MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



أبرز نواقص مسودة القانون الجنائي (2)

     


بقلم: عبد الرحيم العلام
دكتوراه في القانون العام



أبرز نواقص مسودة القانون الجنائي (2)
في المقال السابق حول نفس الموضوع تم التذكير بأهمية التشريع الجنائي، وأدوار المجتمع حيال المسودة التي طرحتها وزارة العدل، وأنه يتعين على الجميع الاسهام في تجويد بنود المسودة والتقليل من هفواتها، ولقد تم تسجيل أن الايجابيات التي تضمنها المشروع متوفرة ومتعددة، لكنها تتضمن بعض النواقص يجب تداركها. وهكذا تمت الاشارة إلى مسألة الإعدام التي احتفظ بها المشرع وهو الأمر الذي يتناقض مع الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ومسألة الاخلال بالحياء العام، وغيرها من الملاحظات التي تم تسجيلها في المقال السابق. أما في هذا المقال، فنستمر في طرح بعض الأمور السلبية التي نرى أنه ينبغي تجاوزها لكي يخرج القانون بدون نواقص كثيرة. إذ يمكن إيجاز باقي الملاحظات في النقاط التالية:

أولا: في سياق ترتيب عقوبة الاعدام على من يعتدي على حياة الملك أو أحد أفراد أسرته، وعقوبة السجن المؤبد لمن اعتدى على شخص الملك أو أسرته، وعقوبة السجن ما بين 5 إلى 10 سنوات لمن تآمر على الملك أو أحد أفراد أسرته، أو الحبس من 6 أشهر إلى سنتين لمن أهان الملك أو أحد أفراد أسرته، لم يفت المشروع تحديد من هم المعتبرون في حكم أسرة الملك، ولم يغب عن تفكيره أن الملك يمكن أن تكون له "زوجات متعددات"، لكن كاتب المسودة لم يكلف نفسه التحديد الدقيق لـ "المؤامرة" بل أدخل فيها حتى محاولة التآمر، ولم يعرّف نهائيا معنى إهانة الملك وأسرته، مما يترك الباب مفتوحا لكي يدخل فيها كل ما من شأنه أن يعتبر إهانة. الغريب، أن المشروع ذكر أبناء الإخوة (ذكورا وإناثا) ونسي أبناء الأخوات، وذكر الأعمام ونسي العمات، وهذا مثالٌ بسيط من الأمثلة التي تُظهر ركاكة الأسلوب الذي كُتبت به المسودة، سيما المواد المتعلقة بالملكية التي تحفل بالتكرار والاطناب، الذي لن يُسهِم إلا في إثقال طلبة كليات الحقوق بمواد كثيرة كان يمكن أن يتم اختزالها في مادتين أو ثلاث؛
ثانيا: الفقرة 3 من المادة 182 التي تحدد معنى الخيانة، ترى المساهمة عمدا في إضعاف معنويات الجيش أو الأمة هو خيانة تستوجب السجن المؤبد.  سواء كان ذلك في وقت الحرب أو السلم، لكن لم يتم تحديد معنى إضعاف معنويات الجيش؛ هل مثلا، يمكن اعتبار خيار الحرب غير صائب، أو الدعوة إلى إيقاف الحرب، أو الدعوة إلى ترشيد الفعل الحربي وعدم ارتكاب مجازر ضد الانسانية، تصرفات تضعف معنويات الجيش أو الأمة.  وما هو التحديد القانوني لمفهوم الأمة، هل يقاس ذلك بالعدد أم بالرأي الغالب؟

ثالثا: المادة 190 تعتبر مرتكبا لجناية المس بالأمن الخارجي للدولة، كل مغربي أو أجنبي ألحق ضررا بوحدة التراب المغربي، حيث إذا ارتكبت الجناية في وقت الحرب يُحكَم على مقترفها بالاعدام، أما إذا اقترفت في وقت السلم فالعقوبة هي السجن من 5 إلى 20 سنة. لكن مسألة الإضرار بوحدة التراب المغربي قد تُفهم على عدّة أوجه؛ فمثلا لو تمت المناداة قبل سنوات بخيار الحكم الذاتي لكان ذلك سَيُعدّ إضرارا بوحدة التراب المغربي، ولو تمت الدعوة إلى احترام حقوق الانسان في بعض المناطق والتعامل بالقانون مع الذين لديهم توجهات انفصالية لتم اعتبار ذلك مسّا بالوحدة التربية، ولقد حدث بالفعل أن تم اعتبار رفض مقترح الاستفتاء في الصحراء جريمة ضد وحدة الأمة، وأدى المرحوم بوعبيد الثمن سجنا.
خامسا: وما تركته المواد السابقة، حسمته المادة 194 التي بموجبها يمكن أن يعاقَب المرء على جريمة من دون نص، إذا أجملت هذه المادة القول:"يُعد مرتكبا لجريمة المس بالأمن الخارجي للدولة، ويعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وغرامة، كل مغربي أو أجنبي، ارتكب عمدا في وقت الحرب، كل ما من شأنه الاضرار عملا من غير الأعمال المشار إليها في المواد السابقة، من شأنه أن يضر بالدفاع الوطني". إن الحديث عن" ما من شأنه" يفتح الباب مواربا أمام أي تأويل، ولذلك ينبغي حذف هذا التعبير وذكر بالصفة والاسم الأعمال التي تعتبر إضرارا بالدفاع الوطني؛

خامسا: المادة 205 تتحدث عن التجمع الثوري دون تمييز بين الثورات السلمية والثورات العنيفة. وكذلك فعلت العديد من المواد الأخرى التي تتحدث عن التجمعات الثورية، دون تحديد معنى الثورة أو التمييز بينها وبين أعمال العنف ذات الأهداف السياسية. فالثورة مفهوم إيجابي في القوانين المقارنة، والحق في الثورة هو البد السري الخفي الذي لا يمكن الاعلان عنه في الدساتير الدولية، وهو نفس الطرح الذي دافع عنه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط.

سابعا: حسب المادة 206، يُعدّ مرتكبا لجريمة المس بالأمن الداخلي للدولة، ويعاقب بالحبس من سنة إلى عشر سنوات وغرامة ... من تسلّم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من شخص أو جماعة أجنبية، بأي صورة من الصور هبات أو هدايا أو قروضا أو فوائد أخرى مخصّصة أو مستخدمة كليا أو جزئيا لتسيير أو تمويل نشاط  أو دعاية، من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية أو سيادتها أو استقلالها أو زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي. لكن ما هو تعريف الزعزعة؟ ولماذا يتم الربط بين الدولة ومؤسسات الشعب المغربي. أليس الدولة هي مجموعة مؤسسات وأن الحديث عن الدولة يعفي من ذكر المؤسسات سيما في المادة القانونية التي بطبيعتها حمّالة أوجه؟ أم أن المؤسسات في هذه المادة تعني هيئات الحكم، إذ يمكن مثلا اعتبار عدم الولاء للحكومة عملا مُجرّما؟

ثامنا: الفقرة الأولى من المادة 196، ترتب عقوبة تتراوح ما بين 5 سنوات و 20 سنة على كل من قدم مسكنا او ملجأ إلى مرتكبي الجنح والجنايات ضد أمن الدولة الخارجي، مع علمه بنواياهم. لكن الملاحظ هنا أن عقوبة مقدم الدعم تفوق عقوبة المجرم، إذ يمكن للداعم أن يعاقب بجناية رغم أنه ساعد متركب جنحة، وهذا الأمر يتناقض ومبدأ تَناسُب العقاب والجريمة؛
تاسعا: تعاقب المادة 2- 218 عن الإشادة بالارهاب، وهذا أمر جيد، لكن ينبغي التمييز بين الاشادة والإخبار، لأنه أحيانا يختلط التفريق بينهما؛

عاشرا: المادة 35 -218، تقرر أن التنازل يضع حدا للمتابعة ولآثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره، لكن المستغرَب له أن نفس المادة تمنع أن يستفيد من التنازل المشارك والمساهم في اتلاف منقولات للغير تفوق قيمتها 10 آلاف درهم، مما يعني أيضا أن إتلاف ما هو أقل لا يرتّب أية عقوبة.

حادي عشر: المادة 36-218 تعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات من أتلف مزروعات نمت طبيعيا، وهذا أمر مبالغ فيه جدا، لأنه أحيانا قد يحصل ذلك جهلا بالقانون، أو بناء على ما يقتضيه قانون الطبيعة. كما أن المادة 17- 218، تُرتّب العقوبة على من قطع حبوب الغير دون أن تربِط ذلك بالفعل العمدي، فيمكن مثلا أن يَطلب شخص ما من عامل فلاح  قطع بعض الأشجار بمقابل مادي دون أن يخبره بأن الأمر يتعلق بنزاع حول الأرض أو المغروسات، وهنا يمكن أن يعاقَب العامل الفلاح على جرم لم يعمد إلى اقترافه. في الواقع، يبنغي الكف عن المعاقبة بالحبس الجنح المتعلقة بإتلاف المزروعات أو ما شابه ذلك، والاكتفاء بالغرامة، وفي حالة عدم التسديد يتم اللجوء بعد ذلك إلى الاكراه البدني، أو اللجوء إلى العقوبات البديلة.

في المقال القادم نتحدث عن موقع الحريات المدنية داخل مسودة مشروع القانون الجنائي.
 



الاحد 24 ماي 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter