تقديم
تعرف هيئات النوظمة بأنها هيئات إدارية تعمل أو تتصرف باسم الدولة وتتمتع بسلطات حقيقية بدون خضوعها لسلطة الحكومة.
وتختص هذه الهيئات بتنظيم وضبط قطاعات إستراتيجية اقتصادية ومالية. وبحكم ممارستها لسلطات ضبطية و تنظيمية،فهي تسعى للوساطة والتحكيم،والفصل بين المصالح المتنازعة، وكذا وضع إطار قانوني وأخلاقي ملزم مؤطر للعمل المهني والتجاري والحقوقي، لكافة المدارين في مجالات المنافسة والقيم المنقولة ،والإعلام والاتصال.
ويعرف التشريع المغربي أربع هيئات ناظمة أساسية ومهمة ستكون موضوع دراستنا وهي: مجلس المنافسة، الهيئة المغربية لسوق الرساميل، المجلس الأعلى للاتصال السمعي – البصري وأخيرا الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات.
ويرجع الفضل في اختيار مصطلح هيئات النوظمة للفقيه المقتدر محمد علمي مشيشي بمناسبة إحداث منتدى النوظمة بكلية الحقوق بفاس والذي اعتبر أن المصطلح قادرا على استيعاب أدوار واختصاصات الهيئات المختلفة والتي تجمع بين التنظيم والضبط والرقابة والتحكيم والفصل في المنازعات ،هذا رغم أن الدستور المغربي انتصر في الأخير لمصطلح "هيئات الحكامة الجيدة والتقنين" ،لكن هذا الاختلاف لا يؤثر في طبيعة الهيئات وسلطاتها.
إن تنوع مجالات عمل هذه الهيئات، يبين بشكل جلي ملامح الاتجاه نحو إعادة صياغة وظيفة الدولة ،وإعادة تحديد أدوارها ووسائل تدخلها، في عدد من القطاعات الاقتصادية والمالية، لتخفيف عبء تدخلها الاقتصادي المباشر، ولتكريس سياسة الانفتاح الليبرالي، والعزوف عن سياسة الاحتكار، واستبدال أسلوب الإدارة المباشرة للمرافق والخدمات العمومية، بأساليب جديدة تقوم على تفويض مهام الضبط والتقنين والتأطير لهيئات ناظمة جديدة، مما يعكس وجود نهضة حقوقية تشريعية قوية ورائدة، هي نتاج التحرر الاقتصادي والقانوني، تراعي تبني النظم الحديثة الشبه القضائية Quasi juridictionnel كفضاء لتسوية بعض المنازعات، ومساعدة الأطراف المهتمة في عملها كشرط ضروري لصحة وفعالية النظام.
فالتطور الكمي والنوعي لهيئات النوظمة،يعني وجود ربط جديد بين الاقتصاد والقانون،ويفسر الاتجاه الحديث نحو نوظمة الدولة وأفول الوزارات ذات الصلة بنشاط الهيئات الحالة محلها والممارسة لجميع صلاحياتها،بحيث دخلت الهيئات الناظمة قطاعات الاقتصاد والمال والأعمال والتأمين والبنوك وحتى المجال الجنائي الشديد الحساسية والمعتبر من النظام العام لم يسلم من هذا التوجه من خلال وحدة معالجة المعلومات المالية .
وقد قارن مقرر مشروع قانون Jean Foyer الفرنسي،هذه الهيئات بشبيهاتها الأنجلوساكسونية،من حيث كونها تأخذ بعض أشكالها أو مظاهرها من ناحية التنظيم ،من المحاكم وتتمتع بنظام يضمن لها استقلالا حقيقيا.
ولاشك أن الأمر يتعلق بمؤسسات تنتفي عنها الصبغة القضائية، تساهم في حماية حقوق المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمدارين بشكل عام، وتسهر على قانونية سير المؤسسات العامة والخاصة.
وبالنظر لتخصص هذه الهيئات واستقلاليتها، فهي تبدو كإطار قانوني وتنظيمي فعال، قادر على ضمان تنظيم جيد ،وضبط اجتماعي واقتصادي ومالي محكم ،يكفل التنظيم والتأطير لقطاعات كثيرة، بما يسمح باحترام التوازن بين المصالح، وإيجاد صيغ التوافق بين حقوق المواطنين والمصلحة العامة.
ومما لا مراء فيه أن هيئات النوظمة ،خلقت من رحم معاناة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والماليين، من البيروقراطية الإدارية والانتظارية، وتمركز القرار، وغياب الشفافية وقوة المبادرة، لتعلن نفسها كبديل للإدارة أو المحاكم،أو على الأقل كمنافس حقيقي لهما، اقتطعت جزءا كبيرا من صلاحياتهما الإدارية والتنظيمية،والضبطية والزجرية، لكن هذا الإقصاء أو الإبعاد، المرافق لنظرية الحلول، فرض نوعا من المواءمات التشريعية، التي تتلاءم مع طبيعتها المزدوجة الإدارية،والشبه قضائية،سواء على مستوى بنيتها وتشكيلها وهياكلها ،وضمانات الاستقلالية والحياد أو على مستوى مهامها واختصاصاتها، وضمانات الفعالية ،وحجية الشيء المقضي به .
وهكذا تم تمكين هذه الهيئات،من سلطات وصلاحيات واسعة، تأخذ مظاهر وأشكال متعددة، تقتسم بموجبها مع الإدارة والقضاء ،فضاء التنظيم والتشريع،والزجر والعقاب، متسلحة بدعم ومؤازرة الفاعلين في الميدان، لأنها ليست نتاج القانون الدولتي فقط، بل نتاج قانون رضائي اتفاقي من صنع أصحاب القرار حاكمين ومحكومين، والمؤطرين بضوابط أخلاقية وتنظيمية، أسهموا جميعا في صياغتها، وتوافقوا عليها، بإجماع بينهم، لأنها تشكل محصلة قواعد المهنة وأصولها.
وللإحاطة بالأسئلة التي فرضها النسق الجديد،الذي أدخلته هيئات النوظمة على الأنساق الإدارية والقضائية على التشريع المغربي، نستعرض في هذا التقديم لمحة مختصرة ودقيقة،عن ماهية النوظمة، وعلاقة القضاء بهيئات النوظمة، وأهمية موضوع البحث ،ودواعي اختياره، وإشكاليات الموضوع، وأخيرا خطة البحث.
أولا:ماهية النوظمة
اعتبر جون جاك شوفاليي هيئات النوظمة،بكونها هيئات تملك سلطات ،ووسائل للعمل القانوني من أجل أداء المهام المنوطة بها، وظيفتها يطلق عليها "النوظمة"، تهدف إلى ضبط تطوير مجالات الحياة الاجتماعية، من خلال الحرص على تأسيس قواعد لعب معينة، والحفاظ على بعض التوازنات. هذه الوظيفة تبرر الجمع بين الاختصاصات القانونية،"سلطة وضع قواعد عامة، أو المشاركة في إعدادها، وسلطة إصدار قرارات فردية ، وسلطة المراقبة والرقابة"، تتمتع بالشخصية المعنوية، وتدخل في بنية الدولة التي تتصرف باسمها.
هذه الهيئات تتمركز خارج الهرم البرلماني، وليست لها الصفة القضائية، يجب أن تعتبر كأنها نابعة من شكل قاعدي للسلطات الإدارية، خاضعة لرقابة القاضي الإداري، لكن ضمانات الاستقلالية العضوية والوظيفية التي تستفيد منها، تجعلها تحتل مكانا داخل فضاء الإدارة، تنفلت من أي تبعية رئاسية أو وصاية، فهي تشكل سلطات معزولة، تتمركز خارج المشهد، وتتمتع بسلطات رسمية للتصرف أو اتخاذ القرار المستقل ".
فالنوظمة في المعنى الاصطلاحي تجمع بين مفاهيم تشكل في الحقيقة ترجمة للأدوار المكلفة بها هذه الهيئات، وهي التنظيم والتقنين والرقابة والضبط، بحيث أن كل مصطلح من المصطلحات الأخيرة ظل عاجزا، وقاصرا عن تبيان الدور الوظيفي للهيئات الناظمة، ولعل هذا ما جعل القانون رقم 24-96 المتعلق بالبريد والمواصلات يفضل مصطلح "تقنين"مع شعوره بصعوبة هذا الاختيار ودقته، حينما اعتبر أن وظيفة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات،هي التقنين والمراقبة والتحكيم، وهو ما حصل بعده للدستور الجديد الذي أطلق عليها وصف "هيئات الحكامة الجيدة والتقنين"( الفصل 165 وما بعده).
وتمتاز هيئات النوظمة بقدرتها على ضمان حماية فعالة للمواطن، وتحقيق ما اصطلح عليه"بالضبط الاجتماعي"الذي يظل السبب الرئيسي وراء ظهورها،من منطلق سعيها تأطير قطاع من الحياة الاجتماعية،بهدف ضبط التوازن بين المصالح المعبر عنها من قبل المشرع، وتنظيمها، وإجراء التحكيم بشأنها ،إن اقتضى الأمر ذلك،بغرض ضمان الحكامة الإداريىة.
فالضبط يقوم على رعاية واحترام قواعد اللعبة والانسجام الاجتماعي، التي هي من صنع الفاعلين أنفسهم المؤثرين في الميدان، مما يجعلهم أكثر تقبلا لها، وميالين بطبعهم لاحترامها، لأنها نتاج التعاقد المهني أو الفكري الذي يربطهم،طبقا لميثاق الأخلاقيات،والقانون المؤطر والضابط لنشاطاتهم ،باعتباره آلية للرقابة والمحاسبة الذاتية.
وقد ساهم انتعاش تحرير المرفق العمومي في تطوير جدل فقهي،ذي مرجعيات قانونية وسياسية واقتصادية،وسوسيولوجية مختلفة، من طرف جيل جديد من الرواد،والمؤسسين لمدرسة النوظمة،الذين وضعوا الأسس الجديدة لمدرسة التدبير العمومي الحديث، وتطوير مفهوم الحكامة العمومية، والذين أرسوا- كذلك- لمعالم قانون جديد يسمى قانون النوظمة le Droit de la régulation ، من خلال الدراسات الرائدة لكل من ج.كومايلJ.Commail ، وب.جوبير B.jober، والإيطالية ل.أرمانَتي Laura Armanati، والفرنسية ماري روش Marie Anne Frison Roche، بالإضافة إلى الأعمال المهمة لكل من جاك شوفاليي و جيرار ماركو.
وسيكون لهذا التوجه الفكري ،آثار مهمة في ظهور موجة جديدة في القانون الإداري، تركز على الإطارات القانونية والمؤسساتية، الكفيلة بتقنين المرافق العمومية المحررة، والأساليب البديلة للتحكيم بين الفاعلين الاقتصاديين والماليين ،خارج ساحة القضاء؛ وقد ساعد ذلك على تفكيك المنظور التقليدي للسلطة التنظيمية ،والتحكيمية النزاعية،وإعطائها روحا جديدة، تمكنها من الربط بين تحرير المرافق العمومية الصناعية والتجارية ،والمفهوم الاقتصادي لتنظيم السوق، وتحرير قطاع المال والأعمال والاتصال.
وساهم انفتاح الدولة على السوق التنافسي الدولي - بعد الشروع في تطبيق اتفاقيات التبادل الحر،ومبادئ المنظمة الدولية للتجارة – في تدشين أولى الإصلاحات التنظيمية لبعض القطاعات المحررة ،وعلى رأسها قطاع الاتصال والمنافسة، حيث مهد ذلك لظهور سلطات إدارية مستقلة للتقنين،كأسلوب مؤسساتي جديد لنوظمة سوق الاتصالات ،من خلال المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري،والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وسوق المال والإعلام،من خلال مجلس المنافسة ومجلس القيم المنقولة،كما ساهم ذلك في ظهور نقاش فقهي،حول هذه الأشكال الجديدة للتدخل العمومي، من خلال سلطات التقنين ،كبديل للتدخل القطاعي التقليدي في تنظيم الاقتصاد .
ونتيجة لذلك أمكن لنا أن نستنتج أن أسلوب تحرير المرفق العمومي، له ارتباطات وثيقة بمنظور جديد لإعادة تنظيم القطاعات المحررة re – régulation بالمعنى الإنجليزي، والتي تعني بداية انسحاب الدولة لفائدة أشكال تنظيمية جديدة،تقوم على التوافق والاستقلال،والحياد وإشراك الفاعلين، وكلها معان مركبة ،تفيد حضور شكل مؤسساتي أو تعاقدي بديل، عن التدخل الأحادي للدولة المركزية .
هذا الترابط والتلازم بين مفهوم تحرير المرفق العمومي، ومفهوم إعادة التنظيم الذي أثاره الاقتصاديون والقانونيون،شكل أرضية سانحة للدفاع عن مفهوم النوظمة القانونية للمرفق العمومي، كشرط أساسي لتحرير هذا المرفق، مستندين في ذلك إلى ضرورة الانتقال ،من مفهوم التنظيم بالمعنى الدستوري والإداري، إلى مفهوم النوظمة الذي يفيد مزيدا من الدمقرطة التنظيمية لهذا المرفق، وتحولا في الغايات التنظيمية.
وهكذا فالمقاربة القانونية لهيئات النوظمة، والتي يمكن أن تكون امتدادا للمقاربة الاقتصادية، تقدم تفكيكا جديدا لمفهوم التنظيم، من خلال نقد البنية القانونية التقليدية للسلطة العامة كأحد المبادئ الأساسية المؤسسة لمفهوم المرفق العمومي، وتسعى لطرح مفهوم جديد يقوم على إدماج الأبعاد المحلية والمهنية والحقوقية كمكونات جديدة للسلطة العمومية.
ثانيا:علاقة القضاء بالنوظمة
إن سحب بعض الاختصاصات التي كانت تعود تقليديا إلى القضاء من هذا الأخير ومنحها لهيئات النوظمة، يطرح مشكل الرقابة القضائية على أعمال هذه الهيئات الإدارية احتراما للمبادئ المستقرة في المنظومة القانونية، والتي تفترض إيجاد جهات رقابة أو إعادة نظر خارجية، إما لضعف أدوات التقييم والمراقبة الداخلية، أو للحاجة إلى سلطة أخرى لا تنتمي إلى نفس النظام تكون أكثر استقلالية وحيادا، وحرصا على المشروعية وضمان الحقوق.
ولقد خول المشرع للهيئات الناظمة، من خلال القرارات الإدارية الانفرادية، سلطات وامتيازات تمكنها من أداء وظائفها. وتعرف هذه السلطات بامتيازات السلطة العامة، وذلك لكونها قائمة على المصلحة العامة، تسمح لها بإصدار قرارات إدارية ملزمة بإرادتها المنفردة، دون الحاجة إلى موافقة أو رضى المخاطبين بها، بل ودون الحاجة إلى لللجوء للقضاء للاعتراف لها مسبقا بهذا الحق، حتى أن القضاء المغربي والمقارن قرر في أحكام له عدم قبول دعوى الهيئة الإدارية أمامه، إذا ما اقتصرت في طلباتها على السماح لها باتخاذ قرار معين هو في الأصل من اختصاصها، طبقا للقاعدة المستقر عليها في فقه القانون العام، وهي أن القاضي يقضي ولا يدير (القضاء قضاء فصل وبث وليس قضاء إدارة وتسيير).
فسمو المركز القانوني للهيئات الناظمة،في مواجهة الأفراد المخاطبين بقراراتها، قد يؤدي إلى المس بمراكز وأوضاع هؤلاء الإدارية أو الاقتصادية أو المالية،عند استعمالها سلطاتها وامتيازاتها، مما يعرض حرياتهم وحقوقهم لخطر حقيقي، في حالة المبالغة في استعمال تلك السلطات،أو استعمالها في غير محلها أو التجاوز فيها، مما اقتضى تقرير ضمانات كافية،لحمايتهم وتأمينهم في مواجهتها.
ويأتي على رأس الضمانات القانونية،التي تسعى إلى إقامة توازن بين امتيازات الهيئات الناظمة،وبين حماية حقوق وحريات الأفراد، آلية الرقابة القضائية ،كمدخل لا محيد عنه ،لحماية المواطنين من الشطط في استعمال السلطة، وتقوية الضمانات التشريعية، لكفالة مشروعية القرارات الإدارية، وتحسين العمل النوظمي، وضبط أدائه الحقوقي، من خلال القواعد والمبادئ الجريئة المسنونة من طرف الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، الهادفة إلى صيانة الحقوق والحريات، والذود عنها وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون. ذلك أن المبدأ العام التي تأثرت به محكمة النقض،بحسب بعض الفقه "أنه بقدر ما تعلو سلطة الإدارة،بقدر ما تعلو سلطة القاضي، وهي السلطة المضادة لهذه السلطة الصاعدة، وذلك بغية إقامة الحق والعدل بين الحاكمين والمحكومين".
وإذا كان السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو ما دور القضاء؟، وما هي مشروعية وحدود تدخله في أعمال هيئات النوظمة؟، فإن علاقة النوظمة بالقضاء، إذا كانت تبرز أكثر في نطاق دعوى الرقابة، أو الطعن في قرارات هيئات النوظمة ،وأعمالها أمام الجهة القضائية المختصة ،من خلال دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة، أو دعوى فحص الشرعية، وأخيرا دعوى المسؤولية الإدارية، فإن هناك مساطر قضائية وإدارية ،لا تقل أهمية عن موضوع الرقابة تشكل مداخل، تكامل وتقاطع، وتكتسي مظهرا من مظاهر التعاون،والتنسيق بين القاضي والناظم، وأهمها مسطرة الاستشارة المتبادلة، ومسطرة الإجراءات التحفظية أو الاستعجالية، ومسطرة البحث والتحقيق، ومسطرة الإحالة، وأخيرا مسطرة البت في تنازع الاختصاص.
وما يعمق التعاون ويقويه أكثر بين القاضي والناظم، هو مبدأ إشراك القضاة في تركيبة وبنية الهيئات الناظمة على مستوى القانون المقارن، وبدرجة أقل في القانون المغربي، بحيث يتعرف القاضي عن قرب من منهجية عملها، وأساليب اشتغالها، ويستفيد من المقاربات الاقتصادية والمالية لنزاعات النوظمة، وفي المقابل ينقل تجربته لكيفية ومنهج التحليل النزاعي لقول القانون.
وتمتاز الرقابة القضائية على أعمال هيئات النوظمة بطابعها الدستوري، وهو ما يعكس أهمية الرقابة باعتبارها وسيلة قانونية،وقضائية لمعاينة كيفية تطبيق القانون،من طرف الهيئات وتصحيح القرارات والممارسات الخاطئة أو غير المشروعة،بردها إلى الشرعية،بشكل يضمن سيادة القانون، وضمان المساواة أمامه.
وهكذا نص الفصل 118 من الدستور على أنه" كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة".
وتظهر أهمية التأسيس الدستوري للرقابة القضائية باعتباره ضمانة لعدم تحصين أي قرار إداري أو إفلاته من الطعن، وكذا حظر أي تقييد لممارسة الحق في التقاضي ومخاصمة القرارات الإدارية غير المشروعة.
ومن المهم البيان أن الهدف من الرقابة القضائية على أعمال هيئات النوظمة،هو ضمان احترام هذه الهيئات للشرعية، أي للقوانين والأصول الإجرائية،والموضوعية المرعية.
ويتميز هذا النوع من الرقابة بكونه يوفر بعض الضمانات الأساسية،من حيث أن القاضي يتوفر على التكوين القانوني الملائم لقول القانون، كما أنه يتوفر على صفتي الاستقلالية،والحياد اللذين يضمنان العدالة، كما أن الأحكام التي تصدر عن القضاء،تتمتع بحجية الأمر المقضي به، وتلزم الجميع بما يضمن الفعالية ،من حيث إلزام الإدارة والخواص بتنفيذها.
وترجع المبررات الفلسفية والقانونية في فرض رقابة القضاء ،في كون هذا الأخير ،يعد الضمانة الوحيدة لحماية الحقوق،وصون الحريات، أكثر من أي كان، لأنه مستقل من جهة، وهذا ما يعطي بعدا للثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، وأيضا لكونه مالكا للسلطة الكافية،التي تمكنه من فرض تنفيذ الأحكام من جهة أخرى، كما يعود السبب إلى مبدأ فصل السلطات، والذي يعني أن كل سلطة تمارس اختصاصها،مع مراقبة السلطات الأخرى.
وتختلف الرقابة القضائية على الهيئات الناظمة عن الرقابة الإدارية، التي كانت تمارس في الوضع القديم قبل الاعتراف والإقرار باستقلالية هذه الهيئات،بعد ولادتها القيصرية، في نقط كثيرة، وإن كانت تسير معها جنبا إلى جنب. وأهم نقاط أو عناصر الاختلاف والمفاضلة بينهما ،تتجلى في الآتي:
- أن الرقابة القضائية من اختصاص القضاء، وهي تخضع للمبادئ المقررة في هذا الصدد، وأهمها أن القضاء لا يملك حق النظر في القضايا، إلا بعد رفعها من صاحب المصلحة، إذ لا يملك أن ينظر فيها من تلقاء نفسه، على خلاف الرقابة الإدارية التي يمكن أن تمارس تلقائيا أو بناء على تظلم المعني بالأمر؛
- أن الرقابة القضائية تقتصر على جانب المشروعية كأصل عام، ولا تمتد إلى جانب الملائمة، على خلاف الرقابة الإدارية التي تشمل الجانبين:جانب المشروعية وجانب الملائمة.
- أن الرقابة القضائية في إطار مبدأ المشروعية، لا تملك إلا الحكم بسلامة التصرف المشكو منه أو بعدم سلامته ،والتعويض عنه، ولا تملك حق إنزال سلطاتها في المسألة المعروضة عليها، بخلاف الوضع في الرقابة القضائية، إذ لها الحق في تعديل التصرف المعيب أو غير الملائم،واستبداله بغيره؛
- أنه يترتب عن عدم بت القاضي في القضية،تحقق جريمة إنكار العدالة، بخلاف الوضع بالنسبة للإدارة ،فهي غير ملزمة بالرد على التظلمات،ما لم يقرر المشرع عكس ذلك؛
- أن الرقابة القضائية ملزمة بإتباع الإجراءات القانونية للنظر في الدعوى، وإلا كان الحكم باطلا لعيب في الشكل والإجراءات، أما الرقابة الإدارية فإجراءاتها بسيطة، إذ المتظلم معفى من الرسوم، ومن وجوب توكيل محام.. ؛
- أن الرقابة القضائية تنتهي بالنظر في القضية،إذا أصبح الحكم حائزا على حجية الشيء المقضي به، إذ لا يجوز للمعني بالأمر إثارة النزاع من جديد مرة أخرى، أما في الرقابة الإدارية ،فيجوز للمعني بالأمر أن يثير المسألة من جديد، ويحق للإدارة أن تعيد النظر فيه، ويمكن رفع دعوى بشأنها أمام القضاء.
وتعتبر الرقابة القضائية،وفقا لهذا المنظور الضمانة الفعالة،والسياج الواقي والأداة"الزجرية"لاحترام مبدأ المشروعية، بحيث يعمل القضاء على إلغاء الأعمال الإدارية المخالفة للقانون، ويلزم الهيئات الناظمة بأحكامه، وقد يقضي بالتعويض،في الحالة التي تنتج عن تلك الأعمال أضرارا مختلفة ،تكون قد مست المتعاملين معها.
وإذا كانت الهيئات الناظمة،قد جاءت لتحل محل القضاء ،في بعض اختصاصاته التي كانت في الأمس القريب جزءا لا يتجزأ من وظائف العدالة، فكيف يعقل ،أن يظل حسب رأي البعض القضاء"المبعد"رقيبا عليها،وحارسا دستوريا على أعمالها وقراراتها،حماية للمشروعية، وسيادة القانون من خلال دعوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة؟.
ثالثا:أهمية موضوع البحث ودواعي اختياره
موضوع "رقابة القضاء على أعمال هيئات النوظمة" موضوع شائك ومعقد، وهو يعاني من فراغ مهول في الخزانة القانونية المغربية لحداثته، ناهيك عن أن قانون النوظمة ،قانون متغير ومتطور، ولا زال حتى في القانون المقارن قانون جنيني،لم يشتد عوده بعد.
ومما صعب من مأمورية البحث في هذا الموضوع،ثرائه في شقه المسطري والإجرائي البالغ الدقة،فيما يرتبط بالخصومة الإدارية والقضائية، وهو ما جعل هامش التحدي،والمناورة العلمية أكبر، فكان سلاحنا في ذلك،أن ننهل بكل تواضع من التجارب الدولية، وما راكمه القضاء الإداري والدستوري في هذا المجال-على نذرته-، معتمدين في ذلك على الخبرة القضائية الفتية في مجال الاحتكاك،بمثل هذا النوع من القضايا والمنازعات، وولعنا الشديد بها، جاعلين نصب أعيننا استحضار المقاربة القضائية البحثة للموضوع، وما يقدمه القضاء للنوظمة،من معاونة وتآزر في تحقيق الأمن القانوني، مستحضرين طابع التقاطع والتكامل بينهما، محاولين قدر الإمكان التأسيس للبحث عن معالم قانون مسطري، وموضوعي موحد ومتكامل للنوظمة، مستأنسين بالمحاولات الفتية للاجتهاد القضائي الإداري، مساندا بالفقه، في وضع لبناته الأولى،على الشكل الذي دافعنا عنه في هذا البحث، بغية إنارة طريق هيئات النوظمة نحو المشروعية وسيادة القانون،وحماية حقوق المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، وإزالة الأشواك التي قد تعترض طريقها، وتعبيدها بسياج الأمن القانوني، يحفظه ويرعاه الأمن القضائي المكرس دستوريا،باعتباره من دعامات دولة الحق والقانون، هذا رغم إكراهات ضعف الاهتمام ،والانشغال التشريعي والفقهي والقضائي بالنوظمة، بالنظر للتطور السريع والمتلاحق لها ،في مجالات النشاط الإداري "والقضائي"ورغبتها في امتلاك حلول سحرية ،وخلاقة غير تقليدية،تعتمد مبدأ الحكامة الإدارية،القائمة على الكفاءة والتواصل،والفعالية والقرب، مع إقامة توازن فريد،بين ضمان فاعلية العمل النوظمي،وحرية وشفافية المنافسة في إطار السوق المالي والاقتصادي من جهة، وحماية حقوق وحريات الفاعلين،والمعنيين بالسوق من جهة أخرى، إما بشكل مباشر أو غير مباشر(حماية المستهلكين)، مع الأخذ بعين الاعتبار،صياغة قواعد ضابطة للنظام العام الاقتصادي (الأمن الاقتصادي)،مكفولة بالأمن القانوني (قوانين وأصول العمل النوظمي)،ومحمية بالأمن القضائي (الرقابة القضائية)، وهو ما يعكس أهمية وحدود الرقابة القضائية على العمل النوظمي،بمختلف صوره وأشكاله وأنماطه.
رابعا:إشكالات الموضوع
إن دراسة موضوع رقابة القضاء على أعمال الهيئات الناظمة،يستلزم منا الاعتماد على المنهج التحليلي النقدي المقارن،كآلية لبحث محل الرقابة،أي العمل النوظمي،وصوره وأشكاله ومنطلقاته،ومرجعياته الدستورية والقانونية، ومظاهر وآثار وحدود الرقابة القضائية،وأهميتها، ومدى فعالية النوظمة القضائية،في ضمان حكامة أو حوكمة النوظمة الإدارية، من خلال مقاربة تقييمية موضوعاتية، أفقية غير عمودية، تتناول محل العمل النوظمي،أكثر مما تتناول هيكل العمل، والهيئة المصدرة لها، وتتتبع كل منها واحدة واحدة، وإنما تبحث في الأسس والكليات المشتركة، وتستحضر الجزئيات،ومواطن الاختلاف، وتستهدف أساسا البحث،عن معالم قانون مسطري وموضوعي للنوظمة، مع مراعاة الطبيعة المتعددة والمتميزة،والوعرة المسالك للحقول القانونية أو الاقتصادية،التي ينهل منها سواء في إطار القانون العام أو القانون الخاص بمختلف تخصصاته.
وهنا يطرح سؤال شرعية الرقابة على أعمال هيئات النوظمة؟، أي مدى الحاجة؟، وما الجدوى من إعطاء سلطة الرقابة للقضاء على أعمال هيئات النوظمة؟، بالنظر للأسس التي تحكمت في إحداثها،كهيئات متخصصة، يفترض فيها أنها الأكثر تأهيلا لتلمس خصوصيات وحاجيات القطاع الذي تعنى به، وإذا ما كانت هناك حاجة للرقابة القضائية،فعلى أي مستوى، وما هي حدود تدخل القضاء؟، ضمانا لعدم تجاوز ذلك التدخل للحدود التي من شانها أن تعرقل أعمال هذه الهيئات، وتحول بينها وبين تحقيق المهام الموكولة إليها، وما هي آليات ذلك التدخل، وهل الآليات التقليدية كافية،أم يجب ملائمتها لتستجيب بشكل أفضل لطبيعة مهام هذه الهيئات..؟.
لنخلص في الأخير إلى المعطى التقييمي،حول مدى قدرة القضاء ،وكفاءته في ضمان انسجام وملائمة النظام القانوني لهيئات النوظمة،مع الأنساق القانونية والقضائية والإدارية، أي مع الأهداف الاقتصادية والسياسية للمشرع،وخاصة ما تعلق بفرض الضمانات القضائية عليها،والتي أساسها احترام حقوق الدفاع،والتمسك بالشرعية.
فالهدف من الدراسة إذن هو إيجاد نظرية عامة للرقابة القضائية،بغية تحديد معالمها من أجل وضع قواعد قانونية وأخلاقية مؤطرة،لعمل هذه الهيئات تساعدها في تثبيت شرعيتها،وأهليتها في ضمان التكامل بينها، وبين القضاء، وفي تطوير السوق وضبط حرية المنافسة وحماية المستهلك، وضمان حقوق الفاعلين الاقتصاديين،والمدارين بشكل عام.
فهل يتعلق الأمر بمحاولة إبعاد القضاء عن مجال القرار في القانون الاقتصادي؟، وهل هذا الإبعاد إن ثبت يتناول فقط الهيكل؟، أي استبدال القاضي بالناظم، أم يمتد إلى المضمون؟، أم أن الأمر يتعلق فقط بمحاولة إعادة توزيع السلطة ،والاختصاصات بين القاضي والناظم؟، وهل استبدلت الرقابة السابقة،بالرقابة اللاحقة للقاضي على مضمون العمل النوظمي؟، وهل توجد مؤشرات ومنطلقات للتشاور،والتعاون والتنسيق بين القاضي والناظم؟ لإيجاد أرضية مشتركة لحكامة النوظمة، وما هي محاور التكامل أو التقاطع؟.
وكيف طور القضاء رقابته على أعمال هيئات النوظمة،وقراراتها بشكل متفرد،ومتميز عن الطعون الإدارية العادية (الرقابة القضائية بين الثابت والمتغير) ؟، وهل الرقابة هي رقابة مشروعية أو تمتد حتى لمراقبة جانب الملائمة؟.
وهل القضاء عنصر إثراء حيوي لنظام النوظمة؟، ومصدر اجتهاد لضمان فعالية هذا النظام، طالما أن الحق في الرقابة حق دستوري لا غنى عنه،كما أكد على ذلك المجلس الدستوري الفرنسي،والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان،والدستور المغربي.
خامسا:خطة البحث
الحقيقة أن اقتحام العمل النوظمي بكل قوة وحكمة،لمجال التنظيم والضبط،وفصل المنازعات، والذي كان إلى حد قريب ،من مهام السلط الثلاث للدولة،التنفيذية والتشريعية والقضائية، وامتلاك هذه الهيئات الناظمة،لسلطات وامتيازات،تجمع كل هذه السلطات في يد واحدة، بصرف النظر عن الأسس الدستورية لذلك، فرض التساؤل بداية عن نوع العلاقة التي تربطها بالقضاء، انطلاقا من اختلاف وظائف النوظمة وطبيعتها،عن وظائف القضاء وطبيعته، مما استلزم بحث مستويات ،وآليات تدخل القضاء أو مشاركته في "مجال العمل النوظمي التنظيمي"، وكذا ملامح وأوجه وميكانزمات،تدخل النوظمة في "مجال المنازعات الشبه القضائية أو القضائية المحضة"، بحسب الطبيعة أو المآل، مما سيمكن من الوقوف على علاقة التكامل أو التقاطع بين النوظمة والقضاء في البنية والمهام (الباب الأول)،كأرضية مناسبة لدراسة "جانب المنازعات الإدارية "على مستوى الرقابة القضائية على الأعمال والقرارات الإدارية الصادرة عن هيئات النوظمة ،والضمانات المؤطرة لها لحماية الحقوق،والحريات الدستورية،وصونها من خلال دعوى الإلغاء (الباب الثاني)كآلية لتحقيق المشروعية وسيادة القانون.
تلكم إذن هي أهمية إشكالية الرقابة القضائية على أعمال هيئات النوظمة،والتي حرص المشرع المغربي على جعلها شاملة لجميع الهيئات، ولمختلف القرارات الإدارية الصادرة عنها،بحسب طبيعتها وصورها .
وقد ركزنا في هذا البحث،على ضرورة إيجاد خيط ناظم ورابط لأجزائه،لجعلها تتسم بالتوازن والانسجام،في تحليل الأفكار المرتبطة بالموضوع، مع احترام خاصية التسلسل المنطقي في خطته،التي تعتمد البعد التكاملي للموضوع.
وهكذا جاء تصميم الأطروحة على الشكل التالي:
الباب الأول: النوظمة والقضاء :تكامل أم تقاطع في البنية والمهام؟
الباب الثاني:رقابة القضاء على أعمال هيئات النوظمة من خلال دعوى الإلغاء.
ومما لاشك فيه فإن تحقيق فعالية العمل النوظمي يتوقف على وجود مسألتين أساسيتين: أولاهما استقلالية حقيقية أساسها القانون ومبناها الواقع ،وثانيهما كفاءة واقتدار في اختيار أجود الطاقات المختصة ،والمؤهلة قانونا وعلما وفنا في إدارة وحكم الهيئات الناظمة وصناعة القرار النوظمي ،و في المقابل فإن اكتمال مقومات النجاح للفكر النوظمي عموما ،بجناحيه الناظم والقاضي ،ورافديه الإدارة والمهنيين ،مرتبط أيضا بقضاء إداري نوظمي عادل، متشبع بتقنيات وآليات فن النوظمة،يكفل ويضمن رقابة واسعة للمشروعية،ويحفظ سيادة القانون ،ويحمي الحقوق والحريات الدستورية،ويساهم في دمقرطة الحياة النوظمية، ويدعم التنمية الحقوقية والاقتصادية.
وتزامن هذا الواقع السياسي والفكري الجديد المناصر لفكرة الدولة الحد الأدنى، والتخفيف من القيود، مع انفجار أزمة المديونية في بداية الثمانينات، لتتركز نصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول الإصلاح الاقتصادي على ضرورة استعادة دور السوق والقطاع الخاص، وتقليص دور الدولة خاصة في القطاعات الانتاجية.
وهكذا أسس تراجع الدور الاقتصادي للدولة جغرافية دولية جديدة تفقد فيها الحكومات احتكار ضبط المجال الاقتصادي الوطني، والهيمنة على المعاملات الاقتصادية عبر القومية، لفائدة قوى غير دولتية تتبنى مبدأ الفعالية بدل الشرعية، استوجب مراجعة جدرية للدولة إزاء تحديد سياستها اتجاه المؤسسات العمومية عن طريق انتهاج سياسة الخوصصة التي تشكل نقطة محورية في إصلاح هذه المؤسسات،لتفعيل التنافسية التجارية. فتبسيط جهاز الإدارة وإضفاء مرونة وفعالية أكثر هدفه تشكيل بيئة طبيعية وملاءمة للمقاولة الحرة من خلال ضمان سرعة وجودة الخدمات العمومية وتدعيم سياسة اللامركزية الإدارية.
وعرف دور الدولة نتيجة هذه المرحلة، تطورا ملحوظا من الدولة التدخلية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية إلى الدولة الكلاسيكية ذات المفهوم المحايد، وهو دور تطلب إيجاد الوسائل الضرورية للمؤسسات العمومية والقطاع الخاص للقيام به، كما تطلب استعمال تقنيات حديثة تتماشى وهذا الدور.
ولضمان سير هذه المؤسسات بالنزاهة الضرورية، وضمان تحقيق الأهداف المرجوة من خلال إعادة توازن السلطات، والعمل على احترام نصوص القانون، تم خلق هيئات النوظمة بغرض ضوبطة وحوكمة مجالات حية إدارية واقتصادية ومالية واجتماعية، من أجل العمل على شرعنة النشاطات المتعلقة بها.
ويتمثل دور هيئات النوظمة في حماية الحريات والحقوق الفردية والجماعية وصيانة النظام العام الاقتصادي والمالي، إنها تكتسب شرعيتها ليس من صندوق الاقتراع والانتخاب الديمقراطي، بل من ضمانات الاستقلالية والحياد، واختصاصها وتكوينها وطريقة ومنهج عملها.
فالنوظمة أو الضبط عبارة عن مفهوم جديد ومتغير للدولة لا ينفصل عن أزمة دولة الرعاية، فهو يتضمن الانتقال من الدولة المنتجة والمالكة للأصول الاقتصادية والمالية، والتي تضمن التدبير المباشر والرئيسي للأنشطة الاقتصادية إلى الدولة الضابطة أو الناظمة التي لا تحل محل الفاعلين الاقتصاديين، ولكنها في المقابل تقتصر على فرض مجموعة من قواعد اللعبة أو السعي إلى التنسيق وضمان الانسجام بين أعمالهم و أنشطتهم.
كما يشمل المفهوم أيضا ظهور أسلوب ومنهج جديد لطريقة تدبير الفعل العمومي، حيث أن الدولة لا تنصب نفسها كفاعل، ولكن كحكم داخل المنظومة الاقتصادية، لكونها تخلت بكيفية شبه نهائية عن فرض آرائها، وأصبحت تتفاوض باستمرار مع الشركاء في الميدان من أجل تحقيق التسويات الضرورية والتخفيف من التوترات وفض النزاعات وضمان توازن المجموع، مما فرض ضرورة إدراك الدولة لاستمرارية مهامها المتعلقة بالمصلحة العامة في إطار سياق التخلي التدريجي عن مهامها وإعادة تركيبها أو صياغتها، والناتج عن مسلسل التحرير، وهنا تطرح إشكالية ضبط كل المرافق العمومية، ولجوء الدولة المتزايد إلى مؤسسات ووحدات تتوفر على امتيازات السلطة العامة.
ولقد مكنتنا مسيرة البحث من الوقوف على وضعية الحقل النوظمي بالمغرب، من خلال تحليل الإطار القانوني لهيئات النوظمة، والوقوف على المعوقات القانونية التي تحد من فعاليتها، وبحث ملاءمة مقتضيات قانون النوظمة مع المعاهدات والأوفاق الدولية، وتصور الحل الأنجع لتوفير نظام نوظمي فعال وموثوق به، يقابله قضاء نوظمي عادل وكفء استطاع باقتدار التكيف مع المستجدات الجديدة لهيئات النوظمة، وتقديم نفسه كقاض ناظم، ليس بديلا للناظم، وإنما مؤازرا له ومتعاونا معه وحارسا وحافظا ومؤتمنا على الشرعية وسيادة القانون، مشجعا له على الاستمرار في حفظ المكتسبات، وتجاوز الهنات سواء التشريعية أو التنظيمية أو العملية النوظمية، وهذا ما أثبت جليا وبشكل واضح أنه لا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر، ولا يمكن أن يحل محله أو ينتقص من سلطاته وحقوقه، فالنوظمة هي آلية للخبرة وقنطرة الذهاب أي عبور والسعي للقضاء، تتخللها وقفات تعاون وتشاور بينهما، والقضاء هو خاتمة القنطرة أي محطة الإياب، فيها يتم البحث عن معايير السلامة ومراقبتها وتقييمها، وتنقيطها سلبا أو إيجابا.
وهكذا إذا كان القاضي لا يتردد، بل ويتساهل في الكثير من الأحيان في تعيين الخبير للفصل في الجوانب التقنية المعقدة للنزاع المطروح أمامه، من منطلق سلطته التقديرية وممارسة صلاحياتها القانونية بأمر من القانون أو بأمر من واقع الملف، بحكم أن خبرته وتكوينه لا يتعدى مجال القانون، ولا يتجاوز المعطيات الفنية والتقنية، أفليس من الأجدى والأنفع والأقوم لحسن سير العدالة بالنظر لعدم تخصص القاضي في الإشكال الفني المطروح والعالق إحالة أو عرض النزاع بقوة القانون ابتداء-بأمر من المشرع -على الهيئة الناظمة من منطلق الخبرة والتخصص والدراية المهنية بأصول العمل النوظمي، وبتشعباته وتعقيداته وفنونه أو بأمر من القاضي مباشرة، كلما تعلق الأمر بنزاع يتصل بالعمل النوظمي لم يحصر المشرع اختصاص الهيئة الناظمة بالنظر فيه ابتداء؟ ولما لا أيضا وبأمر من إرادة الأطراف وبملء حريتهم طوعا لا كرها من خلال دائما الهيئة الناظمة، ولكن تحت مسميات مؤسسة التحكيم أو الوساطة بنوعيها الاتفاقية والقضائية أو الصلح؟ وهي حقا تقوم بكل هذه الأدوار سواء تصريحا من خلال النص التشريعي تارة، أو على الأقل تلميحا من منطلق التشبيه واستعمال آلية القياس.
أفليس القاضي يظل رقيبا وحافظا للمشروعية، سواء عند عرض النزاع بقوة القانون -بأمر من المشرع -على الهيئة الناظمة انتهاء بمناسبة دعوى الرقابة أو الطعن، أو عندما يأمر القاضي ابتداء بموجب حكم تمهيدي، كإجراء من إجراءات التحقيق بتعيين الهيئة الناظمة كخبير في الدعوى، بمناسبة البت في القضية والحكم فيها، وتقدير الخبرة وحجيتها انتهاء، أو عند إضفاء الصيغة التنفيذية على القرار التحكيمي النوظمي، إذا ما استقر هذا الاختصاص كقضاء منافس غير"بديل"، فضلا عن أنه يمكن للهيئة الناظمة بمناسبة نظرها أصليا في المنازعة، أن تطلب من القاضي اتخاذ إجراءات تحفظية على وجه الاستعجال.
إن هذا المرتكز القانوني، وحده لكفيل بالقول بكون أن الأمر لا يتعلق بإخراج القضاء من حقل النوظمة، وإنما في حقيقة الواقع والحال، إخراج السلطات الإدارية التقليدية من فضاء النوظمة، لأنه تاريخيا قبل إحداث النوظمة، كانت سلطة اتخاذ القرارات الإدارية الضابطة من صلاحية أجهزة الدولة العتيقة، ولم تكن من صلاحية القضاء قطعا من خلال امتياز التنفيذ التلقائي الذي تتمتع به القرارات الإدارية عامة، فضلا عن أن المقترب الرقابي القضائي كان دائما حاضرا، سواء قبل إحداث النوظمة أو بعدها، وإن بمنظور جديد ومتغير أكثر ثباتا وعزما بعد النشأة والتطور، لكون المتغير الأساسي، هو شكل وبنية الهيئات الجديدة وطريقة تكوينها، ونوع الاستقلالية والحياد التي تتمتع بها، عن الإدارة والفرقاء المكونين لها والممثلين بها، والمواطنين، وتقمصها لجميع الصلاحيات التنظيمية والرقابية والزجرية، في أيد واحدة، بحكم خبرتها في الميدان بأساليب العمل النوظمي، ودقائقه.
وهكذا فالتفرد النوظمي للهيئات الناظمة اقتضى أسلوبا جديا من التعامل، ومنهجية أكثر حكامة، بجرأة واحترافية، صاحبها تفهم لطبيعة الدور من طرف القضاء، استشعارا لحجم المسؤولية من الجانبين، لكون الرقابة الشعبية أكثر حضورا، وترقبا وترصدا للمشهد النوظمي أكثر من الفاعلين أنفسهم، لأنها أداة للتقييم حسب الدستور الجديد الذي بوأها المكانة التي تستحقها على الدوام، لأن السيادة للشعب بها، ومن خلالها تنضج الأفكار وتصحح الممارسات وتقوم الاعوجاجات، وتحفظ المكتسبات.
إن تقييم وضعية العمل النوظمي في بلادنا يسمح بالخروج بالخلاصات التالية:
- عدم كفاية النظام الحالي، لأنه لا يغطي جميع المسائل والإشكاليات القانونية المرتبطة بالنوظمة؛
- وجود قيود شكلية وموضوعية على النوظمة؛
- بعض مواطن القصور في الممارسة العملية لهيئات النوظمة؛
- ضعف اللجوء للقضاء كجهة طعن ورقابة على العمل النوظمي؛
- ضعف مواكبة الحلول الدولية والمقارنة للعمل النوظمي.
ولاشك أن عملية تقييم الإطار البنيوي والتنظيمي لهيئات النوظمة، ومنهجية رقابة القضاء على أعمال هذه الهيئات مكنتنا من الوقوف على العديد من السلبيات أو الإشكاليات ذات الطبيعة العامة أو المتخصصة، سواء الأفقية أو العمودية، القانونية أو النوظمية العملية أو القضائية الرقابية، وخلصنا إلى إعداد مقترحات لتجاوزها بغية تطوير شروط ممارسة الفعل النوظمي، وعقلنة النظام القانوني والقضائي الذي يحكمه، في أفق تطوير شروط اللجوء إلى "قضاء" النوظمة أو" قوضئته"أي إضفاء الطابع القضائي عليه، بعد تقوية استقلاليته، ودعم المراقبة الديمقراطية على منتوجه، وتفعيل الرقابة القضائية على قراراته الإدارية من طرف القاضي "الناظم" دعما لسيادة القانون وللمشروعية، طالما أن هذا النوع من الرقابة يكتسي طابعا دستوريا وسياجا واقيا من التعسف أو الجور، وحافظا وحاميا للحقوق والحريات.
أولا: تطوير شروط ممارسة السلطة
- تنويع الخبرات الفنية والتقنية والجمعوية المتخصصة في إطار اختيار وانتقاء أعضاء هيئات النوظمة، والقطع مع التعيين السياسي الديكوري؛
- تحقيق نوع من التوازن في التعيين بين السلطات والإدارات العمومية والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني؛
- تحديد مدة قصوى للانتداب لا تتجاوز أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحد تنطبق على الرئيس والأعضاء؛
- التنصيص الصريح على حصانة رئيس وأعضاء الهيئات من النقل والعزل؛
- توحيد نظام الجهة التي تحدث لديها الهيئة الناظمة؛
- إشراك القضاة في عملية اختيار الأعضاء، وتكليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية حصرا بذلك؛
- جعل رئاسة الهيئات الناظمة من نصيب الشخصيات القضائية المشهود لها بالكفاءة والتجربة أو من الشخصيات القانونية المتميزة؛
- ضمان تشكيلة متنوعة وكافية للهيئات، يمكن أن تتميز بممارستها لمهمة المتابعة والتحقيق و أخرى للتقرير أو الحكم؛
- تنظيم مسطرة تجريح أو مخاصمة الهيئة الناظمة، سواء أثناء ولاية الأعضاء أو بعد بعد انتهاء الولاية.
ثانيا: عقلنة النظام القانوني والتنظيمي لهذه الهيئات
- اعتبار القواعد العامة الدستورية المتعلقة بحقوق المتقاضين، وقواعد سير العدالة مبادئ مشتركة بين القضاء وهيئات النوظمة؛
-تمكين الهيئات من صلاحية استعارة القواعد العامة المنظمة للمسطرة المدنية وتطبيقها على الهيئات الناظمة؛
- التفكير في وضع قانون مسطري، وآخر موضوعي لهيئات النوظمة، يجمع أهم الصفات والمميزات، والمساطر المشتركة لمبادئ المحاكمة العادلة النوظمية؛
-دراسة إمكانية تخويل نفس الاختصاصات لهيئة موجودة قبل إحداث هيئة جديدة
- إحداث خلايا أو وحدات أو لجان مشتركة بين هيئات النوظمة تتولى التنسيق والتشاور فيما بينها؛
- تنظيم تنازع الاختصاص الإيجابي أو السلبي بين هيئات النوظمة، ومنح القضاء صلاحية الفصل في التنازع؛
- تنظيم تنازع الاختصاص بين القضاء وهيئات النوظمة، بحيث يمنح أسبقية للجهة المعروض عليها النزاع ابتداء للفصل فيه، إذا كان يتوقف عليه الفصل في القضية وكان ذلك من صميم اختصاصها؛
- إحالة الأفعال الجرمية مباشرة على النيابة العامة بالرباط، واعتبار الإحالة بمثابة تحريك للدعوى العمومية؛
- القطع مع نظام وأسلوب المؤسسة العمومية كإطار للعمل النوظمي، واعتبار الهيئات من منطلق تكييفها القانوني هيئات خاصة تتمتع بصلاحيات السلطة العامة، مع الاعتراف لها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري؛
- ضبط آجال البت من طرف الهيئات، ومسطرة تبليغ القرارات وإشهارها؛
- تحديد قواعد ومقومات سلطة التنظيم والزجر؛
- الفصل بين مسطرة التحقيق والحكم في العمل النوظمي؛
- إدخال نظام العود ضمن العقاب الزجري الإداري؛
- إدخال نظام العفو عن العقوبة الإدارية؛
- إدخال نظام رد الاعتبار للعقوبة الإدارية؛
- إحداث نظام السجل العدلي الإداري؛
- توسيع نطاق استشارة الهيئات؛
- جعل استشارة الهيئات استشارة إلزامية؛
- إدخال المساطر الحبية والتوافقية في ممارسة الجزاء؛
- وضع ضوابط وأصول للعمل التنظيمي للهيئات؛
- توحيد إجراءات استخلاص الغرامات والحقوق المالية للهيئات من خلال سلوك مسطرة التحصيل العمومي.
ثالثا: تطوير شروط اللجوء إليها
- التوسيع من نطاق الأشخاص والهيئات والمنظمات والجمعيات التي يحق لها مباشرة رفع النزاع؛
- التنصيص على إمكانية الإثارة التلقائية للنزاع النوظمي من طرف الهيئات؛
- التنصيص على حق كل هيئة ناظمة في إحالة النزاع على الهيئة الناظمة المختصة، وخاصة مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها؛
- تمكين الهيئات من وحدات تقنية وفنية للرقابة والبحث والتحقيق في النزاعات؛
- تخويل الهيئات حق فرض جزاءات على الإثارة التعسفية؛
- تخويل الإدارات العمومية وأشخاص القانون العام عموما بما فيها هيئات النوظمة الأخرى حق اللجوء إلى هذه الهيئات التي تشاركها الاختصاص، والسماح لها بالاستفادة من خبرة هذه الإدارات؛
- تفعيل الإنابات بين هيئات النوظمة الأجنبية في مجال النوظمة، وفق قواعد المعاملة بالمثل؛
- تنظيم مسطرة الاعتراف وإضفاء الصبغة التنفيذية على هيئات النوظمة الأجنبية؛
- تخويل الهيئات صلاحية فرض غرامات تهديدية في حالة الامتناع عن تنفيذ الجزاءات الإدارية المقررة.
رابعا: تقوية الاستقلالية
- دعم مبادئ الاستقلالية العضوية والشخصية للهيئات؛
- التفكير في أسلوب الانتخاب بدل التعيين في انتداب الأعضاء؛
- دعم الاختصاص التقريري للهيئات الناظمة؛
- تحييد الهيئات عن الجوانب السياسية للمنازعات؛
- رفع القيود التنظيمية والرقابية على الهيئات؛
- التنصيص على حظر خرق السر النوظمي، وترتيب جزاءات جنائية ومدنية وإدارية.
خامسا:تقوية المراقبة الديمقراطية
- صياغة ميثاق العمل النوظمي؛
- فرض تحرير قرارات هيئات النوظمة باللغة العربية؛
- لزام نشر مشاريع ومقترحات النصوص التشريعية والتنظيمية المتصلة بالنوظمة
- التنصيص على الرقابة البرلمانية الدورية على هيئات النوظمة؛
- فرض نشر التقرير بالجريدة الرسمية؛
- دعم الشفافية والمسؤولية والمحاسبة لأعضاء هيئات النوظمة؛
- إحداث آليات ومناهج وطرق علمية لتقييم العمل والقانون النوظمي؛
- دعم مراصد البحث والتكوين المهني والجامعي في قانون وقضاء النوظمة؛
- تشجيع التعليق على قرارات هيئات النوظمة؛
- تقوية أبعاد التكوين القانوني النزاعي للأعضاء؛
- تشجيع إبرام اتفاقيات تعاون بين هيئات النوظمة المغربية، فيما بينها أو بينها وبين الهيئات الأجنبية؛
- تفعيل الرقابة المالية على هيئات النوظمة وتوحيد مساطرها.
سادسا:تقوية المراقبة القضائية
- التنصيص على مبدأ الاستشارة المتبادلة بين القضاء والهيئات؛
- التنصيص على إمكانية تعيين المحاكم لهيئات النوظمة في إطار مقتضيات الخبرة القضائية؛
- الحفاظ على اختصاص القضاء الإداري بالرقابة على أعمال الهيئات الناظمة؛
- توحيد جهة الاختصاص على مستوى القضاء الإداري بمنحه مباشرة لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط أو للغرفة الإدارية بمحكمة النقض في أفق إحداث المحكمة الإدارية العليا، اختصارا لأمد التقاضي ومراحله ولدعم مبدأ الحق في محاكمة سريعة بتفادي سلبيات تشتيت المنازعات على أكثر من جهة قضائية مع ما يترتب على ذلك من صدور أحكام بعدم الاختصاص، واهتزاز ثقة المتقاضين بالعدالة، واختلال الأمن القانوني والقضائي؛
- تنظيم المسؤولية الإدارية للهيئات الناظمة لضمان مشروعية قراراتها وحفظ حقوق المتضررين من تصرفاتها القانونية أو أعمالها المادية؛
- توحيد إجراءات الاختصاص التحفظي والاستعجالي لهيئات النوظمة، ومنحه إما للهيئات نفسها أو للقضاء وحده؛
- تحديد آجال البت القضائي في نزاعات النوظمة تحقيقا لمبادئ المحاكمة العادلة والناجزة؛
- التنصيص صراحة على اعتبار هيئات النوظمة أو الجهة المحدثة لديها طرفا في دعوى الرقابة، مع ما يترتب على ذلك من ضرورة تبليغها بمقال الطعن، وحقها في الجواب أو التعقيب أو الطعن؛
- توسيع صلاحيات القضاء الإداري بتخويل حق التصدي عند إلغائه قرارات هيئات النوظمة، وحقه في استبدال العقوبة وتغييرها، وذلك باعتبار دعوى الرقابة بمثابة دعوى القضاء الشامل، يملك في إطارها القاضي صلاحية فحص القرار المطعون فيه وإصلاحه أو تعويضه بقرار آخر؛
- فرض تعليل القرارات الإدارية للهيئات تحت طائلة البطلان لسيادة مبدأ المشروعية وتحقيق الشفافية؛
- فرض عدم نشر القرارات الزجرية الإدارية إلا بعد صيرورتها نهائية بعدم الطعن فيها أو باستنفاذ طرق الطعن تدعيما لقرينة البراءة؛بالموازاة مع ضمان الحق في المعلومة؛
- التنصيص على إجبارية إعلام الأطراف بالوقائع المحالة على الهيئات قبل اتخاذ قرار العقوبة بشأنها تدعيما لحق الدفاع؛
- دعم تكوين القضاة الإداريين والقضاة الملحقين بالمعهد العالي للقضاء في مجال قانون وقضاء النوظمة؛
- وضع دليل استرشادي لقواعد ومبادئ الرقابة القضائية على العمل النوظمي؛
- نشر القرارات القضائية المتصلة بالعمل النوظمي؛
وهكذا تتلخص أهداف الإصلاح التشريعي المقترح في تحقيق متطلبات إنجاح قضاء النوظمة من خلال:
- إرضاء تطلعات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والحقوقيين بصفة عامة؛
- ملاءمة التشريع المغربي مع المبادئ الدولية للنوظمة.
- الاستفادة من التجارب التشريعية المقارنة؛
- دعم الإجراءات المواكبة من خلال:
- تشجيع اللجوء لهيئات النوظمة والتحسيس بأهميتها وتطوير مسطرة التحريك التلقائي للمنازعات؛
- إنشاء مراكز البحث النوظمي وقضاء النوظمة.
والله الموفق والهادي إلى الصواب.
تعرف هيئات النوظمة بأنها هيئات إدارية تعمل أو تتصرف باسم الدولة وتتمتع بسلطات حقيقية بدون خضوعها لسلطة الحكومة.
وتختص هذه الهيئات بتنظيم وضبط قطاعات إستراتيجية اقتصادية ومالية. وبحكم ممارستها لسلطات ضبطية و تنظيمية،فهي تسعى للوساطة والتحكيم،والفصل بين المصالح المتنازعة، وكذا وضع إطار قانوني وأخلاقي ملزم مؤطر للعمل المهني والتجاري والحقوقي، لكافة المدارين في مجالات المنافسة والقيم المنقولة ،والإعلام والاتصال.
ويعرف التشريع المغربي أربع هيئات ناظمة أساسية ومهمة ستكون موضوع دراستنا وهي: مجلس المنافسة، الهيئة المغربية لسوق الرساميل، المجلس الأعلى للاتصال السمعي – البصري وأخيرا الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات.
ويرجع الفضل في اختيار مصطلح هيئات النوظمة للفقيه المقتدر محمد علمي مشيشي بمناسبة إحداث منتدى النوظمة بكلية الحقوق بفاس والذي اعتبر أن المصطلح قادرا على استيعاب أدوار واختصاصات الهيئات المختلفة والتي تجمع بين التنظيم والضبط والرقابة والتحكيم والفصل في المنازعات ،هذا رغم أن الدستور المغربي انتصر في الأخير لمصطلح "هيئات الحكامة الجيدة والتقنين" ،لكن هذا الاختلاف لا يؤثر في طبيعة الهيئات وسلطاتها.
إن تنوع مجالات عمل هذه الهيئات، يبين بشكل جلي ملامح الاتجاه نحو إعادة صياغة وظيفة الدولة ،وإعادة تحديد أدوارها ووسائل تدخلها، في عدد من القطاعات الاقتصادية والمالية، لتخفيف عبء تدخلها الاقتصادي المباشر، ولتكريس سياسة الانفتاح الليبرالي، والعزوف عن سياسة الاحتكار، واستبدال أسلوب الإدارة المباشرة للمرافق والخدمات العمومية، بأساليب جديدة تقوم على تفويض مهام الضبط والتقنين والتأطير لهيئات ناظمة جديدة، مما يعكس وجود نهضة حقوقية تشريعية قوية ورائدة، هي نتاج التحرر الاقتصادي والقانوني، تراعي تبني النظم الحديثة الشبه القضائية Quasi juridictionnel كفضاء لتسوية بعض المنازعات، ومساعدة الأطراف المهتمة في عملها كشرط ضروري لصحة وفعالية النظام.
فالتطور الكمي والنوعي لهيئات النوظمة،يعني وجود ربط جديد بين الاقتصاد والقانون،ويفسر الاتجاه الحديث نحو نوظمة الدولة وأفول الوزارات ذات الصلة بنشاط الهيئات الحالة محلها والممارسة لجميع صلاحياتها،بحيث دخلت الهيئات الناظمة قطاعات الاقتصاد والمال والأعمال والتأمين والبنوك وحتى المجال الجنائي الشديد الحساسية والمعتبر من النظام العام لم يسلم من هذا التوجه من خلال وحدة معالجة المعلومات المالية .
وقد قارن مقرر مشروع قانون Jean Foyer الفرنسي،هذه الهيئات بشبيهاتها الأنجلوساكسونية،من حيث كونها تأخذ بعض أشكالها أو مظاهرها من ناحية التنظيم ،من المحاكم وتتمتع بنظام يضمن لها استقلالا حقيقيا.
ولاشك أن الأمر يتعلق بمؤسسات تنتفي عنها الصبغة القضائية، تساهم في حماية حقوق المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمدارين بشكل عام، وتسهر على قانونية سير المؤسسات العامة والخاصة.
وبالنظر لتخصص هذه الهيئات واستقلاليتها، فهي تبدو كإطار قانوني وتنظيمي فعال، قادر على ضمان تنظيم جيد ،وضبط اجتماعي واقتصادي ومالي محكم ،يكفل التنظيم والتأطير لقطاعات كثيرة، بما يسمح باحترام التوازن بين المصالح، وإيجاد صيغ التوافق بين حقوق المواطنين والمصلحة العامة.
ومما لا مراء فيه أن هيئات النوظمة ،خلقت من رحم معاناة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والماليين، من البيروقراطية الإدارية والانتظارية، وتمركز القرار، وغياب الشفافية وقوة المبادرة، لتعلن نفسها كبديل للإدارة أو المحاكم،أو على الأقل كمنافس حقيقي لهما، اقتطعت جزءا كبيرا من صلاحياتهما الإدارية والتنظيمية،والضبطية والزجرية، لكن هذا الإقصاء أو الإبعاد، المرافق لنظرية الحلول، فرض نوعا من المواءمات التشريعية، التي تتلاءم مع طبيعتها المزدوجة الإدارية،والشبه قضائية،سواء على مستوى بنيتها وتشكيلها وهياكلها ،وضمانات الاستقلالية والحياد أو على مستوى مهامها واختصاصاتها، وضمانات الفعالية ،وحجية الشيء المقضي به .
وهكذا تم تمكين هذه الهيئات،من سلطات وصلاحيات واسعة، تأخذ مظاهر وأشكال متعددة، تقتسم بموجبها مع الإدارة والقضاء ،فضاء التنظيم والتشريع،والزجر والعقاب، متسلحة بدعم ومؤازرة الفاعلين في الميدان، لأنها ليست نتاج القانون الدولتي فقط، بل نتاج قانون رضائي اتفاقي من صنع أصحاب القرار حاكمين ومحكومين، والمؤطرين بضوابط أخلاقية وتنظيمية، أسهموا جميعا في صياغتها، وتوافقوا عليها، بإجماع بينهم، لأنها تشكل محصلة قواعد المهنة وأصولها.
وللإحاطة بالأسئلة التي فرضها النسق الجديد،الذي أدخلته هيئات النوظمة على الأنساق الإدارية والقضائية على التشريع المغربي، نستعرض في هذا التقديم لمحة مختصرة ودقيقة،عن ماهية النوظمة، وعلاقة القضاء بهيئات النوظمة، وأهمية موضوع البحث ،ودواعي اختياره، وإشكاليات الموضوع، وأخيرا خطة البحث.
أولا:ماهية النوظمة
اعتبر جون جاك شوفاليي هيئات النوظمة،بكونها هيئات تملك سلطات ،ووسائل للعمل القانوني من أجل أداء المهام المنوطة بها، وظيفتها يطلق عليها "النوظمة"، تهدف إلى ضبط تطوير مجالات الحياة الاجتماعية، من خلال الحرص على تأسيس قواعد لعب معينة، والحفاظ على بعض التوازنات. هذه الوظيفة تبرر الجمع بين الاختصاصات القانونية،"سلطة وضع قواعد عامة، أو المشاركة في إعدادها، وسلطة إصدار قرارات فردية ، وسلطة المراقبة والرقابة"، تتمتع بالشخصية المعنوية، وتدخل في بنية الدولة التي تتصرف باسمها.
هذه الهيئات تتمركز خارج الهرم البرلماني، وليست لها الصفة القضائية، يجب أن تعتبر كأنها نابعة من شكل قاعدي للسلطات الإدارية، خاضعة لرقابة القاضي الإداري، لكن ضمانات الاستقلالية العضوية والوظيفية التي تستفيد منها، تجعلها تحتل مكانا داخل فضاء الإدارة، تنفلت من أي تبعية رئاسية أو وصاية، فهي تشكل سلطات معزولة، تتمركز خارج المشهد، وتتمتع بسلطات رسمية للتصرف أو اتخاذ القرار المستقل ".
فالنوظمة في المعنى الاصطلاحي تجمع بين مفاهيم تشكل في الحقيقة ترجمة للأدوار المكلفة بها هذه الهيئات، وهي التنظيم والتقنين والرقابة والضبط، بحيث أن كل مصطلح من المصطلحات الأخيرة ظل عاجزا، وقاصرا عن تبيان الدور الوظيفي للهيئات الناظمة، ولعل هذا ما جعل القانون رقم 24-96 المتعلق بالبريد والمواصلات يفضل مصطلح "تقنين"مع شعوره بصعوبة هذا الاختيار ودقته، حينما اعتبر أن وظيفة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات،هي التقنين والمراقبة والتحكيم، وهو ما حصل بعده للدستور الجديد الذي أطلق عليها وصف "هيئات الحكامة الجيدة والتقنين"( الفصل 165 وما بعده).
وتمتاز هيئات النوظمة بقدرتها على ضمان حماية فعالة للمواطن، وتحقيق ما اصطلح عليه"بالضبط الاجتماعي"الذي يظل السبب الرئيسي وراء ظهورها،من منطلق سعيها تأطير قطاع من الحياة الاجتماعية،بهدف ضبط التوازن بين المصالح المعبر عنها من قبل المشرع، وتنظيمها، وإجراء التحكيم بشأنها ،إن اقتضى الأمر ذلك،بغرض ضمان الحكامة الإداريىة.
فالضبط يقوم على رعاية واحترام قواعد اللعبة والانسجام الاجتماعي، التي هي من صنع الفاعلين أنفسهم المؤثرين في الميدان، مما يجعلهم أكثر تقبلا لها، وميالين بطبعهم لاحترامها، لأنها نتاج التعاقد المهني أو الفكري الذي يربطهم،طبقا لميثاق الأخلاقيات،والقانون المؤطر والضابط لنشاطاتهم ،باعتباره آلية للرقابة والمحاسبة الذاتية.
وقد ساهم انتعاش تحرير المرفق العمومي في تطوير جدل فقهي،ذي مرجعيات قانونية وسياسية واقتصادية،وسوسيولوجية مختلفة، من طرف جيل جديد من الرواد،والمؤسسين لمدرسة النوظمة،الذين وضعوا الأسس الجديدة لمدرسة التدبير العمومي الحديث، وتطوير مفهوم الحكامة العمومية، والذين أرسوا- كذلك- لمعالم قانون جديد يسمى قانون النوظمة le Droit de la régulation ، من خلال الدراسات الرائدة لكل من ج.كومايلJ.Commail ، وب.جوبير B.jober، والإيطالية ل.أرمانَتي Laura Armanati، والفرنسية ماري روش Marie Anne Frison Roche، بالإضافة إلى الأعمال المهمة لكل من جاك شوفاليي و جيرار ماركو.
وسيكون لهذا التوجه الفكري ،آثار مهمة في ظهور موجة جديدة في القانون الإداري، تركز على الإطارات القانونية والمؤسساتية، الكفيلة بتقنين المرافق العمومية المحررة، والأساليب البديلة للتحكيم بين الفاعلين الاقتصاديين والماليين ،خارج ساحة القضاء؛ وقد ساعد ذلك على تفكيك المنظور التقليدي للسلطة التنظيمية ،والتحكيمية النزاعية،وإعطائها روحا جديدة، تمكنها من الربط بين تحرير المرافق العمومية الصناعية والتجارية ،والمفهوم الاقتصادي لتنظيم السوق، وتحرير قطاع المال والأعمال والاتصال.
وساهم انفتاح الدولة على السوق التنافسي الدولي - بعد الشروع في تطبيق اتفاقيات التبادل الحر،ومبادئ المنظمة الدولية للتجارة – في تدشين أولى الإصلاحات التنظيمية لبعض القطاعات المحررة ،وعلى رأسها قطاع الاتصال والمنافسة، حيث مهد ذلك لظهور سلطات إدارية مستقلة للتقنين،كأسلوب مؤسساتي جديد لنوظمة سوق الاتصالات ،من خلال المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري،والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وسوق المال والإعلام،من خلال مجلس المنافسة ومجلس القيم المنقولة،كما ساهم ذلك في ظهور نقاش فقهي،حول هذه الأشكال الجديدة للتدخل العمومي، من خلال سلطات التقنين ،كبديل للتدخل القطاعي التقليدي في تنظيم الاقتصاد .
ونتيجة لذلك أمكن لنا أن نستنتج أن أسلوب تحرير المرفق العمومي، له ارتباطات وثيقة بمنظور جديد لإعادة تنظيم القطاعات المحررة re – régulation بالمعنى الإنجليزي، والتي تعني بداية انسحاب الدولة لفائدة أشكال تنظيمية جديدة،تقوم على التوافق والاستقلال،والحياد وإشراك الفاعلين، وكلها معان مركبة ،تفيد حضور شكل مؤسساتي أو تعاقدي بديل، عن التدخل الأحادي للدولة المركزية .
هذا الترابط والتلازم بين مفهوم تحرير المرفق العمومي، ومفهوم إعادة التنظيم الذي أثاره الاقتصاديون والقانونيون،شكل أرضية سانحة للدفاع عن مفهوم النوظمة القانونية للمرفق العمومي، كشرط أساسي لتحرير هذا المرفق، مستندين في ذلك إلى ضرورة الانتقال ،من مفهوم التنظيم بالمعنى الدستوري والإداري، إلى مفهوم النوظمة الذي يفيد مزيدا من الدمقرطة التنظيمية لهذا المرفق، وتحولا في الغايات التنظيمية.
وهكذا فالمقاربة القانونية لهيئات النوظمة، والتي يمكن أن تكون امتدادا للمقاربة الاقتصادية، تقدم تفكيكا جديدا لمفهوم التنظيم، من خلال نقد البنية القانونية التقليدية للسلطة العامة كأحد المبادئ الأساسية المؤسسة لمفهوم المرفق العمومي، وتسعى لطرح مفهوم جديد يقوم على إدماج الأبعاد المحلية والمهنية والحقوقية كمكونات جديدة للسلطة العمومية.
ثانيا:علاقة القضاء بالنوظمة
إن سحب بعض الاختصاصات التي كانت تعود تقليديا إلى القضاء من هذا الأخير ومنحها لهيئات النوظمة، يطرح مشكل الرقابة القضائية على أعمال هذه الهيئات الإدارية احتراما للمبادئ المستقرة في المنظومة القانونية، والتي تفترض إيجاد جهات رقابة أو إعادة نظر خارجية، إما لضعف أدوات التقييم والمراقبة الداخلية، أو للحاجة إلى سلطة أخرى لا تنتمي إلى نفس النظام تكون أكثر استقلالية وحيادا، وحرصا على المشروعية وضمان الحقوق.
ولقد خول المشرع للهيئات الناظمة، من خلال القرارات الإدارية الانفرادية، سلطات وامتيازات تمكنها من أداء وظائفها. وتعرف هذه السلطات بامتيازات السلطة العامة، وذلك لكونها قائمة على المصلحة العامة، تسمح لها بإصدار قرارات إدارية ملزمة بإرادتها المنفردة، دون الحاجة إلى موافقة أو رضى المخاطبين بها، بل ودون الحاجة إلى لللجوء للقضاء للاعتراف لها مسبقا بهذا الحق، حتى أن القضاء المغربي والمقارن قرر في أحكام له عدم قبول دعوى الهيئة الإدارية أمامه، إذا ما اقتصرت في طلباتها على السماح لها باتخاذ قرار معين هو في الأصل من اختصاصها، طبقا للقاعدة المستقر عليها في فقه القانون العام، وهي أن القاضي يقضي ولا يدير (القضاء قضاء فصل وبث وليس قضاء إدارة وتسيير).
فسمو المركز القانوني للهيئات الناظمة،في مواجهة الأفراد المخاطبين بقراراتها، قد يؤدي إلى المس بمراكز وأوضاع هؤلاء الإدارية أو الاقتصادية أو المالية،عند استعمالها سلطاتها وامتيازاتها، مما يعرض حرياتهم وحقوقهم لخطر حقيقي، في حالة المبالغة في استعمال تلك السلطات،أو استعمالها في غير محلها أو التجاوز فيها، مما اقتضى تقرير ضمانات كافية،لحمايتهم وتأمينهم في مواجهتها.
ويأتي على رأس الضمانات القانونية،التي تسعى إلى إقامة توازن بين امتيازات الهيئات الناظمة،وبين حماية حقوق وحريات الأفراد، آلية الرقابة القضائية ،كمدخل لا محيد عنه ،لحماية المواطنين من الشطط في استعمال السلطة، وتقوية الضمانات التشريعية، لكفالة مشروعية القرارات الإدارية، وتحسين العمل النوظمي، وضبط أدائه الحقوقي، من خلال القواعد والمبادئ الجريئة المسنونة من طرف الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، الهادفة إلى صيانة الحقوق والحريات، والذود عنها وترسيخ دعائم دولة الحق والقانون. ذلك أن المبدأ العام التي تأثرت به محكمة النقض،بحسب بعض الفقه "أنه بقدر ما تعلو سلطة الإدارة،بقدر ما تعلو سلطة القاضي، وهي السلطة المضادة لهذه السلطة الصاعدة، وذلك بغية إقامة الحق والعدل بين الحاكمين والمحكومين".
وإذا كان السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو ما دور القضاء؟، وما هي مشروعية وحدود تدخله في أعمال هيئات النوظمة؟، فإن علاقة النوظمة بالقضاء، إذا كانت تبرز أكثر في نطاق دعوى الرقابة، أو الطعن في قرارات هيئات النوظمة ،وأعمالها أمام الجهة القضائية المختصة ،من خلال دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة، أو دعوى فحص الشرعية، وأخيرا دعوى المسؤولية الإدارية، فإن هناك مساطر قضائية وإدارية ،لا تقل أهمية عن موضوع الرقابة تشكل مداخل، تكامل وتقاطع، وتكتسي مظهرا من مظاهر التعاون،والتنسيق بين القاضي والناظم، وأهمها مسطرة الاستشارة المتبادلة، ومسطرة الإجراءات التحفظية أو الاستعجالية، ومسطرة البحث والتحقيق، ومسطرة الإحالة، وأخيرا مسطرة البت في تنازع الاختصاص.
وما يعمق التعاون ويقويه أكثر بين القاضي والناظم، هو مبدأ إشراك القضاة في تركيبة وبنية الهيئات الناظمة على مستوى القانون المقارن، وبدرجة أقل في القانون المغربي، بحيث يتعرف القاضي عن قرب من منهجية عملها، وأساليب اشتغالها، ويستفيد من المقاربات الاقتصادية والمالية لنزاعات النوظمة، وفي المقابل ينقل تجربته لكيفية ومنهج التحليل النزاعي لقول القانون.
وتمتاز الرقابة القضائية على أعمال هيئات النوظمة بطابعها الدستوري، وهو ما يعكس أهمية الرقابة باعتبارها وسيلة قانونية،وقضائية لمعاينة كيفية تطبيق القانون،من طرف الهيئات وتصحيح القرارات والممارسات الخاطئة أو غير المشروعة،بردها إلى الشرعية،بشكل يضمن سيادة القانون، وضمان المساواة أمامه.
وهكذا نص الفصل 118 من الدستور على أنه" كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يُمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة".
وتظهر أهمية التأسيس الدستوري للرقابة القضائية باعتباره ضمانة لعدم تحصين أي قرار إداري أو إفلاته من الطعن، وكذا حظر أي تقييد لممارسة الحق في التقاضي ومخاصمة القرارات الإدارية غير المشروعة.
ومن المهم البيان أن الهدف من الرقابة القضائية على أعمال هيئات النوظمة،هو ضمان احترام هذه الهيئات للشرعية، أي للقوانين والأصول الإجرائية،والموضوعية المرعية.
ويتميز هذا النوع من الرقابة بكونه يوفر بعض الضمانات الأساسية،من حيث أن القاضي يتوفر على التكوين القانوني الملائم لقول القانون، كما أنه يتوفر على صفتي الاستقلالية،والحياد اللذين يضمنان العدالة، كما أن الأحكام التي تصدر عن القضاء،تتمتع بحجية الأمر المقضي به، وتلزم الجميع بما يضمن الفعالية ،من حيث إلزام الإدارة والخواص بتنفيذها.
وترجع المبررات الفلسفية والقانونية في فرض رقابة القضاء ،في كون هذا الأخير ،يعد الضمانة الوحيدة لحماية الحقوق،وصون الحريات، أكثر من أي كان، لأنه مستقل من جهة، وهذا ما يعطي بعدا للثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، وأيضا لكونه مالكا للسلطة الكافية،التي تمكنه من فرض تنفيذ الأحكام من جهة أخرى، كما يعود السبب إلى مبدأ فصل السلطات، والذي يعني أن كل سلطة تمارس اختصاصها،مع مراقبة السلطات الأخرى.
وتختلف الرقابة القضائية على الهيئات الناظمة عن الرقابة الإدارية، التي كانت تمارس في الوضع القديم قبل الاعتراف والإقرار باستقلالية هذه الهيئات،بعد ولادتها القيصرية، في نقط كثيرة، وإن كانت تسير معها جنبا إلى جنب. وأهم نقاط أو عناصر الاختلاف والمفاضلة بينهما ،تتجلى في الآتي:
- أن الرقابة القضائية من اختصاص القضاء، وهي تخضع للمبادئ المقررة في هذا الصدد، وأهمها أن القضاء لا يملك حق النظر في القضايا، إلا بعد رفعها من صاحب المصلحة، إذ لا يملك أن ينظر فيها من تلقاء نفسه، على خلاف الرقابة الإدارية التي يمكن أن تمارس تلقائيا أو بناء على تظلم المعني بالأمر؛
- أن الرقابة القضائية تقتصر على جانب المشروعية كأصل عام، ولا تمتد إلى جانب الملائمة، على خلاف الرقابة الإدارية التي تشمل الجانبين:جانب المشروعية وجانب الملائمة.
- أن الرقابة القضائية في إطار مبدأ المشروعية، لا تملك إلا الحكم بسلامة التصرف المشكو منه أو بعدم سلامته ،والتعويض عنه، ولا تملك حق إنزال سلطاتها في المسألة المعروضة عليها، بخلاف الوضع في الرقابة القضائية، إذ لها الحق في تعديل التصرف المعيب أو غير الملائم،واستبداله بغيره؛
- أنه يترتب عن عدم بت القاضي في القضية،تحقق جريمة إنكار العدالة، بخلاف الوضع بالنسبة للإدارة ،فهي غير ملزمة بالرد على التظلمات،ما لم يقرر المشرع عكس ذلك؛
- أن الرقابة القضائية ملزمة بإتباع الإجراءات القانونية للنظر في الدعوى، وإلا كان الحكم باطلا لعيب في الشكل والإجراءات، أما الرقابة الإدارية فإجراءاتها بسيطة، إذ المتظلم معفى من الرسوم، ومن وجوب توكيل محام.. ؛
- أن الرقابة القضائية تنتهي بالنظر في القضية،إذا أصبح الحكم حائزا على حجية الشيء المقضي به، إذ لا يجوز للمعني بالأمر إثارة النزاع من جديد مرة أخرى، أما في الرقابة الإدارية ،فيجوز للمعني بالأمر أن يثير المسألة من جديد، ويحق للإدارة أن تعيد النظر فيه، ويمكن رفع دعوى بشأنها أمام القضاء.
وتعتبر الرقابة القضائية،وفقا لهذا المنظور الضمانة الفعالة،والسياج الواقي والأداة"الزجرية"لاحترام مبدأ المشروعية، بحيث يعمل القضاء على إلغاء الأعمال الإدارية المخالفة للقانون، ويلزم الهيئات الناظمة بأحكامه، وقد يقضي بالتعويض،في الحالة التي تنتج عن تلك الأعمال أضرارا مختلفة ،تكون قد مست المتعاملين معها.
وإذا كانت الهيئات الناظمة،قد جاءت لتحل محل القضاء ،في بعض اختصاصاته التي كانت في الأمس القريب جزءا لا يتجزأ من وظائف العدالة، فكيف يعقل ،أن يظل حسب رأي البعض القضاء"المبعد"رقيبا عليها،وحارسا دستوريا على أعمالها وقراراتها،حماية للمشروعية، وسيادة القانون من خلال دعوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة؟.
ثالثا:أهمية موضوع البحث ودواعي اختياره
موضوع "رقابة القضاء على أعمال هيئات النوظمة" موضوع شائك ومعقد، وهو يعاني من فراغ مهول في الخزانة القانونية المغربية لحداثته، ناهيك عن أن قانون النوظمة ،قانون متغير ومتطور، ولا زال حتى في القانون المقارن قانون جنيني،لم يشتد عوده بعد.
ومما صعب من مأمورية البحث في هذا الموضوع،ثرائه في شقه المسطري والإجرائي البالغ الدقة،فيما يرتبط بالخصومة الإدارية والقضائية، وهو ما جعل هامش التحدي،والمناورة العلمية أكبر، فكان سلاحنا في ذلك،أن ننهل بكل تواضع من التجارب الدولية، وما راكمه القضاء الإداري والدستوري في هذا المجال-على نذرته-، معتمدين في ذلك على الخبرة القضائية الفتية في مجال الاحتكاك،بمثل هذا النوع من القضايا والمنازعات، وولعنا الشديد بها، جاعلين نصب أعيننا استحضار المقاربة القضائية البحثة للموضوع، وما يقدمه القضاء للنوظمة،من معاونة وتآزر في تحقيق الأمن القانوني، مستحضرين طابع التقاطع والتكامل بينهما، محاولين قدر الإمكان التأسيس للبحث عن معالم قانون مسطري، وموضوعي موحد ومتكامل للنوظمة، مستأنسين بالمحاولات الفتية للاجتهاد القضائي الإداري، مساندا بالفقه، في وضع لبناته الأولى،على الشكل الذي دافعنا عنه في هذا البحث، بغية إنارة طريق هيئات النوظمة نحو المشروعية وسيادة القانون،وحماية حقوق المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، وإزالة الأشواك التي قد تعترض طريقها، وتعبيدها بسياج الأمن القانوني، يحفظه ويرعاه الأمن القضائي المكرس دستوريا،باعتباره من دعامات دولة الحق والقانون، هذا رغم إكراهات ضعف الاهتمام ،والانشغال التشريعي والفقهي والقضائي بالنوظمة، بالنظر للتطور السريع والمتلاحق لها ،في مجالات النشاط الإداري "والقضائي"ورغبتها في امتلاك حلول سحرية ،وخلاقة غير تقليدية،تعتمد مبدأ الحكامة الإدارية،القائمة على الكفاءة والتواصل،والفعالية والقرب، مع إقامة توازن فريد،بين ضمان فاعلية العمل النوظمي،وحرية وشفافية المنافسة في إطار السوق المالي والاقتصادي من جهة، وحماية حقوق وحريات الفاعلين،والمعنيين بالسوق من جهة أخرى، إما بشكل مباشر أو غير مباشر(حماية المستهلكين)، مع الأخذ بعين الاعتبار،صياغة قواعد ضابطة للنظام العام الاقتصادي (الأمن الاقتصادي)،مكفولة بالأمن القانوني (قوانين وأصول العمل النوظمي)،ومحمية بالأمن القضائي (الرقابة القضائية)، وهو ما يعكس أهمية وحدود الرقابة القضائية على العمل النوظمي،بمختلف صوره وأشكاله وأنماطه.
رابعا:إشكالات الموضوع
إن دراسة موضوع رقابة القضاء على أعمال الهيئات الناظمة،يستلزم منا الاعتماد على المنهج التحليلي النقدي المقارن،كآلية لبحث محل الرقابة،أي العمل النوظمي،وصوره وأشكاله ومنطلقاته،ومرجعياته الدستورية والقانونية، ومظاهر وآثار وحدود الرقابة القضائية،وأهميتها، ومدى فعالية النوظمة القضائية،في ضمان حكامة أو حوكمة النوظمة الإدارية، من خلال مقاربة تقييمية موضوعاتية، أفقية غير عمودية، تتناول محل العمل النوظمي،أكثر مما تتناول هيكل العمل، والهيئة المصدرة لها، وتتتبع كل منها واحدة واحدة، وإنما تبحث في الأسس والكليات المشتركة، وتستحضر الجزئيات،ومواطن الاختلاف، وتستهدف أساسا البحث،عن معالم قانون مسطري وموضوعي للنوظمة، مع مراعاة الطبيعة المتعددة والمتميزة،والوعرة المسالك للحقول القانونية أو الاقتصادية،التي ينهل منها سواء في إطار القانون العام أو القانون الخاص بمختلف تخصصاته.
وهنا يطرح سؤال شرعية الرقابة على أعمال هيئات النوظمة؟، أي مدى الحاجة؟، وما الجدوى من إعطاء سلطة الرقابة للقضاء على أعمال هيئات النوظمة؟، بالنظر للأسس التي تحكمت في إحداثها،كهيئات متخصصة، يفترض فيها أنها الأكثر تأهيلا لتلمس خصوصيات وحاجيات القطاع الذي تعنى به، وإذا ما كانت هناك حاجة للرقابة القضائية،فعلى أي مستوى، وما هي حدود تدخل القضاء؟، ضمانا لعدم تجاوز ذلك التدخل للحدود التي من شانها أن تعرقل أعمال هذه الهيئات، وتحول بينها وبين تحقيق المهام الموكولة إليها، وما هي آليات ذلك التدخل، وهل الآليات التقليدية كافية،أم يجب ملائمتها لتستجيب بشكل أفضل لطبيعة مهام هذه الهيئات..؟.
لنخلص في الأخير إلى المعطى التقييمي،حول مدى قدرة القضاء ،وكفاءته في ضمان انسجام وملائمة النظام القانوني لهيئات النوظمة،مع الأنساق القانونية والقضائية والإدارية، أي مع الأهداف الاقتصادية والسياسية للمشرع،وخاصة ما تعلق بفرض الضمانات القضائية عليها،والتي أساسها احترام حقوق الدفاع،والتمسك بالشرعية.
فالهدف من الدراسة إذن هو إيجاد نظرية عامة للرقابة القضائية،بغية تحديد معالمها من أجل وضع قواعد قانونية وأخلاقية مؤطرة،لعمل هذه الهيئات تساعدها في تثبيت شرعيتها،وأهليتها في ضمان التكامل بينها، وبين القضاء، وفي تطوير السوق وضبط حرية المنافسة وحماية المستهلك، وضمان حقوق الفاعلين الاقتصاديين،والمدارين بشكل عام.
فهل يتعلق الأمر بمحاولة إبعاد القضاء عن مجال القرار في القانون الاقتصادي؟، وهل هذا الإبعاد إن ثبت يتناول فقط الهيكل؟، أي استبدال القاضي بالناظم، أم يمتد إلى المضمون؟، أم أن الأمر يتعلق فقط بمحاولة إعادة توزيع السلطة ،والاختصاصات بين القاضي والناظم؟، وهل استبدلت الرقابة السابقة،بالرقابة اللاحقة للقاضي على مضمون العمل النوظمي؟، وهل توجد مؤشرات ومنطلقات للتشاور،والتعاون والتنسيق بين القاضي والناظم؟ لإيجاد أرضية مشتركة لحكامة النوظمة، وما هي محاور التكامل أو التقاطع؟.
وكيف طور القضاء رقابته على أعمال هيئات النوظمة،وقراراتها بشكل متفرد،ومتميز عن الطعون الإدارية العادية (الرقابة القضائية بين الثابت والمتغير) ؟، وهل الرقابة هي رقابة مشروعية أو تمتد حتى لمراقبة جانب الملائمة؟.
وهل القضاء عنصر إثراء حيوي لنظام النوظمة؟، ومصدر اجتهاد لضمان فعالية هذا النظام، طالما أن الحق في الرقابة حق دستوري لا غنى عنه،كما أكد على ذلك المجلس الدستوري الفرنسي،والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان،والدستور المغربي.
خامسا:خطة البحث
الحقيقة أن اقتحام العمل النوظمي بكل قوة وحكمة،لمجال التنظيم والضبط،وفصل المنازعات، والذي كان إلى حد قريب ،من مهام السلط الثلاث للدولة،التنفيذية والتشريعية والقضائية، وامتلاك هذه الهيئات الناظمة،لسلطات وامتيازات،تجمع كل هذه السلطات في يد واحدة، بصرف النظر عن الأسس الدستورية لذلك، فرض التساؤل بداية عن نوع العلاقة التي تربطها بالقضاء، انطلاقا من اختلاف وظائف النوظمة وطبيعتها،عن وظائف القضاء وطبيعته، مما استلزم بحث مستويات ،وآليات تدخل القضاء أو مشاركته في "مجال العمل النوظمي التنظيمي"، وكذا ملامح وأوجه وميكانزمات،تدخل النوظمة في "مجال المنازعات الشبه القضائية أو القضائية المحضة"، بحسب الطبيعة أو المآل، مما سيمكن من الوقوف على علاقة التكامل أو التقاطع بين النوظمة والقضاء في البنية والمهام (الباب الأول)،كأرضية مناسبة لدراسة "جانب المنازعات الإدارية "على مستوى الرقابة القضائية على الأعمال والقرارات الإدارية الصادرة عن هيئات النوظمة ،والضمانات المؤطرة لها لحماية الحقوق،والحريات الدستورية،وصونها من خلال دعوى الإلغاء (الباب الثاني)كآلية لتحقيق المشروعية وسيادة القانون.
تلكم إذن هي أهمية إشكالية الرقابة القضائية على أعمال هيئات النوظمة،والتي حرص المشرع المغربي على جعلها شاملة لجميع الهيئات، ولمختلف القرارات الإدارية الصادرة عنها،بحسب طبيعتها وصورها .
وقد ركزنا في هذا البحث،على ضرورة إيجاد خيط ناظم ورابط لأجزائه،لجعلها تتسم بالتوازن والانسجام،في تحليل الأفكار المرتبطة بالموضوع، مع احترام خاصية التسلسل المنطقي في خطته،التي تعتمد البعد التكاملي للموضوع.
وهكذا جاء تصميم الأطروحة على الشكل التالي:
الباب الأول: النوظمة والقضاء :تكامل أم تقاطع في البنية والمهام؟
الباب الثاني:رقابة القضاء على أعمال هيئات النوظمة من خلال دعوى الإلغاء.
ومما لاشك فيه فإن تحقيق فعالية العمل النوظمي يتوقف على وجود مسألتين أساسيتين: أولاهما استقلالية حقيقية أساسها القانون ومبناها الواقع ،وثانيهما كفاءة واقتدار في اختيار أجود الطاقات المختصة ،والمؤهلة قانونا وعلما وفنا في إدارة وحكم الهيئات الناظمة وصناعة القرار النوظمي ،و في المقابل فإن اكتمال مقومات النجاح للفكر النوظمي عموما ،بجناحيه الناظم والقاضي ،ورافديه الإدارة والمهنيين ،مرتبط أيضا بقضاء إداري نوظمي عادل، متشبع بتقنيات وآليات فن النوظمة،يكفل ويضمن رقابة واسعة للمشروعية،ويحفظ سيادة القانون ،ويحمي الحقوق والحريات الدستورية،ويساهم في دمقرطة الحياة النوظمية، ويدعم التنمية الحقوقية والاقتصادية.
مقترحات ختامية وتقييمية
إن المحيط العام الذي تعمل فيه المؤسسات العمومية أصبح متميزا بضعف الثقة في قدرة الدولة على حل المشاكل الجديدة، حيث لم تعد قادرة على إعطاء إجابات وحلول لكل القضايا والإشكاليات المطروحة، فالعلاجات التقليدية التي كانت تتمثل في رفع النفقات أو إصدار تشريعات جديدة أصبحت متجاوزة، ولا تتوافق مع طبيعة وحجم المشاكل الجديدة، وهو ما فرض ضرورة تبني مقاربات مجددة ومبدعة.وتزامن هذا الواقع السياسي والفكري الجديد المناصر لفكرة الدولة الحد الأدنى، والتخفيف من القيود، مع انفجار أزمة المديونية في بداية الثمانينات، لتتركز نصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول الإصلاح الاقتصادي على ضرورة استعادة دور السوق والقطاع الخاص، وتقليص دور الدولة خاصة في القطاعات الانتاجية.
وهكذا أسس تراجع الدور الاقتصادي للدولة جغرافية دولية جديدة تفقد فيها الحكومات احتكار ضبط المجال الاقتصادي الوطني، والهيمنة على المعاملات الاقتصادية عبر القومية، لفائدة قوى غير دولتية تتبنى مبدأ الفعالية بدل الشرعية، استوجب مراجعة جدرية للدولة إزاء تحديد سياستها اتجاه المؤسسات العمومية عن طريق انتهاج سياسة الخوصصة التي تشكل نقطة محورية في إصلاح هذه المؤسسات،لتفعيل التنافسية التجارية. فتبسيط جهاز الإدارة وإضفاء مرونة وفعالية أكثر هدفه تشكيل بيئة طبيعية وملاءمة للمقاولة الحرة من خلال ضمان سرعة وجودة الخدمات العمومية وتدعيم سياسة اللامركزية الإدارية.
وعرف دور الدولة نتيجة هذه المرحلة، تطورا ملحوظا من الدولة التدخلية في الميادين الاقتصادية والاجتماعية إلى الدولة الكلاسيكية ذات المفهوم المحايد، وهو دور تطلب إيجاد الوسائل الضرورية للمؤسسات العمومية والقطاع الخاص للقيام به، كما تطلب استعمال تقنيات حديثة تتماشى وهذا الدور.
ولضمان سير هذه المؤسسات بالنزاهة الضرورية، وضمان تحقيق الأهداف المرجوة من خلال إعادة توازن السلطات، والعمل على احترام نصوص القانون، تم خلق هيئات النوظمة بغرض ضوبطة وحوكمة مجالات حية إدارية واقتصادية ومالية واجتماعية، من أجل العمل على شرعنة النشاطات المتعلقة بها.
ويتمثل دور هيئات النوظمة في حماية الحريات والحقوق الفردية والجماعية وصيانة النظام العام الاقتصادي والمالي، إنها تكتسب شرعيتها ليس من صندوق الاقتراع والانتخاب الديمقراطي، بل من ضمانات الاستقلالية والحياد، واختصاصها وتكوينها وطريقة ومنهج عملها.
فالنوظمة أو الضبط عبارة عن مفهوم جديد ومتغير للدولة لا ينفصل عن أزمة دولة الرعاية، فهو يتضمن الانتقال من الدولة المنتجة والمالكة للأصول الاقتصادية والمالية، والتي تضمن التدبير المباشر والرئيسي للأنشطة الاقتصادية إلى الدولة الضابطة أو الناظمة التي لا تحل محل الفاعلين الاقتصاديين، ولكنها في المقابل تقتصر على فرض مجموعة من قواعد اللعبة أو السعي إلى التنسيق وضمان الانسجام بين أعمالهم و أنشطتهم.
كما يشمل المفهوم أيضا ظهور أسلوب ومنهج جديد لطريقة تدبير الفعل العمومي، حيث أن الدولة لا تنصب نفسها كفاعل، ولكن كحكم داخل المنظومة الاقتصادية، لكونها تخلت بكيفية شبه نهائية عن فرض آرائها، وأصبحت تتفاوض باستمرار مع الشركاء في الميدان من أجل تحقيق التسويات الضرورية والتخفيف من التوترات وفض النزاعات وضمان توازن المجموع، مما فرض ضرورة إدراك الدولة لاستمرارية مهامها المتعلقة بالمصلحة العامة في إطار سياق التخلي التدريجي عن مهامها وإعادة تركيبها أو صياغتها، والناتج عن مسلسل التحرير، وهنا تطرح إشكالية ضبط كل المرافق العمومية، ولجوء الدولة المتزايد إلى مؤسسات ووحدات تتوفر على امتيازات السلطة العامة.
ولقد مكنتنا مسيرة البحث من الوقوف على وضعية الحقل النوظمي بالمغرب، من خلال تحليل الإطار القانوني لهيئات النوظمة، والوقوف على المعوقات القانونية التي تحد من فعاليتها، وبحث ملاءمة مقتضيات قانون النوظمة مع المعاهدات والأوفاق الدولية، وتصور الحل الأنجع لتوفير نظام نوظمي فعال وموثوق به، يقابله قضاء نوظمي عادل وكفء استطاع باقتدار التكيف مع المستجدات الجديدة لهيئات النوظمة، وتقديم نفسه كقاض ناظم، ليس بديلا للناظم، وإنما مؤازرا له ومتعاونا معه وحارسا وحافظا ومؤتمنا على الشرعية وسيادة القانون، مشجعا له على الاستمرار في حفظ المكتسبات، وتجاوز الهنات سواء التشريعية أو التنظيمية أو العملية النوظمية، وهذا ما أثبت جليا وبشكل واضح أنه لا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر، ولا يمكن أن يحل محله أو ينتقص من سلطاته وحقوقه، فالنوظمة هي آلية للخبرة وقنطرة الذهاب أي عبور والسعي للقضاء، تتخللها وقفات تعاون وتشاور بينهما، والقضاء هو خاتمة القنطرة أي محطة الإياب، فيها يتم البحث عن معايير السلامة ومراقبتها وتقييمها، وتنقيطها سلبا أو إيجابا.
وهكذا إذا كان القاضي لا يتردد، بل ويتساهل في الكثير من الأحيان في تعيين الخبير للفصل في الجوانب التقنية المعقدة للنزاع المطروح أمامه، من منطلق سلطته التقديرية وممارسة صلاحياتها القانونية بأمر من القانون أو بأمر من واقع الملف، بحكم أن خبرته وتكوينه لا يتعدى مجال القانون، ولا يتجاوز المعطيات الفنية والتقنية، أفليس من الأجدى والأنفع والأقوم لحسن سير العدالة بالنظر لعدم تخصص القاضي في الإشكال الفني المطروح والعالق إحالة أو عرض النزاع بقوة القانون ابتداء-بأمر من المشرع -على الهيئة الناظمة من منطلق الخبرة والتخصص والدراية المهنية بأصول العمل النوظمي، وبتشعباته وتعقيداته وفنونه أو بأمر من القاضي مباشرة، كلما تعلق الأمر بنزاع يتصل بالعمل النوظمي لم يحصر المشرع اختصاص الهيئة الناظمة بالنظر فيه ابتداء؟ ولما لا أيضا وبأمر من إرادة الأطراف وبملء حريتهم طوعا لا كرها من خلال دائما الهيئة الناظمة، ولكن تحت مسميات مؤسسة التحكيم أو الوساطة بنوعيها الاتفاقية والقضائية أو الصلح؟ وهي حقا تقوم بكل هذه الأدوار سواء تصريحا من خلال النص التشريعي تارة، أو على الأقل تلميحا من منطلق التشبيه واستعمال آلية القياس.
أفليس القاضي يظل رقيبا وحافظا للمشروعية، سواء عند عرض النزاع بقوة القانون -بأمر من المشرع -على الهيئة الناظمة انتهاء بمناسبة دعوى الرقابة أو الطعن، أو عندما يأمر القاضي ابتداء بموجب حكم تمهيدي، كإجراء من إجراءات التحقيق بتعيين الهيئة الناظمة كخبير في الدعوى، بمناسبة البت في القضية والحكم فيها، وتقدير الخبرة وحجيتها انتهاء، أو عند إضفاء الصيغة التنفيذية على القرار التحكيمي النوظمي، إذا ما استقر هذا الاختصاص كقضاء منافس غير"بديل"، فضلا عن أنه يمكن للهيئة الناظمة بمناسبة نظرها أصليا في المنازعة، أن تطلب من القاضي اتخاذ إجراءات تحفظية على وجه الاستعجال.
إن هذا المرتكز القانوني، وحده لكفيل بالقول بكون أن الأمر لا يتعلق بإخراج القضاء من حقل النوظمة، وإنما في حقيقة الواقع والحال، إخراج السلطات الإدارية التقليدية من فضاء النوظمة، لأنه تاريخيا قبل إحداث النوظمة، كانت سلطة اتخاذ القرارات الإدارية الضابطة من صلاحية أجهزة الدولة العتيقة، ولم تكن من صلاحية القضاء قطعا من خلال امتياز التنفيذ التلقائي الذي تتمتع به القرارات الإدارية عامة، فضلا عن أن المقترب الرقابي القضائي كان دائما حاضرا، سواء قبل إحداث النوظمة أو بعدها، وإن بمنظور جديد ومتغير أكثر ثباتا وعزما بعد النشأة والتطور، لكون المتغير الأساسي، هو شكل وبنية الهيئات الجديدة وطريقة تكوينها، ونوع الاستقلالية والحياد التي تتمتع بها، عن الإدارة والفرقاء المكونين لها والممثلين بها، والمواطنين، وتقمصها لجميع الصلاحيات التنظيمية والرقابية والزجرية، في أيد واحدة، بحكم خبرتها في الميدان بأساليب العمل النوظمي، ودقائقه.
وهكذا فالتفرد النوظمي للهيئات الناظمة اقتضى أسلوبا جديا من التعامل، ومنهجية أكثر حكامة، بجرأة واحترافية، صاحبها تفهم لطبيعة الدور من طرف القضاء، استشعارا لحجم المسؤولية من الجانبين، لكون الرقابة الشعبية أكثر حضورا، وترقبا وترصدا للمشهد النوظمي أكثر من الفاعلين أنفسهم، لأنها أداة للتقييم حسب الدستور الجديد الذي بوأها المكانة التي تستحقها على الدوام، لأن السيادة للشعب بها، ومن خلالها تنضج الأفكار وتصحح الممارسات وتقوم الاعوجاجات، وتحفظ المكتسبات.
إن تقييم وضعية العمل النوظمي في بلادنا يسمح بالخروج بالخلاصات التالية:
- عدم كفاية النظام الحالي، لأنه لا يغطي جميع المسائل والإشكاليات القانونية المرتبطة بالنوظمة؛
- وجود قيود شكلية وموضوعية على النوظمة؛
- بعض مواطن القصور في الممارسة العملية لهيئات النوظمة؛
- ضعف اللجوء للقضاء كجهة طعن ورقابة على العمل النوظمي؛
- ضعف مواكبة الحلول الدولية والمقارنة للعمل النوظمي.
ولاشك أن عملية تقييم الإطار البنيوي والتنظيمي لهيئات النوظمة، ومنهجية رقابة القضاء على أعمال هذه الهيئات مكنتنا من الوقوف على العديد من السلبيات أو الإشكاليات ذات الطبيعة العامة أو المتخصصة، سواء الأفقية أو العمودية، القانونية أو النوظمية العملية أو القضائية الرقابية، وخلصنا إلى إعداد مقترحات لتجاوزها بغية تطوير شروط ممارسة الفعل النوظمي، وعقلنة النظام القانوني والقضائي الذي يحكمه، في أفق تطوير شروط اللجوء إلى "قضاء" النوظمة أو" قوضئته"أي إضفاء الطابع القضائي عليه، بعد تقوية استقلاليته، ودعم المراقبة الديمقراطية على منتوجه، وتفعيل الرقابة القضائية على قراراته الإدارية من طرف القاضي "الناظم" دعما لسيادة القانون وللمشروعية، طالما أن هذا النوع من الرقابة يكتسي طابعا دستوريا وسياجا واقيا من التعسف أو الجور، وحافظا وحاميا للحقوق والحريات.
أولا: تطوير شروط ممارسة السلطة
- تنويع الخبرات الفنية والتقنية والجمعوية المتخصصة في إطار اختيار وانتقاء أعضاء هيئات النوظمة، والقطع مع التعيين السياسي الديكوري؛
- تحقيق نوع من التوازن في التعيين بين السلطات والإدارات العمومية والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني؛
- تحديد مدة قصوى للانتداب لا تتجاوز أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحد تنطبق على الرئيس والأعضاء؛
- التنصيص الصريح على حصانة رئيس وأعضاء الهيئات من النقل والعزل؛
- توحيد نظام الجهة التي تحدث لديها الهيئة الناظمة؛
- إشراك القضاة في عملية اختيار الأعضاء، وتكليف المجلس الأعلى للسلطة القضائية حصرا بذلك؛
- جعل رئاسة الهيئات الناظمة من نصيب الشخصيات القضائية المشهود لها بالكفاءة والتجربة أو من الشخصيات القانونية المتميزة؛
- ضمان تشكيلة متنوعة وكافية للهيئات، يمكن أن تتميز بممارستها لمهمة المتابعة والتحقيق و أخرى للتقرير أو الحكم؛
- تنظيم مسطرة تجريح أو مخاصمة الهيئة الناظمة، سواء أثناء ولاية الأعضاء أو بعد بعد انتهاء الولاية.
ثانيا: عقلنة النظام القانوني والتنظيمي لهذه الهيئات
- اعتبار القواعد العامة الدستورية المتعلقة بحقوق المتقاضين، وقواعد سير العدالة مبادئ مشتركة بين القضاء وهيئات النوظمة؛
-تمكين الهيئات من صلاحية استعارة القواعد العامة المنظمة للمسطرة المدنية وتطبيقها على الهيئات الناظمة؛
- التفكير في وضع قانون مسطري، وآخر موضوعي لهيئات النوظمة، يجمع أهم الصفات والمميزات، والمساطر المشتركة لمبادئ المحاكمة العادلة النوظمية؛
-دراسة إمكانية تخويل نفس الاختصاصات لهيئة موجودة قبل إحداث هيئة جديدة
- إحداث خلايا أو وحدات أو لجان مشتركة بين هيئات النوظمة تتولى التنسيق والتشاور فيما بينها؛
- تنظيم تنازع الاختصاص الإيجابي أو السلبي بين هيئات النوظمة، ومنح القضاء صلاحية الفصل في التنازع؛
- تنظيم تنازع الاختصاص بين القضاء وهيئات النوظمة، بحيث يمنح أسبقية للجهة المعروض عليها النزاع ابتداء للفصل فيه، إذا كان يتوقف عليه الفصل في القضية وكان ذلك من صميم اختصاصها؛
- إحالة الأفعال الجرمية مباشرة على النيابة العامة بالرباط، واعتبار الإحالة بمثابة تحريك للدعوى العمومية؛
- القطع مع نظام وأسلوب المؤسسة العمومية كإطار للعمل النوظمي، واعتبار الهيئات من منطلق تكييفها القانوني هيئات خاصة تتمتع بصلاحيات السلطة العامة، مع الاعتراف لها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري؛
- ضبط آجال البت من طرف الهيئات، ومسطرة تبليغ القرارات وإشهارها؛
- تحديد قواعد ومقومات سلطة التنظيم والزجر؛
- الفصل بين مسطرة التحقيق والحكم في العمل النوظمي؛
- إدخال نظام العود ضمن العقاب الزجري الإداري؛
- إدخال نظام العفو عن العقوبة الإدارية؛
- إدخال نظام رد الاعتبار للعقوبة الإدارية؛
- إحداث نظام السجل العدلي الإداري؛
- توسيع نطاق استشارة الهيئات؛
- جعل استشارة الهيئات استشارة إلزامية؛
- إدخال المساطر الحبية والتوافقية في ممارسة الجزاء؛
- وضع ضوابط وأصول للعمل التنظيمي للهيئات؛
- توحيد إجراءات استخلاص الغرامات والحقوق المالية للهيئات من خلال سلوك مسطرة التحصيل العمومي.
ثالثا: تطوير شروط اللجوء إليها
- التوسيع من نطاق الأشخاص والهيئات والمنظمات والجمعيات التي يحق لها مباشرة رفع النزاع؛
- التنصيص على إمكانية الإثارة التلقائية للنزاع النوظمي من طرف الهيئات؛
- التنصيص على حق كل هيئة ناظمة في إحالة النزاع على الهيئة الناظمة المختصة، وخاصة مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها؛
- تمكين الهيئات من وحدات تقنية وفنية للرقابة والبحث والتحقيق في النزاعات؛
- تخويل الهيئات حق فرض جزاءات على الإثارة التعسفية؛
- تخويل الإدارات العمومية وأشخاص القانون العام عموما بما فيها هيئات النوظمة الأخرى حق اللجوء إلى هذه الهيئات التي تشاركها الاختصاص، والسماح لها بالاستفادة من خبرة هذه الإدارات؛
- تفعيل الإنابات بين هيئات النوظمة الأجنبية في مجال النوظمة، وفق قواعد المعاملة بالمثل؛
- تنظيم مسطرة الاعتراف وإضفاء الصبغة التنفيذية على هيئات النوظمة الأجنبية؛
- تخويل الهيئات صلاحية فرض غرامات تهديدية في حالة الامتناع عن تنفيذ الجزاءات الإدارية المقررة.
رابعا: تقوية الاستقلالية
- دعم مبادئ الاستقلالية العضوية والشخصية للهيئات؛
- التفكير في أسلوب الانتخاب بدل التعيين في انتداب الأعضاء؛
- دعم الاختصاص التقريري للهيئات الناظمة؛
- تحييد الهيئات عن الجوانب السياسية للمنازعات؛
- رفع القيود التنظيمية والرقابية على الهيئات؛
- التنصيص على حظر خرق السر النوظمي، وترتيب جزاءات جنائية ومدنية وإدارية.
خامسا:تقوية المراقبة الديمقراطية
- صياغة ميثاق العمل النوظمي؛
- فرض تحرير قرارات هيئات النوظمة باللغة العربية؛
- لزام نشر مشاريع ومقترحات النصوص التشريعية والتنظيمية المتصلة بالنوظمة
- التنصيص على الرقابة البرلمانية الدورية على هيئات النوظمة؛
- فرض نشر التقرير بالجريدة الرسمية؛
- دعم الشفافية والمسؤولية والمحاسبة لأعضاء هيئات النوظمة؛
- إحداث آليات ومناهج وطرق علمية لتقييم العمل والقانون النوظمي؛
- دعم مراصد البحث والتكوين المهني والجامعي في قانون وقضاء النوظمة؛
- تشجيع التعليق على قرارات هيئات النوظمة؛
- تقوية أبعاد التكوين القانوني النزاعي للأعضاء؛
- تشجيع إبرام اتفاقيات تعاون بين هيئات النوظمة المغربية، فيما بينها أو بينها وبين الهيئات الأجنبية؛
- تفعيل الرقابة المالية على هيئات النوظمة وتوحيد مساطرها.
سادسا:تقوية المراقبة القضائية
- التنصيص على مبدأ الاستشارة المتبادلة بين القضاء والهيئات؛
- التنصيص على إمكانية تعيين المحاكم لهيئات النوظمة في إطار مقتضيات الخبرة القضائية؛
- الحفاظ على اختصاص القضاء الإداري بالرقابة على أعمال الهيئات الناظمة؛
- توحيد جهة الاختصاص على مستوى القضاء الإداري بمنحه مباشرة لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط أو للغرفة الإدارية بمحكمة النقض في أفق إحداث المحكمة الإدارية العليا، اختصارا لأمد التقاضي ومراحله ولدعم مبدأ الحق في محاكمة سريعة بتفادي سلبيات تشتيت المنازعات على أكثر من جهة قضائية مع ما يترتب على ذلك من صدور أحكام بعدم الاختصاص، واهتزاز ثقة المتقاضين بالعدالة، واختلال الأمن القانوني والقضائي؛
- تنظيم المسؤولية الإدارية للهيئات الناظمة لضمان مشروعية قراراتها وحفظ حقوق المتضررين من تصرفاتها القانونية أو أعمالها المادية؛
- توحيد إجراءات الاختصاص التحفظي والاستعجالي لهيئات النوظمة، ومنحه إما للهيئات نفسها أو للقضاء وحده؛
- تحديد آجال البت القضائي في نزاعات النوظمة تحقيقا لمبادئ المحاكمة العادلة والناجزة؛
- التنصيص صراحة على اعتبار هيئات النوظمة أو الجهة المحدثة لديها طرفا في دعوى الرقابة، مع ما يترتب على ذلك من ضرورة تبليغها بمقال الطعن، وحقها في الجواب أو التعقيب أو الطعن؛
- توسيع صلاحيات القضاء الإداري بتخويل حق التصدي عند إلغائه قرارات هيئات النوظمة، وحقه في استبدال العقوبة وتغييرها، وذلك باعتبار دعوى الرقابة بمثابة دعوى القضاء الشامل، يملك في إطارها القاضي صلاحية فحص القرار المطعون فيه وإصلاحه أو تعويضه بقرار آخر؛
- فرض تعليل القرارات الإدارية للهيئات تحت طائلة البطلان لسيادة مبدأ المشروعية وتحقيق الشفافية؛
- فرض عدم نشر القرارات الزجرية الإدارية إلا بعد صيرورتها نهائية بعدم الطعن فيها أو باستنفاذ طرق الطعن تدعيما لقرينة البراءة؛بالموازاة مع ضمان الحق في المعلومة؛
- التنصيص على إجبارية إعلام الأطراف بالوقائع المحالة على الهيئات قبل اتخاذ قرار العقوبة بشأنها تدعيما لحق الدفاع؛
- دعم تكوين القضاة الإداريين والقضاة الملحقين بالمعهد العالي للقضاء في مجال قانون وقضاء النوظمة؛
- وضع دليل استرشادي لقواعد ومبادئ الرقابة القضائية على العمل النوظمي؛
- نشر القرارات القضائية المتصلة بالعمل النوظمي؛
وهكذا تتلخص أهداف الإصلاح التشريعي المقترح في تحقيق متطلبات إنجاح قضاء النوظمة من خلال:
- إرضاء تطلعات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والحقوقيين بصفة عامة؛
- ملاءمة التشريع المغربي مع المبادئ الدولية للنوظمة.
- الاستفادة من التجارب التشريعية المقارنة؛
- دعم الإجراءات المواكبة من خلال:
- تشجيع اللجوء لهيئات النوظمة والتحسيس بأهميتها وتطوير مسطرة التحريك التلقائي للمنازعات؛
- إنشاء مراكز البحث النوظمي وقضاء النوظمة.
والله الموفق والهادي إلى الصواب.