستوري كان لازما وضروريا، لذا ومن أجل تجاوزه، ارتأت الجهة المستدركة إسقاط العبارة المتعلقة بإمكانية إحالة الاتفاقيات الدولية على المحكمة الدستورية قبل المصادقة عليها من الفقرة الثالثة بالفصل 132 والاحتفاظ بهذه الامكانية للقوانين فقط على أساس أن نحصل في النتيجة على نصابين دستوريين مختلفين: أحدهما خاص بالقوانين محدد في الفقرة الثالثة من الفصل 132 السالف الذكر والآخر خاص بالاتفاقيات الدولية محدد في الفقرة الاخيرة من الفصل 55 .
لكن السؤال الذي يظل مطروحا هل توفقت الجهة المستدركة في اختيارها لمحل الاستدراك؟ وبصيغة أخرى هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان الخيار الوحيد الممكن أمامها لتجاوز ذلك الاشكال الدستوري؟
رابعا- هل الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 كان الخيار الوحيد الممكن أمام الجهة المستدركة لتجاوز ذلك الاشكال الدستوري؟
إن الحكم على أي خياريتوقف على تقييم الآثار الدستورية المترتبة عليه، وفي اعتقادي فإن الخيار الذي سلكته الجهة المستدركة سينجم عنه إشكالين دستوريين لم تنتبه إليهما :
الاشكال الأول -وأصرفه في شكل تساؤلات، كيف يمكن تفسير الاختلاف الحاصل في النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كل من المجلسين بحسب طبيعة النص المحال على المحكمة الدستورية: هل هو قانونأم التزام دولي؟، بحيث يصبح النصاب المطلوب لإحالة المعاهدات أقل من ذلك المطلوب لإحالة القوانين؟ أي منطق دستوري يقبل هذا التمييز بين القوانين والمعاهدات علما أن هذا الامر يندرج ضمن ضمانات حقوق الاقلية المعارضة في كلا المجلسين، بحيث يصبح حق الاقلية في مراقبة دستورية القوانين أقل ضمانا بالمقارنة مع حقها في مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية؟؟لا أعتقد أن هناك داع لهذا التمييز.
الاشكال الثاني-ويهم سير الاجراءات أمام المحكمة الدستورية وبالتحديد الاجل المحدد لها دستوريا للبت في الحالات المعروضة عليها، فقد نتج عن الاستدراك الذي طال الفقرة الثالثة من الفصل 132 أن أصبح الاجل المعينوالمحدد بالفقرة الرابعة من ذات الفصل يخص فقط حالات إحالة القوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لكل من مجلسي البرلمان والقوانين بعد أن تم إسقاط الاتفاقيات الدولية، وبالتالي لم يعد هناك أي مقتضى دستوري يبين الاجل المضروب للمحكمة الدستورية للبت في دستورية الالتزامات الدولية المحالة إليها عملا بالفقرة الاخيرة من الفصل 55 من الدستور، ما يشكل ثغرة دستورية يتعين سدها في أقرب الآجال.
هل من الممكن ملئ هذا الفراغ عن طريق القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية المنتظر صدوره؟ يمكن ذلك على اعتبار أن القوانين التنظيمية تكمل الدستور شريطة عدم مخالفته، لكن مع ذلك أعتقد أن المنطق الدستوري كان يستلزم خضوع مراقبة دستورية المعاهدات الدولية لنفس الاجل المحدد في الفقرة الرابعة من الفصل 132 بجوار القوانين.
إذن كما يبدو هناك إشكالان دستوريانيتعين التصدي لهما،فهل كان من الممكن تفاديهماوما السبيل إلى ذلك؟
خامسا – كيف السبيل إلى تجاوز كل الاشكاليات الدستورية الطارئة قبل الاستدراك وبعده؟
ويصيغة أدق هل كان هناك بديل آخر أمام الجهة المستدركة من أجل تجاوز الاشكال الدستوري الاول دون السقوط في مطب اشكاليات دستورية إضافية؟
أعتقد أنه كان في الامكان تصحيح الاختلال الدستوري الذي كان يعتري كل من الفقرة الاخيرة من الفصل 55 والفقرة الثالثة من الفصل 132 بطريقة أخرى من دون أن يترتب عليها أي اعتلالات دستورية إضافية، وتتمثل إجراءات الحل البديل فيما يلي:
1- إسقاط الفقرة الاخيرة من الفصل 55 والاحتفاظ بالصيغة الاصلية للفقرة الثالثة من الفصل 132 مع تعديلها فيما يخص النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كلا مجلسي البرلمان وذلك باعتماد النصاب الاقل عددا الذي كان مقررا في الفقرة الاخيرة من الفصل 55 تدعيما وتعزيزا لدور الاقلية البرلمانية في مراقبة دستورية القوانين والاتفاقيات الدولية؛
2- إضافةفقرة للفصل 134 تبين الاثر الدستوري المترتب عن التصريح بعدم دستورية التزام دوليعلى النحو التالي:" لا تقع المصادقة على التزام دولي تم التصريح بعدم دستوريته إلا بعد مراجعة الدستور" وهو ما ينسجم مع مضموم الفصل 134 المخصص أصلا لبيان الآثار الدستورية المترتبة عن قرارات المحكمة الدستورية ، وقد كان هذا الاثر في الاصل هو السبب الرئيسي وراء إقحام الفقرة الاخيرة بالفصل 55 من الدستور؛
وكان من شأن هذا الخيار أن يضمنتحقيق مايلي:
1- ضمان توحيد اختصاصات المحكمة الدستورية وتفادي تجزيئها بين الفصل 55/3 والفصل 132 علما أن الفصل 55 يندرج ضمن الباب المخصص للمؤسسة الملكية واختصاصاتها وبالتالي لم يكن من الملائم من حيث الهندسة الدستورية إقحام تلك الفقرة المتعلقة بالمحكمة الدستورية بالفصل 55 من الدستور؛
2- توحيد النصاب الدستوري المطلوب في عدد أعضاء كلا المجلسين لإحالة القوانين والالتزامات الدولية إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور بما يعزز حقوق المعارضة البرلمانية؛
3- ضمان أن يشمل أجل البت المحدد للمحكمة الدستورية، والمنصوص عليه في الفقرة الرابعة من الفصل 132، الالتزامات الدولية إلى جانب القوانين التنظيمية والنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان والقوانين نظرا لوحدة الموضوع وهو البت في مطابقتها للدستور.
انتهى وما توفيقي إلا بالله
تاريخ التوصل: 11 غشت 2012
تاريخ النشر: 14 غشت 2012