قراءة في أولى التطبيقات القضائية للقانون 61.19 المتعلق بمسطرة تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية
ذ/ مـحمد الخـير بـاحث في قانون الاسرة
أحدث القانون 61.19 القاضي بتميم الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية تغييرا في مسطرة تذييل الاحكام القضائية الأجنبية في قضايا الاسرة وتحديدا تلك المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية ، ومن جملة التعديلات التي حملها القانون ما تعلق بجهة البت في هذه الطلبات وتحديد اجال ذلك ، ثم تخصيصها بإجراءات من قبيل البت فيها في غيبة الأطراف إضافة الى التنصيص على جانب من الاثار المترتبة عن سلوك المسطرة ، انسجاما على ما تضمنته مدونة الاسرة كما هو الشأن بالنسبة لنهائية الحكم القاضي بالتذييل في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية ، ودعم موقع النيابة العامة في هذه القضايا لما لها من خصوصية وتعلقها بالنظام العام وامتداداتها المتفرعة .
فإذا كان انهاء العلاقة الزوجية في مدونة الاسرة وقانون المسطرة المدنية يخضع لضوابط اجرائية وموضوعية صارمة سواء تعلق الامر بالطلاق او التطليق بأسبابه المختلفة تحت رقابة القضاء ، فإن تلك المساطر قد تأخذ منحى مغايرا في جانب من القوانين المقارنة سواء من حيث الموضوع أو المساطر المتبعة ، كما أن جانبا منها أقحم مؤسسات غير قضائية باتت تمارس دورا مهما في موضوع انهاء العلاقة الزوجية كما هو الشأن بالنسبة للعقود المبرمة من طرف محام ، أو بعض الأشخاص والهيئات المسندة اليها بموجب نصوصها المحلية حق توثيق الطلاق أو التطليق بين الطرفين أو لفائدة احدهما كما هو معمول به في جانب كبير من الدول العربية .( [1])
ولعل هذا التنوع في الأنظمة القانونية الأجنبية غير القضائية طرح إشكالا في بداية تطبيق القانون 61.19 حول مدى سريان التعديلات الواردة فيه على العقود الأجنبية المتضمنة لانهاء العلاقة الزوجية باعتبارها تمظهرا حقيقيا لممارسة حق انهاء العلاقة الزوجية بعيدا عن الرقابة القضائية ، لكن قبل ذلك سنحاول رصد كيفية تفاعلت الجهة القضائية الجديدة مع مسطرة التذييل في صيغتها المعدلة .
الفقرة الأولى : جهة الاختصاص و طبيعته على ضوء التطبيقات الأولى للقانون 61.19 .
بموجب القانون 61.19 فان اختصاص البت في الاحكام الأجنبية الصادرة في قضايا انهاء العلاقة الزوجية انتقل من أقسام قضاء الاسرة بالمحاكم الابتدائية كقضاء موضوع ودرجة أولى للتقاضي الى رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه ، وهو ما طرح سؤالا حول طبيعة هذا الاختصاص علما أن هذه المؤسسة تمارس اختصاصات قضائية متعددة سواء في اطار قانون المسطرة المدنية سيما الفصول 148 ، 149 و 152 بشأن مسطرتي الأوامر المبنية على طلب او الأمور المستعجلة أو حتى في قوانين أخرى كمدونة الاسرة على سبيل المثال .
ولعل هذه الإشارة المقتضبة يبقى لها ما يبررها بالنظر الى ما تضمنته المذكرة التقديمية لمقترح القانون 61.19 ، بعد أن تبين وجود ربط بين مسطرة تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية واسنادها الى رئيس لمحكمة أو الرئيس الأول كجهة طعن بالاستئناف من جهة ومساطر القضاء الاستعجالي أو الأوامر المبنية على طلب من جهة ثانية ( [2]) ، وهو ما لم يرد في الصيغة النهائية للقانون المنشورة على الجريدة الرسمية حيث لم تتضمن أية إشارة الى هذا الأمر ، وبطبيعة الحال فإن ثمة بون شاسع بين كل مسطرة من المساطر الموصوفة وتذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية ، فالبت في هذه الطلبات وفق أجال محددة اقتضته المصلحة المستعجلة للطرف أو الأطراف في سريان اثاره داخل ارض الوطن ، ولا علاقة للأمر بالقضاء الاستعجالي أو الأوامر المبنية على طلب الموسومة بطابع خاص إن على مستوى الإجراءات أو الآثار ، ولعلها ليست المرة الأولى التي يشار فيها الى هذه الطبيعة لتبرير تخصيص مسطرة التذييل باجراءات مبسطة تضمن الفعالية والسرعة في البت ، ومن ذلك مثلا الفصل 179 مكرر من قانون المسطرة المدنية الذي نص على "انه يبت في قضايا النفقة باستعجال " والقصد هنا حتما يعود الى اجل البت وليس إلى نوع الدعوى او طبيعتها أو المسطرة المطبقة .
وهنا يكفي الإشارة الى أن رئيس المحكمة أو من ينوب عنه بصفته هذه يمارس صلاحيات كاملة في مراقبة طلبات التذييل الشكلية والموضوعية وفق مقتضيات الفصلين 430 و 431 من قانون المسطرة المدنية من خلال التحقق من اختصاص المحكمة الأجنبية مصدرة الحكم ، وعدم مخالفته النظام العام كشروط عامة ، إضافة الى الشروط الخاصة الواردة في المادة 128 من مدونة الاسرة بتأسيس الحكم الأجنبي على أسباب لا تتنافى مع تلك التي قررتها المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية ، اذ لا يتصور بالتبعية مثلا ، التصريح بعدم الاختصاص بعلة تحوطه من المساس بجوهر الحق أو انتفاء عنصر الاستعجال للبت في الطلب .
ونعتقد أن المشرع حين نحا الى نقل صلاحية البت في طلبات تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية الى رئيس المحكمة أو من ينوب عنه ، وإلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه كجهة طعن ، إنما كان يروم التخفيف من حدة الزمن القضائي الذي قد يهدر في ممارسة تلك المسطرة وفق الإجراءات العادية ، خصوصا وأن الأمر يمس شريحة هامة من المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج والتي لا تتوفر في الغالب الأعم على الوقت وإمكانيات تتبع طلباتها وفق المساطر العادية ، لكن مع الحرص على احاطة ذلك بمجموعة من الضمانات من أجل تطبيق سليم للقانون ، من بينها صلاحية الجهة الجديدة في المراقبة الشكلية والموضوعية للطلبات والوثائق وأيضا فيما يتعلق بدور النيابة العامة وعلى وجه التحديد ممارسة حق الطعن بالاستئناف .
ويبدو أن هذه المعطيات كفيلة بالقول أن صلاحية الجهة القضائية الجديدة هي صلاحيات واسعة تختلف جذريا عن دورها كقاضي الأمور المستعجلة أو الأوامر المبنية على طلب ، فيكون بتها في تلك الطلبات بصفته رئيسا للمحكمة أو رئيسا أولا أو من ينوب عنهما باعتباره اختصاصا خاصا لا علاقة له بباقي الاختصاصات التي تمارسها نفس الجهة في مجالات أخرى ، وعلى خلاف ذلك سجل في بعض الأوامر الصادرة عن رؤساء المحاكم أنها بتت في هذه الطلبات بصفة قاضي الأمور المستعجلة كما هو الشـأن بالنسبة للأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 3/10/2019 في الملف عدد 985/1101/2019 ، في حين أن جهات أخرى سارت في اعتبار هذا الاختصاص الجديد لا يدخل ضمن القضاء الاستعجالي أو الأوامر المبنية على طلب ، وهنا نشير الى الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بميدلت بتاريخ 31/10/2019 عدد 179 في الملف عدد 191/1101/2019 والذي حرص فيه على الإشارة الى صفته كرئيس والمقتضى القانوني الجديد دون ربطه بالاختصاص الاستعجالي في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية أو غيره ، وهو توجه سديد يؤكد ما سبق أن أشرنا اليه سالفا من أن اختصاص رئيس المحكمة في طلبات تذييل الاحكام الأجنبية هو اختصاص خاص كقاضي موضوع ولا علاقة له بمجال اختصاصه كقاضي الأمور المستعجلة أو يرمي الى اتخاد اجراء وقتي أو في حدود ظاهر الوثائق .
ويبدو أن الخلاف لم يقتصر على طبيعة تدخل رئيس المحكمة أو من ينوب عنه في طلبات تذييل الاحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية بل إمتد أيضا الى مدى اختصاصه للبت في طلبات تذييل العقود الأجنبية وهو ما سيكون موضوع الفقرة الوالية.
الفقرة الثانية : تذييل العقود الأجنبية بإنهاء العلاقة الزوجية على ضوء القانون 61.19
.
ينص الفصل 432 من قانون المسطرة المدنية الى أن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة ، كما أشارت المادة 128 من مدونة الاسرة الى أن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط و الموظفين العموميين المختصين تكون قابلة للتنفيذ بعد استيفاء الإجراءات القانونية بالتذييل بالصيغة التنفيذية طبقا لأحكام المواد 430،431 و432 من قانون المسطرة المدنية . بيد أنه اذا كان واضحا أن المشرع المغربي حافظ على نفس الضوابط الشكلية والموضوعية في تذييل العقود الأجنبية مقارنة بالأحكام مع اعتبار جانب من خصوصيتها ، فإنه بتتبع بعض الاحكام الصادرة بعد دخول القانون 61.19 حيز التنفيذ تبين وجود خلاف في مدى شمول تلك العقود بتعديل جهة الاختصاص ونقله الى رئيس المحكمة أو من ينوب عنه ، حيث انتهى الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بفاس المومإ اليه سالفا بشأن تذييل عقد أجنبي الى التصريح بعدم اختصاصه للبت في الطلب بعلة بأن " التعديل انصرف إلى مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بالأحكام الأجنبية والذي نقل فيه الاختصاص الموضوعي للبت في الطلب من محكمة الموضوع الى رئيس المحكمة ، أما العقود الأجنبية فلم يطرأ على الفصل المنظم لها أي تعديل ، وبالتالي فإن قضاء الأسرة هو المختص للبت في طلبات تذييل العقود الأجنبية بالصيغة التنفيذية وليس رئيس المحكمة" . ونعتقد أن ما انتهى اليه هدا الحكم يبقى محل نظر ومجانب للصواب ذلك أنه لئن كان حقا أن القانون 61.19 اقتصر على تتميم وتغيير الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية دون باقي الفصول الموالية فإن مرد ذلك ليس قصورا من جانب المشرع ، ولكن يجد تفسيره في أن هذا المقتضى يعتبر قطب الرحى في مسطرة التذييل بالتنصيص فيه على الشق الموضوعي في المسطرة في مقابل الجانب الشكلي في الفصل 431 ، في حين أن مقتضيات الفصل 432 من نفس القانون وإن نصت على أن العقود المبرمة بالخارج تكون قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية فإنها ربطت ذلك بالشروط الواردة في مقتضيات الفصلين 430 و 431 وهي بموجب التعديل الجديد تشمل طبعا جهة الاختصاص الذي ينتقل حتما الى رئيس المحكمة وجهة الطعن أو أجل البت إضافة الى دور النيابة العامة و أوصاف الحكم القاضي بالتذييل ، فالنصوص القانونية في مسطرة التذييل متكاملة ولا يمكن العمل او تفسير بعضها بمعزل عن الأخرى ، ولعل هذه الخلاصة هي التي أكدها الحكم الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بميدلت سالف الذكر وإن بحيثيات أخرى بعد أن انتهى الى تذييل عقد طلاق اتفاقي منجز من طرف موثق بإسبانيا بالصيغة التنفيذية .
والأكيد أن تعدد جهات البت في طلبات التذييل بين قضاء الموضوع ورئيس المحكمة قد خلق نوعا من الالتباس في تطبيق القانون 61.19 ، لكنه يبقى أمرا طبيعيا وعاديا مع بداية اعمال قانون جديد الى حين التأقلم مع فلسفته والاهداف التي يرمي الى تحقيقها ، وإن كنا نرى أن حتى مع هذا المستجد على أهميته فإنه يظل مشوبا بالقصور ما دام أن المشرع المغربي أهدر الفرصة لتمديد هذه المستجدات الى مجالات أخرى أولى بتحقيق الأهداف المسطرة في المدكرة التقديمية لمقترح القانون الجديد ومن بينها على سبيل المثال طلبات تذييل عقود الزواج الأجنبية بالصيغة التنفيذية التي ظلت ضمن اختصاص قضاء الموضوع وهي ازدواجية باتت تخلق نوعا من الارتباك للفئة المستهدفة بين رئيس المحكمة بالنسبة لتذييل الاحكام الأجنبية بإنهاء العلاقة الزوجية من جهة أولى وبين قضاء الموضوع بأقسام قضاء الاسرة فيما يتعلق بتذييل عقود الزواج الأجنبية ، على أمل تفادي هذه الوضعية غير المفهومة في أقرب تعديل لقانون المسطرة المدنية . ،
(1) على سبيل المثال الفصل 12 من القانون رقم 132 الصادر بتاريخ 12/09/2014 المتضمن لرفع الطابع القضائي عن بعض المساطر في المادة المدنية بإيطاليا حيث أتاح للزوجين ابرام اتفاق بالانفصال الجسماني او انهاء الاثار المدنية لعقد الزواج بتقديم طلب شخصي او بواسطة محام الى رئيس البلدية باعتباره ضابطا للحالة المدنية .
(2) أشير في المدكرة التقديمية لمقترح القانون في الصفحتين الثانية والثالثة الى ان تضمين بيانات الزواج والطلاق تقتضي السرعة والاستعجال بكونها معطيات تمس النظام العام ولكونها ضرورية أيضا ومستعجلة لابرام عقود زواج جديدة محكومة بضيق الوقت خلال الإقامة القصيرة لأبناء المهجر بالمغرب ، فإننا نرى أنه ليس هناك مانع من أن تسند طلبات البت فيها الى رئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للأمور المستعجلة وصاحب الولاية العامة في اصدار جميع الأوامر بناء على طلب .
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"