MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




د. أحمد عبد الظاهر يكتب: ديفيد بيكهام فى محكمة اليوم الواحد

     

الدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة





د. أحمد عبد الظاهر  يكتب: ديفيد بيكهام فى محكمة اليوم الواحد
فى شهر مارس الماضى، تم ضبط اللاعب الإنجليزى المعتزل «ديفيد بيكهام» متلبساً باستخدام الهاتف المحمول أثناء قيادة سيارته، وهى مخالفة مرورية معاقب عليها بست نقاط سوداء، والغرامة مائتا جنيه إسترلينى. وقد اختار اللاعب الإنجليزى الشهير الاعتراف بارتكاب هذه الجريمة، عبر البريد، بدلاً من المثول أمام المحكمة، حيث تجيز تعديلات قانونية جديدة للمتهم بارتكاب جريمة غير معاقب عليها بعقوبة مقيّدة للحرية، الاعتراف بارتكاب الجريمة، بحيث يمكن النظر فى القضية بواسطة أحد القضاة، دون انعقاد جلسة علنية، ودون حضور المتهم. أما بشأن الحصول على مساعدة محامٍ، فهو أمر متروك لإرادة المتهم نفسه، حيث يمكنه التغاضى عن إبداء أى دفوع فى القضية. ومع ذلك، يجوز للمحكمة أن تعقد جلسة استماع علنية، إذا رأت الحاجة إلى مزيد من المعلومات قبل إصدار قرارها، وهو ما حدث فى قضية ديفيد بيكهام، حيث قررت المحكمة عقد جلسة استماع علنية فى السابع عشر من شهر أبريل الحالى.

ويطلق على هذا الإجراء اسم «إجراء العدالة المنفرد» (Single justice procedure)، وهو أحد عناصر برنامج الإصلاح الذى تبلغ تكلفته مليار جنيه إسترلينى، وتنفّذه هيئة المحاكم (HMCTS)، ويشمل البرنامج أيضاً استحداث وتطبيق محاكم إلكترونية. ويمثل «إجراء العدالة المنفرد» ما يمكن تسميته «العدالة السريعة» أو «محكمة اليوم الواحد»، التى تعمل على تقليل العبء عن القضاة فى القضايا البسيطة، حتى يتمكنوا من التركيز على القضايا الأكثر أهمية.

والواقع أن هذا الإجراء أثار الجدل بين رجال القانون البريطانيين، حيث يرى البعض أن ثمة مبدأً أساسياً فى النظام القضائى أصبح على المحك، مبيناً أن أساس العدالة هو أن تتم مشاهدتها من قبل الجمهور. فعلى حد قول هؤلاء، «العدالة يجب أن تكون مفتوحة للرقابة العامة» (justice needs to be seen to be done). ومن وجهة نظرهم، فإن هناك مشكلة إضافية أخرى، وهى أنه إذا تمت العملية القضائية برمتها، بدءاً من توجيه الاتهام بارتكاب الجريمة إلى الإدانة، دون جلسة استماع، فإن الناس لن تقدّر تداعياتها تماماً. فقد يبدو النظام إدارياً بحتاً وليس قضائياً. ويذكر البعض إشكالية أخرى، وهى أن العملية برمتها تتوقف على تسلم الشخص للأوراق الصحيحة عبر البريد، والفهم الواضح لتبعات الإجراء، مؤكداً أن هناك خطراً حقيقياً يتمثل فى عدم فهم الأفراد ماهية الآثار القانونية الناجمة عنه، كما هو الشأن فى الواقعة التى تصدّرت عناوين الصحف قبل عامين، وتتعلق برجل أعمال استقل حافلة فى لندن دون أن يدفع ثمن تذكرته. فقد نسى محفظته وتم السماح له بالركوب عندما وافق السائق على أن يدفع له المرة المقبلة، حيث كان يستخدم هذا الطريق كثيراً. وبعد ذلك، صعد مفتش التذاكر إلى الحافلة، وتم توجيه الاتهام إلى الشخص بتهرّبه من دفع الأجرة. وعندما وصله الإشعار بالمخالفة، وافق رجل الأعمال على دفع الغرامة، معتقداً أن قيمتها لن تكون كبيرة، وبعد ذلك تم إرسال إشعار بعقوبة قيمتها 800 جنيه إسترلينى تقريباً، لعدم دفعه أجرة الباص البالغة 1.50 جنيه إسترلينى، لذلك قرر الطعن. بالإضافة إلى ذلك، ثمة نسبة كبيرة من الأشخاص لا يرسلون مذكراتهم الجوابية لأسباب متنوعة، علماً بأن الشخص الذى لا يقدم جوابه على صحيفة الاتهام فى الوقت المناسب، فإن ذلك يعتبر بمثابة اعتراف ضمنى بارتكاب الجريمة ويجوز بالتالى إدانته. وتزامناً مع هذه الانتقادات، ناقشت لجنة العدل فى مجلس العموم البريطانى المخاوف المتعلقة بالوصول إلى العدالة، والناجمة عن برنامج الإصلاح. ومن جانبنا، نعتقد أن التغيير فى إجراءات التقاضى عادة ما يجد معارضة فى البداية، لكن المستقبل حتماً سيشهد انتصار إرادة التغيير. والله من وراء القصد.



الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter