لئن كان المشرع المغربي قد أكد في المادة 25 من دستور المملكة لسنة 2011 أن
" حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها" فان المتعارف عليه أنه لا وجود لحقوق وحريات مطلقة، لذا نجده جرم السب والقدف في القانون الجنائي وفي غيره من القوانين الخاصة.
كما أن الحق في احترام الحياة الخاصة يعد من الحقوق الدستورية التي جاء بها الدستور المغربي كذلك، اذ نص في فصله 24 أنه " لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة...."، ومع التطور المتسارع في الحياة وابتكار أجهزة الاتصال الحديثة ، وانتشار الهواتف الذكية، استغل بعض ضعاف النفوس هذه الأجهزة في المس بسمعة وكرامة الأشخاص، و هناك من المواقع التواصل الاجتماعي التي تخصصت في بث الشائعات ، وكشف أسرار الافراد من دون موافقتهم، أو نشر صور التقطت في مناسبات شخصية فأصبحت في متناول الجميع عن طريق عرضها في تلك المواقع. بل هناك من وجد في التشهير وسيلة للمساومة في استغلال تلك المعلومات لغرض الابتزاز، مستغلين في ذلك سرعة انتشار الخبر بواسطة الانترنت وعدم السيطرة عليه.
وهو ما يدفعنا الى الوقوف على النصوص القانونية المنظمة لجريمة التشهير عبر الانترنت من خلال فقرتين نعالج في أولهما: تعريف التشهير عبر الانترنت وفي ثانيهما: إشكالات جريمة التشهير عبر الانترنت.
الفقرة الأولى: تعريف التشهير عبر الانترنت
يمكن القول بأن التشهير عبر الانترنت هو: استخدام الانترنت لبث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها، بغرض تشويه سمعة وكرامة الشخص، بأية وسيلة الكترونية متاحة على شبكة الانترنت.
فعبارة التشهير ترد غالبا في بعض الجوانب السلبية من حياة الناس، كالنيل من أعراضهم بالسب والقذف ونشر الاخبار الكاذبة، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، بغرض الاضرار بسمعتهم.
والملاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف التشهير بنص صريح، ولم يذكره كجريمة في الفرع الخاص بالاعتداء على الشرف أو الاعتبار الشخصي وافشاء الاسرار في مجموعة القانون الجنائي.
لكنه أشار اليه في نص مقتضيات وأحكام المواد 1-447، 2-447، 3-447 من القانون الجنائي وكذا المادتين 89و90 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر. علما أن المغرب صادق سنة 2018 على اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة الالكترونية.
وللتشهير عبر الانترنت ركنان ركن مادي واخر معنوي.
- الركن المادي:
ويتمثل النشاط الاجرامي لجريمة التشهير عبر الانترنت في سلوك يصدر عن الجاني من قبيل التعرض لشخص بواسطة ادعاءات، نشر و افشاء وقائع، نشر صور فوتوغرافية أو أفلام تتعلق بالحياة الخاصة للأشخاص، تسجيل وبث معلومات خاصة، نشر وبث تركيبة أقوال أو صورة أشخاص، نشر وبث أو توزيع ادعاءات ووقائع كاذبة، على أن يكون النشر أو البث أو الافشاء دون علم واذن المعني بمضمون النشر أو البث، بغرض النيل من شرف الشخص أو كرامته أو التشهير به.
و لا تقتصر جريمة التشهير عبر الانترنت على الأشخاص الطبيعيين، بل يمكن أن تقع على الأشخاص المعنويين كالدولة أو الشركة أو الجمعية وغيرها.
وتمتد الحماية القانونية لشرف الانسان وكرامته حتى بعد وفاته، بحيث اذا وجه التشهير الى ميت، فلأقاربه حق المتابعة والمطالبة بالتعويض.
- الركن المعنوي:
وينال من شرف المشهر به وكرامته، ولا يؤثر في توافر هذا القصد الجرمي أن يكون الفاعل حسن النية، خصوصا اذا لم يكن لهذا التدخل أي ارتباط بالمصلحة العامة، او بتدبير الشأن العام، طالما أن المشرع المغربي ميز بين الحياة العامة والحياة الخاصة، معتبرا أن الحياة الخاصة هي الوحيدة التي تعد شرطا من شروط التجريم، بشكل يتماهى مع ما جاءت به المواثيق الدولية بهذا الخصوص. و لا ينتفي القصد الجرمي بالاستفزاز أو الاعتذار الاحق أو ذيوع وقائع التشهير.
- الفقرة الثانية: إشكالات جريمة التشهير عبر الانترنت
تتميز جريمة التشهير عبر الانترنت بخطورتها الكبيرة من خلال سرعة انتشار الخبر وعدم السيطرة عليها. كما أنها تثير بعض الإشكالات القانونية لاسيما ما تعلق بعدم معرفة الجاني مرتكب الجريمة، وكذا إقليمية القانون الجنائي. وهو ما سنحاول بيانه في هذه الفقرة.
- عدم معرفة مرتكب الجريمة:
نفس الامر ينطبق على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يستخدمون أسماء وهمية بغرض ارتكاب أفعال غير مشروعة من جرائم التشهير بواسطة النشر والبث، وحتى في حالة الوصول إليهم عن طريق التتابع والخبرة، يتم الدفع باختراق بريدهم الكتروني.
ومن الجناة من يقوم بمحو الدليل وعدمه بمجرد ارتكابه للأفعال المكونة لجريمة التشهير .وهنا وجب الإشارة الى أن كاتب التعليقات هو المسؤول عن التشهير المرتكب من طرفه وليس صاحب الموقع.
ومن بين الإشكالات التي تثار كذلك، القانون الواجب التطبيق بالنسبة لجريمة التشهير عبر الانترنت؟.
فلا خلاف أنه، إذا كان مرتكب التشهير ارتكب الفعل في حق المجني عليه المقيم في المغرب، فالقانون الواجب التطبيق هو القانون المغربي بغض النظر عن جنسية الجاني أو المجني عليه، طالما أن النتيجة الجرمية تحققت بالمغرب، اعمالا لقاعدة أن الأصل في القوانين هو إقليمية القانون الجنائي.
لكن، ماذا لو كان الجاني مقيم خارج التراب الوطني ، والضحية يوجد بالمغرب ، فما القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هل القانون المغربي ام قانون بلد الجاني؟ ثم ما ذا لو كان الفعل المرتكب من طرف الجاني خارج المغرب غير معاقب عليه أصلا في بلد هذا الاخير ؟.
جوابا على ذلك، يكفي الرجوع لمقتضيات الفصل 12 من القانون الجنائي، الذي أكد أنه يطبق التشريع الجنائي المغربي على الجرائم المرتكبة خارج المملكة، إذا كانت من اختصاص المحاكم الزجرية المغربية حسب المواد من 707 الى 712 من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
وصفوة القول، يتبين أن النصوص القانونية المنوه عنها أعلاه، غير كافية في احتواء الانتهاكات التي تحدث عن طريق استخدام الانترنت لتشهير بالأشخاص، لاسيما في جانب العقوبات. وهو ما أكده السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي في معرضه جوابه عن سؤال شفوي بمجلس النواب حول " ظاهرة التشهير الالكتروني بالمغرب" بأن مشروع القانون الجنائي الذي سيتم احالته قريبا على المؤسسة التشريعية يتضمن مقتضيات تشدد العقاب على الممارسات التي تمس بحريات الناس.