تقديم:
تفعيلا لمقتضيات الدستور المغربي 2011، خاصة فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية التي تعتبر الية دستورية لممارسة الحكومة للوظيفة التشريعية، لاسيما تلك التي تضمنها المخطط التشريعي للحكومة، عملت هده الاخيرة على اعداد مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة باللامركزية الترابية، ويتعلق الامر بمشروع القانون التنظيمي رقم 14.111 المتعلق بالجهات، مشروع القانون التنظيمي رقم 14.112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، ومشروع القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات.
وتأتي رغبة المشرع الحكومي في اعادة تنظيم اللامركزية عبر مراجعة القوانين المنظمة لها تماشيا مع التطور الحاصل في الادوار الجديدة التي يجب ان تلعبها هده الوحدات الترابية في المساهمة في تحقيق التنمية بكل أبعادها وكدا تجاوز الثغرات والنواقص التي افرزتها الممارسة في ظل القوانين الحالية.
وسأعلق على المشروع وفق العناوين التالية:
أولا: الاطار التحليلي لمشروع القانون التنظيمي
ثانيا : اهم المبادئ في مشروع القانون التنظيمي
أولا: الاطار التحليلي لمشروع القانون التنظيمي
من الناحية الشكلية:
- يتكون المشروع من 300 مادة موزعة على 8 اقسام اضافة الى القسم التمهيدي، ولأول مرة يتم تنظيم الجماعات بقانون تنظيمي الذي يعتبر من الناحية التراتبية اسمى من القانون العادي ويأتي مباشرة بعد الدستور، عكس القوانين السابقة والحالي، وان كان هدا الامر إيجابيا فانه يطرح اشكالية امكانية حصر دور الجماعات الترابية عبر الية القوانين التنظيمية، كما ان اعداد مسودة المشروع تم بنهج المقاربة التشاركية، عن طريق عرضها على مختلف المتدخلين كما انها عرفت نقاشا من طرف الباحثين والأكاديميين، ومن شان دلك اكسابها نوعا من التسويق، خاصة في ظل الحاجة الى اعادة الاعتبار للشأن المحلي وترويجه لدى مختلف فئات المجتمع كي لا يظل حكرا على النخب السياسية وحدها.
من ناحية الموضوع:
لعل القارئ لمشروع القانون التنظيمي للجماعات لن يجد لأول وهلة اية فروق جوهرية مع الميثاق الجماعي الحالي، اد ان اغلب المواد تكاد تكون متكررة على اكثر من مقتضى، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التقنية لتشكيل المجالس الجماعية، وفي مجال الاختصاصات التي تظهر دائما فضفاضة وعامة، بل و متكررة مع المستويات الاخرى من الجماعات الترابية، وان بدا ان التوجه هو اسناد ادارة القرب للجماعة، التدخلات الاجتماهية للعمالة او الاقليم، ثم التنمية الاقتصادية للجهات، وهدا ما افضى بالعديد من الباحثين الى استنتاج ان المشرع مازال يعتبر الجماعات وحدات ثانوية وان النخب المحلية لم تصل بعد الى مستوى الثقة اللازمة كي تمنح التدبير الحر بمعناه الصحيح وليس المتداول.
ثانيا : اهم المبادئ في مشروع القانون التنظيمي:
غير ان المستجد كما اسلفت في الفقرة السابقة هو التنصيص على مبدأ التعاقد لممارسة هده الاختصاصات، الذي معناه خلق مقتضيات جديدة عبر اتفاقيات للشراكة تعبر عن ارادات اطرافها لإخراج المشاريع التنموية المحلية للوجود. هدا المبدأ يلزم المشرع الحكومي وأيضا التشريعي بمواكبة المشرع الدستوري، ورفع اليد عن القرار ليتخذ محليا، وبمعنى اخر اعداد ميثاق للاتركيز الاداري بنفس درجة اللامركزية.كما ان التعاقد لتحقيق البرامج التنموية يعتبر الوسيلة الانجع في ظل محدودية امكانيات الجماعة المادية والبشرية، ولهذا فالتعاقد لابد ان ينصب اساسا على تعبئة الموارد المالية اللازمة، لكن ايضا الموارد البشرية باعتبار الجماعة الحلقة الاضعف ايضا في هدا المجال، فالادارة الجماعية تظل الاقل تاطيرا، ولقد غيب المشروع الادارة الجماعية كعادته رغم انها القناة لتنفيذ برامج التنمية والاشارات الطفيفة تحيل الى نص تنظيمي قد يرى النور لكن لن يضيف شيئا إلا ادا رد الاعتبار للوظيفة الجماعية.
ويتطابق مبدأ التعاقد مع مبدأي التضامن والتعاون اللازمان لتدبير الشأن المحلي، وايضا مع مبدأ التفريع لممارسة الاختصاصات الذي يعني ما تستطيع الجماعة انجازه يسند لها، وما لا تستطيعه يسند للمستوى الاعلى من الوحدات الترابية وصولا الى الدولة.
ت - مبدأ الانفتاح او اشراك الجميع في القرار المحلي:
طبعا تشكيل المجلس الجماعي عن طريق الاقتراع المباشر هو اشراك مباشر للساكنة لتدبير شؤونها المحلية عن طريق ممثليها، إلا ان المشروع اتاح الية اخرى تعتبر على الاقل نظريا تطورا هاما، وهي الية تقديم العرائض من طرف سكان الجماعة وجمعيات المجتمع المدني، اد اصبح بالإمكان مطالبة المجلس بإدراج مسالة ما للتداول في المجلس الجماعي، هده الاخيرة وان قيدها المشرع بشروط فهي تعزيز للديقراطية، التي يعززها ابضا النص على التصويت العلني لانتخاب الرئيس وأجهزة المجلس وكدا لاتخاذ مختلف المقررات.
كما يتعزز مبدأ الانفتاح بالنص على احداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع. كما يتعزز مبدأ الانفتاح بالنص على احداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.
ث - برنامج عمل الجماعة:
اعتبر المخطط الجماعي في النص الحالي قفزة نوعية للتخطيط المحلي، الذي يسبق كل عملية تنموية، اد مكن الجماعات من التشخيص والتعرف على امكانيانها، وتحديد أولوياتها وفي نص المشروع لم يرد ذكر للمخطط الجماعي، بل برنامج عمل الجماعة، فالمخطط والبرنامج قد يلتقيان وقد يختلفان، واعتقد ان البرنامج اوسع من المخطط، فبرنامج عمل الجماعة - الذي نص على ان المجلس الجماعي يعد برنامج عمل الجماعة وفقا لمقتضيات تنظيمية لاحقة- قد يشمل كل تدخلاتها بما فيها اعداد مخططاتها التنموية، كما اعتقد ان المشرع لم يلغ مسالة التخطيط للتنمية بعدم ذكر المخطط الجماعي باعتبارها مسالة بديهية في تدبير التنمية، ولربما امن بنضج المدبر المحلي على هدا المستوى، فالمخططات كانت تتوفر عليها بعض الجماعات الجادة حتى قبل النص عليها، فهي ليست مقتضى قانوني بقدر ما هي مقتضى تدبيري.
ج- مبدأ اشراك القضاء الاداري في الرقابة:
طبعا لم يتخل المشرع الحكومي عن مبدأ الوصاية ورقابة الملاءمة والشرعية المرافق للامركزية مند نشأتها، اد كرسها في المشروع وان قلت حدتها، اد باستثناء المسائل المالية، ركز على المراقبة البعدية، إلا ان الشئ الايجابي هده المرة هو اشراك المحاكم الادارية في الامر باعتبارها المختصة في الحل والعزل والتوقيف، ولربما سلوك هدا الاتجاه هو الرغبة في تجاوز الشطط في استعمال السلطة في هدا المجال الذي غالبا ما تحكمه عوامل ذاتية وسياسية اكثر منها حكاماتية، كما ان تطور القضاء الاداري وتوفره على رصيد من الاجتهاد القضائي -الذي يعتير من اهم مصادر للقانون الإداري في هدا الشأن- ساهم بدوره في هدا الاتجاه.
ح- مبدا الحكامة الترابية:
من المعلوم ان الدستور المغربي الحالي لسنة 2011 قد خصص بابا كاملا للحكامة الجيدة، باعتبارها الاسلوب التشاركي للحكم ولتدبير الشؤون العامة، الذي يرتكز على تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين في القطاع العام والخاص، وكذلك المجتمع المدني، بهدف تحقيق العيش الكريم المستدام لجميع المواطنين .
كما انه من المعلوم ايضا ان هناك ارتباطا وثيق الصلة بين الحكامة والتنمية، والتنمية المحلية اساس للتنمية الشاملة للتراب الوطني، ولما كان التشريع هو الذي يمهد للتنمية بتوزيع الاختصاصات وتنظيم الهيئات، فقد ساير المشرع الحكومي نظيره الدستوري، وافرد للجماعات الترابية في المشروع موضوع التحليل، مجموعة من المقتضيات التي تهم مجال الحكامة.
وقبل ان اتناول بالتحليل هده المقتضبات، اقف اولا عند اختلالات الحكامة الترابية، ثم سأحاول وضع دعامات للحكامة الجيدة، للخروج بتحليل موضوعي لنص المشروع ومحاولة تقييم مقتضيات الحكامة فيه.
. منها تغييب مشاركة وإدماج مختلف المكونات المجتمعية والمجالات الترابية في المسار التنموي، فقد ظلت الجماعة تمارس اختصاصاتها في عزلة تامة، ويغلب على مهامها تصريف اليومي وانتظار الادن من الوصاية لتنفيذ البرامج التي سطرتها غالبا بإلحاح الوصاية أيضا، فالمخطط الجماعي للتنمية الذي جاء به الميثاق الجماعي الحالي اعطى فرصة جادة وهامة للجماعات من اجل بلورة استراتيجياتها التنموية عبر اشراك المحيط الاجتماعي والاقتصادي في البرامج مع إدماجه إلا ان اغلب الجماعات سارعت الى اعداد مخططاتها التنموية بناء على معطيات جاهزة تعتبر في احايين كثيرة غير ملامسة للتراب الجماعي من خصوصياته وأولوياته الى تركيبته الاجتماعية والثقافية، الى درجة اننا نجد بعض المخططات الجماعية للتنمية متشابهة رغم اختلاف المجال والأولويات والتركيبة الاجتماعية والثقافية،
. منها غياب المساءلة وتقديم الحساب من طرف المسؤولين عن تدبير الشأن الجماعي، والمساءلة هاته لا تعني فقط تبرير النفقات والاعتمادات، بل تلك التي تمتد الى الجدوى والآثار على التنمية، وعلى التراب الجماعي وحتما على الإنسان وتفديم الحساب لا يكون فقط امام المؤسسات الخاصة بالرقابة، بل امام المواطن كي يتمكن من بناء وعي وتكوين رأي، ليساهم بالرأي و الاستشارة وهده الشفافية المنشودة في تقديم الحسابات يجب ان تكون تلقائية وعفوية في اندماج تام بين المسؤول والمواطن.
. ومنها تفشي ظاهرة الفساد كاحدى تجليات الحكامة السيئة، فقد اظهرت تقارير هيئات المراقبة هدا الخلل التدبيري الراجع اساسا الى منظومة قيمية متدهورة، ولكن ايضا الى تواضع المراقبة ورمزيتها اكثر من زجريتها.
وسأحاول الان وضع نظرية لبنات بناء الحكامة الجيدة التي ارى انها ضرورية لتقوية بنيان التدبير الترابي وبالتالي التنموي:
. لبنة النزاهة، كمنظومة للقواعد والقيم المتقدمة المؤطرة لمسؤولية الحفاظ على الموارد والممتلكات واستخدامها بكفاءة للغاية التنموية، وهي لبنة اساسية لارتباطها بسوسيولوجيا الجماعة ناخبين ومنتخبين، وأيضا لارتباطها بالهيئات السياسية التي ينبغي عليها ممارسة حكامة داخلية في اختيار وتزكية الأفراد الاصلح للمجال كفاءة وقيميا،
. لبنة الشفافية، كمدخل اساسي لتوفير المعلومات الدقيقة في حينها، وانفتاح المعلومة نشرا وفهما ومشاركة، بشكل التداول الطبيعي، هدا الانفتاح سيعزز الثقة، سيساهم في التسويق للتنمية بشكل يؤجج لدى المواطن الرغبة في المساهمة، كما ان هده المعلومة يجب ان تلامس الواقع وترتبط به،
. لبنة التنمية، فكل برنامج ترابي، وكل تدبير وتموبل، كل تحرك للموارد المادية والبشرية والمعلوماتية يجب ان ينحو اتجاها واحدا، اتجاه التنمية، فالجماعات الترابية غايتها الاساسية هي التنمية، اد ليست ملعبا لممارسة الديموقراطية فقط والتنافس بين الأحزاب فتلك وسيلة فقط غايتها تنمية التراب.
الفقرة التي نقلتها من مذكرة التقديم من المادة الاولى للمشروع تحيلني على الحديث
عن الحكامة في اربع مواطن داخل النص:
. الحكامة في تدبير وتسيير الجماعة، يمكن ملامستها من خلال مقتضى الانتخاب بالاقتراع المباشر لتكوين المجلس الجماعي، وهي اهم قاعدة لممارسة الديموقراطية، ولذلك حافظ عليها المشرع الحكومي كونها تشكل مكسبا وربحا خاصة مع الاصرار والتأكيد على ضرورة نزاهة الاقتراع. نلمسها ايضا في طبيعة هياكل المجلس،فبالإضافة الى الجهاز التنفيذي للمجلس،تشكل اللجان اساس عمله، لكن غيب النص الزامية عمل هده اللجان التي غالبا تبقى حبرا على ورق وهو ما يعد في نظري فلتة غاية في الاهمية سقطت من مقتضى الحكامة، ينضاف الى دلك تسمية لجنتين فقط إلزاميتين فعمل اللجان اساسي باعتبارها مجال النقاش وبلورة ودراسة المقترحات قبل تقديمها الى المجلس خلال انعقاده في دوراته العادية و الاستثنائية، العادية التي قلصها المشرع الى ثلاث، ربما انسجاما مع باقي دورات اصناف الجماعات الترابية الأخرى خاصة وان الدورات الاستثنائية الية متاحة.
. الحكامة في الاختصاصات، استهل المشرع الاختصاصات يالحديث عن مبدأ التفريع، وطبعا لاشك انه اعتمد عليه لإسناد الجماعة اختصاصاتها الذاتية، لكن ألا يمكن ملاحظة ان هناك تشابها وتكرارا لنفس الاختصاصات مع اشتراك المجال مع اصناف الجماعات الترابية الاخرى، مما ارى انه ابتعاد عن مبدأ التفريع، انطلاقا من امكانيات كل صنف من الجماعات الترابية المادية والتقنية والبشرية، كما انه من جانب اخر يمكن ان اتسال، كما أسلفت، عن ماهية ودلالات استبدال مصطلح المخطط الجماعي للتنمية ببرنامج عمل الجماعة، مع تشابه المقتضيات، هل هي دعوة لإعادة النظر في طريقة التخطيط للتنمية، ام ان الامر لا يعدو ان يكون تجويد للمفاهيم، ربما النص التنظيمي المحدد لبرنامج عمل الجماعة قد يجيب على بعض التساؤل. ومن جانب اخر اشرك النص الجماعات في اختصاصات اشخاص عامة أخرى وأعطاها حق امكانية نقل اختصاصاتهم لها، بناء على مبدأي التدرج والتمايز، وأسس لآلية التعاقد لممارستها، ومن شان دلك تعزيز الشفافية والنزاهة اللبنات الاساسية لبناء الحكامة كما رأينا، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو مدى متانة العلاقة بين الاشخاص العامة والجماعات لبلورة الشراكة خاصة بجانب تركيز مفرط للقرار الاداري.
. الحكامة من خلال المراقبة الإدارية يبدو ان المشرع مازال متمسك بالوصاية من خلال التمعن في الجانب المتعلق بمشروعية القرارات الادارية حيث وان اعتمد قاعدة المراقبة البعدية، مازالت القرارات ذات الطابع المالي تخضع لتأشيرة سلطة الوصاية، وهو امر يمكن تفهم دوره من جانب محور الحكامة، لكن كان بالإمكان تفعيل القضاء الاداري في هدا الجانب أيضا هدا الاخير الذي يعتبر اشراكه في المراقبة مباشرة واختصاصا يعد تحولا نوعيا تعزيزا للبنات الحكامة.
. الحكامة في الجهاز الإداري اسس المشرع لإدارة جماعية على رأسها المدير العام للمصالح او المدير، وتراجع عن مفهوم الكاتب العام ولم يلغه كما يبدو، كما اشار الى هيئة سترى النور وهي هيئة موظفي الجماعات الترابية، التي ستنظم في نص تنظيمي خاص، ارى انه يجب ان ياخد بعين الاعتبار خصوصيات الوظيفة الترابية التي تميل الى الجانب التنموي والتقني، كما يجب ان تتعدد الحوافز لتستقطب الكفاءات اللازمة مع ضرورة ان يقترن احداثها بإحداث منظومة تكوينية متقدمة لإعادة ادماج الادارة الجماعية في اصلاح اللامركزية الترابية، خاصة مع النص على احداث مؤسسة وكالة الجماعة لتنفيذ المشاريع، ولربما كان التفكير في هده الوكالة انطلاقا من واقع الادارة الجماعية التي تفتقد للكفاءة اللازمة، وارى انه كان من الاجدر تكليف ادارة الجماعة بتنفيذ المشاريع طبعا بعد تأهيلها وتاطيرها بالكفاءات اللازمة، لان من شان احداث هده الوكالة تقزيم دور الادارة الجماعية وحصرها في الادوار الخدماتية التقليدية.
ثالثا- خلاصة وانتقادات:
تشمل هده الانتقادات الجانب الشكلي، الى جانب الموضوع، دلك ان لكليهما أهميته، ففي الجانب الشكلي ارى ان هناك مخالفة - وان كانت لا تصل الى الجوهر إلا انه يتوجب الاشارة اليها - للفصل 146 من الدستور،الذي ينص على انه:
“تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الاخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية،...“
والمخالفة تتجلى في ان المشرع نظم الجماعات الترابية في ثلاث قوانين تنظيمية رغم ان النص الدستوري تحدث صراحة عن قانون تنظيمي واحد، وتبدو هده المخالفة اكثر دلالة ادا اطلعنا على مشروعي القانونين التنظيميين الاخرين اللدين لا يختلفان إلا في بعض المقتضيات على مشروع القانون التنظيمي للجماعات، الى درجة ان تقنية نقل- لصق حاضرة في تحريرهما بشدة، رغم ان قرار المجلس الدستوري في هدا الصدد لم يعتبر الامر مخالفة للدستور في قراره الاخير.
لكنه كان من الاجدر – كما ارى – ان تجمع المشاريع الثلاث في مدونة واحدة مع الحرص على عدم تكرار المقتضيات المشتركة بين اصناف الجماعات الترابية، وتخصيص قسم لكل صنف من الجماعات الترابية، مع الحرص ايضا على تضمين المشروع جميع الاحكام المتعلقة بالنظام الانتخابي، والنظام المالي، والنظام الجبائي، ودلك تطبيقا للفصل الدستوري المدكور، خاصة اننا نجد اننا في القانون المقارن الفرنسي الذي نستمد منه غالبية نصوصنا القانونية خاصة المتعلقة بالإدارة، نجد ان المشرع الفرنسي جمع المقتضيات التي تهم الجماعات الترابية في مدونة واحدة بالرغم ان التنظيم الاداري الفرنسي يشمل ايضا ثلاث اصناف من الجماعات الترابية.
والملاحظة الشكلية الثانية تتعلق بالفصل التمهيدي الذي تضمن المبادئ التي اسس عليها المشرع الحكومي الاحكام والمقتضيات اللاحقة في نص المشروع، من قبيل التدبير الحر، التفريع، التضامن والتعاون، غير اننا نجده في المادة الخامسة يشير الى الاختصاصات وفي المادة السادسة الى التصويت العلني لانتخاب الرئيس، وكأنه يسبق الاحداث باعتبار ان هناك ابوابا كاملة خصصت لتلك الأحكام وفي رأيي كان بالإمكان تأجيل المادتين الى مكانهما في النص.
ثالث هده الملاحظات الشكلية والتي لها علاقة بالموضوع أيضا هو مضاعفة عدد مواد المشروع التي انتقلت من 147 في الميثاق الجماعي الحالي الى 300 مادة في مشروع القانون التنظيمي، ودلك راجع الى تضمين النص لمجموعة من المقتضيات المالية والانتخابية، نفس الشيء بالنسبة لمشروعي القانونين التنظيميين للعمالات والأقاليم، فتكون لدينا مواد كثيرة غالبها مكرر في المشاريع الثلاث، يضاف اليها قانون المالية والممتلكات والمحاسبة...الخ، ما يجعل الجماعات تتيه وسط هده الترسانة المتعددة والمزدوجة احيانا الى غاية التعارض، ومن هنا كونت رأيي بأنه كان من الاجدر تجميع كل هده النصوص في مدونة واحدة مع تجنب التكرار والتعقيد، خاصة ادا اخدنا بعين الاعتبار ان الجماعات الحضرية منها والقروية مازالت محدودة الامكانيات البشرية كما ونوعا وكفاءة.
وفي الجانب الموضوعي، نجد ان عدة مواد مرتبطة بنصوص تنظيمية لاحقة، مما ينبغي معه اخراج كل تلك الترسانة في الوقت نفسه وإلا تعطل تطبيق تلك المواد وبالتالي تعدد التأويلات ومن هنا تظهر الثغرات، ومن قبيل دلك ما اشارت اليه المادة 81 من مشروع القانون التنظيمي، التي تنص على أنه: تحدد بنص تنظيمي مسطرة اعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه واليات الحوار والتشاور لإعداده.
وفي نفس السياق فان المشروع الزم الجماعة بإعداد برنامج عملها خلال السنة الاولى لولاية المجلس الجماعي، ويجب ان ينسجم هدا البرنامج مع توجهات برنامج التنمية الجهوية الذي الزم مشروع القانون التنظيمي للجهات المجالس الجهوية ايضا بإعداد برنامج التنمية الجهوي في نفس الفترة، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تنتظر الجماعة انتهاء الجهة من اعداد برنامجها، وفي هده الحالة لن يكون باستطاعتها احترام اجال السنة الاولى المشار اليها، ثم اليس من الممكن ان تبني الجهة برنامجها انطلاقا من برامج الجماعات التي تشكل مجالها الترابي باعتبار ان الجماعات اكثر قربا من الحاجيات الاساسية والأولويات، هده الازدواجية في البرامج وان كانت اساسية نظرا لاختلاف التراب والامكانيات والاختصاصات، الا انه سيشكل مجالا لتجاذب المشاريع خارج البرامج المسطرة.
أيضا نجد ان المشرع وكأنه قد اغفل تماما الاشارة الى المخطط الجماعي للتنمية ولو بالإشارة مما يعطي الانطباع بأنه تخلى عنه تماما، ولو انه جاء ببرنامج عمل الجماعة كمعطى جديد، ولا يتضح جليا ان كان الامر مجرد تغيير في التسمية ام ان الامر هو الرغبة في تجربة أخرى وفي هده الحالة فربما هو اقرار من المشرع بنسبية نجاح تجربة المخططات الجماعية، خاصة ان اغلب الجماعات لم تستطيع تنفيذ مخططاتها بشكل دقيق وهو ما يفسر انجاز اغلب المشاريع خارج المخطط. اما ان كان الامر مجرد تغيير في التسمية فاعتقد انه كان الاجدر الاحتفاظ بالتسمية الحالية، او على الاقل الاشارة الى ان برنامج الجماعة هو استمرار للمخطط الجماعي، لان النصوص القانونية تظل مرتبطة والنص الجديد ولو انه سيلغي القديم إلا انه لا ينبغي القطيعة معه على اعتبار انه تطور جاء من النص الذي سبقه.
ومن جانب اخر نجد ان المشروع قد خلق مجموعة من الاشخاص المعنوية الاخرى الى جانب الجماعة منبثقة من الجماعة، فهناك مؤسسة التعاون بين الجماعات ثم مجموعات الجماعات الترابية، ولست ادري ما الجدوى من خلق شخص معنوي جديد شبيه الى جانب مجموعة الجماعات الترابية، ولو ان النص حاول التفريق بين المؤسستين من خلال التركيبة والتخصص والمجال، إلا انني اراه تكرار لمؤسسة موجودة، فقط كان ينبغي تحسين المقتضيات الخاصة بها، خاصة في وجود الية اتفاقيات الشراكة التي يمكن اللجوء إليها واعتقد من زاوية اخرى ان الامر بمثابة تبخيس دور الجماعة كشخص معنوي هام.
ثم هناك وكالة تنفيذ مشاريع الجماعة، التي اشرت اليها اعلاه، فعوض العمل على تأهيل الادارة الجماعية وتاطيرها بالكفاءات الضرورية في مختلف التخصصات، نجد المشرع يخلق مؤسسات اخرى للقيام بمهام ينبغي ان تكون من صميم عمل العنصر البشري العامل بالجماعة.
تفعيلا لمقتضيات الدستور المغربي 2011، خاصة فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية التي تعتبر الية دستورية لممارسة الحكومة للوظيفة التشريعية، لاسيما تلك التي تضمنها المخطط التشريعي للحكومة، عملت هده الاخيرة على اعداد مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة باللامركزية الترابية، ويتعلق الامر بمشروع القانون التنظيمي رقم 14.111 المتعلق بالجهات، مشروع القانون التنظيمي رقم 14.112 المتعلق بالعمالات والأقاليم، ومشروع القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق بالجماعات.
وتأتي رغبة المشرع الحكومي في اعادة تنظيم اللامركزية عبر مراجعة القوانين المنظمة لها تماشيا مع التطور الحاصل في الادوار الجديدة التي يجب ان تلعبها هده الوحدات الترابية في المساهمة في تحقيق التنمية بكل أبعادها وكدا تجاوز الثغرات والنواقص التي افرزتها الممارسة في ظل القوانين الحالية.
وسأعلق على المشروع وفق العناوين التالية:
أولا: الاطار التحليلي لمشروع القانون التنظيمي
ثانيا : اهم المبادئ في مشروع القانون التنظيمي
- مبدأ التدبير الحر
- مبادئ التعاقد، التعاون ، التضامن والتفريع لممارسة الاختصاصات
- مبدأ الانفتاح او اشراك الجميع في القرار المحلي
- برنامج عمل الجماعة
- مبدأ اشراك القضاء الاداري في الرقابة
- مبدأ الحكامة الترابية:
- الاختلالات الحالية للحكامة الترابية
- مقتضيات الحكامة في مشروع القانون التنظيمي
- خلاصة وانتقادات
أولا: الاطار التحليلي لمشروع القانون التنظيمي
من الناحية الشكلية:
- يتكون المشروع من 300 مادة موزعة على 8 اقسام اضافة الى القسم التمهيدي، ولأول مرة يتم تنظيم الجماعات بقانون تنظيمي الذي يعتبر من الناحية التراتبية اسمى من القانون العادي ويأتي مباشرة بعد الدستور، عكس القوانين السابقة والحالي، وان كان هدا الامر إيجابيا فانه يطرح اشكالية امكانية حصر دور الجماعات الترابية عبر الية القوانين التنظيمية، كما ان اعداد مسودة المشروع تم بنهج المقاربة التشاركية، عن طريق عرضها على مختلف المتدخلين كما انها عرفت نقاشا من طرف الباحثين والأكاديميين، ومن شان دلك اكسابها نوعا من التسويق، خاصة في ظل الحاجة الى اعادة الاعتبار للشأن المحلي وترويجه لدى مختلف فئات المجتمع كي لا يظل حكرا على النخب السياسية وحدها.
من ناحية الموضوع:
لعل القارئ لمشروع القانون التنظيمي للجماعات لن يجد لأول وهلة اية فروق جوهرية مع الميثاق الجماعي الحالي، اد ان اغلب المواد تكاد تكون متكررة على اكثر من مقتضى، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التقنية لتشكيل المجالس الجماعية، وفي مجال الاختصاصات التي تظهر دائما فضفاضة وعامة، بل و متكررة مع المستويات الاخرى من الجماعات الترابية، وان بدا ان التوجه هو اسناد ادارة القرب للجماعة، التدخلات الاجتماهية للعمالة او الاقليم، ثم التنمية الاقتصادية للجهات، وهدا ما افضى بالعديد من الباحثين الى استنتاج ان المشرع مازال يعتبر الجماعات وحدات ثانوية وان النخب المحلية لم تصل بعد الى مستوى الثقة اللازمة كي تمنح التدبير الحر بمعناه الصحيح وليس المتداول.
ثانيا : اهم المبادئ في مشروع القانون التنظيمي:
- مبدأ التدبير الحر:
- مبادئ التعاقد، التعاون والتضامن، والتفريع لممارسة الاختصاصات :
غير ان المستجد كما اسلفت في الفقرة السابقة هو التنصيص على مبدأ التعاقد لممارسة هده الاختصاصات، الذي معناه خلق مقتضيات جديدة عبر اتفاقيات للشراكة تعبر عن ارادات اطرافها لإخراج المشاريع التنموية المحلية للوجود. هدا المبدأ يلزم المشرع الحكومي وأيضا التشريعي بمواكبة المشرع الدستوري، ورفع اليد عن القرار ليتخذ محليا، وبمعنى اخر اعداد ميثاق للاتركيز الاداري بنفس درجة اللامركزية.كما ان التعاقد لتحقيق البرامج التنموية يعتبر الوسيلة الانجع في ظل محدودية امكانيات الجماعة المادية والبشرية، ولهذا فالتعاقد لابد ان ينصب اساسا على تعبئة الموارد المالية اللازمة، لكن ايضا الموارد البشرية باعتبار الجماعة الحلقة الاضعف ايضا في هدا المجال، فالادارة الجماعية تظل الاقل تاطيرا، ولقد غيب المشروع الادارة الجماعية كعادته رغم انها القناة لتنفيذ برامج التنمية والاشارات الطفيفة تحيل الى نص تنظيمي قد يرى النور لكن لن يضيف شيئا إلا ادا رد الاعتبار للوظيفة الجماعية.
ويتطابق مبدأ التعاقد مع مبدأي التضامن والتعاون اللازمان لتدبير الشأن المحلي، وايضا مع مبدأ التفريع لممارسة الاختصاصات الذي يعني ما تستطيع الجماعة انجازه يسند لها، وما لا تستطيعه يسند للمستوى الاعلى من الوحدات الترابية وصولا الى الدولة.
ت - مبدأ الانفتاح او اشراك الجميع في القرار المحلي:
طبعا تشكيل المجلس الجماعي عن طريق الاقتراع المباشر هو اشراك مباشر للساكنة لتدبير شؤونها المحلية عن طريق ممثليها، إلا ان المشروع اتاح الية اخرى تعتبر على الاقل نظريا تطورا هاما، وهي الية تقديم العرائض من طرف سكان الجماعة وجمعيات المجتمع المدني، اد اصبح بالإمكان مطالبة المجلس بإدراج مسالة ما للتداول في المجلس الجماعي، هده الاخيرة وان قيدها المشرع بشروط فهي تعزيز للديقراطية، التي يعززها ابضا النص على التصويت العلني لانتخاب الرئيس وأجهزة المجلس وكدا لاتخاذ مختلف المقررات.
كما يتعزز مبدأ الانفتاح بالنص على احداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع. كما يتعزز مبدأ الانفتاح بالنص على احداث هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني، تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.
ث - برنامج عمل الجماعة:
اعتبر المخطط الجماعي في النص الحالي قفزة نوعية للتخطيط المحلي، الذي يسبق كل عملية تنموية، اد مكن الجماعات من التشخيص والتعرف على امكانيانها، وتحديد أولوياتها وفي نص المشروع لم يرد ذكر للمخطط الجماعي، بل برنامج عمل الجماعة، فالمخطط والبرنامج قد يلتقيان وقد يختلفان، واعتقد ان البرنامج اوسع من المخطط، فبرنامج عمل الجماعة - الذي نص على ان المجلس الجماعي يعد برنامج عمل الجماعة وفقا لمقتضيات تنظيمية لاحقة- قد يشمل كل تدخلاتها بما فيها اعداد مخططاتها التنموية، كما اعتقد ان المشرع لم يلغ مسالة التخطيط للتنمية بعدم ذكر المخطط الجماعي باعتبارها مسالة بديهية في تدبير التنمية، ولربما امن بنضج المدبر المحلي على هدا المستوى، فالمخططات كانت تتوفر عليها بعض الجماعات الجادة حتى قبل النص عليها، فهي ليست مقتضى قانوني بقدر ما هي مقتضى تدبيري.
ج- مبدأ اشراك القضاء الاداري في الرقابة:
طبعا لم يتخل المشرع الحكومي عن مبدأ الوصاية ورقابة الملاءمة والشرعية المرافق للامركزية مند نشأتها، اد كرسها في المشروع وان قلت حدتها، اد باستثناء المسائل المالية، ركز على المراقبة البعدية، إلا ان الشئ الايجابي هده المرة هو اشراك المحاكم الادارية في الامر باعتبارها المختصة في الحل والعزل والتوقيف، ولربما سلوك هدا الاتجاه هو الرغبة في تجاوز الشطط في استعمال السلطة في هدا المجال الذي غالبا ما تحكمه عوامل ذاتية وسياسية اكثر منها حكاماتية، كما ان تطور القضاء الاداري وتوفره على رصيد من الاجتهاد القضائي -الذي يعتير من اهم مصادر للقانون الإداري في هدا الشأن- ساهم بدوره في هدا الاتجاه.
ح- مبدا الحكامة الترابية:
من المعلوم ان الدستور المغربي الحالي لسنة 2011 قد خصص بابا كاملا للحكامة الجيدة، باعتبارها الاسلوب التشاركي للحكم ولتدبير الشؤون العامة، الذي يرتكز على تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين في القطاع العام والخاص، وكذلك المجتمع المدني، بهدف تحقيق العيش الكريم المستدام لجميع المواطنين .
كما انه من المعلوم ايضا ان هناك ارتباطا وثيق الصلة بين الحكامة والتنمية، والتنمية المحلية اساس للتنمية الشاملة للتراب الوطني، ولما كان التشريع هو الذي يمهد للتنمية بتوزيع الاختصاصات وتنظيم الهيئات، فقد ساير المشرع الحكومي نظيره الدستوري، وافرد للجماعات الترابية في المشروع موضوع التحليل، مجموعة من المقتضيات التي تهم مجال الحكامة.
وقبل ان اتناول بالتحليل هده المقتضبات، اقف اولا عند اختلالات الحكامة الترابية، ثم سأحاول وضع دعامات للحكامة الجيدة، للخروج بتحليل موضوعي لنص المشروع ومحاولة تقييم مقتضيات الحكامة فيه.
- الاختلالات الحالية للحكامة الترابية:
. منها تغييب مشاركة وإدماج مختلف المكونات المجتمعية والمجالات الترابية في المسار التنموي، فقد ظلت الجماعة تمارس اختصاصاتها في عزلة تامة، ويغلب على مهامها تصريف اليومي وانتظار الادن من الوصاية لتنفيذ البرامج التي سطرتها غالبا بإلحاح الوصاية أيضا، فالمخطط الجماعي للتنمية الذي جاء به الميثاق الجماعي الحالي اعطى فرصة جادة وهامة للجماعات من اجل بلورة استراتيجياتها التنموية عبر اشراك المحيط الاجتماعي والاقتصادي في البرامج مع إدماجه إلا ان اغلب الجماعات سارعت الى اعداد مخططاتها التنموية بناء على معطيات جاهزة تعتبر في احايين كثيرة غير ملامسة للتراب الجماعي من خصوصياته وأولوياته الى تركيبته الاجتماعية والثقافية، الى درجة اننا نجد بعض المخططات الجماعية للتنمية متشابهة رغم اختلاف المجال والأولويات والتركيبة الاجتماعية والثقافية،
. منها غياب المساءلة وتقديم الحساب من طرف المسؤولين عن تدبير الشأن الجماعي، والمساءلة هاته لا تعني فقط تبرير النفقات والاعتمادات، بل تلك التي تمتد الى الجدوى والآثار على التنمية، وعلى التراب الجماعي وحتما على الإنسان وتفديم الحساب لا يكون فقط امام المؤسسات الخاصة بالرقابة، بل امام المواطن كي يتمكن من بناء وعي وتكوين رأي، ليساهم بالرأي و الاستشارة وهده الشفافية المنشودة في تقديم الحسابات يجب ان تكون تلقائية وعفوية في اندماج تام بين المسؤول والمواطن.
. ومنها تفشي ظاهرة الفساد كاحدى تجليات الحكامة السيئة، فقد اظهرت تقارير هيئات المراقبة هدا الخلل التدبيري الراجع اساسا الى منظومة قيمية متدهورة، ولكن ايضا الى تواضع المراقبة ورمزيتها اكثر من زجريتها.
وسأحاول الان وضع نظرية لبنات بناء الحكامة الجيدة التي ارى انها ضرورية لتقوية بنيان التدبير الترابي وبالتالي التنموي:
. لبنة النزاهة، كمنظومة للقواعد والقيم المتقدمة المؤطرة لمسؤولية الحفاظ على الموارد والممتلكات واستخدامها بكفاءة للغاية التنموية، وهي لبنة اساسية لارتباطها بسوسيولوجيا الجماعة ناخبين ومنتخبين، وأيضا لارتباطها بالهيئات السياسية التي ينبغي عليها ممارسة حكامة داخلية في اختيار وتزكية الأفراد الاصلح للمجال كفاءة وقيميا،
. لبنة الشفافية، كمدخل اساسي لتوفير المعلومات الدقيقة في حينها، وانفتاح المعلومة نشرا وفهما ومشاركة، بشكل التداول الطبيعي، هدا الانفتاح سيعزز الثقة، سيساهم في التسويق للتنمية بشكل يؤجج لدى المواطن الرغبة في المساهمة، كما ان هده المعلومة يجب ان تلامس الواقع وترتبط به،
. لبنة التنمية، فكل برنامج ترابي، وكل تدبير وتموبل، كل تحرك للموارد المادية والبشرية والمعلوماتية يجب ان ينحو اتجاها واحدا، اتجاه التنمية، فالجماعات الترابية غايتها الاساسية هي التنمية، اد ليست ملعبا لممارسة الديموقراطية فقط والتنافس بين الأحزاب فتلك وسيلة فقط غايتها تنمية التراب.
- مقتضيات الحكامة في مشروع القانون التنظيمي:
الفقرة التي نقلتها من مذكرة التقديم من المادة الاولى للمشروع تحيلني على الحديث
عن الحكامة في اربع مواطن داخل النص:
. الحكامة في تدبير وتسيير الجماعة، يمكن ملامستها من خلال مقتضى الانتخاب بالاقتراع المباشر لتكوين المجلس الجماعي، وهي اهم قاعدة لممارسة الديموقراطية، ولذلك حافظ عليها المشرع الحكومي كونها تشكل مكسبا وربحا خاصة مع الاصرار والتأكيد على ضرورة نزاهة الاقتراع. نلمسها ايضا في طبيعة هياكل المجلس،فبالإضافة الى الجهاز التنفيذي للمجلس،تشكل اللجان اساس عمله، لكن غيب النص الزامية عمل هده اللجان التي غالبا تبقى حبرا على ورق وهو ما يعد في نظري فلتة غاية في الاهمية سقطت من مقتضى الحكامة، ينضاف الى دلك تسمية لجنتين فقط إلزاميتين فعمل اللجان اساسي باعتبارها مجال النقاش وبلورة ودراسة المقترحات قبل تقديمها الى المجلس خلال انعقاده في دوراته العادية و الاستثنائية، العادية التي قلصها المشرع الى ثلاث، ربما انسجاما مع باقي دورات اصناف الجماعات الترابية الأخرى خاصة وان الدورات الاستثنائية الية متاحة.
. الحكامة في الاختصاصات، استهل المشرع الاختصاصات يالحديث عن مبدأ التفريع، وطبعا لاشك انه اعتمد عليه لإسناد الجماعة اختصاصاتها الذاتية، لكن ألا يمكن ملاحظة ان هناك تشابها وتكرارا لنفس الاختصاصات مع اشتراك المجال مع اصناف الجماعات الترابية الاخرى، مما ارى انه ابتعاد عن مبدأ التفريع، انطلاقا من امكانيات كل صنف من الجماعات الترابية المادية والتقنية والبشرية، كما انه من جانب اخر يمكن ان اتسال، كما أسلفت، عن ماهية ودلالات استبدال مصطلح المخطط الجماعي للتنمية ببرنامج عمل الجماعة، مع تشابه المقتضيات، هل هي دعوة لإعادة النظر في طريقة التخطيط للتنمية، ام ان الامر لا يعدو ان يكون تجويد للمفاهيم، ربما النص التنظيمي المحدد لبرنامج عمل الجماعة قد يجيب على بعض التساؤل. ومن جانب اخر اشرك النص الجماعات في اختصاصات اشخاص عامة أخرى وأعطاها حق امكانية نقل اختصاصاتهم لها، بناء على مبدأي التدرج والتمايز، وأسس لآلية التعاقد لممارستها، ومن شان دلك تعزيز الشفافية والنزاهة اللبنات الاساسية لبناء الحكامة كما رأينا، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو مدى متانة العلاقة بين الاشخاص العامة والجماعات لبلورة الشراكة خاصة بجانب تركيز مفرط للقرار الاداري.
. الحكامة من خلال المراقبة الإدارية يبدو ان المشرع مازال متمسك بالوصاية من خلال التمعن في الجانب المتعلق بمشروعية القرارات الادارية حيث وان اعتمد قاعدة المراقبة البعدية، مازالت القرارات ذات الطابع المالي تخضع لتأشيرة سلطة الوصاية، وهو امر يمكن تفهم دوره من جانب محور الحكامة، لكن كان بالإمكان تفعيل القضاء الاداري في هدا الجانب أيضا هدا الاخير الذي يعتبر اشراكه في المراقبة مباشرة واختصاصا يعد تحولا نوعيا تعزيزا للبنات الحكامة.
. الحكامة في الجهاز الإداري اسس المشرع لإدارة جماعية على رأسها المدير العام للمصالح او المدير، وتراجع عن مفهوم الكاتب العام ولم يلغه كما يبدو، كما اشار الى هيئة سترى النور وهي هيئة موظفي الجماعات الترابية، التي ستنظم في نص تنظيمي خاص، ارى انه يجب ان ياخد بعين الاعتبار خصوصيات الوظيفة الترابية التي تميل الى الجانب التنموي والتقني، كما يجب ان تتعدد الحوافز لتستقطب الكفاءات اللازمة مع ضرورة ان يقترن احداثها بإحداث منظومة تكوينية متقدمة لإعادة ادماج الادارة الجماعية في اصلاح اللامركزية الترابية، خاصة مع النص على احداث مؤسسة وكالة الجماعة لتنفيذ المشاريع، ولربما كان التفكير في هده الوكالة انطلاقا من واقع الادارة الجماعية التي تفتقد للكفاءة اللازمة، وارى انه كان من الاجدر تكليف ادارة الجماعة بتنفيذ المشاريع طبعا بعد تأهيلها وتاطيرها بالكفاءات اللازمة، لان من شان احداث هده الوكالة تقزيم دور الادارة الجماعية وحصرها في الادوار الخدماتية التقليدية.
ثالثا- خلاصة وانتقادات:
تشمل هده الانتقادات الجانب الشكلي، الى جانب الموضوع، دلك ان لكليهما أهميته، ففي الجانب الشكلي ارى ان هناك مخالفة - وان كانت لا تصل الى الجوهر إلا انه يتوجب الاشارة اليها - للفصل 146 من الدستور،الذي ينص على انه:
“تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الاخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية،...“
والمخالفة تتجلى في ان المشرع نظم الجماعات الترابية في ثلاث قوانين تنظيمية رغم ان النص الدستوري تحدث صراحة عن قانون تنظيمي واحد، وتبدو هده المخالفة اكثر دلالة ادا اطلعنا على مشروعي القانونين التنظيميين الاخرين اللدين لا يختلفان إلا في بعض المقتضيات على مشروع القانون التنظيمي للجماعات، الى درجة ان تقنية نقل- لصق حاضرة في تحريرهما بشدة، رغم ان قرار المجلس الدستوري في هدا الصدد لم يعتبر الامر مخالفة للدستور في قراره الاخير.
لكنه كان من الاجدر – كما ارى – ان تجمع المشاريع الثلاث في مدونة واحدة مع الحرص على عدم تكرار المقتضيات المشتركة بين اصناف الجماعات الترابية، وتخصيص قسم لكل صنف من الجماعات الترابية، مع الحرص ايضا على تضمين المشروع جميع الاحكام المتعلقة بالنظام الانتخابي، والنظام المالي، والنظام الجبائي، ودلك تطبيقا للفصل الدستوري المدكور، خاصة اننا نجد اننا في القانون المقارن الفرنسي الذي نستمد منه غالبية نصوصنا القانونية خاصة المتعلقة بالإدارة، نجد ان المشرع الفرنسي جمع المقتضيات التي تهم الجماعات الترابية في مدونة واحدة بالرغم ان التنظيم الاداري الفرنسي يشمل ايضا ثلاث اصناف من الجماعات الترابية.
والملاحظة الشكلية الثانية تتعلق بالفصل التمهيدي الذي تضمن المبادئ التي اسس عليها المشرع الحكومي الاحكام والمقتضيات اللاحقة في نص المشروع، من قبيل التدبير الحر، التفريع، التضامن والتعاون، غير اننا نجده في المادة الخامسة يشير الى الاختصاصات وفي المادة السادسة الى التصويت العلني لانتخاب الرئيس، وكأنه يسبق الاحداث باعتبار ان هناك ابوابا كاملة خصصت لتلك الأحكام وفي رأيي كان بالإمكان تأجيل المادتين الى مكانهما في النص.
ثالث هده الملاحظات الشكلية والتي لها علاقة بالموضوع أيضا هو مضاعفة عدد مواد المشروع التي انتقلت من 147 في الميثاق الجماعي الحالي الى 300 مادة في مشروع القانون التنظيمي، ودلك راجع الى تضمين النص لمجموعة من المقتضيات المالية والانتخابية، نفس الشيء بالنسبة لمشروعي القانونين التنظيميين للعمالات والأقاليم، فتكون لدينا مواد كثيرة غالبها مكرر في المشاريع الثلاث، يضاف اليها قانون المالية والممتلكات والمحاسبة...الخ، ما يجعل الجماعات تتيه وسط هده الترسانة المتعددة والمزدوجة احيانا الى غاية التعارض، ومن هنا كونت رأيي بأنه كان من الاجدر تجميع كل هده النصوص في مدونة واحدة مع تجنب التكرار والتعقيد، خاصة ادا اخدنا بعين الاعتبار ان الجماعات الحضرية منها والقروية مازالت محدودة الامكانيات البشرية كما ونوعا وكفاءة.
وفي الجانب الموضوعي، نجد ان عدة مواد مرتبطة بنصوص تنظيمية لاحقة، مما ينبغي معه اخراج كل تلك الترسانة في الوقت نفسه وإلا تعطل تطبيق تلك المواد وبالتالي تعدد التأويلات ومن هنا تظهر الثغرات، ومن قبيل دلك ما اشارت اليه المادة 81 من مشروع القانون التنظيمي، التي تنص على أنه: تحدد بنص تنظيمي مسطرة اعداد برنامج عمل الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه واليات الحوار والتشاور لإعداده.
وفي نفس السياق فان المشروع الزم الجماعة بإعداد برنامج عملها خلال السنة الاولى لولاية المجلس الجماعي، ويجب ان ينسجم هدا البرنامج مع توجهات برنامج التنمية الجهوية الذي الزم مشروع القانون التنظيمي للجهات المجالس الجهوية ايضا بإعداد برنامج التنمية الجهوي في نفس الفترة، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تنتظر الجماعة انتهاء الجهة من اعداد برنامجها، وفي هده الحالة لن يكون باستطاعتها احترام اجال السنة الاولى المشار اليها، ثم اليس من الممكن ان تبني الجهة برنامجها انطلاقا من برامج الجماعات التي تشكل مجالها الترابي باعتبار ان الجماعات اكثر قربا من الحاجيات الاساسية والأولويات، هده الازدواجية في البرامج وان كانت اساسية نظرا لاختلاف التراب والامكانيات والاختصاصات، الا انه سيشكل مجالا لتجاذب المشاريع خارج البرامج المسطرة.
أيضا نجد ان المشرع وكأنه قد اغفل تماما الاشارة الى المخطط الجماعي للتنمية ولو بالإشارة مما يعطي الانطباع بأنه تخلى عنه تماما، ولو انه جاء ببرنامج عمل الجماعة كمعطى جديد، ولا يتضح جليا ان كان الامر مجرد تغيير في التسمية ام ان الامر هو الرغبة في تجربة أخرى وفي هده الحالة فربما هو اقرار من المشرع بنسبية نجاح تجربة المخططات الجماعية، خاصة ان اغلب الجماعات لم تستطيع تنفيذ مخططاتها بشكل دقيق وهو ما يفسر انجاز اغلب المشاريع خارج المخطط. اما ان كان الامر مجرد تغيير في التسمية فاعتقد انه كان الاجدر الاحتفاظ بالتسمية الحالية، او على الاقل الاشارة الى ان برنامج الجماعة هو استمرار للمخطط الجماعي، لان النصوص القانونية تظل مرتبطة والنص الجديد ولو انه سيلغي القديم إلا انه لا ينبغي القطيعة معه على اعتبار انه تطور جاء من النص الذي سبقه.
ومن جانب اخر نجد ان المشروع قد خلق مجموعة من الاشخاص المعنوية الاخرى الى جانب الجماعة منبثقة من الجماعة، فهناك مؤسسة التعاون بين الجماعات ثم مجموعات الجماعات الترابية، ولست ادري ما الجدوى من خلق شخص معنوي جديد شبيه الى جانب مجموعة الجماعات الترابية، ولو ان النص حاول التفريق بين المؤسستين من خلال التركيبة والتخصص والمجال، إلا انني اراه تكرار لمؤسسة موجودة، فقط كان ينبغي تحسين المقتضيات الخاصة بها، خاصة في وجود الية اتفاقيات الشراكة التي يمكن اللجوء إليها واعتقد من زاوية اخرى ان الامر بمثابة تبخيس دور الجماعة كشخص معنوي هام.
ثم هناك وكالة تنفيذ مشاريع الجماعة، التي اشرت اليها اعلاه، فعوض العمل على تأهيل الادارة الجماعية وتاطيرها بالكفاءات الضرورية في مختلف التخصصات، نجد المشرع يخلق مؤسسات اخرى للقيام بمهام ينبغي ان تكون من صميم عمل العنصر البشري العامل بالجماعة.