من خلال اطلاعي على مسودة مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة المعدة من طرف وزارة العدل والحريات، صيغة 5 نونبر 2014، أثارت اهتمامي ثلاثة نقط اعتبرتها من حسنات هذه المسودة.
كما تبادر إلى ذهني تساؤل مهم، سأحاول أن أختم به الموضوع بعد سرد النقط التي اعتبرتها من حسنات هذه المسودة.
النقطـــة الأولــــى:
ما يلاحظ أن مسودة مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، عمدت إلى جمع مجموعة من النصوص والمقتضيات التي كانت متفرقة في نصوص أخرى خاصة، لتجعل منها موضوع قانون يجمع مقتضياتها، ويتعلق الأمر بقضاء القرب ( القانون 42.10)، والقانون المحدث للمحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية (القانون 53.97) والقانون المحدث للمحاكم الإدارية ( القانون رقم 41.90) والقانون المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية ( القانون 80.03).
وهكذا، فإن هذه المسودة جاءت بميزة حسنة تكمن جمع مقتضيات كانت متفرقة خلال مجموعة من القوانين الخاصة، ونظمتها في قانون واحد يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ينظم جميع المحاكم بمختلف درجاتها واختصاصها، بدل الإبقاء عليها متفرقة، وفي ذلك تيسير بالخصوص على ممارسي المساطر القانونية.
النقطــة الثانيـــــة:
ومن بين ما جات به مسودة مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، هو أنها أحدثت في بعض المحاكم الابتدائية، أقساما متخصصة في القضاء التجاري، يكون اختصاصها في البت في القضايا التجارية المسندة للمحاكم التجارية، وأيضا القضايا التجارية المعروضة على المحاكم الابتدائية، وتطبق أمام هذه الأقسام نفس المسطرة المطبقة أمام المحاكم التجارية، كما أن رئيس القسم المتخصص في القضاء التجاري يمارس نفس الاختصاصات المخولة قانونا لرئيس المحكمة التجارية.
وأيضا أقسام متخصصة في القضاء الإداري، مختصة بالبت في القضايا الإدارية المسندة للمحاكم الإدارية بموجب القانون، وتطبق أمام هذه الأقسام نفس المسطرة المطبقة أمام المحاكم الإدارية، ويمارس رئيسها نفس الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الإدارية قانونا.
وهذه، الإمكانية شملت أيضا بعض محاكم الاستئناف التي ستحدث فيها أقسام متخصصة في القضاء التجاري، وأقسام في القضاء الإداري، تختص دون غيرها بالبت في استئناف أحكام أقسام القضاء التجاري وأقسام القضاء الإداري المتخصصة بالمحاكم الابتدائية.
غير أنه على خلاف المحاكم الابتدائية، فان الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التابع لها القسم التجاري المتخصص، هو الذي يمارس جميع الاختصاصات المسندة إلي الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية، وكذلك الشأن بالنسبة للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التابع لها قسم القضاء الإداري المتخصص، فانه هو الذي يمارس جميع الاختصاصات المسندة للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية.
وتكمن أهمية هذه المقتضيات في أنها ستخفف العبء على بعض المتقاضين، الذين لا تتوفر دوائرهم على محاكم تجارية وإدارية مختصة، مما يجعلهم يتحملون مشقة التنقل، وقد يذهب الأمر عند بعضهم إلى التنازل عن حقه في التقاضي أمام هذا العبء، لتأتي هذه المسودة وتحل هذا الإشكال.
إلا انه ينبغي التذكير على أن هذه الأقسام يتوقف إحداثها على صدور مرسوم بعد استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو الأمر الذي ينبغي معه في حالة صدور هذا القانون على صيغته ومضامينه إلى التعجيل بإصدار هذا المرسوم، وعدم الاحتفاظ بهذا المقتضى النوعي المتعلق بإحداث هذه الأقسام حبرا على ورق.
خصوصا وان المادة 109 من المسودة حددت أجل سنة لإصدار المراسيم الخاصة بتنفيذ هذا القانون، منذ صدوره.
النقطـــة الثالثــــة
ومن بين أبرز ما جاءت به هذه المسودة هو المنصوص عليه في المادة 58، والمتعلق بالمسطرة أمام أقسام قضاء القرب، حيث جعلت مجانية المسطرة والإعفاء من الرسوم القضائية محصور فقط بالنسبة للأشخاص الذاتيين.
وهذا على عكس المعمول به حاليا من خلال المادة 6 من القانون 10.42 المتعلق بتنظيم قضاء القرب، والتي جاءت بان المسطرة أمام أقسام قضاء القرب شفوية ومجانية ومعفاة من الرسوم القضائية، ولم تستثن من هذه المجانية أحدا.
ومن المعلوم أن كبريات الشركات المتخصصة في الاتصالات، والأبناك، وشركات القروض، هي أكبر مستفيد من مقتضيات المادة 6 الحالية، رغم أن ذمتها مليئة، مما كان يكبد الدولة عدة خسائر.
وقد نادى مجموعة من المهتمين بالمجال القانوني والحقوقي وعلى رأسهم المحامين بهذا الأمر، وهو ما جعل مقتضيات المادة 58 من هذه المسودة تستجيب لذلك لتجعل المجانية والإعفاء من الرسوم في وجه الأشخاص الذاتيين فقط دون غيرهم من الأشخاص الاعتبارين.
وأختم بالتساؤل الذي تبادر إلى ذهني بمناسبة اطلاعي على مسودة مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ، ولماذا حافظ على مبدأ وحدة القضاء قمته محكمة النقض كما جاء في تقديم المسودة، ألم يحن الوقت لإحداث محكمة عليا أو مجلس الدولة على غرار بعض الدول مثل فرنسا ومصر.