ننطلق في هاته المقالة من المقدمات التالية كإطارين افتراضيين:
- القانون في معناه غير الواضح؛ هو الوسيط بين الإيديولوجيا المهيمنة في الدولة وأجهزة القمع او العنف، فالقانون اذن هو مفصل بين الفكرة التي تبنى عليها الدولة
وحراسة هاته الفكرة
.
- الدولة؛ هي عنف مشروع يتمفصل مع الإيديولوجيا في إطار القانون.
من خلال الفكرتين السابقتين يمكن الانطلاق في تحديد العلاقة بين المجتمع كمجموعة أفراد يستقبلون قانون يطرح لديهم صراعا معه، من خلال صراعهم المستمر مع الدولة، إذن الدولة كإطار عام تفرض الإيديولوجيا المهيمنة عن طريق القانون.
يطرح هذا الوصف إشكالية أساسية مرتبطة بالرفض المستمر للقانون من طرف المجتمع، هذا الرفض يجعل من التعريفات المقدمة بمناسبة تمهيد القانون أو تحديد مدخل للقانون قابلة للتفنيد، وهاته التعريفات من قبيل:"..تسعى القاعدة القانونية إلى تنظيم الحياة في المجتمع.."[1]، فهي تعريفات تعتبر عند محدديها مسلمات ثابتة تتناقل من باحث إلى باحث، وهذا هو مدخل الإشكالية لذلك يبتعد دارس القانون عن الإشكاليات الحقيقية متجها نحو إطار مفاهيمي يقدسه، لكن هذا الإطار هو قابل لإثبات عكسه.
- القانون في معناه غير الواضح؛ هو الوسيط بين الإيديولوجيا المهيمنة في الدولة وأجهزة القمع او العنف، فالقانون اذن هو مفصل بين الفكرة التي تبنى عليها الدولة
وحراسة هاته الفكرة
.
- الدولة؛ هي عنف مشروع يتمفصل مع الإيديولوجيا في إطار القانون.
من خلال الفكرتين السابقتين يمكن الانطلاق في تحديد العلاقة بين المجتمع كمجموعة أفراد يستقبلون قانون يطرح لديهم صراعا معه، من خلال صراعهم المستمر مع الدولة، إذن الدولة كإطار عام تفرض الإيديولوجيا المهيمنة عن طريق القانون.
يطرح هذا الوصف إشكالية أساسية مرتبطة بالرفض المستمر للقانون من طرف المجتمع، هذا الرفض يجعل من التعريفات المقدمة بمناسبة تمهيد القانون أو تحديد مدخل للقانون قابلة للتفنيد، وهاته التعريفات من قبيل:"..تسعى القاعدة القانونية إلى تنظيم الحياة في المجتمع.."[1]، فهي تعريفات تعتبر عند محدديها مسلمات ثابتة تتناقل من باحث إلى باحث، وهذا هو مدخل الإشكالية لذلك يبتعد دارس القانون عن الإشكاليات الحقيقية متجها نحو إطار مفاهيمي يقدسه، لكن هذا الإطار هو قابل لإثبات عكسه.
إن رفض القانون من طرف المجتمع، يطرح نقاشا طويلا حول مسببات هذا الرفض، وبذلك يتم طرح صراع خفي بين المجتمع والقانون.
Iإشكالية الاقتباس كمدخل لهذا الصراع:
يطرح الاقتباس بالمغرب سؤال تطابق القانون مع خصوصيات المغرب، أو كما يسمى بإشكالية القانون الكولونيالي وعلاقته بالشريعة الإسلامية والعرف المحلي[2]، لذلك فقد حاول بعض من فقهاء الإسلام خصوصا في تونس بتوجيه النظر الفقهي للقوانين الكولونيالية بما يخضع القانون لخصوصية الشريعة الإسلامية، لكن محاولات لم تراعي ما سياتي من تطورات بعد ذلك.
إن إشكالية الاقتباس تبقى أهم إشكالية، وتطرح على المشرع الحالي عبء التخلص من هذا القانون الكولونيالي، فهو مجرد محاولات للسيطرة، والمجتمع يدخل في صراع مرير مع هاته المعرفة الكولونيالية.
ولعل عدم البحث في أصولها ووضع منطلقات للتأريخ الفكر القانوني بالمغربي والعربي، يعمق من الخلاف، والباحثون المهتمون بهذا المجال هم قلائل[3]، الباحثون الآن يبحثون عن تطبيقات القانون الحالية خصوصا القوانين المدنية المعاصرة وهذا أمر ضروري لكن لن تكتمل دراستهم دون البحث عن العقل الذي أنتج هذه القوانين، ودراسة التصادمات التي حصلت عند تنزيل القانون في المغرب والدول المحيطة به.
إن الاقتباس ظاهرة ليست مرتبطة بأصول القانون بالمغرب في تلك اللحظة المفصلية، بل الاقتباس يمتد إلى عملية تقنية لازالت مستعملة إلى الآن، وهي قد تولد صراعا خفيا للقانون، ودليل هذا الطرح هو ما تلقاه بعد القوانين التي تم جلبها من الدول الأوروبية انتقادا من طرف المجتمع، ولعل مدونة السير بالمغرب المقتبسة من السويد حجة في ذلك، لما لاقته من منع وشجب.
IIإنتاج القانون من الأعلى كامتداد لهذا الصراع:
إن إنتاج القانون دون اقتباسه، قد يطرح إشكالية الإنتاج، هل من الأعلى أم من الأسفل؟.
إن القانون يحاول إعطاء النهب العام للملكيات والحقوق الخاصة من طرف الدولة، الصفة القانونية، أو ما يسميه بالنهب المشروع بدعوى المصلحة العامة، وفي هذا الصدد يطرح الأستاذ فريديك باستيا رأيا مقنعا مفاده أن القانون نهب مشرعن لا يعبر عن المجتمع، جاؤ في رأيه ما يلي: "...أنظر فيما إذا كان القانون يأخُذ من بعض الأشخاص ما يملكون ويعطيه إلى أشخاصٍ آخرين لا تعود ملكيته لهم، أنظر فيما إذا كان القانون ينفع مواطن معينًا على حساب الآخر من خلال فعل ما يعجز المواطن نفسه عن فعله دون ارتكاب جريمة..."[4].
القانون بالمغرب لا يتم إنتاجه من طرف المجتمع، والدليل تعارضه في كثير من الاحيان مع العرف أو القانون القروي[5] وتعارضه مع الشريعة الإسلامية كمحددات أساسية للتشريع بالمغرب.
وفي كثير من الأحيان يرتبط القانون في تصوراته الأولى، بمفاهيم يتم تأويلها ضد تطلعات المجتمع، إن المفاهيم المرتبطة بالقانون، من قبيل الضبط الاجتماعي، المصلحة العامة، المنفعة العامة والنظام العام، تؤدي إلى انهيار العلاقة بين المجتمع والقانون، هذا الإنهيار يمكن إجماله في مستويين:
- مستوى الإنتاج من خلال طغيان الجانب الشكلي والمكتبي في صياغة القوانين، صياغة القوانين داخل مكاتب مغلقة غير منفتحة على المجتمع، كذلك إشكالية المصادر.
- وعلى مستوى التطبيق الفعلي للقانون، كإشكالية تنفيذ الأحكام القضائية، وهاته الإشكالية تشكك المجتمع في تطبيق القانون، وتهز الثقة في إمكانية حماية القانون لمصالح وحقوق المجتمع.
يمكن إعطاء مثال بالمادة 16 من مدونة الأسرة التي نصت على عقد الزواج كأساس لإثبات الزواج وهذا الطرح يعارض الشريعة والعرف لذلك المشرع لم يستطع
التخلص من الاستثناء المتمثل في دعوى الزوجية
.
من المفترض أن يكون القانون نابعا من المجتمع، كمخرج لتطلعاته، وليس قانونا فوقيا، لهذا يجب على التشريع أن يحقق في الحدود الدنيا نقاشا عموميا يتقدمه المجتمع، أعلم أن ما أتحدث عنه صعب المنال وقل مثالية مفرطة.
IIIالقانون الشكلاني أو اللاعدالة في القانون كاستمرارية في الصراع:
إن المشكل الثالث مرتبط بعدم تحقيق عنصر العدالة في القاعدة القانونية، وهو عنصر سبق وأن ناقشناه في مقالة سابقة، ولا مانع من إعادة الكلام فيه.
يتم تحديد القانون ومفهومه الملتبس حسب الإتجاه الوضعاني من خلال عنصرين أساسيين هما الشكلية في إصدار القانون، وأن يكون هذا الأخير محققا لأثر اجتماعي، في حين يراد بالمذهب الطبيعي، ذلك الإتجاه المؤيد لوجود عنصر العدالة في القانون إلى جانب العنصرين الأولين الذين يكونان تعريف القانون لدى الوضعيين أو الشكليين.
فالإتجاه نحو الشكلية المفرطة يؤدي بذلك إلى الابتعاد عن الإنسان والانصراف في شكلية القانون[6]، ويزداد تعقيد هذا المذهب في الوضعانية الشكلانية التي تعني بصورة عامة أن النظام القانوني في بلد معين وفي زمن معين يتشكل من قواعد قانونية قائمة ويجب احترام وتطبيق هذه القوانين[7].
من غير المفيد إذن الذهاب أبعد من النص القانوني والبحث عن معان أخرى مخفية أو غير واضحة.
إن المذهب الوضعاني-الشكلي المذكور سابقا، جعل من القانون أداة لا تحقق العدالة في غايتها، وهذا أمر غير سليم، فالقانون في نظر أنصار هذا المذهب الشكلي يتشكل من مكونين أساسيين هما الفاعلية الشكلية وتحقيق الأثر الاجتماعي. فالأستاذ هانس كلسن يعتبر خير دليل على الذين ينتصرون إلى الفاعلية الشكلية، والتي تعني أن القانون هو أمر صادر عن السلطة العامة أو "نظام إلزامي معياري" كما سماه هانس كلسن[8]، أما تحقيق الأثر الاجتماعي كمكون للقانون فقد قسم الفقهاء المناصرون لهذه الفكرة بين الأثر الاجتماعي الضمني والمتمثل في الدافع الداخلي والنفسي لتقبل القاعدة القانونية ينتصر لهذا الطرح الأستاذ "إرنست رودولف بيرلنك"، والأثر الاجتماعي الظاهر أي الامتثال الظاهر للقاعدة القانونية ويؤيد هذا الطرح الأستاذين "ماكس فيبر" و"تيودور كايكر"[9].
لكن ما يعاب على هذا الطرح أنه يغيب الأخلاق والعدالة كمكون أساسي للقاعدة القانونية، وهذا ما ينتصر إليه أصحاب المذهب الطبيعي في القانون[10]، إن لهذا الطرح حسب إعمال المنطق نظرة شمولية للقاعدة القانونية وتحققها في بمناها ومعناها، لأنه ليس من المنطقي أن تفصل القاعدة القانونية على العدالة والأخلاق، وتصبح قاعدة شكلية جامدة، تبتغي تحقيق أثر اجتماعي دون أي مراعاة لسلوك الإنسان الاجتماعي الذي يتميز بالتطور.
لكن يجد هذا التحديد الشكلي لدور القاضي عموما، تبريرات في الفقه الأمريكي، بحيث يدافع الأستاذ "جيمس إ. بوند" عن أن ضمان سيادة القانون والحكم الدستوري يتأتى بالقاضي الممارس لمهامه كحرفي[11]، المرتبط بالتقنية والشكلية، وهذا ما يظهر بشكل جلي في عديد من القوانين، بحيث أصبحت التقنية مقلصة لدور القضاء.
هذا الجانب الوضعاني المنحرف سرعان ما يمتعض منه المجتمع، ويدخله في صراع معه، وهو صراع في حقيقة الأمر مع الدولة.
إن الأسباب الثلاث هي أسباب حاضرة الآن بقوة وهي المؤدية الى عدم الاستجابة للقانون كرد فعل من المجتمع تجاه القانون المقتبس وغير العادل والذي لم يكن لهم أي
دور في إنتاجه، ويمكن تسميته بالعصيان تجاه القانون.
وهذه الخلاصة تؤكد الفرضيات التي انطلقنا منها، فربما القانون في نهاية المطاف هو شرعنة العنف من أجل الدفاع عن الإيديولوجيا المهيمنة في الدولة، وتبقى تلك المسلمات التي تعرف القانون بأنه محرك للمجتمع غير منطقية، لهذا حاول الأستاذ روبرت الكسي إعطاء تعريف مهم للقانون جاء فيه: " ..
1- "القانون هو نظام من القواعد يقر مبدأ مراعاة العدالة، ويتكون من مجموعة من القواعد التي تنظم في الدستور يحوز بالإجمال التأثير الاجتماعي أو الفاعلية، والتي
لا تجافي العدالة مجافاة مطلقة.
2- ويتكون أيضا من مجموعة من القواعد الموضوعة طبقا لأحكام هذا الدستور، والتي تنطوي على حد أدنى من التأثير الاجتماعي أو الفاعلية أو إمكانية التأثير الاجتماعي. والتي لا تجافي العدالة مجافاة مطلقة.
3- بالإضافة إلى المبادئ أو الحجج المعيارية الأخرى التي تستند أو يجب أن تسند عليها أصول تطبيق القانون لتحقيق مطلب مراعاة العدالة..."[12].
هذا التعريف يظهر ثلاث عناصر للقانون، هي الشكلانيةـ الأثر الإجتماعي والعدالة أو فعالية القانون.
الهوامش:
[1]محمد جلال السعيد، المدخل لدراسة القانون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2016، ص. 39.
[2]نجيب بودربالة، القانون بين القبيلة والأمة والدولة، ترجمة: محمد رزين، أفريقيا الشرق، 2015، ص. 201.
[3]يمكن إيجاد أستاذ باحث من بين الذين إهتموا بهذا التأريخ هو: أحمد ادريوش، الثقافة والقانون، دراسات حول دور العامل الثقافي في تلقي القوانين المدنية العصرية المقتبسة، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، الرباط، 2014، ص. 5.
[4]فريديرك باستيا، القانون، الأهلية للنشر والتوزيع، المطبعة الأولى 2012، ص. 20.
[5]جيب بودربالة، مرجع سابق، ص. 269.
[6]جورج سعد، فلسفة القانون الإقتراح الأولي، الجمعية اللبنانية للفلسفة، الموقع الإلكتروني:
http://www.aliphid.com/documents_ar.htm
http://www.aliphid.com/documents_ar.htm
[7] Hens Kelsen, General Theory of Law and State, Translated by : Anders Wedberg, Harvard University Press, 1949, p. 290.
[8] Hens Kelsen, op.cit, p. 45.
[9]روبرت ألكسي، فلسفة القانون، ترجمة: كامل فريد السالك، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الثانية، 2013، ص. 41-42-43.
[10]لتوسع في موضوع القانون الطبيعي يمكن مراجعة:
محمد جلال السعيد، مرجع سابق، ص. 68.
Sophie DRUFFIN BRICCA et laurence-Caroline HENRY, INTRODUTION GENERAL AU DROIT, Gualino, 2015, pp. 77-81.
محمد جلال السعيد، مرجع سابق، ص. 68.
Sophie DRUFFIN BRICCA et laurence-Caroline HENRY, INTRODUTION GENERAL AU DROIT, Gualino, 2015, pp. 77-81.
[11]جيمس إ. بوند، أساس إصدار الأحكام، ترجمة: نهى نايف مرسي، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، ط 1 1998، ص. 81.
[12]روبرت ألكسي، مرجع سابق، ص. 189.