تميزت سنة 2022 بظرفية صعبة للغاية بالنسبة لمعظم اقتصاديات البلدان المتقدمة والصاعدة، وذلك جراء تضافر العديد من الصدمات الكبرى. وفي هذا السياق، سجل النمو العالمي تباطؤاً معمماً، حيث تراجعت وتيرته من 6.3 في المائة إلى 3.4 في المائة. كما سجلت معدلات التضخم ارتفاعاً قوياً بلغت نسبته 8.7 في المائة، مقارنة بنسبة 4.7 في المائة خلال سنة 2021، وذلك على وجه الخصوص بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار المواد الأولية والمنتجات الغذائية. وبالموازاة مع ذلك، أدت السياسات النقدية التقييدية التي اعتمدتها البنوك المركزية إلى تشديد شروط التمويل على الصعيد الدولي. ومن ناحية أخرى، تظل الآفاق المستقبلية مَشُوبَةً بدرجة عالية من عدم اليقين، حيث تشير التوقعات إلى استمرار التباطؤ الاقتصادي خلال سنة 2023، مع احتمال تراجع معدلات التضخم، غير أنها ستظل على الأرجح فوق مستويات ما قبل الأزمة.
وعلى غرار العديد من البلدان، عرف الاقتصاد الوطني تراجعا في وتيرة النمو من 8 في المائة سنة 2021 إلى 1.3 في المائة خلال سنة 2022، وهو ما يؤكد الطابع الظرفي للانتعاش الذي شهده الاقتصاد المغربي في 2021. ويمكن أن تُعزى هذه الوضعية إلى تراكم وتزامن تداعيات عدة صدامات، تتعلق بالتقلبات التي سُجِّلت على الصعيدين الدولي والداخلي، كانعكاسات موجات الجفاف المستمرة والحادة (تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 12.9 في المائة)، والآثار المتبقية من أزمة كوفيد - 19 على النسيج المقاولاتي وعلى الطلب الداخلي بصفة عامة.
وقد كانت للظرفية الاقتصادية غير المواتية خلال سنة 2022 انعكاسات سلبية على العديد من القيم الإجمالية والمؤشرات الاقتصادية. وهكذا، سُجل تفاقم في العجز التجاري، مع ارتفاع معدل التضخم (من 1.4 في المائة إلى 6.6 في المائة)، مَرَدُّهُ بالأساس الارتفاع العام في أسعار المواد الغذائية الذي يلقي بثقله على القدرة الشرائية للأسر الأكثر هشاشة. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من الانخفاض الطفيف جداً في معدل البطالة من 12.3 في المائة سنة 2021 إلى 11.8 في المائة خلال سنة 2022، فقد سجلت هذه الأخيرة فقدان عددٍ صافٍ من مناصب الشغل يبلغ 24.000 منصب.
ورغم هذه الظرفية الصعبة وتواتر الصدمات جراء الانعكاسات البَعدية لجائحة كوفيد19-، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الوطني أبان عن قدرة على الصمود.
وخلال سنة 2022، سجلت بعض القطاعات تطورات واعدة، حيث عرف قطاع السياحة انتعاشاً ملحوظاً في مداخيل الأسفار (166 + في المائة)، لتبلغ مستوى أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة. كما سجلت تحويلات مغاربة العالم أداء جيداً، حيث عرفت نمواً بنسبة 16.5 + في المائة. وبالموازاة مع ذلك، استقرت التدفقات الصافية للاستثمارات الأجنبية المباشرة عند نسبة تقارب 3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
وعلى الرغم مما أبان عنه الاقتصاد الوطني عموما من قدرة على الصمود وكذا التقدم المحرز في بعض القطاعات كالسياحة، فإن استمرار بعض العوامل ذات الطابع البنيوي لا يزال يؤثر على الأداء الاقتصادي. وتتجلى هذه العوامل على الخصوص في ما يلي:
التباطؤ شبه المستمر لإنتاجية العمل منذ أزمة سنة 2008؛
الضعف الواضح في نجاعة الاستثمار، كما يتبين من خلال مؤشر المعامل الهامشي للرأسمال (ICOR) الذي بلغ مستوى مرتفعاً تجاوز 9 نقاط في المتوسط خلال السنوات 15 الأخيرة؛
المنحى التنازلي لمحتوى الشغل في النمو، لا سيما إحداث فرص الشغل بالنسبة للنساء والشباب؛
التقلب المستمر لنمو القيمة المضافة الفلاحية، على الرغم من الجهود المبذولة في إطار الاستراتيجيات الفلاحية المتتالية.
كما تجدر الإشارة إلى أن الأشهر الأخيرة من سنة 2022 شهدت تسارعاً في وتيرة الإصلاحات الرامية بالأساس إلى تحسين البيئة المؤسساتية والتنظيمية، سيما من خلال اعتماد الميثاق الجديد للاستثمار والشروع في تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار بعقد الاجتماع الأول لمجلسه الإداري.
علـى الصعيـد الاجتماعي، وبعد مضي أزيد من سنتين على اندلاع الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد19-، ما زالت الأسر المغربية تعاني من تداعياتها، التي تفاقمت بسبب موجة التضخم وما رافقها من تدهور للقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وتدني مستواهم المعيشي. في ظل هذه الظروف، انتقل نحو 3.2 مليون شخص إضافي إلى وضعية الفقر (1.15 مليون شخص) أو الهشاشة (2.05 مليون شخص)، وهو ما يقترب من المستويات المسجلة سنة 2014.
وفي ظل هذه الوضعية، ضاعفت السلطات العمومية جهودها خلال سنة 2022، لا سيما من خلال تسريع وتيرة تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (AMO)، في إطار ورش الإصلاح الشامل لمنظومة الحماية الاجتماعية، واستكمال إصلاح المنظومة الصحية الوطنية. موازاة مع ذلك، جرى اتخاذ عدد من التدابير والمبادرات المهمة في إطار إصلاح منظومة التربية والتكوين، لا سيما إعطاء الانطلاقة لخارطة طريق لإصلاح منظومة التربية الوطنية 2026-2022، وإعداد المخطط الوطني لتسريــع تـحـول منظومة التعليم العـالـي والبحث العلمي والابتكار في أفق 2030 (PACTE ESRI 2030).
وبخصوص الوضعية الاجتماعية للنساء، لم يلاحظ حدوث تغيير ملحوظ خلال سنة 2022، لا سيما في ما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية للمرأة، مما يبقي المغرب في المراتب الأخيرة في التصنيف العالمي المتعلق بالفجوة بين الجنسين. وعلاوة على استمرار عدم تثمين الكفاءات النسائية بالقدر الكافي في سوق الشغل، لا تزال هناك أشكال متعددة من التمييز التي ينبغي التصدي لها من خلال مراجعة مدونة الأسرة. في هذا الصدد، وانسجاما مع الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2022، يتعين مراجعة بعض بنود مدونة الأسرة، بما يحافظ على التوازن سواء تعلق الأمر بأحكام الولاية على الأطفال، أو زواج الطفلات، أو مسألة تدبير الأموال المكتسبة من لدن الزوجين خلال فترة الزواج أو آجال الفصل في دعوى طلب التطليق.
وعلى مستوى الحوار الاجتماعي، تميزت سنة 2022 بالتوقيع على الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي في إطار الاتفاق الاجتماعي في 30 أبريل 2022 بين الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الأكثر تمثيلية. وتشكل مضامين هذا الميثاق غير المسبوق في الأدبيات الاجتماعية ببلادنا، في ما يتصل بتحديد معالم النموذج الوطني للحوار الاجتماعي، إطاراً مرجعياً لتمكين مختلف الأطراف المعنية من متابعة التقدم المُحرَز في تنزيل الاتفاقات المبرمة على المستويات القطاعية، وقياس تطورات المناخ الاجتماعي الوطني.
بخصوص الوضعية البيئية، تميزت سنة 2022 بعقد المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) الذي عُقِدَ في شرم الشيخ. كما تميزت هذه القمة باعتماد «خطة تنفيذ قمة شرم الشيخ» التي ضمت ايضاً اتفاقا بشأن تقديم المساعدة إلى البلدان الفقيرة المتأثرة بشكل كبير بالتغيرات المناخية، بحيث تم إحداث صندوق للخسائر والأضرار لدعم الدول النامية جراء التغير المناخي والاحتباس الحراري. وخلال مشاركته الفاعلة في المؤتمر، وقَّع المغرب عدة اتفاقيات وشراكات استراتيجية تهم مجالات أساسية كتدبير الموارد المائية وحماية البيئة والكهرباء المستدامة وغيرها.
وفي ما يتعلق بالتغيرات المناخية، شهدت سنة 2022 ظواهر مناخية قصوى، لا سيما موجات حرارة ونوبات جفاف وفيضانات أكثر تواترا، خلفت خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، كان لها تأثير بالغ على الأمن الغذائي والصحي والبنيات التحتية.
من جانبها، واجهت بلادنا تحديات كبرى تجلت في الجفاف غير المسبوق الذي طبع الموسم الفلاحي والارتفاع القياسي في درجات الحرارة، مع عجز كبير في التساقطات المطرية بلغ 27 في المائة مقارنة مع 2021.
وتفاعلا مع هذا الوضع، اتخذت السلطات العمومية مجموعة من التدابير الهادفة إلى التخفيف من حدة هذه الظواهر المناخية نذكر منها، على وجه الخصوص، تعزيز العرض المائي من خلال تسريع وتيرة إنجاز المشروع المهيكِل للربط البيني بين حوضيْ سبو وأبي رقراق وتسريع وتيرة إنجاز محطات تحلية مياه البحر.
وعلى الرغم من هذه الظرفية غير المواتية، ارتقى المغرب إلى المرتبة السابعة عالمياً في مؤشر الأداء المناخي لسنة 2022. وقد تمكنت بلادنا من بلوغ هذه المرتبة المشرفة جدا، بفضل سياسة المملكة الرامية إلى النهوض بالطاقات المتجددة، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة وانخراطها في الجهود المبذولة على الصعيد العالمي لمكافحة التغيرات المناخية، من خلال العديد من الاستراتيجيات الاستباقية والمتجددة، لا سيما الاستراتيجية الوطنية منخفضة الكربون طويلة الأمد في أفق 2050 والمساهمة المحددة وطنيا التي جرى تحيينها في 2021.
وبخصوص الانتقال الطاقي، احتل المغرب المرتبة الأولى عالميا ضمن الدول الأكثر جاذبية في قطاع الطاقات المتجددة. ولأول مرة، تضمن هذا المؤشر تصنيفا مرتبطا بالناتج الداخلي الإجمالي. ويعكس هذا التصنيف جهود بلادنا من أجل تحسين الإطار القانوني المنظم لقطاع الطاقات المتجددة بغية تعزيز جاذبيته لدى المستثمرين.
من جهة أخرى، يُصَنَّف المغرب ضمن الأقطاب الأربعة التي تتمتع بإمكانات واعدة في إفريقيا في قطاع الهيدروجين الأخضر بفضل موقعه الجغرافي، وقنوات الربط القائمة أو التي يجري تطويرها مع أوروبا، والتقدم المحرز في إنجاز مشاريع الطاقات المتجددة، وتطويره لمحطات تحلية مياه البحر.
وانطلاقا من الأهمية التي يحظى بها إنتاج الهيدروجين الأخضر لدى العديد من البلدان، بإمكان المغرب اليوم الاستفادة من هذه الفرصة من خلال تسريع الشراكات بين أوروبا وإفريقيا للتموقع كرائد في الأسواق الإقليمية والعالمية في مجال الهيدروجين الأخضر. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتعين على المغرب رفع العديد من التحديات المطروحة في هذا الشأن، على غرار محدودية الموارد المائية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وكون التكنولوجيات المستعملة في سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر لا تزال في طور التجريب، والحاجة إلى تسريع وتيرة الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة، فضلا عن وتيرة تنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر على المستوى الإقليمي والدولي وتداعياتها على تكاليف إنتاجه.
في ضوء تحليل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالمغرب خلال سنة 2022، يتناول التقرير عددا من نقاط اليقظة.
وفي هذا الصدد، تُبرز نقطة اليقظة الأولى الحاجة الملحة إلى النهوض بجودة ونجاعة الاستثمار، من أجل الارتقاء بالاقتصاد الوطني نحو عتبة نمو أعلى. وقد ارتأى المجلس معالجة هذه النقطة انطلاقا مما وقف عليه من مكامن ضعف تعتري مردودية الاستثمار بالمغرب من حيث النمو والتشغيل.
وقد انكب المجلس على دراسة العوامل البنيوية والعوامل المتعلقة بالحكامة التي يمكن أن تفسر ضعف نجاعة الاستثمار، مسلطا الضوء في الوقت نفسه على الجهود التي جرى بذلها مؤخرا من أجل تسريع وتيرة تنزيل الآليات الرامية إلى النهوض بالاستثمار الخاص، لا سيما الميثاق الجديد للاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار. غير أن ثمة بعض الجوانب الأساسية التي ينبغي أن توليها السلطات العمومية أهمية خاصة من أجل توفير كل شروط النجاح لهذا الإصلاح. كما أن القيام بتقييم موضوعي للآليات الجديدة التي تم إرساؤها يتطلب بعض الوقت ولا يمكن أن يتم إلا بعد دخولها مرحلة التنفيذ.
هكذا، واستنادا إلى ما وقف عليه المجلس من ملاحظات وما أجراه من تحليل للظرفية، يوصي المجلس في مرحلة أولى بالقيام بما يلي :
العمل على إرساء تتبع صارم للإجراءات المنصوص عليها، على جميع المستويات الترابية، عبر إنجاز دراسات أثر وفق معايير موضوعية يُعهَدُ بها إلى هيئة مستقلة من أجل التمكن من القيام بالتعديلات اللازمة وفي الوقت المناسب.
الحرص على خلق التجانس والتضافر بين أهداف وآليات ميثاق الاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار، بما في ذلك على مستوى المعايير المعتمدة لتحديد القطاعات والمشاريع التي تستجيب للمعايير والشروط ذات الصلة.
إشراك أكبر لممثلي المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة والمقاولين الذاتيين في بلورة وتحيين سياسات وآليات النهوض بالاستثمار، وإحداث آليات للدعم على مستوى كل من ميثاق الاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار، تكون مخصصة لتشجيع الوحدات غير المنظمة على الاندماج في القطاع المنظم.
النظر في إمكانية تعديل المرسوم المتعلق بتطبيق ميثاق الاستثمار، من خلال تخويل منحة خاصة بتشجيع تشغيل «كوطا» محددة من الكفاءات الشابة، على غرار المنحة المنصوص عليها من أجل تشجيع تشغيل النساء.
تزويد المراكز الجهوية للاستثمار بالموارد البشرية واللوجيستيكية والمالية الكافية من أجل تمكينها من الاضطلاع بدورها بشكل فعال.
العمل على المزيد من تخفيض تكاليف الاستثمار والإنتاج في بعض القطاعات التي يتم تحديدها، من خلال تحسين شروط الولوج إلى عوامل الإنتاج (كلفة الطاقة، والعقار الملائم لحاجيات صغار المستثمرين، وتكوين الرأسمال البشري المؤهل، وغير ذلك).
العمل على التطبيق الفعلي والصارم لقواعد المنافسة وتسريع مسلسل تعميم رقمنة المساطر بما يمكن من تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد.
أما بالنسبة لنقطة اليقظة الثانية، فتهم ضرورة ملاءمة تدابير دعم القدرة الشرائية في ظل استمرار التضخم وتعدد أسبابه. فمنذ الفصل الأخير من سنة 2021، شهد المغرب ارتفاعاً مستمرا في الأثمان عند الاستهلاك، مع تسجيل معدلات تضخم غير مسبوقة بلغت نسبة قصوى تجاوزت 10 في المائة خلال شهر فبراير 2023، بعدما سجلت نسبة متوسطة سنة 2022 بلغت 6.6 في المائة. ويلاحظ أن هذا المنحى التصاعدي لارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المنتجات الغذائية، يؤثر بشكل أقوى على الأسر ذات الدخل المحدود نظرا لكون هذه المنتجات تحتل مكانة أكبر في سلة استهلاكها.
وتجد الطبقة الوسطى نفسها أكثر تأثرا بالتضخم، نظرا لافتقارها لما يكفي من القدرة المالية وهامش المناورة لمواجهة صدمات تضخمية مهمة. ويعزى ذلك إلى لجوئها في غالب الأحيان إلى الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة، التي يوفرها القطاع الخاص بأسعار أعلى، وذلك في ظل خدمات عمومية لا تزال جودتها دون الحاجيات والتطلعات.
وعموما، يعزى هذا التضخم أساسا إلى عوامل مرتبطة بالعرض وكلفة الإنتاج بالنسبة لبعض القطاعات، لكنه يتأثر أيضا بممارسات محتملة منافية لقواعد المنافسة وكذا لاختلالات في مسارات التسويق، دون إغفال احتمال ظهور وتطور ممارسات لبعض المنتجين تتعلق بهامش الربح، فيما يعرف بظاهرة الجشع التضخمي (Greedflation).
واستحضارا للتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في ضوء التشخيص الذي قام به وجلسات الإنصات والاستشارة المواطنة التي نظمها، جملة من التدابير الإضافية على المدى القصير لتعزيز التدابير التي جرى اتخاذها. ومن التوصيات المقترحة نذكر ما يلي:
تعزيز عمليات مراقبة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة مع تطبيق عقوبات رادعة بما يكفي، واعتماد تدابير كفيلة بالتقليص من مراكمة هوامش الربح المبالغ فيها؛
النظر في إمكانية اتخاذ تدابير مؤقتة لتقنين أسعار بعض المنتجات الأساسية التي شهدت ارتفاعا مهما أو التي تكتسي أهمية بالغة بوصفها مدخلات مشتركة في باقي المنتجات، سيما وأن المادتين 4 و5 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة تتيحان هذه الإمكانية؛
التصدي للتضخم الذي يهم المنتجات الغذائية، من خلال العمل على دعم المدخلات الفلاحية على وجه الخصوص (البذور، منتجات الصحة النباتية، علف الماشية…)؛
الإسراع بإصلاح أسواق الجملــة، عبر إرساء نظام تدبير مفتوح أمام المنافسة وجعل ولوج المهنيين إليه مشروطاً باحترام دفتر التحملات، مع تيسير الولوج اللوجيستيكي لصغار الفلاحين والتعاونيات لهذه الأسواق؛
العمل على إصدار المراسيم التطبيقية للقانون رقم 37.21 الذي دخل حيز التنفيذ في يوليوز 2021 والذي تسمح مقتضياته بتسويق المنتجات الفلاحية المنتجة في إطار مشاريع التجميع الفلاحي مباشرة دون إلزامية المرور عبر أسواق الجملة؛
العمل قدر الإمكان على ضمان شفافية تامة للأسواق، من خلال النشر الدائم للمعلومات حول الكميات المتداولة، والأسعار، وهوامش الربح، وذلك ارتكازا على نظام معلوماتي خاص بهذا الأمر؛
منح مساعدات مباشرة للأسر المعوزة لتخفيف تأثير التضخم على قدرتها الشرائية؛
دراسة جدوى إجراء تخفيض استثنائي لسعر الضريبة على القيمة المضافة، يهم بشكل خاص المنتجات الأساسية التي يؤثر ارتفاعها سلبا على سلة استهلاك الأسر المعوزة والأسر المنتمية للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى.
أما نقطة اليقظة الثالثة، فتتناول إشكالية الخصاص المسجل في مهنيي الصحة في المغرب.
وفي هذا الصدد، بلغت نسبة التأطير الطبي وشبه الطبي في المغرب سنة 2022 حوالي 1.7 مهني صحة لكل 1000 نسمة. وفي ضوء توقعات النمو الديمغرافي بالمملكة، فمن المتوقع أن يتفاقم الخصاص في أعداد مهنيي الصحة في غضون السنوات المقبلة. لذلك، فإن هدف تحقيق نسبة التغطية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية (4.45 مهني صحة لكل 1000 نسمة) صار أكثر صعوبة بالنظر للعجز المسجل سواء في تكوين المهنيين أو القدرة على الاحتفاظ بهم داخل المنظومة الصحية العمومية. وحسب معطيات حديثة، فإن المغرب يفقد سنويا ما بين 600 و700 طبيب (ة)، أي ما يعادل 30 في المائة من الأطباء المكونين حاليا. وتهم هذه الهجرة جميع الفئات، لا سيما الأطباء المتخصصين والأساتذة وحتى طلبة الطب.
ووعيا منها بالحاجة الملحة إلى المهنيين في قطاع الصحة، عملت السلطات العمومية المختصة على تقليص مدة التكوين في مجال الطب من 7 إلى 6 سنوات. غير أن هذا الإجراء يظل غير كاف بالنظر إلى حجم الخصاص المسجل في هذا المجال.
ويبرز هذا التشخيص، أنه بات من الضروري مباشرة تفكير معمق لإعادة النظر في حكامة قطاع الصحة من أجل تجاوز الاختلالات البنيوية التي تعتريه. وفي هذا الصدد، يقترح المجلس جملة من التدابير الاستباقية والمبتكرة الملائمة للسياق المغربي، غايتها معالجة تلك الاختلالات وتيسير تثمين كفاءات مهنيي القطاع والاحتفاظ بهم داخل المنظومة الوطنية للصحة. ومن التوصيات التي يقدمها المجلس في هذا الباب نذكر ما يلي:
تعزيز إمكانيات التناوب والحركية المهنية في صفوف مهنيي الصحة بالمجالات الترابية التي تعاني الخصاص في الموارد البشرية الصحية، من أجل تشجيعهم على الانخراط بإيجابية في ثقافة الصالح العام؛
إرساء نظام للرفع التدريجي والممنهج لأجور مهنيي الصحة، وتعزيزه بتعويضات مرتبطة بالأداء حتى يتمكن المغرب من الاحتفاظ بكفاءاته في هذا القطاع؛
تعزيز قدرات ومهارات المهنيين الممارسين، من خلال إحداث جسور بين المهن الصحية تمكن العاملين من فرص الترقي الوظيفي؛
توسيع الاعتراف بالشهادات التي تمنحها مؤسسات التكوين الخاصة في هذا المجال، لا سيما تلك المختصة في تكوين الممرضات والممرضين، وذلك لتصبح معادلة للشهادات التي تمنحها مؤسسات التكوين العمومية، مع الحرص على ضمان جودة التكوين الذي تقدمه هذه المؤسسات.
وبخصوص نقطة اليقظة الرابعة، فتسلط الضوء على التمكين الاقتصادي للمرأة، إذ تظل هذه القضية من بين الجوانب التي تقتضي يقظة خاصة بالنظر إلى معدل نشاط النساء الذي يشهد انخفاضا بنيويا منذ عدة سنوات، إذ لم يتجاوز سنة 2022 نسبة 19.8 في المائة، مقابل 22 في المائة سنة 2019.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قام، في العديد من أعماله المخصصة لهذه الإشكالية، بتحليل مختلف مسبباتها. ومن ثم، يقترح المجلس جملة من التدابير التي من شأنها تحسين الاندماج الفعلي للنساء في سوق الشغل، ومنها ما يلي:
إطلاق مسلسل تفكير ونقاش حول سبل تثمين عمل النساء ربات البيوت، وذلك من أجل تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية، من خلال تدابير من قبيل توفير دخل أدنى، أو مصادر تمويل ملائمة لوضعيتهن؛
الحرص على أن تضمن مراجعة مدونة الأسرة صون حقوق النساء الاقتصادية وحمايتهن من كل أشكال التمييز؛
تخفيف المسؤوليات الأسرية الملقاة على عاتق النساء (الأعمال المنزلية…)، لا سيما من خلال توفير خدمات حضانة ذات جودة لفائدة الأطفال في سن مبكرة في الإدارات والمقاولات؛
تقليص الفوارق في الأجور بين الرجال والنساء في القطاع الخاص ومكافحة مظاهر التمييز المرتبطة بالترقي المهني؛
تعزيز جودة وسائل النقل العمومي، من أجل حماية النساء في طريقهن إلى أماكن العمل؛
تيسير ولوج النساء إلى التمويل والعقار، لا سيما من خلال مراجعة بعض المقتضيات التمييزية الواردة في المرسوم التطبيقي لأحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها؛
تعزيز وتثمين روح المقاولة في صفوف النساء بالمغرب.
أما نقطة اليقظة الخامسة التي يتناولها هذا التقرير، فتتعلق بموضوع تحلية مياه البحر التي تُشكل اليوم خيارا استراتيجيا لتعبئة كميات كبيرة من المياه غير الاعتيادية اللازمة لتحقيق الأمن المائي والغذائي لبلادنا. في هذا الصدد، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بوضع موضوع تحلية المياه في صلب رؤية وطنية مشتركة من أجل توفير «مزيج مائي» قادر على الصمود أمام التغيرات المناخية، وتثمين الموارد المائية الاعتيادية وغير الاعتيادية الممكن تعبئتها بشكل مسؤول ومستدام للاستجابة لحاجيات الأسر من الماء الصالح للشرب وكذا الحاجيات الخاصة للقطاعات الإنتاجية والمجالات الترابية. من جهة أخرى، ومن أجل التخفيف من الانعكاسات السلبية المحتملة لتحلية مياه البحر، لا سيما على تنوع النظم البيئية البحرية، يتعين الحرص على توفر محطات التحلية على آليات للمراقبة واليقظة والتتبع المستمر.
فــي إطــار إنجــازه لتقريــره الســنوي، أفــرد المجلــس الموضــوع َ الخــاص لهذه السنة لتدبير العجز المائي، لا سيما بالنظر إلى موجات الجفاف الحاد التي شهدها المغرب خلال السنوات الأربع الأخيرة وبلغت ذروتها خلال سنة 2022. وقد خلَّف هذا الارتفاع في تواتر فترات الجفاف وحِدَّتِها، في سياق التغيرات المناخية، عجزاً مائياً حاداً أثَّر على جميع أوجه استعمال الموارد المائية (الفلاحي، الصناعي، السياحي، الاستعمال المنزلي، وغير ذلك)، مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات كبرى على الاقتصاد وعلى الأنظمة البيئية وعلى الأمان الإنساني (لاسيما المائي والغذائي والصحي)، وكذا على مصادر دخل نسبة كبيرة من السكان.
إن الطابع الحاد للعجز المائي يسائل جميع مكونات المجتمع (المواطنات والمواطنون، مستعملو الموارد المائية، الفاعلون العموميون، المقاولون، الفلاحون، وغيرهم) ويقتضي تبعا لذلك، تغيير عاداتنا الاستهلاكية تغييرا جذريا وإعادة النظر في خياراتنا السياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات العمومية أبانت عن سرعة في التفاعل، من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير سواء ذات الصبغة الظرفية أو البنيوية من أجل التخفيف من الآثار الآنية للجفاف ومواجهة وضعية العجز المائي على المديين المتوسط والطويل.
ومن ناحية أخرى، فإن التدبير الأمثل للعجز المائي – والذي يتفاقم أيضاً بسبب عوامل أخرى مثل زيادة الطلب على المياه، وفقدان الموارد المائية، والتلوث – يتطلب اتخاذ إجراءات ذات طبيعة استراتيجية تندرج ضمن منظور تدبير ناجع للموارد المائية، في انسجام تام مع إصلاح القطاعات الأخرى المعنية، لاسيما القطاع الفلاحي.
انطلاقاً من هذا التشخيص الذي يتقاسمه مختلف الفاعلين المعنيين، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من التوصيات الرامية إلى مواكبة التدابير والإصلاحات المستقبلية لضمان الأمن المائي المستدام لبلادنا وتعزيز قدرتها على الصمود أمام المخاطر المستقبلية الناجمة عن التغيرات المناخية، لاسيما ظاهرة الجفاف. ويتجلى الهدف الرئيسي في تعزيز الأمن المائي المستدام لبلادنا وتعزيز قدرتها على الصمود إزاء المخاطر المستقبلية (المناخية والمائية والغذائية وغيرها).
ومن بين التوصيات التي يقترحها المجلس في هذا الصدد، نذكر ما يلي:
وضع مخطط وطني للجفاف، مرتكز على نظام للإنذار المبكر، يحدد، بناءً على معطيات آنية حول ظروف الأرصاد الجوية الفلاحية والظروف الهيدرولوجية، التدابيرَ الواجبِ اتخاذها بالنسبة لكل مستوى إنذار وكذا الهيئات المسؤولة عن التنفيذ. وينبغي العمل على تنزيل هذه التدابير على المستوى الترابي، من خلال توفير مجموعة من الإجراءات الملائمة المتعلقة بتوفير المياه والنجاعة المائية؛
وضع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، تكون قائمة على التشاور الموسع وإشراك مختلف الفاعلين على المستويين المركزي والترابي، وتكون غايتها القيام بتحكيم دامج ومُنصِف بين مختلف أوجه استعمال الموارد المائية، مع ضمان الحفاظ على الرصيد الفلاحي والأمن الغذائي والمائي ومناصب الشغل؛
دراسة إمكانية إحداث هيئة مستقلة يُعهد إليها، في إطار مقاربة للتدبير المندمج للموارد المائية، بالتحديد الأمثل لأغراض استعمال الموارد المائية ووضع سياسة للأسعار خاصة بهذه الموارد، بناءً على توجيهات المجلس الأعلى للماء والمناخ؛
تسريع برنامج تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية، سيما من خلال: (1) تعزيز قدرات الجماعات الترابية في مجال تجميع المياه العادمة ومعالجتها وتنويع أوجه استعمال المياه المعالجة في القطاعين الفلاحي والصناعي وربما في تطعيم الفرشات المائية الجوفية؛ (2) والنهوض بالاستثمار في مجال تجميع مياه الأمطار واستعمالها؛
إعادة النظر في النموذج الفلاحي المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية وتدبيرها، وذلك أساسا من خلال إعادة النظر في الأنشطة والتخصصات الفلاحية بشكل يسمح بجعل كل جهة تتخصص في ممارسات فلاحية وزراعات مستدامة من حيث استعمال الموارد المائية. لذا، يتعين دعم إحداث سلاسل فلاحية قادرة على مقاومة التغيرات المناخية ولا تتطلب موارد مائية ضخمة وتتيح إنتاجية أفضل للماء؛
تعزيز الأنشطة التحسيسية الموجهة لمستعملي المياه (المواطنات والمواطنون، الفلاحون، الفاعلون في قطاع الصناعة، المكلفون بالتدبير…) حول ترشيد استعمال الماء.
في ما يتعلق بالقسم الأخير من التقرير السنوي، المخصص لأنشطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال سنة 2022، فإن الحصيلة المنجزة تكشف المعطيات التالية:
أولا، أنجز المجلس دراستين اثنتين في إطار إحالتين واردتين من:
رئيس الحكومة، من أجل إعداد دراسة حول «الصحة العقلية وأسباب الانتحار بالمغرب»؛
مجلس المستشارين، من أجل إعداد دراسة حول «نجاعة البرامج الموجهة للشباب ما بين 2021-2016».
وبالإضافة إلى التقرير السنوي للمجلس برسم سنة 2021، فقد أنجز المجلس، في إطار إحالات ذاتية، 8 آراء تتناول المواضيع التالية:
«تمتين الرابط الجيلي مع مغاربة العالم: الفرص والتحديات»؛
«اقتصاد الرياضة: خزانٌ للنمو وفرصِ الشُّغل ينبغي تثمينه»؛
«تثمين الرأسمال البشري في الوسط المهني»؛
«إدماج مبادئ الاقتصاد الدائري في تدبير النفايات المنزلية والمياه العادمة»؛
«أية دينامية عمرانية من أجل تهيئة مستدامة للساحل؟»؛
«النظم البيئية الغابوية بالمغرب : المخاطر والتحديات والفرص»؛
«تعزيز نقل الكفاءات في الوسط المهني»؛
«الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة».
من جهة أخرى، انكب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال سنة 2022 على إغناء وتعزيز المقاربة التشاركية التي يعتمدها، من خلال إحداث آلية للمشاركة المواطنة. ويتعلق الأمر بمنصة رقمية تفاعلية مخصصة للمشاركة المواطنة تحمل اسم «أشارك» تمكن المواطنات والمواطنين، سواء المقيمين بالمغرب أو مغاربة العالم، من إعطاء آرائهم ومقترحاتهم حول المواضيع التي يشتغل عليها المجلس.
وقد مكنت هذه المنصة منذ إطلاقها في يناير 2022، من تنظيم 21 استشارة مواطنة من أجل استقاء آراء المواطنات والمواطنين المقيمين بالمغرب أو من مغاربة العالم. وفي هذا الصدد، يحرص المجلس على إدماج التوجهات والأفكار والمقترحات الواردة في هذه الاستشارات المواطنة ضمن الآراء التي يدلي بها.
ومن خلال منصة «أشارك»، يعمل المجلس على:
توسيع دائرة الإنصات والاستشارة، التي تشكل صلب مهمته كمؤسسة دستورية استشارية؛
إعطاء الإمكانية للمواطنات والمواطنين للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم وحاجياتهم وانتظاراتهم بخصوص القضايا التنموية سواء التي تهم معيشهم اليومي أو ذات الطابع الاستراتيجي؛
التوفر على معطيات ومخرجات مستقاة مباشرة من المواطنات والمواطنين المشاركين في الاستشارات، مما من شأنه أن يُضفي المزيد من المصداقية على أعمال المجلس، وجعلها تعكس بشكل أكبر انشغالات المواطنات والمواطنين.
وجدير بالذكر أنه تم اقتراح مواضيع من طرف المواطنات والمواطنين على منصة «أشارك»، تم أخذها بعين الاعتبار في برنامج العمل السنوي للمجلس برسم سنة 2023، من قبيل ظاهرة التسول، والأمن الغذائي، والإجهاد المائي.
وفي إطار برنامج العمل برسم سنة 2023، سيتناول المجلس، بالإضافة إلى التقرير السنوي، الموضوعات التالية: « المعادن الاستراتيجية والحرجة»؛ «المستعجلات الطبية»؛ «الشباب المغاربة الذين لا يزاولون عملا ولا يتلقون تعليما أو تكوينا (NEET)»؛ «التسول»؛ «إصلاح منظومة منح رخص استغلال الموارد الطبيعية»؛ «تنمية المجالات الترابية»؛ «الأشكال الجديدة للمشاركة المواطنة»؛ «إعادة تدوير النفايات الصناعية»؛ «صناعة الحوسبة السحابية (كلاود)»؛ «دور وقدرات الفاعلين الترابيين أمام إشكاليات تدبير الأزمات والكوارث الطبيعية».
وعلى غرار العديد من البلدان، عرف الاقتصاد الوطني تراجعا في وتيرة النمو من 8 في المائة سنة 2021 إلى 1.3 في المائة خلال سنة 2022، وهو ما يؤكد الطابع الظرفي للانتعاش الذي شهده الاقتصاد المغربي في 2021. ويمكن أن تُعزى هذه الوضعية إلى تراكم وتزامن تداعيات عدة صدامات، تتعلق بالتقلبات التي سُجِّلت على الصعيدين الدولي والداخلي، كانعكاسات موجات الجفاف المستمرة والحادة (تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 12.9 في المائة)، والآثار المتبقية من أزمة كوفيد - 19 على النسيج المقاولاتي وعلى الطلب الداخلي بصفة عامة.
وقد كانت للظرفية الاقتصادية غير المواتية خلال سنة 2022 انعكاسات سلبية على العديد من القيم الإجمالية والمؤشرات الاقتصادية. وهكذا، سُجل تفاقم في العجز التجاري، مع ارتفاع معدل التضخم (من 1.4 في المائة إلى 6.6 في المائة)، مَرَدُّهُ بالأساس الارتفاع العام في أسعار المواد الغذائية الذي يلقي بثقله على القدرة الشرائية للأسر الأكثر هشاشة. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من الانخفاض الطفيف جداً في معدل البطالة من 12.3 في المائة سنة 2021 إلى 11.8 في المائة خلال سنة 2022، فقد سجلت هذه الأخيرة فقدان عددٍ صافٍ من مناصب الشغل يبلغ 24.000 منصب.
ورغم هذه الظرفية الصعبة وتواتر الصدمات جراء الانعكاسات البَعدية لجائحة كوفيد19-، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الوطني أبان عن قدرة على الصمود.
وخلال سنة 2022، سجلت بعض القطاعات تطورات واعدة، حيث عرف قطاع السياحة انتعاشاً ملحوظاً في مداخيل الأسفار (166 + في المائة)، لتبلغ مستوى أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة. كما سجلت تحويلات مغاربة العالم أداء جيداً، حيث عرفت نمواً بنسبة 16.5 + في المائة. وبالموازاة مع ذلك، استقرت التدفقات الصافية للاستثمارات الأجنبية المباشرة عند نسبة تقارب 3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
وعلى الرغم مما أبان عنه الاقتصاد الوطني عموما من قدرة على الصمود وكذا التقدم المحرز في بعض القطاعات كالسياحة، فإن استمرار بعض العوامل ذات الطابع البنيوي لا يزال يؤثر على الأداء الاقتصادي. وتتجلى هذه العوامل على الخصوص في ما يلي:
التباطؤ شبه المستمر لإنتاجية العمل منذ أزمة سنة 2008؛
الضعف الواضح في نجاعة الاستثمار، كما يتبين من خلال مؤشر المعامل الهامشي للرأسمال (ICOR) الذي بلغ مستوى مرتفعاً تجاوز 9 نقاط في المتوسط خلال السنوات 15 الأخيرة؛
المنحى التنازلي لمحتوى الشغل في النمو، لا سيما إحداث فرص الشغل بالنسبة للنساء والشباب؛
التقلب المستمر لنمو القيمة المضافة الفلاحية، على الرغم من الجهود المبذولة في إطار الاستراتيجيات الفلاحية المتتالية.
كما تجدر الإشارة إلى أن الأشهر الأخيرة من سنة 2022 شهدت تسارعاً في وتيرة الإصلاحات الرامية بالأساس إلى تحسين البيئة المؤسساتية والتنظيمية، سيما من خلال اعتماد الميثاق الجديد للاستثمار والشروع في تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار بعقد الاجتماع الأول لمجلسه الإداري.
علـى الصعيـد الاجتماعي، وبعد مضي أزيد من سنتين على اندلاع الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد19-، ما زالت الأسر المغربية تعاني من تداعياتها، التي تفاقمت بسبب موجة التضخم وما رافقها من تدهور للقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وتدني مستواهم المعيشي. في ظل هذه الظروف، انتقل نحو 3.2 مليون شخص إضافي إلى وضعية الفقر (1.15 مليون شخص) أو الهشاشة (2.05 مليون شخص)، وهو ما يقترب من المستويات المسجلة سنة 2014.
وفي ظل هذه الوضعية، ضاعفت السلطات العمومية جهودها خلال سنة 2022، لا سيما من خلال تسريع وتيرة تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (AMO)، في إطار ورش الإصلاح الشامل لمنظومة الحماية الاجتماعية، واستكمال إصلاح المنظومة الصحية الوطنية. موازاة مع ذلك، جرى اتخاذ عدد من التدابير والمبادرات المهمة في إطار إصلاح منظومة التربية والتكوين، لا سيما إعطاء الانطلاقة لخارطة طريق لإصلاح منظومة التربية الوطنية 2026-2022، وإعداد المخطط الوطني لتسريــع تـحـول منظومة التعليم العـالـي والبحث العلمي والابتكار في أفق 2030 (PACTE ESRI 2030).
وبخصوص الوضعية الاجتماعية للنساء، لم يلاحظ حدوث تغيير ملحوظ خلال سنة 2022، لا سيما في ما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية للمرأة، مما يبقي المغرب في المراتب الأخيرة في التصنيف العالمي المتعلق بالفجوة بين الجنسين. وعلاوة على استمرار عدم تثمين الكفاءات النسائية بالقدر الكافي في سوق الشغل، لا تزال هناك أشكال متعددة من التمييز التي ينبغي التصدي لها من خلال مراجعة مدونة الأسرة. في هذا الصدد، وانسجاما مع الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2022، يتعين مراجعة بعض بنود مدونة الأسرة، بما يحافظ على التوازن سواء تعلق الأمر بأحكام الولاية على الأطفال، أو زواج الطفلات، أو مسألة تدبير الأموال المكتسبة من لدن الزوجين خلال فترة الزواج أو آجال الفصل في دعوى طلب التطليق.
وعلى مستوى الحوار الاجتماعي، تميزت سنة 2022 بالتوقيع على الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي في إطار الاتفاق الاجتماعي في 30 أبريل 2022 بين الحكومة والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الأكثر تمثيلية. وتشكل مضامين هذا الميثاق غير المسبوق في الأدبيات الاجتماعية ببلادنا، في ما يتصل بتحديد معالم النموذج الوطني للحوار الاجتماعي، إطاراً مرجعياً لتمكين مختلف الأطراف المعنية من متابعة التقدم المُحرَز في تنزيل الاتفاقات المبرمة على المستويات القطاعية، وقياس تطورات المناخ الاجتماعي الوطني.
بخصوص الوضعية البيئية، تميزت سنة 2022 بعقد المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) الذي عُقِدَ في شرم الشيخ. كما تميزت هذه القمة باعتماد «خطة تنفيذ قمة شرم الشيخ» التي ضمت ايضاً اتفاقا بشأن تقديم المساعدة إلى البلدان الفقيرة المتأثرة بشكل كبير بالتغيرات المناخية، بحيث تم إحداث صندوق للخسائر والأضرار لدعم الدول النامية جراء التغير المناخي والاحتباس الحراري. وخلال مشاركته الفاعلة في المؤتمر، وقَّع المغرب عدة اتفاقيات وشراكات استراتيجية تهم مجالات أساسية كتدبير الموارد المائية وحماية البيئة والكهرباء المستدامة وغيرها.
وفي ما يتعلق بالتغيرات المناخية، شهدت سنة 2022 ظواهر مناخية قصوى، لا سيما موجات حرارة ونوبات جفاف وفيضانات أكثر تواترا، خلفت خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، كان لها تأثير بالغ على الأمن الغذائي والصحي والبنيات التحتية.
من جانبها، واجهت بلادنا تحديات كبرى تجلت في الجفاف غير المسبوق الذي طبع الموسم الفلاحي والارتفاع القياسي في درجات الحرارة، مع عجز كبير في التساقطات المطرية بلغ 27 في المائة مقارنة مع 2021.
وتفاعلا مع هذا الوضع، اتخذت السلطات العمومية مجموعة من التدابير الهادفة إلى التخفيف من حدة هذه الظواهر المناخية نذكر منها، على وجه الخصوص، تعزيز العرض المائي من خلال تسريع وتيرة إنجاز المشروع المهيكِل للربط البيني بين حوضيْ سبو وأبي رقراق وتسريع وتيرة إنجاز محطات تحلية مياه البحر.
وعلى الرغم من هذه الظرفية غير المواتية، ارتقى المغرب إلى المرتبة السابعة عالمياً في مؤشر الأداء المناخي لسنة 2022. وقد تمكنت بلادنا من بلوغ هذه المرتبة المشرفة جدا، بفضل سياسة المملكة الرامية إلى النهوض بالطاقات المتجددة، وخفض انبعاثات غازات الدفيئة وانخراطها في الجهود المبذولة على الصعيد العالمي لمكافحة التغيرات المناخية، من خلال العديد من الاستراتيجيات الاستباقية والمتجددة، لا سيما الاستراتيجية الوطنية منخفضة الكربون طويلة الأمد في أفق 2050 والمساهمة المحددة وطنيا التي جرى تحيينها في 2021.
وبخصوص الانتقال الطاقي، احتل المغرب المرتبة الأولى عالميا ضمن الدول الأكثر جاذبية في قطاع الطاقات المتجددة. ولأول مرة، تضمن هذا المؤشر تصنيفا مرتبطا بالناتج الداخلي الإجمالي. ويعكس هذا التصنيف جهود بلادنا من أجل تحسين الإطار القانوني المنظم لقطاع الطاقات المتجددة بغية تعزيز جاذبيته لدى المستثمرين.
من جهة أخرى، يُصَنَّف المغرب ضمن الأقطاب الأربعة التي تتمتع بإمكانات واعدة في إفريقيا في قطاع الهيدروجين الأخضر بفضل موقعه الجغرافي، وقنوات الربط القائمة أو التي يجري تطويرها مع أوروبا، والتقدم المحرز في إنجاز مشاريع الطاقات المتجددة، وتطويره لمحطات تحلية مياه البحر.
وانطلاقا من الأهمية التي يحظى بها إنتاج الهيدروجين الأخضر لدى العديد من البلدان، بإمكان المغرب اليوم الاستفادة من هذه الفرصة من خلال تسريع الشراكات بين أوروبا وإفريقيا للتموقع كرائد في الأسواق الإقليمية والعالمية في مجال الهيدروجين الأخضر. وتحقيقاً لهذه الغاية، يتعين على المغرب رفع العديد من التحديات المطروحة في هذا الشأن، على غرار محدودية الموارد المائية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وكون التكنولوجيات المستعملة في سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر لا تزال في طور التجريب، والحاجة إلى تسريع وتيرة الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة، فضلا عن وتيرة تنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر على المستوى الإقليمي والدولي وتداعياتها على تكاليف إنتاجه.
في ضوء تحليل الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بالمغرب خلال سنة 2022، يتناول التقرير عددا من نقاط اليقظة.
وفي هذا الصدد، تُبرز نقطة اليقظة الأولى الحاجة الملحة إلى النهوض بجودة ونجاعة الاستثمار، من أجل الارتقاء بالاقتصاد الوطني نحو عتبة نمو أعلى. وقد ارتأى المجلس معالجة هذه النقطة انطلاقا مما وقف عليه من مكامن ضعف تعتري مردودية الاستثمار بالمغرب من حيث النمو والتشغيل.
وقد انكب المجلس على دراسة العوامل البنيوية والعوامل المتعلقة بالحكامة التي يمكن أن تفسر ضعف نجاعة الاستثمار، مسلطا الضوء في الوقت نفسه على الجهود التي جرى بذلها مؤخرا من أجل تسريع وتيرة تنزيل الآليات الرامية إلى النهوض بالاستثمار الخاص، لا سيما الميثاق الجديد للاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار. غير أن ثمة بعض الجوانب الأساسية التي ينبغي أن توليها السلطات العمومية أهمية خاصة من أجل توفير كل شروط النجاح لهذا الإصلاح. كما أن القيام بتقييم موضوعي للآليات الجديدة التي تم إرساؤها يتطلب بعض الوقت ولا يمكن أن يتم إلا بعد دخولها مرحلة التنفيذ.
هكذا، واستنادا إلى ما وقف عليه المجلس من ملاحظات وما أجراه من تحليل للظرفية، يوصي المجلس في مرحلة أولى بالقيام بما يلي :
العمل على إرساء تتبع صارم للإجراءات المنصوص عليها، على جميع المستويات الترابية، عبر إنجاز دراسات أثر وفق معايير موضوعية يُعهَدُ بها إلى هيئة مستقلة من أجل التمكن من القيام بالتعديلات اللازمة وفي الوقت المناسب.
الحرص على خلق التجانس والتضافر بين أهداف وآليات ميثاق الاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار، بما في ذلك على مستوى المعايير المعتمدة لتحديد القطاعات والمشاريع التي تستجيب للمعايير والشروط ذات الصلة.
إشراك أكبر لممثلي المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة والمقاولين الذاتيين في بلورة وتحيين سياسات وآليات النهوض بالاستثمار، وإحداث آليات للدعم على مستوى كل من ميثاق الاستثمار وصندوق محمد السادس للاستثمار، تكون مخصصة لتشجيع الوحدات غير المنظمة على الاندماج في القطاع المنظم.
النظر في إمكانية تعديل المرسوم المتعلق بتطبيق ميثاق الاستثمار، من خلال تخويل منحة خاصة بتشجيع تشغيل «كوطا» محددة من الكفاءات الشابة، على غرار المنحة المنصوص عليها من أجل تشجيع تشغيل النساء.
تزويد المراكز الجهوية للاستثمار بالموارد البشرية واللوجيستيكية والمالية الكافية من أجل تمكينها من الاضطلاع بدورها بشكل فعال.
العمل على المزيد من تخفيض تكاليف الاستثمار والإنتاج في بعض القطاعات التي يتم تحديدها، من خلال تحسين شروط الولوج إلى عوامل الإنتاج (كلفة الطاقة، والعقار الملائم لحاجيات صغار المستثمرين، وتكوين الرأسمال البشري المؤهل، وغير ذلك).
العمل على التطبيق الفعلي والصارم لقواعد المنافسة وتسريع مسلسل تعميم رقمنة المساطر بما يمكن من تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد.
أما بالنسبة لنقطة اليقظة الثانية، فتهم ضرورة ملاءمة تدابير دعم القدرة الشرائية في ظل استمرار التضخم وتعدد أسبابه. فمنذ الفصل الأخير من سنة 2021، شهد المغرب ارتفاعاً مستمرا في الأثمان عند الاستهلاك، مع تسجيل معدلات تضخم غير مسبوقة بلغت نسبة قصوى تجاوزت 10 في المائة خلال شهر فبراير 2023، بعدما سجلت نسبة متوسطة سنة 2022 بلغت 6.6 في المائة. ويلاحظ أن هذا المنحى التصاعدي لارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المنتجات الغذائية، يؤثر بشكل أقوى على الأسر ذات الدخل المحدود نظرا لكون هذه المنتجات تحتل مكانة أكبر في سلة استهلاكها.
وتجد الطبقة الوسطى نفسها أكثر تأثرا بالتضخم، نظرا لافتقارها لما يكفي من القدرة المالية وهامش المناورة لمواجهة صدمات تضخمية مهمة. ويعزى ذلك إلى لجوئها في غالب الأحيان إلى الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة، التي يوفرها القطاع الخاص بأسعار أعلى، وذلك في ظل خدمات عمومية لا تزال جودتها دون الحاجيات والتطلعات.
وعموما، يعزى هذا التضخم أساسا إلى عوامل مرتبطة بالعرض وكلفة الإنتاج بالنسبة لبعض القطاعات، لكنه يتأثر أيضا بممارسات محتملة منافية لقواعد المنافسة وكذا لاختلالات في مسارات التسويق، دون إغفال احتمال ظهور وتطور ممارسات لبعض المنتجين تتعلق بهامش الربح، فيما يعرف بظاهرة الجشع التضخمي (Greedflation).
واستحضارا للتدابير التي اتخذتها السلطات العمومية، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في ضوء التشخيص الذي قام به وجلسات الإنصات والاستشارة المواطنة التي نظمها، جملة من التدابير الإضافية على المدى القصير لتعزيز التدابير التي جرى اتخاذها. ومن التوصيات المقترحة نذكر ما يلي:
تعزيز عمليات مراقبة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة مع تطبيق عقوبات رادعة بما يكفي، واعتماد تدابير كفيلة بالتقليص من مراكمة هوامش الربح المبالغ فيها؛
النظر في إمكانية اتخاذ تدابير مؤقتة لتقنين أسعار بعض المنتجات الأساسية التي شهدت ارتفاعا مهما أو التي تكتسي أهمية بالغة بوصفها مدخلات مشتركة في باقي المنتجات، سيما وأن المادتين 4 و5 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة تتيحان هذه الإمكانية؛
التصدي للتضخم الذي يهم المنتجات الغذائية، من خلال العمل على دعم المدخلات الفلاحية على وجه الخصوص (البذور، منتجات الصحة النباتية، علف الماشية…)؛
الإسراع بإصلاح أسواق الجملــة، عبر إرساء نظام تدبير مفتوح أمام المنافسة وجعل ولوج المهنيين إليه مشروطاً باحترام دفتر التحملات، مع تيسير الولوج اللوجيستيكي لصغار الفلاحين والتعاونيات لهذه الأسواق؛
العمل على إصدار المراسيم التطبيقية للقانون رقم 37.21 الذي دخل حيز التنفيذ في يوليوز 2021 والذي تسمح مقتضياته بتسويق المنتجات الفلاحية المنتجة في إطار مشاريع التجميع الفلاحي مباشرة دون إلزامية المرور عبر أسواق الجملة؛
العمل قدر الإمكان على ضمان شفافية تامة للأسواق، من خلال النشر الدائم للمعلومات حول الكميات المتداولة، والأسعار، وهوامش الربح، وذلك ارتكازا على نظام معلوماتي خاص بهذا الأمر؛
منح مساعدات مباشرة للأسر المعوزة لتخفيف تأثير التضخم على قدرتها الشرائية؛
دراسة جدوى إجراء تخفيض استثنائي لسعر الضريبة على القيمة المضافة، يهم بشكل خاص المنتجات الأساسية التي يؤثر ارتفاعها سلبا على سلة استهلاك الأسر المعوزة والأسر المنتمية للشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى.
أما نقطة اليقظة الثالثة، فتتناول إشكالية الخصاص المسجل في مهنيي الصحة في المغرب.
وفي هذا الصدد، بلغت نسبة التأطير الطبي وشبه الطبي في المغرب سنة 2022 حوالي 1.7 مهني صحة لكل 1000 نسمة. وفي ضوء توقعات النمو الديمغرافي بالمملكة، فمن المتوقع أن يتفاقم الخصاص في أعداد مهنيي الصحة في غضون السنوات المقبلة. لذلك، فإن هدف تحقيق نسبة التغطية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية (4.45 مهني صحة لكل 1000 نسمة) صار أكثر صعوبة بالنظر للعجز المسجل سواء في تكوين المهنيين أو القدرة على الاحتفاظ بهم داخل المنظومة الصحية العمومية. وحسب معطيات حديثة، فإن المغرب يفقد سنويا ما بين 600 و700 طبيب (ة)، أي ما يعادل 30 في المائة من الأطباء المكونين حاليا. وتهم هذه الهجرة جميع الفئات، لا سيما الأطباء المتخصصين والأساتذة وحتى طلبة الطب.
ووعيا منها بالحاجة الملحة إلى المهنيين في قطاع الصحة، عملت السلطات العمومية المختصة على تقليص مدة التكوين في مجال الطب من 7 إلى 6 سنوات. غير أن هذا الإجراء يظل غير كاف بالنظر إلى حجم الخصاص المسجل في هذا المجال.
ويبرز هذا التشخيص، أنه بات من الضروري مباشرة تفكير معمق لإعادة النظر في حكامة قطاع الصحة من أجل تجاوز الاختلالات البنيوية التي تعتريه. وفي هذا الصدد، يقترح المجلس جملة من التدابير الاستباقية والمبتكرة الملائمة للسياق المغربي، غايتها معالجة تلك الاختلالات وتيسير تثمين كفاءات مهنيي القطاع والاحتفاظ بهم داخل المنظومة الوطنية للصحة. ومن التوصيات التي يقدمها المجلس في هذا الباب نذكر ما يلي:
تعزيز إمكانيات التناوب والحركية المهنية في صفوف مهنيي الصحة بالمجالات الترابية التي تعاني الخصاص في الموارد البشرية الصحية، من أجل تشجيعهم على الانخراط بإيجابية في ثقافة الصالح العام؛
إرساء نظام للرفع التدريجي والممنهج لأجور مهنيي الصحة، وتعزيزه بتعويضات مرتبطة بالأداء حتى يتمكن المغرب من الاحتفاظ بكفاءاته في هذا القطاع؛
تعزيز قدرات ومهارات المهنيين الممارسين، من خلال إحداث جسور بين المهن الصحية تمكن العاملين من فرص الترقي الوظيفي؛
توسيع الاعتراف بالشهادات التي تمنحها مؤسسات التكوين الخاصة في هذا المجال، لا سيما تلك المختصة في تكوين الممرضات والممرضين، وذلك لتصبح معادلة للشهادات التي تمنحها مؤسسات التكوين العمومية، مع الحرص على ضمان جودة التكوين الذي تقدمه هذه المؤسسات.
وبخصوص نقطة اليقظة الرابعة، فتسلط الضوء على التمكين الاقتصادي للمرأة، إذ تظل هذه القضية من بين الجوانب التي تقتضي يقظة خاصة بالنظر إلى معدل نشاط النساء الذي يشهد انخفاضا بنيويا منذ عدة سنوات، إذ لم يتجاوز سنة 2022 نسبة 19.8 في المائة، مقابل 22 في المائة سنة 2019.
وتجدر الإشارة إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قام، في العديد من أعماله المخصصة لهذه الإشكالية، بتحليل مختلف مسبباتها. ومن ثم، يقترح المجلس جملة من التدابير التي من شأنها تحسين الاندماج الفعلي للنساء في سوق الشغل، ومنها ما يلي:
إطلاق مسلسل تفكير ونقاش حول سبل تثمين عمل النساء ربات البيوت، وذلك من أجل تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية، من خلال تدابير من قبيل توفير دخل أدنى، أو مصادر تمويل ملائمة لوضعيتهن؛
الحرص على أن تضمن مراجعة مدونة الأسرة صون حقوق النساء الاقتصادية وحمايتهن من كل أشكال التمييز؛
تخفيف المسؤوليات الأسرية الملقاة على عاتق النساء (الأعمال المنزلية…)، لا سيما من خلال توفير خدمات حضانة ذات جودة لفائدة الأطفال في سن مبكرة في الإدارات والمقاولات؛
تقليص الفوارق في الأجور بين الرجال والنساء في القطاع الخاص ومكافحة مظاهر التمييز المرتبطة بالترقي المهني؛
تعزيز جودة وسائل النقل العمومي، من أجل حماية النساء في طريقهن إلى أماكن العمل؛
تيسير ولوج النساء إلى التمويل والعقار، لا سيما من خلال مراجعة بعض المقتضيات التمييزية الواردة في المرسوم التطبيقي لأحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها؛
تعزيز وتثمين روح المقاولة في صفوف النساء بالمغرب.
أما نقطة اليقظة الخامسة التي يتناولها هذا التقرير، فتتعلق بموضوع تحلية مياه البحر التي تُشكل اليوم خيارا استراتيجيا لتعبئة كميات كبيرة من المياه غير الاعتيادية اللازمة لتحقيق الأمن المائي والغذائي لبلادنا. في هذا الصدد، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بوضع موضوع تحلية المياه في صلب رؤية وطنية مشتركة من أجل توفير «مزيج مائي» قادر على الصمود أمام التغيرات المناخية، وتثمين الموارد المائية الاعتيادية وغير الاعتيادية الممكن تعبئتها بشكل مسؤول ومستدام للاستجابة لحاجيات الأسر من الماء الصالح للشرب وكذا الحاجيات الخاصة للقطاعات الإنتاجية والمجالات الترابية. من جهة أخرى، ومن أجل التخفيف من الانعكاسات السلبية المحتملة لتحلية مياه البحر، لا سيما على تنوع النظم البيئية البحرية، يتعين الحرص على توفر محطات التحلية على آليات للمراقبة واليقظة والتتبع المستمر.
فــي إطــار إنجــازه لتقريــره الســنوي، أفــرد المجلــس الموضــوع َ الخــاص لهذه السنة لتدبير العجز المائي، لا سيما بالنظر إلى موجات الجفاف الحاد التي شهدها المغرب خلال السنوات الأربع الأخيرة وبلغت ذروتها خلال سنة 2022. وقد خلَّف هذا الارتفاع في تواتر فترات الجفاف وحِدَّتِها، في سياق التغيرات المناخية، عجزاً مائياً حاداً أثَّر على جميع أوجه استعمال الموارد المائية (الفلاحي، الصناعي، السياحي، الاستعمال المنزلي، وغير ذلك)، مع ما يترتب عن ذلك من انعكاسات كبرى على الاقتصاد وعلى الأنظمة البيئية وعلى الأمان الإنساني (لاسيما المائي والغذائي والصحي)، وكذا على مصادر دخل نسبة كبيرة من السكان.
إن الطابع الحاد للعجز المائي يسائل جميع مكونات المجتمع (المواطنات والمواطنون، مستعملو الموارد المائية، الفاعلون العموميون، المقاولون، الفلاحون، وغيرهم) ويقتضي تبعا لذلك، تغيير عاداتنا الاستهلاكية تغييرا جذريا وإعادة النظر في خياراتنا السياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات العمومية أبانت عن سرعة في التفاعل، من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير سواء ذات الصبغة الظرفية أو البنيوية من أجل التخفيف من الآثار الآنية للجفاف ومواجهة وضعية العجز المائي على المديين المتوسط والطويل.
ومن ناحية أخرى، فإن التدبير الأمثل للعجز المائي – والذي يتفاقم أيضاً بسبب عوامل أخرى مثل زيادة الطلب على المياه، وفقدان الموارد المائية، والتلوث – يتطلب اتخاذ إجراءات ذات طبيعة استراتيجية تندرج ضمن منظور تدبير ناجع للموارد المائية، في انسجام تام مع إصلاح القطاعات الأخرى المعنية، لاسيما القطاع الفلاحي.
انطلاقاً من هذا التشخيص الذي يتقاسمه مختلف الفاعلين المعنيين، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من التوصيات الرامية إلى مواكبة التدابير والإصلاحات المستقبلية لضمان الأمن المائي المستدام لبلادنا وتعزيز قدرتها على الصمود أمام المخاطر المستقبلية الناجمة عن التغيرات المناخية، لاسيما ظاهرة الجفاف. ويتجلى الهدف الرئيسي في تعزيز الأمن المائي المستدام لبلادنا وتعزيز قدرتها على الصمود إزاء المخاطر المستقبلية (المناخية والمائية والغذائية وغيرها).
ومن بين التوصيات التي يقترحها المجلس في هذا الصدد، نذكر ما يلي:
وضع مخطط وطني للجفاف، مرتكز على نظام للإنذار المبكر، يحدد، بناءً على معطيات آنية حول ظروف الأرصاد الجوية الفلاحية والظروف الهيدرولوجية، التدابيرَ الواجبِ اتخاذها بالنسبة لكل مستوى إنذار وكذا الهيئات المسؤولة عن التنفيذ. وينبغي العمل على تنزيل هذه التدابير على المستوى الترابي، من خلال توفير مجموعة من الإجراءات الملائمة المتعلقة بتوفير المياه والنجاعة المائية؛
وضع آلية مؤسساتية للتحكيم والتنسيق في فترات الجفاف، تكون قائمة على التشاور الموسع وإشراك مختلف الفاعلين على المستويين المركزي والترابي، وتكون غايتها القيام بتحكيم دامج ومُنصِف بين مختلف أوجه استعمال الموارد المائية، مع ضمان الحفاظ على الرصيد الفلاحي والأمن الغذائي والمائي ومناصب الشغل؛
دراسة إمكانية إحداث هيئة مستقلة يُعهد إليها، في إطار مقاربة للتدبير المندمج للموارد المائية، بالتحديد الأمثل لأغراض استعمال الموارد المائية ووضع سياسة للأسعار خاصة بهذه الموارد، بناءً على توجيهات المجلس الأعلى للماء والمناخ؛
تسريع برنامج تعبئة الموارد المائية غير الاعتيادية، سيما من خلال: (1) تعزيز قدرات الجماعات الترابية في مجال تجميع المياه العادمة ومعالجتها وتنويع أوجه استعمال المياه المعالجة في القطاعين الفلاحي والصناعي وربما في تطعيم الفرشات المائية الجوفية؛ (2) والنهوض بالاستثمار في مجال تجميع مياه الأمطار واستعمالها؛
إعادة النظر في النموذج الفلاحي المعتمد في الجانب المتعلق باستعمال الموارد المائية وتدبيرها، وذلك أساسا من خلال إعادة النظر في الأنشطة والتخصصات الفلاحية بشكل يسمح بجعل كل جهة تتخصص في ممارسات فلاحية وزراعات مستدامة من حيث استعمال الموارد المائية. لذا، يتعين دعم إحداث سلاسل فلاحية قادرة على مقاومة التغيرات المناخية ولا تتطلب موارد مائية ضخمة وتتيح إنتاجية أفضل للماء؛
تعزيز الأنشطة التحسيسية الموجهة لمستعملي المياه (المواطنات والمواطنون، الفلاحون، الفاعلون في قطاع الصناعة، المكلفون بالتدبير…) حول ترشيد استعمال الماء.
في ما يتعلق بالقسم الأخير من التقرير السنوي، المخصص لأنشطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال سنة 2022، فإن الحصيلة المنجزة تكشف المعطيات التالية:
أولا، أنجز المجلس دراستين اثنتين في إطار إحالتين واردتين من:
رئيس الحكومة، من أجل إعداد دراسة حول «الصحة العقلية وأسباب الانتحار بالمغرب»؛
مجلس المستشارين، من أجل إعداد دراسة حول «نجاعة البرامج الموجهة للشباب ما بين 2021-2016».
وبالإضافة إلى التقرير السنوي للمجلس برسم سنة 2021، فقد أنجز المجلس، في إطار إحالات ذاتية، 8 آراء تتناول المواضيع التالية:
«تمتين الرابط الجيلي مع مغاربة العالم: الفرص والتحديات»؛
«اقتصاد الرياضة: خزانٌ للنمو وفرصِ الشُّغل ينبغي تثمينه»؛
«تثمين الرأسمال البشري في الوسط المهني»؛
«إدماج مبادئ الاقتصاد الدائري في تدبير النفايات المنزلية والمياه العادمة»؛
«أية دينامية عمرانية من أجل تهيئة مستدامة للساحل؟»؛
«النظم البيئية الغابوية بالمغرب : المخاطر والتحديات والفرص»؛
«تعزيز نقل الكفاءات في الوسط المهني»؛
«الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة».
من جهة أخرى، انكب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال سنة 2022 على إغناء وتعزيز المقاربة التشاركية التي يعتمدها، من خلال إحداث آلية للمشاركة المواطنة. ويتعلق الأمر بمنصة رقمية تفاعلية مخصصة للمشاركة المواطنة تحمل اسم «أشارك» تمكن المواطنات والمواطنين، سواء المقيمين بالمغرب أو مغاربة العالم، من إعطاء آرائهم ومقترحاتهم حول المواضيع التي يشتغل عليها المجلس.
وقد مكنت هذه المنصة منذ إطلاقها في يناير 2022، من تنظيم 21 استشارة مواطنة من أجل استقاء آراء المواطنات والمواطنين المقيمين بالمغرب أو من مغاربة العالم. وفي هذا الصدد، يحرص المجلس على إدماج التوجهات والأفكار والمقترحات الواردة في هذه الاستشارات المواطنة ضمن الآراء التي يدلي بها.
ومن خلال منصة «أشارك»، يعمل المجلس على:
توسيع دائرة الإنصات والاستشارة، التي تشكل صلب مهمته كمؤسسة دستورية استشارية؛
إعطاء الإمكانية للمواطنات والمواطنين للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم وحاجياتهم وانتظاراتهم بخصوص القضايا التنموية سواء التي تهم معيشهم اليومي أو ذات الطابع الاستراتيجي؛
التوفر على معطيات ومخرجات مستقاة مباشرة من المواطنات والمواطنين المشاركين في الاستشارات، مما من شأنه أن يُضفي المزيد من المصداقية على أعمال المجلس، وجعلها تعكس بشكل أكبر انشغالات المواطنات والمواطنين.
وجدير بالذكر أنه تم اقتراح مواضيع من طرف المواطنات والمواطنين على منصة «أشارك»، تم أخذها بعين الاعتبار في برنامج العمل السنوي للمجلس برسم سنة 2023، من قبيل ظاهرة التسول، والأمن الغذائي، والإجهاد المائي.
وفي إطار برنامج العمل برسم سنة 2023، سيتناول المجلس، بالإضافة إلى التقرير السنوي، الموضوعات التالية: « المعادن الاستراتيجية والحرجة»؛ «المستعجلات الطبية»؛ «الشباب المغاربة الذين لا يزاولون عملا ولا يتلقون تعليما أو تكوينا (NEET)»؛ «التسول»؛ «إصلاح منظومة منح رخص استغلال الموارد الطبيعية»؛ «تنمية المجالات الترابية»؛ «الأشكال الجديدة للمشاركة المواطنة»؛ «إعادة تدوير النفايات الصناعية»؛ «صناعة الحوسبة السحابية (كلاود)»؛ «دور وقدرات الفاعلين الترابيين أمام إشكاليات تدبير الأزمات والكوارث الطبيعية».