يعتبر مبدأ الأمن القانوني أحد أهم الأسس التي يقوم عليها بناء الدولة القانونية. وتعني فكرة الأمن القانوني ضرورة التزام السلطات العامة بتحقيق قدر من الثبات النسبي للعلاقات القانونية وحد أدنى من الاستقرار للمراكز القانونية المختلفة بهدف إشاعة الأمن والطمأنينة بين أطراف العلاقات القانونية، بحيث يتمكن الأشخاص من التصرف باطمئنان على هدي من القواعد والأنظمة القانونية القائمة وقت قيامها بإعمالها وترتيب أوضاعها على ضوء منها، دون التعرض لمفاجآت أو تصرفات مباغتة صادرة عن السلطات العامة يكون من شأنها زعزعة هذه الطمأنينة أو العصف بهذا الاستقرار.
وبمقتضى مبدأ الأمن القانوني، يلتزم المشرع بعدم مفاجأة أو مباغتة الأفراد أو هدم توقعاتهم المشروعة. وتعتبر فكرة التوقع المشروع من جانب الأفراد من الأفكار الحديثة في القوانين الأوربية، وترتبط هذه الفكرة ارتباطاً وثيقاً بفكرة الأمن القانوني وتعتبر صورة من صورها. وتعني فكرة التوقع المشروع أو الثقة المشروعة أن القواعد العامة المجردة التي تصدر من السلطة التشريعية في صورة قوانين أو تصدر عن السلطة التنفيذية في صورة لوائح إدارية يجب ألا تصدر بطريقة فجائية مباغتة تصطدم مع التوقعات المشروعة للأفراد والمبنية على أسس موضوعية مستمدة من الأنظمة القائمة على هدي من السياسات الرسمية المعلنة من جانب السلطات العامة والوعود والتأكيدات الصادرة عنها.
وتعد فكرة التوقع المشروع أو الثقة المشروعة من المبادئ الأساسية والقواعد القانونية الملزمة على مستوى الاتحاد الأوربي، حيث قررت مؤسسات الاتحاد التزام حكومات الدول الأعضاء بتطبيق هذه القاعدة في التشريعات واللوائح التي تصدرها. أما على المستوى الوطني، فقد ثار نقاش في الفقه والقضاء حول القيمة القانونية لفكرة التوقع المشروع أو الثقة المشروعة للأفراد. حيث ينادي البعض بإسباغ قيمة دستورية عليها. ويستند هؤلاء إلى مبدأ الأمن المنصوص عليه في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789م.
وفي النظام القانوني المصري، أشارت المحكمة الدستورية العليا إلى مبدأ الأمن القانوني في العديد من أحكامها، مؤكدة أن السلطة التشريعية تلتزم دستوريا بمراعاة فكرة التوقع المشروع من جانب الأفراد. وقد ظهرت فكرة الأمن القانوني في قضاء المحكمة الدستورية العليا باعتبارها أساسا استندت إليه المحكمة في تقييد الأثر الرجعي لبعض النصوص التشريعية في غير المجال الجنائي. فقد قدرت المحكمة أن تطبيق بعض النصوص بأثر رجعي من شأنه المساس بالمراكز القانونية بشكل يتجاوز الحدود التي تسمح بها المبادئ الدستورية. وعلى الرغم من أن الدستور يخول للمشرع تقرير أثر رجعي للنصوص غير الجنائية، فإن المحكمة الدستورية قيدت الأثر الرجعي لهذه النصوص، مستندة في ذلك على تفسير واسع لبعض نصوص الدستور.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تبنت المحكمة الاتحادية العليا مبدأ الأمن القانوني في أحد أحكامها. ففي السادس من شهر أكتوبر سنة 2005م، وفي حكم صادر من الدائرة الإدارية، تقول المحكمة الكائنة على قمة القضاء الاتحادي «إن أحكام القوانين لا تسري – بحسب الأصل – إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها ولا تنعطف آثارها على ما وقع قبلها ما لم ينص القانون على غير ذلك – تحقيقاً للاستقرار وعدم المساس بالأوضاع والمراكز القانونية التي تمت في ظل قانون سابق – فيسري عليها القانون الذي تمت في ظله وما يتولد عنه من آثار مستقبلية حتى ولو أدركها قانون جديد يشترط أوضاعا جديدة لم تكن موجودة في ظل القوانين واللوائح السابقة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي رقم 50 لسنة 1998 الصادر في 5/5/ 1998 لا تنطبق آثاره – على الأوضاع التي تمت قبل نفاذه بحيث لا يمكن لها أن تغير مراكز قانونية أو عناصر سابقة وأن الثابت أن المطعون ضده سجل لأطروحة الدكتوراه بكلية العلوم الإنسانية – الآداب – بجامعة تونس في 18/7/ 1997 وأنه باشر دخول الجامعة في عام 1997، ومن ثم فإنه يكون قد باشر تسجيل أطروحة الدكتوراه محل النزاع قبل صدور القرار سالف الذكر وهو ما يعني عدم انطباقه على الرسالة المقدمة منه سيما وأن عدم معادلتها فيه إخلال بعناصر أساسية لمركز قانوني اكتسبه في ظل النظام السابق الذي لا يضع قيودا على الحضور أو نسب منها التي أنشأها القرار الجديد متى قام المطعون ضده بالتسجيل في ظل النظام السابق الذي لا يقيده بثمة قيود من هذا القبيل وأنه من ثم لا يمكن تقيده بعد ذلك بقيود لم تكت موجودة أثناء بدء الدراسة مما جعل المطعون ضده في مامن واطمئنان من عدم قبول رسالته أو معادلتها فمضى في إتمامها على الوضع السابق دون مراعاة للضوابط الجديدة التي تنطبق على الراغبين في إتمام الدراسة وانتهت المحكمة سائغا بما يكفي لحمل قضائها إلى عدم سريان قرار وزير التعليم العالي رقم 50/1998 بأثر رجعي على الأطروحة العلمية الخاصة بالمطعون ضده ومعادلة شهادة الدكتوراه الخاصة به. ومن ثم، فإن النعي لا يعدو ان يكون جدلا في سلطة محكمة الموضوع في تحصيل فهم الواقع والدعوى والتزامها بتكييفها التكييف القانوني الصحيح دون تقيد بتكييف ووصف الخصوم لها وتقدير أدلتها كما لم يخرج الحكم عن سبب الدعوى والطلب المطروح فيها وهو إلغاء قرار لجنة المعادلات برفض طلب معادلة شهادة المطعون ضده وقبول معادلتها وهو ما يستلزم بحث مدى انطباق القرار الوزاري المشار إليه عليه – وإذ التزم الحكم المطعون فيه سائغا هذا النظر بما يكفي لحمل قضائه، فإن النعي يكون على غير أساس متعين الرفض» (حكم المحكمة الاتحادية العليا، 16 أكتوبر سنة 2005م، الدائرة الإدارية، الطعن رقم 434 لسنة 26 القضائية، مجموعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا في منازعات القضاء الإداري، الكتاب الأول، في القرار الإداري، خلال الفترة من 1975م وحتى 2005م، رقم 50، ص 433 وما بعدها).