MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




علاقة المحامي بزملائه

     



علاقة المحامي بزملائه

السيد رئيس جمعية المحامين الشباب بتطوان،

السيد مدير ديوان السيد وزير العدل والحريات، السيد مدير الشؤون المدنية، السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب بالنيابة، السيد نقيب هيئة المحامين بتطوان، السيد النقيب المحتفى به الأستاذ محمد الاسكرمي، السادة النقباء، السادة المسؤولون القضائيون والإداريون، زميلاتي زملائي من أول مسجل في الجدول إلى أخر مسجل في لائحة المتمرنين، أيها الحضور الكريم،

يقول الحديث وأنا لست بمحدث "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". ويقول عز وجل "لئن شكرتم لازيدنكم". وأنا من الشاكرين الحامدين لله تعالى على نعمه ومن الشاكرين للناس على لطفهم وعنايتهم. وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بشكري وامتناني إلى السيد رئيس جمعية المحامين الشباب بتطوان والى كافة أعضاء مكتب الجمعية على هذه الدعوة الكريمة وهذا التشريف للحضور والمساهمة في ندوة "أعراف وتقاليد مهنة المحاماة".

وباعتبار أن آخر عرض ألقيته هذه السنة في ضيافة هيئة المحامين بمكناس تمحور حول موضوع "المحامي والقاضي أية علاقة ؟" فإنني أقترح عليكم اليوم الوقوف ولو باختصار على موضوع "علاقة المحامي بزملائه " نظرا لما للموضوع من وقع على عمل المحامين فيما بينهم ونظرا لما يمكن أن ينتج عنه من صورة ايجابية أو سلبية عند المغاربة بصفة عامة وعند المتقاضين بصفة خاصة.

ونعلم جميعا بأن عدد المحامين في المغرب فاق منذ مدة عشرة ألف محامية ومحام دون المسجلين بلوائح المحامين المتمرنين حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط وأن هذا العدد موزع اليوم على سبعة عشر هيئة للمحامين منخرطة بدورها في جمعية هيئات المحامين بالمغرب التي يعمل مكتبها من بين مهامه على التنسيق بينها. 

وإذا كانت لكل هيئة تاريخها واستقلالها ، وإذا كان المحامي يقوم هو الأخر بمهامه حرا مستقلا، فان المحامين بصفة عامة لا يعملون هنا وهناك في عزلة عن زملائهم، بل يلتقون بهم يوميا إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ويتبادلون معهم المقالات والمذكرات والمستنتجات وغيرها من الكتابات والوثائق. بل ومنهم من يترافع شفويا ويوميا بجانب زملائه. كل هؤلاء يعملون وفق قوانين إما أساسية أو داخلية أو هما معا ووفق تقاليد وأعراف بدونها يستحيل عليهم أداء رسالتهم وواجبهم اتجاه العدالة بصفة عامة واتجاه موكليهم بصفة خاصة.

فبالرغم من أن مصالح زبناء المحامين متعارضة في أغلب الأحيان فإن الذي يجمع المحامين ويوحدهم هو اعتزازهم بالثقة التي يضعها فيهم المجتمع، وانتماؤهم إلى نفس الجماعة المهنية، واستقلال الهيئات المسجلين بها، وتشبثهم بالروح اللبرالية الحرة المستقلة لمهنتهم، وإيمانهم بنفس القيم والمبادئ التي تتمحور حول النزاهة والتجرد والكرامة والشرف والتي تيسر السير نحو نفس الهدف الذي هو الدفاع عن حقوق ومصالح الغير مساهمة منهم في تحقيق العدالة، دون أن ننسى حبهم للقانون، وخضوعهم لنفس القواعد الأساسية والداخلية ومعظم الأعراف والتقاليد. 

ومما يزيد المحامين شعورا بالاتحاد وإحساسا بضرورة التضامن والتماسك إضافة إلى ما سبق هو القسم الموحد المؤدى من قبلهم، إلى جانب البذلة المهنية الموحدة أيضا، إذ لا فرق بين بذلة من هو مسجل على رأس جدول هيئة المحامين وبين من هو مسجل في آخر جدولها، وبين بذلة النقيب وبذلة المتمرن. 

وبفضل هذه المبادئ وهذه القيم، ووفق المعايير الأخلاقية والمهنية التي يلخصها البعض في "الزمالة"، فإن المحامين يستطيعون أداء رسالتهم سواء توحدت مصالح موكليهم أو تعارضت. والزمالة هي الروح التي تسمح للمحامي بالعمل داخل الجماعة وتفرض عليه حسن التعامل مع زملائه بناء على الأخلاق من جهة ولكن أيضا وفق قواعد معينة وتبعا لأعراف وتقاليد راسخة.

وقد كانت الأنظمة الداخلية لهيئات المحامين تشير في السابق إلى الزمالة ضمن فصولها كالفصل العاشر من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط مثلا . إلا أن هذه الإشارة اختفت عند تعديل هذا النظام بتاريخ 14 يونيو 2011 و لم يشر إليها النظام الداخلي الموحد لجمعية هيئات المحامين بالمغرب.
والزمالة حسب الأعراف والتقاليد لا تقتصر على المعاملة المهنية الصرفة بخصوص الملفات والمكاتب والمحاكم بل تمتد إلى الحياة العادية سواء تعلق الأمر بالأفراح أو بالأتراح. 

فالمحامون أسرة واحدة هي أسرة الدفاع هدفها الاتحاد الذي يأبى سوء التربية وعدم احترام الذمم.

وتذكرنا بهذا الأمر المادة 3 من القانون المنظم للمهنة التي تسعى إلى تخليق الحياة المهنية والتي تنص على أن المحامي يتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الأخلاق.

والمحامي هو الذي يربط علاقات ود مع جميع زملائه ويتعامل معهم بروح متشبعة بالاحترام و لا ينسى أن من تقاليد وأعراف المحامين مراعاة حقوق الأقدمية في جميع المناسبات انطلاقا من تقديم الجدد أنفسهم للقدامى لما لذلك من وقع على الألفة أو بتسبيق هؤلاء ومن هم خارج الهيئة أو لهم أعذار بالنسبة للإجراءات أو الجلسات.

وإذا كان الفصل 43 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية ينص في إطار تخليق الحياة القضائية على أنه "يجب على الخصوم شرح نزاعاتهم باعتدال" فان المادة 31 من النظام الداخلي الموحد لهيئات المحامين بالمغرب تعتبر أكثر شمولية حيث تنص على أنه "يجب على المحامي مراعاة لواجب الاحترام المتبادل مع زملائه أن يتحاشى أثناء الجلسة، أو بمناسبة استشاراته، أو أثناء الإجراءات أو من خلال المراسلات التهجم على شخص زميله أو القيام بأي تلويح أو تجريح من شأنه أن يمس هذا الزميل، كما يمنع عليه أن ينتقص من مجهوده في أي دعوى وكل فيها من بعده." 

فالمحامون هم الذين يعطون المثل على التشبث بالأخلاق واحترام الآخر رغم ما قد يصل الاختلاف بينهم من حدة ورغم ما يمكن أن يصل تعارض مصالح زبنائهم من درجة. و المحامون واعون بان موكلهم اليوم من الممكن أن يصبح خصما لهم غدا لأتفه الأسباب أو موكل محام آخر بل إن بعضهم يغيرون دفاعهم في نفس النازلة لمرات متعددة بحجج غير وجيهة. ويبقى المحامي زميلا طول الحياة المهنية كما أن العلاقات الإنسانية تستمر بين الزملاء حتى بعد توقف بعضهم عن الممارسة. 

و يستحضر المحامي القسم الذي أداه كباقي زملائه و يستحضر أيضا بأن عليه أن يكون دائم الاتحاد معهم في ما يتعلق بالمبادئ الكبرى التي تنبني عليها المهنة. فهو لوحده لن يستطيع هزم خصوم الحرية وخصوم حقوق الإنسان بصفة عامة وخصوم حقوق الدفاع بصفة خاصة. ويعلم المحامي قبل غيره بأنه مع زملائه يشكل قوة مضادة لجميع أشكال التحكم والابتزاز والطغيان. 

وطبقا للأعراف والتقاليد فإن القدامى يمدون يد المساعدة للجدد سواء بالنصيحة أو بالتوجيه أو بالتأطير أو بالدعم ويقفون إلى جانبهم في حالة وجود صعوبة تعترضهم ويشجعونهم في حالة معاينة اجتهادهم. كما أن الجدد يحتفون ويكرمون القدامى بالقول والفعل كلما سمحت لهم الظروف بذلك طبقا لأعراف مهنة المحاماة. ويعتبر تكريم النقيب محمد الاسكرمي اليوم خير دليل على هذا العرف. 

فالهيئة لا يمكنها أن تتواجد وأن تصمد في وجه الغير إذا كان أفرادها يعيشون حالة معارضة مستمرة فيما بينهم. ولا تتعارض المنافسة التي تحصل أثناء المساطر أو التي تقع بسبب الانتماء الحزبي أو الانخراط الجمعوي أو بمناسبة الانتخابات المهنية مع وحدة واتحاد الجسم المهني. 

ومن جهة أخرى، وطبقا للأعراف والتقاليد فان المحامي الذي عرضت عليه قضية يتحقق من أنه لم يسبق أن أسندت لأي زميل آخر قبله. وفي حالة العكس فإن عليه الحصول إما على التنازل وإما على الموافقة المسبقة من الزميل المنصب سلفا قبل القيام بأي دفاع أو إجراء لفائدة نفس الموكل وفي نفس القضية. وقد أخد النظام الداخلي الموحد عن الأعراف المذكورة وقننها بالمادة 34 وما يليها. ويبقى النقيب هو الحكم بين المحامين في ما يتعلق بالمنازعات حول النيابة كما يبقى قرار النقيب لفائدة زميل على زميل آخر غير قابل لأي طعن.

ويتحقق المحامي الذي خلف زميلا آخر في قضية لا زالت رائجة من كون الزميل قد توصل بجميع حقوقه وفي حالة حدوث نزاع يتعين عرضه على النقيب.

ويسلم المحامي من جهة أخرى لزميله جميع الوثائق والمرفقات التي ينوي الإدلاء بها للمحكمة للاطلاع عليها دون وصل أو إشهاد أو إقرار وهو برهان على الثقة التي تسود بين المحامين. ولا يباغت المحامي زميله أثناء الجلسة بوثائق لم يكن قد أطلعه عليها من قبل. ولا يستثنى من إلزامية إطلاع الزميل على الوثائق مسبقا إلا إذا تعلق الأمر بالجلسات الجنائية حيث يعفى الدفاع من ذلك حسب الأعراف والتقاليد الراسخة حيث يمكنه الاحتفاظ بحججه وعدم الإدلاء بها إلا أثناء المرافعة. إلا أن لا شيء يمنعه من القيام بذلك من باب اللباقة. 

ويتحقق المحامي قبل المرافعة أو إبداء ملاحظة في أية منازعة معروضة على القضاء أو في نزاع عارض مترتب عنها من أن زميله المنصب في القضية عن الخصم قد أستدعي أو أعلم فعلا لأجلها، وإذا تبين له العكس يصبح لزاما عليه أن يمسك عن أي تدخل حتى يتم إشعار زميله ما لم تعتبر المحكمة القضية جاهزة رغم تنبيهها لذلك من طرفه حسب المادة 35 من النظام الداخلي الموحد الذي أخذ عن الأعراف والتقاليد العريقة لمهنة المحاماة.
وخدمة للعدالة فإن المحامي يتفادى المماطلة والتسويف في القضايا سواء من خلال الإحجام على كثرة طلبات التأجيل لأسباب غير جدية أو من خلال الإكثار من المذكرات التي تكرر ما سبقت كتابته أو من طلبات الإخراج من التأمل أو من المداولة دون الحديث عن الطعون التي تباشر أحيانا رغم قناعة أصحابها بعدم جدواها.

ولا يستقيم أن يتقدم المحامي من جهة أخرى سواء أثناء جريان الدعوى أو خلال التأمل أو المداولة أو إجراءات التنفيذ بملتمسات أو مذكرات أو مراسلات أو أية وثيقة كيفما كانت ترمى إلى تأجيل أو توقيف سريانها بدون أن يخبر بذلك المحامي المنصب على الخصم عند علمه به.

ويعمل المحامي من جهة أخرى في إطار الأعراف والتقاليد على إخبار زميله عند تقديمه لأي طعن كيفما كان نوعه أو أي إجراء من شأنه أن يؤثر على سير الدعوى في الوقت المناسب كتابة أو بأي وسيلة أخرى ( المادة 36 من نفس النظام ). وهذا الإخبار يجعل المحامي النائب عن المستفيد من الحكم يتريث في طلب التنفيذ خصوصا إذا لم يكن الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل.

وتنص المادة 33 من النظام الداخلي الموحد والمستوحاة من الأعراف والتقاليد على أنه " في حالة حدوث صعوبة أو خلاف بين محامين وجب عليهم عرض المشكل على النقيب دون تأخير .

و" إذا حدث نزاع مهني بين محاميين أو أكثر بسبب الارتباط أو تساكن أو مساعدة أو شركة ولم يتوصل النقيب إلى التوفيق بينهم عرض ذلك النزاع على تحكيم يقوم به محاميان يختار كل طرف أحدهما لهذه الغاية وينضم إليهم محكم معين من طرف النقيب، ولا يكون المقرر المتخذ نتيجة هذا التحكيم قابلا لأي طعن. 

"وفي حال حدوث نزاع مهني بين محامين من هيئات مختلفة يعرض الأمر على نقبائها وعند الاختلاف يضاف نقيب آخر باتفاق النقباء المعنيين ويصدر القرار بالأغلبية.
ويتولى النقباء كل فيما يخصه تنفيذ القرار المتخذ".

وكل محام مكلف برفع دعوى ضد زميل له من هيئته أو من هيئة أخرى يجب عليه قبل أن يقوم بأي إجراء أن يحصل على إذن كتابي من النقيب وإذا كلف بالدفاع عن شخص في قضية مرفوعة ضده من طرف محام وجب عليه إشعار النقيب. 

وقد كانت بعض الأنظمة الداخلية تشترط سابقا على المحامي الذي دعي إلي تقديم طعن ضد حكم صدر لفائدة محام بصفة شخصية الحصول على إذن كتابي من نقيب الهيئة. إلا أن هذا الأمر اختفى من الأنظمة الداخلية للهيئات ولم يشر له النظام الداخلي الموحد ربما لإكراهات الآجال وحماية لمصالح الطرف الأخر.

وفي جميع الأحوال فإن كل نزاع بين محامين كيفما كانت طبيعته يجب قبل عرضه على القضاء إحالته على النقيب قصد التوفيق ولا يمكن أن يعرض على القضاء المختص إلا بعد إصدار النقيب شهادة تـثبت أن تدخله لم يؤد إلى توفيق. ولا يمكن إفشاء قرار اتخذه النقيب أو مجلس الهيئة في شأن نزاع يتعلق بمحام إلا بإذن خاص من النقيب. كما لا يمكن إفشاء سرية المراسلات بين المحامين إلا إذا كانت تشير إلى أنها غير سرية.

السيد الرئيس، حضرات السيدات والسادة،

هذه بعجالة بعض المبادئ وبعض القواعد وبعض الأعراف والتقاليد التي تخص علاقة المحامي بزملائه والتي تجعل العمل الجماعي للمحامين ممكنا رغم تعارض المصالح في مشهد مهنة من أبرز المهن التي يضفي عليها المجتمع طابع الثقة لان المحامين يؤتمنون على الدفاع عن حياة المواطنين وحريتهم وشرفهم وأموالهم.

وأختم بتجديد شكري وامتناني للجهة المنظمة على هذه التظاهرة وعلى الدعوة كما أشكر الحضور المتميز على حسن تتبعه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

( ملخص مداخلة الأستاذ خالد خالص التي قدمت يوم 22 دجنبر 2016 بالقاعة الكبرى لمحكمة الاستئناف بتطوان بمناسبة أيام الأعراف والتقاليد ).



الثلاثاء 27 ديسمبر 2016
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter