إن الواقع الحالي للعلاقات المغربية الإفريقية ليس وليد مصادفة عفوية، ولم ينطلق من فراغ، وإنما هو امتداد لعلاقات متجذرة عبر مختلف الحقب التاريخية، ساهمت في إرساء أسسها مختلف الدول المتعاقبة على المغرب، ولعل هذا ما يُميز البلد عن باقي جيرانه المغاربيين، حيث ظلت إفريقيا بمثابة الفضاء الطبيعي والامتداد الإستراتيجي للمملكة الشريفة؛ ولعل أسمى تعبير عن هذا المعطى هو تشبيه الراحل الحسن الثاني المغرب بـ”شجرة جذورها في إفريقيا وأغصانها في أروبا”.
المغرب ظل متواجد دوما في إفريقيا رغم القطيعة الظرفية التي خلفها الانسحاب المغربي من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984. وقد تعزز هذا التواجد وتعددت أوجهه منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، انسجاما مع التحولات الجديدة التي عرفتها السياسة الخارجية المغربية في هذه المرحلة، ما مكن الدبلوماسية المغربية من تمتين علاقاتها مع مختلف دول القارة، وتحقيق حصيلة مشرفة حولت المملكة إلى فاعل قاري يلعب أدوارا حيوية في حل قضايا القارة وإشكالاتها.
إن حصر أوجه حضور المغرب في إفريقيا خلال ربع القرن الأخير، الذي يتوافق وتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على العرش، صعب للغاية؛ غير أنه يمكن إبراز تجليات هذا الحضور من خلال المستويات التالية:
-على المستوى السياسي: خلال فترة حكم الملك محمد السادس أصبحت القارة الإفريقية من التوجهات المركزية في سياسة المغرب الخارجية؛ وذلك من خلال مشاركة جلالته في العديد من المؤتمرات، وكذا قيامه بالعديد من الزيارات الميدانية إلى العديد من الدول الإفريقية؛ وهو ما توج في 30 يناير 2017 بعودة المغرب بشكل رسمي إلى الاتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا؛ حيث ألقى جلالة الملك خطابا مؤثرا من أهم مضامينه: “إفريقيا قارتي وهي أيضا بيتي”….”مدى حاجة المغرب إلى إفريقيا ومدى حاجة إفريقيا للمغرب…..”.
ولعل من أهم الأشكال العلائقية السياسية للمغرب تجاه القارة السمراء في هذه المرحلة سعي البلاد إلى حل الأزمات السياسية التي تعانيها القارة؛ إذ قادت الدبلوماسية المغربية مساعي حميدة لحل نزاعات إقليمية مستعصية، كالنزاع الدائر في مالي بين الحكومة والطوارق، والنزاع الليبي، ومساعي حميدة أخرى لحل خلافات دول حوض ماتو-ليبيريا-غينيا وسيراليون…
وعلى المستوى الميداني تشارك القوات المغربية منذ عقود في عمليات حفظ السلام في مختلف ربوع القارة، كما هو في ساحل العاج، وإفريقيا الوسطى، ومالي… بل وتم تقديم أرواح من أفراد هذه القوات لتخليص بلدان القارة من العنف والصراعات والتطرف والإرهاب. كما سعت الدبلوماسية المغربية في هذه الفترة إلى الترافع عن قضايا القارة في المحافل الدولية، خاصة في فترة حصول المغرب على صفة العضو غير الدائم في مجلس الأمن سنة 2010.
-على المستوى الاقتصادي: شكل التعاون الاقتصادي والتجاري دعامة أسياسية في الإستراتيجية المغربية نحو إفريقيا، والقائمة على منطق رابح-رابح، مع إرساء أسس تعاون جنوب-جنوب واعد. ولعل من أبرز الخطوات التي أقدم عليها المغرب في هذه الفترة إعلان جلالة الملك خلال قمة القاهرة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا عن إعفاء لفائدة بعض الدول الإفريقية الأكثر فقرا من الديون المستحقة للمغرب، وفتح السوق المغربية أمام صادراتها. من جانب آخر تم التوقيع على أزيد من 1000 اتفاقية وبرتكول تعاون، وذلك قصد ضمان تدفق الاستثمارات المغربية نحو الدول الإفريقية، وفي العديد من المجالات. ومع دول غرب إفريقيا تم توقيع أزيد من 104 اتفاقيات تعاون. ويُعد مشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب من أبرز المشاريع التي ستعزز من مكانة المغرب الجيوطاقية؛ إذ بفضله سيتحول المغرب إلى فاعل جيوطاقي رئيسي في سوق الطاقة العالمية.
على المستوى الروحي والديني: غني عن البيان أن المغرب استأثر بالمجال الديني في الفضاء الإفريقي المسلم خلال القرون العشرة السابقة؛ وهذا ما عمل على تعزيزه في هذه الفترة، من خلال الدعم الروحي للشعوب المسلمة في القارة عبر العديد من الأنشطة الدينية الخدماتية؛ ومن ذلك بناء المساجد، تدريب وتكوين الأئمة، تعزيز الروابط الروحية مع الفاعلين غير الرسميين، كالجماعات الصوفية والزوايا، وإشاعة قيم الوسطية والاعتدال ومحاصرة دعوات التكفير الديني.
على المستوى الإنساني والتضامني: من ذلك إعلان المغرب عن سياسة وطنية جديدة للهجرة واللجوء سنة 2013 لإدماج المهاجرين الأفارقة وتسوية وضعيتهم فوق التراب الوطني. واستحق المغرب بفضل ذلك ريادة قارية وأصبح نموذجا يُحتذى به في تدبيره ظاهرة الهجرة، كما تم اختيار الملك محمد السادس رائدا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة خلال القمة المنعقدة في أديس أبابا سنة 2017. وفي سنة 2018 قدم الملك محمد السادس للقمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي الأجندة الإفريقية حول الهجرة كقاعدة أساسية لتوجيه عملية تنفيذ الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية.
على مستوى الاستقرار ومحاربة الإرهاب: عمل المغرب على تقاسم خبراته الاستخباراتية والأمنية مع دول القارة لمحاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب والجرائم العابرة للحدود الدولية، وكل الاختلالات الأمنية المهددة لأمن دول القارة؛ وكل هذا فيه وعي من قبل المملكة بالطابع التشابكي والترابطي للعلاقات الدولية المعاصرة.
عديدة هي الرهانات التي راهنت عليها الدبلوماسية المغربية في السنوات الخمس والعشرين الماضية لتربع الملك محمد السادس على العرش في تدبير العلاقات مع دول القارة الإفريقية، غير أن الرهان المركزي هنا هو حشد دعم سياسي ودبلوماسي لقضية الوحدة الترابية، التي أصبحت النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم ويقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، كما أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2022.
وحقق المغرب نجاحا دبلوماسيا منقطع النظير طيلة السنوات الماضية على مستوى العلاقات المغربية الإفريقية، وتمكن من خلق معادلات جديدة في خريطة موازين القوى في القارة السمراء؛ كما أبان عن علو كعبه في الدفاع عن القارة وقضاياها لتضييق الفجوات الهائلة على مستوى النمو الحاصل بينها وبين شعوب القارات الأخرى. وكل هذا ما هو إلا محصلة لسياسة اختراقية متبصرة ومتكاملة انتهجتها المملكة المغربية طيلة السنوات الخمس وعشرين الماضية.
المغرب ظل متواجد دوما في إفريقيا رغم القطيعة الظرفية التي خلفها الانسحاب المغربي من منظمة الوحدة الإفريقية عام 1984. وقد تعزز هذا التواجد وتعددت أوجهه منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، انسجاما مع التحولات الجديدة التي عرفتها السياسة الخارجية المغربية في هذه المرحلة، ما مكن الدبلوماسية المغربية من تمتين علاقاتها مع مختلف دول القارة، وتحقيق حصيلة مشرفة حولت المملكة إلى فاعل قاري يلعب أدوارا حيوية في حل قضايا القارة وإشكالاتها.
إن حصر أوجه حضور المغرب في إفريقيا خلال ربع القرن الأخير، الذي يتوافق وتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على العرش، صعب للغاية؛ غير أنه يمكن إبراز تجليات هذا الحضور من خلال المستويات التالية:
-على المستوى السياسي: خلال فترة حكم الملك محمد السادس أصبحت القارة الإفريقية من التوجهات المركزية في سياسة المغرب الخارجية؛ وذلك من خلال مشاركة جلالته في العديد من المؤتمرات، وكذا قيامه بالعديد من الزيارات الميدانية إلى العديد من الدول الإفريقية؛ وهو ما توج في 30 يناير 2017 بعودة المغرب بشكل رسمي إلى الاتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا؛ حيث ألقى جلالة الملك خطابا مؤثرا من أهم مضامينه: “إفريقيا قارتي وهي أيضا بيتي”….”مدى حاجة المغرب إلى إفريقيا ومدى حاجة إفريقيا للمغرب…..”.
ولعل من أهم الأشكال العلائقية السياسية للمغرب تجاه القارة السمراء في هذه المرحلة سعي البلاد إلى حل الأزمات السياسية التي تعانيها القارة؛ إذ قادت الدبلوماسية المغربية مساعي حميدة لحل نزاعات إقليمية مستعصية، كالنزاع الدائر في مالي بين الحكومة والطوارق، والنزاع الليبي، ومساعي حميدة أخرى لحل خلافات دول حوض ماتو-ليبيريا-غينيا وسيراليون…
وعلى المستوى الميداني تشارك القوات المغربية منذ عقود في عمليات حفظ السلام في مختلف ربوع القارة، كما هو في ساحل العاج، وإفريقيا الوسطى، ومالي… بل وتم تقديم أرواح من أفراد هذه القوات لتخليص بلدان القارة من العنف والصراعات والتطرف والإرهاب. كما سعت الدبلوماسية المغربية في هذه الفترة إلى الترافع عن قضايا القارة في المحافل الدولية، خاصة في فترة حصول المغرب على صفة العضو غير الدائم في مجلس الأمن سنة 2010.
-على المستوى الاقتصادي: شكل التعاون الاقتصادي والتجاري دعامة أسياسية في الإستراتيجية المغربية نحو إفريقيا، والقائمة على منطق رابح-رابح، مع إرساء أسس تعاون جنوب-جنوب واعد. ولعل من أبرز الخطوات التي أقدم عليها المغرب في هذه الفترة إعلان جلالة الملك خلال قمة القاهرة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا عن إعفاء لفائدة بعض الدول الإفريقية الأكثر فقرا من الديون المستحقة للمغرب، وفتح السوق المغربية أمام صادراتها. من جانب آخر تم التوقيع على أزيد من 1000 اتفاقية وبرتكول تعاون، وذلك قصد ضمان تدفق الاستثمارات المغربية نحو الدول الإفريقية، وفي العديد من المجالات. ومع دول غرب إفريقيا تم توقيع أزيد من 104 اتفاقيات تعاون. ويُعد مشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب من أبرز المشاريع التي ستعزز من مكانة المغرب الجيوطاقية؛ إذ بفضله سيتحول المغرب إلى فاعل جيوطاقي رئيسي في سوق الطاقة العالمية.
على المستوى الروحي والديني: غني عن البيان أن المغرب استأثر بالمجال الديني في الفضاء الإفريقي المسلم خلال القرون العشرة السابقة؛ وهذا ما عمل على تعزيزه في هذه الفترة، من خلال الدعم الروحي للشعوب المسلمة في القارة عبر العديد من الأنشطة الدينية الخدماتية؛ ومن ذلك بناء المساجد، تدريب وتكوين الأئمة، تعزيز الروابط الروحية مع الفاعلين غير الرسميين، كالجماعات الصوفية والزوايا، وإشاعة قيم الوسطية والاعتدال ومحاصرة دعوات التكفير الديني.
على المستوى الإنساني والتضامني: من ذلك إعلان المغرب عن سياسة وطنية جديدة للهجرة واللجوء سنة 2013 لإدماج المهاجرين الأفارقة وتسوية وضعيتهم فوق التراب الوطني. واستحق المغرب بفضل ذلك ريادة قارية وأصبح نموذجا يُحتذى به في تدبيره ظاهرة الهجرة، كما تم اختيار الملك محمد السادس رائدا للاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة خلال القمة المنعقدة في أديس أبابا سنة 2017. وفي سنة 2018 قدم الملك محمد السادس للقمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي الأجندة الإفريقية حول الهجرة كقاعدة أساسية لتوجيه عملية تنفيذ الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية.
على مستوى الاستقرار ومحاربة الإرهاب: عمل المغرب على تقاسم خبراته الاستخباراتية والأمنية مع دول القارة لمحاربة الهجرة غير النظامية والإرهاب والجرائم العابرة للحدود الدولية، وكل الاختلالات الأمنية المهددة لأمن دول القارة؛ وكل هذا فيه وعي من قبل المملكة بالطابع التشابكي والترابطي للعلاقات الدولية المعاصرة.
عديدة هي الرهانات التي راهنت عليها الدبلوماسية المغربية في السنوات الخمس والعشرين الماضية لتربع الملك محمد السادس على العرش في تدبير العلاقات مع دول القارة الإفريقية، غير أن الرهان المركزي هنا هو حشد دعم سياسي ودبلوماسي لقضية الوحدة الترابية، التي أصبحت النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم ويقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، كما أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2022.
وحقق المغرب نجاحا دبلوماسيا منقطع النظير طيلة السنوات الماضية على مستوى العلاقات المغربية الإفريقية، وتمكن من خلق معادلات جديدة في خريطة موازين القوى في القارة السمراء؛ كما أبان عن علو كعبه في الدفاع عن القارة وقضاياها لتضييق الفجوات الهائلة على مستوى النمو الحاصل بينها وبين شعوب القارات الأخرى. وكل هذا ما هو إلا محصلة لسياسة اختراقية متبصرة ومتكاملة انتهجتها المملكة المغربية طيلة السنوات الخمس وعشرين الماضية.