MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




قراءة في مشروع قانون المالية رقم 60.24 للسنة المالية 2025

     

د. يونس مليح
أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل مكناس



قراءة في مشروع قانون المالية رقم 60.24 للسنة المالية 2025
 
تكتسب قوانين المالية السنوية أهمية كبيرة، حيث تتضمن أبعادا وتجليات ورهانات متعددة. قبل البدء في تحليل مضامين مشروع قانون المالية لسنة 2025، من الضروري تقديم تعريف مختصر لهذه الوثيقة المالية التي تُعدّها الحكومة ويتم التصديق عليها من قبل البرلمان بمجلسيه. تهدف هذه الوثيقة في النهاية إلى إدارة المالية العامة للدولة بما يتناسب مع حجم الموارد والنفقات. لذلك، يعتبر قانون المالية السنوي وثيقة تقنية تُحدد من خلالها الموارد والأعباء المالية المرتبطة بالدولة. فهو يحدد التوازنات الاقتصادية للبلاد، ويحدد التوجهات العامة للمشاريع التنموية المزمع تنفيذها، وكذلك الخطوط العريضة للسياسات العمومية.

كما أن المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية تنص على أنه: “يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها. وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون”.

علاوة على ذلك، تساعد قوانين المالية على تحديد الأولويات الوطنية في مجالات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين. من خلال هذه القوانين، يمكن للحكومات أيضا الاستجابة للتحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، مما يجعلها أداة حيوية في التخطيط والتنمية الاقتصادية.

ويأتي مشروع قانون المالية لسنة 2025 في ظل تحديات اقتصادية كبيرة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. الهدف من هذا المشروع هو تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية مع الحفاظ على التوازن المالي والاقتصادي. يتضمن المشروع العديد من الإجراءات والإصلاحات في مجالات مختلفة مثل الجانب الضريبي، الحماية الاجتماعية، وتشجيع الاستثمار. في هذه القراءة المتعمقة، سنتناول أهم الأرقام والمعطيات التي تضمنها المشروع، مع تحليل دلالاتها بشكل نقدي، ومعرفة تأثيراتها على الاقتصاد المغربي.
 

أولا- مالية 2025: إصلاحات ضريبية ونمو اجتماعي:

 
وفقًا لمشروع قانون المالية، تواصل الحكومة العمل على تحسين الإيرادات الجبائية من خلال توسيع الوعاء الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي. يشمل ذلك استيفاء الضرائب والرسوم المخصصة للدولة وللجماعات الترابية والهيئات العمومية. بناء على ذلك تم تحديد عدة إصلاحات فيما يخص الضرائب غير المباشرة والرسوم الجمركية، مما سيؤدي إلى زيادة متوقعة في الموارد العامة​.

فهناك توقع زيادة في إيرادات الضرائب المباشرة وغير المباشرة بنسبة 4% مقارنة بسنة 2024. مع استمرار فرض رسوم جمركية على واردات معينة وتخفيف الرسوم على بعض المنتجات مثل اللحوم المستوردة والأدوية​.

كما يهدف المشروع إلى تقليص العجز المالي من خلال تحسين كفاءة الإنفاق العمومي وإدارة الدين العام. من المتوقع أن تستمر الدولة في اللجوء إلى الاقتراض لتمويل المشاريع الكبرى، مع التركيز على تحسين أداء القطاعات الحيوية. فمن المتوقع أن يصل العجز المالي إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2025. والدين العام يُتوقع أن يصل إلى 75% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تركيز الجهود على خفض نسبة العجز تدريجيا.

كما أن تعزيز الحماية الاجتماعية يمثل أحد أبرز محاور مشروع قانون المالية 2025. تهدف الحكومة إلى توسيع نظام الحماية الاجتماعية ليشمل فئات جديدة من المواطنين، وتطوير برامج لدعم الفئات الهشة. كما يشمل المشروع تخصيص استثمارات ضخمة في البنية التحتية لتحفيز النمو الاقتصادي. فمن المتوقع أن يتم تخصيص 30% من الميزانية العامة لبرامج الحماية الاجتماعية. وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية بنسبة 10% مقارنة بسنة 2024، مع التركيز على مشاريع النقل والطاقة المتجددة​.

من جهة أخرى، يولي مشروع قانون المالية أهمية كبيرة للاستثمار في الطاقات المتجددة، بهدف تعزيز الاستقلال الطاقي للمغرب وتقليل الانبعاثات الكربونية. ستُخصص استثمارات جديدة لمشاريع الطاقة الشمسية والريحية. فمن المتوقع أن تكون هناك زيادة بنسبة 15% في الاستثمارات المخصصة لمشاريع الطاقة المتجددة مقارنة بالسنة السابقة، مع توقع خفض انبعاثات الكربون بنسبة 5% بحلول عام 2025، بفضل تعزيز استخدام الطاقات النظيفة.

في الجانب الجبائي، يعمل مشروع قانون المالية على مواصلة الإصلاحات الجبائية بهدف تحسين العدالة الضريبية وتخفيف العبء عن الشركات الصغرى والمتوسطة. كما يتضمن المشروع إجراءات لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تسهيلات للمستثمرين وتبسيط الإجراءات الإدارية.

مشروع قانون المالية لسنة 2025 يتضمن مجموعة من المستجدات التي تهدف إلى تحسين العدالة الضريبية وتقليل العبء على الفئات المتوسطة والمنخفضة الدخل، إذ سيتم تعديل جدول حساب الضريبة على الدخل في مشروع قانون المالية، حيث تم إعادة هيكلة الشرائح الضريبية لتخفيض العبء الضريبي على ذوي الدخل المتوسط والمنخفض. وفقا للمشروع، فإن الشريحة التي تصل إلى 40,000 درهم سنويا ستكون معفاة بالكامل من الضريبة على الدخل.

حيث سيكون جدول معدلات الضريبة الجديد كالآتي:
 
  • من 40,001 إلى 60,000 درهم: 10%
  • من 60,001 إلى 80,000 درهم: 20%
  • من 80,001 إلى 100,000 درهم: 30%
  • من 100,001 إلى 180,000 درهم: 34%
  • ما يزيد على 180,000 درهم: 37%
أما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات، فإن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يحتوي على العديد من المستجدات المتعلقة بالضريبة بها، وذلك بهدف تحسين العدالة الضريبية، تشجيع الاستثمار، وضمان التوازن بين الموارد المالية للدولة ومتطلبات النمو الاقتصادي.

أول هذه المستجدات هو إعادة هيكلة معدلات الضريبة على الشركات، حيث تسعى الحكومة إلى تقليل العبء الضريبي على الشركات الصغيرة والمتوسطة مع الإبقاء على معدلات مرتفعة على الشركات الكبرى. هذا التوجه يأتي في إطار تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة ودعمها لتعزيز دورها في الاقتصاد الوطني.

فالشركات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق أرباحًا أقل من 300,000 درهم ستستفيد من تخفيض في معدلات الضريبة، مع فرض نسبة 10% على هذه الفئة. وبالنسبة للشركات التي تحقق أرباحًا تتراوح بين 300,000 درهم و1,000,000 درهم، ستكون نسبة الضريبة 20%.. أما الشركات الكبرى التي تحقق أرباحًا تفوق 1,000,000 درهم، ستخضع لمعدل ضريبة يبلغ 30%​.
ولتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية مثل الصناعة والطاقة المتجددة، يقدم مشروع قانون المالية 2025 العديد من الإعفاءات الضريبية لهذه الشركات. ستتمتع المشاريع الصناعية والاستثمارات في الطاقة المتجددة بإعفاءات ضريبية لمدة خمس سنوات، وذلك بهدف تشجيع الاستثمار في هذه المجالات​.
يشمل المشروع أيضا إجراءات تهدف إلى توسيع الوعاء الضريبي من خلال إدماج بعض الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ضمن النظام الضريبي، مع تحسين آليات المراقبة الجبائية وتقليل فرص التهرب الضريبي. يسعى المشروع إلى تحقيق عدالة ضريبية أكبر من خلال تخفيف العبء عن الشركات الصغيرة وتحميل الشركات الكبرى مسؤولية أكبر في تمويل ميزانية الدولة.
 
ثانيا - مالية 2025: تحديات ورؤية مفقودة:


رغم أن مشروع قانون المالية 2025 يسعى إلى تحفيز الاقتصاد والرد على التحديات الفورية، إلا أنه قد يفتقر إلى رؤية طويلة الأمد، خصوصًا فيما يتعلق بالتحولات الهيكلية. لا يزال النموذج الاقتصادي المغربي يعتمد بشكل كبير على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والسياحة، التي تبقى هشة أمام الصدمات الخارجية. من الانتقادات المتكررة غياب إصلاحات جذرية قادرة على إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل عميق لجعله أكثر صلابة وتنوعًا.

كما أنه رغم تأكيد الحكومة على ضبط العجز المالي، فإن الالتزامات المتعلقة بالإنفاق الاجتماعي، مثل تعميم الحماية الاجتماعية، والاستثمارات في التعليم والصحة، ومشاريع البنية التحتية، قد تجعل تحقيق هذا الهدف صعبًا. الحجم الكبير للنفقات العمومية المتوقعة قد يؤدي إلى تفاقم الدين العمومي إذا لم يكن مصحوبًا بإصلاحات ضريبية جذرية أو تحسين فعالية إدارة الموارد.

كما يعد توسيع الوعاء الضريبي أحد الأهداف الرئيسية لهذا المشروع، وهو التزام جدير بالاهتمام. ومع ذلك، قد تواجه هذه المقاربة مشكلتين رئيسيتين: غياب آليات صارمة لمكافحة التهرب الضريبي على نطاق واسع، ونقص الإرادة السياسية لإجراء إصلاحات جذرية في النظام الضريبي، الذي لا يزال معقدًا وغير عادل. يبقى التركيز على ضرائب الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع غير مستغل بشكل كافٍ، في حين أن العبء الضريبي يظل يثقل كاهل الطبقة المتوسطة والشركات الصغيرة.

ورغم التزام المغرب المتزايد بالانتقال الطاقي، فإن بعض الانتقادات تشير إلى أن الجهود في هذا المجال ليست بالمستوى المطلوب لمواجهة التحديات. الاستثمارات في الطاقات المتجددة، رغم تشجيعها، لا تترافق مع سياسة طموحة لتقليل انبعاثات الكربون في قطاعات أخرى مثل الصناعة والنقل. بالإضافة إلى ذلك، تبقى التدابير التحفيزية لاستهلاك أكثر استدامة محدودة.
كما يواصل مشروع قانون المالية 2025 تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع البنية التحتية، وهو ما قد يبدو جذابا لتخفيف العبء على المالية العامة. ومع ذلك، فإن الاعتماد المفرط على هذه الشراكات يحمل مخاطر، مثل تحويل المخاطر إلى الشركاء الخواص على حساب الدولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز على جذب الاستثمار الأجنبي لدفع عجلة النمو قد يكون إشكاليًا إذا لم يترافق مع تعزيز الموارد المحلية وتطوير الكفاءات الوطنية.

كما لا تزال وثيرة الإصلاحات الاقتصادية والإدارية بطيئا نسبيا، وهو ما قد يعوق تنافسية المغرب على المستوى الدولي. غياب الإصلاحات في قطاعات مثل الإدارة والتعليم والصحة وغيرها قد يستمر في ردع الاستثمارات. علاوة على ذلك، يبدو أن الابتكار، رغم تحديده كأولوية، غير مدمج بشكل كاف في السياسات العامة، خصوصا فيما يتعلق بدعم البحث العلمي والتطوير.

رغم أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يسعى إلى تحقيق توازن بين احتياجات تحفيز الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، إلا أنه يمكن انتقاده لافتقاره إلى رؤية جريئة طويلة الأمد وإصلاحات هيكلية محدودة. قد تشكل إدارة العجز المالي والدين تحديًا إذا لم يتم إجراء تعديلات، ويبدو أن الطموحات في مجالي الانتقال الطاقي والابتكار لا تزال غير كافية في مواجهة التحديات الحالية. أخيرا، تسلط الفوارق المستمرة والاعتماد على رؤوس الأموال الأجنبية الضوء على التحديات التي سيواجهها المغرب لضمان نمو أكثر شمولا واستدامة.
 



الاربعاء 23 أكتوبر 2024
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter