MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الإضراب بين المشروعية والتقنين المفضي للتقييد

     

وسيمة الخزروني
ماستر تدبيرالشأن العام المحلي





الإضراب بين المشروعية والتقنين المفضي للتقييد

 
 
سنحاول في هذه المقالة مسائلة مشروع القانون التنظيمي 15.97 الخاص بتحديد  شروط و كيفيات ممارسة حق الإضراب حول مدى استجابته لانتظارات المنظمات النقابية من خلال قراءة نقدية للمادة 5 من مواد هذا المشروع.

فبالرجوع إلى مضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 2015-2016 من الولاية التشريعية التاسعة بتاريخ 9 أكتوبر 2015 نجدها تسلط الضوء على أن هذا المشروع يقتضي التحلي بروح التوافق البناء بما يضمن حقوق الفئة العاملة ومصالح أرباب العمل ومصلحة الوطن.[1]

  إن المتتبع للوهلة الأولى يرى انفراجة تروم  حماية الحقوق و القضاء على الخروقات  المتجذرة والدفع بعجلة التنمية لبر الأمان، إلا أن الإرادة الفعلية للإصلاح تبتغي تظافر جهود كل الفاعلين لإنجاح هذا الورش حتى نتمكن من توفير الاليات والوسائل  التي تخذم حقوق وواجبات الطرفين ونكون في مأمن من التحديات السابقة و التي كانت تعرقل السير السليم للإصلاح من قبيل

اختلاف الغايات و إشكالية التناقض الحاصل بين الخطب  الملكية و الممارسة  الفعلية على أرض الواقع، وضعف الإلتزام  بروح المسؤولية في إطار دولة الحق و القانون.

 فمنذ زمن ونحن متحمسون لصدور مشروع قانون الإضراب المجمد منذ سنة 2016 بسبب تحيزه لطرف (المشغل) على حساب طرف اخر( القطاع العام والخاص)، كل هذا ونحن ننتظر من أصحاب الإختصاص حكوميا أن تصحوا ضمائرهم

لتصحيح وجهة مسار الحق في الإضراب مع تصحيح الأخطاء وتقويم الإختلالات على اعتبار أن هذا الاخير يعتبر من الملفات الضاغطة على الحكومة.
وها قد وصل أجل المشروع ليرى النور صباح أحد الأيام حيث فوجئت النقابات العمالية بصدور مشروع القانون التنظيمي وكلنا أمل بعدم المس بالحقوق الإنسانية، إلا أنها فرحة لم تكتمل، فمن خلال الإطلاع على مقتضياته تبين أن أصحاب الإختصاص أبوا إلا أن 

ينتهجوا مقاربتهم المعهودة المتجذرة،مقاربة لا تخلو من الزجر والقمع والبطلان وإحقاق العقاب أمام كتم أنفاس الحقوق والواجبات حيث خصصت 12مادة  للعقاب والزجر من أصل 49 مادة في القانون المذكور.

إن التعاطي بالتعسف في ممارسة هذا الحق الطبيعي يجعلنا نوجه العديد من الأسئلة حول موقف الحكومة اتجاه هذا الوضع فهل هي تحاول لملمة أطراف الملف لهدوء العاصفة أم أنها تؤجج الوضع ليضحى مأساويا أكثر،حيث يلوح في الأفق أن ممارسة الحق في الإضراب قد أصبحت مهددة انطلاقا من عدد المواد المدمجة في القانون والمخصصة للعقوبات و الغرامات السالبة للحرية.

الحكومة أكدت قبل صدور المشروع أنها سترى ما يمكن التوافق عليه ليكون هناك قانون يرضي الجميع، إلا أنه وبعد صدوره أصبح لا يدع مجالا للشك أنها تروم وئد هذا الحق مع سبق الإصرار والترصد.

ثم ما المغزى من مائدة حوار اجتماعي تدار بين الحكومة والتمثيليات النقابية وأرباب العمل ضمن ما يسمى بالمقاربة التشاركية مع عدم تفعيل مقتضيات هذه الأخيرة واقعيا؟

فالمادة 7 من القانون المذكور تنص على أنه: ”لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب‟.

إن قوة الاضراب تتجلى في فجائيته  لسد الباب أمام محاولة إفشاله أو كسر شوكته ،فما الجدوى من إخبار المشغل ب30 يوما قبل الإضراب ؟ ألا يعتبرهذا تدخلا في الجموع العامة ؟ أو إن أصح التعبير هو مقدمات لإفشال الإضراب.

وأمام صدور هذا المشروع ليس لنا إلا أن نقول أننا امام حق تسعى الحكومة لتقييده بمواد زجرية تقييدية، فالمتتبع لأهداف الحكومة من خلال مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بالحق في الإضراب طيلة السنوات الفارطة يكاد يجزم أنها سائرة في منحى إقبار هذا الحق.

حقيقة لم تكن انتظارات النقابيين ضياع مكسب ساق منذ ولادته ضحايا كثر وسجناء، فقد أشرفنا على نهاية سنه 2024 و نحن نتجرع مرارة سلب الحقوق والتلاعب بها أمام الترويج لما يسمى بالدولة الاجتماعية في زمن الحقوق فيه أصبحت غير محمية قانونيا.
 
فالأجدر في ظل الأوضاع الراهنة المتأججة المساهمة في تحقيق التوازن و التكامل بين مصلحة المقاولة وحقوق الأجير ومصلحة الوطن وانتهاج سياسة تعتمد على ميكانيزمات وآليات تسعى الوسطية في القرارات و الأحكام حماية لحقوق جل الأطراف.

وعليه مرمى هذه المقالة هو قراءة نقدية  للمحتوى الوارد في المادة 5 من مشروع القانون التنظيمي الخاص بالإضراب لنرى ما يمكن استقراءه من مضامينها، فالتعديل لا يمكن اختزاله في مجرد إصدار مواد قانونية وتنظيم حوارات اجتماعية ومشاورات فقط دون ترجمة فعلية لها، بل لابد من استحضار رؤية شمولية توفر شروط النجاح في التعديلات القانونية بما يخدم الصالح العام وليس الخاص.

تنص المادة 5 على: " كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة..
ويعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا‟.

يمكن تصنيف هذه المادة ضمن القوانين الوضعية الطبيعية العادلة إذا كان مشروع القانون التنظيمي المطروح قد خلق نوعا من التوازن بين الأطراف ومستجيبا لانتظارات ومصالح  الجميع.

و تبعا لذلك، لا يمكن أن نفهم كلمة ″ باطل ‟ الواردة في المادة 5 من القانون السالف الذكر أمام مواد غير منصفة وغير متساوية في الأدوار والحقوق، مواد مدرجة ضمن مشروع يرضي طرفا على حساب اخر كما يحمل في طياته تجريم حق بالتدريج في أفق منعه واستحالته.

إن الأمر يذكرنا بفرنسا حيث ظل الإضراب ممنوعا فيها لمدة معينة حيث يعاقب عليه القانون الجنائي لسنة 1813 ،حتى تم جعله حقا من الحقوق بمقتضى دستور 1946و 1958  فهل سنعود نحن القهقرى لعهود الإستعباد و الرق  ؟Ancre

فبالرجوع للمادة 5 من المشروع  نجدها تحتمل عدة تأويلات نظرا لطبيعة صياغتها، الأمر الذي يحتمل تفسيره أكثر من معنى، فمن جهة  مصطلح” البطلان‟ نجد أن هذا المقتضى يفتقد للتدقيق المفاهيمي من ناحية تبعاته فماذا نعني بالبطلان؟ ولا أقصد هنا المعنى الإصطلاحي طبعا.

فهل هو تعليق مشروعية الإضراب على شرط الإلتزام بمواد مجحفة غير متساوية الحقوق بين أطراف النزاع ؟ أم هو استعمال القوة لمنع حدوث الإضراب ؟ أو بمعنى آخر هل نقصد بالبطلان عدم الإعتداد بالإضراب حالة قيامه والدعوة للعقاب لمن خالف الأحكام ؟  وهل الأحكام صدرت لصالح الجميع حتى نتحدث عن البطلان ؟

وإذا أتيحت لنا أحكام تأخذ بعين الإعتبار تطلعات كل  الأطراف المعنية فمن أين لنا أن نأتي بهذا التهور بعدم الإلتزام بالأحكام والقانون ؟
وبالرجوع إلى القوانين، ما المغزى من صدور مادة قانونية مبهمة  التبعات مع العلم أن مشروع القانون التنظيمي بقي حبيس الرفوف في الغرفة الأولى لمجلس النواب لثماني سنوات، فكان الأجدر أن يخرج لحيز الوجود وهو مكتمل المعالم  ومنتصب القامة يمشي بالعدل بين مختلف الأطراف.

وانطلاقا مما سبق، كان من المفترض في مشروع القانون التنظيمي رقم 15-97 الدقة والوضوح بشكل لا يترك مجالا للتأويل والتفسير، وكان على المشرع المغربي سد الثغرات الناجمة عن هذا التكبيل، لا سيما المادة 46 من الباب الخامس و التي تنص على:″ قيام ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر المعاينة و إثبات المخالفات لأحكام هذا القانون التنظيمي.وترسل المحاضر الى النيابة العامة بالمحكمة المختصة داخل اجل أقصاه 24 ساعة من تحريرها داخل اجل معقول.

نلاحظ هنا أنه قد تم تغييب دور وسلطة مفتش الشغل في هذا المجال -وهو الملم أكثر بنوع هذه الملفات- ومنحها لضابط الشرطة القضائية والذي هو أولا وأخيرا جهاز أمني  لا علاقة له  بالنقاط الخلافية بين الأطراف. فالمتتبع  لمواد هذا

المشروع يرى أن مواده قد صارت على منوال مشروع القانون التنظيمي السابق على الرغم من استفحال ظاهرة الهشاشة في العلاقة بين المشغل والاجير.
وبالرجوع للمادة 5 في فقرتها الثانية نجدها تنص أيضا على:

" ويعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا‟

هنا نتحدث عن الإضراب السياسي، فهذا الأخير يعتبر من أخطر أشكال الإضرابات في نظر الدولة حيث يقابل بالمنع ولا يجد لنفسه
موقعا داخل الحوارات الاجتماعية.

إن الإضراب الذي تحدثنا عنه سابقا هو إضراب الهدف منه الضغط على المشغل في حالة استنفاذ جميع الوسائل المعروفة التي تسبق الإضراب، إلا أن الإضراب السياسي والذي منعته المادة 5 في فقرتها الثانية يتجه فيه الضغط صوب الدولة أو أحد سلطاتها

ومؤسساتها مباشرة، وهو ما لا ترضاه لنفسها حيث أنها ترفض الضغط عليها بواسطة الإضراب لتسوية سياسة ما أو تصويب أجندة ما أو أن يكون الإضراب ضد سياسة معينة تتبعها الحكومة، كما أن هذا الإختصاص هو من شأن الأحزاب وكأن الاحزاب في بلدنا تقوم بأدوارها الطلائعية.

”فبالرغم من تبني المغرب لنظام  للتعددية الحزبية منذ الإستقلال،إلا أن التجرية أثبتت إفشال هذا المسعى، فمنذ السنوات الأولى بدأت محاولات مواجهة الأحزاب السياسية الوطنية، وتدجينها و إضعافها عبر اللجوء إلى أساليب الإختراق أو تشجيع الإنشقاقات و افتعالها،أو تأسيس أحزاب موالية.

  فالإضراب السياسي في المغرب لا يتعلق بالمطالب المهنية مع أنه قد يصعب أحيانا الفصل بين الإضراب السياسي والإضراب المهني، فهناك مطالب مهنية لها بعد سياسي. وفي جميع الحالات هناك تداخل بين القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كالتداخل الحاصل بين النقابي و السياسي. 

توضيحات:


-على الرغم من الترسانة القانونية لمشاريع القوانين التنظيمية لقانون الإضراب يتبين أن الحكومة لم تتوفق بعد في هذا المشروع بضمانات نجاح تحسن صورتها أمام النقابيين والحقوقيين وفاعلي المجتمع المدني. فانطلاقا من القراءة السالفة الذكر يتبين ان هذا القانون يميل للتدبيرالأمني والعقوبات السالبة للحرية مما أثار سخطا عارما للهيئات النقابية والفاعلين في العمل النقابي والشغل بصفة عامة.

-الحكومة تسارع الخطى لتأجيج أزمة الثقة في العمل النقابي وتجريده من أهم أسلحته وحقوقه ( الحق  في الاضراب)،وإضعافه في المغرب إمعانا في تهميش الفاعل النقابي في المغرب ولجمه عن القيام بأدواره الطلائعية مع العلم أن العمل النقابي يعتبر واجهة

أساسية للدفاع عن حقوق الشغيلة  ضد الجور والظلم والاستغلال والإقصاء الاجتماعي، والإسهام في تحقيق السلم الإجتماعي والتنمية الإقتصادية، والحفاظ على التوازن بين اطراف العملية التشغيلية التي تخدم الصالح العام. لكن في ظل نظام سياسي استبدادي يقمع ويضعف ويفسد العمل النقابي، يتعذر على النقابات القيام بهذه الأدوار.

المشروع عمد الى تجميد مفهوم الإضراب وإفراغه من محتواه. -

-وبما أن الحكومة طالما افتخرت بالمقاربة التشاركية مع النقابات في عدة قطاعات فعدم إحالتها لمشروع القانون على جلسات الحوار الإجتماعي مع بعض الفاعلين النقابيين أو بمعنى اخر عدم الإعتداد بمخرجات الحوار والتفاعل الإيجابي معه  يضرب دعوة التشاركية عرض الحائط .
 
فعن أي حوار اجتماعي وأية تشاركية تحدثنا الحكومة إن هي مررت مشروع قانون الإضراب خارج جلسات الحوار الاجتماعي؟
وأخيرا ،وفي ظل الأزمات التي يعيشها المغرب من غلاء للأسعار وإغلاق عدد من الوحدات الإنتاجية في البلاد مع تسريح عدد  لايستهان به من العمال  كان جديرا بالحكومة أن تضع مشروعا يلبي انتظارات الشغيلة لا أن يأتي على ما بقي من حقوق.

 مع العلم أن المغرب قد التزم وصادق على العديد من الإتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمات العمل الدولية و المواثيق الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة في إطار الملائمة مع التشريع الوطني طبعا.

 فإذن كيف يقيد الحق في الإضراب مع هذه الترسانة الحقوقية ؟ فالأمثل هو أن يصون ما صادق عليه و يضمن ممارسته ومراقبته.

ندرج هنا بعض المعطيات الصادرة عن مكتب “أنفوريسك”، المتخصص في المعلومات القانونية والمالية حول الشركات المغربية والمغاربية، حيث يفيد أن سنة  2023 قد سجلت 2883 حالة إفلاس للشركات المغربية  بزيادة قدرها 6 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة2022 وقد يكون العدد الحقيقي أكثر في الواقع في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية ناهيك عن غلاء الأسعار و تجميد الأجور .



الاثنين 30 ديسمبر 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter