يتشكل هذا المولود ـ المعلن عنه رسميا يوم 8 فبراير من السنة الجارية خلال لقاء جمع وزير العدل بمسؤولي المحاكم ـ من ممثلين عن رئيس المحكمة، والنيابة العامة، ورئيس كتابة الضبط، وذلك لرفع المعاناة عن المتقاضين ومساعدتهم لحل المشاكل. وبما أن مؤسسة «الوسيط» أُريد لها أن تكون كأول خطوة في برنامج إصلاح القضاء من قبل المسؤولين على وزارة العدل فإنه لا بأس من الوقوف مليا كي لا يصطدم «المولود» بمعيقات الواقع، أو يولد ميتا، خصوصا أننا لم نشرع بعد في ورش إصلاح القضاء، وأنه من غير المقبول أن تخطىء الطريق في بدايتها.
في هذا السياق يعود بنا مصدرنا القانوني إلى بداية حكومة التناوب أثناء النقاش المستفيض بشأن «الوسيط» الذي تطور ووقف عند والي المظالم الذي أضحى مؤسسة قائمة الذات.
وأثار مصدرنا جملة من الأسئلة ندرجها كعناوين كبيرة دون الدخول في حيثياتها:
ـ ماذا عن قاضي تنفيذ العقوبات المنصوص عليه في المسطرة الجنائية، وقاضي تنفيذ الأحكام، الوارد في قانون المسطرة المدنية؟ وماذا عن مساهمته في حل معضلة عدم تنفيذ الأحكام بعيدا عن القيام بإدارة الملفات؟ (راجع العلم ليوم 9 فبراير 2010) .
ـ هل دور «الوسيط» لا يتعارض، أو لا يتكامل مع وظيفة مؤسسة والي المظالم؟ وبالتالي لماذا لا يتم تفعيل صلاحيات مؤسسة والي المظالم ليتم تقريبها من المحاكم من خلال تعيين قاض بمثابة مخاطَب مباشر بموجب قانوني صريح؟
ـ أية حماية قانونية، وأية استقلالية، وأية حصانة لمؤسسة «الوسيط» المُزمع إخراجها للوجود؟
ـ في ظل الخصاص المهول للقضاة وكتاب الضبط كيف سنعالج الموضوع بخلق مؤسسة جديدة والتي يفترض أن يكون بها 3 ممثلين عن رئيس المحكمة والنيابة العامة ورئيس كتابة الضبط، ومساعدين.؟
ـ ماذا عن الكلفة المادية والتقنية لمؤسسة «الوسيط»، والفضاءات التي سيشتغل فيها العاملون، بالنظر لوضعية بنايات المحاكم، وتفادي تجربة بنايات محكمتي الاستئناف الإدارية ( الرباط ومراكش) وبنابات قضاء الأسرة، حيث أُحدثت هذه المؤسسات على أهميتها ثم بدأ البحث فيما بعد عن بنايات لاستقرار موظفيها، علما أن اغلب بنايات محاكم المملكة ليست في مستوى مكانة العدل ومرامي إصلاح القضاء وهيبة القضاة وباقي مساعدي القضاء؟
ـ لماذا لا يتم الحد من معاناة المتقاضين بتبني مقاربة شمولية، بدءاً من زجر التقاضي بسوء نية، ومحاربة ظاهرة منح شواهد المجاملة الطبية، والضرب بقوة على شهود الزور، واعتماد مخطط إعلامي تحسيسي تنخرط فيه وزارة الاتصال وفئات المجتمع المدني والمتقاضين، ووضع سقف زمني - تقريبي- لعملية التقاضي للحد من طول الإجراءات وتعقيدها، وتوحيد الاجتهاد القضائي... إلخ.
هذه بعض التساؤلات التي تحتاج إلى إضاءات قبل الشروع في أجرأة مؤسسة «الوسيط»، خصوصا أن الوزارة الوصية تتوفر على زخم هائل من عمليات تشخيص «واقع وأفق العدالة بالمغرب» من خلال أطنان التقارير والتوصيات والدراسات الوطنية والأجنبية التي صرفت عليها أموال عامة.
عبد الله الشرقاوي
جريدة العلم
بتصرف