مقدمة
اعتبر نظام التحفيظ العقاري منذ أن ظهر في المغرب، النظام العقاري الأكثر سموا 1، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن التحفيظ العقاري يضمن بشكل مؤكد ملكية العقارات لأصحابها.
ومن أهم مؤسسات التحفيظ العقاري ضمانا للحقوق هي مؤسسة التقييد الاحتياطي، الذي ومن خلال البحث في مفهومه ومصادره ومن خلال ما يتميز به من خصائص، يتضح أن له أهميات متعددة من الناحية القانونية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن له غايات وأهداف لا تقل أهمية عن أهداف وغايان التحفيظ العقاري في رمته. فما هو إذن مفهوم التحفيظ العقاري، ثم ما هو التقييد الاحتياطي؟
قصد تحديد مفهوم التحفيظ العقاري، وماهية التقييد الاحتياطي لا بد من التقسيم التالي:
المبحث الأول : مفهوم التحفيظ العقاري.
المبحث الثاني: التقييد الاحتياطي مؤسسة من مؤسسات نظام التحفيظ العقاري.
المبحث الأول : مفهوم التحفيظ العقاري.
لا شك في أن نظام السجلات العقاري المغربي أو نظام التحفيظ العقاري، له خصوصيات عريقة يتميز بها عن مثيله في الدول العربية، خاصة نظام الإشهار العقاري المصري. كما أنه وداخل نظام السجلات العقاري المغربي نجد نوعين أو مفهومين مختلفين 2 من حيث مضمونهما، ومن حيث مسطرتهما ومن حيث مبادئهما، ومن حيث آثرهما. ويتعلق الأمر بنظامي التحفيظ3 والتقييد4.
ونتيجة لذلك، فنظام التحفيظ يهدف إلى تطهير العقار قصد إرساء حق الملكية على أسس قانونية وهندسية صلبة وإعطاء للعقار سجل خاص به يظل معه بصفة خالدة.
أما نظام التقييد أو التقييدات التي تعتبر مرحلة لاحقة بعد التحفيظ، فالهدف منه الإشهار المستمر لكل التقلبات والتغيرات على الوضعية القانونية والمادية للعقار.5
انطلاقا مما سبق فإنه ولتحديد مفهوم نظام التحفيظ العقاري فإنه لابد من البحث:
المطلب الأول : أصل نظام التحفيظ العقاري وتعريفه
المطلب الثاني : مبادىء التحفيظ العقاري وأهدافه.
المطلب الأول : أصل نظام التحفيظ العقاري وأهدافه.
الفقرة الأولى: أصل نظام التحفيظ العقاري
يرجع أصل نظام التحفيظ العقاري 6 أو ما يسمى بنظام السجلات العقارية إلى عقد الملكية العينية، الذي ينتسب إلى السيد روبير طورنيس 7: المحافظ العام لإقليم أستراليا الجنوبية.
فقد استطاع هذا الرجل بفضل كفاءته القانونية أن يبدع مجموعة من الإصلاحات اللازمة لتلافي عيوب النظام العقاري الذي طبق في أستراليا منذ أمد طويل. إلا أن هذه الإصلاحات لم تتمتع بأية قوة إلا بعد أن صادق عليها البرلمان الاسترالي سنة 1858. وبموجب هذه المصادقة أصبح هذا المشروع يدعى ب : عقد طورنيس. حيث انتشرت مبادئه وتطبيقاته في كثير من التشريعات.
وكان من بين التشريعات التي أخذت بهذا النظام التشريع المغربي بموجب الظهير الشريف الصادر في منطقة الحماية الفرنسية في 12 غشت 1913 الموافق ل 9 رمضان 1331 المتعلق بناظم التحفيظ العقاري، والظهير الخلفي الصادر في منطقة الحماية الاسبانية في فاتح يونيو 1914. والظهير الصادر في منطقة طنجة الدولية في 15 يناير 1925.
وقد أنيط تطبيق هذه القوانين الصادرة عن سلطات الحماية إلى جهات إدارية وقضائية: 8.
ففي ما يتعلق بالجهات الإدارية: فتتمثل خصوصا في مصالح المحافظات العقارية والهندسية ومسح الأراضي والخرائطية، وتقوم هذه المصالح خصوصا: بتسجيل الأملاك، وإعداد الرسوم العقارية، ووضع الخرائط.
أما الجهات القضائية : فتتمثل في مؤسسة قضاء التحفيظ العقاري ويقوم هذا الجهاز القضائي : بالنظر في جميع التعرضات على الحقوق القابلة للتحفيظ وفي الدعاوي العقارية المتعلقة بها 9.
الفقرة الثانية : تعريف نظام التحفيظ العقاري:
ذهب المشرع المغربي على خلاف عادته إلى وضع تعريف محدد للتحفيظ العقاري، وذلك من خلال ما نصت عليه المادة الأولى من الظهير الشريف المؤرخ في رمضان 1331 من أنه " يقصد من التحفيظ
جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام هذا الظهير من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد."
ومما يستنتج من هذا التعريف ان نظام التحفيظ لا يهم سو ى العقارات من جهة، ومن جهة أخرى أن هذا العقار الذي اخضع لنظام التحفيظ العقاري بطريقة اختيارية أو إجبارية لا يمكن إخراجه منه فيما بعد . ونتيجة لذلك فإن التحفيظ العقاري حسب الأ ستاذ محمد الحياني هو مجموعة من القواعد القانونية والعمليات المتتابعة والمؤسسات المتكاملة البناء بدءا من وضع طلب التحفيظ وإبداعه، وتوسطا بإقامة رسم للملكية العقاري وانتهاء بمختلف التقييدات بالسجلات العقارية 10.
و إذن فالتحفيظ العقاري هو وعاء قانوني وهندسي لكل الحقوق العينية والتكاليف العقارية المصاحبة للعقار في فترة معينة من حيث أنه ينظمها ويحفظها ويصونها من كل ما يمكن أن ينازع في وجودها 11.
المطلب الثاني : مبادىء نظام التحفيظ العقاري وأهدافه
الفقرة الاولى : مبادىء نظام التحفيظ العقاري
المبدأ الأول : مبدأ التخصص العقاري.
ومعنى هذا المبدأ أن كل عقار محفظ يجب ان بتمتع برقم ترتيبي وإسم خاص به مع تحديده ووصفه وصفا دقيقا وواضحا. ونتيجة لذلك فإن هذا الرسم العقاري يجب أن يحتوي على مجموعة من البيانات كمساحة العقار،وعلى بيان لكل الحقوق والتحملات العقارية المنشأة على هذا العقار12.
المبدأ الثاني: مبدأ تطهير العقار:
والمقصود بهذا المبدأ ، أن العقار المحفظ يشكل بفضل تسجيله في السجل العقاري نقطة الإنطلاق الوحيدة للمكلية والحقوق المترتبة عليها في مواجهة الكافة وبناء على ذلك فإنه سوف لن يبقى هناك أي نزاع حول الحدود أو المساحة والمشتملات والمواقع. كما أنه سوف لن يبقى هناك أي نزاع حول مصادر الملكية13.
المبدأ الثالث: مبدأ الأثر القانوني أو التأسيس للتقييدات
ومعنى هذا المبدأ هو " إخضاع الاعتراف بالوجود القانوني للحقوق العينية المترتبة على العقارات المحفظة لعملية إشهارها وإعلانها للعموم بواسطة إجراء شكلية تهم تهم تقييدها بالرسوم العقارية المؤسسة لها."
وحسب الدكتور محمد بن الحاج السالمي 14، فإن هذا المبدأ ينتج عنه نتيجتين :
النتيجة الأولى : إيجابية، وهي الاعتراف بالوجود القانوني للحقوق المقيدة وحدها
النتيجة الثانية : سلبية، حيث ينتج عن عدم التقييد عدم الاعتراف القانوني بالوجود القانوني للحقوق وإبقاؤها في طي الكتمان.
المبدأ الرابع: مبدأ القوة الثبوتية للتقييدات وحجيتها
والمقصود بهذا المبدأ أن التقييدات بالرسوم العقارية قوة ثبوتية وآثار نهائية لا يمكن تغييرها أو إبطالها أي التشطيب عليها من الرسم العقاري إلا بمقتضى تقييد أو تشطيب جديد مرتكز على اتفاق رضائي صادر عن المالك المقيد15،...أو حلم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
الفقرة الثانية : أهداف نظام التحفيظ العقاري
لنظام التحفيظ العقاري ثلاثة أهداف أساسية تكرس مدى أهمية تظام التحفيظ العقاري لحماية الحقوق وهي:
الهدف الأول : تأسيس المكلية العقارية على أسس قانونية دقيقة
يهدف نظام التحفيظ العقاري بصفة أساسية إلى بناء الملكية العقارية، على أسس قانونية ينعدم فيها الغموض وعدم الدقة، وذلك من خلال تمكين صاحب الحق من تسجيل حقه في سجل خاص معد لذلك وهو السجل العقاري للعقار.
الهدف الثاني : تمكين العموم من الاطلاع على مطالب التحفيظ وإبداء تعرضاتهم داخل الآجال.
يمكن نظام التحفيظ التحفيظ العقاري جميع الناس والكافة من الاطلاع على مختلف مطالب التحفيظ، وإذا بدا لأحدهم أي تعرض أثناء مدة التحفيظ ، فإن تعرضه يكون مقبولا، ومن تم يتوقف التحفيظ ويتم إحالة الملف على المحكمة المختصة للبث في النزاع.
الهدف الثالث: استقرار المعاملات.
يهدف نظام التحفيظ العقاري بالإضافة إلى ما سبق إلى الاستقرار القانوني ويتجلى ذلك من خلال مراقبة وتنظيم عمليات التجزئة والقسمة.
المبحث الثاني : التقييد الاحتياطي مؤسسة من مؤسسات نظام التحفيظ العقاري.
إذا كان الأصل في القانون، أن مصلحة الأطراف فوق كل اعتبار، فإنه أوجب عليهم ضرورة التسجيل السريع لإتفاقاتهم التي يتناسل عنها إنشاء أو نقل الحقوق العينية إذا كانت متعلقة بعقار محفظ 16 غير أن الوضع لا يسير جيدا في بعض الأحيان خصوصا إذا علمنا ن تسجيل هذه الحقوق قد يعترضها عوائق مختلفة كعدم توفر جميع الوثائق أو الشروط المطلوبة للتسجيل. ونتيجة لذلك، ومراعاة لمصلحة الأطراف كان لا بد للقانون أن يجد تقنية يستطيع من خلالها ضمان حقوق الأفراد خلال فترة التسجيل وقبل التسجيل النهائي لها. فكان أن وجد التقييد الاحتياطي.
فما هو إذن مفهوم التقييد الاحتياطي؟ ثم ماهي أهميته وغاياته؟ وإجابة على هذين السؤالين كان لا بد من تقسيم هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: مفهوم التقييد الاحتياطي
المطلب الثاني : أهمية التقييد الاحتياطي وغاياته.
المطلب الأول : مفهوم التقييد الاحتياطي.
الفقرة الأولى : تعريف التقييد الاحتياطي وتمييزه ن مؤسسة الحجز التحفظي.
البند الأول : تعريف التقييد الاحتياطي.
" النقطة الأولى: من الناحية اللغوية والفنية. "
يقال في اللغة العربية قيد شخص شيئا بمعنى سجله مخافة ضياعه وبغية صونه وحفظه، ويقال قيد شخص حيوانا بمعنى أغله. وأما مصطلح مركب من كلمتين:
"فالتقييد"، ويعني التسجيل وهي مشتقة من فعل قيد، يقيد قيدا ويقال دفتر القيد بمعنى فتر التسجيل...
وأما "الاحتياطي" فهي مشتقة من فعل احتاط يحتاط احتياطا، ويقال احتاط فلان أي انتبه وأخذ الحيطة والحذر17.
وانطلاقا مما سبق يتضح أن التعريف اللغوي للتقييد الاحتياطي يتسم بنوع من الغموض، ويتجلى ذلك من خلال مسألتين:
المسألة الأولى : اختلاط معنى التقييد يعني التسجيل
وهو ما لا يمكن القبول به خصوصا إذا علمنا أن التسجيل هي مرحلة سابقة على التقييد أو التقييدات، حيث لا يلجأ إلى التقييد إلى إذا تعذر التسجيل لسبب من الأسباب.
المسألة الثانية: اختلاط معنى التقييد الاحتياطي بمعنى الحجز التحفظي.
إن المعنى اللغوي للتقييد الاحتياطي يؤدي إلى نفس معنى الحجز التحفظي إذا ما أخذنا بعبن الاعتبار عنصر الاحتياط.
أما في اللغة الفرنسية ف " la prénotation " تعني التقييد الاحتياطي وهذه العبارة تؤدي معناها في اللغة الفرنسية على نحو طبيعي 18 .
أما من الناحية الفنية فالتقييد الاحتياطي هو وسيلة قانونية يمكن اللجوء إليها وبكل سهولة ويسر، متى تعذر على المتعاقدين أو أحدهما إنجاز التقييد النهائي للعملية التي يرغب في تضمينها بالسجلات العقارية. ولا يكن قائما إلا في مرحلة التقييدات والخاصة بالرسوم العقارية، ويوازيها إمكانية التعرض في مسطرة التحفيظ العقاري دورا على قدر كبير من الحرية والأهمية في هذا المجال والتي تؤدي إليه السلطات الواسعة التي يتميز بها في مجال التقييدات النهائية من رفض وإلغاء وتشطيب . ونتيجة لذلك فالتقييد الاحتياطي عملية فنية وتقنية تتطلب وجود مجموعة من العناصر والمتمثلة: في المحافظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية شكلا ومضمونا. مستعينا أبدواة ووسائل قانونية وإدارية كالكنانيش والسجلات العقارية ( سجل الإيداع ....)
" النقطة الثانية : من الناحية الفقهية. "
لقد تعددت التعريفات التي أعطيت للتقييد الاحتياطي غير أن كل هذه التعاريف تتقارب فيما بينها، حيث تدور حول الوظيفة الإخطارية والإشهارية التي تقوم بها هذه المؤسسة داخل نظام التحفيظ العقاري.
فمن جهة أولى: يرى الأستاذ مأمون الكزبري أن التقييد الاحتياطي هو إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع، وذلك بأن يضع قيدا تحفظيا على رسم التمليك وعلى نسخة هذا الرسم يتضمن الإشارة إلى الحق الذي يدعيه والذي امتنع عليه تسجيله في الوقت الحاضر لقيام مانع حال دون ذلك 20.
ومما يستنتج من هذا التعريف أن الأستاذ مأمون الكزبري ذهب إلى عدم حصر نطاق التقييدات الاحتياطية بالحقوق العينية والشخصية على حد سواء، وحجة ذلك أن المشرع المغربي في ظهير التحفيظ العقاري ل 9 رمضان 1913 قد تعمد في الفصل 85 عدم حصر التقيد الاحتياطي بالحقوق العينية إذ هو أطلق النص ومنح إمكانية المطالبة بالتقييد الاحتياطي لكل من يدعي حقا في عقار محفظ سواء كان الحق الذي يدعيه هو حق عيني أو حق شخصي 21.
ومن جهة ثانية: يرى الأستاذ بول دوكرو22 أن التقييد الاحتياطي هو "بيان يثبت بالرسم العقاري، بشكل مؤقت، ومشروط، وينبئ بالحق المطالب به ، والذي لم يكن قابلا للتقييد بالسجلات العقارية بطريقة قانونية، إنه إجراء أو تحفظ للتسجيل في المستقبل...23"
ومن جهة ثالثة : يرى الأستاذ علي حسين نجيرة أن القيد الاحتياطي قيد يوضع بصفة مؤقتة مشروطة على السجل العقاري لحق لا يمكن تسجيله، فهو احتفاظ بحق التسجيل في المستقبل ويؤشر بهذا القيد على صحيفة العقار في السجل العقاري وكذلك على رسم ملكية العقار24 .
ومن جهة رابعة : يعرف الأستاذ القاضي حسين عبد اللطيف حمدان التقييد الاحتياطي بأنه " قيد مؤقت يقصد به صيانة حق صاحبه تجاه من يكتسب حقا آخر يتعارض معه، إلى أن يسوي الخلاف بشأنه، أو تقام الدعوى به وتقيد في صحيفة العقار العينية، أو إلى أن تستكمل الشروط المطلوبة لإجراء القيد النهائي أو يزول المانع الذي يحول دونه"25
ومن جهة خامسة: يرى الأستاذ عبد العلي بن محمد العبودي أنه " يقصد بذلك التقييد حفظ الحق المترتب على العقار من التفويت الذي يدعي طالب التقييد أنه قد تعذر عليه تسجيل حقه المذكور على الرسم العقاري، طبقا لقواعد الإشهار المطلوبة بصفة نهائية لسبب من الأسباب، وإن ذلك التقييد لا يكون إلا مؤقتا في انتظار زوال المانع من التسجيل النهائي. فلهذا وذاك سمي تقييدا احتياطيا فقط...26"
ومن جهة سادسة: يرى الأستاذ محمد خيري أن التقييد الاحتياطي هو : " إمكانية يخولها القانون لكل من يدعي حقا على عقار محفظ قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق وذلك بالإشارة إليه في الرسم العقاري في انتظار تحويل هذا التقييد الاحتياطي إلى تسجيل نهائي أو إلغاؤه بالمرة 27" .
" النقطة الثالثة: من الناحية القضائية والتشريعية "
من الناحية القضائية: فقد جاء في اجتهاد محكمة الاستئناف بالرباط بأن "التقييد الاحتياطي يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار إصدار حكم نهائي في الموضوع أو انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله" 28.
ومن جهة أخرى فقد جاء قرار المجلس الأعلى ما يلي : " بمقتضى الفصل 85 من ظهير 9 رمضان 1331 هـ أن التقييد الاحتياطي هو إنما هو تدبير مؤقت لا يؤدي إلى إنشاء حقوق عقارية 29"
وفي هذا الصدد يرى الدكتور علي حسن نجيرة أن هذا القضاء معين، فهو فقط لا يستند إلى أساس، بل يخالف القانون العقاري عندما يذهب القضاء إلى أن التقييد الاحتياطي لا يحول دون إجراء تسجيل لحق يتعلق بذات العقار ولو كان معارض للحق المقيد احتياطيا30.
وأما من الناحية التشريعية: فلم يعطي المشرع المغربي أي تعريف للتقييد الاحتياطي، بل اكتفى بذكر أحكامه من خلال الفصول 85 و 86 و 91 و 92 من ظهير 9 رمضان 1331هـ المتعلق بنظام التحفيظ العقاري.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 85 من الظهير المشار إليه أعلاه نجده ينص على أنه" يمكن لكل من يدعي حقا في عقار محفظ أن يطلب تقيدا احتياطيا قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق". ومن خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح على أن التقييد الاحتياطي هو مكنة يخولها القانون لكل من يدعي حقا في عقار محفظ قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق.
" البند الثاني : تمييز التقييد الاحتياطي عن مؤسسة الحجز التحفظي. "
يتميز التقييد الاحتياطي عن مؤسسة الحجز التحفظي31 بثلاثة ميزات أساسية:
الميزة الأولى : من حيث الهدف.
يهدف التقييد الاحتياطي إلى الحفاظ على تسجيل حق عيني، أما مؤسسة الحجز التحفظي فهي تتعلق دائما بدين ثابت الأداء يدوم ضمان استيفائه وهو على خلاف التقييد الاحتياطي يتعلق بحق شخص.
الميزة الثانية : من حيث المآل.
التقييد الاحتياطي يؤول غالبا إلى التسجيل النهائي للحق، أما مؤسسة الحجز التحفظي وبما أنها تستهدف إرغام المدين على أداء الدين لدائنه فإنه غالبا ما تؤول إلى حجز تنفيذي ينتهي ببيع العقار عن طريق المزاد العلني طبقا لمقتضيات الفصول من 469 إلى 487.
الميزة الثالثة : من حيث المحل الذي يقع عليه.
يتميز التقييد الاحتياطي عن الحجز التحفظي في كون أن التقيد الاحتياطي يقع على سبيل الحصر على العقارات المحفظة دون المنقولات أو العقارات غير المحفظة وذلك إسنادا إلى مضمون الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري. أما الحجز التحفظي فيقع مبدئيا على المنقولات قبل أن ينسحب إلى العقارات.
الفقرة الثانية : خصائص التقييد الاحتياطي ومصادره.
البند الأول : خصائص التقييد الاحتياطي.
يتميز التقييد الاحتياطي بمجموعة من الخصائص، يمكن إجمالها في الخصائص التالية:
الخاصية الأولى : التقييد الاحتياطي تسجيل احتياطي للمستقبل.
يتيح التقييد الاحتياطي إمكانية تسجيل الحقوق احتياطيا للمستقبل وذلك قصد ترتيب أولوية بعض العقود والاتفاقات التي يجب تسجيلها نهائيا في المستقبل. ونتيجة لذلك فالتقييد الاحتياطي يتيح حماية المشتري حسن النية من تصرفات البائع الضارة.
الخاصية الثانية : التقييد الاحتياطي مرحلة سابقة للتسجيل النهائي.
يعتبر التقييد الاحتياطي مرحلة سابقة للتسجيل النهائي. لأن الهدف من هذا التقييد هو مجرد حفظ الحق حتى يتم استكمال أسباب التسجيل التي تعتبر ضرورية حتى يتم التسجيل النهائي لهذا الحق.
الخاصية الثالثة : التقييد الاحتياطي معلق على شرط واقف.
ومقتضى هذا الشرط أن التقييد الاحتياطي يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار حكم نهائي في الموضوع وبمجرد صدور هذا الحكم الفاصل في النزاع المتعلق بهذا الحق ينتهي التقييد الاحتياطي، حيث يكون ذلك الحكم كافي من أجل التسجيل النهائي لذلك الحق، شرط أن يكون ذلك الحكم حائز على قوة الشيء المقضى به.
وإما على انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله. ومثل هذه الإجراءات كالوقوف على عين المكان أو توضيح حدود الحق المطالب بتسجيله أو نطاقه أو موضوعه.
الخاصية الرابعة : التقييد الاحتياطي يتعلق بالعقارات المحفظة دون غيرها32.
طبقا لمقتضيات ظهير 9 رمضان 1333. فإنه لا يوجد مقتض قانوني يسمح بإجراء تقييد احتياطي على عقار في طور التحفيظ. ونتيجة لذلك فإن أي شخص يدعي حقا على حق في طور التحفيظ يجب أن يتقدم بصفته متعرضا لا طالب التقييد الاحتياطي. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتبع مسطرة ذلك.
كما أنه لا يمكن إجراء تقييد احتياطي لحق كان ناشئا قبل تاريخ التحفيظ المتعلق به33. وحجة ذلك ما قضت به محكمة الاستئناف بالرباط أنه:" لا يمكن حماية حق نشأ قبل التحفيظ أو خلاله، ولم تتم المطالبة به خلال هذه المرحلة. وعلى قاضي الأمور المستعجلة أن يحمي المالك المقيد اسمه على الرسم العقاري من كل ادعاء حتى ولو قام صاحبه بالحصول على تقييد احتياطي"34 .
البند الثاني : مصادر التقييد الاحتياطي.
النقطة الأولى : المصادر الخارجية.
يعتبر القانون الألماني مصدر التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي. وبالخصوص القانون البروسي المؤرخ في 8 ماي المنظم لمؤسسة ووميركونغ35 والتي تماثل إلى حد ما مؤسسة التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي.
ويعد القانون البروسي نموذج التشريعات الجرمانية التي أخذت بمبدأ الإشهار والتطهير والقوة الثبوتية للرسوم العقارية.
ونتيجة لذلك لا يمكن أن نعتبر أن القانون الأسترالي مصدر للتقييد الاحتياطي في نظام التحفيظ العقاري المغربي. كما لا يمكن اعتبار القانون التونسي مصدر للقانون المغربي على اعتبار أن فصله 53 لم ينظم سوى التقييد الاحتياطي للدعاوي المرفوعة لدى القضاء قصد إلغاء أو تغيير الحقوق العينية العقارية. وهذا النص لا يسمح بالتقييد الاحتياطي لأي ادعاء كيفما كان، كما فعل افصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري المغربي، حيث أن التقييد الاحتياطي لإنشاء الحقوق العينية العقارية أو التنازل عنها أو التي أنشئت يشترط واقف والوعود بالبيع غير التي ألحقت بالكراء التجاري ( الفصل 372 من القانون التونسي)، لم ينظم إلا بمقتضى المرسوم البايي المؤرخ بتاريخ 13 سبتمبر 1934. إذ لم يكن القانون التونسي لسنة 1885 لينير السبيل أمام المشرع المغربي لسنة 1913 لكونه كان يجهل التقييد الاحتياطي للحقوق المحتملة قبل أن تقدم للقضاء دعاوي تهدف إلى تغييرها36.
هذا وإن مؤسسة التقييد الاحتياطي يؤخذ بها في جل التشريعات العقارية التي تعتمد نظام الشهر العيني. فبالإضافة إلى القانون الألماني والتونسي نذكر القانون اللبناني وخاصة المواد 25 و 26 و 27 و 74 و 75 من القرار رقم 188. والقانون المدني السويسري الذي ينص على هذا النوع من التقييد ويسميه بعبارة التسجيلات المؤقتة.
إلا أن هذه المؤسسة ليس لها وجود في التشريعات التي تأخذ بنظام الشهر الشخصي. فالقانون المدني الفرنسي لا يتضمن ما يفيد أخذه بالقيد الاحتياطي وإن كانت المادة 958 منه تنص على إمكانية تسجيل إشارة الدعوى الرامية لإبطال الهبة لعلة الجحود. كما أن اللجنة البرلمانية الموازية لمسح الأراضي المؤسسة بوزارة المالية الفرنسية لدراسة إمكانية إدخال نظام السجلات العقارية في فرانسا بمقتضى مرسوم 30 ماي 1891 كانت قد أصدرت مشروعا تضمن أحكاما تتعلق بالقيد الاحتياطي لكنه لم ير الوجود لحد الآن37.
وفي القانون المصري لا وجود لمؤسسة التقييد الاحتياطي، بل اكتفت المادة 15 من القانون المصري رقم 114 سنة 1946 على فرض التأشير في هامش المحررات على ما يقدم ضدها من دعاوي38.
" النقطة الثانية : المصادر الداخلية. "
يجد التقييد الاحتياطي مصادره في التشريع المغربي انطلاقا من مجموعة من النصوص المشتتة بين هذا القانون أو ذاك: وهكذا نجد أنه تم التنصيص عليه في الفصول 85 و 86 و 91 و 92 من ظهير التحفيظ العقاري المغربي المؤرخ في 9 رمضان 1331 هـ الموافق ل 12 غشت 1913.
وبالإضافة إلى ذلك نجد أنه تم التنصيص عليه في الفصل 6 من الظهير الشريف الصادر في 18 رجب 1333 الموافق ل 1 يونيو 1915 والمتعلق بتحديد مختلف المقتضيات الانتقالية لتطبيق الظهير التنظيمي المتعلق بالتحفيظ العقاري. وكذلك الفصول 172 و 202 من ظهير 19 رجب 1333 الموافق ل 2 يونيو 1915 والمتعلق بتحديد التشريع المطبق على العقارات المحفظة. ثم الفصل 13 من ظهير شريف المؤرخ بتاريخ 3 أبريل 1951 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت نشر بالجريدة
الرسمية عدد 2011 بتاريخ 11 ماي 1951. فضلا عن المادة 34 من قانون 10.98 المتعلق بتسنيد الديون الرهينة.39
المطلب الثاني : أهمية التقييد الاحتياطي وغاياته.
" الفقرة الأولى : أهمية التقييد الاحتياطي. "
للتقييد الاحتياطي أهمية قانونية واقتصادية واجتماعية:
" النقطة الأولى : أهمية التقييد الاحتياطي من الناحية القانونية. "
إن التقييد الاحتياطي مؤسسة حقوقية هامة في نظام السجل العقاري وإن التعامل بها ليس بالقليل. وهي تمثل استثناء واضحا على الميدانين الأساسيين للسجل العقاري، وهما القيمة الإيجابية والقيمة السلبية لتسجيلات الحقوق الجارية على رسم الملكية:
ذلك أن القيمة الإيجابية لتلك التسجيلات تعني أن كل حق مسجل هو عنوان الحقيقة بلا زيادة أو نقصان. فتكون له قوة ثبوتية مطلقة تجاه الغير ـ باستثناء الغير سيء النية-. ومع ذلك فالتقييد الاحتياطي يأتي فيخرج تلك الحقيقة ويشكك في تلك القوة الثبوتية.
وأما القيمة السلبية فهي تعني أن كل حق لا ينتج آثاره بين طرفيه إلا بتسجيل. وهو يعتبر منعدما تجاه الغير طالما لم يحصل هذا التسجيل. فيأتي التقييد الاحتياطي للحق القابل للتسجيل ويجعله موجودا مع آثاره. ليس ابتداء من تاريخ تسجيله، بل ابتداء من تاريخ التقييد الاحتياطي عندما يتم تسجيله40.
من هنا إذن تنبع القيمة القانونية أو الأهمية القانونية للتقييد الاحتياطي. لأن التقييد الاحتياطي يؤدي إلى نتيجة مقبولة من الناحية القانونية مفادها أنه ومن أجل حماية الحق إلى حين تسجياه تسجيلا نهائيا لابد من تقييده تقييدا احتياطيا.
" النقطة الثانية : أهمية التقييد الاحتياطي من الناحية الاقتصادية. "
باعتبار التقييد الاحتياطي تقنية من تقنيات نظام التحفيظ العقاري، فإنه يلعب دورا مهما من الناحية الاقتصادية. ذلك أنه ومن خلال وجود هذه التقنية يستطيع صاحب الحق حفظ حقه إلى غاية التسجيل النهائي لحقه. ونتيجة لذلك فإنه لا يجوز إخلاء وحدة إنتاج قائمة على عقار موضوع التحفيظ والمقيد تقييدا احتياطيا من طرف المنتفع به لوجود تعرض ما لم يحسم القضاء في ذلك.
كما أن للتقييد الاحتياطي أهمية اقتصادية بالنسبة للدولة. ذلك أنه يعتبر تقنية حقيقية قصد القضاء على المشاكل والنزاعات العقارية والتي يمكن أن تؤدي إلى تراجع نسبة الاستثمار الوطني والأجنبي مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية شاملة.
" النقطة الثالثة : أهمية التقييد الاحتياطي من الناحية الاجتماعية. "
جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 3 نونبر 1934 " ... إن دور التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري هو المحافظة المؤقتة إما على حق موجود لكن متنازع فيه وينتظر من القضاء أن يعطي كلمته فيه، وإما على حق تعذر استكماله لتأخر توفره على شكلية من الشكليات ...".
ومما يستنتج من هذا القرار أن التقييد الاحتياطي له أهمية من الناحية الاجتماعية تتجلى في حماية حقوق الأشخاص حسنوا النية من الضياع. ونتيجة لذلك وحماية للروابط الاجتماعية وحماية للقيم الاجتماعية المتمثلة في حماية حق الملكية وعدم أكل أموال الناس بالباطل عمد المشرع إلى النص في الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه" لكل من يدعي حقا في عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا قصد الاحتفاظ بهذا الحق".
" الفقرة الثانية : غايات التقييد الاحتياطي. "
النقطة الأولى : الغاية من التقييد الاحتياطي هي الحماية المؤقتة للحقوق.
إن التقييد الاحتياطي هو إجراء أو تحفظ للتقييد النهائي في المستقيل يضمن حقوقا لم تكتمل بعد شروطها القانونية أو دعاوي عقارية41.
إلا أن التقييد الاحتياطي لا يحافظ على الحق الذي يضمنه مؤقتا إلا شريطة أن يقيد هذا الحق فيما بعد بصفة قانونية وداخل الأجل القانوني. فإذا اتخذ هذا التقييد النهائي فإنه يعود بأثر رجعي إلى تاريخ التقييد الاحتياطي الذي يعين رتبة التقييدات اللاحقة له. أما إذا لم يتم التقييد النهائي داخل الأجل القانوني فغن الآثار التحفظية للتقييد الاحتياطي تنحصر قانونا وينعدم هذا التقييد الاحتياطي نتيجة لذلك، بحيث لا يصبح سوى شكلية لم تترك أي أثر بالرسم العقاري42.
" النقطة الثانية : الغاية من التقييد الاحتياطي هي الإشهار الإخطاري أو المؤقت للدعاوي العقارية المرفوعة أمام القضاء. "
قد يكون الحق موضوع التسجيل مرتبطا بشروط لم تنف> ولا يمكن بالتالي تقييده بصفة نهائية في السجلات العقارية، كأن يكون العقد الذي سيؤسس عليه طلب التسجيل غير تام ، لم يستكمل عناصره الشكلية أو كأن يكون العقار محل تفويتات متعاقبة ويكون تسجيله خاضعا للقيام بالتقييدات السابقة كالإراثات مثلا، أو كأن يستوجب التسجيل إيداع بعض الوثائق كنظير الرسم العقاري المعني بالأمر ويمتنع المالك المسجل من تسليمه للمشتري، وقد تكون هوية الأطراف غير محققة في العقد. أو قد يكون الحق موضوع التسجيل محل نزاع يتوقف إثبات وجوده على اعتراف القضاء كأن يكون المالك المقيد قام بتفويت العقار أكثر من مرة لأشخاص مختلفة، إلى غير ذلك من الأسباب التي تمنع المحافظ على الملاك العقارية من إجراء التقييد النهائي لتلك الحقوق 43.
اعتبر نظام التحفيظ العقاري منذ أن ظهر في المغرب، النظام العقاري الأكثر سموا 1، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن التحفيظ العقاري يضمن بشكل مؤكد ملكية العقارات لأصحابها.
ومن أهم مؤسسات التحفيظ العقاري ضمانا للحقوق هي مؤسسة التقييد الاحتياطي، الذي ومن خلال البحث في مفهومه ومصادره ومن خلال ما يتميز به من خصائص، يتضح أن له أهميات متعددة من الناحية القانونية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن له غايات وأهداف لا تقل أهمية عن أهداف وغايان التحفيظ العقاري في رمته. فما هو إذن مفهوم التحفيظ العقاري، ثم ما هو التقييد الاحتياطي؟
قصد تحديد مفهوم التحفيظ العقاري، وماهية التقييد الاحتياطي لا بد من التقسيم التالي:
المبحث الأول : مفهوم التحفيظ العقاري.
المبحث الثاني: التقييد الاحتياطي مؤسسة من مؤسسات نظام التحفيظ العقاري.
المبحث الأول : مفهوم التحفيظ العقاري.
لا شك في أن نظام السجلات العقاري المغربي أو نظام التحفيظ العقاري، له خصوصيات عريقة يتميز بها عن مثيله في الدول العربية، خاصة نظام الإشهار العقاري المصري. كما أنه وداخل نظام السجلات العقاري المغربي نجد نوعين أو مفهومين مختلفين 2 من حيث مضمونهما، ومن حيث مسطرتهما ومن حيث مبادئهما، ومن حيث آثرهما. ويتعلق الأمر بنظامي التحفيظ3 والتقييد4.
ونتيجة لذلك، فنظام التحفيظ يهدف إلى تطهير العقار قصد إرساء حق الملكية على أسس قانونية وهندسية صلبة وإعطاء للعقار سجل خاص به يظل معه بصفة خالدة.
أما نظام التقييد أو التقييدات التي تعتبر مرحلة لاحقة بعد التحفيظ، فالهدف منه الإشهار المستمر لكل التقلبات والتغيرات على الوضعية القانونية والمادية للعقار.5
انطلاقا مما سبق فإنه ولتحديد مفهوم نظام التحفيظ العقاري فإنه لابد من البحث:
المطلب الأول : أصل نظام التحفيظ العقاري وتعريفه
المطلب الثاني : مبادىء التحفيظ العقاري وأهدافه.
المطلب الأول : أصل نظام التحفيظ العقاري وأهدافه.
الفقرة الأولى: أصل نظام التحفيظ العقاري
يرجع أصل نظام التحفيظ العقاري 6 أو ما يسمى بنظام السجلات العقارية إلى عقد الملكية العينية، الذي ينتسب إلى السيد روبير طورنيس 7: المحافظ العام لإقليم أستراليا الجنوبية.
فقد استطاع هذا الرجل بفضل كفاءته القانونية أن يبدع مجموعة من الإصلاحات اللازمة لتلافي عيوب النظام العقاري الذي طبق في أستراليا منذ أمد طويل. إلا أن هذه الإصلاحات لم تتمتع بأية قوة إلا بعد أن صادق عليها البرلمان الاسترالي سنة 1858. وبموجب هذه المصادقة أصبح هذا المشروع يدعى ب : عقد طورنيس. حيث انتشرت مبادئه وتطبيقاته في كثير من التشريعات.
وكان من بين التشريعات التي أخذت بهذا النظام التشريع المغربي بموجب الظهير الشريف الصادر في منطقة الحماية الفرنسية في 12 غشت 1913 الموافق ل 9 رمضان 1331 المتعلق بناظم التحفيظ العقاري، والظهير الخلفي الصادر في منطقة الحماية الاسبانية في فاتح يونيو 1914. والظهير الصادر في منطقة طنجة الدولية في 15 يناير 1925.
وقد أنيط تطبيق هذه القوانين الصادرة عن سلطات الحماية إلى جهات إدارية وقضائية: 8.
ففي ما يتعلق بالجهات الإدارية: فتتمثل خصوصا في مصالح المحافظات العقارية والهندسية ومسح الأراضي والخرائطية، وتقوم هذه المصالح خصوصا: بتسجيل الأملاك، وإعداد الرسوم العقارية، ووضع الخرائط.
أما الجهات القضائية : فتتمثل في مؤسسة قضاء التحفيظ العقاري ويقوم هذا الجهاز القضائي : بالنظر في جميع التعرضات على الحقوق القابلة للتحفيظ وفي الدعاوي العقارية المتعلقة بها 9.
الفقرة الثانية : تعريف نظام التحفيظ العقاري:
ذهب المشرع المغربي على خلاف عادته إلى وضع تعريف محدد للتحفيظ العقاري، وذلك من خلال ما نصت عليه المادة الأولى من الظهير الشريف المؤرخ في رمضان 1331 من أنه " يقصد من التحفيظ
جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام هذا الظهير من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد."
ومما يستنتج من هذا التعريف ان نظام التحفيظ لا يهم سو ى العقارات من جهة، ومن جهة أخرى أن هذا العقار الذي اخضع لنظام التحفيظ العقاري بطريقة اختيارية أو إجبارية لا يمكن إخراجه منه فيما بعد . ونتيجة لذلك فإن التحفيظ العقاري حسب الأ ستاذ محمد الحياني هو مجموعة من القواعد القانونية والعمليات المتتابعة والمؤسسات المتكاملة البناء بدءا من وضع طلب التحفيظ وإبداعه، وتوسطا بإقامة رسم للملكية العقاري وانتهاء بمختلف التقييدات بالسجلات العقارية 10.
و إذن فالتحفيظ العقاري هو وعاء قانوني وهندسي لكل الحقوق العينية والتكاليف العقارية المصاحبة للعقار في فترة معينة من حيث أنه ينظمها ويحفظها ويصونها من كل ما يمكن أن ينازع في وجودها 11.
المطلب الثاني : مبادىء نظام التحفيظ العقاري وأهدافه
الفقرة الاولى : مبادىء نظام التحفيظ العقاري
المبدأ الأول : مبدأ التخصص العقاري.
ومعنى هذا المبدأ أن كل عقار محفظ يجب ان بتمتع برقم ترتيبي وإسم خاص به مع تحديده ووصفه وصفا دقيقا وواضحا. ونتيجة لذلك فإن هذا الرسم العقاري يجب أن يحتوي على مجموعة من البيانات كمساحة العقار،وعلى بيان لكل الحقوق والتحملات العقارية المنشأة على هذا العقار12.
المبدأ الثاني: مبدأ تطهير العقار:
والمقصود بهذا المبدأ ، أن العقار المحفظ يشكل بفضل تسجيله في السجل العقاري نقطة الإنطلاق الوحيدة للمكلية والحقوق المترتبة عليها في مواجهة الكافة وبناء على ذلك فإنه سوف لن يبقى هناك أي نزاع حول الحدود أو المساحة والمشتملات والمواقع. كما أنه سوف لن يبقى هناك أي نزاع حول مصادر الملكية13.
المبدأ الثالث: مبدأ الأثر القانوني أو التأسيس للتقييدات
ومعنى هذا المبدأ هو " إخضاع الاعتراف بالوجود القانوني للحقوق العينية المترتبة على العقارات المحفظة لعملية إشهارها وإعلانها للعموم بواسطة إجراء شكلية تهم تهم تقييدها بالرسوم العقارية المؤسسة لها."
وحسب الدكتور محمد بن الحاج السالمي 14، فإن هذا المبدأ ينتج عنه نتيجتين :
النتيجة الأولى : إيجابية، وهي الاعتراف بالوجود القانوني للحقوق المقيدة وحدها
النتيجة الثانية : سلبية، حيث ينتج عن عدم التقييد عدم الاعتراف القانوني بالوجود القانوني للحقوق وإبقاؤها في طي الكتمان.
المبدأ الرابع: مبدأ القوة الثبوتية للتقييدات وحجيتها
والمقصود بهذا المبدأ أن التقييدات بالرسوم العقارية قوة ثبوتية وآثار نهائية لا يمكن تغييرها أو إبطالها أي التشطيب عليها من الرسم العقاري إلا بمقتضى تقييد أو تشطيب جديد مرتكز على اتفاق رضائي صادر عن المالك المقيد15،...أو حلم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
الفقرة الثانية : أهداف نظام التحفيظ العقاري
لنظام التحفيظ العقاري ثلاثة أهداف أساسية تكرس مدى أهمية تظام التحفيظ العقاري لحماية الحقوق وهي:
الهدف الأول : تأسيس المكلية العقارية على أسس قانونية دقيقة
يهدف نظام التحفيظ العقاري بصفة أساسية إلى بناء الملكية العقارية، على أسس قانونية ينعدم فيها الغموض وعدم الدقة، وذلك من خلال تمكين صاحب الحق من تسجيل حقه في سجل خاص معد لذلك وهو السجل العقاري للعقار.
الهدف الثاني : تمكين العموم من الاطلاع على مطالب التحفيظ وإبداء تعرضاتهم داخل الآجال.
يمكن نظام التحفيظ التحفيظ العقاري جميع الناس والكافة من الاطلاع على مختلف مطالب التحفيظ، وإذا بدا لأحدهم أي تعرض أثناء مدة التحفيظ ، فإن تعرضه يكون مقبولا، ومن تم يتوقف التحفيظ ويتم إحالة الملف على المحكمة المختصة للبث في النزاع.
الهدف الثالث: استقرار المعاملات.
يهدف نظام التحفيظ العقاري بالإضافة إلى ما سبق إلى الاستقرار القانوني ويتجلى ذلك من خلال مراقبة وتنظيم عمليات التجزئة والقسمة.
المبحث الثاني : التقييد الاحتياطي مؤسسة من مؤسسات نظام التحفيظ العقاري.
إذا كان الأصل في القانون، أن مصلحة الأطراف فوق كل اعتبار، فإنه أوجب عليهم ضرورة التسجيل السريع لإتفاقاتهم التي يتناسل عنها إنشاء أو نقل الحقوق العينية إذا كانت متعلقة بعقار محفظ 16 غير أن الوضع لا يسير جيدا في بعض الأحيان خصوصا إذا علمنا ن تسجيل هذه الحقوق قد يعترضها عوائق مختلفة كعدم توفر جميع الوثائق أو الشروط المطلوبة للتسجيل. ونتيجة لذلك، ومراعاة لمصلحة الأطراف كان لا بد للقانون أن يجد تقنية يستطيع من خلالها ضمان حقوق الأفراد خلال فترة التسجيل وقبل التسجيل النهائي لها. فكان أن وجد التقييد الاحتياطي.
فما هو إذن مفهوم التقييد الاحتياطي؟ ثم ماهي أهميته وغاياته؟ وإجابة على هذين السؤالين كان لا بد من تقسيم هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: مفهوم التقييد الاحتياطي
المطلب الثاني : أهمية التقييد الاحتياطي وغاياته.
المطلب الأول : مفهوم التقييد الاحتياطي.
الفقرة الأولى : تعريف التقييد الاحتياطي وتمييزه ن مؤسسة الحجز التحفظي.
البند الأول : تعريف التقييد الاحتياطي.
" النقطة الأولى: من الناحية اللغوية والفنية. "
يقال في اللغة العربية قيد شخص شيئا بمعنى سجله مخافة ضياعه وبغية صونه وحفظه، ويقال قيد شخص حيوانا بمعنى أغله. وأما مصطلح مركب من كلمتين:
"فالتقييد"، ويعني التسجيل وهي مشتقة من فعل قيد، يقيد قيدا ويقال دفتر القيد بمعنى فتر التسجيل...
وأما "الاحتياطي" فهي مشتقة من فعل احتاط يحتاط احتياطا، ويقال احتاط فلان أي انتبه وأخذ الحيطة والحذر17.
وانطلاقا مما سبق يتضح أن التعريف اللغوي للتقييد الاحتياطي يتسم بنوع من الغموض، ويتجلى ذلك من خلال مسألتين:
المسألة الأولى : اختلاط معنى التقييد يعني التسجيل
وهو ما لا يمكن القبول به خصوصا إذا علمنا أن التسجيل هي مرحلة سابقة على التقييد أو التقييدات، حيث لا يلجأ إلى التقييد إلى إذا تعذر التسجيل لسبب من الأسباب.
المسألة الثانية: اختلاط معنى التقييد الاحتياطي بمعنى الحجز التحفظي.
إن المعنى اللغوي للتقييد الاحتياطي يؤدي إلى نفس معنى الحجز التحفظي إذا ما أخذنا بعبن الاعتبار عنصر الاحتياط.
أما في اللغة الفرنسية ف " la prénotation " تعني التقييد الاحتياطي وهذه العبارة تؤدي معناها في اللغة الفرنسية على نحو طبيعي 18 .
أما من الناحية الفنية فالتقييد الاحتياطي هو وسيلة قانونية يمكن اللجوء إليها وبكل سهولة ويسر، متى تعذر على المتعاقدين أو أحدهما إنجاز التقييد النهائي للعملية التي يرغب في تضمينها بالسجلات العقارية. ولا يكن قائما إلا في مرحلة التقييدات والخاصة بالرسوم العقارية، ويوازيها إمكانية التعرض في مسطرة التحفيظ العقاري دورا على قدر كبير من الحرية والأهمية في هذا المجال والتي تؤدي إليه السلطات الواسعة التي يتميز بها في مجال التقييدات النهائية من رفض وإلغاء وتشطيب . ونتيجة لذلك فالتقييد الاحتياطي عملية فنية وتقنية تتطلب وجود مجموعة من العناصر والمتمثلة: في المحافظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية شكلا ومضمونا. مستعينا أبدواة ووسائل قانونية وإدارية كالكنانيش والسجلات العقارية ( سجل الإيداع ....)
" النقطة الثانية : من الناحية الفقهية. "
لقد تعددت التعريفات التي أعطيت للتقييد الاحتياطي غير أن كل هذه التعاريف تتقارب فيما بينها، حيث تدور حول الوظيفة الإخطارية والإشهارية التي تقوم بها هذه المؤسسة داخل نظام التحفيظ العقاري.
فمن جهة أولى: يرى الأستاذ مأمون الكزبري أن التقييد الاحتياطي هو إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع، وذلك بأن يضع قيدا تحفظيا على رسم التمليك وعلى نسخة هذا الرسم يتضمن الإشارة إلى الحق الذي يدعيه والذي امتنع عليه تسجيله في الوقت الحاضر لقيام مانع حال دون ذلك 20.
ومما يستنتج من هذا التعريف أن الأستاذ مأمون الكزبري ذهب إلى عدم حصر نطاق التقييدات الاحتياطية بالحقوق العينية والشخصية على حد سواء، وحجة ذلك أن المشرع المغربي في ظهير التحفيظ العقاري ل 9 رمضان 1913 قد تعمد في الفصل 85 عدم حصر التقيد الاحتياطي بالحقوق العينية إذ هو أطلق النص ومنح إمكانية المطالبة بالتقييد الاحتياطي لكل من يدعي حقا في عقار محفظ سواء كان الحق الذي يدعيه هو حق عيني أو حق شخصي 21.
ومن جهة ثانية: يرى الأستاذ بول دوكرو22 أن التقييد الاحتياطي هو "بيان يثبت بالرسم العقاري، بشكل مؤقت، ومشروط، وينبئ بالحق المطالب به ، والذي لم يكن قابلا للتقييد بالسجلات العقارية بطريقة قانونية، إنه إجراء أو تحفظ للتسجيل في المستقبل...23"
ومن جهة ثالثة : يرى الأستاذ علي حسين نجيرة أن القيد الاحتياطي قيد يوضع بصفة مؤقتة مشروطة على السجل العقاري لحق لا يمكن تسجيله، فهو احتفاظ بحق التسجيل في المستقبل ويؤشر بهذا القيد على صحيفة العقار في السجل العقاري وكذلك على رسم ملكية العقار24 .
ومن جهة رابعة : يعرف الأستاذ القاضي حسين عبد اللطيف حمدان التقييد الاحتياطي بأنه " قيد مؤقت يقصد به صيانة حق صاحبه تجاه من يكتسب حقا آخر يتعارض معه، إلى أن يسوي الخلاف بشأنه، أو تقام الدعوى به وتقيد في صحيفة العقار العينية، أو إلى أن تستكمل الشروط المطلوبة لإجراء القيد النهائي أو يزول المانع الذي يحول دونه"25
ومن جهة خامسة: يرى الأستاذ عبد العلي بن محمد العبودي أنه " يقصد بذلك التقييد حفظ الحق المترتب على العقار من التفويت الذي يدعي طالب التقييد أنه قد تعذر عليه تسجيل حقه المذكور على الرسم العقاري، طبقا لقواعد الإشهار المطلوبة بصفة نهائية لسبب من الأسباب، وإن ذلك التقييد لا يكون إلا مؤقتا في انتظار زوال المانع من التسجيل النهائي. فلهذا وذاك سمي تقييدا احتياطيا فقط...26"
ومن جهة سادسة: يرى الأستاذ محمد خيري أن التقييد الاحتياطي هو : " إمكانية يخولها القانون لكل من يدعي حقا على عقار محفظ قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق وذلك بالإشارة إليه في الرسم العقاري في انتظار تحويل هذا التقييد الاحتياطي إلى تسجيل نهائي أو إلغاؤه بالمرة 27" .
" النقطة الثالثة: من الناحية القضائية والتشريعية "
من الناحية القضائية: فقد جاء في اجتهاد محكمة الاستئناف بالرباط بأن "التقييد الاحتياطي يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار إصدار حكم نهائي في الموضوع أو انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله" 28.
ومن جهة أخرى فقد جاء قرار المجلس الأعلى ما يلي : " بمقتضى الفصل 85 من ظهير 9 رمضان 1331 هـ أن التقييد الاحتياطي هو إنما هو تدبير مؤقت لا يؤدي إلى إنشاء حقوق عقارية 29"
وفي هذا الصدد يرى الدكتور علي حسن نجيرة أن هذا القضاء معين، فهو فقط لا يستند إلى أساس، بل يخالف القانون العقاري عندما يذهب القضاء إلى أن التقييد الاحتياطي لا يحول دون إجراء تسجيل لحق يتعلق بذات العقار ولو كان معارض للحق المقيد احتياطيا30.
وأما من الناحية التشريعية: فلم يعطي المشرع المغربي أي تعريف للتقييد الاحتياطي، بل اكتفى بذكر أحكامه من خلال الفصول 85 و 86 و 91 و 92 من ظهير 9 رمضان 1331هـ المتعلق بنظام التحفيظ العقاري.
وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 85 من الظهير المشار إليه أعلاه نجده ينص على أنه" يمكن لكل من يدعي حقا في عقار محفظ أن يطلب تقيدا احتياطيا قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق". ومن خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح على أن التقييد الاحتياطي هو مكنة يخولها القانون لكل من يدعي حقا في عقار محفظ قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق.
" البند الثاني : تمييز التقييد الاحتياطي عن مؤسسة الحجز التحفظي. "
يتميز التقييد الاحتياطي عن مؤسسة الحجز التحفظي31 بثلاثة ميزات أساسية:
الميزة الأولى : من حيث الهدف.
يهدف التقييد الاحتياطي إلى الحفاظ على تسجيل حق عيني، أما مؤسسة الحجز التحفظي فهي تتعلق دائما بدين ثابت الأداء يدوم ضمان استيفائه وهو على خلاف التقييد الاحتياطي يتعلق بحق شخص.
الميزة الثانية : من حيث المآل.
التقييد الاحتياطي يؤول غالبا إلى التسجيل النهائي للحق، أما مؤسسة الحجز التحفظي وبما أنها تستهدف إرغام المدين على أداء الدين لدائنه فإنه غالبا ما تؤول إلى حجز تنفيذي ينتهي ببيع العقار عن طريق المزاد العلني طبقا لمقتضيات الفصول من 469 إلى 487.
الميزة الثالثة : من حيث المحل الذي يقع عليه.
يتميز التقييد الاحتياطي عن الحجز التحفظي في كون أن التقيد الاحتياطي يقع على سبيل الحصر على العقارات المحفظة دون المنقولات أو العقارات غير المحفظة وذلك إسنادا إلى مضمون الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري. أما الحجز التحفظي فيقع مبدئيا على المنقولات قبل أن ينسحب إلى العقارات.
الفقرة الثانية : خصائص التقييد الاحتياطي ومصادره.
البند الأول : خصائص التقييد الاحتياطي.
يتميز التقييد الاحتياطي بمجموعة من الخصائص، يمكن إجمالها في الخصائص التالية:
الخاصية الأولى : التقييد الاحتياطي تسجيل احتياطي للمستقبل.
يتيح التقييد الاحتياطي إمكانية تسجيل الحقوق احتياطيا للمستقبل وذلك قصد ترتيب أولوية بعض العقود والاتفاقات التي يجب تسجيلها نهائيا في المستقبل. ونتيجة لذلك فالتقييد الاحتياطي يتيح حماية المشتري حسن النية من تصرفات البائع الضارة.
الخاصية الثانية : التقييد الاحتياطي مرحلة سابقة للتسجيل النهائي.
يعتبر التقييد الاحتياطي مرحلة سابقة للتسجيل النهائي. لأن الهدف من هذا التقييد هو مجرد حفظ الحق حتى يتم استكمال أسباب التسجيل التي تعتبر ضرورية حتى يتم التسجيل النهائي لهذا الحق.
الخاصية الثالثة : التقييد الاحتياطي معلق على شرط واقف.
ومقتضى هذا الشرط أن التقييد الاحتياطي يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار حكم نهائي في الموضوع وبمجرد صدور هذا الحكم الفاصل في النزاع المتعلق بهذا الحق ينتهي التقييد الاحتياطي، حيث يكون ذلك الحكم كافي من أجل التسجيل النهائي لذلك الحق، شرط أن يكون ذلك الحكم حائز على قوة الشيء المقضى به.
وإما على انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله. ومثل هذه الإجراءات كالوقوف على عين المكان أو توضيح حدود الحق المطالب بتسجيله أو نطاقه أو موضوعه.
الخاصية الرابعة : التقييد الاحتياطي يتعلق بالعقارات المحفظة دون غيرها32.
طبقا لمقتضيات ظهير 9 رمضان 1333. فإنه لا يوجد مقتض قانوني يسمح بإجراء تقييد احتياطي على عقار في طور التحفيظ. ونتيجة لذلك فإن أي شخص يدعي حقا على حق في طور التحفيظ يجب أن يتقدم بصفته متعرضا لا طالب التقييد الاحتياطي. وفي هذه الحالة يجب عليه أن يتبع مسطرة ذلك.
كما أنه لا يمكن إجراء تقييد احتياطي لحق كان ناشئا قبل تاريخ التحفيظ المتعلق به33. وحجة ذلك ما قضت به محكمة الاستئناف بالرباط أنه:" لا يمكن حماية حق نشأ قبل التحفيظ أو خلاله، ولم تتم المطالبة به خلال هذه المرحلة. وعلى قاضي الأمور المستعجلة أن يحمي المالك المقيد اسمه على الرسم العقاري من كل ادعاء حتى ولو قام صاحبه بالحصول على تقييد احتياطي"34 .
البند الثاني : مصادر التقييد الاحتياطي.
النقطة الأولى : المصادر الخارجية.
يعتبر القانون الألماني مصدر التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي. وبالخصوص القانون البروسي المؤرخ في 8 ماي المنظم لمؤسسة ووميركونغ35 والتي تماثل إلى حد ما مؤسسة التقييد الاحتياطي في القانون العقاري المغربي.
ويعد القانون البروسي نموذج التشريعات الجرمانية التي أخذت بمبدأ الإشهار والتطهير والقوة الثبوتية للرسوم العقارية.
ونتيجة لذلك لا يمكن أن نعتبر أن القانون الأسترالي مصدر للتقييد الاحتياطي في نظام التحفيظ العقاري المغربي. كما لا يمكن اعتبار القانون التونسي مصدر للقانون المغربي على اعتبار أن فصله 53 لم ينظم سوى التقييد الاحتياطي للدعاوي المرفوعة لدى القضاء قصد إلغاء أو تغيير الحقوق العينية العقارية. وهذا النص لا يسمح بالتقييد الاحتياطي لأي ادعاء كيفما كان، كما فعل افصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري المغربي، حيث أن التقييد الاحتياطي لإنشاء الحقوق العينية العقارية أو التنازل عنها أو التي أنشئت يشترط واقف والوعود بالبيع غير التي ألحقت بالكراء التجاري ( الفصل 372 من القانون التونسي)، لم ينظم إلا بمقتضى المرسوم البايي المؤرخ بتاريخ 13 سبتمبر 1934. إذ لم يكن القانون التونسي لسنة 1885 لينير السبيل أمام المشرع المغربي لسنة 1913 لكونه كان يجهل التقييد الاحتياطي للحقوق المحتملة قبل أن تقدم للقضاء دعاوي تهدف إلى تغييرها36.
هذا وإن مؤسسة التقييد الاحتياطي يؤخذ بها في جل التشريعات العقارية التي تعتمد نظام الشهر العيني. فبالإضافة إلى القانون الألماني والتونسي نذكر القانون اللبناني وخاصة المواد 25 و 26 و 27 و 74 و 75 من القرار رقم 188. والقانون المدني السويسري الذي ينص على هذا النوع من التقييد ويسميه بعبارة التسجيلات المؤقتة.
إلا أن هذه المؤسسة ليس لها وجود في التشريعات التي تأخذ بنظام الشهر الشخصي. فالقانون المدني الفرنسي لا يتضمن ما يفيد أخذه بالقيد الاحتياطي وإن كانت المادة 958 منه تنص على إمكانية تسجيل إشارة الدعوى الرامية لإبطال الهبة لعلة الجحود. كما أن اللجنة البرلمانية الموازية لمسح الأراضي المؤسسة بوزارة المالية الفرنسية لدراسة إمكانية إدخال نظام السجلات العقارية في فرانسا بمقتضى مرسوم 30 ماي 1891 كانت قد أصدرت مشروعا تضمن أحكاما تتعلق بالقيد الاحتياطي لكنه لم ير الوجود لحد الآن37.
وفي القانون المصري لا وجود لمؤسسة التقييد الاحتياطي، بل اكتفت المادة 15 من القانون المصري رقم 114 سنة 1946 على فرض التأشير في هامش المحررات على ما يقدم ضدها من دعاوي38.
" النقطة الثانية : المصادر الداخلية. "
يجد التقييد الاحتياطي مصادره في التشريع المغربي انطلاقا من مجموعة من النصوص المشتتة بين هذا القانون أو ذاك: وهكذا نجد أنه تم التنصيص عليه في الفصول 85 و 86 و 91 و 92 من ظهير التحفيظ العقاري المغربي المؤرخ في 9 رمضان 1331 هـ الموافق ل 12 غشت 1913.
وبالإضافة إلى ذلك نجد أنه تم التنصيص عليه في الفصل 6 من الظهير الشريف الصادر في 18 رجب 1333 الموافق ل 1 يونيو 1915 والمتعلق بتحديد مختلف المقتضيات الانتقالية لتطبيق الظهير التنظيمي المتعلق بالتحفيظ العقاري. وكذلك الفصول 172 و 202 من ظهير 19 رجب 1333 الموافق ل 2 يونيو 1915 والمتعلق بتحديد التشريع المطبق على العقارات المحفظة. ثم الفصل 13 من ظهير شريف المؤرخ بتاريخ 3 أبريل 1951 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت نشر بالجريدة
الرسمية عدد 2011 بتاريخ 11 ماي 1951. فضلا عن المادة 34 من قانون 10.98 المتعلق بتسنيد الديون الرهينة.39
المطلب الثاني : أهمية التقييد الاحتياطي وغاياته.
" الفقرة الأولى : أهمية التقييد الاحتياطي. "
للتقييد الاحتياطي أهمية قانونية واقتصادية واجتماعية:
" النقطة الأولى : أهمية التقييد الاحتياطي من الناحية القانونية. "
إن التقييد الاحتياطي مؤسسة حقوقية هامة في نظام السجل العقاري وإن التعامل بها ليس بالقليل. وهي تمثل استثناء واضحا على الميدانين الأساسيين للسجل العقاري، وهما القيمة الإيجابية والقيمة السلبية لتسجيلات الحقوق الجارية على رسم الملكية:
ذلك أن القيمة الإيجابية لتلك التسجيلات تعني أن كل حق مسجل هو عنوان الحقيقة بلا زيادة أو نقصان. فتكون له قوة ثبوتية مطلقة تجاه الغير ـ باستثناء الغير سيء النية-. ومع ذلك فالتقييد الاحتياطي يأتي فيخرج تلك الحقيقة ويشكك في تلك القوة الثبوتية.
وأما القيمة السلبية فهي تعني أن كل حق لا ينتج آثاره بين طرفيه إلا بتسجيل. وهو يعتبر منعدما تجاه الغير طالما لم يحصل هذا التسجيل. فيأتي التقييد الاحتياطي للحق القابل للتسجيل ويجعله موجودا مع آثاره. ليس ابتداء من تاريخ تسجيله، بل ابتداء من تاريخ التقييد الاحتياطي عندما يتم تسجيله40.
من هنا إذن تنبع القيمة القانونية أو الأهمية القانونية للتقييد الاحتياطي. لأن التقييد الاحتياطي يؤدي إلى نتيجة مقبولة من الناحية القانونية مفادها أنه ومن أجل حماية الحق إلى حين تسجياه تسجيلا نهائيا لابد من تقييده تقييدا احتياطيا.
" النقطة الثانية : أهمية التقييد الاحتياطي من الناحية الاقتصادية. "
باعتبار التقييد الاحتياطي تقنية من تقنيات نظام التحفيظ العقاري، فإنه يلعب دورا مهما من الناحية الاقتصادية. ذلك أنه ومن خلال وجود هذه التقنية يستطيع صاحب الحق حفظ حقه إلى غاية التسجيل النهائي لحقه. ونتيجة لذلك فإنه لا يجوز إخلاء وحدة إنتاج قائمة على عقار موضوع التحفيظ والمقيد تقييدا احتياطيا من طرف المنتفع به لوجود تعرض ما لم يحسم القضاء في ذلك.
كما أن للتقييد الاحتياطي أهمية اقتصادية بالنسبة للدولة. ذلك أنه يعتبر تقنية حقيقية قصد القضاء على المشاكل والنزاعات العقارية والتي يمكن أن تؤدي إلى تراجع نسبة الاستثمار الوطني والأجنبي مما يؤدي إلى أزمة اقتصادية شاملة.
" النقطة الثالثة : أهمية التقييد الاحتياطي من الناحية الاجتماعية. "
جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 3 نونبر 1934 " ... إن دور التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري هو المحافظة المؤقتة إما على حق موجود لكن متنازع فيه وينتظر من القضاء أن يعطي كلمته فيه، وإما على حق تعذر استكماله لتأخر توفره على شكلية من الشكليات ...".
ومما يستنتج من هذا القرار أن التقييد الاحتياطي له أهمية من الناحية الاجتماعية تتجلى في حماية حقوق الأشخاص حسنوا النية من الضياع. ونتيجة لذلك وحماية للروابط الاجتماعية وحماية للقيم الاجتماعية المتمثلة في حماية حق الملكية وعدم أكل أموال الناس بالباطل عمد المشرع إلى النص في الفصل 85 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه" لكل من يدعي حقا في عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا قصد الاحتفاظ بهذا الحق".
" الفقرة الثانية : غايات التقييد الاحتياطي. "
النقطة الأولى : الغاية من التقييد الاحتياطي هي الحماية المؤقتة للحقوق.
إن التقييد الاحتياطي هو إجراء أو تحفظ للتقييد النهائي في المستقيل يضمن حقوقا لم تكتمل بعد شروطها القانونية أو دعاوي عقارية41.
إلا أن التقييد الاحتياطي لا يحافظ على الحق الذي يضمنه مؤقتا إلا شريطة أن يقيد هذا الحق فيما بعد بصفة قانونية وداخل الأجل القانوني. فإذا اتخذ هذا التقييد النهائي فإنه يعود بأثر رجعي إلى تاريخ التقييد الاحتياطي الذي يعين رتبة التقييدات اللاحقة له. أما إذا لم يتم التقييد النهائي داخل الأجل القانوني فغن الآثار التحفظية للتقييد الاحتياطي تنحصر قانونا وينعدم هذا التقييد الاحتياطي نتيجة لذلك، بحيث لا يصبح سوى شكلية لم تترك أي أثر بالرسم العقاري42.
" النقطة الثانية : الغاية من التقييد الاحتياطي هي الإشهار الإخطاري أو المؤقت للدعاوي العقارية المرفوعة أمام القضاء. "
قد يكون الحق موضوع التسجيل مرتبطا بشروط لم تنف> ولا يمكن بالتالي تقييده بصفة نهائية في السجلات العقارية، كأن يكون العقد الذي سيؤسس عليه طلب التسجيل غير تام ، لم يستكمل عناصره الشكلية أو كأن يكون العقار محل تفويتات متعاقبة ويكون تسجيله خاضعا للقيام بالتقييدات السابقة كالإراثات مثلا، أو كأن يستوجب التسجيل إيداع بعض الوثائق كنظير الرسم العقاري المعني بالأمر ويمتنع المالك المسجل من تسليمه للمشتري، وقد تكون هوية الأطراف غير محققة في العقد. أو قد يكون الحق موضوع التسجيل محل نزاع يتوقف إثبات وجوده على اعتراف القضاء كأن يكون المالك المقيد قام بتفويت العقار أكثر من مرة لأشخاص مختلفة، إلى غير ذلك من الأسباب التي تمنع المحافظ على الملاك العقارية من إجراء التقييد النهائي لتلك الحقوق 43.