المستشار محمد عنبر
مع كل الجدل الذي يثيره مشروع إصلاح العدالة، ومع هذا الشد والجذب الذي يقع بين وزارة العدل والحريات من جهة، وهيئات أخرى تشتغل بالميدان ذاته من جهة أخرى، يظهر أن الطريق الأمثل لإصلاح هذه السلطة الأساسية، لم تظهر معالمه بالشكل الكافي، في ظل ميثاق تقول عنه الوزارة إنه فرصة تاريخية للمغرب قصد الدخول إلى ركب الدول العادلة، وتقول عنه هيئات أخرى، من بينها القضاة: إنه دستور تمت صياغته دون أي تشاور مع المعنيين به.
من داخل نادي القضاة، يبرز اسم محمد عنبر، رئيس غرفة بمحكمة النقض بالرباط. سبق له وأن دخل في مواجهة مفتوحة مع الوزير مصطفى الرميد، وخرج للشارع في سابقة تاريخية لقاضٍ بالنقض يحتج على مساس باستقلاليته متهما الرميد كذلك بالتزوير والتضييق على نشاطه الجمعوي. فالقاضي الذي رفض في وقت سابق الانتقال من عمله كرئيس غرفة بمحكمة النقض إلى النيابة العامة بابتدائية أبي الجعد، قبل أن يرفض مرة أخرى الانتقال إلى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف الرباط، لم يترك أي مناسبة إعلامية تمر، إلا وشدد على أن قضاة المغرب لن يصمتوا أكثر على واقع لم يعد يسرهم.
في هذا الحوار، يشير عنبر إلى أهم الأسباب التي جعلت نادي قضاة المغرب يرفض ما خرج عن الوزارة فيما يتعلق بما يسمى ميثاق العدالة، معتبرا أن الرميد أصغر من أن يكون في مستوى إصلاح هذا الورش، معرباً عن استعداده الكامل، لتقديم أسماء القضاة المرتشين، شرط أن يتحقق استقلال هذه السلطة بشكل تام عن وزارة الداخلية وأن تتوقف وزارة الرميد عن التدخل في شؤون القضاة.
لماذا أعلنتم عن رفضكم لميثاق إصلاح العدالة الذي يعتبر بمثابة دستور يحكم السلطة القضائية؟
الميثاق هو توافق إرادة أشخاص أو هيئات تحمل رؤى مختلفة، ونحن كنادٍ انسحبنا منه لأنه لا يعدو وأن يكون مجرد تعبير عن النوايا وليس دستوراً للعدل. وإذا كنتَ قد درست ما وقع إبان محادثات إكس لبيان، فكن واثقا أن نفس السيناريو تكرر في عمل اللجنة التي أعدت هذا الميثاق، فقد اختار وزير العدل والحريات الأسماء والهيئات التي يريد وأقصى أخرى من بينها نادي القضاة، تماماً كما فعلت فرنسا مع الحركة الوطنية حين اشترطت عدم حضور البعض. لذلك لم نملك سوى الرفض.
لقد حاولت الوزارة مؤخراً تسليم بعض الأعضاء من النادي مسودتي القوانين التنظيمية الخاصة بالنظام الأساسي للقضاة وتنظيم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلا أنها خالفت الدستور في فصله الأول بعدم مشاركتنا في وضع المسودتين على اعتبار ان انسحابنا مما يسمى حواراً لا يعنى انسحابنا من حقل القضاء، زيادة على أن الوزارة جعلتنا مع لجان فرعية لجمعيات لا علاقة لها بالقضاء، الأمر الذي جعلنا نقرر المقاطعة، خاصة وأن الأمر متعلق بتسويق الوزارة إعلاميا وتلميع صورة حزب العدالة والتنمية.
فيما يتعلق بمضمون هذا الميثاق، ما هي أهم البنود التي تختلفون فيه معها؟
أولا حول تعيين رئيس محكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، فنحن نطالب أن يتم ذلك عن طريق الانتخاب من طرف قضاة محكمة النقض بشروط مسبقة (الاقدمية، النزاهة،عدم التعرض لعقوبة تأذيبية مشينة ...إلخ) وهذا لا يتعارض مع تعيين صاحب الجلالة الملك للشخصية التي يختارها القضاة، لأن الأجهزة السرية أو العلبة السوداء لن تقترح على الملك سوى الأسماء التي تريد حسب توجهها بغض النظر عن كفاءتها، بينما نحن كقضاة، نعرف بعضنا البعض جيداً، ويمكن أن ننتخب بعض الأسماء التي نراها قادرة على تحمل المسؤولية. ولعلمك، فالانتخاب لا يتعارض مع التعيين.
كيف ذلك؟
مثلاً يمكننا كقضاة أن ننتخب ثلاثة أسماء، ونعطي للملك إمكانية تعيين من يريد من داخلها، أي أن الانتخاب يأتي في مرحلة أولى، ثم التعيين في مرحلة ثانية. على الأقل سنتفادى وجود أسماء غير مرغوب فيها .
وما هي البنود الأخرى التي تختلفون حولها؟
يتحدثون في الميثاق عن وحدة القضاء، بينما نطالب بازدواجيته خاصة وأن الدستور يعطينا هذا الحق عبر الفصل 114 الذي يشير فيه إلى حق القضاة في الطعن في القرارات التي تتعلق بوضعيتهم الفردية أمام أعلى هيئة إدارية (المحكمة العليا الإدارية أومجلس الدولة). بينما وحدة القضاء ستمنعنا من ذلك لعدم إمكانية الطعن في نفس المحكمة التي ساهم رئيسها في صنع القرار المطعون فيه مما يسبب حرجا للقضاة، وهو سبب من أسباب التجريح.
كما ورد فيما يسمونه ميثاقاً بأن النيابة العامة مستقلة عن السلطة التنفيذية، إلا أنهم جعلوها مستقلة فقط عن الوزارة وليس عن السلطة التنفيذية ككل، فالنيابة العامة لا زالت تتحكم فيها وزارة الداخلية وجميع الأجهزة السرية، حيث نطالب بإدارة عامة للشرطة القضائية تابعة للقضاء، ولا علاقة لها بالسلطة التنفيذية.
أي أنكم تطالبون بتغيير هرمية الشرطة القضائية؟
نعم، فالتجاوزات التي صارت تنهجها بعض عناصر هذه الشرطة خطيرة جداً: متابعة بعض المواطنين بجنايات في وقتٍ لا تتجاوز فيه مخالفاتهم الطابع البسيط، التعسف في الاعتقال، التعذيب في المخافر، تمديد الحراسة النظرية، انتزاع الاعترافات تحت التعذيب. كل هذه الامور تكون محل مرافعات الدفاع أمام المحاكم، وبالتالي فتغيير طريقة الرقابة على عمل هذه الشرطة سيمكننا من تفادي هذه الخروقات. ولا يمكن ذلك سوى بآليات بحضور النيابة العامة في جميع مخافر الشرطة 24 /24 ساعة مع تعويضات محترمة، ثم أن تحضر الشرطة القضائية عند النيابة العامة وقضاة التحقيق. إضافة إلى الرقي بالرقابة إلى مؤسسة دستورية ما هو منصوص عليه بالفصل 128 من الدستور .
ولكن ألا ترى بأن هذا القرار أكبر من الرميد؟
هذا مطلب الشعب يا أخي، لا يمكن الاستمرار في الخروقات بدعوى أن الرميد غير قادر على العمل. لا أدري فعلا إن كان هذا القرار أكبر منه، أم هو الذي لا زال صغيراً من الناحية الفكرية على استيعاب ما جاء بالدستور. وإن كان الأمر على هذه الحالة، فعليه أن يُفسح المجال أمام من هو أكثر نضجاً منه.
هل هناك من بنود أخرى تختلفون معها؟
يتحدثون عن مفتشية للجسم القضائي تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائبة، وهو ما يبقى غير كافٍ، لأن المطلوب مفتشية أخرى خاصة بكتاب الضبط تكون تابعة للسلطة القضائية ومستقلة عن السلطة التنفيذية، وذلك كي لا توجد ثغرات يمكن من خلالها التدخل في عمل السلطة القضائية. كما نطالب كذلك برفع الإشراف الإداري والمالي علينا من وزارة العدل والحريات، نريد أن نستقل نهائيا على جميع المستويات عن الجهاز التنفيذي.
لماذا تريدون الاستقلال عن الوزارة؟
عندما يوجد لديك رئيس حكومة يطبق سياسة عفا الله عما سلف، ويناقض حتى قوانين المملكة التي تشدد على ضرورة معاقبة كل من اختلس أموالاً، فالأكيد أنك ستصر أكثر وأكثر على الاستقلال عنها، لأن هذه الحكومة تريد خلق جيل من القضاة الخانعين الذين لا يستطيعون مناقشة قرارات سياسية. إلا أننا كقضاة نطبق القانون وليس السياسة، ولن نتسامح مع ناهبي المال العام، رغم وجود حواجز إجرائية تحول دون وصولنا للملفات المذكورة.
وما البديل ان استقللتم عن الحكومة؟
نقترح أن تساهم محاكم المملكة في إحياء دَور الجمعية العامة للمحاكم التي ستتكلف بتطوير هذه السلطة القضائية، مثلا تكوين لجنة تتكون على الأقل من 21 قاضٍ على صعيد المملكة، يُعهد لها بالإشراف على امتحان انتقاء القضاة وتكوينهم، مراقبة عمل الشرطة القضائية، تخليق القضاء، البث في شكايات السجناء وما إلى ذلك من مهام القضاء، شرط أن تمكنها الدولة من ميزانية خاصة بها.
لكن، لماذا لم نسمع لكم صوتاً قبل مجيء الرميد إلى وزارة العدل والحريات؟
لأنه لم يكن هناك دستور، كما أن تأسيسنا لم يتم سوى بعد التصويت على الدستور بأيام قليلة، بعدما استشعرنا رغبة المواطن المغربي في وجود قضاء مستقل يضمن له حقه، خاصة وأن هذا الدستور نص على عبارات تُدرج أصلا في القوانين العادية، وذلك كي لا تلتف لوبيات الفساد على هذه المكتسبات الدستورية.
وُجودنا كنادٍ نستمده من الدستور الذي جعل القضاء مستقلاً بشكل تام. أما في السابق، فالتوجه العام للدولة كان يرى في القضاء مجرد وسيلة لحفظ الأمن والنظام ، وبالتالي كان يجعل منا كقضاة مجرد تابعين لوزارة الداخلية. ولا تنسَ أنه بعد تعيين الرميد وزيراً، زرناه ومددنا له يدنا، إلا أن كل وعوده ذهبت أدراج الرياح، وفضل التعامل مع من وضع العدالة المغربية في هذا المأزق، بل إنه تعاون حتى مع وزير الداخلية السابق الطيب الشرقاوي، وتركه قاضياً خارج الدرجة بحيث لم يحله على التقاعد رغم أنه لا يمارس القضاء منذ إعفاءه من مهامه، علما أن حزب الرميد كان يشير له بالانتقادات حول الانتخابات العامة السابقة مما يشكل تضارباً للمصالح.
منذ بداية حوارنا، وأنت تتحدث عن لوبيات داخل الدولة تتحكم بالقضاء، في المقابل، يشير الرأي العام لحالات ارتشاء كبيرة داخل صفوف القضاة؟
أتعرف أن مجرد الحديث عن الرشوة في السابق داخل صفوف القضاة كان من الممكن أن يؤدي إلى محاكمة صاحب الكلام حتى ولو كان قاضيا؟ ومع ذلك قمت إلى جانب بعض الزملاء في نادي قضاة المغرب، بحملة تحسيسية ضد الرشوة. وأؤكد لك، أننا قمنا داخل نادينا بالتصريح بممتلكاتنا علناً للرأي العام، كما أننا مستعدون لتقديم أسماء القضاة المرتشين وجميع الملفات التي تثبت تورطهم. لكن بالمقابل، على الرميد كذلك، أن يقول لنا من أين له بكل هذه الأموال الطائلة وهو ابن حي شعبي، وعليه الإجابة عن اتهامات شباط له بكونه أعطى 100 مليون مخصصة للجسم القضائي لزميله بالحزب حامي الدين كي يشتغل بها داخل جمعية ما.
يعني أنت تتهم الرميد بالارتشاء؟
لم أقل هذا، ولكن ما أدعوه إليه، هو قليل من الشفافية.
طيب إذا كنتم ضد الارتشاء، فلماذا انتقدتم الرميد عندما عاقب بعض القضاة الذين تم القبض عليهم متلبسين في حالات ارتشاء؟
لأنه عاقب أولا بعض القضاة دون احترام مسطرة التلبس التي هي جد معقدة لكون القضاة هم من الفئات من رجال الدولة المعرضين للكيد وحبك السيناريوهات، كما أن بعض القضاة المعاقبين، أبرياء من التهم الموجهة إليهم. هناك أجهزة من الدولة روّجت على الدوام فكرة أن الجهاز القضائي متعفن كي لا يثق به المواطن، وهي من تريد جعل بعض القضاة كبش فداء لممارساتها. إذن فإصلاح القضاء لا يتلخص في معاقبة قاض أو قاضيين، بل هو أعمق من ذلك.
ألا ترى أن كل هذا الشد والجذب بينكم وبين وزارة العدل والحريات قد يضيّع فرصة تاريخية لإصلاح ورش العدالة؟
أبداً، بل المنهجية التي تشتغل بها الوزارة هي التي ستؤخرنا أكثر وأكثر، وإذا ما مرت تشريعياً ستكون نتائجها وخيمة على العدالة المغربية . فرغم كل الضمانات الدستورية ورغم التقدم السياسي المغربي، عمل هذه الوزارة يشوبه الكثير من الخلل. لا تنسَ أنها هي المسؤولة الأولى عن فضيحة العفو عن دانيال وتذكر معي كيف كانت ضعيفة في قضية أثارت الجميع، عندما تخلت عن مسؤولياتها ورمت كل شيء على المؤسسة الملكية التي لا يمكنها أبدا التدقيق في سيرة كل المعفي عنهم. فبسبب خطأ الرميد ومن معه من لجنة العفو، عمّ السخط وانعدمت الثقة في القضاء المغربي.
من داخل نادي القضاة، يبرز اسم محمد عنبر، رئيس غرفة بمحكمة النقض بالرباط. سبق له وأن دخل في مواجهة مفتوحة مع الوزير مصطفى الرميد، وخرج للشارع في سابقة تاريخية لقاضٍ بالنقض يحتج على مساس باستقلاليته متهما الرميد كذلك بالتزوير والتضييق على نشاطه الجمعوي. فالقاضي الذي رفض في وقت سابق الانتقال من عمله كرئيس غرفة بمحكمة النقض إلى النيابة العامة بابتدائية أبي الجعد، قبل أن يرفض مرة أخرى الانتقال إلى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف الرباط، لم يترك أي مناسبة إعلامية تمر، إلا وشدد على أن قضاة المغرب لن يصمتوا أكثر على واقع لم يعد يسرهم.
في هذا الحوار، يشير عنبر إلى أهم الأسباب التي جعلت نادي قضاة المغرب يرفض ما خرج عن الوزارة فيما يتعلق بما يسمى ميثاق العدالة، معتبرا أن الرميد أصغر من أن يكون في مستوى إصلاح هذا الورش، معرباً عن استعداده الكامل، لتقديم أسماء القضاة المرتشين، شرط أن يتحقق استقلال هذه السلطة بشكل تام عن وزارة الداخلية وأن تتوقف وزارة الرميد عن التدخل في شؤون القضاة.
لماذا أعلنتم عن رفضكم لميثاق إصلاح العدالة الذي يعتبر بمثابة دستور يحكم السلطة القضائية؟
الميثاق هو توافق إرادة أشخاص أو هيئات تحمل رؤى مختلفة، ونحن كنادٍ انسحبنا منه لأنه لا يعدو وأن يكون مجرد تعبير عن النوايا وليس دستوراً للعدل. وإذا كنتَ قد درست ما وقع إبان محادثات إكس لبيان، فكن واثقا أن نفس السيناريو تكرر في عمل اللجنة التي أعدت هذا الميثاق، فقد اختار وزير العدل والحريات الأسماء والهيئات التي يريد وأقصى أخرى من بينها نادي القضاة، تماماً كما فعلت فرنسا مع الحركة الوطنية حين اشترطت عدم حضور البعض. لذلك لم نملك سوى الرفض.
لقد حاولت الوزارة مؤخراً تسليم بعض الأعضاء من النادي مسودتي القوانين التنظيمية الخاصة بالنظام الأساسي للقضاة وتنظيم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلا أنها خالفت الدستور في فصله الأول بعدم مشاركتنا في وضع المسودتين على اعتبار ان انسحابنا مما يسمى حواراً لا يعنى انسحابنا من حقل القضاء، زيادة على أن الوزارة جعلتنا مع لجان فرعية لجمعيات لا علاقة لها بالقضاء، الأمر الذي جعلنا نقرر المقاطعة، خاصة وأن الأمر متعلق بتسويق الوزارة إعلاميا وتلميع صورة حزب العدالة والتنمية.
فيما يتعلق بمضمون هذا الميثاق، ما هي أهم البنود التي تختلفون فيه معها؟
أولا حول تعيين رئيس محكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، فنحن نطالب أن يتم ذلك عن طريق الانتخاب من طرف قضاة محكمة النقض بشروط مسبقة (الاقدمية، النزاهة،عدم التعرض لعقوبة تأذيبية مشينة ...إلخ) وهذا لا يتعارض مع تعيين صاحب الجلالة الملك للشخصية التي يختارها القضاة، لأن الأجهزة السرية أو العلبة السوداء لن تقترح على الملك سوى الأسماء التي تريد حسب توجهها بغض النظر عن كفاءتها، بينما نحن كقضاة، نعرف بعضنا البعض جيداً، ويمكن أن ننتخب بعض الأسماء التي نراها قادرة على تحمل المسؤولية. ولعلمك، فالانتخاب لا يتعارض مع التعيين.
كيف ذلك؟
مثلاً يمكننا كقضاة أن ننتخب ثلاثة أسماء، ونعطي للملك إمكانية تعيين من يريد من داخلها، أي أن الانتخاب يأتي في مرحلة أولى، ثم التعيين في مرحلة ثانية. على الأقل سنتفادى وجود أسماء غير مرغوب فيها .
وما هي البنود الأخرى التي تختلفون حولها؟
يتحدثون في الميثاق عن وحدة القضاء، بينما نطالب بازدواجيته خاصة وأن الدستور يعطينا هذا الحق عبر الفصل 114 الذي يشير فيه إلى حق القضاة في الطعن في القرارات التي تتعلق بوضعيتهم الفردية أمام أعلى هيئة إدارية (المحكمة العليا الإدارية أومجلس الدولة). بينما وحدة القضاء ستمنعنا من ذلك لعدم إمكانية الطعن في نفس المحكمة التي ساهم رئيسها في صنع القرار المطعون فيه مما يسبب حرجا للقضاة، وهو سبب من أسباب التجريح.
كما ورد فيما يسمونه ميثاقاً بأن النيابة العامة مستقلة عن السلطة التنفيذية، إلا أنهم جعلوها مستقلة فقط عن الوزارة وليس عن السلطة التنفيذية ككل، فالنيابة العامة لا زالت تتحكم فيها وزارة الداخلية وجميع الأجهزة السرية، حيث نطالب بإدارة عامة للشرطة القضائية تابعة للقضاء، ولا علاقة لها بالسلطة التنفيذية.
أي أنكم تطالبون بتغيير هرمية الشرطة القضائية؟
نعم، فالتجاوزات التي صارت تنهجها بعض عناصر هذه الشرطة خطيرة جداً: متابعة بعض المواطنين بجنايات في وقتٍ لا تتجاوز فيه مخالفاتهم الطابع البسيط، التعسف في الاعتقال، التعذيب في المخافر، تمديد الحراسة النظرية، انتزاع الاعترافات تحت التعذيب. كل هذه الامور تكون محل مرافعات الدفاع أمام المحاكم، وبالتالي فتغيير طريقة الرقابة على عمل هذه الشرطة سيمكننا من تفادي هذه الخروقات. ولا يمكن ذلك سوى بآليات بحضور النيابة العامة في جميع مخافر الشرطة 24 /24 ساعة مع تعويضات محترمة، ثم أن تحضر الشرطة القضائية عند النيابة العامة وقضاة التحقيق. إضافة إلى الرقي بالرقابة إلى مؤسسة دستورية ما هو منصوص عليه بالفصل 128 من الدستور .
ولكن ألا ترى بأن هذا القرار أكبر من الرميد؟
هذا مطلب الشعب يا أخي، لا يمكن الاستمرار في الخروقات بدعوى أن الرميد غير قادر على العمل. لا أدري فعلا إن كان هذا القرار أكبر منه، أم هو الذي لا زال صغيراً من الناحية الفكرية على استيعاب ما جاء بالدستور. وإن كان الأمر على هذه الحالة، فعليه أن يُفسح المجال أمام من هو أكثر نضجاً منه.
هل هناك من بنود أخرى تختلفون معها؟
يتحدثون عن مفتشية للجسم القضائي تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائبة، وهو ما يبقى غير كافٍ، لأن المطلوب مفتشية أخرى خاصة بكتاب الضبط تكون تابعة للسلطة القضائية ومستقلة عن السلطة التنفيذية، وذلك كي لا توجد ثغرات يمكن من خلالها التدخل في عمل السلطة القضائية. كما نطالب كذلك برفع الإشراف الإداري والمالي علينا من وزارة العدل والحريات، نريد أن نستقل نهائيا على جميع المستويات عن الجهاز التنفيذي.
لماذا تريدون الاستقلال عن الوزارة؟
عندما يوجد لديك رئيس حكومة يطبق سياسة عفا الله عما سلف، ويناقض حتى قوانين المملكة التي تشدد على ضرورة معاقبة كل من اختلس أموالاً، فالأكيد أنك ستصر أكثر وأكثر على الاستقلال عنها، لأن هذه الحكومة تريد خلق جيل من القضاة الخانعين الذين لا يستطيعون مناقشة قرارات سياسية. إلا أننا كقضاة نطبق القانون وليس السياسة، ولن نتسامح مع ناهبي المال العام، رغم وجود حواجز إجرائية تحول دون وصولنا للملفات المذكورة.
وما البديل ان استقللتم عن الحكومة؟
نقترح أن تساهم محاكم المملكة في إحياء دَور الجمعية العامة للمحاكم التي ستتكلف بتطوير هذه السلطة القضائية، مثلا تكوين لجنة تتكون على الأقل من 21 قاضٍ على صعيد المملكة، يُعهد لها بالإشراف على امتحان انتقاء القضاة وتكوينهم، مراقبة عمل الشرطة القضائية، تخليق القضاء، البث في شكايات السجناء وما إلى ذلك من مهام القضاء، شرط أن تمكنها الدولة من ميزانية خاصة بها.
لكن، لماذا لم نسمع لكم صوتاً قبل مجيء الرميد إلى وزارة العدل والحريات؟
لأنه لم يكن هناك دستور، كما أن تأسيسنا لم يتم سوى بعد التصويت على الدستور بأيام قليلة، بعدما استشعرنا رغبة المواطن المغربي في وجود قضاء مستقل يضمن له حقه، خاصة وأن هذا الدستور نص على عبارات تُدرج أصلا في القوانين العادية، وذلك كي لا تلتف لوبيات الفساد على هذه المكتسبات الدستورية.
وُجودنا كنادٍ نستمده من الدستور الذي جعل القضاء مستقلاً بشكل تام. أما في السابق، فالتوجه العام للدولة كان يرى في القضاء مجرد وسيلة لحفظ الأمن والنظام ، وبالتالي كان يجعل منا كقضاة مجرد تابعين لوزارة الداخلية. ولا تنسَ أنه بعد تعيين الرميد وزيراً، زرناه ومددنا له يدنا، إلا أن كل وعوده ذهبت أدراج الرياح، وفضل التعامل مع من وضع العدالة المغربية في هذا المأزق، بل إنه تعاون حتى مع وزير الداخلية السابق الطيب الشرقاوي، وتركه قاضياً خارج الدرجة بحيث لم يحله على التقاعد رغم أنه لا يمارس القضاء منذ إعفاءه من مهامه، علما أن حزب الرميد كان يشير له بالانتقادات حول الانتخابات العامة السابقة مما يشكل تضارباً للمصالح.
منذ بداية حوارنا، وأنت تتحدث عن لوبيات داخل الدولة تتحكم بالقضاء، في المقابل، يشير الرأي العام لحالات ارتشاء كبيرة داخل صفوف القضاة؟
أتعرف أن مجرد الحديث عن الرشوة في السابق داخل صفوف القضاة كان من الممكن أن يؤدي إلى محاكمة صاحب الكلام حتى ولو كان قاضيا؟ ومع ذلك قمت إلى جانب بعض الزملاء في نادي قضاة المغرب، بحملة تحسيسية ضد الرشوة. وأؤكد لك، أننا قمنا داخل نادينا بالتصريح بممتلكاتنا علناً للرأي العام، كما أننا مستعدون لتقديم أسماء القضاة المرتشين وجميع الملفات التي تثبت تورطهم. لكن بالمقابل، على الرميد كذلك، أن يقول لنا من أين له بكل هذه الأموال الطائلة وهو ابن حي شعبي، وعليه الإجابة عن اتهامات شباط له بكونه أعطى 100 مليون مخصصة للجسم القضائي لزميله بالحزب حامي الدين كي يشتغل بها داخل جمعية ما.
يعني أنت تتهم الرميد بالارتشاء؟
لم أقل هذا، ولكن ما أدعوه إليه، هو قليل من الشفافية.
طيب إذا كنتم ضد الارتشاء، فلماذا انتقدتم الرميد عندما عاقب بعض القضاة الذين تم القبض عليهم متلبسين في حالات ارتشاء؟
لأنه عاقب أولا بعض القضاة دون احترام مسطرة التلبس التي هي جد معقدة لكون القضاة هم من الفئات من رجال الدولة المعرضين للكيد وحبك السيناريوهات، كما أن بعض القضاة المعاقبين، أبرياء من التهم الموجهة إليهم. هناك أجهزة من الدولة روّجت على الدوام فكرة أن الجهاز القضائي متعفن كي لا يثق به المواطن، وهي من تريد جعل بعض القضاة كبش فداء لممارساتها. إذن فإصلاح القضاء لا يتلخص في معاقبة قاض أو قاضيين، بل هو أعمق من ذلك.
ألا ترى أن كل هذا الشد والجذب بينكم وبين وزارة العدل والحريات قد يضيّع فرصة تاريخية لإصلاح ورش العدالة؟
أبداً، بل المنهجية التي تشتغل بها الوزارة هي التي ستؤخرنا أكثر وأكثر، وإذا ما مرت تشريعياً ستكون نتائجها وخيمة على العدالة المغربية . فرغم كل الضمانات الدستورية ورغم التقدم السياسي المغربي، عمل هذه الوزارة يشوبه الكثير من الخلل. لا تنسَ أنها هي المسؤولة الأولى عن فضيحة العفو عن دانيال وتذكر معي كيف كانت ضعيفة في قضية أثارت الجميع، عندما تخلت عن مسؤولياتها ورمت كل شيء على المؤسسة الملكية التي لا يمكنها أبدا التدقيق في سيرة كل المعفي عنهم. فبسبب خطأ الرميد ومن معه من لجنة العفو، عمّ السخط وانعدمت الثقة في القضاء المغربي.