رسالة مفتوحة لوزير العدل
اين المدونتين الجنائيتين ولمذا تم إقبارهما ....؟؟
النقيب عبد الرحيم الجامعي
السيد الوزير
ماذا تنتظرون بعد سنة من توليكم حقيبة وزارة العدل للشروع بالحزم والجدية ودون تردد في معارك التغيير و التصحيح الحقيقية التي يحتاجهما المغرب والمغاربة في الأهم من المجالات الخطيرة و المؤثرة وفِي مقدمتها مجال السياسة الجنائية المهيكلة للمجتمع سياسيا وقضائيا و لممارسات الحريات وضماناتها و المحدد الأساس لعلاقات الدولة بالمواطن في نطاق الالتزام بالمشروعية والمحاسبة وتجريم الشطط في استعمال السلطة ، إذ الملاحظ ان عملكم الى حد ما و الى اليوم توقف عند مجالات الدبلوماسية الإدارية كافتتاح الندوات والمؤتمرات واستقبال سفراء ووزراء والتوقيع على عقود شراكات والإشراف على امتحانات....الخ.
فأين وزارتكم من تنزيل قواعد الدستور ذات الصِّلة بالتشريع في مجال العدالة و حقوق الانسان من خلال مراجعة عميقة وواسعة لقواعد وفلسفة وأبعاد المسطرة الجنائية و قواعد الجوهر اي القانون الجنائي في خلفياته وآفاقه واختياراته وفي مجال تحديث قواعد التجريم و العقاب برؤية حقوقية مجتمعية غير سياسوية او انتقامية متناغمة مع القانون الدولي لحقوق الانسان بالأساس .
قبل اربع سنوات عرضت وزارة العدل في عهد سلفكم الوزير مصطفى الرميد، مسودة قانون جنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية تحت إلحاح و نضال عدد من القانونيين و المهنيين و الحقوقيين، وبعد صراع داخل الهيئة العليا لاصلاح العدالة و القضاء ومكوناتها حول مفهوم ومضامين ومجال السياسة الجنائية وخصوصا الخلافات التي برزت داخل الهيئة حول مهام وسلطات عدد من الأجهزة ومنها جهاز الشرطة القضائية والنيابة العامة وقضاء التحقيق والخلافات التي ظهرت فيما بخص ضمانات حقوق الدفاع والتي لم تتوفر للهيئة النظرة الحداثية والاستقلالية الكاملة في معالجتها بكل الحرية والجرأة
ولقد عرفت المسودة والمدونة المعروضتين نقاشا واسعا وانتقادات حادة من المستوى الرفيع شارك فيه محامون وقضاة وجمعويون وطلبة وجامعيون وغيرهم، مما جعلهما يسجلان السبق في رقعة الاهتمام قل نظيرها.
و لقد خُيل إلينا ولغيرنا من المتتبعين ان وزارة العدل جادة فيما قدمته وفيما حصدته من خلاصات ومقترحات وتعديلات ، كما اعتقدنا كرأي عام قانوني وحقوقي ان مسودة القانون الجنائي ستصبح مشروع قانون بعد اصلاحها وان مشروع المسطرة الجنائية سيأخذ الطريق نحو البرلمان لتفتح من جديد باب الترافع و الدفع بالمنظومة نحو حلتها النهائية بعد تنظيفهما من الشوائب والاختلالات.
وقد انتهى الحلم و قبرت المسودة الجنائية ومشروع المسطرة وشعرت وزارة العدل بالندم عن " خطا " عرض الوثيقتين، وبدا للجميع ان عملية جس نبض الجمهور كانت لهوا و لعبة صغيرة كما اتصح جليا ان وزارة العدل كانت تحت الحجر و ان الوزير آنذاك كان رقما ضعيفا لم يستطع السير بالوثيقتين الى النهاية اي بلورة منهجية مرور المشروع والمسودة الى البرلمان بعد اقناع الحكومة والأجهزة الباقية بأهمية إخراجهما، وهو ما دل وقتها ان الحكومة ليست لها الارادة السياسية الواضحة ولا العزيمة الكاملة للتعامل بصدق مع مطالب ملحة وحيوية كمطلب وضع المدونتين الجنائيتين فوق ارضية الدستور الجديدة منسجمتين مع قيم حقوق الانسان الكونية، وهكذا استمر ندم الوزارة وعمر طويلا الى اليوم .
و لكي تُغطي وزارة العدل آنذاك عن عجزها وعن خسارتها السياسية بعدم وفائها بوعودها والدفاع عن المسودة والمشروع، لجأت للترقيع و قررت وَأدَ و قبر الوثيقتين ، وعوضا عن ذلك قررت واختارت حلا بديلا حيث عرضت مشروع تعديل 81 مادة من القانون الجنائي فقط وسكتت نهائيا عن مشروع قانون المسطرة الجنائية الى الأبد والى اليوم.
ومن دون شفافية او بيان للاسباب، وبالرغم من هذه الخطوة غير البريئة وغير المفهومة بقي مَشروع التعديل الجزئي نفسه معلقا بالبرلمان ولم يتم التصويت عليه ولم يستطع الوزير الذي كان وراءه الدفاع عنه مع الأغلبية الحكومية التي ينتمي اليها.
وهكذا لا يمكن ان يقول لنا اي وزير في العدل لا السابق ولا الحالي انه متذمر وانه غاضب، و مستغرب، وانه عازم على ، وانه سيحقق كذا ، وانه سينزل علينا الرحمة او المن والسلوى، او سيدخل علينا السرور بتعديل جزئي لبعض مواد القانون الجنائي، او ان الأمانة العامة للحكومة هي المعترضة او المجمدة للمدونتين، لان كلاما هكذا لن يصدقه احد ولن يبرئ سياسيا لا الحكومة و لا وزارئها ولا وزير العدل.
السيد وزير العدل ،
لنا كمواطنين وكمهتمين وممارسين كل الحق في المعلومة بكل الشفافية والنزاهة، اي لنا حق مساءلتكم لمعرفة ما هي أسباب قبر مسودة القانون الجنائي لسنوات طويلة والى اليوم ، و لنا الحق في معرفة ما هي أسباب قبر مشروع المسطرة الجنائية لسنوات والى اليوم، ولنا حق معرفة من كان وراء هذه العملية السياسوية/ المهزلة التي تنم عن عقلية التخوف وعن أحتقار الحكومة لوزرائها ولوجودهم ولوعودهم، وعلى وزارة العدل اليوم ألا تخفي المعلومة والحقيقة أو أن تتستر عن من كان وراء حرمان المغرب من مدونتين تم التفاعل معهما بنضج كبير من قبل القانونيين، وعلى وزارتكم ان تكشف لنا ما هي الأهداف التي كانت وراء التلاعب بمصالح الوطن والمواطنين وتعطيلها وتجميد التاريخ وقبر الأمل ودفن الثقة في المؤسسات والتي ركنت نحو حسابات ضيقة ايديولوجية وسياسوية و ابانت عن قصور الفاعل السياسي الحكومي .
و لعَــلكم كوزير للعدل قد استوعبتم جيدا دور وزارة العدل في رفض الإصلاح الجنائي وفِي تعطيل اتمامه وفِي إعطاء الفرصة للأجهزة القائمة على تطبيق السياسة الجنائية من شرطة قضائية ومن نيابة عامة ومن قضاة للتحقيق للاستمرار في استعمال نصوص هَرِمت ولم تعد مؤهلة لحماية المجتمع ولم تعد صالحة إلا لانتهاك حقوق المشتبه فيهم وانتهاك حقوق الدفاع و تكريس المحاكمات غير العادلة.
نقول لكم بوضوح بأننا كفاعلين في مجال العدالة والقانون لن نقبل من وزارة العدل و لا من وزيرها الحالي او من بقية الوزراء او من الوزراء المقبلين سوى مشروعا كاملا لمدونة كاملة شاملة اي مشروعا للقانون الجنائي ومشروعا لقانون المسطرة الجنائية غير مبتورين و من دون انتقائية لمواد او لفقرات بعينها ، نريد مدونة جنائية غير ملتحية بعقلية حديثة وبحمولة حقوقية كونية تضاهي مدونات دول ذات الباع في الديمقراطية ، نريد مدونة جنائية بمضامين قوية بعيدة عن ذاتية وعن خواطر الوزير ، نريد مدونة جنائية لا تجرنا الى الخلف بل تحمينا من الانتكاسات ومن الانتهاكات و تعكس عدد من المبادئ الاساسية ومن بينها :
في القانون الجنائي : مدونة تبرز توجها و فلسفة جديدة للعقاب بعيدة عن الانتقام والثأر تعتمد على إلغاء عقوبة الاعدام وإلغاء العقوبات المؤبدة، وتدمج العقوبات البديلة غير الاحتجازية لبعض الجرائم ولبعض الفئات، و ترفع التجريم عن عدد من الأفعال ، وعدم الخلط ما بين ما هو وضعي وما بين ما هو ديني و سياسي في التجريم والعقاب، وتجنب اقحام جرائم الصحافة والنشر في المجال الجنائي العام، و إقرار مقاربة النوع في التجريم والعقاب خاصة بالنساء ، والتدقيق وتحديد وتبويب الجرائم البيئية والرقمية وإدماج الجرائم المحددة في اتفاقية روما في صلب المدونة
وفِي قانون المسطرة الجنائية، مدونة تقوي مفهوم قرينة البراءة وتحصنها، وتعترف بصلاحيات القضاء الجنائي المغربي في مجال الاختصاص الدولي في الجرائم المحددة في اتفاقية روما، وتفرض على القضاء الجنائي التطبيق الفوري للاتفاقيات الثنائية والدولية ذات الصِّلة بحقوق الانسان قبل تطبيق القانون الوطني خلال النظر في القضايا المعروضة عليه ، وتوسع حقوق الدفاع خلال مراحل البحث التمهيدي والحراسة النظرية و التحقيق والمحاكمة ، وتمنع مشاركة النيابة العامة في مداولات غرف محكمة النقض وتلزمها بالرد على كل وسائل النقض في القضايا الجنائية سواء كانت قرارات بالرفض او بالنقض، وتمنع صراحة ونصا الاعتقال والمحاكمة من أجل الرأي والتعبير والعمل السياسي، وتفرض صراحة حضور المحامي خلال الاستنطاقات والمواجهات وأثناء توقيع المشتبه فيهم على المحاضر بمناسبة البحث التمهيدي و خلال الحراسة النظرية وضرورة توقيع المحامي على نفس الوثائق وذلك كلما تعلق الامر بجناية مع عدم الاعتداد بأي محضر لا يلتزم بهذه القواعد، و تضييق مجال وحالات الاعتقال الاحتياطي وتحديد شروطه والتقليص من مدته وفتح مجال الطعن في قرارات الإيداع بالسجن التي تتخذها النيابة العامة وقاضي التحقيق امام جهة قضائية جماعية ، اقرار ضرورة التحقيق من قبل قضاة للتحقيق متعددون في القضايا الجنائية المهمة، توسيع إجراءات وجزاءات الأبطال كلما تعلق الامر بإخلال يرد على قواعد الشكل و حقوق الدفاع، الغاء التمييز بين آجال الطعن الممارس من الأطراف ومن النيابة العامة، إقرار اجبارية التحقيق في الجنايات إلا إذا تنازل المشتبه فيه عن التحقيق بحضور محاميه، توسيع ضرورة حضور المحامي في كل القضايا الجزرية وتفعيل المساعدة القضائية لكل مشتبه فيه عن طريق مؤسسة النقيب، ضرورة مثول الضابط المشرف على البحث التمهيدي في الجنايات امام المحكمة الجنائية اذا اثير طعن فيما قام به من إجراءات، ضرورة عرض المشتبه فيهم في قضايا الدم واغتصاب الأطفال وقتل الأصول على الخبرة العقلية والنفسية قبل المحاكمة، منع ايداع المختلون عقليا المتابعون او المحكوم بإعفائهم من المسؤولية بالسجن والحكم بإيداعهم في مستشفيات متخصصة، إلزامية اجراء بحث في ادعاءات حصول التعذيب في اية مرحلة اثير فيها سواء لدى النيابة العامة او لدى قضاة التحقيق او امام قضاة الحكم، اعادة النظر في مساطر التصنت والتقاط المكالمات ومسطرة الاختراق وضبط اجراءاتها و تقليص صلاحيات الضابطة في شانها وإخضاع اجراءاتها للمراقبة القضائية المسبقة قبل الاستدلال بها، التنصيص على مسؤولية النيابة العامة وقضاء التحقيق بخصوص اجراءات البحث التمهيدي الباطلة ما ذامت هي المشرفة عليه، تنظيم التصنت غير القضائي وتحديده بواسطة قانون وفرض الاذن الاداري المسبق قبل اجرائه وتمكين المواطن من معرفة اسبابه، اعادة النظر في مساطر العفو و الاكراه البدني ومساطر التسليم واجراءات نقل الأجانب المحكومين، الإقرار بمسؤولية الدولة و بحق التعويض الإجباري للمعتقل بعد الحكم ببراءته، الإقرار بحق الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز المؤسسة طبقا للبروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والمنشأة داخل المجلس الوطني لحقوق الانسان في رفع تقاريرها للنيابة العامة وقضاة التحقيق في شان انتهاك الاتفاقية وما تبث لديها من خلال زياراتها مع فرض فتح البحث والتحقيق وعدم حفظ المسطرة، ....الخ
ومن هنا السيد وزير العدل ، ومن خلال البعض من هذه المقترحات ينطلق التأصيل الحقيقي لما جاء به دستور المغرب في باب الحقوق والحريات، ومن هنا يمتلك القضاة صلاحياتهم ومسؤولياتهم كضامنين لحريات وحقوق المواطنين، ومن هنا تظهر مقومات دولة القانون التي تتصدى بذكاء للجريمة لمحاربتها تحت لواء الاحترام الكامل والواسع لحقوق الانسان ومن هنا يمكن لنا القول باننا نتوفر فعليا على سياسة جنائية ومدونة متكاملة، وبأنه ستتوقف استباحة حريات المواطن وكرامته بدعوى سرية البحث وسياسة الاستباق ومحاربة الجريمة.
لا ارغب ان تهددوا باستقالتكم كما هدد بها سلفكم.
ولا اريد منكم ان تجنحوا للسلم امام الممانعين والمحافظين والمترددين ممن تعرفونهم وتدركوا نواياهم ، بل لابد لكم من الصمود ومن الصراع بذكاء بعيدا عن المجاملة والسطحية والإجراءات المزيفة ، فالمواطن والمراقب لن يصدقوا بان المغرب هو مغرب الحقوق ودولة القانون الا من خلال الواقع و الممارسة .
عليكم ان تسحبوا من البرلمان مشروع الفشل المبتور والجزئي لبعض مواد القانون الجنائي ، وعليكم احترام المغاربة و النزول للبرلمان حاملين مشروعي المدونتين كاملتين لعرضهما ومتاقشتهما إذ ومن دون ذلك ستضرب الميوعة ما تبقى من المصداقية الهشة للسياسة الجنائية وستقوض اكثر سمعة القضاء الجنائي، وستفتحون الأفق للمجهول.
الرباط - 14 ماي 2018
النقيب عبد الرحيم الجامعي
اين المدونتين الجنائيتين ولمذا تم إقبارهما ....؟؟
النقيب عبد الرحيم الجامعي
السيد الوزير
ماذا تنتظرون بعد سنة من توليكم حقيبة وزارة العدل للشروع بالحزم والجدية ودون تردد في معارك التغيير و التصحيح الحقيقية التي يحتاجهما المغرب والمغاربة في الأهم من المجالات الخطيرة و المؤثرة وفِي مقدمتها مجال السياسة الجنائية المهيكلة للمجتمع سياسيا وقضائيا و لممارسات الحريات وضماناتها و المحدد الأساس لعلاقات الدولة بالمواطن في نطاق الالتزام بالمشروعية والمحاسبة وتجريم الشطط في استعمال السلطة ، إذ الملاحظ ان عملكم الى حد ما و الى اليوم توقف عند مجالات الدبلوماسية الإدارية كافتتاح الندوات والمؤتمرات واستقبال سفراء ووزراء والتوقيع على عقود شراكات والإشراف على امتحانات....الخ.
فأين وزارتكم من تنزيل قواعد الدستور ذات الصِّلة بالتشريع في مجال العدالة و حقوق الانسان من خلال مراجعة عميقة وواسعة لقواعد وفلسفة وأبعاد المسطرة الجنائية و قواعد الجوهر اي القانون الجنائي في خلفياته وآفاقه واختياراته وفي مجال تحديث قواعد التجريم و العقاب برؤية حقوقية مجتمعية غير سياسوية او انتقامية متناغمة مع القانون الدولي لحقوق الانسان بالأساس .
قبل اربع سنوات عرضت وزارة العدل في عهد سلفكم الوزير مصطفى الرميد، مسودة قانون جنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية تحت إلحاح و نضال عدد من القانونيين و المهنيين و الحقوقيين، وبعد صراع داخل الهيئة العليا لاصلاح العدالة و القضاء ومكوناتها حول مفهوم ومضامين ومجال السياسة الجنائية وخصوصا الخلافات التي برزت داخل الهيئة حول مهام وسلطات عدد من الأجهزة ومنها جهاز الشرطة القضائية والنيابة العامة وقضاء التحقيق والخلافات التي ظهرت فيما بخص ضمانات حقوق الدفاع والتي لم تتوفر للهيئة النظرة الحداثية والاستقلالية الكاملة في معالجتها بكل الحرية والجرأة
ولقد عرفت المسودة والمدونة المعروضتين نقاشا واسعا وانتقادات حادة من المستوى الرفيع شارك فيه محامون وقضاة وجمعويون وطلبة وجامعيون وغيرهم، مما جعلهما يسجلان السبق في رقعة الاهتمام قل نظيرها.
و لقد خُيل إلينا ولغيرنا من المتتبعين ان وزارة العدل جادة فيما قدمته وفيما حصدته من خلاصات ومقترحات وتعديلات ، كما اعتقدنا كرأي عام قانوني وحقوقي ان مسودة القانون الجنائي ستصبح مشروع قانون بعد اصلاحها وان مشروع المسطرة الجنائية سيأخذ الطريق نحو البرلمان لتفتح من جديد باب الترافع و الدفع بالمنظومة نحو حلتها النهائية بعد تنظيفهما من الشوائب والاختلالات.
وقد انتهى الحلم و قبرت المسودة الجنائية ومشروع المسطرة وشعرت وزارة العدل بالندم عن " خطا " عرض الوثيقتين، وبدا للجميع ان عملية جس نبض الجمهور كانت لهوا و لعبة صغيرة كما اتصح جليا ان وزارة العدل كانت تحت الحجر و ان الوزير آنذاك كان رقما ضعيفا لم يستطع السير بالوثيقتين الى النهاية اي بلورة منهجية مرور المشروع والمسودة الى البرلمان بعد اقناع الحكومة والأجهزة الباقية بأهمية إخراجهما، وهو ما دل وقتها ان الحكومة ليست لها الارادة السياسية الواضحة ولا العزيمة الكاملة للتعامل بصدق مع مطالب ملحة وحيوية كمطلب وضع المدونتين الجنائيتين فوق ارضية الدستور الجديدة منسجمتين مع قيم حقوق الانسان الكونية، وهكذا استمر ندم الوزارة وعمر طويلا الى اليوم .
و لكي تُغطي وزارة العدل آنذاك عن عجزها وعن خسارتها السياسية بعدم وفائها بوعودها والدفاع عن المسودة والمشروع، لجأت للترقيع و قررت وَأدَ و قبر الوثيقتين ، وعوضا عن ذلك قررت واختارت حلا بديلا حيث عرضت مشروع تعديل 81 مادة من القانون الجنائي فقط وسكتت نهائيا عن مشروع قانون المسطرة الجنائية الى الأبد والى اليوم.
ومن دون شفافية او بيان للاسباب، وبالرغم من هذه الخطوة غير البريئة وغير المفهومة بقي مَشروع التعديل الجزئي نفسه معلقا بالبرلمان ولم يتم التصويت عليه ولم يستطع الوزير الذي كان وراءه الدفاع عنه مع الأغلبية الحكومية التي ينتمي اليها.
وهكذا لا يمكن ان يقول لنا اي وزير في العدل لا السابق ولا الحالي انه متذمر وانه غاضب، و مستغرب، وانه عازم على ، وانه سيحقق كذا ، وانه سينزل علينا الرحمة او المن والسلوى، او سيدخل علينا السرور بتعديل جزئي لبعض مواد القانون الجنائي، او ان الأمانة العامة للحكومة هي المعترضة او المجمدة للمدونتين، لان كلاما هكذا لن يصدقه احد ولن يبرئ سياسيا لا الحكومة و لا وزارئها ولا وزير العدل.
السيد وزير العدل ،
لنا كمواطنين وكمهتمين وممارسين كل الحق في المعلومة بكل الشفافية والنزاهة، اي لنا حق مساءلتكم لمعرفة ما هي أسباب قبر مسودة القانون الجنائي لسنوات طويلة والى اليوم ، و لنا الحق في معرفة ما هي أسباب قبر مشروع المسطرة الجنائية لسنوات والى اليوم، ولنا حق معرفة من كان وراء هذه العملية السياسوية/ المهزلة التي تنم عن عقلية التخوف وعن أحتقار الحكومة لوزرائها ولوجودهم ولوعودهم، وعلى وزارة العدل اليوم ألا تخفي المعلومة والحقيقة أو أن تتستر عن من كان وراء حرمان المغرب من مدونتين تم التفاعل معهما بنضج كبير من قبل القانونيين، وعلى وزارتكم ان تكشف لنا ما هي الأهداف التي كانت وراء التلاعب بمصالح الوطن والمواطنين وتعطيلها وتجميد التاريخ وقبر الأمل ودفن الثقة في المؤسسات والتي ركنت نحو حسابات ضيقة ايديولوجية وسياسوية و ابانت عن قصور الفاعل السياسي الحكومي .
و لعَــلكم كوزير للعدل قد استوعبتم جيدا دور وزارة العدل في رفض الإصلاح الجنائي وفِي تعطيل اتمامه وفِي إعطاء الفرصة للأجهزة القائمة على تطبيق السياسة الجنائية من شرطة قضائية ومن نيابة عامة ومن قضاة للتحقيق للاستمرار في استعمال نصوص هَرِمت ولم تعد مؤهلة لحماية المجتمع ولم تعد صالحة إلا لانتهاك حقوق المشتبه فيهم وانتهاك حقوق الدفاع و تكريس المحاكمات غير العادلة.
نقول لكم بوضوح بأننا كفاعلين في مجال العدالة والقانون لن نقبل من وزارة العدل و لا من وزيرها الحالي او من بقية الوزراء او من الوزراء المقبلين سوى مشروعا كاملا لمدونة كاملة شاملة اي مشروعا للقانون الجنائي ومشروعا لقانون المسطرة الجنائية غير مبتورين و من دون انتقائية لمواد او لفقرات بعينها ، نريد مدونة جنائية غير ملتحية بعقلية حديثة وبحمولة حقوقية كونية تضاهي مدونات دول ذات الباع في الديمقراطية ، نريد مدونة جنائية بمضامين قوية بعيدة عن ذاتية وعن خواطر الوزير ، نريد مدونة جنائية لا تجرنا الى الخلف بل تحمينا من الانتكاسات ومن الانتهاكات و تعكس عدد من المبادئ الاساسية ومن بينها :
في القانون الجنائي : مدونة تبرز توجها و فلسفة جديدة للعقاب بعيدة عن الانتقام والثأر تعتمد على إلغاء عقوبة الاعدام وإلغاء العقوبات المؤبدة، وتدمج العقوبات البديلة غير الاحتجازية لبعض الجرائم ولبعض الفئات، و ترفع التجريم عن عدد من الأفعال ، وعدم الخلط ما بين ما هو وضعي وما بين ما هو ديني و سياسي في التجريم والعقاب، وتجنب اقحام جرائم الصحافة والنشر في المجال الجنائي العام، و إقرار مقاربة النوع في التجريم والعقاب خاصة بالنساء ، والتدقيق وتحديد وتبويب الجرائم البيئية والرقمية وإدماج الجرائم المحددة في اتفاقية روما في صلب المدونة
وفِي قانون المسطرة الجنائية، مدونة تقوي مفهوم قرينة البراءة وتحصنها، وتعترف بصلاحيات القضاء الجنائي المغربي في مجال الاختصاص الدولي في الجرائم المحددة في اتفاقية روما، وتفرض على القضاء الجنائي التطبيق الفوري للاتفاقيات الثنائية والدولية ذات الصِّلة بحقوق الانسان قبل تطبيق القانون الوطني خلال النظر في القضايا المعروضة عليه ، وتوسع حقوق الدفاع خلال مراحل البحث التمهيدي والحراسة النظرية و التحقيق والمحاكمة ، وتمنع مشاركة النيابة العامة في مداولات غرف محكمة النقض وتلزمها بالرد على كل وسائل النقض في القضايا الجنائية سواء كانت قرارات بالرفض او بالنقض، وتمنع صراحة ونصا الاعتقال والمحاكمة من أجل الرأي والتعبير والعمل السياسي، وتفرض صراحة حضور المحامي خلال الاستنطاقات والمواجهات وأثناء توقيع المشتبه فيهم على المحاضر بمناسبة البحث التمهيدي و خلال الحراسة النظرية وضرورة توقيع المحامي على نفس الوثائق وذلك كلما تعلق الامر بجناية مع عدم الاعتداد بأي محضر لا يلتزم بهذه القواعد، و تضييق مجال وحالات الاعتقال الاحتياطي وتحديد شروطه والتقليص من مدته وفتح مجال الطعن في قرارات الإيداع بالسجن التي تتخذها النيابة العامة وقاضي التحقيق امام جهة قضائية جماعية ، اقرار ضرورة التحقيق من قبل قضاة للتحقيق متعددون في القضايا الجنائية المهمة، توسيع إجراءات وجزاءات الأبطال كلما تعلق الامر بإخلال يرد على قواعد الشكل و حقوق الدفاع، الغاء التمييز بين آجال الطعن الممارس من الأطراف ومن النيابة العامة، إقرار اجبارية التحقيق في الجنايات إلا إذا تنازل المشتبه فيه عن التحقيق بحضور محاميه، توسيع ضرورة حضور المحامي في كل القضايا الجزرية وتفعيل المساعدة القضائية لكل مشتبه فيه عن طريق مؤسسة النقيب، ضرورة مثول الضابط المشرف على البحث التمهيدي في الجنايات امام المحكمة الجنائية اذا اثير طعن فيما قام به من إجراءات، ضرورة عرض المشتبه فيهم في قضايا الدم واغتصاب الأطفال وقتل الأصول على الخبرة العقلية والنفسية قبل المحاكمة، منع ايداع المختلون عقليا المتابعون او المحكوم بإعفائهم من المسؤولية بالسجن والحكم بإيداعهم في مستشفيات متخصصة، إلزامية اجراء بحث في ادعاءات حصول التعذيب في اية مرحلة اثير فيها سواء لدى النيابة العامة او لدى قضاة التحقيق او امام قضاة الحكم، اعادة النظر في مساطر التصنت والتقاط المكالمات ومسطرة الاختراق وضبط اجراءاتها و تقليص صلاحيات الضابطة في شانها وإخضاع اجراءاتها للمراقبة القضائية المسبقة قبل الاستدلال بها، التنصيص على مسؤولية النيابة العامة وقضاء التحقيق بخصوص اجراءات البحث التمهيدي الباطلة ما ذامت هي المشرفة عليه، تنظيم التصنت غير القضائي وتحديده بواسطة قانون وفرض الاذن الاداري المسبق قبل اجرائه وتمكين المواطن من معرفة اسبابه، اعادة النظر في مساطر العفو و الاكراه البدني ومساطر التسليم واجراءات نقل الأجانب المحكومين، الإقرار بمسؤولية الدولة و بحق التعويض الإجباري للمعتقل بعد الحكم ببراءته، الإقرار بحق الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز المؤسسة طبقا للبروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب والمنشأة داخل المجلس الوطني لحقوق الانسان في رفع تقاريرها للنيابة العامة وقضاة التحقيق في شان انتهاك الاتفاقية وما تبث لديها من خلال زياراتها مع فرض فتح البحث والتحقيق وعدم حفظ المسطرة، ....الخ
ومن هنا السيد وزير العدل ، ومن خلال البعض من هذه المقترحات ينطلق التأصيل الحقيقي لما جاء به دستور المغرب في باب الحقوق والحريات، ومن هنا يمتلك القضاة صلاحياتهم ومسؤولياتهم كضامنين لحريات وحقوق المواطنين، ومن هنا تظهر مقومات دولة القانون التي تتصدى بذكاء للجريمة لمحاربتها تحت لواء الاحترام الكامل والواسع لحقوق الانسان ومن هنا يمكن لنا القول باننا نتوفر فعليا على سياسة جنائية ومدونة متكاملة، وبأنه ستتوقف استباحة حريات المواطن وكرامته بدعوى سرية البحث وسياسة الاستباق ومحاربة الجريمة.
لا ارغب ان تهددوا باستقالتكم كما هدد بها سلفكم.
ولا اريد منكم ان تجنحوا للسلم امام الممانعين والمحافظين والمترددين ممن تعرفونهم وتدركوا نواياهم ، بل لابد لكم من الصمود ومن الصراع بذكاء بعيدا عن المجاملة والسطحية والإجراءات المزيفة ، فالمواطن والمراقب لن يصدقوا بان المغرب هو مغرب الحقوق ودولة القانون الا من خلال الواقع و الممارسة .
عليكم ان تسحبوا من البرلمان مشروع الفشل المبتور والجزئي لبعض مواد القانون الجنائي ، وعليكم احترام المغاربة و النزول للبرلمان حاملين مشروعي المدونتين كاملتين لعرضهما ومتاقشتهما إذ ومن دون ذلك ستضرب الميوعة ما تبقى من المصداقية الهشة للسياسة الجنائية وستقوض اكثر سمعة القضاء الجنائي، وستفتحون الأفق للمجهول.
الرباط - 14 ماي 2018
النقيب عبد الرحيم الجامعي