تعد الصياغة التشريعية من اهم العناصر الداخلة في صناعة التشريع ، اذ تتكون القاعدة القانونية من عنصرين وهما عنصر العلم وعنصر الصياغة ، وتتجلى أهمية عملية الصياغة التشريعية للقوانين من كونها الوسيلة التي يعبر بها المشرع عن أفكاره ورؤاه ، وأيضا تحقيق المصلحة العامة من خلال سن القوانين والتشريعات وذلك بإعطائها صفة الالزام (1) ، وهذه الصياغة كثيرا ما يعبر عنها ( بفن الصياغة )التشريعية ؛ اذ انها تتطلب الكثير من المهارات والخبرة والمعرفة بأساليب اللغة وتداخلاتها ومخارجها ، الى جانب الاطلاع الواسع والمعرفة بالعلوم الأخرى التي لها علاقة بعلم وفن الصياغة التشريعية (2) .
والحقيقية من يطلع على نصوص القانون المدني العراقي وعلى الرغم من وجود هفوات في الصياغة لبعض مواده القانونية ، الا انه وفي الوقت نفسه يجد كثير من المواد التي اجاد في صياغتها ، إذ أسهمت هذه الدقة في الصياغة في ديمومة النص القانوني للقانون المدني العراقي .
ومن الأمثلة على جودة الصياغة لنصوص القانون المدني العراقي هو مجيئه بالقواعد والمبادئ العامة ، التي تتسم بانها ذات كلمات مضغوطة ومعاني كبيرة ومن المبادئ التي اجاد المشرع في صيغتها هو ( لا ينكر تغير الاحكام بتغير الازمان ) (3) ، وهي مادة قانونية متميزة اذ أعطت الرخصة والمشروعية للمحكمة للتوسع بتفسير القانون على وفق المصلحة ومتغيرات الظروف واستجابة لتطورات الحياة ، إذ ان هذا المبدأ يتفق مع احكام المادة الثالثة من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل والمتعلقة بالزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ، اذ تُكمل هاتان المادتان الواحدة للأخرى بما يحقق العدالة ويعطي للمحكمة مجالا أوسع ومساحة اعم للحكم إذ يتفق واحكام القانون مع عدم ضياع الحق .
ومن المبادئ العامة الأخرى التي وضعها المشرع في نصوص القانون المدني العراقي هي ( لا مساغ للاجتهاد في مورد النص ) (4) وأيضا ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) (5) وأيضا ( يفسر الشك في مصلحة المدين ) (6) .
وقد يلجأ المشرع الى بيان ارادته بشكل صريح وواضح وجلي لا تحتمل التفسير او التأويل ، وقد يعبر عن ارادته تلك بنصوص غير محددة وعبارات فضفاضة مما يسمح للقائم على تطبيق القانون بالاجتهاد والتفسير ، ولجوء المشرع الى هذا الأسلوب أو ذاك نابع من فلسفته في كيفية حل الإشكالات والمسائل التي تحصل والتي من الممكن ان تحصل في الحياة العملية ، والقاضي يجد نفسه ملزما باتباع النص الواضح الذي لا لبس فيه ويدل دلالة قطعية على الحكم ، اما بالنسبة للنصوص غير الواضحة وتلك المصاغة بطريقة مرنة فهناك مساحة وحرية يستطيع القاضي التحرك في نطاقها (7) .
وايمانا من المشرع بأهمية التفسير في تطبيق القانون وديمومته واستخلاص الاحكام القانونية فقد وضع مبادئ وقواعد عامة لعملية التفسير ، ومن هذه المبادئ القانونية العامة التي قررها المشرع للاستعانة في عملية التفسير للوقوف على إرادة المشرع الحقيقية عند وضعه للتشريع (8) ، ( ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه ) (9 ) و ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ) (10) و( الأصل في الكلام الحقيقة ، اما اذا تعذرت الحقيقة فيصار الى المجاز )(11 ) و ( تترك الحقيقة بدلالة العادة ) (12) و( لا عبرة بالدلالة في مقابل التصريح ) (13) ، وغيرها من المبادئ العامة التي وردت في المواد من ( 155 الى 166 ) والتي يستعين بها القاضي في تفسير بنود وفقرات العقود حرصا على بقائه قدر الإمكان حماية لمبدأ استقرار المعاملات أيضا فقد اجاد المشرع في صياغته للمادة رقم (30) (14) من القانون المدني ، إذ جاء بعبارة ( ... مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعا ) ، وتعد عبارة المبادئ الأكثر شيوعا عبارة مرنة وتعطي ضابطا عاما في تطبيق القانون ، وان كان موضوع الرجوع الى هذه المبادئ يتحدد بموجب هذه المادة فقط في موضوع تنازع القوانين ، الا انه من مواضيع القانون الدولي الخاص ذات الاهمية البالغة ، إذ اسهم الفقه ولازال يساههم في دعم وتوجيه المشرع بعد المفاضلة بين آراء الفقهاء في تشريع قاعدة قانونية معينة ، وأيضا تقديم يد العون للقضاء في استخلاص القواعد القانونية من أفكار وآراء هؤلاء الفقهاء وتطبيقها على الوقائع المعروضة عليه ، وفي كل ذلك يجد القاضي مشروعية احكامه في المادة رقم (30) من القانون المدني التي قد تحل كثير من الإشكالات التي قد تحصل في حال عدم وجود هذه المادة القانونية (15) .
ومن السليم استعمال المشرع لكلمة ( المبادئ ) ولم يستعمل كلمة القواعد ؛ لأن المبادئ القانونية اكبر واوسع من القواعد القانونية وتعتبر أساسا للعديد من القواعد القانونية ، اما القاعدة القانونية فهي وحدة قانونية تتضمن حلال معينا لحالة معينة ، من هنا فان المبدأ القانوني يعطي للقاضي مساحة واسعة لإيجاد الحلول القانونية بما يضمن ديمومة النص القانوني (16) .
وقد عالج المشرع العراقي مسألة مهمة في موضوع قصور او النقص في التشريع بوضعه اطارا عاما يمكن اللجوء اليه بمقتضى نص المادة (30) من القانون المدني ، منهيا بذلك الحاجة الى تشريع جديد او تعديل التشريع القائم بما يضمن استجابته للظروف المستجدة ، وحسنا فعل المشرع العراقي بصياغته لهذه المادة بما يؤمن عدم الحاجة الى تدخل تشريعي في مسألة تنازع القوانين ( 17) .
وكما لاحظنا في الفصل الأول من هذه الرسالة ان المشرع قد يلجأ في صياغة النصوص القانونية الى الصياغة الجامدة او المرنة وحسب فلسفته في إيجاد الحل المناسب للموضوع الذي يحتاج الى معالجة ، وان لكل من طرق الصياغة هدفها واسلوبها وضرورتها فقد يعمد المشرع الى معالجة موضوع معين بنصوص قانونية جامدة مما يعني وجود حل حازم ونهائي للمسألة ، وعلى العكس من ذلك فقد يعمد المشرع الــى معالجة مواضيع أخرى بموجب نصوص مرنة تحتمل التفسير والتأويل لفسح المجال أمام القضاء لمراعاة دقائق الأمور والظروف الموضوعية لأطراف العلاقة القانونية وأيضا استجابة للمتغيرات والتطورات الحياتية (18)
ومن الامثلة على الصياغة الجامدة في نصوص القانون المدني هي ايراد التعاريف للموضوعات المهمة والحيوية ، ومنها تعريف العقد ايمانا من المشرع بضرورة تحديد مفهومه بصورة واضحة وجلية لا تترك مجالا للشك ؛ وذلك لأهمية العقود والتعاقد في الحياة العملية وأيضا كونه الوسيلة الأكثر تداولا في التعاملات المالية بين الافراد او الجهات الأخرى ، إذ عرف المشرع العراقي العقد على انه ( ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه ) (19) ، في حين لم يبين المشرع المصري تعريفا للعقد في القانون المدني، على عكس المشرع فرنسي الذي عرف العقد بموجب المادة (1101) من القانون المدني على انه ( اتفاق شخصين او اكثر على انشاء او الغاء او تعديل او نقل التزام ) (20) ، ونرى بان التعريف الذي أورده المشرع العراقي هو افضل من التعريف الفرنسي ؛ لانه واضح ومختصر وذو عبارات سهلة ومفهومة وتؤدي الغرض المقصود من التعريف .
والتعريف الذي أورده المشرع العراقي في قانونه المدني هو تعريف جيد وشامل وقد أحسن في اختيار الفاظه ، ورغم ان هذا التعريف قد وضعه المشرع عام (1951) الا انه كان ولا يزال مواكبا للتطور ، إذ إن المشرع العراقي أعاد تعريف العقد الالكتروني وذلك بموجب الفقرة ( حادي عشر ) من المادة الأولى من قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية رقم 78 لسنة 2012 وبنفس العبارات التي استعملها في تعريفه للعقد في القانون المدني حرفيا مع إضافة عبارة ) ... والذي يتم بوسيلة الكترونية ) في نهاية التعريف ، وهذا يدل على رصانة التعريف الذي جاءت به المادة (73) من القانون المدني
أيضا عرف المشرع العراقي الوكالة على انها ( عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز ومعلوم ) (21) ، وذلك ايمانا منه بأهمية هذا الموضوع على الصعيد العملي والقانوني ، كما عرف المشرع المصري الوكالة على انها ( عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ) (22) ، وأيضا عرفها المشرع الفرنسي على انها ( الوكالة او التفويض عقد بمقتضاه يعطي شخص آخر سلطة للقيام بعمل شيء للموكل وبإسمه ) (23) .
ونرى بان تعريف المشرع العراقي هو افضل تعريف ؛ لأنه يعطي تعريفا وافيا ومختصرا واصيلا للوكالة وأيضا استعماله لكلمة ( تصرف ) التي تدل على التصرف القانوني الناتج عن هذه الوكالة ، اما التعريف الذي جاء به المشرع المصري فان من يقرأه لا يشعر بانه تعريف للوكالة بقدر ما هو وصف لهذا العقد وبيان اثره ، في حين ان تعريف المشرع الفرنسي للوكالة يؤخذ عليه انه يبين ان الوكالة هي سلطة يعطيها الموكل للوكيل ، بينما هي سلطة يخولها القانون للموكل لكي يمنحها للوكيل بموجب عقد الوكالة ، كما ان التعريف جاء بكلمة (... بعمل شيء للموكل وبإسمه ) وهذا يعد تعبيرا قانونيا سليما كما لو استعمل المشرع كلمة التصرف كونه ادق بالمعنى
وأيضا من الأدلة على كفاية التعريف الذي وضعه المشرع العراقي في القانون المدني ، هو عدم تطرق القوانين الأخرى ( الموضوعية منها والاجرائية ) الى تعريف الوكالة مكتفية بالتعريف الذي جاءت به المادة (73) من القانون المدني ، وما تطرقت اليه هذه القوانين هو فقط الى احكام الوكالة فيما يتعلق بالمواضيع التي تعالجها خصوصية هذه القوانين كقانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 وقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1965 (24)
ومن المواضيع التي صاغها المشرع صياغة جامدة هي سن الرشد وتحديده تحديدا نافيا للجهالة ولا يترك مجالا للشك والتفسير ؛ لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة في استقرار المعاملات والثقة في التعامل اذ يفترض تحديد موضع سن رشد الأشخاص لكي يتم التعرف عليهم بسهولة مما يدفع المتعاقدين الى الاطمئنان على تعاملاتهم مع الأشخاص المقابلة لهم في العقود والتصرفات القانونية الأخرى ، ولكي لا يتم اتخاذ موضوع أهلية الأشخاص ذريعة لفسخ العقود ومن ثم انعدام الثقة وشيوع الفوضى ، إذ حدد المشرع سن الرشد بقوله ( سن الرشد هي ثماني عشرة سنة كاملة) (25) ، اما المشرع المصري فقد جعل سن الرشد بإحدى وعشرون سنة ولكنه ضمن المادة التي اشارت الى سن الرشد فقرة أولى تضمنت الشروط والموانع لمباشرة الشخص لحقوقه المدنية (26) ، في حين ان المشرع الفرنسي جعل سن الرشد هي (18) سنة .
ونعتقد بان المشرع العراقي احسن في صياغته للمادة (106) المتعلقة بسن الرشد ؛ لأنه افرد لها مادة خاصة وواضحة كما انه استعمل كلمة ( كاملة ) بعد عدد السنوات لكي يمنع التفسير بخصوص هذا الموضوع لأهميته في الجانب العملي واستقرار التعاملات ، إذ انه صار واضحا ان سن الرشد يبدأ مع بداية اليوم الأول من العام التاسع عشر لكل فرد يحمل الجنسية العراقية .
ومن المعروف ان مصادر الالتزام بموجب القانون المدني العراقي هي خمسة تشمل ( العقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والكسب بلا سبب وأخيرا القانون ( 26 ) ، وما يعنينا من الامر هو المصدر الأخير من مصادر الالتزام ألا وهو ( القانون ) فقد اجاد المشرع في صياغته للمادة المتعلقة بهذا المصدر بقوله ( الالتزامات التي تنشأ مباشرة من القانون وحده تسري عليها النصوص القانونية التي انشأتها ) (27) ، وبذلك فان المشرع العراقي اختزل كل الالتزامات الناشئة عن القانون كمصدر أخير من مصادر الالتزام بموجب مبدأ عام هو ( سريان النصوص القانونية على الالتزامات التي انشأتها ) ، وحسنا فعل المشرع في ذلك إذ لا يمكن حصر تلك الالتزامات التي من الممكن ان تنشئها النصوص القانونية في مختلف القوانين المرعية او تلك القوانين التي ستسن مستقبلا ، مما يعني انه لابد من تفصيل هذه الالتزامات وبيان احكامها بالتفصيل ومن غير المنطقي ولا من العملي فعل ذلك ؛ كونه سيؤدي الى ترهل التشريع وتشتته وربما الى تناقضه وتعارضه وهذا لا يستقيم مع مبادئ الصياغة التشريعية السليمة ولا يتلاءم مع ديمومة النص القانوني .
ولا شك في ان القانون هو مصدر لجميع الالتزامات اذ ان العقد والإرادة المنفردة وغيرها من مصادر الالتزام لم تكن لكون كذلك لو لا ان القانون نظمها واعطاها القوة الملزمة ، وبذلك فان القانون قد يكون مصدرا غير مباشر لهذه الطائفة من الالتزامات ولكنه يعد مصدرا مباشرا لطائفة أخرى من الالتزامات التي لا يمكن ردها الى مجموعة معينة من المصادر ، وقد افرد المشرع العراقي لكل هذه الالتزامات غير المحددة والناشئة مباشرة عن القانون مادة واحدة جامعة مانعة (28)
أيضا من أصول الصياغة المميزة لبعض المواد في القانون المدني هو استخدام المشرع للدلالة في مواد متعددة ، وقد استخدم المشرع مصطلح ( الدلالة ) في مواطن عديدة توزعت على مختلف نصوص القانون وفي مختلف المواضيع (29) ، فقد استخدمها المشرع كطريقة للتعبير عن الإرادة كإجازة العقد الموقوف وذلك في المادة (136) مدني ، او الإقرار بحق كما جاء في المواد ( 438،151 ) او قد تكون الدلالة طريقة للتعبير عن الإرادة بالتنازل عن حق معين وكما جاء في المواد ( 443، 1134 ) ، وقد استعمل المشرع مصطلح الدلالة في المواد ( 160،157،156 ) وجعلها قواعد عامة للتفسير يلجأ اليها القاضي عند تطبيق القانون (30) ، وغير ذلك من الاستعمالات التي أراد المشرع التوسع في تطبيق وعلاج الحالات التي تنطبق عليها هذه المواد ومنها المادة ( 1381 ) التي توسع من نطاق عمل القانون المدني وذلك عن طريق الغاء كل النصوص التي تتعارض حتى ولو دلالة مع احكام هذا القانون مما يسهم في ديمومته .
وقد اعطى المشرع للقائم على تطبيق القانون في المواضيع التي يمكن استنباط الاحكام فيها عن طريق الدلالة او تلك المواضيع التي يمكن التقصي فيها عن الإرادة من خلال الدلالة المساحة الكبيرة للتحرك والتوسع في تفسير القانون والوقائع ، إذ ان لتعبير الدلالة مفهوما واسعا جدا فقد يكون للألفاظ استعمالات ودلالات تختلف عن وضعها العادي وحسب موقعها في الجملة كالأطلاق والتقييد (31) والعام والخاص (32) والحقيقة والمجاز (33) ، مما يتيح الحرية في العمل بالنسبة للقاضي في سبيل احقاق الحق وتحقيق العدالة ، كما ان الدلالة مهمة في تحديد منطوق ومفهوم النصوص وتقييم الأدلة اذا كانت قطعية الدلالة او ظنية الدلالة (34) إذ تسهم هذه الصياغة باستعمال مفردة الدلالة ذات الاستخدام والمفهوم الواسع في ديمومة النصوص القانونية .
الهوامش
______________
1- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص 391 - 392 .
2- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص 388 .
3- المادة رقم (5) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل
4- المادة رقم (2) مدني عراقي .
5- المادة رقم (8) مدني عراقي .
6- المادة رقم (166) مدني عراقي
7- الدكتور هادي محمد عبد الله ، دور إرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية ، ( دراسة مقارنة في ضوء فلسفة القانون ) ، ط 1 ، مكتبة يادكار ، السليمانية ، 2017 ، ص 64 - 71 .
8- الدكتور هادي محمد عبد الله ، دور إرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية ، ( دراسة مقارنة في ضوء فلسفة القانون ) ، ط 1 ، مكتبة يادكار ، السليمانية ، 2017 ، ص 64 - 71 .
9- المادة رقم (3) مدني عراقي .
10- الفقرة الأولى من المادة رقم (155) مدني عراقي .
11- الفقرة الثانية من المادة رقم (155) مدني عراقي .
12- المادة رقم (156) مدني عراقي
13- المادة رقم (157) مدني عراقي .
14- اذ نصت هذه المادة على ( يتبع فيما لم يرد بشأنه نص في المواد السابقة من أحوال تنازل القوانين مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعا ) .
15- الدكتور غالب على الداودي والدكتور حسن محمد الهداوي ، القانون الدولي الخاص ، الجزء الأول ، طبعة جديدة ومنقحة ، شركة العاتك لصناعة الكتاب ، بيروت ، 2018 ، ص 37
16- إسماعيل نامق ، شرط الثبات التشريعي والقانون الأفضل للمستثمر ودورهما في جلب الاستثمار ، دراسة تحليلية مقارنة ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الدولي السابع لكلية القانون الكويتية العالمية ، التنظيم القانوني لتطوير الاستثمار ، السنة 8 ، العدد 8 ، 2020 ، ص 65
17- الدكتور اياد مطشر صيهود ، نظرية الفراغ التشريعي في القانون الدولي الخاص( دراسة تحليلية استدلالية في مدى اثر المبادئ الشائعة دوليا على بنية القانون العراقي ) ، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية ، جامعة كركوك ، العدد 31 ، مجلد 8 ، 2019 ، ص 432 .
18- الدكتور بن حفاف سماعيل ، الصياغة التشريعية ودورها في خدمة التشريع، بحث منشور في مجلة المعيار ، الجزائر ، العدد 8، 2013 ، ص 111 .
19- المادة ( 73 ) من القانون المدني العراقي .
20- نقلا عن الدكتور جليل حسن بشات الساعدي ، ندوة علمية توعوية في كلية القانون - جامعة بغداد تحت عنوان ( مستحدثات القانون المدني الفرنسي في ضوء التعديل النافذ في 2016/10/1 ) ، متاح على الرابط التالي 111https://colaw.uobaghdad.edu.iq/?p، تاريخ الزيارة 2023/10/9 ، وقت الزيارة 4:30 مساءا
21- المادة (927) من القانون المدني العراقي .
22- المادة (699) من القانون المدني المصري .
23- الفقرة أولا من المادة رقم (1984) من القانون المدني الفرنسي لعام 1804
24- إذ نظم قانون المحاماة موضوع الوكالة بموجب احكام المواد ( 22 - 43 - 44 - 47 - 48 - 61 - 64 - 69 ) ، وتطرق قانون المرافعات المدنية الى موضوع الوكالة وعالجها بموجب احكام المواد ( 52 ـ 53 ) منه .
25- المادة (106) من القانون المدني .
26- المادة (44) من القانون المدني المصري .
27- الدكتور عبد المجيد الحكيم والدكتور عبد الباقي البكري والدكتور محمد طه البشير ، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ، طبعة جديدة منقحة ، الجزء الأول ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2018 ، ص 21 – 24 ( ) المادة (245) من القانون المدني .
28- الدكتور عبد المجيد الحكيم والدكتور عبد الباقي البكري والدكتور محمد طه البشير ، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ، طبعة جديدة منقحة ، الجزء الأول ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2018 ، ص 417 - 420
29- استخدم المشرع العراقي مصطلح او كلمة الدلالة في المواد :
( 136، 151، 156، 15، 603،443،438،160، 1134، 1221، 1349 ،1381 ) ، وقد تعدد الغرض من استخدام هذا المصطلح باختلاف المواد القانونية .
30- الدكتور هادي محمد عبد الله ، دور إرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية ، ( دراسة مقارنة في ضوء فلسفة القانون ) ، ط 1 ، مكتبة يادكار ، السليمانية ، 2017 ، ص 64 - 71 .
31- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 316 .
32- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 330
33- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 386
34- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 436 - 447 .
والحقيقية من يطلع على نصوص القانون المدني العراقي وعلى الرغم من وجود هفوات في الصياغة لبعض مواده القانونية ، الا انه وفي الوقت نفسه يجد كثير من المواد التي اجاد في صياغتها ، إذ أسهمت هذه الدقة في الصياغة في ديمومة النص القانوني للقانون المدني العراقي .
ومن الأمثلة على جودة الصياغة لنصوص القانون المدني العراقي هو مجيئه بالقواعد والمبادئ العامة ، التي تتسم بانها ذات كلمات مضغوطة ومعاني كبيرة ومن المبادئ التي اجاد المشرع في صيغتها هو ( لا ينكر تغير الاحكام بتغير الازمان ) (3) ، وهي مادة قانونية متميزة اذ أعطت الرخصة والمشروعية للمحكمة للتوسع بتفسير القانون على وفق المصلحة ومتغيرات الظروف واستجابة لتطورات الحياة ، إذ ان هذا المبدأ يتفق مع احكام المادة الثالثة من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل والمتعلقة بالزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ، اذ تُكمل هاتان المادتان الواحدة للأخرى بما يحقق العدالة ويعطي للمحكمة مجالا أوسع ومساحة اعم للحكم إذ يتفق واحكام القانون مع عدم ضياع الحق .
ومن المبادئ العامة الأخرى التي وضعها المشرع في نصوص القانون المدني العراقي هي ( لا مساغ للاجتهاد في مورد النص ) (4) وأيضا ( درء المفاسد أولى من جلب المصالح ) (5) وأيضا ( يفسر الشك في مصلحة المدين ) (6) .
وقد يلجأ المشرع الى بيان ارادته بشكل صريح وواضح وجلي لا تحتمل التفسير او التأويل ، وقد يعبر عن ارادته تلك بنصوص غير محددة وعبارات فضفاضة مما يسمح للقائم على تطبيق القانون بالاجتهاد والتفسير ، ولجوء المشرع الى هذا الأسلوب أو ذاك نابع من فلسفته في كيفية حل الإشكالات والمسائل التي تحصل والتي من الممكن ان تحصل في الحياة العملية ، والقاضي يجد نفسه ملزما باتباع النص الواضح الذي لا لبس فيه ويدل دلالة قطعية على الحكم ، اما بالنسبة للنصوص غير الواضحة وتلك المصاغة بطريقة مرنة فهناك مساحة وحرية يستطيع القاضي التحرك في نطاقها (7) .
وايمانا من المشرع بأهمية التفسير في تطبيق القانون وديمومته واستخلاص الاحكام القانونية فقد وضع مبادئ وقواعد عامة لعملية التفسير ، ومن هذه المبادئ القانونية العامة التي قررها المشرع للاستعانة في عملية التفسير للوقوف على إرادة المشرع الحقيقية عند وضعه للتشريع (8) ، ( ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه ) (9 ) و ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ) (10) و( الأصل في الكلام الحقيقة ، اما اذا تعذرت الحقيقة فيصار الى المجاز )(11 ) و ( تترك الحقيقة بدلالة العادة ) (12) و( لا عبرة بالدلالة في مقابل التصريح ) (13) ، وغيرها من المبادئ العامة التي وردت في المواد من ( 155 الى 166 ) والتي يستعين بها القاضي في تفسير بنود وفقرات العقود حرصا على بقائه قدر الإمكان حماية لمبدأ استقرار المعاملات أيضا فقد اجاد المشرع في صياغته للمادة رقم (30) (14) من القانون المدني ، إذ جاء بعبارة ( ... مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعا ) ، وتعد عبارة المبادئ الأكثر شيوعا عبارة مرنة وتعطي ضابطا عاما في تطبيق القانون ، وان كان موضوع الرجوع الى هذه المبادئ يتحدد بموجب هذه المادة فقط في موضوع تنازع القوانين ، الا انه من مواضيع القانون الدولي الخاص ذات الاهمية البالغة ، إذ اسهم الفقه ولازال يساههم في دعم وتوجيه المشرع بعد المفاضلة بين آراء الفقهاء في تشريع قاعدة قانونية معينة ، وأيضا تقديم يد العون للقضاء في استخلاص القواعد القانونية من أفكار وآراء هؤلاء الفقهاء وتطبيقها على الوقائع المعروضة عليه ، وفي كل ذلك يجد القاضي مشروعية احكامه في المادة رقم (30) من القانون المدني التي قد تحل كثير من الإشكالات التي قد تحصل في حال عدم وجود هذه المادة القانونية (15) .
ومن السليم استعمال المشرع لكلمة ( المبادئ ) ولم يستعمل كلمة القواعد ؛ لأن المبادئ القانونية اكبر واوسع من القواعد القانونية وتعتبر أساسا للعديد من القواعد القانونية ، اما القاعدة القانونية فهي وحدة قانونية تتضمن حلال معينا لحالة معينة ، من هنا فان المبدأ القانوني يعطي للقاضي مساحة واسعة لإيجاد الحلول القانونية بما يضمن ديمومة النص القانوني (16) .
وقد عالج المشرع العراقي مسألة مهمة في موضوع قصور او النقص في التشريع بوضعه اطارا عاما يمكن اللجوء اليه بمقتضى نص المادة (30) من القانون المدني ، منهيا بذلك الحاجة الى تشريع جديد او تعديل التشريع القائم بما يضمن استجابته للظروف المستجدة ، وحسنا فعل المشرع العراقي بصياغته لهذه المادة بما يؤمن عدم الحاجة الى تدخل تشريعي في مسألة تنازع القوانين ( 17) .
وكما لاحظنا في الفصل الأول من هذه الرسالة ان المشرع قد يلجأ في صياغة النصوص القانونية الى الصياغة الجامدة او المرنة وحسب فلسفته في إيجاد الحل المناسب للموضوع الذي يحتاج الى معالجة ، وان لكل من طرق الصياغة هدفها واسلوبها وضرورتها فقد يعمد المشرع الى معالجة موضوع معين بنصوص قانونية جامدة مما يعني وجود حل حازم ونهائي للمسألة ، وعلى العكس من ذلك فقد يعمد المشرع الــى معالجة مواضيع أخرى بموجب نصوص مرنة تحتمل التفسير والتأويل لفسح المجال أمام القضاء لمراعاة دقائق الأمور والظروف الموضوعية لأطراف العلاقة القانونية وأيضا استجابة للمتغيرات والتطورات الحياتية (18)
ومن الامثلة على الصياغة الجامدة في نصوص القانون المدني هي ايراد التعاريف للموضوعات المهمة والحيوية ، ومنها تعريف العقد ايمانا من المشرع بضرورة تحديد مفهومه بصورة واضحة وجلية لا تترك مجالا للشك ؛ وذلك لأهمية العقود والتعاقد في الحياة العملية وأيضا كونه الوسيلة الأكثر تداولا في التعاملات المالية بين الافراد او الجهات الأخرى ، إذ عرف المشرع العراقي العقد على انه ( ارتباط الايجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه ) (19) ، في حين لم يبين المشرع المصري تعريفا للعقد في القانون المدني، على عكس المشرع فرنسي الذي عرف العقد بموجب المادة (1101) من القانون المدني على انه ( اتفاق شخصين او اكثر على انشاء او الغاء او تعديل او نقل التزام ) (20) ، ونرى بان التعريف الذي أورده المشرع العراقي هو افضل من التعريف الفرنسي ؛ لانه واضح ومختصر وذو عبارات سهلة ومفهومة وتؤدي الغرض المقصود من التعريف .
والتعريف الذي أورده المشرع العراقي في قانونه المدني هو تعريف جيد وشامل وقد أحسن في اختيار الفاظه ، ورغم ان هذا التعريف قد وضعه المشرع عام (1951) الا انه كان ولا يزال مواكبا للتطور ، إذ إن المشرع العراقي أعاد تعريف العقد الالكتروني وذلك بموجب الفقرة ( حادي عشر ) من المادة الأولى من قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية رقم 78 لسنة 2012 وبنفس العبارات التي استعملها في تعريفه للعقد في القانون المدني حرفيا مع إضافة عبارة ) ... والذي يتم بوسيلة الكترونية ) في نهاية التعريف ، وهذا يدل على رصانة التعريف الذي جاءت به المادة (73) من القانون المدني
أيضا عرف المشرع العراقي الوكالة على انها ( عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز ومعلوم ) (21) ، وذلك ايمانا منه بأهمية هذا الموضوع على الصعيد العملي والقانوني ، كما عرف المشرع المصري الوكالة على انها ( عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ) (22) ، وأيضا عرفها المشرع الفرنسي على انها ( الوكالة او التفويض عقد بمقتضاه يعطي شخص آخر سلطة للقيام بعمل شيء للموكل وبإسمه ) (23) .
ونرى بان تعريف المشرع العراقي هو افضل تعريف ؛ لأنه يعطي تعريفا وافيا ومختصرا واصيلا للوكالة وأيضا استعماله لكلمة ( تصرف ) التي تدل على التصرف القانوني الناتج عن هذه الوكالة ، اما التعريف الذي جاء به المشرع المصري فان من يقرأه لا يشعر بانه تعريف للوكالة بقدر ما هو وصف لهذا العقد وبيان اثره ، في حين ان تعريف المشرع الفرنسي للوكالة يؤخذ عليه انه يبين ان الوكالة هي سلطة يعطيها الموكل للوكيل ، بينما هي سلطة يخولها القانون للموكل لكي يمنحها للوكيل بموجب عقد الوكالة ، كما ان التعريف جاء بكلمة (... بعمل شيء للموكل وبإسمه ) وهذا يعد تعبيرا قانونيا سليما كما لو استعمل المشرع كلمة التصرف كونه ادق بالمعنى
وأيضا من الأدلة على كفاية التعريف الذي وضعه المشرع العراقي في القانون المدني ، هو عدم تطرق القوانين الأخرى ( الموضوعية منها والاجرائية ) الى تعريف الوكالة مكتفية بالتعريف الذي جاءت به المادة (73) من القانون المدني ، وما تطرقت اليه هذه القوانين هو فقط الى احكام الوكالة فيما يتعلق بالمواضيع التي تعالجها خصوصية هذه القوانين كقانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 وقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1965 (24)
ومن المواضيع التي صاغها المشرع صياغة جامدة هي سن الرشد وتحديده تحديدا نافيا للجهالة ولا يترك مجالا للشك والتفسير ؛ لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة في استقرار المعاملات والثقة في التعامل اذ يفترض تحديد موضع سن رشد الأشخاص لكي يتم التعرف عليهم بسهولة مما يدفع المتعاقدين الى الاطمئنان على تعاملاتهم مع الأشخاص المقابلة لهم في العقود والتصرفات القانونية الأخرى ، ولكي لا يتم اتخاذ موضوع أهلية الأشخاص ذريعة لفسخ العقود ومن ثم انعدام الثقة وشيوع الفوضى ، إذ حدد المشرع سن الرشد بقوله ( سن الرشد هي ثماني عشرة سنة كاملة) (25) ، اما المشرع المصري فقد جعل سن الرشد بإحدى وعشرون سنة ولكنه ضمن المادة التي اشارت الى سن الرشد فقرة أولى تضمنت الشروط والموانع لمباشرة الشخص لحقوقه المدنية (26) ، في حين ان المشرع الفرنسي جعل سن الرشد هي (18) سنة .
ونعتقد بان المشرع العراقي احسن في صياغته للمادة (106) المتعلقة بسن الرشد ؛ لأنه افرد لها مادة خاصة وواضحة كما انه استعمل كلمة ( كاملة ) بعد عدد السنوات لكي يمنع التفسير بخصوص هذا الموضوع لأهميته في الجانب العملي واستقرار التعاملات ، إذ انه صار واضحا ان سن الرشد يبدأ مع بداية اليوم الأول من العام التاسع عشر لكل فرد يحمل الجنسية العراقية .
ومن المعروف ان مصادر الالتزام بموجب القانون المدني العراقي هي خمسة تشمل ( العقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والكسب بلا سبب وأخيرا القانون ( 26 ) ، وما يعنينا من الامر هو المصدر الأخير من مصادر الالتزام ألا وهو ( القانون ) فقد اجاد المشرع في صياغته للمادة المتعلقة بهذا المصدر بقوله ( الالتزامات التي تنشأ مباشرة من القانون وحده تسري عليها النصوص القانونية التي انشأتها ) (27) ، وبذلك فان المشرع العراقي اختزل كل الالتزامات الناشئة عن القانون كمصدر أخير من مصادر الالتزام بموجب مبدأ عام هو ( سريان النصوص القانونية على الالتزامات التي انشأتها ) ، وحسنا فعل المشرع في ذلك إذ لا يمكن حصر تلك الالتزامات التي من الممكن ان تنشئها النصوص القانونية في مختلف القوانين المرعية او تلك القوانين التي ستسن مستقبلا ، مما يعني انه لابد من تفصيل هذه الالتزامات وبيان احكامها بالتفصيل ومن غير المنطقي ولا من العملي فعل ذلك ؛ كونه سيؤدي الى ترهل التشريع وتشتته وربما الى تناقضه وتعارضه وهذا لا يستقيم مع مبادئ الصياغة التشريعية السليمة ولا يتلاءم مع ديمومة النص القانوني .
ولا شك في ان القانون هو مصدر لجميع الالتزامات اذ ان العقد والإرادة المنفردة وغيرها من مصادر الالتزام لم تكن لكون كذلك لو لا ان القانون نظمها واعطاها القوة الملزمة ، وبذلك فان القانون قد يكون مصدرا غير مباشر لهذه الطائفة من الالتزامات ولكنه يعد مصدرا مباشرا لطائفة أخرى من الالتزامات التي لا يمكن ردها الى مجموعة معينة من المصادر ، وقد افرد المشرع العراقي لكل هذه الالتزامات غير المحددة والناشئة مباشرة عن القانون مادة واحدة جامعة مانعة (28)
أيضا من أصول الصياغة المميزة لبعض المواد في القانون المدني هو استخدام المشرع للدلالة في مواد متعددة ، وقد استخدم المشرع مصطلح ( الدلالة ) في مواطن عديدة توزعت على مختلف نصوص القانون وفي مختلف المواضيع (29) ، فقد استخدمها المشرع كطريقة للتعبير عن الإرادة كإجازة العقد الموقوف وذلك في المادة (136) مدني ، او الإقرار بحق كما جاء في المواد ( 438،151 ) او قد تكون الدلالة طريقة للتعبير عن الإرادة بالتنازل عن حق معين وكما جاء في المواد ( 443، 1134 ) ، وقد استعمل المشرع مصطلح الدلالة في المواد ( 160،157،156 ) وجعلها قواعد عامة للتفسير يلجأ اليها القاضي عند تطبيق القانون (30) ، وغير ذلك من الاستعمالات التي أراد المشرع التوسع في تطبيق وعلاج الحالات التي تنطبق عليها هذه المواد ومنها المادة ( 1381 ) التي توسع من نطاق عمل القانون المدني وذلك عن طريق الغاء كل النصوص التي تتعارض حتى ولو دلالة مع احكام هذا القانون مما يسهم في ديمومته .
وقد اعطى المشرع للقائم على تطبيق القانون في المواضيع التي يمكن استنباط الاحكام فيها عن طريق الدلالة او تلك المواضيع التي يمكن التقصي فيها عن الإرادة من خلال الدلالة المساحة الكبيرة للتحرك والتوسع في تفسير القانون والوقائع ، إذ ان لتعبير الدلالة مفهوما واسعا جدا فقد يكون للألفاظ استعمالات ودلالات تختلف عن وضعها العادي وحسب موقعها في الجملة كالأطلاق والتقييد (31) والعام والخاص (32) والحقيقة والمجاز (33) ، مما يتيح الحرية في العمل بالنسبة للقاضي في سبيل احقاق الحق وتحقيق العدالة ، كما ان الدلالة مهمة في تحديد منطوق ومفهوم النصوص وتقييم الأدلة اذا كانت قطعية الدلالة او ظنية الدلالة (34) إذ تسهم هذه الصياغة باستعمال مفردة الدلالة ذات الاستخدام والمفهوم الواسع في ديمومة النصوص القانونية .
الهوامش
______________
1- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص 391 - 392 .
2- الدكتور ليث كمال نصراوين ، متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة واثرها على الإصلاح القانوني ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، العدد الثاني، الجزء الأول ، السنة الخامسة ، 2017 ، ص 388 .
3- المادة رقم (5) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل
4- المادة رقم (2) مدني عراقي .
5- المادة رقم (8) مدني عراقي .
6- المادة رقم (166) مدني عراقي
7- الدكتور هادي محمد عبد الله ، دور إرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية ، ( دراسة مقارنة في ضوء فلسفة القانون ) ، ط 1 ، مكتبة يادكار ، السليمانية ، 2017 ، ص 64 - 71 .
8- الدكتور هادي محمد عبد الله ، دور إرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية ، ( دراسة مقارنة في ضوء فلسفة القانون ) ، ط 1 ، مكتبة يادكار ، السليمانية ، 2017 ، ص 64 - 71 .
9- المادة رقم (3) مدني عراقي .
10- الفقرة الأولى من المادة رقم (155) مدني عراقي .
11- الفقرة الثانية من المادة رقم (155) مدني عراقي .
12- المادة رقم (156) مدني عراقي
13- المادة رقم (157) مدني عراقي .
14- اذ نصت هذه المادة على ( يتبع فيما لم يرد بشأنه نص في المواد السابقة من أحوال تنازل القوانين مبادئ القانون الدولي الخاص الأكثر شيوعا ) .
15- الدكتور غالب على الداودي والدكتور حسن محمد الهداوي ، القانون الدولي الخاص ، الجزء الأول ، طبعة جديدة ومنقحة ، شركة العاتك لصناعة الكتاب ، بيروت ، 2018 ، ص 37
16- إسماعيل نامق ، شرط الثبات التشريعي والقانون الأفضل للمستثمر ودورهما في جلب الاستثمار ، دراسة تحليلية مقارنة ، بحث منشور في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية ، ملحق خاص بالمؤتمر السنوي الدولي السابع لكلية القانون الكويتية العالمية ، التنظيم القانوني لتطوير الاستثمار ، السنة 8 ، العدد 8 ، 2020 ، ص 65
17- الدكتور اياد مطشر صيهود ، نظرية الفراغ التشريعي في القانون الدولي الخاص( دراسة تحليلية استدلالية في مدى اثر المبادئ الشائعة دوليا على بنية القانون العراقي ) ، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية ، جامعة كركوك ، العدد 31 ، مجلد 8 ، 2019 ، ص 432 .
18- الدكتور بن حفاف سماعيل ، الصياغة التشريعية ودورها في خدمة التشريع، بحث منشور في مجلة المعيار ، الجزائر ، العدد 8، 2013 ، ص 111 .
19- المادة ( 73 ) من القانون المدني العراقي .
20- نقلا عن الدكتور جليل حسن بشات الساعدي ، ندوة علمية توعوية في كلية القانون - جامعة بغداد تحت عنوان ( مستحدثات القانون المدني الفرنسي في ضوء التعديل النافذ في 2016/10/1 ) ، متاح على الرابط التالي 111https://colaw.uobaghdad.edu.iq/?p، تاريخ الزيارة 2023/10/9 ، وقت الزيارة 4:30 مساءا
21- المادة (927) من القانون المدني العراقي .
22- المادة (699) من القانون المدني المصري .
23- الفقرة أولا من المادة رقم (1984) من القانون المدني الفرنسي لعام 1804
24- إذ نظم قانون المحاماة موضوع الوكالة بموجب احكام المواد ( 22 - 43 - 44 - 47 - 48 - 61 - 64 - 69 ) ، وتطرق قانون المرافعات المدنية الى موضوع الوكالة وعالجها بموجب احكام المواد ( 52 ـ 53 ) منه .
25- المادة (106) من القانون المدني .
26- المادة (44) من القانون المدني المصري .
27- الدكتور عبد المجيد الحكيم والدكتور عبد الباقي البكري والدكتور محمد طه البشير ، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ، طبعة جديدة منقحة ، الجزء الأول ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2018 ، ص 21 – 24 ( ) المادة (245) من القانون المدني .
28- الدكتور عبد المجيد الحكيم والدكتور عبد الباقي البكري والدكتور محمد طه البشير ، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي ، طبعة جديدة منقحة ، الجزء الأول ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2018 ، ص 417 - 420
29- استخدم المشرع العراقي مصطلح او كلمة الدلالة في المواد :
( 136، 151، 156، 15، 603،443،438،160، 1134، 1221، 1349 ،1381 ) ، وقد تعدد الغرض من استخدام هذا المصطلح باختلاف المواد القانونية .
30- الدكتور هادي محمد عبد الله ، دور إرادة المشرع في تفسير النصوص القانونية ، ( دراسة مقارنة في ضوء فلسفة القانون ) ، ط 1 ، مكتبة يادكار ، السليمانية ، 2017 ، ص 64 - 71 .
31- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 316 .
32- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 330
33- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 386
34- الدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، أصول الفقه في نسيجه الجديد ، ج 2، طه ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بدون سنة طبع ، ص 436 - 447 .