MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




ميزانية الدولة : في التنفيذ والمراقبة

     



ميزانية الدولة : في التنفيذ والمراقبة
الأستاذ جمال الدين خماخم
رئيس غرفة مصالح الدولة
بدائرة المحاسبات التونسيّة


تتميز الإدارة العمومية بدورها الهام في جميع المجالات الحيوية للبلاد وتعتبر المحرك الأساسي للدورة السياسية والاجتماعية والاقتصادية باعتبارها تعمل على الأخذ بعين الاعتبار للاحتياجات المتعددة للجماعات المنتفعة بخدماتها. ويزداد هذا الدور أهميّة في خضم التحولات التي يشهدها العالم حاليا والتي تتطلب فحص طرق الإدارة المعتمدة ونظام المعلومات بشكل موضوعي قصد تقويمها ممّا يمكّن من إعادة النظر في طرق التسيير ومن العمل على تطويرها بما يتلاءم ومتطلبات إدارة رشيدة وكفأة وإضفاء المزيد من الشفافية والترشيد عليها. وفي هذا الإطار، يتمثّل التحدي الهام الذي على الإدارة كسبه في تحديد توجهاتها بشكل يضمن معادلة ناجعة بين مسؤولية المتصرفين وإنجاز المهام الموكولة إليهم.

وتتمثل تنفيذ الميزانية في تطبيق تراخيص قانون المالية سواء كان ذلك في مجال المقابيض أو النفقات. ويتمّ الشروع في تنفيذ الميزانية بعد الترخيص في إنجازها من قبل السلطة التشريعية. ويكتسي هذا الترخيص صبغة إلزاميّة لجباية الموارد المقرّرة بالميزانيّة في حين أنّه يشكّل ترخيصا فحسب في خصوص المصاريف إذ أنّ لآمر الصّرف كامل الحريّة بأن يستعمل الاعتماد المرصود أو أن لا يستعمله حسب حاجة الإدارة.

وتتجلى الأهمية البالغة التي يوليها المشرع التونسي لضمان تنفيذ الميزانية من خلال سنّ العديد من القواعد القانونية وإحداث العديد من الهياكل الرقابية التي تواكب كل مراحل عمليات التنفيذ بهدف منع مظاهر سوء التصرف في الأموال العمومية. وقد وردت أغلب القواعد المتعلقة بالمالية العمومية بمجلة المحاسبة العمومية الصادرة بمقتضى القانون عدد 81 لسنة 1973 المؤرخ في 31 ديسمبر 1973 كما تمّ تنقيحه وإتمامه.

وترتكز كل مراحل تنفيذ الميزانية على مبدأ أساسي يحكم كامل مسار تحصيل المقابيض وإنجاز المصاريف والتنظيم العام للرقابة على الأموال العمومية. ويتمثل هذا المبدأ في الفصل الوظيفي والعضوي بين آمر الصرف والمحاسب العمومي الذي نصّ عليه الفصل الخامس من المجلة المذكورة.

ويتجلى الفصل الوظيفي من خلال الإقرار لكل منهما بمجالات اختصاص تختلف عن الآخر. أما الفصل العضوي فيبرز من خلال غياب أي علاقة إدارية بين آمر الصرف والمحاسب العمومي إذ يقع تعيين المحاسبين العموميين من طرف وزير المالية ويخضعون مباشرة لسلطته دون سواه.

ويندرج نشاط آمر الصرف في نطاقين اثنين يتمثل الأول في المشروعية أي أن تكون أعماله خاضعة لقواعد قانونية يجب عليه احترامها والثاني يتمثل في الملاءمة والذي لا يخضع فيه نشاطه إلا لما يوحي به تقديره لمصلحة الإدارة.

وآمرو الصرف صنفان :
آمرو الصرف الأولون وهم رئيس مجلس النواب والوزراء وكتاب الدولة بالنسبة إلى ميزانية الدولة (الفصل 85 من مجلة المحاسبة العمومية) ومديرو المؤسسات العمومية بالنسبة إلى ميزانيات مؤسساتهم (الفصل 238 من مجلة المحاسبة العمومية) ورؤساء البلديات والمجالس الجهوية (الفصل é_- من مجلة المحاسبة العمومية).

آمرو الصرف المساعدون وهم الأعوان الإداريون الخاضعون بالتسلسل لسلطة آمر صرف أول والمكلفون باسمه وبتفويض منه، بعد موافقة وزير المالية، بالتصرف في جزء من الاعتمادات يقع ضبط طبيعتها ومبالغها بمقتضى قرارات.

أما المحاسبون العموميون فهم الأعوان الذين أوكلت إليهم الصلاحيات القانونية لجباية الإيرادات وتأدية المصاريف.
وكما هو الشأن بالنسبة إلى آمري الصرف، فالمحاسبون العموميون صنفان :
المحاسبون الأولون وهم الذين لهم كامل الصلاحيات في الشؤون المحاسبية والذين يقدمون حساباتهم مباشرة لدائرة المحاسبات. وتمّ ضبط قائمة المحاسبين بمجلة المحاسبة العمومية كما يلي : أمين المال العام، الأمين العام للمصاريف، أمناء المال الجهويون، المحاسبون بالمراكز الديبلوماسية والقنصلية بالخارج، حافظ مستودع الطابع الجبائي، المحاسب المركزيلأملاك الدولة الخاصة، قباض المجالس الجهوية، المحتسبون البلديون ومحاسبو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، قباض المالية، أمناء المصاريف وقباض الديوانة.

المحاسبون الثانويون وهم المحاسبون الخاضعون لسلطة المحاسبين الأولين الراجعين إليهم بالنظر وبالتالي لا يخضعون مباشرة لدائرة المحاسبات.
وقد تم تنظيم مراحل إنجاز الإيرادات والمصاريف بالنسبة إلى حساب الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية باعتبار مبدأ الفصل بين آمر الصرف والمحاسب.

فقد جاء بالفصل 6 من مجلّة المحاسبة العموميّة أنّه " يقوم آمرو القبض والصّرف ببعث العمليّات المتعلّقة بتنفيذ الميزانية. ولهذا الغرض يتولّون إحقاق الإيرادات العموميّة وإثباتها والإذن بجبايتها وذلك مع مراعاة الأحكام الخاصّة بالأداءات الواجب دفعها عاجلا كما يتولّون أيضا عقد النفقات وتصنيفها وإصدار أوامرهم بتأديتها لأصحابها. ويجوز لهم أن يفوّضوا سلطاتهم لآمري صرف مساعدين".

I- مراحل صرف النفقات

طبقا للنظام المحاسبي المعتمد، تمّ تنظيم عمليات تنفيذ موارد الميزانية في مرحلتين متتاليتين الأولى إدارية ترجع بالنظر إلى آمر الصرف وتتعلق أساسا بعملية الإحقاق التي يكرسها إصدار الأمر بالقبض والثانية حسابية ترجع بالنظر إلى المحاسب وتتعلق بجباية الموارد.

ويتم في إطار المصاريف المنجزة التمييز بين العمليات الإدارية التي تهدف في خصوص النفقات إلى إقامة الدين على ذمة الخزينة وضبط مبلغه والإذن بصرفه، وهي عمليات ترجع بالأساس إلى الآمر بالصرف، والعمليات الحسابية التي تعود إلى المحاسبين العموميين الذين لهم وحدهم الصلاحيات القانونية للقيام بعمليات الصرف. فالمحاسب العمومي مكلف بتأدية المال لصاحبه مما ينجر عنه مسؤولية شخصية ومالية على ثلاث مستويات وهي المحافظة على الأموال العمومية ومراقبة مشروعية المصاريف قبل تأديتها ومسك الحسابات وتقديمها إلى السلطة الإدارية المعنية وإلى دائرة المحاسبات.

وسوف نتطرق بشكل خاص إلى المراحل التي تمر بها عمليات الصرف وعمليات الرقابة التي تنجز في إطار كل مرحلة باعتبار أن عمليات القبض لا تنطوي على إشكاليات خصوصية. ويهدف هذا التمشي إلى الوقوف على تعقّد مسار إنجاز الميزانية خاصة بما ينطوي من تدخل متكرر ومتنوع لمختلف هيئات الرقابة.

ويمر تنفيذ النفقات العمومية بأربع مراحل وهي عقد النفقة وتصفيتها وتحرير الأمر بالصرف في شأنها وتأديتها
عقـد النفقـة

إنّ عقد النّفقة ينتج عن عمل أو حدث يتّرتب عليه تحمّل الميزانيّة لنفقة عموميّة. فعقد النّفقة ينحدر من علاقة قانونيّة تنشأ بين الدّولة ودائنيها خاصيتها بعث نفقة على كاهل الخزينة العموميّة.

وعقد النّفقة في المفهوم الإداري هو طلب يوجه إلى مصلحة مراقبة المصاريف العموميّة من طرف رئيس الإدارة المعنيّة أو أحد مفوضيهم أو من طرف آمري الصّرف المساعدين لتخصيص الاعتماد اللاّزم لإنجاز نفقة ما لا زالت مشروعا - ولهذا السّبب يسمّى هذا الطلب المقدّم إلى رقابة المصاريف "مشروع عقد نفقة" - وتنجز عمليات إعداد طلب التّعهد بالنّفقة والتّأشير عليه ضمن نظام إعلامي يسمى "أدب".

ويرفق طلب التّرخيص في عقد النّفقة بعدّة وثائق تختلف نوعيتها كلّما اختلفت طبيعة المصاريف المراد عقدها. وهذه الوثائق تمكّن مراقبة المصاريف العموميّة من النّظر في الطلبات المقدّمة إليها والتّأشير عليها أو رفضها عن روية.

وتختلف الفترة المرخّص خلالها في عقد النفقات وطلب التّأشير عليها من طرف مراقبة المصاريف العموميّة باختلاف عنواني الميزانيّة.
فبالنّسبة إلى العنوان الأوّل المتعلق بالمصاريف العاديّة، فإنّ فترة عقد النفقات العموميّة بالنّسبة إلى سنة ماليّة معيّنة ينتهي في 15 ديسمبر. على أنّ مجلّة المحاسبة العموميّة في الفصل 90 خوّلت التّمديد في ذلك الأجل عند الضرورة الثّابتة.

هذا وإن كان الأجل المحدّد لعقد النفقات العموميّة ينتهي يوم 15 ديسمبر، فإنّ بدايته يمكن أن تتمّ قبل افتتاح السنّة الماليّة. ذلك أنّ بعض المصاريف العاديّة يمكن عقدها بداية من غرّة نوفمبر لحساب السّنة الماليّة الموالية بشرط أن لا يتمّ الإنجاز إلاّ بداية من غرّة جانفي الموالي. وهذا التّرخيص جاء به الفصل 91 من مجلّة المحاسبة العموميّة وحدّد مقدارها الأقصى بربع الاعتمادات المرسّمة بميزانيّة السّنة الجارية.

ومن الملاحظ في خصوص المصاريف العاديّة أنّ سنويّة الاعتمادات المرسّمة بالميزانيّة ومقتضيات الفصل 89 من مجلّة المحاسبة العموميّة تحتّم على آمري الصّرف القيام بإنجاز النفقة المؤشر عليها وجوبا قبل نهاية السّنة أي في 31 ديسمبر آخر أجل وإلاّ سقط الحقّ في استعمال الاعتمادات المخصّصة لذلك وألغيت. على أنّه يمكن طلب تأشيرة جديدة من مراقبة المصاريف في خصوص النّفقات التّي لم يتيّسر إنجازها قبل نهاية السّنة وتنزيلها على الاعتمادات المرسّمة بالميزانيّة الجديدة.

أمّا عن مصاريف ميزانيّة التّجهيز (العنوان الثاني) بما فيها المصاريف المتعلقة بأموال المساهمة، فإنّ عقدها يتمّ دون تحديد أجل لذلك ويبقى التّعهد بها ساري المفعول إلى أن تنفّذ أو أن يقع إلغاؤها أو تحويلها. ويعني هذا أنّ اعتمادات التّعهد لميزان التّجهيز لا تخضع لمبدأ السّنوية.
وتنجز في هذه المرحلة الأولى من عمليات الصرف الرقابة المسبقة التي تقوم بها المصالح التابعة إلى الوزارة الأولى (الإدارة العامة لمراقبة المصاريف - اللّجنة العليا للصفقات - الإدارة العامّة للوظيفة العمومية) ولجان الصفقات الوزارية والجهوية والبلدية والمحاسبون العموميون.

فقد تم بعث رقابة على تعهد النفقات منذ سنة 1935 بمقتضى الأمر المؤرخ في 15 جانفي 1935 الذي أنشأ مراقبة المصاريف العمومية. وقد تم تنقيح هذا الأمر خلال سنوات 1965 و1969.

وكلّفت مراقبة المصاريف العمومية برقابة عمليات تعهّد نفقات الدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية وصناديق الخزينة وصرفها. وتهدف هذه الهيئة الرقابية التي تعود بالنظر إلى الوزارة الأولى من خلال أعمالها إلى تجنب حدوث أخطاء أو إخلالات.

وتجرى الرّقابة على عقد النّفقة مسبّقا باعتبار زمن ممارستها بالنّسبة لإجراءات تنفيذ النّفقة العموميّة. فهي تمارس قبل أن يتمّ عقد النّفقة بحيث تخضع إليها النّفقات وهي ما تزال مشروعا لم يدخل بعد حيز التنفيذ. وهكذا، فإنّ الرّقابة المسبّقة تتعلّق بنفقة لم تبعث بعد إذ أنّ مبدأ الرّقابة المسبّقة الذي جاء به الفصل 88 من مجلّة المحاسبة العموميّة يخضع التعهد بالمصاريف إلى المصادقة المسبّقة من قبل الإدارة العامّة لمراقبة المصاريف العموميّة وإلاّ كانت النّفقة غير شرعيّة.

على أنّ لهذا المبدأ استثناءات ثلاث تهدف إلى تيسير إنجاز النّفقات باعتبار الطّابع خاص لكلّ منها وهي التالية :
1) المصاريف ذات الطّابع الظرفي (الفصل 88 م.م.ع.) :

وهي المصاريف العارضة التّي تتميّز بعدم إمكانيّة تجميعها لعقد صفقة بشأنها والتّي لا يمكن توقّعها وليست لها صبغة تكراريّة. واعتبارا لهذه الميزات الثلاث، رأى المشرع أن يعفيها من التأشيرة المسبّقة وأجاز عقدها على أن تعلم مراقبة المصاريف بذلك لاحقا.

2) مصاريف وكالات الدّفوعات (الفصل 152 م.م.ع.) :

إنّ المصاريف المنجزة في نطاق وكالات الدّفوعات لا يمكنها أن تخضع مسبّقا إلى الرّقابة بحكم أنّ هذه المصاريف رخّص في إنجازها مباشرة عن طريق وكيل
الدّفوعات. ويطلب من مراقب المصاريف التأشير عليها لاحقا حتّى تتيّسر تسويتها في مستوى الميزانيّة.

3) المصاريف ذات الطّابع السرّي (الفصل 88 م.م.ع.) :

يشتمل هذا الصّنف من النفقات على بعض من مصاريف رئاسة الجمهوريّة ووزارتي الدّاخليّة والدّفاع الوطني التّي تكتسي صبغة سريّة. على أنّ هذا الإعفاء من التأشيرة المسبّقة يقوم مقامه نظام خاص يضبط بأمر يمكّن في نفس الوقت من مباشرة الرّقابة ومن المحافظة على سريّة النفقات.

وتسهر مراقبة المصاريف على أن تكون النفقة مطابقة لما جاءت به الميزانيّة من ناحية والقوانين والتّراتيب من ناحية أخرى.

وتتمثّل مشروعيّة النّفقة بالنّسبة إلى الميزانيّة في أن تكون هذه الميزانيّة قد أقرّت تلك النّفقة ورخّصت في إنجازها برصد اعتماد لها. فالفصل 84 من مجلّة المحاسبة العموميّة يشترط - ليكون عقد النّفقة شرعيّا - وجود اعتماد مرصد بالميزانيّة لصنف النّفقات التّي يعتزم الارتباط بها.

وتقوم مراقبة المصاريف العموميّة بالتّأشير على طلبات التعهّد المعروضة عليها إذا لم تكن لها ملاحظات في خصوصها. أمّا إذا كان لمراقبة المصاريف بعض الاعتراضات فإنّها ملزمة بتدوينها بطلب التعهّد نفسه في أجل لا يتعدى ستة أيّام عمل تسري بداية من اليوم الموالي لإيداع طلب التعهّد لدى مراقبة المصاريف.
فإذا انقضى هذا الأجل ولم تبد مراقبة المصاريف ملاحظاتها، فإنّ طلب التّعهد يصبح قابلا للتّنفيذ وكأنّه حظي بمصادقة مراقبة المصاريف.
أمّا إذا رفضت مراقبة المصاريف التأشير على طلب التعهد بالرّغم من الإيضاحات التّي وردت عليها من المصالح المختصّة، فإنّ القضيّة يمكن عرضها على الوزير الأوّل للبتّ فيها وذلك قبل الشروع في التّنفيذ وعلى كلّ فإنّه لا يمكن تنفيذ النفقة بالرّغم من رفضها من قبل مراقبة المصاريف إلاّ بقرار من الوزير الأوّل. هذا وإنّ عدم احترام هذه القاعدة من قبل آمري الصّرف يعتبر خطأ تصرّف قد يجرّهم أمام دائرة الزجر المالي.

لجان الصفقات

تخضع الصفقات العمومية وجوبا إلى الرقابة المسبقة قصد تجنب الإخلالات. وتشمل هذه الرقابة كل الأعمال وهي مازالت في مرحلة المشروع. لذلك، تخضع لرأي لجان الصفقات كل تقارير الفرز ومشاريع الصفقات ومشاريع الملاحق للصفقات ومشاريع التسوية النهائية.

ويتمثل دور لجان الصفقات في القيام برقابة تسعى لتمكين الإدارة من التزود والإنتفاع بخدمات جيدة وبثمن مناسب وذلك طبقا للتشاريع والتراتيب الجاري بها العمل. ولا تقتصر هذه الرقابة على المسائل الإجرائية والإدارية والمالية فحسب بل تتجاوزها إلى الإلمام بكلّ جوانب الموضوع من مسائل فنية وعلمية وغيرها. وتمتد هذه الرقابة على كل مراحل الصفقة منذ ضبط الحاجيات إلى غاية الختم النهائي.

وتنقسم اللجان إلى لجنة عليا يترأسها الوزير الأول أو من يمثله ولجنة وزارية يترأسها الوزير المعني أو من يمثله ولجان جهوية يترأسها الوالي أو من يمثله ولجان بلدية يترأسها رئيس البلدية أو من يمثله.

وتنظر اللجان في كل الشروط الإدارية والمالية والفنية التي تحيط بالصفقات واختيار أصحابها وعمليات إنجازها.
الإدارة العامة للوظيفة العمومية

تخضع كل النصوص القانونية المتعلقة بالحياة المهنية لأعوان الوظيفة العمومية إلى تأشيرة الوزارة الأولى (الإدارة العامة للمصالح الإدارية والوظيفة العمومية) قبل الشروع في تنفيذها ما عدا بعض النصوص التي ذكرها حصرا منشور الوزير الأول عدد 37 المؤرخ في 29 ماي 1993. ومن بين القرارات التي تخضع وجوبا إلى تأشيرة الوزارة الأولى، يمكن ذكر :

كل النصوص الترتيبية المتعلقة بالوظيفة العمومية

قرارات انتداب الأعوان الوقتيين والعملة الوقتيين
عقود انتداب المتعاقدين
القرارات المتعلقة بالخطط الوظيفية
القرارات المتعلقة بالحالات التي يكون عليها الموظف (الإلحاق، عدم المباشرة الخ)
قرارات العمل نصف الوقت
قرارات الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السنّ القانونية للتقاعد.

تصفيـة النفقـة

تهدف عمليّة التّصفية إلى ضبط المقدار النهائي لنفقة ما تمّت مسبّقا المصادقة على عقدها. على أنّ هذه العمليّة لا تتناول فحسب الجانب الحسابي للنفقة بل وأيضا الجانب القانوني حيث أنّه من الضروري التثبت من أنّ الوثائق المقدّمة يتبيّن منها وجود دين قائم بذمّة الدّولة وأنّ ذلك الدّين يمكن المطالبة بتسديده أي انّه لم يسقط الحقّ فيه.

فالدّين لا يكون قائما إلاّ إذا أنجز الشّخص المتعاقد مع الإدارة بما هو مطالب به. فمعاينة القيام بالخدمات أو إنجاز الأشغال يشكّل عنصرا هامّا من العناصر التّي تنبني عليها تصفية النفقة إذ أنّ الأمر يتعلّق بتطبيق قاعدة من القواعد الأساسيّة للمحاسبة العموميّة التّي جاء بها الفصل 41 من المجلّة. "لا تصرف النفقات إلاّ لمستحقيها وذلك بعد إثبات استحقاقهم لها وإثبات قيامهم بالعمل المطلوب منهم".

ولا يكفي أن يكون الدّين قائم الذّات لتصفية مقداره بل يجب أيضا أن لا تكون المدّة الزمنيّة التّي حدّدها القانون قد أسقطت بمرورها الحق في المطالبة بتأديته. ويسقط الحقّ بمرور الزّمن في الشّؤون المدنيّة بعد مرور خمس عشر سنة (15). أمّا في خصوص الدّيون العموميّة فإنّ أجل سقوط الحقّ أقصر من ذلك إذ أنّ المدّة التّي جاءت بها مجلّة المحاسبة العموميّة هي أربع سنوات بالنّسبة للمستحقّين المقيمين بالجمهوريّة التونسيّة وخمس سنوات بالنّسبة للمستحقين المقيمين بالخارج. وهذا ما جعل سقوط الحقّ رباعي أو خماسي.

وإذا تمّ الإنجاز ولم يسقط الحقّ في الدّين فإنّ آمر الصّرف يقوم بضبط مقدار النفقة وذلك بتحديد مبلغها بعد القيام بعمليّة حسابيّة تتمثّل في التّعبير تعبيرا نقديّا عن قيمة العمل المنجز أو المواد المسلّمة إلى الإدارة أو الأشغال المنجزة لفائدتها. وهذه العمليّة الحسابيّة يقوم بها آمر الصّرف إمّا من تلقاء نفسه حينما تتوفّر لديه جميع العناصر اللاّزمة لذلك أو بطلب من صاحب الدّين في حالة وجوب تقديم وثائق من طرفه.
وتنتهي عمليّة تصفية النفقة بالتّنصيص على المقدار الذي وقع ضبطه تنصيصا بلسان القلم يدوّن على الوثائق المقدّمة مع شهادة الإنجاز التّي تنصّ على أنّ العمل المطلوب تمّ إنجازه وفقا لما وقع الاتّفاق عليه وتأخذ هذه الشهادة شكل طابع يرسم على الوثيقة التّي تبيّن موضوع النّفقة ويمضيها الموظف المعني.
تحرير أوامر الصّرف

بعد التّثبت من وجود الدّين وعدم سقوط الحقّ في المطالبة بتأديته وضبط مقداره يقوم آمر الصّرف بتحرير الأمر بالصّرف الذي سيمكّن صاحب الدّين من تقاضي المقدار الرّاجع له.

ويشمل تحرير أوامر الصّرف جملة من العمليات تهدف إلى تحرير إذن كتابي (أمر الصّرف) يوجّه إلى المحاسب العمومي من طرف آمر الصّرف لتأدية مقدار معيّن بذمّة الدّولة. وهذه العمليّة التّي تكتسي صبغة إداريّة بحتة موكولة إلى آمري الصّرف وحدهم إذ أنّه لا يمكن لأيّ شخص ليست له صفة آمر الصّرف أن يأذن بتأديّة نفقة.

وتجدر الإشارة في هذا الصّدد إلى أنّ سلطة الإشراف بإمكانها إذا ما رفض الآمر بالصّرف تأدية نفقة ما أو تقاعس عن ذلك أن تقوم مقامه عند الحاجة وتأذن بتأدية النّفقة. (انظر ما جاء بالفصول 247 و271 من م.م.ع.).

ويكتسي تحديد المدّة التّي ينتهي بعدها إصدار أوامر الصّرف أهميّة كبرى إذ أنّ الأمر يتعلّق بضبط تاريخ محدّد لا يمكن بعده استعمال الاعتمادات المرسمة بميزانيّة سنة ماليّة ما وتصبح تلك الاعتمادات بعد ذلك التاريخ لاغية وذلك تطبيقا لمبدأ سنويّة الميزانيّة. فقد حدّد الفصل 3 من م.م.ع. إلى يوم 20 جانفي من السنة الموالية للسنة الماليّة المعنيّة تاريخ انتهاء إصدار أوامر الصّرف المتعلّقة بديون تخلّدت بذمّة الخزينة خلال السنة الماليّة المذكورة. وهكذا فإنّ السنة الماليّة تمدّد من النّاحية الاحتسابيّة فقط بعشرين يوما وتستجيب هذه الفترة الإضافيّة إلى ضرورة تمكين المصالح المختصّة من القيام بعمليات تصفيّة النفقات والإذن بصرفها حتّى لا تبقى تلك النفقات متأخّرة وتثقل كاهل الميزانيّة الجديدة.

ويشتمل تحرير الأمر بالصّرف على إعداد وثيقتين مختلفتين الأولى الأمر بالصّرف والثّانية الأمر الدّفع. فالأوّل يحتفظ به المحاسب العمومي مقابل النفقة التّي أشّر على تأديتها والثاني يمكّن صاحب الدّين من قبض المال الرّاجع إليه.
ويسحب الأمر بالصرف آليا من منظومة أدب ويتضمن رقما وتاريخ إصداره (إمضاء الآمر بالصرف) و اسم صاحب الاستحقاق ورقم تعريفه بمنظومة أدب وعدد وتاريخ التأشيرة المسبقة لمراقب المصاريف العمومية
وترفق أوامر الصّرف وجوبا بأوامر بالدّفع يتمّ إعدادها حين تحرير أوامر الصّرف.

وتختلف نوعيّة الأمر بالدّفع باختلاف وسيلة الدّفع المتوخاة فإن كان الدّفع عن طريق التّحويل البنكي أو البريدي فالأمر بالدّفع عندئذ "إشعار بالتّحويل" وإن كان نقدا فالأمر بالدّفع يكون "بطاقة الدّفع".

تدوّن أوامر الصّرف بجداول إصدار تحرّر في ثلاث نسخ باعتبار فصول الميزانيّة ووسيلة الدّفع المتوخّاة (البريدي - البنكي – النّقدي) وتوجّه نسختان من كلّ جدول إصدار على المحاسب العمومي الذي يرجع نسخة منا مقابل تسلمه لأوامر الصّرف.

ولا يكون الإذن بصرف النفقات شرعيّا إلاّ إذا كان مؤيدا بحجج تثبت وجود النّفقة سواء كانت تلك الحجج تتمثّل في الوثائق القانونيّة أو في وثائق تحلّ محلّها. على أنّ بعض المصاريف معفات من الإثبات مثل المصاريف التّي لا يفوق مقدارها 5 دنانير أو 10 دنانير إن كانت منجزة من طرف المراكز الديبلوماسيّة أو القنصليّة بالخارج يمكن صرفها دون أن تكون مؤيدة بالوثائق المثبتة.

على أن تفصيل الأشغال أو المواد يدرج إمّا بالأمر بالصّرف نفسه أو بالتّوصيل الذي يسلّمه الدّائن إذا تعلّق الأمر بمصاريف منجزة عن طريق وكيل تسبقات.

تأديـة النّفقـة

تشكّل تأدية النفقة المرحلة الحسابيّة لتنفيذ المصاريف التّي تنزّل على الميزانيّة وتمكّن صاحب الدّين من تسلّم المال الرّاجع له. على أن تأدية النفقة ليست عمليّة صندوقيّة فحسب تتمثّل في تسليم قدر من المال مقابل وصل من المسلّم إليه بل إنّها تتجاوز هذا الإطار إذ أنّ المحاسب العمومي مطالب بالقيام بجملة من عمليات الرّقابة تمكنه من التثبت في شرعيّة النّفقة التّي دعي لتأديتها. وهذه الرّقابة تبرز أهميتها في المسؤولية الشخصيّة والماليّة التّي يتحملها المحاسب العمومي. وهكذا فإنّ المحاسب العمومي يتولّى القيام بدور المراقب وبدور الخازن للسيولات النّقديّة المتوفّرة لديه.

وبعد مصادقة المحاسب العمومي على النفقة وذلك بوضع تأشيرته على الأمر بالصّرف المتعلّق بها لم تبق إلاّ عمليّة تأدية مقدار النّفقة إلى مستحقّها بتسليم المال إليه. وهاته العمليّة يجب أن ينجرّ عنها إخلاء ذمّة الخزينة بصورة نهائيّة وذلك بتسديد مقدار النّفقة إلى مستحقها الحقيقي وإلاّ استوجب ذلك تفويضا يعدّ وفقا للقانون.

وتتدخل في هذه المرحلة الهامة صنف آخر من الرقابة وهي تلك التي أسندتها مجلة المحاسبة العمومية إلى المحاسب العمومي. فالمحاسب العمومي مطالب بالتثبّت في النقاط التالية قبل إنجاز عملية الصرف وهي :

توفر الاعتمادات اللازمة والمقررة قانونيا

صحة إدراج النفقات بالعنوان والباب والقسم والفصل والفقرة وقسم الفقرة الخاصة بها حسب نوعها أو موضوعها
ثبوت العمل المنجز وصحة حسابات التصفية
براءة ذمة الدولة بتسديد الدين
موافقة مصلحة مراقبة المصاريف العمومية على عقدها
تطبيق قواعد التقادم وسقوط الحق
وجود جميع الوثائق المثبتة لها وصحتها.

وتمثل المسؤولية المالية والشخصية للمحاسب الضمان لنجاعة هذا الصنف من الرقابة على آمر الصرف.

وبعد إجراء أعمال الرّقابة على الأمر بالصّرف الموجه إليه، يقوم المحاسب العمومي إمّا بتأدية النفقة أو برفضها.

وفي حالة رفض النفقة، يبلغ المحاسب العمومي آمر الصّرف المخالفات التّي عاينها وذلك بتوجيه مذكرة رفض مرفوقة بالأمر بالصّرف موضوع الرّفض. فإن رأى الآمر بالصّرف أنّه من الضروري تجاوز تلك المخالفات وإنجاز النّفقة فعليه أن يعرض الموضوع على وزير الماليّة الذي يمكنه إمّا أن يقرّ ملاحظات المحاسب العمومي إن كانت مركّزة أو أن يأمر بتأدية النّفقة في الصّورة المعاكسة. فإن أمر وزير الماليّة برفض النّفقة يمكن لآمر الصّرف أن يرفع القضيّة إلى الوزير الأوّل الذي عليه أن يقرّر إمّا الرّفض أو التأشيرة وهذا القرار ملزم للمحاسب العمومي ويرفع عنه كلّ مسؤوليّة.
وبالإضافة إلى عمليات الرقابة المسبقة المذكورة آنفا، وضع المشرع أنظمة رقابية أخرى مرافقة أو لاحقة تهدف إلى التأكد من احترام المتصرفين للتراخيص المسندة من قبل السلطة التشريعية واحترام القواعد القانونية التي تحكم تلك العمليات. وتنظر في عمليات الصرف بكل مراحلها.

II- الرقابة المرافقة في مجال المالية العمومية

تقوم بهذه الرقابة هياكل عديدة بعضها ينحصر اختصاصه في مراقبة الوحدات التابعة إلى وزارة معيّنة ( التفقديات الخاصّة بكلّ وزارة) وبعضها الآخر له صلاحيات رقابية تنسحب على كافة الوزارات والهيئات التابعة لها (المراقبة العامّة التابعة إلى وزارة المالية - المراقبة العامّة التّابعة إلى الوزارة الأولى).
التفقديات الوزارية

تتمثل التفقديات الوزارية في هياكل تم بعثها صلب الوزارات لمتابعة وضعية المصالح المركزية واللامحورية وكذلك المؤسسات الإدارية والمنشآت العمومية التي تشرف عليها الوزارة. وتهدف هذه التفقديات إلى تأمين عمليات رقابة على المصالح المركزية والامحورية للوزارة وكذلك على المؤسسات والمنشآت العمومية التي تعود إليها بالنظر.

مصالح الرقابة العامة

1- هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية

تمّ بعث هذه الهيئة بمقتضى الأمر عدد 6 لسنة 82 المؤرخ في 5 جانفي 1982 وقد نص الفصل الأول منه على أن هذه الهيئة تكلف تحت سلطة الوزير الأول بالرقابة على مصالح الدولة والمؤسسات العمومية الإدارية والجماعات المحلية والمنشآت العمومية. كما يبدي رأيه حول الإجراءات التشريعية أو الترتيبية التي ترمي إلى تحسين هياكل المصالح العمومية أو طرق عملها. كما تقوم بأبحاث ومهمّات خاصة التي توكل إليها.
ويبدو من خلال ما تقدّم أن لهذه الهيئة صلاحيات واسعة تشمل كل الوزارات
2- هيئة الرقابة العامة لوزارة المالية

تمّ بعث هذه الهيئة بمقتضى الأمر عدد 7 لسنة 82 المؤرخ في 5 جانفي 1982. وينص الفصل الأول منه على أن هذه الهيئة تعود بالنظر إلى وزارة المالية. ولهذه الهيئة أيضا صلاحيات واسعة تشمل كل الوزارة والمؤسسات العمومية الإدارية والمنشآت العمومية. كما تقوم بأبحاث ومهمّات خاصة التي توكل إليها.
3- هيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية

أحدثت هذه الهيئة بمقتضة الأمر عدد 842 لسنة 91َ المؤرخ في 31 ماي 1991. وينص الفصل الأول منه على أن هذه الهيئة تعود بالنظر إلى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية. وتتمثل صلاحياتها في رقابة مصالح الدولة فيما يتعلق بإدارة واستعمال وصيانة الأملاك المنقولة وغير المنقولة والقيام بمتابعة إدارة واستعمال وصيانة الأملاك المنقولة وغير المنقولة لدى الجماعات المحلية والجهوية والمؤسسات الإدارية والمنشآت العمومية. كما يمكن للهيئة القيام بأبحاث ومهمات التي توكل إليها.
- IIIالرّقابة اللاحقة :

أوكل هذا الصنف من الرقابة إلى دائرة المحاسبات.
فتبعا لمقتضيات القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 والأمر عدد 218 لسنة 1971 المؤرخ في 29 ماي 1971 والمتعلقين بتنظيم الدائرة وسيرها، تعتبر هذه المؤسسة بالنسبة إلى الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية الإدارية، الهيئة العليا لمراقبة ماليتها، فهي تقضي ابتدائيا ونهائيا في حسابات المحاسبين العموميين وتقوم بمهمة مراقبة عامة على المتصرفين في الأموال العمومية. ولهذا الغرض تودع من قبل وزارة المالية، لدى هذه المؤسسة، حسابات تصرف المحاسبين الخاضعين لقضائها مرفوقة بالوثائق المثبتة بعد أن تهيئها للنظر فيها وتؤشر عليها وذلك قبل موفي جويلية من السنة الموالية للسنة التي ضبطت في شأنها هذه الحسابات. وقد حدد الفصل 209 من مجلة المحاسبة العمومية المحاسبين العموميين المعنيين بهذا الإجراء القانوني. ويتولى كل منهم تقديم الوثائق المحاسبية كل فيما يخصه طبقا لمقتضيات الفصلين 198 و199 من المجلة المذكورة والتي تهم أمين المال العام والمحاسبين الراجعين له بالنظر وهم أمناء المال الجهويين والقباض العاملين في منطقة كل منهم، والأمين العام للمصاريف وأمناء المصاريف الراجعين له بالنظر ومحاسبي المراكز الديبلوماسية والقنصلية بالخارج.

وتمارس دائرة المحاسبات رقابة لاحقة على إدارة الأموال العموميّة وتتميّز هذه الرّقابة المنتظمة عن بقيّة أصناف الرّقابة بخاصيات ثلاث الوحدة والشموليّة والصبغة الجماعيّة.

فقد أوكل هذا الصنف من الرقابة إلى دائرة المحاسبات وحدها باعتبارها جهازا دستوريا يرفع حصيلة أعماله إلى السّلط العليا في لبلاد (رئيس الجمهوريّة ومجلس النواب).

وتنسحب رقابة دائرة المحاسبات على إدارة الأموال العموميّة مهما كانت صيغة هذه الإدارة (قواعد المحاسبة العموميّة أو القانون الخاص) ومهما كان الوضع القانوني للجهة القائمة بها (عموميّة أو مؤسّسة إقتصاديّة أو خاصّة).
وتقوم دائرة المحاسبات بالرقابة على قطاعات ثلاثة :

- قطاع إداري :

ويشتمل على كافة أجهزة الدولة وهي : مجلس النواب - رئاسة الجمهوريّة - كافة الوزارات والمؤسّسات العموميّة ذات الطّابع الإداري كالكليات والمستشفيات ومعاهد التّدريس وكذلك الجماعات الجهويّة (الولايات) أو المحليّة (البلديات).
- قطاع اقتصادي :

ويتكوّن من المنشئات العموميّة ذات الطابع الصناعي و التجاري (كدواوين التّجارة والزيت والحبوب - والبنك المركزي...) ومن الشركات القوميّة (الكهرباء والغاز - والسكك الحديديّة...) وكافة الشركات التّي تساهم فيها الدولة مباشرة أو بصورة غير مباشرة.
- قطاع خاصّ :

ويشتمل على المؤسّسات الخاصّة التّي تتمتع بإعانات اقتصادية أو ماليّة كالإعفاء الجبائي أو الضمان أو الاختصاص أو الحماية القمرقيّة أو المنح.
وأوكل القانون إلى دائرة المحاسبات صلاحيات رقابيّة واسعة تتمثّل في فحص الحسابات المقدّمة إليها سنويّا في آجال محدّدة وكذلك في النّظر في إدارة الأموال العموميّة من حيث شرعيتها ونجاعتها وفعاليتها كما أوكل إليها القانون تقويم نتائج المساعدة التّي تمنحها الدّولة إلى القطاع الخاصّ.
وتعتمد هذه الرقابة القواعد القانونيّة النافذة والمعايير الاقتصادية والماليّة الشائعة والأهداف التّي يرسمها مخطّط التنمية الاقتصادية والاجتماعية كلّ ذلك حسب الحالة.

أمّا ممارسة الرقابة، فإنّها تأخذ بأسلوبين متباينين تماما هما الأسلوب القضائيّ والأسلوب الإداريّ.
فتنسحب الرقابة القضائيّة على أعمال المحاسبين العموميين فقط باعتبارهم مسؤولين شخصيا وماليا عن شرعيّة العمليات الماليّة إيرادا وإنفاقا سواء تعلّقت تلك العمليات بميزانية أو كانت خارجيّة عنها (عمليات الخزينة).

تمارس دائرة المحاسبات بالإضافة إلى الرّقابة القضائيّة رقابة تنعت بالإداريّة باعتبارها لا تأخذ الأسلوب القضائيّ. وتنسحب هذه الرّقابة على أعمال المسؤولين عن إدارة الأموال العموميّة وهم آمروا الصرف والإيراد خاصّة. أمّا موضوع الرقابة الإداريّة فيتمثّل عامّة قي تقويم جودة التصرّف في الأموال العموميّة ومدى قدرتها على تحقيق الأهداف المرسومة فتتناول ذلك من زوايا الفعاليّة والنجاعة والاقتصاد ( التنظيم - التوفير - تحقيق الأهداف...) ويتمّ ذلك في ضوء برامج رقابيّة سنويّة تأخذ في الاعتبار الوسائل البشريّة المتوفّرة و تميّز ما بين الرّقابة المعمّقة (الشاملة) والرّقابة الجزئيّة التّي تنحصر في موضوع يحدّد بإعتبار أهميّته بالنسبة لمؤسّسة أو إدارة معيّنة أو بالنسبة للسياسة العامّة للدولة (تقويم نتائج سياسة الدولة في مجال السكن مثلا).

وتباشر دائرة المحاسبات مهامها وفقا لإجراءات إمّا قضائيّة وتخصّ المحاسبين العمومييّن أو إداريّة وتتعلّق بالمتصرّفين عامّة وبآمري الصرّف على وجه الخصوص. لذلك فأنّ متابعة نتائج أعمال الدائرة تأخذ بالأسلوب القضائيّ وبالأسلوب الإداريّ.

فيما يتعلق بالمتابعة القضائية، تتضمّن الأحكام التّي تصدرها دائرة المحاسبات أوامر المعلّلة بخصوص كلّ مخالفة على حده ويتعيّن على المحاسب الامتثال إلى تلك الأوامر أو معارضتها قبل انقضاء أجل الشهرين بداية من تاريخ إعلامه بالحكم وبانقضاء هذه المدّة تصدر الدائرة حكما نهائيّا تقرّر فيه توازن حساب المحاسب العموميّ أو لديه بقايا تفوق خطّ التوازن أو متخلّدة الذّمة إذا كانت بقايا عليه تحت الخطّ أي عجز بذّمته بتوجّب عليه تسديده.
فيه أنّه بريء الذمة أو لديه بقايا أو مطالب بما تخلّد بذمته.

وفيما يتعلق بالمتابعة الإداريّة، فإنها تتناول نتائج الرّقابة الإداريّة التّي يخضع لها آمر الصرّف باعتباره لا يقاضى من قبل الدائرة.
ويتضمّن التقرير السنويّ العامّ للدائرة التصرّفات المضرّة بالمال العموميّ وتتّبع بتوصيات أو اقتراحات كلما كان ذلك من شأنه أن يحسّن التصرّف. أمّا إذا كانت التصرّفات إخلالات أو نقائص فإنّ الدائرة بالتنسيق مع الوزارة الأولى والهيئة العليا للرّقابة الإداريّة والماليّة تقوم بالمتابعة لحمل الإدارات المعيّنة للتحاور حول ما يجدر اتخاذه من تدابير.

IV- الرقابة البرلمانية

يكتسي دور السلطة التشريعية في مجال المالية العمومية أهمية كبرى باعتبارها تضبط الميزانية العامة للدولة وتراقب تنفيذها. فقد أوكل دستور البلاد للسلطة التشريعية دور مراقبة الميزانية عند إقرارها وكذلك بعد تنفيذها أي عند ختمها.

ولتيسير دور السلطة التشريعية عند المصادقة على الميزانية، أقر القانون الأساسي للميزانية بأن تكون هذه الميزانية سنوية وأن تكون مفصلة وشاملة لكل مداخيل ومصاريف الدولة مكونة بذلك وثيقة موحدة تسهل على السلطة التشريعية الإطلاع والمتابعة والمراقبة.
وقد نص الدستور على ضرورة المصادقة على الميزانية في أجل أقصاه 31 ديسمبر من كل سنة مقرا بذلك مبدأ اعتماد ميزانية بالنسبة لكل سنة أي أن الميزانية تضبط جملة تكاليف الدولة وترخص في جملة مواردها بالنسبة لنفس السنة.

وإن اعتماد سنوية الميزانية يمكن السلطة التشريعية من متابعة ومراقبة دورية للمالية العمومية كما أن المداولات الخاصة بالميزانية تمكن مجلس النواب ومجلس المستشارين من مناقشة ومراقبة أعمال الحكومة كل سنة.

وإنّ الصبغة الفنية للميزانية وتشعبها إضافة إلى الإجراءات الأخ
رى التي يتضمنها قانون المالية إلى جانب ضرورة التأكد من تماشيها مع الأهداف التي أقرها المخطط الوطني للتنمية تبرز أهمية وصعوبة الدور الموكولة للسلطة التشريعية ممّا يبرز أهمية الوسائل والطرق التي تتوخاها هذه السلطة لدراسة الميزانية.

وتمارس السلطة التشريعية رقابتها أيضا على تنفيذ الميزانية بالنظر في قانون ختم الميزانية. ويقوم وزير المالية في هذا المجال بإعداد لائحة قانون غلق ميزانية الدولة على أساس الحسابات الخاصة التي يقدمها آمري الصرف في خصوص عملياتهم المتعلقة بالمصاريف وحسابات التصرف المقدمة من قبل المحاسبين العموميين بعد عرضها على دائرة المحاسبات. ويتم الاقتراع على لائحة قانون غلق الميزانية حسب نفس الشروط بالنسبة لمشروع قانون المالية.

V- متابعة أعمال الرقابة

تمثل المتابعة مرحلة هامة في مسار تنفيذ الميزانية ومراقبتها باعتبار دورها في تحسين أساليب التصرف وتدارك الإخلالات بتأمين تطبيق ما جاء بتقارير المراقبة.

المتابعة في مستوى الهيئة العليا للرّقابة الإداريّة والماليّة
إنّ دور الهيئـة العليا للرّقابة الإداريّة والماليّة في مجال متابعة ما توصّلت إليه أعمال هياكل الرّقابة العليا والوزاريّة هام باعتباره المحرّك الأساسي لكافة الدواليب الإداريّة المعنيّة لحملها على اتخاذ التدابير اللاّزمة في خصوص المعاينات والملاحظات التّي ترد بمختلف التقارير. وما إلحاق هذه الهيئة برئاسة الجمهوريّة إلاّ دعامة لها.

وتعتمد هذه الهيئة للقيام على مهامها على ما يلي :

- تقارير هياكل المراقبة العامّة للدّولة

- تقارير مصالح التفقّد بالوزارات

-تقارير دائرة المحاسبات

وتوفّر هذه الوثائق للهيئة العليا المعلومات اللاّزمة للإطّلاع على مختلف أصناف الإخلالات والنّقائص وسوء التصرّف ممّا يمكّنها من إبداء رأيها في طريقة معالجتها على مستوى الوحدات الإداريّة وبالخصوص على المستوى العامّ.

وتتوصّل الهيئة العليا إلى ذلك عن طريق دراسة التقارير واستخلاص ما تراه جدير بالمتابعة لخطورته وحثّ المسؤولين على إعطائه المآل المناسب ليستقيم سير الإدارة.

كما أنّها تقوم في ضوء ما يتبيّن لها من نقائص في طرق التصرّف باقتراح الإجراءات العمليّة التّي من شانها أن تزيل النّقائص وأن تحول دون ما يحدث من تجاوز في إدارة المال العموميّ.

هذا وبحكم إطّلاعها الواسع على المعاينات والملاحظات والاقتراحات التّي تبديها هياكل الرّقابة، فإنّ الهيئة العليا مؤهّلة لإبداء رأيها في النّصوص التشريعيّة والترتيبيّة التّي تهدف إلى تطوير طرق التصرّف وأساليبه بما يتماشى وتطوّر مهام الإدارة ونموّ دورها في الحياة القوميّة. وهذا وجه هامّ من أوجه المتابعة الإصلاحيّة.

كما تقوم الهيئة العليا للرقابة بتنسيق تدخلات مختلف الهيئات الرقابة وذلك على مستوى برمجة العمليات الرقابية.

وتقدم الهيئة تقريرا سنويا إلى رئيس الجمهورية حول ما توصلت إليه من نتائج فيما يتعلق بمتابعة نتائج تقارير الرقابة.

المتابعة الزجريّة : دور دائرة الزجر المالي
تأسست هذه الدائرة بمقتضى القانون عدد 21 لسنة 1970 المؤرخ في 30 أفريل 1970. وقد أحدثت هذه هيئة قضائيّة تحت اسم "دائرة الزجر في ميدان الميزانيّة" أوكل إليها ردع الإخلالات والمخالفات المرتكبة عند التصرّف في الأموال العموميّة، إزاء الموظفين أو أعوان الدولة غير المضطلعين بمهام سياسيّة. وهذه المسؤوليّة، التي حددّها القانون المذكور، تتميّز عن المسؤوليّة الماليّة للمحاسبين العموميين وكذلك عن المسؤوليّة الجزائيّة والمسؤوليّة التأديبيّة، بل شكلّت مزيجا من هذه الأصناف الثلاثة من المسؤوليّة.

غير أنّ دائرة الزجر في ميدان الميزانية، ظلّت للأسف مؤسسة قضائيّة مهجورة ولم تشهد نشاطا يذكر منذ أن تمّ إحداثها سنة 1970 مما دعا السلط العموميّة إلى إعادة تنشيطها وتحريكها خصوصا وأن هناك ظروفا تدعو إلى ذلك. وبعد انقضاء فترة من التردّد دامت قرابة خمسة عشر سنة شهدت خاصّة إرساء هياكل المحكمة الإداريّة وإصدار مجلّة المحاسبة العموميّة وتنظيم دائرة المشاريع العموميّة بدائرة المحاسبات وضبط طرق سيرها، صدر القانون عدد 74 لسنة 1985 المؤرخ في 20 جويلية 1985 الذي أدخل تحويرا جذريا على قانون سنة 1970.

ومنذ ذلك التاريخ، عوضّت تسمية "دائرة الزجر في ميدان الميزانية" بدائرة الزجر المالي، وذلك نتيجة لتوسيع ميدان رقابة دائرة المحاسبات بإحداث دائرة المشاريع العموميّة، وتمّ تبعا لذلك التوسيع في مجال اختصاص الدّائرة بسحبه على المشاريع العموميّة. وبهذا فقد أصبح مرجع النظر الحكمي لدائرة الزجر المالي يشمل جميع أخطاء التصرّف في القطاع العام التي ترتكب إزاء الدّولة والمؤسسات العموميّة الإداريّة والجماعات العموميّة المحليّة والمشاريع العموميّة.

كما ضبط القانون الجديد العقوبات المنطبقة على أخطاء التصرّف وأدخل تحويرا على تركيبة الدّائرة وذلك بإحلال قضاة من المحكمة الإداريّة محلّ قضاة محكمة الاستئناف وإسناد رئاستها إلى الرئيس الأوّل لدائرة المحاسبات. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تمّت مراجعة آجال رفع الدعوى لدى الدّائرة وإلغاء الفصول المتعلّقة بالأحكام الماليّة الواردة بقانون سنة 1970 وإدراجها بعد مراجعتها بمجلّة المحاسبة العموميّة.

كما أنّه وفي نطاق خطّة الدّولة الرّامية إلى تحسين طرق الرّقابة على التصرّف في الأموال العموميّة، جاء تنقيح 6 جويلية 1987 الذي ألغى الفصول 8 و11 و15 من قانون عدد 74 لسنة 1985 المؤرخ في 20 جويلية 1985 وعوّضها بأحكام أخرى تهدف إلى إعداد الدّائرة لمهمتها الجديدة وإضفاء مزيد من النجاعة والفاعليّة على أعمالها بما يضمن سلامة التصرّف في الأموال العموميّة. وتتمثّل أهمّ التدابير التي جاء بها القانون الجديد في دعم هيكل النيابة العموميّة وذلك بإحداث خطّة مساعد لمندوب الحكومة لدى الدّائرة وتعزيز الإطار المكلّف بالتحقيق بما يمكن من إسناد أعمال التحقيق إلى كافة قضاة دائرة المحاسبات والمحكمة الإداريّة إضافة إلى اختصار الأجل الممنوح للمتقاضين للردّ والاطلاع من شهرين إلى شهر واحد.

كما جاء بعد ذلك القانون عدد 54 لسنة 1988 المؤرخ في 2 جوان 1988 ليتوج هذه السلسلة من التنقيحات، وذلك بإضافة الفصل 15 مكرر المتعلّق بإجراءات الحفظ.

وتتركب دائرة الزجر المالي من الرئيس الأول لدائرة المحاسبات بوصفه رئيسا لها ورئيس دائرة مختصة للمحكمة الإدارية كمساعد للرئيس ومستشاران لدائرة المحاسبات ومستشاران بالمحكمة الإدارية. ويسمى أعضاء الدائرة بمقتضى أمر لمدة خمسة أعوام ويجب أن يكونوا في حالة مباشرة للعمل.
ويقوم بوظائف النيابة العمومية لدى دائرة الزجر المالي مندوب للحكومة ومساعد له يساعده وينوبه عند الاقتضاء تقع تسميتهما من بين أعضاء دائرة المحاسبات بمقتضى أمر.

وتعتبر دائرة الزجر المالي، هيئة قضائية زجريّة ذات صبغة ماليّة، أوكل إليها المشرّع صلاحيّة ردع مرتكبي أخطاء التصرف في القطاع العام.
,وضع المشرّع التونسي صلب الفصلين 1و2 من القانون عدد 74 لسنة 1985 تعدادا للأعمال المكونّة لأخطاء التصرّف التي ترتكب إزاء الدولة والمؤسسات العموميّة الإداريّة والجماعات العموميّة المحليّة.

وتعتبر أخطاء تصرّف إزاء الدّولة والمؤسسات العموميّة الإداريّة والجماعات العموميّة المحليّة:

كلّ عمل من نتيجته التعهّد بمصاريف يقع القيام بها بدون أن يقع من قبل التأشير على ذلك من مصلحة مراقبة المصاريف العموميّة،
كلّ عمل يكون من نتيجته التعهّد بمصاريف يقع القيام به بالرغم من رفض التأشيرة من طرف مراقبة المصاريف العموميّة ومن غير أن يقع إلغاء هذا الرفض بمقتضى قرار من الوزير الأول.

كلّ تخصيص مصاريف بصورة غير قانونيّة يكون الغرض منه إخفاء تجاوز في الاعتماد. فالتعهد بالنفقة والإذن بصرفها وخلاصها بما ينتج عنه تجاوز في الاعتمادات يشكل إذا كانت هذه الاعتمادات تحديديّة، خطأ تصرّف.

كلّ عمل يكون من نتيجة التعهّد بمصاريف يقوم به شخص لم يتمتّع بتفويض قانوني للغرض المذكور،
كلّ خطأ فادح يتسبّب في حدوث ضرر مالي،

كلّ تعهّد بمصاريف تقام من حساب غير خاضع لقواعد الحسابية العموميّة ما عدا في صورة الأموال الاحتياطيّة المرخّص فيها بصفة قانونيّة بمقتضى قانون الماليّة،

ويتعلّق الأمر بالخصوص، بالحسابات المفتوحة من طرف آمري الصرف لإدراج بعض الأنشطة الملحقة للإدارة. ومثال ذلك الحسابات البنكيّة التي تودع بها الإيرادات المحققة من المشارب أو من خلال بعض الأنشطة المتنوعة للإدارة.

كلّ عمل يهدف بواسطة دخل خاص إلى الزيادة في مبلغ الاعتمادات المفتوحة بالميزانيّة باستثناء الصّور المعيّنة بمقتضى التشريع والترتيب الجاري بهما العمل. وتتعلّق هذه الحالة بمرتكبي بعض الممارسات الغير قانونيّة -- مبدئيا - والمتمثلة في تسعير الخدمات المسداة بصفة مجانيّة من الإدارة وجريمة الاختلاس بصفة عامّة.

وبصفة عامّة كلّ عمل تصرّف يكون القيام به مخالفا للقوانين والأوامر والتراتيب المنطبقة في مادّة تنفيذ المقابيض ومصاريف الدولة والمؤسسات العموميّة الإداريّة والجماعات العموميّة المحليّة. ا.

وحصر المشرع إمكانية القيام بالدعوى في عدد معينّ من السّلطات أو الأشخاص دون غيرها. فقد نصّ الفصل 9 من القانون المحدث لدائرة الزجر المالي على أن "الأشخاص الآتي ذكرهم لهم الصفة وحدهم دون سواهم لرفع القضيّة لدى دائرة الزجر المالي بواسطة مندوب الحكومة :
رئيس مجلس النواب،

الوزير الأول،

وزير الماليّة،

الوزراء بالنسبة للأعمال التي تتمّ معاينتها ضدّ الموظّفين والمتصرّفين والأعوان الموضوعين تحت سلطتهم أو إشرافهم،
الرئيس الأول لدائرة المحاسبات."

وفيما يتعلق بعقاب أخطاء التصرف، فقد نصّ الفصل الرّابع من القانون عدد 74 لسنة 1985 على أن الخطية التي تسلّطها الدّائرة على المخالف لا تمنع من عقابه بالعقوبات التأديبية. كما أنه إذا رأت الدّائرة أنه يمكن تسليط عقوبة تأديبية على الموظّف أو العون أو المتصرّف المخالف علاوة على العقاب بالخطيّة فإنها توجه ملف القضيّة إلى الوزير أو رئيس المشروع المختصّ. وقد أكدّت دائرة الزجر المالي منذ تقريرها السنوي الأوّل على لأنّ الخطيّة التي تسلّطها "ليست من عداد العقوبات التأديبية إذ أن التتبعات أمام الدّائرة لا تتنافى مع التتبعات التي يتم القيام بها أمام مجلس التأديب ولا تحلّ محلّها".

واقتضى الفصل الرّابع من قانون دّائرة الزجر المالي "أن الموظف أو عون الدولة والمؤسسات العموميّة الإدارية والجماعات العموميّة المحلية وكذلك المتصرّف أو عون المشاريع العموميّة الذي ثبت أنه ارتكب خطأ أو عدّة أخطاء التصرّف المبيّنة بالفصلين الأول والثالث من هذا القانون يعاقب بخطيّة يتراوح مبلغها ما بين الجزء الثاني عشر وكامل المرتّب الخام السنوي الذي يمنح له في التاريخ الذي حصلت فيه المخالفة المذكورة بصرف النظر عن العقوبات التأديبية أو الجزائية التي تستهدف إليها المخالفات التي وقعت معاينتها على النحو المذكور".

ويضيف الفصل 19 أنه "إذا ما رأت الدّائرة أنه يمكن تسليط عقوبة تأديبية علاوة على العقوبات المقرّرة بالفصل 4 من هذا القانون فإنها توجّه الملف إلى الوزير أو إلى رئيس المشروع المختص. وتضيف الفقرة الثالثة أنه "إذا ما أسفر التحقيق عن أمور من شأنها أن تشكل جنحة أو جناية، فإن رئيس الدائرة يحيل الملف إلى وزير العدل ويشعر بالإحالة المذكور السّلط المنصوص عليها بالفصل 9 من هذا القانون".

الخلاصة

بالنظر إلى ما تمّ تقديمه من إجراءات تنفيذ الميزانية ونظام الرقابة على الأموال العمومية، يمكننا إبداء بعض الملاحظات حول آفاق النظام الحالي في ظل التطور الحاصل في العالم نحو مجتمع المعلومات.

فقد تم وضع نظام المحاسبة العمومية في إطار محيط يتميز بأهمية العنصر البشري والأعمال اليدوية مما طرح إشكالية وضع نظام مسؤولية يركز على المحاسب العمومي باعتباره آخر مرحلة في إنجاز عمليات القبض أو الصرف ووضع نظام رقابة يواكب كل مرحلة من مراحل إنجازها. وهو ما أدى إلى تركيز المسؤولية على أحد المتدخلين وهو المحاسب العمومي باعتبار مسؤوليته المالية والشخصية عن الأخطاء التي يرتكبها أو التي لا يتفطن إليها رغم تدخل العديد من الهياكل الرقابية في مسار تنفيذ النفقات. كما تعدّدت تدخلات أجهزة الرقابة خاصة وأن العديد منها لها صلاحيات واسعة تمكنها من مراقبة هياكل الدولة. وقد نتجت عن هذه الوضعية في بعض الأحيان تثقيل كاهل بعض الهياكل والمؤسسات بعمليات رقابة متكررة وفي بعض الأحيان متزامنة وهو ما يفقد الرقابة فاعليتها ويعطل سير مصالح تلك الهياكل.

لذلك، وجب التفكير في إعادة النظر في مبدأ التفريق بين آمر الصرف والمحاسب العمومي مع تطور استعمال التقنيات الحديثة للمعلومات التي تؤمن في حدّ ذاتها المستوى الأدنى من الرقابة والتنسيق بين مختلف المتدخلين في عمليات الصرف والقبض بجميع مراحلها وهو الشأن بالنسبة إلى تونس في إطار منظومة أدب. كما يكون من المفيد أيضا إعادة النظر في مسؤوليات وصلاحيات آمر الصرف والمحاسب العمومي قصد إدخال مزيد من التوازن بينها.

ونلاحظ فيما يتعلق بهذا النظام الرقابي تعدد أصناف الرّقابة التّي تمارس على النّفقات العموميّة سواء منها المسبقة أو المرافقة أو اللاّحقة بحيث ترافق هذه العمليات الرقابية النفقة في مختلف مراحل تنفيذها قبل نشأتها (مراقبة الوظيفة العموميّة، ولجان الصفقات والمراقبة العامّة للمصاريف) وأثناء تنفيذها (الرّقابة الميدانيّة لهياكل المراقبة والتفقّد) وقبل صرفها (المحاسب العموميّ) وبعد إنجازها الكامل (دائرة المحاسبات على وجه الخصوص).


وتجدر الإشارة إلى أنّ الرّقابة المسبقة وإن كانت وقائيّة ومانعة فإنّ ذلك لا تمنع عمليات الرقابة الأخرى التّي تتبعها من الكشف عن إخلالات ونقائص قد نتساءل لماذا لم تحول دونها الرّقابة المسبقة ؟ ولماذا يتحمل المحاسب العمومي مسؤولية الأخطاء ماليا ومحاسبيا رغم أن ظروف عمله والضغوطات المسلطة عليه لا تمكنه دائما من لقيام بمهامه في ظروف عادية.


جمال الدين خماخم
رئيس غرفة مصالح الدولة
بدائرة المحاسبات التونسيّة
jameleddinekhemakhem.over-blog



الاثنين 18 أكتوبر 2010
nabil bouhmidi

تعليق جديد
Twitter